ليست بدعاءٍ من أحد ، ولا بأسباب عاديّة ، ولا يعدم هذه الأنبياء والأوصياء والأقلّون ممّن اقتفوا أثرهم ، وليست هي شرعة لكُلّ واردٍ ، وإنّما يحظى بها الأفذاذ ممّن كهربتهم القداسة الإلهيّة ، وجذبتهم جاذبة الصقع الربوبي ، وهكذا المُقرّبون والأفذاذ عند صعودهم.
وإذا قرأنا زيارة الصادق عليهالسلام لجدّه الحسين عليهالسلام : «سلامُ اللّهِ وسلامُ ملائكتِهِ فيما تروحُ وتغدو ، والزَّاكيات الطَّاهرات لك ، وعليك سلامُ الملائكةِ المُقرَّبينَ والمُسلِّمين لك بقلوبهم ، والنّاطقين بفضلك ...» (١). وضح لنا أنّ منزلة أبي الفضل تضاهي منزلة الحسين عليهالسلام ؛ حيث اُثبت له مثل هذا السّلام.
ثُمّ قال عليهالسلام : «أشهد لك بالتسليم والتصديق ، والوفاء والنّصيحة لخلف النّبي المرسل» (٢).
ها هنا أثبت لأبي الفضل منزلة التسليم التي هي من أقدس منازل السّالكين ، وفوق مرتبة الرضا والتوكّل ؛ فإنّ أقصى مرتبة الرضا أنْ يكون محبوب المولى سبحانه محبوباً له ، موافقاً لطبعه ، فالطبع ملحوظ فيه.
وأقصى مراتب التوكّل أنْ يُنزل نفسه بين يدي المولى سبحانه وتعالى منزلة الميّت بين يدي الغاسل ، بحيث لا إرادة له إلاّ ما يفعله الغاسل به ، فصاحب التوكّل مسلوب الإرادة ، وأمّا صاحب التسليم فلا يرى لغير اللّه وجوداً مع اللّه فضلاً عن نفسه ، ولا يكون له طبعٌ يوافق أو يخالف في الإرادة ، أو نفساً قد تنفّست بالإرادة ، فهو
__________________
(١) كامل الزيارات / ٣٥٨ ، بحار الأنوار ٩٨ / ١٤٨.
(٢) كامل الزيارات / ٤٤٠.