حاكم المدينة الوليد بن عقبة في غلس الليل ، وقد فهم الإمام ما أراد منه ، فاستدعى عضده وأخاه أبا الفضل العبّاس وسائر الفتية من أهل بيته ليقوموا بحمايته ، وأمرهم بالجلوس خارج الدار ، فإذا سمعوا صوته قد علا فعليهم أن يقتحموا الدار لإنقاذه ، ودخل الإمام على الوليد فاستقبله بحفاوة وتكريم ، ثمّ نعى إليه هلاك معاوية ، وما أمره به يزيد من أخذ البيعة من أهل المدينة عامّة ، ومن الحسين خاصّة ، فاستمهله الإمام حتّى الصبح ، ليجتمع الناس ، وقد أراد أن يعلن أمامهم رفضه الكامل لبيعة يزيد ، ويدعوهم إلى التمرّد على حكومته ، وكان مروان بن الحكم الذي هو من رؤوس المنافقين ، ومن أعمدة الباطل حاضراً ، فاندفع لاشعال نار الفتنة ، فصاح بالوليد : لئن فارقك الساعة ، ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً حتّى تكثر القتلى بينكم وبينه ، احبسه فإن بايع ، وإلّا ضربت عنقه .
ووثب أبيّ الضيم في وجه مروان ، فقال محتقراً له : « يا بن الزَّرْقاءِ ، أَأَنْتَ تَقْتُلَنِي أَمْ هُوَ ؟ كَذِبْتَ وَاللهِ وَلَؤُمْتَ » (١) .
ثمّ التفت أبو الأحرار إلى الوليد فأخبره عن عزمه وتصميمه في رفضه لبيعة يزيد قائلاً :
« أَیُّهَا الْأَمِیرُ ، إِنّا أَهْلُ بَیْتِ النُّبُوَّةِ ، وَمَعْدِنُ الرِّسالَةِ ، وَمُخْتَلَفُ المَلَائِکَةِ ، وَمَحَلُّ الرَّحْمَةِ ، وَبِنا فَتَحَ اللهُ وَبِنَا خَتَمَ ، وَیَزِیدُ رَجُلٌ فاسِقٌ فاجِرٌ ، شَارِبُ خَمْرٍ ، قاتِلُ النَّفْسِ المُحَرَّمَةِ ، مُعْلِنٌ بِالْفِسْقِ ، وَمِثْلِي لَا یُبایعُ مِثْلَهُ ، وَلَکِنْ نُصْبِحُ وَتُصْبِحُونَ ، وَنَنْظُرُ وَتَنْظُرُونَ أَیُّنا أَحَقُّ بِالخِلَافَةِ وَالْبَیْعَةِ » (٢) .
__________________________
(١) الإرشاد / المفيد :٢: ٣٣ . وقعة الطفّ / أبو مِخنف : ٨١ . تاريخ الاُمم والملوك : ٤ : ٢٥١ . الكامل في التاريخ : ٣ : ٢٦٤ .
(٢) اللهوف : ١٠ . مثير الأحزان : ٢٣ و ٢٤ . عوالم العلوم : ١٧ : ١٧٤ . الفتوح : ٥ : ١٤ . مقتل الحسين عليهالسلام / الخوارزمي : ١ : ١٨٤ .