قريب من عالم الفناء.
وهذه المرتبة فوق مرتبة التوكّل ، التي هي فوق مرتبة الرضا ، لا تحصل إلاّ بالبصيرة النّافذة ، والوصول إلى أعلى مراتب اليقين ، تلك المرتبة التي أخبر عنها أمير المؤمنين عليهالسلام : «لو كُشِف الغطاءُ ما ازدَدتُ يقيناً».
أمّا العناوين الثلاثة ، وهي : التصديق ، والوفاء ، والنّصيحة ، فلا شكّ أنّ الإمام عليهالسلام يُريد أنّ أبا الفضل في أرقى مراتبها ؛ لانبعاثها عن التسليم وهو حقّ اليقين ؛ فإنّه المناسب لتصديقه بأخيه الحجّة ، وبنهضته في ذلك الموقف الحرج ، وهكذا وفاؤه ونصيحته ؛ فإنّ وفاء شخص لآخر كما يُمكن أنْ يكون لأجل الاُخوّة والرحم والصحبة ، يمكنْ أنْ يكون لأجل المعرفة التامّة بما أوجب اللّه له من الحرمة والحقّ على الاُمّة.
وحيث إنّ الإمام عليهالسلام أثبت لأبي الفضل أرقى مرتبة السّالكين ، وهي التسليم اللازم لحقّ اليقين ، فلا بدّ أنْ يكون ما صدر منه من التصديق بنهضة أخيه عليهالسلام ، والوفاء لحقّه والمُناصحة في العمل ، منبعثاً عن حقّ اليقين بذلك الأمر الواجب ، لا لأجل أنّ الحسين عليهالسلام أخوه أو رحمه أو ابن رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ؛ فإنّ هذه المرتبة وإنْ مُدح عليها الشخص إلاّ أنّ المرتبة الاُولّى أرقى وأرفع ، ولا ينالها إلاّ ذوو النّفوس القُدسيّة ممّن وجبت لهم العصمة.
ويؤيّد ذلك تعقيب العناوين الثلاثة بقوله عليهالسلام : «لِخَلَفِ النّبيِّ المُرْسَل». فإنّه لو لم يرد هذا لقال في الخطاب : (لأخيك) أو (للحسين) أو (لابن أمير المؤمنين) ، فالتعبير بخلف النّبيِّ لا يُراد منه إلاّ أنّ الدافع لأبي الفضل على التسليم والتصديق ، والوفاء