شرح الحلقة الثّالثة - ج ٦

الشيخ حسن محمّد فيّاض حسين العاملي

شرح الحلقة الثّالثة - ج ٦

المؤلف:

الشيخ حسن محمّد فيّاض حسين العاملي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٣

عن هذا البناء المرتكز عند العقلاء لا يكفي فيه التمسّك بإطلاق رواية أو أكثر ، بل لا بدّ فيه من بلوغ الردع عنه درجة من التصريح والتأكيد يتناسب مع حجم ارتكاز هذا البناء عند العقلاء ، ولذلك لا تكفي أخبار العلاج بإطلاقها لأن تكون رادعة عن إخراج موارد الجمع العرفي من التعارض.

الخامسة : أنّ أخبار العلاج هل تشمل موارد التعارض المستقرّ غير المستوعب كحالات التعارض بين العامّين من وجه أو لا؟

التنبيه الخامس : في شمول أخبار العلاج لموارد التعارض المستقرّ غير المستوعب أو عدم شمولها.

كما إذا تعارض عامّان من وجه في مادّة الاجتماع ، كما إذا قيل : ( أكرم العالم ) وقيل : ( لا تكرم الفاسق ) ، فإنّهما يتعارضان في مادّة الاجتماع أي العالم الفاسق.

وقد تقدّم أنّ مقتضى القاعدة الأوّليّة هي الحكم بالتساقط بلحاظ مادّة الاجتماع ، ولكن يبحث هنا عن شمول أخبار العلاج لذلك سواء بالتخيير أم بالترجيح أم لا؟ والجواب عن ذلك :

وقد نقل عن المحقّق النائيني (١) ـ قدّس الله روحه ـ الجواب على ذلك بالتفصيل بين المرجّحات التي ترجع إلى الترجيح بلحاظ السند ـ وتسمّى بالمرجّحات السنديّة ـ كالترجيح بالأوثقيّة ، والمرجّحات المضمونيّة التي ترجع إلى الترجيح بلحاظ المضمون كالترجيح بموافقة الكتاب.

نقل السيّد الخوئي رحمه‌الله عن استاذه المحقّق النائيني قدس‌سره بأنّ الجواب عن ذلك يختلف حاله باختلاف المرجّحات ؛ وذلك لأنّ أخبار الترجيح على نحوين :

أحدهما : يرجع إلى الترجيح بلحاظ السند وتسمّى بالمرجّحات السنديّة ، كالأوثقيّة والأعدليّة والأفقهيّة والأورعيّة والأصدقيّة ، فإنّ هذه المرجّحات ترجّح سند أحد الخبرين على الآخر.

والآخر : يرجع إلى الترجيح بلحاظ المضمون والدلالة وتسمّى بالمرجّحات الدلاليّة

__________________

(١) فوائد الأصول ٤ : ٧٩٢ ـ ٧٩٣.

٢٨١

أو المضمونيّة ، كالموافقة للكتاب والمخالفة للعامّة ، فإنّ هذه المرجّحات ترجّح مضمون ودلالة أحد الخبرين على الآخر.

فاختار أنّ المرجّحات السنديّة لا يمكن إعمالها في مادّة الاجتماع فضلا عن مادّتي الافتراق ، بينما المرجّحات الدلاليّة أو المضمونيّة يمكن إعمالها بلحاظ مادّة الاجتماع فقط دون مادّتي الافتراق.

فهنا دعويان للمحقّق النائيني ، وقد ذكر في الاستدلال عليهما ما يلي :

فاختار رحمه‌الله أنّ المرجّحات السنديّة لا تشمل الفرض المذكور ؛ لأنّ تطبيقها إن كان على نحو يؤدّي إلى إسقاط أحد العامّين من وجه رأسا فهو بلا موجب ؛ لأنّه لا مسوّغ لإسقاطه في مادّة الافتراق مع عدم التعارض ، وإن كان على نحو يحافظ فيه على مادّتي الافتراق للعامّين فهو مستحيل ؛ لأنّه يستلزم التبعيض في السند الواحد بقبول العامّ في مادّة الافتراق ورفضه في مادّة الاجتماع مع أنّ سنده واحد.

أمّا بالنسبة للمرجّحات السنديّة فاختار أنّها لا تشمل موارد التعارض المستقرّ غير المستوعب كالتعارض بين العامّين من وجه في مادّة الاجتماع.

والوجه في ذلك : أنّه إذا أريد تطبيق المرجّحات السنديّة على أحد الخبرين بنحو يؤدّي إلى سقوط الخبر الآخر الفاقد لهذه المرجّحات رأسا أي سواء بلحاظ مادّة الاجتماع وبلحاظ مادّة الافتراق أيضا ، فهذا لا مبرّر ولا مسوّغ له ؛ لأنّنا لو سلّمنا سقوطه بلحاظ مادّة الاجتماع للتعارض مع الخبر الآخر ، فلا نسلّمه في مادّة الافتراق عن الخبر الآخر ؛ لأنّه في مادّة الافتراق لا تعارض بينه وبين الخبر الآخر أصلا ، فلا تكون هناك موضوعيّة لأخبار العلاج ؛ لأنّها فرض وجود التعارض المستقرّ ، وفي مادّة الافتراق لا تعارض أصلا لا بنحو مستقرّ ولا بنحو غير مستقرّ ، فتكون أخبار العلاج منتفية عن المورد من باب السالبة بانتفاء الموضوع.

إذا ففرضية سقوط الخبر رأسا ممّا لا يمكن قبولها لكونها خارجة عن محلّ الكلام ولو بلحاظ مادّة الافتراق.

وأمّا إذا أريد تطبيق المرجّحات السنديّة على أحد الخبرين بنحو يؤدّي إلى إسقاطه عن الحجّيّة بلحاظ مادّة الاجتماع فقط مع بقائه على الحجّيّة بلحاظ مادّة الاجتماع ،

٢٨٢

فهذا وإن كان فرضا معقولا ثبوتا إلا أنّه لا يمكن المصير إليه ؛ وذلك للزوم محذور آخر وهو محذور التبعيض في دليل حجّيّة السند الواحد ، بحيث يكون السند الواحد حجّة في جزء من المدلول للخبر بينما يكون ساقطا عن الحجّيّة بلحاظ الجزء الآخر من المدلول ، والتبعيض في الحجّيّة بلحاظ السند الواحد غير معقول ؛ لأنّ الخبر إمّا أن يكون صادرا أو لا يكون صادرا ، فإن كان صادرا فهو حجّة في كلا الجزءين ، وإن لم يكن صادرا فهو ساقط عن الحجّيّة في كلا الجزءين أيضا ، ولا يمكن التبعيض بينهما ؛ لأنّه يستلزم التبعيض في صدور أحد الجزءين دون الجزء الآخر ، وهذا التبعيض لا يمكن قبوله ؛ لأنّه لا يوجد إلا سند واحد للصدور.

وهكذا يتبيّن أنّ فرضيّة سقوط العامّ بلحاظ مادّة الاجتماع دون مادّة الافتراق بحيث يكون سنده ساقطا في هذا دون ذاك غير معقولة ؛ لأنّ السند الواحد إمّا ثابت وإمّا ساقط ولا يعقل ثبوته تارة وسقوطه أخرى.

وأمّا المرجّحات المضمونيّة فبالإمكان إعمالها في مادّة الاجتماع فقط ، ولا يلزم محذور.

وأمّا بالنسبة للمرجّحات المضمونيّة أو الدلاليّة فهذه يمكن إعمالها بالنسبة لمادّة الاجتماع دون مادّة الافتراق ، أمّا عدم إعمالها بالنسبة لمادّة الافتراق فواضح ، وذلك لعدم التعارض بين الخبرين في مادّة الافتراق فلا موضوع لأخبار العلاج.

وأمّا إعمالها بالنسبة لمادّة الاجتماع بين الخبرين ، فلأنّ المفروض وقوع التعارض بين الخبرين فيها ، فيكون المورد داخلا في موضوع أخبار العلاج.

ولا يلزم من التبعيض في الحجّيّة ـ أي حجّيّة مادّة الافتراق دون مادّة الاجتماع ـ المحذور المتقدّم في المرجّحات السنديّة ؛ لأنّنا لا نرجّح السند في جزء المدلول ونسقطه في الجزء الآخر عن الحجّيّة ، وإنّما نحن نريد ترجيح أحد المضمونين على الآخر ، وهذا لا ارتباط له بالسند ؛ لأنّ السند يبقى على الحجّيّة في كلا الجزءين ، وإنّما مضمونه لا نأخذ به في مادّة الاجتماع لوجود المرجّح لمضمون الخبر الآخر في هذه المادّة.

والحاصل : أنّ السند الواحد يبقى على الحجيّة ولا تبعيض فيه ، وإنّما التبعيض بلحاظ الدلالة والمضمون في الخبر ؛ لأنّه يحكي عن دلالتين ، إحداهما لا تعارض فيها أصلا فيؤخذ بها بلا محذور ، والأخرى معارضة بالخبر الآخر حيث يجتمعان معا ،

٢٨٣

فهنا يرجّح أحدهما على الآخر من حيث المضمون والدلالة ، وهذا ممّا لا إشكال فيه أصلا (١).

هذا ما أردنا استعراضه من بحوث التعارض في الأدلّة ، وبذلك نختم الجزء الثاني من الحلقة الثالثة التي ينتهي الطالب بدراستها من السطوح ويصبح جديرا بحضور بحوث الخارج.

ونحن قد انتهينا من شرح الحلقة الثالثة بجزأيها الأوّل والثاني بتاريخ ١٢ / ٩ / ١٩٩٩ بعد أن كنّا قد بدأنا بشرحها بتاريخ ١ / ١ / ١٩٩٣.

ونسأل الله عزّ وجلّ القبول بحقّ محمّد وآله الطاهرين صلوات الله عليه وعليهم أجمعين.

كتبه العبد الفقير إلى ربّه الغني

حسن محمّد فيّاض حسين

قم المقدّسة ـ إيران

__________________

(١) والسيّد الشهيد لم يعلّق على هذا الكلام ، ولكنّه يختار في بحوثه أنّ التفكيك والتبعيض بين المدلولين ممكن ثبوتا ، سواء كان بإعمال المرجّحات السنديّة أم بالمرجّحات الدلالة المضمونيّة ، إلا أنّه إثباتا لا دليل على مثل هذا التبعيض لا بلحاظ إعمال المرجّحات السنديّة ولا بلحاظ إعمال المرجّحات الدلاليّة والمضمونيّة ؛ وذلك لأنّ أخبار العلاج لا تشمل موارد التعارض بين العامّين من وجه أصلا.

٢٨٤

الفهرس

الخاتمة في تعارض الأدلّة............................................................ ٥

تمهيد : ما هو التعارض المصطلح؟.................................................. ٧

الورود والتعارض............................................................... ٢١

قاعدة الجمع العرفي.............................................................. ٣٣

١ ـ النظريّة العامّة للجمع العرفي................................................ ٣٥

٢ ـ أقسام الجمع العرفي والتعارض غير المستقرّ................................... ٤٥

الحكومة :.................................................................... ٤٥

التقييد......................................................................... ٥٥

التخصيص...................................................................... ٦٥

نظريّة انقلاب النسبة............................................................ ٧٣

ويلاحظ على هذا الاستدلال :................................................. ٨١

٣ ـ أحكام عامّة للجمع العرفي.................................................. ٨٧

٤ ـ نتائج الجمع العرفي بالنسبة إلى الدليل المغلوب................................ ٩٩

٥ ـ تطبيقات للجمع العرفي................................................... ١١١

التطبيق الأوّل : فيما إذا تعدّد الشرط واتّحد الجزاء.............................. ١١١

التطبيق الثاني : في تداخل الأسباب والمسبّبات................................... ١١٦

التطبيق الثالث : تعارض دليل إلزامي وآخر ترخيصي من وجه.................... ١٢٢

التطبيق الرابع : تعارض إطلاق شمولي وآخر بدلي من وجه........................ ١٢٣

التطبيق الخامس : تعارض الأمارة مع الأصل.................................... ١٣١

التطبيق السادس : فيما إذا تعارض أصل سببي وأصل مسبّبي...................... ١٤١

٢٨٥

التطبيق السابع : في تقديم الاستصحاب على الأصول العمليّة...................... ١٤٦

٣ ـ التعارض المستقرّ على ضوء دليل الحجّيّة................................... ١٥٣

المقام الأول في حكم التعارض المستقر بقطع النظر عن الأخبار..................... ١٥٤

تلخيص واستنتاج ........................................................... ١٧٣

تنبيهات النظريّة العامّة للتعارض المستقرّ ........................................ ١٧٤

التنبيه الأوّل في فرضيّات التعارض ............................................ ١٧٤

التنبيه الثاني في التعارض المستوعب وغير المستوعب ............................. ١٨١

التنبيه الثالث : في إمكان نفي الاحتمال الثالث بالمتعارضين ...................... ١٨٧

٤ ـ حكم التعارض على ضوء الأخبار الخاصّة.................................. ١٩٩

المقام الثاني : في حكم التعارض المستقر على ضوء الأخبار........................ ١٩٩

القسم الأول : روايات العرض على الكتاب.................................... ١٩٩

القسم الثاني : روايات العلاج ................................................ ٢٠٠

١ ـ روايات العرض على الكتاب............................................. ٢٠٥

المجموعة الأولى : ما ورد بلسان الاستنكار...................................... ٢٠٥

والجواب عن هذه الإشكالات :............................................... ٢٠٩

المجموعة الثانية : موافقة الكتاب............................................... ٢١١

المجموعة الثالثة : مخالفة الكتاب................................................ ٢١٤

خصائص هذه المجموعة :..................................................... ٢١٥

٢ ـ روايات العلاج.......................................................... ٢٣١

المجموعة الأولى : روايات التخيير ............................................. ٢٣١

المجموعة الثانية : روايات الترجيح.............................................. ٢٥١

تنبيهات بحث العلاج........................................................... ٢٧١

التنبيه الأوّل : في أنّ التخيير أصولي أو فقهي.................................... ٢٧٣

التنبيه الثاني : في أنّ التخيير ابتدائي أو استمراري................................ ٢٧٥

التنبيه الثالث : في النسبة بين أخبار التخيير وأخبار الترجيح...................... ٢٧٦

التنبيه الرابع : في النسبة بين أخبار العلاج وموارد الجمع العرفي................... ٢٧٧

٢٨٦

التنبيه الخامس : في شمول أخبار العلاج لموارد التعارض........................... ٢٨١

الفهرس...................................................................... ٢٨٥

٢٨٧