ضياء العالمين - ج ١

أبي الحسن بن محمّد طاهر العاملي [ العلامة الفتوني ]

ضياء العالمين - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن بن محمّد طاهر العاملي [ العلامة الفتوني ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-331-7
ISBN الدورة:
978-964-319-330-0

الصفحات: ٤٣٠
الجزء ١ الجزء ٢

القطامي ، عن تميم بن وعلة المري ، عن الجارود بن المنذر العبدي (١) ، ونقله أيضاً الكلبي (٢) من علماء العامّة بلا واسطة ، عن الشرقي ، عن تميم ، عن الجارود ، وقد نقله غيرهما أيضاً ، ونحن نذكر من كلّ نسخة ما هو الأضبط الأظهر :

قال تميم : وكان الجارود نصرانيّاً فأسلم عام الحديبيّة وحسن إسلامه ، وكان قارئاً للكتب ، عالماً بتأويلها ، بصيراً بالفلسفة والطب ، ذا رأي أصيل ووجهٍ جميل ، فأنشأ يحدّثنا في أيّام عمر بن الخطّاب .

قال : وفدت على رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله في رجال من عبد القيس ، فلمّا بصروا به راعهم منظره ومحضره فصدّهم عن بيانهم ، فاستقدمت دونهم إليه فوقفت بين يديه ، فقلت : سلام عليك يا رسول اللّه‏ ، بأبي أنت واُمّي ! ثمّ أنشأت أقول ، وذكر أشعاراً في مدحه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، منها :

أنبأَنا الأوّلونَ بِاسمِكَ فينا

وبأسماءِ أوصياء كِرام (٣)

قال : وكان عنده رجل لم أكن أعرفه ، فقلت : من هو ؟ قالوا : سلمان الفارسي ذو البرهان العظيم ، والشأن القديم .

__________________

(١) هو بشر بن عمرو بن حنش بن المعلّى العبدي ، يكنّى أبا المنذر ، وقيل : أبا غياث ، سيّد عبد القيس ، مات سنة ٢٠ هـ .

انظر : اُسد الغابة ١ : ٣١١ / ٦٥٧ ، الأعلام ٢ : ٥٥ .

(٢) هو محمّد بن السائب بن بشر بن عمرو بن الحارث الكلبي ، يكنّى أبا النظر ، عالم بالتفسير والأخبار وأنساب العرب وأحاديثهم ، من أهل الكوفة ، له كتب منها : كتاب تفسير القرآن ، مات سنة ١٤٦ هـ .

انظر : وفيات الأعيان ٤ : ٣٠٩ / ٦٣٤ ، تهذيب التهذيب ٩ : ١٥٧ / ٢٦٨ ، الأعلام ٦ : ١٣٣ .

(٣) مقتضب الأثر : ٣٣ ، كنز الفوائد ٢ : ١٣٧ وفيهما :

أنبأ الأولون باسمك فينا

وبأسماء بعده تتلألأ

٨١

فقال سلمان : وكيف عرفت رسول اللّه‏ يا أخا عبد القيس من قبل إتيانه ؟ فأقبلت على رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو يتلألأ ويشرق وجهه نوراً وسروراً ، فقلت : يا رسول اللّه‏ ، إنّ قسّاً كان ينتظر زمانك ، ويتوكّف إبّانك ، ويهتف باسمك واسم أبيك واُمّك وبأسماء لست اُصيبها معك ، ولا أراها فيمن اتّبعك .

قال سلمان : فأخبرنا .

وفي رواية الكلبي بعد نقل الأشعار :

فقال رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله : أفيكم من يعرف قس بن ساعدة الأيادي ؟ فقلت : كلّنا نعرفه يا رسول اللّه‏ ، غير أنّي من بينهم عارف بخبره وواقف على أثره ، فقال سلمان : فأخبرنا.

قال : فأنشأت اُحدّثهم ورسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله يسمع والقوم سامعون واعون ، فقلت : يا رسول اللّه‏ ، لقد شهدت قسّاً وقد خرج من نادٍ من أندية أياد ، وهو مشتمل على نجاد ، فوقف في إضحيان ليلٍ كالشمس رافعاً إلى السماء وجهه وإصبعه ، فدنوت منه فسمعته يقول : اللّهم ربّ السموات الأرقعة ، والأرضين الممرعة بحقّ محمّد والثلاثة المحامدة معه ، والعليّين الأربعة ، وسبطيه المنيعة (١) الأرفعة الفرعة ، السَري الألمعة ، وسميّ الكليم الضرعة ، والحسن ذي الرفعة ، اُولئك النقباء الشفعة ، والطريق المهيعة ، دَرَسة الإنجيل ، وحفظة التنزيل على عدد النقباء من بني إسرائيل ، مُحاة الأضاليل ، ونُفاة الأباطيل ، والصادقوا القيل ، فهم أوّل البداية ، وعليهم تقوم الساعة ، وبهم تنال الشفاعة ، ولهم من اللّه‏ فرض الطاعة ، اسقنا غيثاً مغيثاً .

ثمّ قال : اللّهمّ ليتني مدركهم ولو بعد لأي من عمري ومحياي .

__________________

(١) في هامش النسخ : النبعة .

٨٢

قال الجارود : ثمّ قلت : يا رسول [اللّه‏] ، أنبئني أنبأك اللّه‏ بخير عن هذه الأسماء التي لم نشهدها وأشهدها قسّ ؟ (١) .

فقال رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا جارود ، ليلة اُسري بي إلى السماء أوحى اللّه‏ عزوجل إليّ أن : سل من قد أرسلنا قبلك من رسلنا على ما بعثوا ؟ فقلت لهم : على ما بعثتم ؟ فقالوا : بنبوّتك وولاية عليّ بن أبي طالب والأئمّة منكما ، ثمّ أوحى اللّه‏ إليّ أن : التفت عن يمين العرش ، فالتفتّ فإذاً عليّ والحسن والحسين وعليّ بن الحسين ومحمّد بن عليّ وجعفر بن محمّد وموسى بن جعفر وعليّ بن موسى ومحمّد بن عليّ وعليّ بن محمّد والحسن بن عليّ والمهدي في ضحضاح (٢) من نور يصلّون ، فقال لي الربّ تعالى : هؤلاء الحجج أوليائي ، وهذا المنتقم من أعدائي» .

فقال لي سلمان : هؤلاء المذكورون في التوراة والإنجيل والزبور (٣) ، الخبر .

ولنوضّح بعض كلماته : القِس ، والقسّيس : كبير النصارى وعالمهم ، ولا ينافيه تسمية الرجل به .

ويقال : توكّف الخبر إذا انتظر وكفه ، أي : وقوعه .

والنجاد كـ : «كتاب» : حمائل السيف .

__________________

(١) في المصادر : واُشهدنا قس ذكرها .

(٢) أصل الضحضاح بمعنى الماء ، وكأنّه استعير لكل ما يشمل الشيء ويغمسه من كلّ جهة كالنور والنار والظلمة . وفي لسان العرب : ضحضاح بمعنى : كثير في لغة هذيل ، لسان العرب ٢ : ٥٢٥ ، النهاية في غريب الحديث لابن الأثير ٣ : ٧٥ ، الصحاح للجوهري ١ : ٣٨٥ .

(٣) كنز الفوائد ٢ : ١٣٦ ، مقتضب الأثر : ٣٢ ، الأربعين للمجلسي : ٢٣٩ ، بحار الأنوار ١٨ : ٢٩٣ / ٣، المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٣٤٩ ـ ٣٥٠ ، وفيه عن الكلبي بتفاوت .

٨٣

وليلة إضحانيّة ـ بالكسر ـ : مُضيئة .

والأرفعة : جمع الرفيع .

وأمرع الوادي : أكلأَ .

والسّري كـ : «غني» : النهر الصغير ، وهو كناية عن جعفر عليه‌السلام ؛ لأنّه أيضاً في اللغة بمعنى النهر الصغير .

واللأي : كـ : «السعي» : الإبطاء ، وفي بعض النسخ ليس قوله : (اسقنا غيثاً مغيثاً).

وفي رواية الكلبي بدل قوله : «وسبطيه النبعة ـ إلى قوله ـ وسميّ الكليم هكذا : «وفاطمة والحسنين الأبرعة ، وجعفر وموسى التبعة وسميّ الكليم » . والأصحّ ما نقلناه .

وفي بعض النسخ ليست كلمة «والحسن ذو الرفعة» ولعلّها سقطت من قلم بعض النُّسّاخ للزوم ذكره الحسن العسكري عليه‌السلام أيضاً .

ويحتمل على النسخة الخالية عنها أن يكون «الأرفعة الفرعة» كنايةً عنه عليه‌السلام ؛ لكونه فرع الحسن والحسين عليهما‌السلام من حيث التسمية والنسب جميعاً ، أو لكـون « الفرعـة » أيضاً بمعنى ذي الفرع ، كما هـو الظاهر المتبادر .

ولا يخفى أنّ مهدي هذه الاُمّة فرعه الحقيقي ، ثمّ يحتمل بناءً على وجود «والحسن » كون «الأرفعة الفرعة» كنايةً عن فاطمة عليها‌السلام ، لكن بناءً على هذه الاحتمالات كلّها لا بدّ من وجود الواو بأن يكون «والأرفعة الفرعة» كما هو ظاهر ، والأظهر كونه صفةً للسبطين ؛ لكون ذرّيّة الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله منهما ، وكذا الأظهر عدم ذكر فاطمة عليها‌السلام ، كما يشعر به قوله : «عدد النقباء»

٨٤

وأمثاله بعد بيانه صريحاً اسم رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله على حدة ، فتأمّل .

وثانيها : ما ذكره السدّي (١) من قُدماء المفسّرين في تفسيره : أنّ سارة لمّا كرهت مكان هاجر أوحى اللّه‏ إلى إبراهيم الخليل عليه‌السلام ، فقال : انطلق بإسماعيل واُمّه حتّى تنزل بيتي (٢) التهاميّ ـ يعني مكّة ـ فإنّي ناشر ذرّيّته وجاعلهم ثقلاً على من كفر بي ، وجاعل منهم نبيّاً عظيماً ، ومظهره على الأديان ، وجاعل من ذرّيّته اثني عشر عظيماً ، وجاعل ذرّيّته عدد نجوم السماء (٣) .

وثالثها : ما ذكره جمع ، منهم : الكراجكي في كنز الفوائد (٤) من عبارة التوراة ، وذكرها الشيخ العلاّمة باقر علوم أهل البيت عليهم‌السلام ، وقال : سمعت من جماعة من ثقات أهل الكتاب أنّها موجودة في توراتهم الآن ، وقد ذكرها أيضاً بعض علماء اليهود بعد إسلامه في رسالته التي ألّفها في بشارات اللّه‏ وأنبيائه بمجيء نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد صرّح جمع بأنّه في السفر الأوّل من التوراة في ذكر البشارة لإبراهيم عليه‌السلام في قبول دعائه في حقّ إسماعيل عليه‌السلام ، وهي

__________________

(١) السُدّي ـ بضم السين وتشديد الدال المهملتين ـ نسبة إلى السُّدّ موضع في المدينة ، وهو : إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي التابعي الكوفي ، يكنّى أبا محمّد ، المعروف بالسدّي الكبير صاحب التفسير ، أصله حجازيّ ، كان عارفاً بالوقائع وأيّام الناس ، مات سنة ١٢٧ هـ .

انظر : طبقات المفسرين ١ : ١١٠ / ١٠١ ، الأعلام ١ : ٣١٧ ، معجم الأدباء ٧ : ١٣ / ٢ .

(٢) كذا في النسخ ، وفي احقاق : الحق «بيت النبيّ» وفي البحار : «بيت» ، وفي الأربعين للماحوزي : «البيت».

(٣) انظر : الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف لابن طاووس ١ : ٢٥٣ / ٢٦٩ ، إحقاق الحق للقاضي التستري ٧ : ٤٧٨ ، بحار الأنوار للمجلسي ٣٦ : ٢١٤ / ١٦ ، الأربعون حديثاً للماحوزي : ٣٩٠ .

(٤) ذكر الكراجكي هذه العبارة في كتابه الاستبصار (الاستنصار) في النصّ على الأئمّة الأطهار عليهم‌السلام : (ضمن ميراث حديث الشيعة ج٢ ) ١٢٤ .

٨٥

هكذا : وليَشْمَعيل شَمَعْتيخا ، وفي بعض النسخ : شَمَعْتيك هينَه بَرَخْتي اُوتْو ، وهيفَريتي أوتْو ، وهيبربيتي ، وفي بعض النسخ الصحيحة : هيبربتي ، وهو أظهر ، بماذماذ ، وفي بعض النسخ : بماوَد ماوُد شَنيم عاسار نسيئيم يُوليد ، ونَتَيْتُولِكُوْي كادُول ، وفي بعض النسخ : كَذول (١).

قال الشيخ العلاّمة : وسمعت هؤلاء الثقات من أهل الكتاب يترجمونها هكذا ، وفي إسماعيل أَسْمَعْتك أنّي باركت إيّاه ، وأوفرت إيّاه وأكثرت إيّاه بغاية الغاية اثني عشر رؤساء يولدون ووهبته قوماً عظيماً .

ثمّ قال رحمه‌الله : إنّ تفسيرهم : بغاية الغاية مبنيٌّ على نسخة ماود ماود . والظاهر أنّه تحريف من اليهود لفظاً ومعنى ؛ إذ الذي يظهر من الأخبار أنّ ماذ ماذ اسم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بالعبرانية ، فالمعنى : أكثرت نسل إسماعيل عليه‌السلام بسبب محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثمّ قال : وبناءً على تحريفهم أيضاً المراد بغاية الغاية هو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بالعبرانية (٢) ؛ لأنّه في غاية الغاية من الكمال (٣) .

وقال العالم ـ الذي ذكرنا أنّه أسلم ـ في رسالته المذكورة : إنّ العلماء المفسّرين للعبرانية اختلفوا في «ماذ ماذ» ، فمنهم من فسّره بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومنهم من فسّره بأحمد أحمد ، ومنهم من فسّره بعظيم عظيم .

قالوا : إنّ قوله : «يشمعيل» بمنزلة إسماعيل ، «وشمعتيخا» بمنزلة (٤)

__________________

(١) انظر : الاستبصار (الاستنصار) في النص على الأئمّة الأطهار عليه‌السلام : (ضمن ميراث حديث الشيعة ج٢) ١٢٤ ، الصراط المستقيم ٢ : ٢٣٨ ـ ٢٣٩ ، الأربعين في إمامة الأئمّة الطاهرين للشيرازي : ٣٥٨ ، بحار الأنوار ٣٦ : ٢١٤ / ١٦ ، بتفاوت .

(٢) لم ترد في «ن» .

(٣) بحار الأنوار للمجلسي ٣٦ : ٢١٤ / ١٦ .

(٤) في «م»: بمعنى.

٨٦

سمعتك ، و «خا» في العبرية بمنزلة كاف الخطاب ، و«هِينَهْ» بمنزلة : ها أنا ، و«برختي» للمتكلّم وحده أيضاً أوليها بمنزلة باركت ، و«اُوتو» ضمير الغائب بمنزلة : إيّاه ، و«هيفريتي» و«هيبربتي» للمتكلّم وحده أيضاً : اُولاهما بمنزلة : أوفرت وأثمرت ، والاُخرى بمنزلة : كثرت وأكثرت ، و«شنيم عاسار» بمنزلة : اثني عشر ، و«نسيئيم» جمع نسيء بمعنى (١) شريف ، وعلامة الجمع في العبرانيّة الميم ، «ونتيتو» ـ وفي بعض النسخ «ونَنَيتو» بمنزلة : وهبته وأعطيته ، و«لكوي» بمنزلة القوم ، و«كادول» أو «كدول» بمنزلة : عظيم وكبير . وفي إسماعيل سمعت دعاءك ها أنا باركته وأثمرته ، وكثرته بعظيم عظيم ، أو بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله اثني عشر شريفاً يولدون منه ، وأعطيته لقوم عظيم كبير (٢) .

قال الكراجكي : وهذا نصّ صريح على ساداتنا الأئمّة ، وإبانة عن تشريف منزلتهم ؛ لأنّ رتبة التعظيم والتشريف المخصوص بهذه العدّة المخصوصة غير موجودة إلاّ فيهم من بين جميع ولد إسماعيل ، ولا نعلم اثني عشر يدّعون ذلك في أنفسهم غيرهم (٣) ، انتهى ، فتأمّل جدّاً .

ورابعها : ما رواه جمع منهم : الشيخ النبيه الشيخ أحمد (٤) في كتاب مقتضب الأثر عن ثوابة بن أحمد الموصلي ، عن الحسين بن الحرّاني ، عن موسى بن عيسى الإفريقي ، عن هشام بن عبداللّه‏ الدستوائي ، عن عمرو بن

__________________

(١) في «ن» : بمنزلة .

(٢ و٣) الاستنصار ، للكراجكي (ضمن ميراث حديث الشيعة ج٢) : ١٣٠ ـ ١٣٤ .

(٣) هو أحمد بن محمّد بن عبيد اللّه‏ بن الحسن بن عياش الجوهري ، يكنّى أبا عبداللّه‏ ، وكان جدّه وأبوه من وجوه أهل بغداد أيّام آل حمّاد ، له كتب منها : مقتضب الأثر ، والأغسال ، وأخبار أبي هاشم ، توفّي سنة ٤٠١ هـ .

انظر : رجال النجاشي : ٨٥ / ٢٠٧ ، الفهرست للطوسي : ٧٨ / ٩٩ ، (باب الهمزة) ، كتاب الرجال لابن داود : ٢٢٩ /٤١ .

٨٧

شمر ، عن جابر الجُعفي (١) ، قال : سمعت سالم بن عبداللّه‏ (٢) بن عمر بن الخطاب يحدّث أبا جعفر محمّد بن علي عليهما‌السلام بمكة ، قال : سمعت أبي عبداللّه‏ بن عمر يقول : سمعت رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول :

«إنّ اللّه‏ عزوجل أوحى إليّ ليلة اُسري بي : يا محمّد ، من خلّفت في الأرض في اُمّتك ؟ ـ وهو أعلم بذلك ـ قلت : يا ربّ ، أخي ، قال : عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ؟ قلت : نعم ، قال : يا محمّد ، إنّي اطّلعت إلى الأرض اطّلاعة فاخترتك منها ، فلا أُذكر حتّى تُذكر معي ، أنا المحمود وأنت محمّد ، ثمّ اطّلعت إلى الأرض اطّلاعة اُخرى ، فاخترت منها عليّ بن أبي طالب ، فجعلته وصيّك ، فأنت سيد الأنبياء وعليّ سيّد الأوصياء ، ثمّ اشتققت له اسماً من أسمائي فأنا الأعلى وهو عليّ .

يا محمّد ، إنّي خلقتك وخلقت عليّاً وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من نور واحد ، ثمّ عرضت ولايتهم على الملائكة وغيرهم ، فمن قَبِلها كان من المقرّبين ، ومن جحدها كان من الكافرين .

يا محمّد ، لو أنّ عبداً من عبيدي عبدني ، حتّى ينقطع ، ثمّ لقيني جاحداً لولايتهم أدخلته ناري .

ثمّ قال : يا محمّد ، أتحبّ أن تراهم ؟ قلت : نعم ، قال : تقدّم أمامك ، فتقدّمت أمامي فإذاً عليّ بن أبي طالب والحسن والحسين وعليّ بن الحسين

__________________

(١) هو جابر بن يزيد الجعفي الكوفي ، يكنّى أباعبداللّه‏ ، من أصحاب الباقر والصادق عليهما‌السلام ، ثقة جليل ، صاحب الأسرار والكرامات ، وخدم الباقر عليه‌السلام ثمانية عشرة سنة . له كتب منها : التفسير ، والنوادر ، والفضائل . توفّي سنة ١٢٨ هـ .

انظر : رجال النجاشي : ١٢٨ / ٣٣٢ .

(٢) هو أبو عمر القرشي المدني كان يشبه أباه في السمت والهدى ، وكان يخضب بالحِنّاء ، وكان من الثقات . انظر : الثقات لابن حبان ٤ : ٣٠٥ ، سير أعلام النبلاء ٤ : ٤٥٧ / ١٧٦ .

٨٨

ومحمّد بن عليّ وجعفر بن محمّد وعليّ بن محمّد والحسن بن عليّ والحُجة القائم عليهم‌السلام كأنّه كوكب درّيّ في وسطهم ، فقلت : يا ربّ ، من هؤلاء ؟ فقال : هؤلاء الأئمّة وهذا القائم ، يحلّ حلالي ويحرّم حرامي وينتقم من أعدائي .

يا محمّد ، أحببه فإنّي اُحبّه واُحبّ من يحبّه» .

قال جابر : فلمّا انصرف سالم من الكعبة تبعته فقلت : يا أبا عمر ، أنشدك اللّه‏ هل أخبرك أحد غير أبيك بهذه الأسماء ؟

فقال : اللّهم ، أمّا الحديث عن رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله فلا ، ولكنّي كنت مع أبي عند كعب الأحبار (١) فسمعته يقول : إنّ الأئمّة من هذه الاُمّة بعد نبيّها على عدد نقباء بني إسرائيل ، وأقبل عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، فقال كعب : هذا المقضي (٢) أوّلهم وأحد عشر من ولده ، وسمّاهم كعب بأسمائهم في التوراة : تقوبيث ، قيذو (٣) ، فبيراء ، مفسورا ، مسموعا ، دوموه ، مشيو ، هذار ، يثيمو ، بطور ، نوقس ، قيذموا (٤) .

قال أبو عامر هشام الدستوائي ـ الراوي لهذه الحكاية عن عمرو بن شمر الراوي عن جابر ـ : لقيت (٥) يهوديّاً بالحيرة يقال له : عثوا بن اُوسُو ، وكان حبر اليهود وعالمهم ، فسألته عن هذه الأسماء وتلوتها عليه ، فقال

__________________

(١) هو كعب بن مانع بن ذي هجن الحميري ، يكنّى أبا إسحاق ، المعروف بكعب الأحبار ، كان في الجاهليّة من كبار علماء اليهود في اليمن ، وقدم المدينة في دولة عمر ، ثمّ رحل إلى الشام ، ومات سنة ٣٢ هـ في مدينة حمص .

انظر : الإصابة ٣ : ٣١٥ / ٧٤٩٦ ، والأعلام ٥ : ٢٢٨ .

(٢) لم ترد في «م» وفي المصادر : «المقفي» .

(٣) في «ش» و«م» : قيذوا .

(٤) في «ن» : قيذمو .

(٥) في «ن» و«س» زيادة : أنا .

٨٩

لي : من أين عرفت هذه النعوت ؟ قلت : هي أسماء ، قال : ليست أسماء ولكنّها نعوت لأقوام ، وأوصاف بالعبرانية صحيحة ، نجدها عندنا في التوراة ، ولو سألت عنها غيري لعمي عن معرفتها أو تعامى .

قلت : ولمَ ذلك ؟

قال : أمّا العمي فللجهل بها ، وأَمّا التعامي ؛ فلئلاّ يكون على دينه ظهيراً وبه خبيراً ، وإنّما أقررت لك بهذه النعوت ؛ لأنّي رجل من ولد هارون بن عمران ، مؤمن بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، اُسرّ ذلك عن بطانتي من اليهود الذين لم اُظهر لهم الإسلام ، ولن اُظهره بعدك لأحد حتّى أموت .

قلت : ولمَ ذلك ؟

قال : لأنّي أجد في كتب آبائي الماضين من ولد هارون أن لا نؤمن بهذا النبيّ الذي اسمه محمّد ظاهراً ونؤمن به باطناً ، حتّى يظهر القائم المهدي من ولده ، فمن أدركه منّا فليؤمن به ، وبه نعت الأخير من الأسماء .

قلت : وبِمَ نعت ؟

قال : نعت بأنّه يظهر على الدين كلّه ، ويخرج إليه المسيح فيتديّن به ، ويكون له صاحباً .

قلت : فانعت لي هذه النعوت ؛ لأعلم علمها :

قال : نعم فَعِهِ عنّي وصُنْهُ إلاّ عن أهله وموضعه إن شاء اللّه‏ تعالى .

أمّا تقوبيث ، فهو أوّل الأوصياء ووصيّ آخر الأنبياء .

وأمّا قيذو ، فهو ثاني الأوصياء وأوّل العترة الأصفياء .

وأمّا دبيراء ، فهو ثاني العترة وسيّد الشهداء .

وأمّا مقسوراً ، فهو سيّد مَن عَبد اللّه‏ من عباده .

وأمّا مسموعاً ، فهو وارث علم الأوّلين والآخرين .

٩٠

وأمّا دوموه ، فهو المدرة الناطق عن اللّه‏ الصادق .

وأمّا مشيو (١) ، فهو خير المسجونين في سجن الظالمين .

وأمّا هذار ، فهو المخنوع بحقّه النازح الأوطان الممنوع .

وأمّا يثمو (٢) ، فهو القصير العمر الطويل الأثر .

وأمّا بطور ، فهو رابع اسمه .

وأمّا نوقس ، فهو سميّ عمّه .

وأمّا قيذمو (٣) ، فهو المفقود من أبيه وأمّه ، الغائب بأمر اللّه‏ وعلمه والقائم بحكمه (٤) .

أقول : في القاموس : المدرة ـ كمنبر ـ : السيّد الشريف المقدم . والمنخوع ـ بالنون أو بالباء والخاء المُعجمة ـ أي : الذي أقرّوا بحقّه ومنعوه منه وأخرجوه عن وطنه ، وهي أوصاف الرضا عليه‌السلام (٥) .

وفي القاموس : بخَعَ بحقّي ـ كمنع ـ : أقرّ ، وقال : بَخَعَ بالحقّ بخُوعاً أقرّ به وخشع له (٦) .

وقال : نزح ـ كمنع وضرب ـ : بَعُد (٧) .

ثمّ إنّ الذي وصل إلينا من تلك الكلمات هكذا ، ولا يمتنع وقوع الاشتباه والتصحيف في بعضها ، واللّه‏ أعلم .

__________________

(١) في «م» : مشيوا .

(٢) في «ش» : يثيموا .

(٣) في «م» و «ش» : قيذموا

(٤) مقتضب الأثر : ٢٦ ، بحار الأنوار ٣٦ : ٢٢٢ / ٢١ بتفاوت يسير .

(٥) لم نعثر عليه في القاموس ، وحكاه عنه المجلسي في بحار الأنوار ٣٦ : ٢٢٤ ـ ٢٢٥ .

(٦) القاموس ٣ : ٣ ـ بخع ـ .

(٧) القاموس ١ : ٣٤٦ ـ نزح ـ .

٩١

وخامسها : ما رواه أيضاً في كتاب المقتضب عن ثوابة الموصلي (١) ، عن الحسن بن أحمد بن حازم ، عن حاجب بن سُليمان أبي موزج ، قال : لقيت ببيت المقدس عمران بن خاقان الوافد إلى المنصور وقد أسلم على يده ، وكان قد حجّ اليهود ببيانه وعلمه ، وكانوا لا يستطيعون جحده لما في التوراة من علامات رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله والخلفاء من بعده ، فقال لي يوماً (٢) : يا أبا موزج ، إنّا نجد في التوراة ثلاثة عشر اسماً ، منها (٣) : محمّد واثنا عشر بعده من أهل بيته ، وهم أوصياؤه وخلفاؤه مذكورون في التوراة ليس فيهم القائمون بعده من تيم ولا عدي (ولاغيرهما) (٤) ، وإنّي لأظنّ ما تقوله هذه الشيعة حقّاً .

قلت : فأخبرني به ؟ قال : لتعطيني عهد اللّه‏ وميثاقه أن لا تخبر الشيعة بشيء من ذلك فيظهروه عليّ .

قلت : وما تخاف من ذلك والقوم من بني هاشم ؟

قال : ليست أسماؤهم أسماء هؤلاء ، بل هم من ولد الأوّل منهم (٥) ، وهو محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن بقيّته في الأرض من بعده ، فأعطيته ما أراد من المواثيق .

وقال لي : حدّث به بعدي إن تقدّمتك ، وإلاّ فلا عليك أن لا تخبر به أحداً ، ثمّ قرأ من التوراة ما ترجمته : أنّ شموعيل (٦) يخرج من صلبه ابن مبارك صلواتي عليه وقدسي ، يلد اثني عشر ولداً يكون ذكرهم باقياً إلى يوم

__________________

(١) لم نعثر على ترجمة ثوابة الموصلي ، والحسن بن أحمد بن حازم ، وحاجب بن سليمان أبي موزج .

(٢ و٣) لم ترد في «م» .

(٤) كذا في النسخ ، وفي المصادر : «بني اُمية» .

(٥) لم ترد في «م» .

(٦) في «م» : شميعيل .

٩٢

القيامة وعليهم القيامة تقوم (١) ، طوبى لمن عرفهم بحقيقتهم (٢) .

أقول : ولعل عدّ الاثني عشر من ولده صلى‌الله‌عليه‌وآلهعلى تقدير عدم تطرّق التحريف إليه على سبيل التغليب أو التجوّز ؛ لكون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآلهوالد الاُمّة ، لا سيّما الإمام الذي هو أصل الاُمّة ، فتأمّل .

وليكن هذا آخر ما أردنا إيراده هاهنا ؛ لأنّ كثرة الأخبار المناسبة لما نحن فيه ممّا لا تستقصى كثرةً ، وفيما ذكرناه تبصرة لمن أراد التبصّر ، وستأتي أيضاً بعض الأخبار المفيدة لأهل الاستبصار فيما يقتضيه المقام ويحتاج إليه توضيح المرام ، وإذ فرغنا من أحاديث الفاتحة فلنشرع الآن في ذكر فهرست مباحث الكتاب :

اعلم أنّا رتّبنا هذا الكتاب ـ كما أشرنا (٣) سابقاً ـ بعد فاتحته المذكورة على مقدّمة ، وفيها تبيان وخمسة أبواب فيكلّ باب فصول ، وعلى مقصدين ، في كلّ واحد منهما اثنتا عشرة مقالة وفي المقالة الأخيرة من المقصد الأوّل اثنا عشر فصلاً ، وعلى خاتمة فيها فصلان ، وعلى ختام نختم به الكتاب ، وقد يشتمل بعض ما ذكر على مباحث ومطالب وغيرها ممّا (٤) لم نذكرها في الفهرست ، وتفصيل الفهرست هكذا :

أمّا المقدمة : ففي بيان جريان عادة اللّه‏ بامتحان العباد ، وذكر نبذ من أعاظم ما (٥) امتحن اللّه‏ به الخلائق في هذه الدنيا ، ممّا لبيانه مدخل في توضيح جمّة من مقدّمات دليلنا هذا ، بل سائر الأدلّة أيضاً ؛ بحيث كان كلّ

__________________

(١) لم ترد في «م» .

(٢) مقتضب الأثر : ٣٩ ، الصراط المستقيم ٢ : ٢٣٨ ، بحار الأنوار ٣٦ : ٢٢٥ / ٢٢ .

(٣) في «م» زيادة : إليه .

(٤) لم ترد في «م» .

(٥) في «م» : ممّا .

٩٣

واحد كالمبادئ لها ، وكذا في كشف كثير من الشبه التي أوهمت جمهور المخالفين ، بحيث منعتهم عن فهم ما هو الحقّ ، وقد بيّنّا ما يتعلّق بها في ضمن تبيان وخمسة أبواب :

أمّا التبيان : ففي توضيح أنّ اللّه‏ عزوجل لم يكتف من عباده بمحض دعوى الإيمان ، بل امتحن كلاًّ منهم بأنواع الامتحان من بدو الخلقة إلى آخر الزمان ، وأنّ من ذلك أهل زمان سيّد الإنس والجانّ ، بل نذكر فيه أيضاً بعض ما ورد في أنّ أمر إمامة عليّ عليه‌السلام من جملة عُمدة ما وقع به الامتحان .

الباب الأوّل : في بيان امتحان اللّه‏ عباده بميل طبائعهم إلى ما نشأوا فيه ، واعتادوا به ، وشبّوا عليه ، مثل : حبّ طريقة آبائهم وأسلافهم وكبرائهم ، وأخذ أطوارهم واقتفاء آثارهم ، وذكر نهي اللّه‏ إيّاهم عن ذلك ، وأمرهم ببذل الجهد في تحقيق الحقّ وقبوله ، وترك الحميّة والعصبيّة ، وفيه ثلاثة فصول :

الفصل الأوّل : في توضيح كون طبيعة عامّة البشر مجبولة على هذه الحالة في كلّ زمان بحيث إنّها دعت جماعة إلى أن قصدوا (١) لتحريف الحقّ وإخفائه ، وبيان كون متابعة هذه الحالة ، منهيّ عنها ، مذمومة ، لا سيّما في اُمور الدين ، وأنّه من أقبح (٢) صفات الجهّال والضلاّل والمبطلين ، وأطوار الكفّار والمعاندين .

الفصل الثاني : في بيان أنّ الواجب على طالب الحقّ غاية (٣) بذل

__________________

(١) في «ش» : تصدوا .

(٢) في «م» : أوضح .

(٣) في «م» : رعاية .

٩٤

الجهد في تصفية نيته وتفريغ قلبه عن هذه الحالة وأمثالها ، حتّى يصير قابلاً لإلهام الحقّ وإدراكه ، وأنّ اللّه‏ عزوجل يوفّق مثل هذا الشخص لفهم الحقّ وقبوله .

الفصل الثالث : في بيان لزوم الحبّ في اللّه‏ والبغض للّه‏ ، ونصرة دينه وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه .

الباب الثاني : في بيان امتحان اللّه‏ عباده بميل طبائعهم البشرية إلى شهوات الدنيا ، ورغبتهم إلى ما زيّن لهم الشيطان من مرديات الهوى ، لا سيّما حبّ الرئاسة والمال والعزّ والجاه الذي هو عمدة أسباب التحاسد والتباغض والمنافسات ، بل الفتن والاختلافات والنفاق والكذب ، بل ذلك اُمّ الفساد في العالم ، وبيان شيوع ذلك وشموله كلّ زمان وكلّ أحد إلاّ قليلاً ممّن رحمه‌الله بالعصمة والتوفيق ، وذكر [كون (١) ] نهي اللّه‏ عزوجل إيّاهم عن ذلك في غاية التوبيخ والتأكيد ، بحيث عيّن عليهم في كلّ عصر من يردعهم (٢) عن ذلك بالمواعظ والتعزيرات ، وقرّر الحدود والتأديبات ، ونصب جماعة مخصوصين للرئاسات ، وتوضيحه في ضمن فصول ثلاثة :

الفصل الأوّل : في بيان جمل ممّا يدلّ على شيوع هذه الحالات ، وابتلاء عامّة الناس بها في جميع الاُمم السابقة واللاحقة من زمان آدم عليه‌السلام إلى قيام الساعة ، حتّى أهل (٣) عصر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن بعدهم ، وذكر كون تلك الحالات من صفات أهل السوء منهم والأشرار دون الأخيار .

الفصل الثاني : في توضيح شدّة هذا الشيوع في هذه الاُمّة ، حتّى

__________________

(١) أضفناها لضرورة السياق .

(٢) في «م» و«ن» : يردّهم .

(٣) لم ترد في «م» .

٩٥

الصحابة ، وبيان وجود خصوص اُمراء السوء فيهم ، وأئمّة الضلالة والمضلّين ، وأعداء آل محمّد صلّى اللّه‏ عليهم أجمعين وحسّادهم ، والمنافقين وأشباههم ، وما ورد في ذمّ أهل هذه الحالات منهم والتابعين لهم .

الفصل الثالث : في توضيح ما يدلّ على خصوص النهي عن هذه الحالات ، وأنّ أكثر الفتن والفساد لا سيّما في الدين منها ، وسائر ما يتعلّق بذلك .

الباب الثالث : في بيان امتحان اللّه‏ أيضاً عباده بإمهال أهل الدنيا ، والظالمين والفراعنة وأمثالهم وأتباعهم ، وشدّة رواج الباطل ورونق سوقه بحيث يشتبه بالحقّ على الجاهل في الوثوق به من غلبة أهله ، وكثرة أبناء الدنيا وشوكتهم ، وشدّة مصائب أولياء اللّه‏ ، ومتاعب أهل طاعته ، وضعف أهل الآخرة وابتلائهم ، وكساد الحقّ وبواره بحيث يشتبه بالباطل على الجاهل من ضعف أهله ، وقلّة أتباعه ، وسقوط اعتباره .

وفي ذكر ما ورد من ذمّ الفرقة الاُولى ، وشدّة عذابهم ، وعلائم بطلانهم ، ولزوم ترك اتّباعهم ، ومن مدح الاُخرى ، وكونهم مأمورين بالصبر على البلوى ، وتحمّل الأذى والسلوك مع أبناء الدنيا ، والمداراة مع أهل الهوى ، وكتمان الحقّ عن الظالمين والأشرار ، وستر العلوم عنهم والأسرار .

وكذا بيان عموم هذه العادة في جميع الأزمنة من عصر آدم عليه‌السلام وما بعده ، حتّى في هذه الاُمّة ، ولو على سبيل الشدّة والضعف ، وها نحن نوضّح ما يتعلّق بهذا في ضمن فصول خمسة :

الفصل الأوّل : في بيان اقتضاء حكمة اللّه‏ ومصلحته أن يكون لأعدائه ومخالفيه التاركين للحقّ والدين إمهال واستدراج بالغلبة والشوكة ،

٩٦

والتنعّم في هذه الدنيا التي هي دار الراحة والتمتّع لهـم ، وبإقبالها إليهم توجّه أهلها وزخارفها عليهم ؛ ليزدادوا إثماً وتكـون الحُجّة عليهم تماماً ، ويستحقّوا (١) بذلك الهلاك ، وشدّة العـذاب ، وفي توضيـح أنّ ذلك ليس مـن آثار أهـل الخير ، بل هـو من علامة الجهالة والضلالة ، والسخـط مـن اللّه‏ عزوجل ، وأنّه تعالى نهى عن هذه الحالات وذمّ أهلها ولعنهم وفسّقهم .

الفصل الثاني : في بيان اقتضاء الحكمة ابتلاء أولياء اللّه‏ في الدنيا وأهل طاعته المتمسّكين بالحقّ واليقين بالمصائب والمتاعب والخوف والأذى من الجهّال وأعداء الدين ، وكونهم في أغلب الأوقات مقهورين ، وبين الناس في أكثر الحالات مستضعفين ، لا سيّما الأنبياء والأوصياء والصالحين ، بحيث كلّما زادت رُتبة شخص في العُقبى زاد بلاءً وعناءً في الدنيا ، وفيه ذكر نبذ من مناقب هؤلاء ، وعظيم أجرهم وقربهم عند اللّه‏ عزوجل .

الفصل الثالث : في بيان قلّة أهل الحقّ والخير وأصحاب الإيمان واليقين ، وكثرة أصحاب الجهالة والبطالة المائلين إلى خلاف ما عليه أهل الدين ، (وكون عامّة الناس مع الدنيا وأهلها كيفما قالت وأينما مالت ، بحيث يتوهّم الجاهل أنّ ذلك هو الحقّ المبين ، بل يعدّ أهل الدين) (٢) من الجاهلين ، مع أنّ أصل الكثرة واجتماع العامّة من علائم البطالة والضلالة ، كما أنّ عكسه علامة الحقّيّة والهداية .

الفصل الرابع : في بيان أمـر اللّه‏ عزوجل أولياءه من الأنبياء

__________________

(١) في «م» : يستحلّوا .

(٢) ما بين القوسين لم يرد في «م» .

٩٧

والأوصياء وأتباعهم ، حتّى نبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بالصبر على جفاء الجفاة وأذى العتاة ، والتزام المداراة والتمسّك بالكَظم والتُقاة ، وكتم الحقّ والعلوم والأسرار عن غير أهلها من الجهلة الأشرار ، وفي ذكر ما ورد في مدح أهل البيت عليهم‌السلام أهل هذه الحالات ، وكونهم على الحقّ وهم الهداة .

الفصل الخامس : في بيان أنّ المدار على هذا النوع من الامتحان وكذا الامتحان الآتي كان في كلّ زمان ، حتّى في هذه الاُمّة ، كما مرّ أنّه (١) كذلك كانت الامتحانات المتقدّمة ، وهكذا يكون إلى قيام قائم آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونذكر فيه ما يدلّ على اقتفاء هذه الاُمّة الأمم السابقة في كلّ شيء .

الباب الرابع : في بيان ما امتحن اللّه‏ به أيضاً عباده بحسب اقتضاء حكمته ومصلحته ، من خلقهم خلقة متفاوتة بحسب الآراء والأفهام ، متباينة بحسب الأذهان والأحلام ، حتّى أنّه قلّما يقع اتّفاق جميع آراء رجلين ، بحيث إنّهم لو تركوا وآراءهم (٢) وما يدركونه (٣) بأفكارهم وأهوائهم (٤) لما اجتمعوا على كلّ حال ، ولا خرجوا عن حدّ التفرّق والاختلاف (٥) ، ولما خلصوا من العمى والضلال ، فضلاً عن الاهتداء إلى أحكام اللّه‏ الحكيم المتعال ، وأنّه لأجل هذا حيث أراد اللّه‏ عزوجل أن يجمعهم (٦) على الهدى ، أنعم عليهم بالأنبياء والهداة ؛ ليبيّنوا لهم ما هو طريق النجاة ، وما يزيل الشتات من المعارف اليقينيّات ، والأحكام المتقنات المتّفقات النازلات

__________________

(١) لم ترد في «م».

(٢) في «م» زيادة : وأفكارهم .

(٣) في «م» : وما يدركون .

(٤) في «م» : وآرائهم .

(٥) في «ش» و«ن» : والاختلال .

(٦) في «م» : يجعلهم .

٩٨

عليهم عن اللّه‏ عزوجل ، وأمر سائر الخلق بالتسليم لهؤلاء ، وأخذ المعارف والأحكام منهم ، ومتابعتهم في جميع الأشياء ، وترك التفرّق والاختلاف الحاصل من متابعة الظنون والآراء ، مع التصريح بذمّ (١) التفرّق والاختلاف ، وكونه ضلالة من كلّ فريق وفي كلّ زمان ، الدالّ على أنّ حكم اللّه‏ واحد في أيّ شيء كان ، وفيه أنّ كلّ اُمّة من الأمم افترقت بعد نبيّها ، حتّى هذه الاُمّة ، وأنّ الحقّ في واحدة ، وذكر جمل من مذاهبهم ، وتوضيح هذا أيضاً في ضمن خمسة فصول .

الفصل الأوّل : في بيان عموم تفاوت الآراء في الأنام ، واختلاف الأديان والأفهام ؛ بحيث صار سبب شتات المذاهب والأحكام (٢) من بدو الخلقة إلى آخر الأيّام ، وما ورد في ذمّ الاختلاف والتفرّق ، لا سيّما في الدين ، وأنّه علامة الهلاكة والضلالة وطريقة المبطلين ، وأنّه لم يكن جائزاً أبداً في شريعة أحد من المرسلين .

الفصل الثاني : في بيان أنّ منشأ التفرّق والاختلافات إنّما هو ما ذكرناه ، مع الوقوع في الشبهات التي هي من خطوات الشيطان ، مثل ما مرّ من متابعة الآباء والأسلاف والهوى والشهوات ، وكالتمسّك في الدين بالظنّ والتخمين ممّا يدخل تحت الاعتبارات العقلية والاجتهادات الظنّيَّة ، وما يفيده الرأي والقياس والاستحسانات وأمثال هذه التخيّلات ، التي منها الاعتماد على ما استقرّ عليه الجمهور ، وصار من القول والفعل المشهور ، بحيث سمّاه الأكثرون إجماعاً ، وتلقّوه بالقبول ، وإن كان في الأصل بحسب خرص بعض العقول ، وذكر ما يدلّ على بطلان هذه الأشياء وعدم كونها

__________________

(١) في «م» : بعدم .

(٢) لم ترد في «م» .

٩٩

من سنن الأنبياء .

الفصل الثالث : في بيان أنّ دأب الأنبياء وأتباعهم إنّما كان التسليم لأمر اللّه‏ وحده وأخذ العلوم والأحكام جميعاً من اللّه‏ تعالى ، ( لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (١) .

الفصل الرابع : في بيان نبذ ممّا ورد في اختلاف الاُمم السالفة ، وتفرّقها عقب نبيّها من بعد ما جاءهم العلم ، وأنّ فرقة منها واحدة كانت ناجية والباقون هالكون ، مع بيان شرذمة من مذاهب تلك الفِرَق ، وتوضيح كون كلّ اختلافها بسبب متابعة الأهواء والآراء .

الفصل الخامس : في بيان اختلاف هذه الاُمّة أيضاً ، حتّى من بدء الأمر وأنّ كلّهم هالكون إلاّ فرقة واحدة وأنّها ناجية ، وأنّها طائفة لا يزالون ظاهرين على الحقّ لا يضرّهم خذلان من خذلهم ، لا يكفرون ولا يرتدّون إلى يوم القيامة ، وبهم يتحقّق معنى ما ورد في هذه الاُمّة من أنّها لا تجتمع على الخطأ والضلال ، مع توضيح أنّ أهل البيت عليهم‌السلام منها ، بل إنّهم أساسها ، مع بيان نبذ من وجوه تشبّه هؤلاء بسابقيهم زيناً وشيناً ، وذكر جمّة من مذاهب هذه الاُمّة ، لا سيّما في الأئمّة ، وأنّ أصل سبب هذه المفاسد كلّها متابعة الأهواء والآراء ، وتوضيح ما تختصّ به الإماميّة الاثنا عشرية من الاقتصار على التمسّك بما ورد عن اللّه‏ عزوجل ، وترك الاعتماد على ما سوى ذلك أيّ شيء كان .

الباب الخامس : في بيان ما فيه نوع امتحان أيضاً ممّا خصّ اللّه‏ به هذه الاُمّة ، وهو أنّ اللّه‏ عزوجل لمّا فضّل حبيبه محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله على جميع

__________________

(١) سورة الأنبياء ٢١ : ٢٧ .

١٠٠