هؤلاء القوم الذين ما يبقون علىٰ أحد منهم .
فلم يعنَ الخبيث به ، وشدّ عليه فضربه بالسيف على رأسه الشريف ، فهوى إلى الأرض كما تهوي النجوم صريعاً يتخبّط بدمه القاني ، ونادى بأعلى صوته : « يا عمّاه » .
وكان الموت أهون على الإمام من هذا النداء ، فقد تقطّع قلبه ، وفاضت نفسه أسىً وحسرات ، وسارع نحو ابن أخيه ، فعمد إلى قاتله فضربه بالسيف ، فاتّقاها بساعده فقطعها من المرفق ، وطرحه أرضاً ، وحملت خيل أهل الكوفة لاستنقاذه إلّا أنّ الأثيم هلك تحت حوافر الخيل ، وانعطف الإمام نحو ابن أخيه فجعل يوسعه تقبيلاً والفتى يفحص بيديه ورجليه كالطير المذبوح ، وجعل الإمام يخاطبه بذوب روحه :
بُعْداً لِقَومٍ قَتَلوكَ ، وَمَنْ خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيْكَ جَدُّكَ . عَزَّ وَاللهِ عَلَىٰ عَمِّكَ أَنْ تَدْعُوَهُ فَلَا يُجِيبُكَ ، أَوْ يُجِيبَكَ فَلَا يَنفَعُكَ ، صَوتٌ وَاللهِ كَثُرَ وَاتِرُهُ ، وَقَلَّ ناصِرُهُ (١) .
وحمل الإمام ابن أخيه بين ذراعيه ، وهو يفحص بيديه ورجليه (٢) حتّى فاضت نفسه الزكيّة بين يديه .
وجاء به فألقاه بجوار ولده عليّ الأكبر ، وسائر القتلى الممجّدين من أهل بيته ، وأخذ يطيل النظر إليهم وقد تصدّع قلبه ، وأخذ يدعو على السفكة المجرمين من أعدائه الذين استباحوا قتل ذرّيّة نبيّه ، قائلاً :
اللّٰهُمَ احْصِهِمْ عَدَداً ، وَلَا تُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ، وَلَا تَغْفِرْ لَهُمْ أَبَداً ، صَبْراً يا بَنِي عُمُومَتِي ، صَبْراً يا أَهْلَ بَيْتِي ، لَا رَأَيْتُمْ هَواناً بَعْدَ هٰذَا الْيَومِ أبَداً (٣) .
__________________________
(١) الإرشاد : ٢ : ١٠٨ . تاريخ الاُمم الملوك : ٤ : ٤٣١ و ٣٤٢ . البداية والنهاية : ٨ : ١٨٨ .
(٢) البستان الجامع لجميع تواريخ أهل الزمان : ٢٥ .
(٣) الدر النظيم : ٢٧١ . مقتل الحسين عليهالسلام / الخوارزمي : ٢ : ٢٨ .