الواجب على وجه الوجوب ، والمندوب على وجه الندب ، فلو خالف بأن نوى بالواجب الندبَ عمداً أو جهلاً ، بطلت الصلاة ؛ للإخلال بالواجب على ذلك الوجه ، المقتضي للبطلان ، إلا ما استثني ، وليس هذا منه. ولعدم إتيانه بالمأمور به على وجهه ، فلم يطابق فعله ما في ذمّته ؛ لاختلاف الوجه ، وتمتنع إعادته ؛ لئلا يلزم زيادة أفعال الصلاة عمداً ، فلم يبق إلا البطلان.
ولو عكس بأن نوى بالمندوب من الأفعال الوجوب ، فإن كان الفعل ذِكْراً ، بطلت الصلاة أيضاً ؛ للنهي المقتضي للفساد. ولأنّه كلام في الصلاة ليس منها ولا ممّا استثني فيها. وإن كان فِعْلاً كالطمأنينة ، اعتبر في الحكم بإبطاله الكثرة التي تعتبر في الفعل الخارج عن الصلاة ، وإن لم يكن كثيراً ، لم تبطل ، وتقع لغواً ، مع احتمال البطلان به مطلقاً ؛ للنهي المقتضي للفساد. ويؤيّده أنّ تروك الصلاة لا تعتبر فيها الكثرة عدا الفعل الكثير كالتكتّف والاستدبار ، ودخوله تحت الفعل الكثير إنّما يتمّ لو لم يكن النهي حاصلاً في أوّل الفعل الذي مجرّده كافٍ في البطلان.
واستقرب الشهيد رحمهالله في البيان الصحّة (١) في هذا القسم مطلقاً ؛ لأنّ نيّة الوجوب إنّما أفادت تأكيد الندب ؛ إذ الواجب والندب يشتركان في الإذن في الفعل ، وينفصل الواجب عنه بالمنع من الترك ، ونيّة هذا القدر مع كون الفعل مشروعاً في نفسه غير مؤثّر فيه.
ويضعّف بأنّه تأكيد للشيء بما ينافيه ؛ إذ الوجوب والندب متباينان تبايناً كلّيّاً ، كما أنّ متعلّقيهما كذلك ، فيمتنع قيام أحدهما مقام الآخر. وأصل الرجحان الذي هو جنس لهما إنّما يتقوّم بفصله ، وهو المنع من الترك ليصير واجباً ، أو عدمه ليصير مندوباً ، ويمتنع قيام الجنس بدون فصله.
وأُورد بأنّ النيّة إنّما تؤثّر في الشيء القابل لمتعلّقها ، وما جَعَله الشارع ندباً يستحيل وقوعه واجباً ، فكأنّ الناوي نوى المحال ، فلا تؤثّر نيّته ، كما لو نوى الصعود إلى السماء.
ويجاب : بأنّ المانع قصد ذلك وتصويره بصورة الواجب وإن لم يكن كذلك شرعاً.
__________________
(١) البيان : ١٥٤.