فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وأما حق رعيتك بالسلطان فأن تعلم أنهم صاروا رعيتك لضعفهم وقوتك فيجب أن تعدل فيهم وتكون لهم كالوالد الرحيم ، وتغفر لهم جهلهم ، ولا تعاجلهم بالعقوبة ، وتشكر الله عزوجل على ما آتاك من القوة عليهم.
وأما حق رعيتك بالعلم فأن تعلم أن الله عزوجل إنما جعلك قيما لهم فيما آتاك من العلم ، وفتح لك من خزائنه ، فإن أحسنت في تعليم الناس ولم تخرق بهم (١) ولم تضجر عليهم زادك الله من فضله ، وإن أنت منعت الناس علمك أو خرقت بهم عند طلبهم العلم منك كان حقا على الله عزوجل أن يسلبك العلم وبهاءه ، ويسقط من القلوب محلك.
وأما حق الزوجة فأن تعلم أن الله عزوجل جعلها لك سكنا وانسا فتعلم أن ذلك نعمة من الله عزوجل عليك فتكرمها ، وترفق بها ، وإن كان حقك عليها أوجب فإن لها عليك أن ترحمها لأنها أسيرك ، وتطعمها وتكسوها ، وإذا جهلت عفوت عنها.
وأما حق مملوكك فأن تعلم أنه خلق ربك وابن أبيك وأمك ، ولحمك ودمك لم تملكه لأنك صنعته دون الله ، ولا خلقت شيئا من جوارحه ، ولا أخرجت له رزقا ولكن الله عزوجل كفاك ذلك ، ثم سخره لك ، وائتمنك عليه ، وأستودعك إياه ليحفظ لك ما تأتيه من خير إليه ، فأحسن إليه كما أحسن الله إليك ، وإن كرهته استبدلت به ، ولم تعذب خلق الله عزوجل ، ولا قوة إلا بالله.
وأما حق أمك فأن تعلم أنها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحدا ، وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحد أحدا ، ووقتك بجميع جوارحها ، ولم تبال أن تجوع وتطعمك ، وتعطش وتسقيك ، وتعرى وتكسوك ، وتضحى وتظلك ، وتهجر النوم لأجلك ووقتك الحر والبرد لتكون لها ، فإنك لا تطيق شكرها إلا بعون الله وتوفيقه.
__________________
(١) الخرق ـ بالضم والتحريك ـ : ضد الرفق وأن لا يحسن الرجل العمل.