أرأيتم وفاء هؤلاء الأبطال ، فهل تجدون لهم مثيلاً في تأريخ هذه الدنيا ، لقد ارتفعوا إلى مستوى من النبل والشهامة لم يبلغه أي إنسان ، وقد أعطوا بذلك الدروس المشرقة في الدفاع عن الحقّ .
وأعلن بقيّة أصحاب الإمام عليهالسلام الترحيب بالشهادة في سبيل إمامهم ، فجزاهم خيراً ، وأكّد لهم جميعاً أنّهم سينعمون في الفردوس الأعلى ، ويحشرون مع النبيّين والصدّيقين ، وهتفوا جميعاً : الحمد لله الذي أكرمنا بنصرك ، وشرّفنا بالقتل معك ، أوَلا ترضى أن نكون معك في درجتك يا بن رسول الله ؟ (١) .
لقد أُترعت نفوس هؤلاء الأبطال بالإيمان العميق ، فتحرّروا من جميع ملاذّ الحياة ولهوها ، واتّجهوا صوب الله ، فرفعوا راية الإسلام عالية خفّاقة في رحاب هذا الكون .
وأقبل الإمام عليهالسلام مع الصفوة الطيّبة المؤمنة من أهل بيته وأصحابه نحو الله يناجونه بقلوبهم وعواطفهم ، وهم يسألونه العفو والغفران ولم يذق أحد منهم طعم الرقاد ، فقد كانوا ما بين راكع وساجد وقارئ للقرآن ، وكان لهم دويّ كدويّ النحل .
وكانوا ينتظرون انبثاق نور الصبح بفارغ الصبر لينالوا الشهادة بين يدي ريحانة رسول الله صلىاللهعليهوآله .
وأما معسكر ابن زياد فقد باتوا وهم في شوق لطلوع الصبح ليريقوا دماء أهل البيت عليهمالسلام ليقترّبوا بها إلى سيّدهم ابن مرجانة .
وليس مثل يوم العاشر من المحرّم في مآسيه وكآبته وكوارثه ، فلم تبق محنة
__________________________
(١) نفس المهموم : ٢٠٨ . مقتل الحسين عليهالسلام : المقرّم : ٢٦١ .