والنّصيحة بالمفادات إلاّ كون الحسين عليهالسلام إماماً مفروض الطّاعة ، وهذا مغزى لا يبعث إليه إلاّ البصيرة المميّزة لشرف الغايات المُتحرّية لكرائمها.
ثُمّ إنّ من تخصيص الإمام عليهالسلام الخطاب له دون غيره من الشُّهداء ، بقوله : «لَعنَ اللّهُ مَنْ جَهلَ حَقّكَ ، واسْتَخفَّ بحُرمَتِكَ». نعرف أنّ غيره من الشُّهداء لم يُدرك هذا المدى ، وإنْ كان لكُلٍّ منهم حقّاً وحرمة ، إلاّ أنّ شبل أمير المؤمنين عليهالسلام كانت معارفه أوسع ، وإيمانه أثبت ، فكان له حقٌّ في الدِّين ، وحقٌّ على الاُمّة لا يُنكر ، فاستحقّ بكُلٍّ منهما اللعن على جاهلِهِ والمُستخفِ به. فالشُّهداء وإنْ أخلصوا في التضحية والمفادات ، وكان منبعثاً عن طهارة الضمائر والمعرفة بحقِّ الإمام عليهالسلام ، فلهم حقوقٌ وحُرمات ، لكنّ لحقِّ العبّاس منعةً بين هاتيك الحقوق ، ولحرمته بذخ بين تلك الحرمات ، بعد ما ثبت منهما لأخيه الإمام المظلوم عليهالسلام ، لنفوذ بصيرته وصلابة إيمانه بنصّ الصادق عليهالسلام.
ثُمّ قال الصادق عليهالسلام في الزيارة المتلوّة داخل الحرم : «أشهدُ واُشهدُ اللّهَ أنّكَ مضيتَ على مَا مضَى به البَدريّون» (١).
لقد جرى التشبيه بالبدريّين مجرى التقريب إلى الأذهان في الإشادة بموقف أبي الفضل من البصيرة ؛ فإنّ أهلَ بدر أظهر أفراد أهل البصائر ; لأنّهم قابلوا طواغيت قريش على حين ضعف في المسلمين ، وقلّة في العدّة والعتاد ، فلم يملكوا إلاّ فَرسين ، أحدهما : لمرثد بن أبي مرثد الغنوي ، والآخر : للمقداد بن الأسود الكندي ،
__________________
(١) المزار للشيخ المفيد / ١٢٢ ، المزار للمشهدي / ١٦٦ ، بحار الأنوار ٩٧ / ٤٢٧.