والتفّ حول الأشعث جماعة من الخونة فأحاطوا بالإمام ، وهم ينادون : أجب الأشعث ، ولم يجد الإمام بُدّاً من إجابته ، فانطلق الخائن صوب معاوية ، فقال له : لأيّ شيء رفعتم هذه المصاحف ؟
فأجابه معاوية مخادعاً : لنرجع نحن وأنتم إلى أمر الله عزّ وجلّ في كتابه تبعثون منكم رجلاً ترضون به ، ونبعث منّا رجلاً ، ثمّ نأخذ عليهما أن يعملا بما في كتاب الله لا يعدوانه ، ثمّ نتّبع ما اتّفقنا عليه .
ورفع الأشعث عقيرته قائلاً : هذا هو الحقّ .
وخرج الأشعث من معاوية وهو ينادي بضرورة إيقاف الحرب ، والرجوع إلى كتاب الله العظيم ، ومن المؤكّد أنّ هذه الحركة الانقلابيّة التي تزعّمها هذا المنافق العميل لم تكن وليدة رفع المصاحف ، وإنّما كانت قبل زمن ليس بالقليل ، فقد كانت هناك اتّصالات سرّيّة بين الأشعث وبين معاوية ووزيره والفكر المدبّر لخدعه وأباطيله عمرو بن العاص ، وممّا يدلّ على ذلك أنّه لم تكن هناك رقابة ولا مباحث في جيش الإمام على مَن يتّصل بمعسكر معاوية ، فقد كان الطريق مفتوحاً ، وجرت اتّصالات مكثّفة بين معاوية والأشعث وغيره من قادة الجيش العراقي ، وقدّم لهم معاوية الرشوات ، ومنّاهم بالمراتب العالية ، وبالمزيد من الأموال إن استجابوا لدعوته .
وعلى أي حال ، فقد اُرغم الإمام على قبول التحكيم ، فقد أحاطت به قطعات من جيشه ، وقد شهرت عليه السيوف والرماح وهي تنادي : « لا حكم إلّا لله » ، واتّخذوا هذا النداء شعاراً لتمرّدهم ، ووقوفهم ضدّ الإمام ، وسرعان ما أصبحوا حركة ثوريّة ، ومصدر قلق مثير للفتن والاضطراب .
وعلى أي حال ، فقد
جهد الإمام بنفسه ورسله على إقناعهم وإرجاعهم إلى طريق الحقّ والصواب ، فلم يتمكّن ، ورأى أنّهم جادّون على مناجزته والإطاحة