مسألة [٢] :
اشترط الشهيد في الدروس دوام النبع في عدم انفعال قليل الجاري بالملاقاة (١) ، وتبعه بعض المتأخّرين. ولا يخلو هذا الشرط من إجمال.
وقد اختلف كلام من تأخّر عنه من الأصحاب في بيان المراد منه ، فذكروا فيه وجهين :
أحدهما : أنّ المراد بالدوام عدم الانقطاع في أثناء الزمان ، ككثير من المياه التي تخرج زمن الشتاء وتنقطع في الصيف.
وهذا المعنى وإن كان له قرب بالنظر إلى ظاهر اللفظ لكونه المتبادر منه في العرف لكنّه مستبعد في نفسه جدّا.
أمّا أوّلا : فلأنّه لا شاهد له من الأخبار ، ولا يساعد عليه الاعتبار. فهو تخصيص لعموم الدليل بمجرّد التشهّي.
وأمّا ثانيا : فلأنّ الدوام بالمعنى المذكور إن اريد به ما يعمّ الزمان كلّه فلا ريب في بطلانه ؛ إذ لا سبيل إلى العلم به. وإن خصّ ببعضها فهو مجرّد التحكّم.
وبالجملة فهذا المعنى من الفساد بحيث لا يحتاج إلى البيان. وقد قال الفاضل الشيخ علي في بعض فوائده :
« إنّ أكثر المتأخّرين عن الشهيد رحمهالله ممّن لا تحصيل لهم فهموا هذا المعنى من كلامه وهو منزّه عن أن يذهب إلى مثله فإنّه تقييد لإطلاق النصّ بمجرّد الاستحسان ، وهو أفحش أغلاط الفقهاء ».
وبالغ في توجيه فساده حتّى قال : « إنّه ليس محطّ نظر فقيه فيحتاج إلى
__________________
(١) الدروس الشرعيّة ١ : ١١٩.