فكانت حكومتهم هي السبب الآخر من أسباب ازدهار قم والريّ في هذا العصر.
ونشطت حركة التأليف والبحث الفقهي في هذا العصر نشاطا كبيرا إذ دوّنت اولى المجاميع الحديثية الموسّعة وهي ( الكافي ) و ( من لا يحضره الفقيه ) للشيخين العظيمين الكليني ( م ٣٢٩ ) والصدوق ( م ٣٨١ ).
ثمّ أصبحت بغداد في القرن الخامس الهجري مركز الثقل الأوّل علميا وثقافيا في العالم الإسلامي وانتقلت الحركة العلمية الشيعية من قم والريّ إليها بعد أن ضعف جهاز الحكم العباسي وظهرت شخصيات علمية كبيرة في بغداد كالمفيد والمرتضى وتوسّعت المدرسة الفقهية الشيعية توسّعا أدّى بها إلى الانتقال إلى حاضرة العالم الإسلامي في ذلك الوقت.
وقد قدّر للشيخ المفيد أن يكون رائدا فكريا لهذا العصر وأن يطوّر من مناهج الفقه وقواعده. وحاول السيد المرتضى أن يتابع خطوات استاذه المفيد في تطوير مناهج الفقه والاصول. وعاصر الشيخ الطوسي حركة التطوير التي بدأها المفيد وتابعه فيها المرتضى واستمرّ بعدهما في محاولات التجديد والتطوير فقها واصولا : مادّة ومنهجا واسلوبا.
وتعتبر مدرسة المفيد هذه ـ فتحا جديدا في عالم البحث الفقهي .. إذ استطاع المفيد أن يقوم بدور الجمع بين اتّجاهين متطرّفين : اتّجاه أهل الحديث واتّجاه أهل الرأي ، فكان اتّجاها وسطا بينهما ، فلا جمود ولا انطلاق بل أمر بين أمرين (١). وأهمّ ملامح هذه المدرسة هي :
١ ـ خروج الفقه عن دور الاقتصار على استعراض نصوص الكتاب والسنّة إلى معالجة النصوص باستخدام قواعد علم الاصول ، فقد انقلبت عملية
__________________
(١) تأريخ التشريع الإسلامي ، الدكتور عبد الهادي الفضلي : ٢٦٢ ـ ٢٦٤.