ولم يزد ابن الحجّاج على ذلك ، فلم يقل لهم : إنّه ابن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وإنّهم هم الذين غرّوه وكاتبوه بالقدوم إلى مصرهم ، لم يقل ذلك خوفاً من أن تنقل الاستخبارات العسكريّة إلى ابن زياد ذلك فينال العقاب والحرمان ، وأيّد ابن الأشعث مقالته ، فاستجاب ابن سعد إلى تأجيل الحرب ، وأوعز إلى رجل من أصحابه أن يعلن ذلك ، فدنا من معسكر الإمام ورفع صوته قائلاً : يا شيعة الحسين ابن عليّ ، قد أجّلناكم يومكم هذا إلىٰ غدٍ ، فإن استسلمتم ونزلتم علىٰ حكم الأمير وجّهنا بكم إليه وإن أبيتم ناجزناكم (١) .
واُرجئ القتال إلى صبيحة اليوم العاشر من المحرّم ، وظلّ جيش ابن سعد ينتظرون الغد هل يجيبهم الإمام أو يرفض ما دعوه إليه .
وجمع ريحانة رسول الله صلىاللهعليهوآله أهل بيته وأصحابه في ليلة العاشر من المحرّم ، وعرض عليهم ما يلاقيه من الشهادة ، وطلب منهم أن ينطلقوا في رحاب الأرض ويتركوه وحده ليقلى مصيره المحتوم ، وقد أراد بذلك أن يكونوا على بيّنة من أمرهم فقال عليهالسلام لهم :
أُثْنِي عَلَى اللهِ أَحْسَنَ الثَّناءِ ، وَأَحْمَدُهُ عَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ، اللَّهُمَّ إنِّي أَحْمَدُكَ عَلَى أَنْ أَكْرَمْتَنا بِالنُّبُوَّةِ وَعَلَّمْتَنا الْقُرْآنَ ، وَفهَّمْتَنا فِي الدِّينِ ، وَجَعَلْتَ لَنا أَسْماعاً وَأَبْصارَاً وَأَفئِدَةً ، وَلَمْ تَجْعَلْنا مِنَ المُشْرِكِينَ .
أَمّا بَعْدُ ، فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَصْحَابَاً أَوْفَىٰ وَلَا خَيْراً مِن أَصْحابِي ، وَلَا أَهْلَ بَيْتٍ أَبَرَّ وَلَا أَوْصَلَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي ، فَجَزَاكُمُ اللهُ جَمِيعَاً عَنِّي خَيْراً ، أَلَا وَإِنِّي لَأَظُنُّ يَومَنَا مِنْ
__________________________
(١) الفتوح : ٥ : ٩٩ . تاريخ الاُمم والملوك : ٤ : ٣١٧ .