شرح الحلقة الثّالثة - ج ٦

الشيخ حسن محمّد فيّاض حسين العاملي

شرح الحلقة الثّالثة - ج ٦

المؤلف:

الشيخ حسن محمّد فيّاض حسين العاملي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٣

ويلاحظ على هذا الاستدلال :

أوّلا بأنّه وقع خلط فيه بين ما هو داخل في المعارضة عمّا هو خارج عنها ، وبين ما هو ملاك القرينيّة والمناط في تقديم الخاصّ على العامّ ، فهنا مطلبان مستقلاّن :

أحدهما : مرتبط في وقوع المعارضة وعدم وقوعها ، وهذا فرع أن يكون الدليلان أو المدلولان حجّة ؛ لأنّ ما لا يكون حجّة لا يعارض ما هو حجّة ، فالمعارضة فرع الحجّيّة بين الدليلين أو المدلولين. وهذا المطلب لا شكّ فيه ، بل هو مسلّم في نفسه ومقبول.

والآخر : مرتبط بما هو ملاك القرينيّة في تقديم الخاصّ على العامّ ، وهذا مطلب موقوف على معرفة ما هو البناء العرفي والعقلائي الذي على أساسه يتقدّم الخاصّ على العامّ.

وقد ذكرنا أنّ الملاك هو الأخصّيّة ولكن هذه الأخصّيّة فيها احتمالان :

أحدهما : أن يراد بالأخصّيّة الأخصّيّة بلحاظ ما هو داخل في المعارضة.

والآخر : أن يراد بالأخصّيّة الأخصّيّة بلحاظ ما يكون أخص بحسب مدلوله.

فعلى الاحتمال الأوّل تتمّ مقالة الميرزا ؛ لأنّ ما هو داخل في المعارضة إنّما هو مقدار ما يكون حجّة فقط ، والمقدار الحجّة في العامّ الأوّل إنّما هو المقدار الذي بقي تحته بعد التخصيص ، ممّا يعني انقلاب النسبة ؛ لأنّه بعد التخصيص يصبح أخصّ مطلقا من العامّ الثاني.

بينما على الاحتمال الثاني لا تتمّ مقالة الميرزا ؛ لأنّ الأخصّيّة بحسب المدلول إنّما هي بلحاظ ما يحكي ويكشف عنه الدليل تكوينا ، وهنا العامّ الأوّل يحكي ويكشف عن العموم والشمول وإن لم يكن حجّة في ذلك بسبب وجود المخصّص ، إلا أنّ وجود المخصّص لا يسلب عن العامّ ظهوره في العموم كما تقدّم مرارا ، بل يرفع حجّيّته في ذلك فقط ، وفرق كبير بين رفع الظهور وبين رفع الحجّيّة ، والتسليم بالثاني لا يستلزم التسليم بالأوّل كما هو واضح.

وعليه ، فملاك القرينيّة يحتمل كلا هذين الأمرين ولا موجب لترجيح أحدهما على الآخر لمجرّد التسليم بالمطلب الأوّل ، وهو كون المعارضة لا تكون إلا بين ما هو حجّة ، بل لا بدّ من ترجيح أحدهما على الآخر بملاحظة البناء العرفي العقلائي ، وهذا البناء العرفي العقلائي لا يعلم أنّه يرى الأخصّيّة بلحاظ ما هو الحجّة ، بل لعلّه يراها بلحاظ ما هو المدلول والمفاد فقط.

٨١

والحاصل : أنّ الأخصّيّة التي يحكم العرف على أساسها بتقديم الخاصّ على العامّ كما يمكن فرضها بلحاظ الحجّيّة يمكن فرضها أيضا بلحاظ المدلول والمفاد ، وتحديد أحدهما وتعيينه لا بدّ فيه من مراجعة العرف والبناء العقلائي ، ولا يكفي فيه الاستناد إلى المطلب الأوّل من كون المعارضة لا تتحقّق إلا بما هو حجّة ، ولذلك لا بدّ من البحث عن البناء العرفي ، ولذلك نقول :

بل هذا هو المطابق للمرتكزات العرفيّة ؛ لأنّ النكتة في جعل الأخصّيّة قرينة هي ما تسبّبه الأخصّيّة عادة من قوّة الدلالة. ومن الواضح أنّ قوّة الدلالة إنّما تحصل من الأخصّيّة مدلولا ، وأمّا مجرّد سقوط حجّيّة العامّ الأوّل في بعض مدلوله فلا يجعل دلالته في وضوح شمولها للبعض الآخر على حدّ خاصّ يرد فيه مباشرة.

فالصحيح ما ذهب إليه صاحب ( الكفاية ).

وثانيا : أنّ البناء العرفي والمرتكزات العقلائيّة تعيّن كون الملاك في الأخصّيّة هي الأخصّيّة بلحاظ المدلول لا الأخصّيّة بلحاظ الحجّيّة.

والوجه في ذلك : هو أنّ نكتة تقديم الخاصّ على العامّ كون الأخصّيّة في الخاصّ ناشئة عن قوّة الدلالة فيه ؛ لأنّه نصّ في مورده ، فإذا ورد : ( أكرم كلّ عالم ) ، ثمّ ورد :

( لا تكرم العالم الفاسق ) كان الخاصّ متقدّما على العامّ بسبب القوة في دلالته ؛ لأنّه نصّ في مورده بينما العامّ ظاهر في الشمول لهذا المورد بعمومه ، وهذا معناه أنّ قوّة الدلالة في الخاصّ هي الموجبة للتخصيص.

وحينئذ نقول : إنّ قوّة الدلالة التي تنشأ منها الأخصّيّة إنّما هي الأخصيّة في المدلول ؛ لأنّ ما يدلّ عليه الخاصّ أقوى ممّا يدلّ عليه العامّ بلحاظ مورد اجتماعهما ؛ لأنّ الخاصّ ينصّ على ثبوت الحكم في مورده بعنوانه الخاصّ بينما العامّ يثبت الحكم لمورد الخاصّ بعمومه لا بعنوانه الخاصّ ، وهذا الأمر يعتبر عند العرف موجبا للأقوائيّة في الدلالة.

وأمّا الأخصّيّة الناشئة من سقوط العامّ عن الحجّيّة في بعض أفراده وبقائه في البعض الآخر ، والتي هي أخصّيّة بلحاظ الحجّيّة فقط لا المدلول والدلالة ، فهذه الأخصّيّة لا تجعل العامّ الذي صار حجّة في بعض مدلوله أقوى دلالة من العامّ الثاني ؛ لأنّهما على حدّ واحد بالنسبة لمورد اجتماعهما.

فكلاهما يثبتان الحكم له على أساس العموم والشمول فيهما ، ومجرّد خروج بعض

٨٢

الأفراد عن شمول وعموم العامّ الأوّل لا يصيّره أخصّ دلالة من العامّ الثاني ؛ لأنّ هذه الأخصّيّة قد علمت من الخارج لا من نفس الدليل ، والأخصّيّة المعلومة من الخارج لا توجب التخصيص.

نظير ما إذا كان لدينا عامّ وكانت بعض أفراده غير متحقّقة الوجود ، فإنّ هذا لا يصيّره أخصّ بحسب الدلالة من العامّ الآخر ؛ لأنّ خروج بعض الأفراد كان من الخارج لا من نفس الدليل ، وهنا كذلك.

وبكلمة أوضح : إنّ العقلاء يقدّمون الخاصّ على العامّ لنكتة لا لمجرّد كونه خاصّا ، وهذه النكتة هي كونه نصّا في مورده ، فهناك تنصيص وتركيز في الخاصّ بخلاف العامّ فليس فيه هذا التنصيص والتركيز.

وهذا التنصيص والتركيز غير موجود في العامّ الذي خصّص بدليل الخاصّ فصار حجّة في الباقي فقط ؛ لأنّ حجّيّته في الباقي لا تعني صيرورته ناظرا إلى ما بقي تحته بالنصّ ، بل لا يزال شاملا لما بقي تحته بلحاظ عمومه وشموله له ، وهذا نظير القدر المتيقّن المعلوم من الخارج فإنّه لا يوجب صيرورة العامّ أخصّ من العامّ الآخر المعارض له بنحو التباين ، ولذلك لا يكون قرينة عليه بل هما متعارضان بنحو التباين.

كما إذا قيل : ( ثمن العذرة سحت ) ، وقيل : ( لا بأس ببيع العذرة ) فنحن نعلم من الخارج بأنّ القدر المتيقّن من بطلان البيع هو عذرة غير المأكول أو العذرة النجسة ، ولكنّ هذا العلم من الخارج لا يوجب صيرورة العامّ الأوّل أخصّ من العامّ الثاني ، بل هما على حدّ واحد.

وبهذا يظهر أنّ نظريّة انقلاب النسبة لا يمكن التسليم بها في المخصّص المنفصل لأحد العامّين ، والنتيجة سوف تكون سقوط العامّ الأوّل عن بعض أفراده بسبب وجود الخاصّ ، وكون البعض الآخر الباقي تحته داخلا في المعارضة مع العامّ الثاني وساقطا أيضا بسببها (١).

__________________

(١) ويمكن التعليق على ما ذكره السيّد الشهيد فنقول : إنّ الأخصّيّة كما تقدّم منه لا يشترط فيها الأقوائيّة في الدلالة والظهور ولذلك يتقدّم الخاصّ على العامّ حتّى ولو كان من أضعف الظهورات.

٨٣

.........................................

__________________

وهذا معناه أنّ الملاك في الأخصّيّة ليس هو أقوائيّة الدلالة ، وإنّما الملاك فيها شيء آخر وهو الكشف عن المراد الجدّي والنهائي من العامّ ، فكلّما كان هناك كشف في الخاصّ عن المراد الجدّي الواقعي كان متقدّما على العام سواء كانت دلالته قوية أم لا.

وحينئذ لا يختلف حال الخاصّ الكاشف عن المراد الجدّي الواقعي بين أن يكون ثابتا بدليل واحد أو بدليلين أو أكثر.

ففي موارد العامّين المتعارضين مع وجود المخصّص لأحدهما ، سوف يصبح العامّ المخصّص كاشفا عن المراد الجدّي في العامّ الثاني ، وهذا الكشف وإن لم يكن ابتداء وإنّما حصل نتيجة تخصّصه ، إلا أنّ هذا لا يضرّ ما دام الكشف قد وجد فيه ، فالمناط على الكاشفيّة عن المراد الجدّي ، وأمّا سببها فقد يكون الظهور التكويني كالخاصّ مباشرة وابتداء ، وقد يكون بسبب انقلاب النسبة أي العامّ المخصّص ، ولعلّ العرف يرى ذلك ايضا.

٨٤

أحكام

عامّة للجمع العرفي

٨٥
٨٦

٣ ـ أحكام عامّة للجمع العرفي

للجمع العرفي بأقسامه أحكام عامّة نذكر فيما يلي جملة منها :

الجهة الثالثة : يبحث فيها عن الأحكام العامّة للجمع العرفي بتمام أقسامه من الحكومة والتقييد والتخصيص والأظهريّة ، ويمكننا ذكر جملة من هذه الأحكام :

١ ـ لا بدّ لكي يعقل الجمع العرفي أن يكون الدليلان المتعارضان لفظيّين أو ما بحكمهما ، وصادرين من متكلّم واحد أو جهة واحدة ؛ وذلك لأنّ ملاك الجمع العرفي كما تقدّم (١) هو إعداد أحد الدليلين لتفسير الآخر إعدادا شخصيّا أو نوعيّا ، وهذا إنّما يصحّ في الكلام وعلى أن يكون المصدر واحدا ليفسّر بعض كلامه بالبعض الآخر.

الحكم الأوّل : يشترط في الجمع العرفي أمران :

أحدهما : أن يكون الدليلان المتعارضان لفظيّين أو ما بحكمهما كظهور الحال مثلا لما تقدّم سابقا.

وهذا الشرط واضح ؛ لأنّ التعارض بين الدليلين بلحاظ الدلالتين والظهورين فيهما ، فإذا لم يكن التعارض مستقرّا بل كان يمكن فيه الجمع العرفي ، فهذا معناه اتّجاه الجمع نحو الدلالتين والمدلولين ، وهذا لا يتمّ إلا في الكلام وعالم الألفاظ ؛ لأنّها هي التي لها دلالة ومدلول ، أو ما يكون بحكم الألفاظ من ظهور الحال فإنّه يحتوي على دلالة أيضا.

وهذا لا يحتاج إلى دليل وبرهان ؛ لأنّ العامّ والخاصّ والمطلق والمقيّد والظاهر والأظهر والحاكم والمحكوم كلّها دلالات لفظيّة ، أي أنّها مستفادة من عالم الألفاظ.

ومن هنا لو كان أحد الدليلين لفظيّا والآخر ليس لفظيّا ولا ما هو بحكم اللفظي

__________________

(١) في النظرية العامّة للجمع العرفي.

٨٧

فلا يمكن الجمع العرفي بينهما ، بل يقع التعارض المستقرّ كما إذا تعارض دليل لبّي كالإجماع أو السيرة أو الشهرة مع دليل لفظيّ كالخبر مثلا.

والآخر : أن يكون الدليلان اللذان يجمع بينهما جمعا عرفيّا صادرين من متكلّم واحد أو ما هو بحكم المتكلّم الواحد ، كما إذا كانت الجهة التي يصدر عنها الكلام واحدة ولكنّ المتكلّمون عنها متعدّدون كالأنبياء والأئمّة ـ عليهم الصلاة والسلام ـ فإنّهم جميعا ينطقون عن جهة واحدة وهي لسان الشارع والشريعة.

وهذا الشرط واضح ؛ لأنّ القرينيّة معناه الإعداد الشخصي أو النوعي للدليل الذي يكون مفسّرا للمراد الجدّي النهائي ، والقرينيّة لا تكون إلا من قبل المتكلّم صاحب الكلام لا من غيره.

إذ لا دخالة لمتكلّم آخر في تفسير مراد المتكلّم الأوّل إلا إذا كان وكيلا عنه في ذلك أو مفوّضا من قبله أو كانا متكلّمين عن جهة واحدة قد خوّلتهما ذلك الحقّ ، وأمّا مع فرض التعدّد فلا يمكن الجمع العرفي بين كلاميهما ، بل يقع التعارض بينهما فيما إذا كانا معا حجّة ، كما إذا قامت بيّنة على طهارة هذه الأواني وقامت أخرى على نجاسة واحد منها بعينه ، فلا يجمع بينهما بل يقع التعارض في مورد الاجتماع ويحكم بتساقطهما فيه.

٢ ـ وأيضا إنّما يصحّ الجمع العرفي إذا لم يوجد علم إجمالي بعدم صدور أحد الكلامين من الشارع ، إذ في هذه الحالة يكون التعارض في الحقيقة بين السندين لا بين الدلالتين ، والجمع العرفي علاج للتعارض بين الدلالتين لا بين السندين.

الحكم الثاني : يشترط في الجمع العرفي ألاّ يكون هناك علم إجمالي بعدم صدور أحدهما ، فإنّه إذا علم إجمالا بعدم صدور أحد الدليلين فسوف نعلم بعدم حجّيّة أحدهما غير المعيّن ، فيكون سنده ساقطا عن الاعتبار والحجّيّة ولا يمكن التعبّد به ، ومع عدم إمكان الأخذ به لا معنى للجمع العرفي بين الدلالتين ؛ لأنّ هذا متأخّر رتبة عن جواز العمل بكلا الدليلين المستلزم لحجّيّتهما معا.

فمثلا إذا علمنا بكذب الراوي في أحد الدليلين ، فهذا معناه سقوطه عن الحجّيّة فلا تشمله حجّيّة السند للعلم بعدم صدوره ، ولذلك لا يصلح للتخصيص أو التقييد أو للحكومة أو للتقدّم بالأظهريّة على الدليل الآخر ؛ لأنّ ما لا يكون حجّة في نفسه

٨٨

لا يصلح لأن يعارض ـ ولو تعارضا غير مستقرّ ـ لما يكون حجّة في نفسه ، بل يؤخذ بالدليل الحجّة فقط.

وأمّا إذا علمنا بكذب أحدهما غير المعيّن فسوف نعلم إجمالا بكذب أحدهما وعدم صدوره ، وحيث لا ترجيح لأحدهما على الآخر فيقع التعارض بينهما بلحاظ دليل حجّيّة السند والصدور فيتساقطان معا ولا يؤخذ بشيء منهما.

والحاصل : أنّ الجمع العرفي فرع ثبوت كلا الدليلين وصدورهما معا وهذا متوقّف على أن يكونا معا حجّة ويجوز التعبّد بهما ، وحيث إنّ أحدهما قرينة على الآخر فيجمع بينهما جمعا عرفيّا للقرينيّة الشخصيّة أو النوعيّة ، وأمّا مع عدم صدورهما معا أو أحدهما المعيّن أو غير المعيّن فلا يقع الجمع العرفي بينهما ، بل يؤخذ بما يكون حجّة منهما ويترك الآخر ، أو يقع التعارض بينهما ويحكم بتساقطهما معا.

٣ ـ ولا يخلو الكلامان اللذان يراد تطبيق الجمع العرفي عليهما من إحدى أربع حالات :

الأولى : أن يكون صدور كلّ منهما قطعيّا ، وفي مثل ذلك لا يترقّب سريان التعارض إلا إلى دليل حجّيّة الظهور ، والمفروض أنّه لا يشمل ذا القرينة مع وجود القرينة ، وبذلك يتمّ الجمع العرفي.

الحكم الثالث : في استعراض حالات الدليلين اللذين يجمع بينهما جمعا عرفيّا.

الحالة الأولى : أن يكون الدليلان قطعيّين من حيث الصدور ، كما إذا ورد خبران قطعيّان أحدهما عامّ والآخر خاصّ ، فهنا التعارض لا يسري إلى السند أو الصدور للعلم بصدورهما معا ، وهذا معناه اختصاص التعارض بينهما بلحاظ حجّيّة الظهور ، فإنّ العامّ ينعقد ظهوره في العموم ويشمله دليل الحجّيّة أي حجّيّة الظهور ، والخاصّ كذلك ، ولكن يتقدّم الخاصّ على العامّ هنا للقرينيّة النوعيّة بملاك الأخصّيّة في الدلالة والمفاد فإنّه نصّ في مورده كما تقدّم.

وهذا معناه أنّ دليل حجّيّة الظهور سوف يختصّ بمورد الخاصّ ولا يشمل العامّ في هذا المورد ، وإن كان يشمله بلحاظ سائر الموارد الأخرى غير مورد الخاصّ.

وبتعبير آخر : إنّ دليل حجّيّة الظهور يشمل الدليل الذي يكون قرينة ولا يشمل الدليل ذا القرينة في مورد اجتماعهما. نعم ، يشمله في غير مورد الاجتماع ، ويتمّ

٨٩

الجمع العرفي بينهما على أساس تقديم الخاصّ أو القرينة في مورده على العامّ أو ذي القرينة.

الثانية : أن يكون صدور كلّ منهما غير قطعي ، وإنّما يثبت بالتعبّد وبدليل حجّيّة السند مثلا كما في أخبار الآحاد ، وفي مثل ذلك لا يسري التعارض لا إلى دليل حجّيّة الظهور ولا إلى دليل حجّيّة السند.

أمّا الأوّل فلما تقدّم ، وأمّا الثاني فلأنّ مفاد دليل التعبّد بالسند الأخذ بالمفاد العرفي الذي تعيّنه قواعد المحاورة العرفيّة لكلّ من المنقولين ، فإذا انحلّ الموقف على مستوى دليل حجّيّة الظهور وعدّل مفاد ذي القرينة على نحو أصبح المفاد العرفي النهائي للدليلين منسجما لم يعد مانعا من شمول دليل التعبّد بالسند لكلّ منهما استطراقا إلى ثبوت المدلول النهائي لهما.

الحالة الثانية : أن يكون الدليلان ظنّيّين من حيث الصدور ، كما إذا ورد خبران لثقتين أحدهما عامّ والآخر خاصّ ، فهنا يشملهما دليل حجّيّة السند وجواز التعبّد بهما والأخذ بهما على أساس التعبّد بصدورهما معا الثابت بدليل حجّيّة السند.

وفي هذه الحالة هل يكون هناك تعارض بين الدليلين بلحاظ حجّيّة الظهور وبلحاظ حجّيّة السند أو لا؟

وبتعبير آخر : هل دليل حجّيّة الظهور يشمل كلا الدليلين فيقع التعارض فيه أو أنّه يختصّ بأحدهما فقط؟ وهل دليل حجّيّة السند الشامل لهما معا يقع التعارض بينهما بلحاظه أو يمكن الأخذ بهما معا من دون أيّ محذور في ذلك؟

والجواب : أمّا بالنسبة لحجّيّة الظهور فلا تعارض بين الدليلين بلحاظهما لما تقدّم في الحالة الأولى من أنّ الدليل الذي يكون قرينة يشمله دليل حجّيّة الظهور دون الدليل ذي القرينة ، فإنّه لا يشمله دليل حجّيّة الظهور بالنسبة لمورد الاجتماع وإن كان يشمله بالنسبة لبقية الموارد الأخرى ، وهذا معناه أنّ الجمع العرفي تامّ بين الظهورين والدلالتين لتقدّم الخاصّ على العامّ في مورده مثلا.

وأمّا بالنسبة لحجّيّة السند فأيضا لا يقع التعارض بين الدليل القرينة وذي القرينة بلحاظ حجّيّة السند والتعبّد بصدورهما وجواز الأخذ بهما معا ؛ لأنّه لا محذور في ذلك حيث إنّ دليل التعبّد بالسند مفاده الأخذ بالمفاد العرفي ، وهذا المفاد العرفي يتعيّن

٩٠

طبقا لقواعد الجمع العرفي على أساس ما هو المتداول بين العقلاء في المحاورات وأساليب الكلام والبيان والتفهيم.

والمفروض هنا أنّ الجمع العرفي بين الدليلين تامّ ، ممّا يعني أنّ المفاد فيهما يمكن الأخذ به والتعبّد به أيضا بعد إجراء عمليّة التعديل في دليل العامّ وإخراج مورد الخاصّ منه.

وهذا معناه أنّ حجّيّة الظهور فيهما بعد أن تمّ تعديلها وفقا للجمع العرفي فسوف لن يكون هناك أيّ مانع أمام حجّيّة السند في شمولها للدليلين ، بحيث يؤخذ بمفادهما معا بعد الجمع العرفي ؛ لأنّه يكون كلا الدليلين منسجمين في الدلالة حينذاك.

نعم ، لا يمكن شمول حجّيّة السند لهما قبل الجمع العرفي لفرض التعارض بينهما في المفاد بلحاظ مورد الاجتماع ، ولكن لمّا انحلّ هذا التعارض بالجمع العرفي وصارا منسجمين في الدلالة لم يعد هناك ما يمنع من شمول حجّيّة السند لهما وجواز التعبّد بمفاديهما بعد التعديل.

وبذلك يظهر أنّه لا تعارض بين الدليلين الظنّيّين لا في الظهور لعدم شموله إلا لأحدهما فقط ، وهو الدليل القرينة في مورده ، ولا في الحجّيّة لجواز التعبّد بمفاديهما بعد الجمع العرفي.

الثالثة : أن يكون صدور القرينة قطعيّا وصدور ذي القرينة مرهونا بدليل التعبّد بالسند ، والأمر فيه يتّضح ممّا تقدّم في الحالة السابقة ، فإنّه لا مانع من شمول دليل التعبّد بالسند لذي القرينة استطراقا إلى إثبات مدلوله المعدّل حسب قواعد المحاورة العرفيّة والجمع العرفي.

الحالة الثالثة : أن يكون الدليل القرينة قطعيّا والدليل ذو القرينة ظنّيّا من حيث الصدور ؛ كما إذا ورد الخاصّ القرينة في دليل قطعي الصدور كالخبر المتواتر أو الآية الكريمة ، وورد العامّ ذو القرينة بدليل ظنّي الصدور كخبر الثقة.

فهنا لا تعارض بينهما أيضا لا في دليل حجّيّة الظهور ولا في دليل حجّيّة السند كما تقدّم في الحالة الثانية تماما.

أمّا عدم التعارض بينهما بلحاظ دليل حجّيّة الظهور فلأنّ دليل حجّيّة الظهور لا

٩١

يشمل إلا الدليل الخاصّ القرينة ، ولا يشمل الدليل العامّ ذا القرينة في مورد اجتماعه مع الخاصّ كما تقدّم بيانه في الحالة الأولى والثانية.

وأمّا عدم التعارض بينهما بلحاظ دليل حجّيّة السند فلأنّ دليل القرينة أي الخاصّ قطعي الصدور فهو حجّة ذاتا ولا يحتاج إلى دليل التعبّد بالسند أصلا ، وأمّا الدليل العام ذو القرينة فهو يحتاج إلى دليل حجّيّة السند لجواز التعبّد بمفاده ، وهنا ليس هناك أي مانع من التعبّد بدليل العام ذي القرينة بعد تعديل ظهوره بالجمع العرفي بينه وبين الخاصّ ، فإنّه بعد التعديل وإخراج مورد الخاصّ منه يكون مفاده سالما عن المعارض ، فيجوز الأخذ به وهذا هو مفاد التعبّد بدليل حجّيّة السند ؛ لأنّ مفاده كما تقدّم هو الأخذ بالمفاد العرفي الذي تعيّنه المحاورات العرفيّة وهذا تامّ هنا.

الرابعة : أن يكون صدور القرينة مرهونا بدليل التعبّد بالسند ، وصدور ذي القرينة قطعيّا ، وفي هذه الحالة قد يقال بأنّ ظهور ذي القرينة باعتباره أمارة لا يعارض ظهور القرينة بالذات ليقال بتقدّم ظهور القرينة عليه بالجمع العرفي ، بل هو يعارض المجموع المركّب من أمرين هما : ظهور القرينة وسندها ، إذ يكفي في بقاء ظهور ذي القرينة أن يكون أحد هذين الأمرين خاطئا ، وعليه فما هو المبرّر لتقديم القرينة الظنّيّة السند في هذه الحالة؟

ومجرّد أنّ أحد الأمرين المذكورين له حقّ التقديم وهو ظهور القرينة لا يستوجب حقّ التقديم لمجموع الأمرين.

وإن شئت قلت : إن شمول دليل حجّيّة الظهور لذي القرينة وإن كان لا يعارض شموله لظهور القرينة ولكنّه يعارض شمول دليل التعبّد بالسند لسند القرينة.

ومن هنا استشكل في تخصيص العامّ الكتابي بخبر الواحد.

الحالة الرابعة : أن يكون الدليل ذو القرينة قطعيّا بينما الدليل القرينة ظنّيّا من حيث الصدور ؛ كما إذا ورد العامّ في دليل قطعي الصدور كالخبر المتواتر أو الكتاب الكريم ، وورد الدليل الخاصّ القرينة في خبر ثقة مثلا ، فهنا هل يقع التعارض بينهما بلحاظ حجّيّة الظهور وبلحاظ حجّيّة السند أو لا؟

٩٢

قد يقال : إنّ العامّ القطعي الصدور لا يعارض فقط الظهور في الدليل الخاصّ ليقال بتقديم الخاصّ عليه على أساس الجمع العرفي ، بل هو كما يعارض الظهور في الدليل الخاصّ يعارض أيضا السند الظنّي في الدليل الخاصّ.

والوجه في ذلك : أنّ الدليل الخاصّ القرينة إنّما يتقدّم على ظهور العامّ ذي القرينة فيما إذا تحقّق أمران : أحدهما كونه صالحا للقرينيّة النوعيّة ، والآخر كونه صادرا ؛ لأنّه إذا لم يكن صالحا للقرينيّة فلا وجه لتقديمه على ظهور العامّ في العموم ، بل يبقى العموم على عمومه ، وإذا لم يكن صادرا فحتّى لو كان صالحا للقرينيّة فلا يتقدّم على ظهور العامّ ؛ لأنّ عدم صدوره يعني عدم ثبوت القرينيّة فيه.

وعليه لكي يسقط العامّ لا بدّ من توفّر هذين الأمرين ، وأمّا إذا اختلّ أحدهما فيبقى العامّ على عمومه ويكون حجّة فيه ، وهذا معناه أنّ المعارض لظهور العامّ هو المجموع المركّب من ظهور الخاصّ في القرينيّة وكونه حجّة وصادرا.

وحينئذ فكما يبقى العامّ على العموم بانكشاف عدم القرينيّة في الخاصّ ، فكذلك يبقى على العموم بانكشاف عدم حجّيّة الخاصّ وعدم صدوره ، وحيث إنّ أحد الأمرين ثابت تكوينا وهو قرينيّة الخاصّ على العامّ ، فيبقى الكلام في الأمر الآخر وهو سند الخاصّ ، فإنّه لمّا كان ظنّيّا فيحتاج إثباته إلى التعبّد بسنده ، وهذا يكون على أساس دليل حجّيّة السند.

وهذا معناه أنّ ظهور العامّ يتعارض مع دليل حجّيّة السند ؛ لأنّ الأخذ بظهور العامّ في العموم معناه أنّ دليل حجّيّة السند غير تامّ في الدليل الخاصّ القرينة ، والأخذ بدليل حجّيّة السند معناه أنّ ظهور العامّ في العموم ليس حجّة ؛ لأنّه بضمّ حجّيّة السند إلى القرينة في الدليل الخاصّ سوف يرتفع ظهور العامّ في العموم.

وهذا لازمه أن يكون ظهور العامّ رافعا للقرينيّة في الخاصّ بينما حجّيّة السند في الخاصّ رافعة لظهور العامّ.

وترجيح أحدهما على الآخر ترجيح بلا مرجّح ولا مبرّر له ، بل يقع التعارض بينهما ، أي بين ظهور العامّ وبين دليل حجّيّة السند في الدليل الخاصّ.

وأمّا كون الخاصّ قرينة مفسّرة للمراد الجدّي من العامّ ، فهذا وإن كان له الحقّ في التقدّم إلا أنّ هذا الحقّ لا يسري مفعوله إلا بترجيح سند الخاصّ الظنّي على ظهور

٩٣

العامّ ، وهذا يفترض أن يكون دليل حجّيّة السند متقدّما على ظهور العامّ ، وتقدّمه عليه يحتاج إلى مبرّر لذلك ، ومع عدمه يكون من الترجيح بلا مرجّح.

وبتعبير آخر : إنّ دليل حجّيّة الظهور إذا لوحظ بين عموم العامّ وبين القرينيّة في الخاصّ فقط ، فسوف لن يقع التعارض بينهما ؛ لأنّ دليل القرينة يتقدّم على دليل ذي القرينة طبقا لقواعد الجمع العرفي.

إلا أنّ دليل حجّيّة الظهور في العامّ يتعارض مع ظهور الخاصّ في القرينة على فرض كونه صادرا ، أي مع دليل حجّيّة السند في الخاصّ أيضا ، والتسليم بتقديم الخاصّ على العامّ بلحاظ القرينيّة لا يستلزم تقديم سند الخاصّ الظنّي على ظهور العامّ في العموم ، بل كما يمكن أن يتقدّم عليه كذلك يمكن أن يتقدّم ظهور العامّ عليه أيضا ، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر.

ومن هنا يستشكل في تخصيص العامّ الكتابي بخبر الواحد ؛ لأنّ ظهور العامّ القطعي الصدور لا يعارض ظهور الخاصّ فقط ليتمّ الجمع العرفي بينهما ، بل يعارض ظهور الخاصّ في القرينيّة وكون الخاصّ حجّة بلحاظ السند بحيث يثبت صدوره ، وثبوت القرينيّة في الخاصّ وحدها لا تكفي للتخصيص ما دام لم يثبت صدوره ، وثبوت صدوره وإن كان بلحاظ دليل حجّيّة السند إلا أنّ هذا الدليل يعارضه الأخذ بعموم العامّ ؛ لأنّ الأخذ بعموم العامّ لازمه نفي ثبوت دليل حجّيّة السند للدليل الخاصّ الظنّي.

ويقال في الجواب على ذلك : إنّ دليل حجّيّة الظهور قد أخذ في موضوعه عدم صدور القرينة على الخلاف ، ودليل التعبّد بسند القرينة يثبت صدور القرينة على الخلاف ، فهو حاكم على دليل حجّيّة الظهور ؛ لأنّه يثبت تعبّدا انتفاء موضوعه فيقدّم عليه بالحكومة.

والجواب : أنّ ظهور العامّ وإن كان يتعارض مع دليل حجّيّة السند في الدليل الخاصّ القرينة ، إلا أنّ هذه المعارضة غير مستقرّة ؛ وذلك لأنّ دليل حجّيّة السند حاكم على دليل حجّيّة الظهور في الدليل العامّ.

وبيان ذلك : هو أنّ دليل حجّيّة الظهور قد أخذ في موضوعه أن لا تكون هناك قرينة على الخلاف ، فكلّ ظهور حجّة ما لم تكن هناك قرينة على خلافه ، فإذا وجدت القرينة على الخلاف ارتفع موضوع حجّيّة الظهور.

٩٤

وارتفاع موضوع الحجّيّة بوجود القرينة على الخلاف على نحوين :

الأوّل : أن تثبت القرينة بدليل قطعي الصدور ، فهنا إذا كانت متّصلة لم ينعقد أصل الظهور في الدليل ذي القرينة كما تقدّم ، وإن كانت منفصلة ارتفع حجّيّة الظهور للنكتة العقلائيّة المتقدّمة ، وهي أنّ كلّ ما يكون على فرض اتّصاله هادما للظهور فهو في حالة انفصاله رافعا للحجّيّة ، وهذه الحالة ليست موجودة في مقامنا ؛ لأنّ الدليل القرينة ليس قطعيّا.

الثاني : أن تثبت القرينة بدليل ظنّي الصدور ، فهنا تحتاج القرينة لكي ترفع موضوع حجّيّة الظهور في العامّ إلى التعبّد بالسند على أساس حجّيّة السند ، فيكون دليل حجّيّة السند رافعا لموضوع حجّيّة الظهور في العامّ ؛ لأنّه مع ثبوته تثبت القرينة على الخلاف تعبّدا ، أي أنّه يوجد فردا ادّعائيّا وتعبّديّا وهذا هو معنى الحكومة.

وأمّا الأخذ بعموم العامّ استنادا إلى دليل حجّيّة الظهور فهو لا يرفع دليل حجّيّة السند ؛ لأنّ موضوعه تامّ ومحقّق وجدانا ، ولا يرتفع بدليل حجّيّة الظهور بل يتعارض معه ؛ لأنّ لكلّ منهما موضوعه الخاصّ به ، والأخذ بهما يؤدّي في النتيجة إلى التعارض ، وليس دليل حجّيّة السند مقيّدا بعدم الظهور المخالف له.

وما دام الأخذ بأحدهما يرتفع به موضوع الآخر فيتعيّن تقديمه بملاك الحكومة.

نعم ، هناك ملاك آخر للاستشكال في تخصيص العامّ الكتابي بخبر الواحد ، وهو إمكان دعوى القصور في دليل التعبّد بالسند للشمول لخبر مخالف للعامّ القطعي الكتابي ؛ لأنّ أدلّة حجّيّة خبر الواحد مقيّدة بأن لا يكون الخبر مخالفا للكتاب ، وسيأتي الكلام عن ذلك (١) إن شاء الله تعالى.

وبما ذكرناه يندفع الاستشكال في تخصيص العامّ الكتابي بخبر الواحد ، ولكن يوجد هناك إشكال آخر ، وحاصله : أنّ أدلّة حجّيّة خبر الواحد قاصرة عن الشمول للخبر المخالف للعام القطعي الكتابي ؛ لأنّ هذه الأدلّة مقيّدة بأن لا يكون الخبر مخالفا للكتاب ، وهذا التقييد دلّت عليه الأخبار القطعيّة التي مفادها أنّ كلّ خبر مخالف للكتاب يطرح أو يضرب به عرض الحائط ، أو أنّه زخرف ونحو ذلك من الألسنة الدالّة على عدم صدوره.

__________________

(١) تحت عنوان : روايات العرض على الكتاب.

٩٥

ونتيجة ذلك : هو أنّ الخبر إنّما تشمله أدلّة الحجّيّة فيما إذا لم يكن مخالفا للكتاب ، وأمّا مع فرض مخالفته فيسقط عن الحجّيّة ، ومع سقوطه لا يصلح للتخصيص ، وهذا جوابه سيأتي مفصّلا في محلّه إن شاء الله تعالى.

* * *

٩٦

نتائج الجمع العرفي

بالنسبة

إلى الدليل المغلوب

٩٧
٩٨

٤ ـ نتائج الجمع العرفي

بالنسبة إلى الدليل المغلوب

لا شكّ في أنّ كلّ ما يحرز شمول القرينة له من الأفراد التي كانت داخلة في نطاق ذي القرينة لا بدّ من تحكيم ظهور القرينة فيها ، وطرح الدلالة الأوّليّة لذي القرينة بشأنها ؛ تطبيقا لنظريّة الجمع العرفي.

كما أنّ ما يحرز عدم شمول القرينة له من تلك الأفراد يبقى في نطاق ذي القرينة ويطبّق عليه مفاده.

وأمّا ما يشكّ في شمول القرينة له من الأفراد فهو على أقسام :

الجهة الرابعة : في نتائج الجمع العرفي بالنسبة للدليل المغلوب ، فإنّه بعد الجمع بين الدليلين جمعا عرفيّا نحصل على نتيجتين حتميّتين ، فإذا أخذنا العامّ والخاصّ كمثال على ذلك كما إذا ورد : ( أكرم كلّ عالم ) ، وورد ( لا تكرم العالم الفاسق ) ، فنقول :

أوّلا : أنّ أفراد العالم الفاسق كلّها يحرز دخولها في الدليل الخاصّ القرينة فهي مشمولة له قطعا ، ويجزم بخروجها عن نطاق الدليل العامّ ذي القرينة.

وثانيا : أنّ أفراد العالم غير الفاسق أي العادل تبقى كلّها مشمولة للدليل العامّ ذي القرينة ، ويكون العامّ شاملا لها بحسب مفاده الأوّلي.

وأمّا الأفراد المشكوك شمول القرينة لها ، كما إذا شككنا في فرد أنّه فاسق أو عادل ، فهنا نشكّ في كونه داخلا في أفراد الخاصّ أو أنّه لا يزال باقيا تحت أفراد العامّ ، فهل يمكننا التمسّك بالعامّ فيه أو لا؟

وللإجابة على ذلك نقول : إنّ ما يشكّ في شمول القرينة له على أقسام نذكر منها اثنين :

٩٩

القسم الأوّل : أن يكون الشكّ في الشمول ناشئا من شبهة مصداقيّة للعنوان المأخوذ في دليل القرينة يشكّ بموجبها في أنّ هذا الفرد هل هو مصداق لذلك العنوان أو لا؟

كما إذا ورد : ( أكرم كلّ فقير ) ، وورد ( لا تكرم فسّاق الفقراء ) ، وشكّ في فسق زيد للجهل بحاله ، فيشكّ حينئذ في شمول المخصّص له ، فما هو الموقف تجاه ذلك؟

القسم الأوّل : في التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة وعدمه.

وهذا القسم تحته فروع أربعة ؛ لأنّ المخصّص إمّا أن يكون متّصلا وإما منفصلا ، وعلى كلا التقديرين إمّا أن يكون الشكّ دائرا بين المتباينين أو بين الأقلّ والأكثر ، ولكنّ الفرع الأساسي والمهمّ والذي يقع فيه الخلاف هو ما اقتصر عليه السيّد الشهيد ، وهو ما إذا كان المخصّص منفصلا وكان الشكّ في المصداق دائرا بين الأقلّ والأكثر ، وأمّا الفروع الثلاثة الأخرى فلا يمكن التمسّك بالعامّ فيها بلا إشكال.

وعليه فإذا ورد : ( أكرم كلّ فقير ) ، ثمّ ورد : ( لا تكرم فسّاق الفقراء ) ، فهنا المخصّص منفصل ولكن يشكّ في المصداق الخارجي هل هو داخل في الخاصّ أم لا يزال باقيا تحت العام؟ ومنشأ الشكّ هو الشكّ في انطباق العنوان والخصوصيّة المأخوذة في دليل الخاصّ على الفرد الخارجي ، كما إذا جهلنا حال زيد تماما فلا ندري هل هو فاسق أم لا؟

فهنا الشكّ يدور بين الأقلّ والأكثر ؛ لأنّه إن كان فاسقا فالأفراد الخارجة سوف تكون أكثر من الباقية ، فالشكّ في شمول المخصّص له معناه الشكّ في شموله للأكثر أو لا.

والسؤال الذي يطرح هنا هو أنّه هل يمكن التمسّك بالعامّ في هذا الفرد الذي هو شبهة مصداقيّة أم لا؟

وتوجد إجابتان على هذا السؤال :

الأولى : أنّ هذا الفرد يعلم بأنّه مصداق للعامّ للقطع بفقره ، فدلالة العامّ على وجوب إكرامه محرزة ، ودلالة المخصّص على خلاف ذلك غير محرزة ؛ لعدم العلم بانطباق عنوان المخصّص عليه ، وكلّما أحرزنا دلالة معتبرة في نفسها ولم نحرز دلالة على خلافها وجب الأخذ بها.

١٠٠