ضياء العالمين - ج ١

أبي الحسن بن محمّد طاهر العاملي [ العلامة الفتوني ]

ضياء العالمين - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن بن محمّد طاهر العاملي [ العلامة الفتوني ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-331-7
ISBN الدورة:
978-964-319-330-0

الصفحات: ٤٣٠
الجزء ١ الجزء ٢

مبايعة عليّ عليه‌السلام ، فسُئل عليّ عليه‌السلام عنهم ، فقال : «اُولئك الذين خذلوا الحقّ ، ولم ينصروا الباطل» ؛ وذلك لأنّ معاوية طمع فيهم فكاتبهم ودعاهم إلى المطالبة بدم عثمان فردّوا عليه ، وطعنوا فيه ، وذكروا له مناقب علي عليه‌السلام ، حتّى أنّ سعداً كتب إليه بأبيات يطعن بها عليه ، ومن جملة ما كتب سعد إليـه :

وأَمَّا أمرُ عُثمانَ فَدَعْهُ

فإنَّ الدّاءَ أذهَبَهُ البَلاءُ (١)

مع هذا سيأتي في محلّه أنّ سعداً هذا شهد عند معاوية بمحضر جماعة من الصحابة والتابعين بأنّه سمع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآلهيقول : «عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ ، يدور معه أينما دار» (٢) ، وأنّه استشهد في ذلك باُمّ سلمة زوجة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فشهدت له (٣) ، فافهم .

ونقلوا فيه عن سليمان بن صرد الخزاعي (٤) : أنّه كان مع عليّ عليه‌السلام في صفين ، ثمّ إنّه كتب إلى الحسين عليه‌السلام يسأله القدوم إلى العراق ، فلمّا

__________________

(١) الاستيعاب ٢ : ٦٠٦ ـ ٦١٠ ، وفيه : (الرأي) بدل (الداء) ، وغير منسوب لأحد .

(٢) الاستغاثة : ١٦٨ ، المناقب لابن شهر آشوب ٣ : ٧٦ ، ٧٧ ، بتفاوت يسير .

(٣) تاريخ مدينة دمشق ٢٠ : ٣٦١ ، مجمع الزوائد ٧ : ٢٣٥ .

(٤) هو سليمان بن صرد بن الجون بن أبي الجون الخزاعي يكنّى أبا مطرّف ، من أصحاب رسول اللّه‏ وأمير المؤمنين والحسن والحسين صلوات اللّه‏ عليهم ، كان اسمه في الجاهليّة : يسار ، فسمّاه رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله سليمان ، كان من كبار التابعين ورؤسائهم وزهّادهم ، وشهد مع عليّ عليه‌السلام مشاهده كلّها ، وهو الذي قتل حوشبا ذا ظُليم الألهاني ، وممّن كاتب الحسين عليه‌السلام فلمّا اطّلع ابن زياد على مكاتبة أهل الكوفة إلى الحسين عليه‌السلام حبس عدّة من أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام وأبطاله ، منهم سليمان بن صرد ، وإبراهيم الأشتر ، فلم يتمكّنوا من نصرة الإمام الحسين عليه‌السلام ، وتوفّي سنة ٦٥ هـ .

انظر : تنقيح المقال ٢ : ٦٢ / ٥٢١٨ ، اُسد الغابة ٢ : ٢٩٧ / ٢٢٣٠ ، سير أعلام النبلاء ٣ : ٣٩٤ / ٦١ ، تهذيب التهذيب ٤ : ١٧٥ / ٣٤٠ .

٢٨١

قدمها ترك القتال معه ، فلمّا قُتل الحسين عليه‌السلام ندم هو والمسيّب بن نجبة (١) وأمثالهما ممّن لم يقاتل معه ، وقالوا : ما لنا توبة إلاّ أن نقتل أنفسنا في الطلب بدمه عليه‌السلام ، فخرجوا (٢) ، وحكايتهم مشهورة .

ونقل فيه عن سمرة بن جندب (٣) بعد ما مدحه : بأنّه كان من حفّاظ الأخبار على رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله وغير ذلك ، وأنّه صار والياً على البصرة بأمر زياد ، ولمّا مات زياد أقرّه معاوية على عمله (٤) .

وسيأتي في المقصد الثاني ما يشتمل على أنّه روى بأمر معاوية على رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله حديثاً كذباً في تأويل آية ذمٍّ في عليّ عليه‌السلام ، وآية (٥) مدحٍ في قاتله (٦) .

__________________

(١) هو المسيب بن نجبة الفزاري الكوفي من أصحاب أمير المؤمنين والحسن المجتبى صلوات اللّه‏ عليهما ، ومن التابعين الكبار ورؤسائهم وزهّادهم، شهد مع أمير المؤمنين عليه‌السلام غزوة الجمل ، كان مع سليمان بن صرد ، مات سنة ٦٥ هـ .

انظر : تنقيح المقال ٣ : ٢١٧ / ١١٨١٦ .

(٢) الاستيعاب ٢ : ٦٥٠ ، اُسد الغابة ٢ : ٢٩٧ ، تهذيب التهذيب ٤ : ١٤٥ / ٣٤٠ .

(٣) هو سمرة بن جُندب بن هلال بن حريج بن مرّة ، يكنّى أبا سعيد ، وقيل : أبا عبد الرحمن ، من أشرار أصحاب رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان مؤذياً في نخيلات له . . . حتّى أمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بقلعها ورميها ، وقال : «لا ضرر ولا ضرار» . وقد وردت روايات في ذمّه ، منها : أنّه من شرطة ابن زياد ، ويحرّض الناس على قتال الإمام الحسين عليه‌السلام .

مات سنة ٥٩ هـ ، وقيل : سنة ٥٨ هـ .

انظر : تنقيح المقال ٢ : ٦٨ ـ ٦٩ / ٥٢٨٣ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٤ : ٧٧ ـ ٧٩ .

(٤) الاستيعاب ٢ : ٦٥٣ ـ ٦٥٤ / ١٠٦٣ بتقديم وتأخير .

(٥) الآيتان في سورة البقرة : الاُولى (٢٠٧) قوله : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) .

والثانية (٢٠٤) قوله : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ ) إلى قوله : ( وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ) .

(٦) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٤ : ٧٣ .

٢٨٢

ونقل فيه عن شرحبيل بن السمط (١) : أنّه كان والياً على حِمْص (٢) من طرف معاوية ، وأنّه لمّا قدم جرير (٣) على معاوية من عند عليّ عليه‌السلام قيل لمعاوية : إنّ جريراً يفسد عليك الناس ، ويردّ بصائر أهل الشام في أنّ عليّاً عليه‌السلام لم يقتل عثمان ، فلا بدّ لك من رجل يناقضه في ذلك ممّن له صحبة (مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) ، ومنزلة عند الناس ، ولا نعلمه إلاّ شرحبيل ، فإنّه عدوّ لِجرير .

فاستقدمه معاوية وهيّأ له رجالاً يشهدون عنده أنّ عليّاً عليه‌السلام قتل عثمان ، منهم : بسر بن أرطاة ، ويزيد بن أسد (٥) جدّ خالد القسري ،

__________________

(١) هو شرحبيل بن سمط بن أسود بن جبلة الكندي ، يكنّى أبا يزيد ، كان له أثر عظيم في مخالفة عليّ عليه‌السلام وقتاله ، له حديث واحد عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، هلك سنة ٤٠ هـ ، وقيل : سنة ٤٢ هـ .

انظر : اُسد الغابة ٢ : ٣٦١ / ٢٤١٠ ، تهذيب التهذيب ٤ : ٢٨٣ / ٥٦٤ .

(٢) حِمْص : بلد مشهور قديم كبير بين دمشق وحلب في نصف الطريق ، بناه رجل يقال له : حمص بن مهر بن جان .

انظر : معجم البلدان ٢ : ٣٠٢ .

(٣) هو جرير بن عبداللّه‏ بن جابر البجلي يكنّى أبا عبداللّه‏ ، أسلم في السنة التي قبض فيها رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله مع قومه وهم مائة وخمسون رجلاً ، وسكن في الكوفة ، وقدم الشام برسالة مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى معاوية ، وتخريب علي عليه‌السلام داره بعد لحوقه بمعاوية مشهور ، وعدّ مسجده بالكوفة من المساجد الملعونة ، وقد خلط في أواخر عمره ، هلك سنة ٥١ هـ ، وقيل : سنة ٥٤ هـ .

انظر: تنقيح المقال ١: ٢١٠ / ١٧١٤، قاموس الرجال ٢: ٥٨٤ / ١٣٩٣، اُسد الغابة ١: ٣٣٣ / ٧٣٠.

(٤) من هنا إلى ص٣٢٢ بياض في نسخة «ن» .

(٥) هو يزيد بن أسد بن كُرز بن عامر بن عبداللّه‏ القسري ، جدّ خالد بن عبداللّه‏ القسري ، كان في المدينة أيّام عمر ، ومن ثقات معاوية وخاصّته ، وشهد معه صفّين ، وأرسله معاوية قائداً لأهل دمشق ، ويكفي في خبث سيرته ما أشار إليه

٢٨٣

وأبو الأعور السلمي ، وحابس بن سعد الطائي (١) ، ومخارق بن الحارث الزبيدي (٢) ، وحمزة بن مالك الهمداني (٣) ، وقد واطأهم معاوية على ذلك فشهدوا عنده أنّ علياً عليه‌السلام قتل عثمان ، فقبل ذلك ، وخرج في مدائن الشام يندب إلى طلب دم عثمان (٤) .

ونقل فيه عن الوليد بن عقبة بن أبي معيط (٥) : أنّه أخو عثمان بن

__________________

المؤلف رحمه‌الله . هلك في حدود سنة ٥٥ هـ .

انظر : الاستيعاب ٤ : ١٧٥٠ / ٢٧٥٣ ، اُسد الغابة ٤ : ٦٩٩ / ٥٥١٦ ، الأعلام ٨ : ١٧٩ .

(١) هو حابس بن سعد الطائي ، ويقال : ابن ربيعة المنذر ، يعرف في أهل الشام باليماني ، ولاّه عمر بن الخطاب قضاء حمص ـ ناحية من نواحي الشام ـ ، وشهد صفّين مع معاوية ومعه راية طيء ، فقتل يومئذ .

انظر : الاستيعاب ١ : ٢٧٩ / ٣٧٨ ، اُسد الغابة ١ : ٣٧٥ / ٨٣٦ ، الأعلام للزركلي ٢ : ١٥١ ، العبر ١ : ٢٨ .

(٢) مخارق بن الحارث الزبيدي الأزدي ، شهد مع معاوية صفّين ، وكان أميراً على مذحج الاُردن ، وممّن شهد في صحيفة اصطلاحه مع عليّ عليه‌السلام على التحكيم ، ولم يترجم له بأكثر من هذا .

انظر : تاريخ خليفة بن خياط : ١٤٧ ، تاريخ مدينة دمشق ٥٧ : ١٣٠ / ٧٢٦٥ .

(٣) حمزة بن مالك بن ذي مشعار الهمداني من وجوه أهل الشام ، وممّن وجّهه أبو بكر إلى الشام ، وشهد مع معاوية صفّين ، كان أميراً على همدان الاُردن ، وأحد شهوده حين صالح عليّاً عليه‌السلام على تحكيم الحكمين ، وفي بعض المصادر ورد حُمرة ابن مالك ، كتاريخ مدينة دمشق ، والإصابة .

انظر : تاريخ مدينة دمشق ١٥ : ١٨٥ / ١٧٤٤ ، اُسد الغابة ١ : ٥٣٤ / ١٢٥٦ ، بغية الطلب ٦ : ٢٩٦٥ ، الإصابة ٢ : ٣٦ / ١٨١٨ .

(٤) الاستيعاب ٢ : ٦٩٩ ـ ٧٠٠ .

(٥) الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، يكنّى أبا وهب ، ولاّه عثمان الكوفة بعد سعد بن أبي وقاص، كان يشرب الخمر ، ولمّا قتل عثمان تحول وليد إلى الجزيرة الفراتية، وكان فاسقاً ، وفي حقّه نزلت الآية : ( إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) ، الحجرات ٤٩ : ٦ .

انظر : الاستيعاب ٤ : ١٥٥٢ / ٢٧٢١ ، اُسد الغابة ٤ : ٦٧٥ / ٥٤٦٨ ، سير أعلام النبلاء ٣ : ٤١٢ / ٦٧ ، تاريخ الإسلام (عهد الخلفاء الراشدين) : ٦٦٣ .

٢٨٤

عفّان لاُمّه ، وأنّه كان مجاهراً في الفسوق شارب الخمور ، وأنّ فيه وفي عليّ عليه‌السلام نزلت : ( أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا ) (١) ، وأن عثمان جعله والياً على الكوفة إلى أن جلده عليّ عليه‌السلام؛ حيث شرب الخمر فسكر ، فصلّى بالناس في مسجد الكوفة صلاة الصبح أربع ركعات ، ثمّ قال لهم : أأزيدكم؟ ثمّ صار من أصحاب معاوية وكان يحرّضه على حرب عليّ عليه‌السلام ويغريه ، ولمّا صار الحرب انعزل عنهما وقال : فربّ حريص محروم .

قال صاحب الكتاب : وله أخبار فيها بشاعة تدلّ على سوء حاله وقبح أفعاله ، ثمّ قال : ومن أنكر صدور ما صدر منه ، فكلامه غير صحيح عند أهل العلم ، ومحض الاعتساف .

ومن الغرائب أنّه نقل : أنّ عثمان عزل سعداً عن الكوفة وولاّها الوليد ، فلمّا قدم على سعد ، قال سعد : واللّه‏ ، ما أدري أكسيت بعدنا أم حمقنا بعدك (٢) ! فقال : لا تجزعنّ يا أبا إسحاق ، فإنّما هو الملك يتغدّاه قوم ويتعشّاه آخَرون، فقال سعد : واللّه‏ ، أراكم ستجعلونها ملكاً (٣) .

ونقل فيه عن أبي العادية (٤) : أنّه كان هو الراوي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قوله : «لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض» (٥) ، ومع هذا قتل

__________________

(١) سورة السجدة ٣٢ : ١٨ .

(٢) ما أثبتناه من المصدر وفي النسخ : «أكسيت بعدنا أم جمعنا» والظاهر أنّه خطأ من النُّسّاخ.

(٣) الاستيعاب ٤ : ١٥٥٤ ـ ١٥٥٧ بتقديم وتأخير .

(٤) اختلف في ضبط كنيته ، فورد تارة بالغين المعجمة ، واُخرى بالعين المهملة ، ولا ضير فيه بعد أن كان المراد منهما يسار بن أزهر الجهني الذي كان من محبّي عثمان ، وهو قاتل عمّار بن ياسر .

انظر : الكنى والأسماء للدولابي ١ : ٤٧ ، الاستيعاب ٤ : ١٧٢٥ / ٣١١٣ ، اُسد الغابة ٥ : ٢٣٧ / ٦١٤٠ ، سير أعلام النبلاء ٢ : ٥٤٤ / ١١٤ .

(٥) المعارف لابن قتيبة : ٢٥٧ ، الكنى والأسماء للدولابي ١ : ٤٧ .

٢٨٥

عمّار بن ياسر مفتخراً بذلك ، بحيث كان كلّما يستأذن على معاوية يقول : إنّ قاتل عمّار يريد أن يدخل عليك (١) .

ونقل فيه عن جماعة أنّهم قالوا : كان أبو سفيان والد معاوية من المؤلّفة قلوبهم أسلم عام الفتح ، وعمي في آخر عُمره ، وأنّه كان كهفاً للمنافقين ، وكان منافقاً ، وأنّه لمّا ولي عثمان الخلافة دخل عليه أبو سفيان ، فقال : قد صارت إليك بعد تيم وعديّ ، فأدرها كالكرة ، واجعل أوتادها بني اُميّة ، فإنّما هو الملك ، وما أدري ما جنّة ولا نار (٢) !

وسيأتي تفصيل أحواله وكفره ونفاقه في المقالة السادسة من المقصد الثاني .

ونقل جماعة كما في تاريخ الإسلام وغيره : أنّ أبا هريرة ذهب في زمان معاوية إلى عليّ عليه‌السلام ليجعل الخلافة شورى بين الناس ، ثمّ ندم على فعله ، وعرف توهّمه في ذلك لمّا تكلّموا عليه وذكّروه من فضائل عليّ عليه‌السلام وذمّ تركه ، ومع هذا اعتزل في صفّين ولم ينصر عليّاً عليه‌السلام ، بل كان من أصحاب بني اُميّة لاسيّما مروان بن الحكم ، حتّى نقلوا : أنّ يوماً في جنازة رجل أخذ أبو هريرة بيد مروان فجلسا ناحية قبل أن توضع الجنازة ، وشرعا يتكلّمان ، فجاء إليهما أبو سعيد الخدري وأقام مروان وقال له : واللّه‏ ، لقد علم صاحبك هذا ـ يعني أبا هريرة ـ أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله نهانا عن ذلك ، يعني الجلوس ، فلم يقدر أبو هريرة على تكذيبه ، بل صدّقه (٣) .

وسيأتي في المقصد الثاني ما يدلّ على أنّه كان يكذب على رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله بشهادة عليّ عليه‌السلام وعمر جميعاً .

__________________

(١) المعارف لابن قتيبة : ٢٥٧ ، وقعة صفّين : ٣٤١ ، الاستيعاب ٤ : ١٧٢٥ / ٣١١٣ .

(٢) الاستيعاب ٤ : ١٦٧٧ ـ ١٦٧٩ / ٣٠٠٥ .

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٠٧ ، السنن الكبرى للبيهقي ٤ : ٢٦ بتفاوت يسير فيهما .

٢٨٦

ونقل الحميدي (١) في الجمع بين الصحيحين : أنّ أبا بكر كان يقسّم الخمس نحو قسمة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، غير أنّه ما كان يعطي قرابة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مثل ما كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يعطيهم (٢) .

ونقل في تاريخ الإسلام : عن عبداللّه‏ بن المبارك (٣) أنّه قال : الذي كان بين الصحابة كان فتنة ، ولا أقول لأحد منهم مفتون (٤) .

ونقل ابن الجوزي في كتاب المنتظم بإسناد له متّصل إلى عبداللّه‏ بن أحمد بن حنبل (٥) أنّه قال : سألت أبي فقلت له : ما تقول في عليّ عليه‌السلام ومعاوية ؟ فأطرق ، ثمّ قال : أيش أقول فيهما ، اعلم أنّ عليّاً عليه‌السلام كان كثير الأعداء ففتش له أعداؤه عيباً فلم يجدوا ، فجاءوا إلى رجل قد حاربه وقاتله

__________________

(١) هو محمّد بن فتوح بن عبداللّه‏ ، يكنّى أبا عبداللّه‏ ، مؤرّخ محدّث ، كان ظاهريّ المذهب ، وهو صاحب ابن حزم وتلميذه ، وأوّل ارتحاله في العلم كان في سنة ٤٤٨ ، وله كتب ، منها : الجمع بين الصحيحين ، والذهب المسبوك في وعظ الملوك ، والترسل ، ولد قبل سنة ٤٢٠ هـ ، ومات سنة ٤٨٨ هـ .

انظر : سير أعلام النبلاء ١٩ : ١٢٠ / ٦٣ ، الوافي بالوفيات ٤ : ٣١٧ / ١٨٦٣ ، شذرات الذهب ٣ : ٣٩٢ .

(٢) الجمع بين الصحيحين ٣ : ٣٦٩ / ٢٨٥٦ بتفاوت يسير .

(٣) عبداللّه‏ بن المبارك بن واضح المروزي ، يكنّى أبا عبد الرحمن ، من تابعي التابعين ، يحكى : أنّه أحسن إلى علوية فرأى في المنام أ نّه يخلق اللّه‏ تعالى على صورته ملكاً يحجّ عنه كلّ عام ، وكان من رواة العلم ، ولد سنة ١١٨ هـ ، ومات ١٨١ هـ .

انظر : الكنى والألقاب ١ : ٣٨٨ ، تاريخ مدينة دمشق ٣٢ : ٣٩٦ / ٣٥٥٥ ، وفيات الأعيان ٣ : ٣٢ / ٣٢٢ ، سير أعلام النبلاء ٨ : ٣٧٨ / ١١٢ .

(٤) تاريخ الإسلام (حوادث ١٨١ ـ ١٩٠) : ٢٢٧ / ١٩٣ ، ترجمة ابن المبارك .

(٥) عبداللّه‏ بن أحمد بن محمّد بن حنبل ، يكنّى أبا عبد الرحمن ، من أهل بغداد ، حافظ للحديث ، سمع من أبيه شيئاً كثيراً من العلم ، له كتب ، منها : الزوائد على كتاب الزهد لأبيه ، وزوائد المسند ، ولد سنة ٢١٣ هـ ، مات سنة ٢٩٠ هـ .

انظر : تاريخ الإسلام (حوادث ٢٨١ ـ ٢٩٠) : ١٩٧ ـ ١٩٩ / ٣٠٠ ، سير أعلام النبلاء ١٣ : ٥١٦ / ٢٥٧ ، تهذيب التهذيب ٥ : ١٢٤ / ٢٤٦ .

٢٨٧

فأطروه ، كياداً منهم له (١) .

ونقل في المنتظم أيضاً بإسناد له متّصل : عن عبداللّه‏ بن جعفر (٢) ، عن اُمّ بكر بنت المسور (٣) ، عن أبيها ، قال : ولّى عمر على بيت المال عبداللّه‏ بن الأرقم (٤) ، وكان يقول : ما رأيت أحداً أخشى للّه‏ منه ، فكان عمر إذا استسلف شيئاً منه كان يتقاضاه عند إخراج العطاء فيقضيه ، فلمّا ولّى عثمان أقرّه على بيت المال ، وكان يستسلف منه حتّى اجتمع عنده مال كثير وحضر وقت العطاء ، فقال له عبداللّه‏ : أدّ المال الذي استسلفته ، فقال عثمان له : ما أنت وذاك ، إنّما أنت خازن ، فخرج عبداللّه‏ حتّى وقف على المنبر فصاح بالناس وأخبرهم بما قال عثمان ، وقال : هذه مفاتيح بيت مالكم .

ثمّ قال ابن الجوزي عند روايته ذلك : فقيل : إنّه لمّا ردّ المفاتيح استخزن عثمان زيد بن ثابت (٥) (٦) .

__________________

(١) المنتظم ٥ : ١٢٩ بتفاوت يسير .

(٢) عبداللّه‏ بن جعفر بن عبدالرحمن بن المِسوَر بن مخرمة ، يكنّى أبا محمّد ، كان مفتياً ، عارفاً بالمغازي ، حدّث عن أبيه ، وسعد بن إبراهيم ، وعمّته والدة اُمّ بكر ابنة المِسْوَر وغيرهم، وروى عنه: عبدالرحمن بن مهدي، والواقدي وغيرهما. مات سنة١٧٠هـ.

انظر : تهذيب الكمال ١٤ : ٣٧٢ / ٣٠٢٣ ، تاريخ الإسلام (حوادث ١٦١ ـ ١٧٠) : ٢٩١ / ١٩٥ ، سير أعلام النبلاء ٧ : ٣٢٨ / ١١٤ .

(٣) اُمّ بكر بنت المِسْوَر بن مخرمة الزهرية ، روت عن أبيها ، وروى عنها ابنُ ابنِ أخيها عبداللّه‏ بن جعفر بن عبدالرحمن بن المِسْور بن مخرمة .

انظر : تهذيب التهذيب ١٢ : ٤٨٧ / ٢٩١٦ ، لسان الميزان ٩ : ٥٦٠ / ١٥٦٩٨ .

(٤) هو عبداللّه‏ بن الأرقم بن يغوث بن وهب الزهري ، وآمنة بنت وهب اُمّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، عمّة أبيه الأرقم ، ولاّه عمر بيت المال ووليه ايضاً لعثمان مدّة . مات سنة ٦٤ هـ .

انظر : المنتظم ٥ : ١٤٢ / ٣٠٠ ، اُسد الغابة ٣ : ٦٨ / ٢٧٠٩ ، سير أعلام النبلاء ٢ : ٤٨٢ / ٩٨ ، تهذيب التهذيب ٥ : ١٢٨ / ٢٤٩ .

(٥) المنتظم ٥ : ١٤٣ .

(٦) هو زيد بن ثابت بن الضحّاك بن زيد الأنصاري ، يكنّى أبا سعيد ، وقيل :

٢٨٨

ونقل في المنتظم : أنّ عمّاراً قتله أبو العادية ، طعنه برمح فسقط ، فلمّا وقع أكبّ عليه رجل آخَر فاحتزّ رأسه ، فأقبلا يتخاصمان فيه ، كلٌّ يقول : أنا قتلته ، فقال عمرو بن العاص : واللّه‏ ، إن تختصمان إلاّ في النار ، فسمعها منه معاوية ، فلمّا انصرف الرجلان قال لعمرو : ما رأيت منك مثل ما صنعت اليوم ، قوم بذلوا أنفسهم دوننا ، تقول لهما : إنّكما تختصمان في النار؟! فقال عمرو : هو واللّه‏ ، ذاك ، وواللّه‏ ، إنّك لتعلمه ، ولوددت أنّي متّ قبل هذا بعشرين سنة (١) .

ونقل أيضاً فيه بإسناد له متّصل عن محمّد بن جميل (٢) عن محمّد بن يحيى الأحمري (٣) ، قال : حدّثنا ليث (٤) عن مجاهد (٥) ، قال : جيء برأس

__________________

أبا عبدالرحمن ، وأبا خارجة ، كان ممّن يكتب لرسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله الوحي وغيره ، وشهد مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الخندق وما بعدها ، استخلفه عمر على المدينة ثلاث مرّات ، وكذلك عثمان كان يستخلفه إذا حجّ ، فقد كان عثمانيّاً ولم يشهد مع عليّ عليه‌السلام شيئاً من حروبه ، وكان يُظهر فضل عليّ عليه‌السلام وتعظيمه ، واختلف في وفاته على أقوال ، منها : أنّه مات سنة ٤٥ هـ .

انظر : الاستيعاب ٢ : ٥٣٧ / ٨٤ ، اُسد الغابة ٢ : ١٢٦ / ١٨٢٤ ، سير أعلام النبلاء ٢ : ٤٢٦ / ٨٥.

(١) المنتظم ٥ : ١٤٨ .

(٢) كذا في «م» و«س» و«ش» ، وفي «ن» ساقطة ، وفي المصدر : محمّد بن أحمد .

(٣) لم نعثر على ترجمته .

(٤) هو ليث بن أبي سُليم ، وفي اسم أبيه «أبي سُليم» اختلاف ؛ قيل : أيمن ، وقيل : أنس ، وزيادة ، وعيسى ، وهو من محدّثي الكوفة وعلمائها ، روى عن طاووس ، ومجاهد ، وعطاء ، وغيرهم .

ولد بعد سنة ٦٠ هـ ، واختلف في وفاته على أقوال ، منها : أنّه مات سنة ١٤٣ هـ .

انظر : سير أعلام النبلاء ٦ : ١٧٩ / ٨٤ ، تهذيب التهذيب ٨ : ٤١٩ / ٨٣٥ .

(٥) هو مجاهد بن جبر ، يكنّى أبا الحجّاج المكّي ، تابعي ، إمام في التفسير ، له كتاب

٢٨٩

الحسين بن عليّ عليهما‌السلام ، فوضع بين يدي يزيد بن معاوية ، فتمثّل بهذين البيتين :

لَيتَ أشياخي ببدرٍ شَهِدُوا

جَزَعَ الخَزرجِ مِن وَقْعِ الأسَل

فأَهَلُّوا واستَهلَّوا فَرَحاً

ثمّ قَالوُا يا يزيدُ لا تُشَل (١)

ثمّ نقل أنّ مجاهداً قال : هذا نفاق صريح (٢) .

ونقل فيه أيضاً عن كتاب المدائني (٣) عن أبي قرّة (٤) ، قال : قال هشام ابن حسّان (٥) : ولدت ألف امرأة بعد وقعة الحرّة من غير زوج ، وكانت

__________________

في التفسير .

ولد في مكّة ، واختلف في وفاته على أقوال ، منها : إنّه مات سنة ١٠٢ هـ .

انظر : تاريخ الإسلام (حوادث ١٠١ ـ ١٢٠) : ٢٣٥ / ٢٢١ ، سير أعلام النبلاء ٤ : ٤٤٩ / ١٧٥ ، طبقات المفسّرين للداودي ٢ : ٣٠٥ / ٦١٧ ، الأعلام للزركلي ٥ : ٢٧٨ .

(١) البيت الأوّل لعبداللّه‏ الزبعرى ، انظر ديوانه : ٤٢ . انظر: مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي ٢: ٥٩، اللهوف: ٢١٤، الفتوح ٥: ١٥٠، الرسائل للجاحظ ٢: ١٥ بتفاوت يسير .

(٢) المنتظم ٥ : ٣٤٣ .

(٣) هو عليّ بن محمّد بن عبداللّه‏ المدائني ، يكنّى أبا الحسن ، كان عالماً بالفتوح والمغازي والأنساب وأيام العرب ، وهو بصري سكن المدائن ، ثمّ انتقل عنها إلى بغداد ، فلم يزل بها إلى حين وفاته ، وله كتب ، منها : تسمية المنافقين ، وتاريخ الخلفاء ، وأخبار أهل البيت ، وغيرها .

ولد سنة ١٣٢ هـ ، واختلف في وفاته على أقوال ، منها : أنّه مات سنة ٢٢٥ هـ .

انظر : الفهرست لابن النديم : ١١٣ ، تاريخ بغداد ١٢ : ٥٤ / ٦٤٣٨ ، سير أعلام النبلاء ١٠ : ٤٠٠ / ١١٣ .

(٤) لعلّه موسى بن طارق اليماني ، كان يكنّى أبا قرّة الزبيدي صاحب ابن جريج .

انظر : ميزان الاعتدال ٤ : ٢٠٧ / ٨٨٨٢ ، سير أعلام النبلاء ٩ : ٣٤٦ / ١١٢ ، تقريب التهذيب ٢ : ٢٨٤ / ١٤٧١ .

(٥) هو هشام بن حسّان الأزدي ، يكنّى أبا عبداللّه‏ ، محدّث من أهل البصرة ، وأعلم

٢٩٠

القتلى يومئذٍ سبعمائة من وجوه الناس من قريش والمهاجرين والأنصار ووجوه الموالي ، وعشرة آلاف ممّن لا يُعرف من عبد وحرّ وامرأة ، وانتهبوا المدينة ثلاثة أيام (١) .

وذكر فيه أيضاً عن جمع من أهل المدينة منهم : عبداللّه‏ بن حنظلة غسيل الملائكة (٢) : أنّهم كانوا يصرّحون بأنّ يزيد بن معاوية كان ينكح الاُمّهات والبنات والأخوات ، ويشرب الخمر ، ويضرب بالطنابير ، ويترك الصلاة (٣) .

ونقل صاحب كتاب تاريخ الإسلام فيه ما ملخّصه : أنّ المعتضد العبّاسيّ (٤) أراد أن يأمر بلعن معاوية على المنابر ، وأمر أن يجمعوا مثالبه

__________________

الناس بحديث الحسن ، وأدرك أنس بن مالك ، وحدّث عن عِكرمة ، والحسن ، وابن سيرين ، وغيرهم ، وروى عنه روح بن عبادة ، وعبد الرزاق ، وغيرهما ، مات سنة ١٤٨ هـ .

انظر : تاريخ الإسلام (حوادث ١٤١ ـ ١٦٠) : ٣١٨ ، سير أعلام النبلاء ٦ : ٣٥٥ / ١٥٤ ، تهذيب التهذيب ١١ : ٣٢ / ٧٥ .

(١) المنتظم ٦ : ١٥ ـ ١٦ ، البداية والنهاية ٨ : ٢٢١ .

(٢) هو عبداللّه‏ بن حنظلة بن أبي عامر الراهب ، يكنّى أبا عبد الرحمن ، وقيل : أبا بكر ، أبوه معروف بغسيل الملائكة ، استشهد يوم أُحد فغسّلته الملائكة لكونه جنباً ، واُمّه جميلة بنت عبداللّه‏ بن اُبيّ بن سلول ، كان أميراً على المدينة في وقعة الحرّة ، مات سنة ٦٣ هـ .

انظر : الاستيعاب ٣ : ٨٩٢ / ١٥١٧ ، اُسد الغابة ٣ : ١١٤ / ٢٩٠٦ ، سير أعلام النبلاء ٣ : ٣٢١ / ٤٩ .

(٣) المنتطم ٦ : ١٩ بتفاوت .

(٤) هو أحمد بن طلحة المعتضد باللّه‏ ، يكنّى أبا العباس ، أحد حكّام بني العباس ، واُمّه اُمّ ولد روميّة يقال لها : اضرار ، بويع له في اليوم الذي مات فيه المعتمد على اللّه‏ سنة ٢٧٩ هـ فكانت خلافته تسع سنين وتسعة أشهر .

٢٩١

من نزاعه عليّاً عليه‌السلام حقّه ، وأنّه من الفئة الباغية التي قتلت (١) عمّاراً ، وأنّه سفك الدماء ، وسبى الحريم ، وانتهب الأموال المحرّمة ، وقتل حُجراً ، وعمرو بن الحمق ، وادّعى زياد بن أبيه جرأةً على اللّه‏ ورسوله فإنّ اللّه‏ يقول : ( ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ ) (٢) ، وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الولد للفراش وللعاهر الحجر» (٣) ، وأنّه دعا إلى ابنه يزيد ، وقد علم فسقه حتّى فعل بالحسين عليه‌السلام ما فعل ، وكذا يوم الحرّة ، وحرق البيت الحرام ، وأنّه كان من الشجرة الملعونة في القرآن ، وأمثال ذلك .

فقالوا له : ما لَكَ قدرة على فتنة العامّة إن سمعوا هذا .

(فقال (٤) : أضع السيف عليهم ، فقالوا : فما تصنع بالعلويّين الذين هم في كلّ ناحية قد خرجوا عليك؟ وإذا سمع الناس هذا وهو من فضائل أهل البيت كانوا إليهم أميل وصاروا أبسط ألسنة ، فحينئذٍ أمسك المعتضد عمّا أراد (٥) .

أقول : هذا الذي ذكرناه هاهنا ليس عشراً من معشار ما ذكره علماء

__________________

مات سنة ٢٨٩ هـ .

انظر : مروج الذهب ٤ : ١٤٣ ، تاريخ بغداد ٤ : ٤٠٣ ـ ٤٠٧ / ٢٣٠٧ ، سير أعلام النبلاء ١٣ : ٤٦٣ / ٢٣٠ .

(١) سقط في «ن» ، وفي «س» و«ش» : قتلوا .

(٢) سورة الأحزاب ٣٣ : ٥ .

(٣) الكافي ٥ : ٤٩١ ، تهذيب الأحكام ٨ : ١٦٨ / ٥٨٧ ، صحيح مسلم ٢ : ١٠٨٠ / ١٤٥٧ ، مسند أحمد ٦ : ٣٥٧ / ٢١٧٩١ ، سنن الدارمي ٢ : ١٥٢ ، صحيح البخاري ٤ : ٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٧٤ / ٢٠٠٦.

(٤) من هنا إلى صفحة ٢٩٩ سقط في نسخة «م» .

(٥) تاريخ الإسلام (حوادث ٢٨١ ـ ٢٩٠) : ١٧ ـ ١٩ بتفاوت .

٢٩٢

العامّة ، وعمدة معتبريهم في كتبهم من مساوئ أحوال كثير من الصحابة ، وقبائح أفعالهم وأعمالهم ، وقدح بعضهم بعضاً ، ولو بحسب تعارف الدنيا ، حتّى أنّهم نقلوا ذموماً لعثمان من جماعة من الصحابة ، وكذا لأبي بكر ، وعمر ، بل نقلوا تعريضات ، بل تصريحات من خصوص عمر في ذمّ أبي بكر ، وسيأتي نبذ منها في مقالات المقصد الثاني وفي الختام وغيرهما ، حتّى أنّه يأتي بعض ما ذكرناه هاهنا أيضاً .

فهذه المنقولات وإن كان كلّ واحد منها آحاداً ، بحيث أمكن قدح ما لم يكن منها محفوفاً بقرائن الصدق إلاّ أنّه لا يبقى مجال شكٍّ في صحّة المعنى المستفاد من الجميع المشترك بين الكلّ ، أعني : كون أهل عصر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من الصحابي وغيره كأهل سائر الأعصار في وجود الأخيار فيهم ، والأشرار والمنافقين ، وضعفاء العقل والدين ، والمائلين إلى الهوى ، وأهل الحرص على الدنيا ، وأمثال ذلك من أقسام اختلاف حالات الناس ، وتفاوت الأشخاص ، بل كون الأكثر ممّن لا يعبأ بشأنه ، ولا يعتمد عليه ، كما سيأتي ، لاسيّما في مقالات المقصد الثاني .

بل ينادي بذلك أيضاً ما هو الثابت المسلّم الواضح من فرارهم في الحروب ، وتركهم النبيّ بين الأعادي في أقلّ قليل بعد مبايعتهم معه على الموت وترك الفرار ، وأمثال ذلك من المنكرات التي لا شكّ في صدورها عنهم .

ألا ترى إلى أنّهم كيف اشتغلوا بعد رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الدنيا؟ بحيث لم يتوجّهوا إلى ضبط سننه وعباداته وآدابها ، حتّى الصلوات الخمس التي كان يصلّي بهم كلّ يوم خمس مرّات ، والأذان الذي كان ينادي به لهم كلّ

٢٩٣

يوم كذلك ؛ بحيث صار سبب هذا الاختلاف العظيم الموجود بينهم في كلٍّ منها إلى الآن ، حتّى أنّهم لا يدرون أنّه كان يقنت في الصلاة أم لا؟ وكان يجهر بالبسملة ، بل يبسمل أم لا؟ وكان يغسل رجله أو يمسح؟ وكيف كانت كيفيّة وضوئه وصلاته ؟ وفصول أذانه وإ قامته؟ وهلّم جرّاً .

حتّى نقلوا عن أنس خادم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه كان يبكي في آخر عمره ، فيقول : لا أرى شيئاً ممّا كان في عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ هذه الصلاة ، وهي أيضاً قد ضُيّعت وغُيّرت (١) .

وكفاك شاهداً حصول الخلاف في أكثرها ؛ ضرورة عدم وجود الاختلاف في زمن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلو أنّهم ضبطوها بعده على ما كان لم يوجد خلاف ولا اختلاف .

ألا تنظر إلى القرآن كيف هو مملوء من المعاتبات التي عاتبهم اللّه‏ بها ، حتّى أنّه حكم صريحاً بوجود المنافق والفاسق والظالم وأمثالها فيهم ، كما قد ذكرنا نبذاً من ذلك في المطلب الأوّل .

وقد نقل في تاريخ الإسلام في ترجمة عبداللّه‏ بن عبيد اللّه‏ بن أبي مُليكة (٢) ، بعد أن ذكر توثيقه عن جمع : أنّ الصلت بن دينار (٣) روى

__________________

(١) صحيح البخاري ١ : ١٤١ (باب تضييع الصلاة عن وقتها) ، التعديل والتجريح ٢ : ١١٦ / ٩٧٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٩ : ٣٣٥ / ٨٢٩ ، تهذيب الكمال ١٩ : ٣٦٧ / ٣٨٠٩ ، البداية والنهاية ٩ : ٨٩ ، بتفاوت فيها.

(٢) يكنّى أبا محمّد التيمي المكي ، كان قاضياً لابن الزبير ، ولاّه قضاء الطائف ، ومؤذّناً له ، روى عن ابن عباس ، وابن عمر ، والمِسْور ، وغيرهم ، وعنه ابنه يحيى ، وابن أخيه عبد الرحمن بن أبي بكر ، ومات سنة ١١٧ هـ .

انظر : سير أعلام النبلاء ٥ : ٨٨ / ٣٠ ، كتاب التذكرة بمعرفة رجال الكتب العشرة ٢ : ٨٨٨ / ٣٤٣٤ ، تهذيب التهذيب ٥ : ٢٦٨ / ٥٢٣ .

(٣) الصلت بن دينار الأزدي الهنائي ، يكنّى أبا شعيب البصريّ ، المعروف بالمجنون ،

٢٩٤

عنه أنّه قال : أدركت أكثر من خمسمائة من الصحابة ، كلّهم خاف النفاق على نفسه .

قال : وفي رواية اُخرى عن ابن جريج (١) ، عنه ، قال : أدركت ثلاثين من أصحاب النبيّ ، الخبر ، ثمّ حكم بصحّة الثاني (٢) ، وهو أيضاً كافٍ .

ونقل في جامع الاُصول من صحيح البخاري عن ابن أبي مليكة ، قال : أدركت ثلاثين من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد شهدوا بدراً ، كلّهم يخاف على نفسه النفاق ، ولا يأمن من المكر على دينه (٣) .

ونقل صاحب الاستيعاب في ترجمة حذيفة بن اليمان : أنّه كان معروفاً في الصحابة بصاحب سرّ رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ حيث عرّفه المنافقين ، وأنّ عمر كان ينظر إليه إذا مات أحد ، فمن لم يشهد جنازته حذيفة لم يشهدها عمر (٤) ، وأمثال هذه الأشياء كثيرة ويأتي بعضها ، فتأمّل .

__________________

كان مبغضاً لعليّ عليه‌السلام ، روى عن أنس بن سيرين ، والحسن البصري ، وغيرهما ، وعنه جماعة كثيرة . مات سنة ١٦٠هـ .

انظر : المجروحين ١ : ٣٧٥ ، الكامل لابن عدي ٥ : ١٢٥ / ٩٢٨ ، ميزان الاعتدال ٢ : ٣١٨ / ٣٩٠٦ ، تهذيب الكمال ١٣ : ٢٢١ / ٢٨٩٧ .

(١) هو عبدالملك بن عبد العزيز بن جريج الاُموي ، يكنّى أبا خالد ، وأبا الوليد ، كان أحد العلماء المشهورين ، روى عن أبيه ، ومجاهد ، وعطاء ، وغيرهم ، وعنه ابناه عبد العزيز ، ومحمّد ، ويحيى الأنصاري ، وله تفسير القرآن.

ولد سنة ٨٠هـ ، واختلف في سنة وفاته على أقوال منها : أنّه مات سنة ١٥٠ هـ .

انظر : وفيات الأعيان ٣ : ١٦٣ / ٣٧٥ ، سير أعلام النبلاء ٦ : ٣٢٥ / ١٣٨ ، كتاب التذكرة بمعرفة رجال الكتب العشرة ٢ : ١٠٦٨ / ٤٢٠٣ ، طبقات المفسّرين للداودي ١ : ٣٥٨ / ٣٠٦ .

(٢) تاريخ الإسلام (حوادث ١٠١ ـ ١٢٠) : ٤٠١ ـ ٤٠٢ / ٤٥٧ .

(٣) صحيح البخاري ١ : ١٩ ، جامع الاُصول ١١ : ٥٧٥ / ٩١٩٦ ، وفيهما بتفاوت .

(٤) الاستيعاب ١ : ٣٣٤ ـ ٣٣٥ / ٤٩٢ .

٢٩٥
٢٩٦

الفصل الثالث

في توضيح ما يدلّ على خصوص النهي عن تلك الحالات التي ذكرنا الامتحان بها في الباب ، والتشديد في تركها بناءً على كونها منبع الفتن والفساد ، لاسيّما في الدين ، حتّى أنّ منها كان سبب عداوة الشيطان لآدم ، وكذا هي سبب التعادي والتحاسد في كلّ زمان ، بل هي داء دفين في قلب كلّ شخص إلاّ من رحمه‌الله بالعصمة والتوفيق ، وأنّه لأجل هذا ورد النهي مع التهديد عنها كثيراً ، وألزم اللّه‏ الناس بالجهد في إزالتها ، وتزكية النفس عنها جدّاً ، وقرّر لها تأديبات وتعزيرات ، وقراراً وحدّاً (١) ، حتّى أنّه لم يكتف بذلك بل جعل الأنبياء والاُمراء من جانبه مبشّرين ومنذرين ومؤدّبين لأجل رفع هذه الأشياء أيضاً .

وبالجملة : نذكر هاهنا ما يدلّ على أمثال هذه الأشياء ، ويشتمل على المواعظ الشافية :

قد تقدّم في ما مضى آنفاً من الفصلين وغيرهما ما لا حاجة معه إلى تطويل الكلام في هذا المقام ، وسيأتي أيضاً في الفصول الآتية ، لاسيّما في الباب الرابع كثيراً ، بل كفى هاهنا ما يجده الإنسان في نفسه من رغبته الجبلّيّة إلى المشتهيات الدنيويّة ، وابتلائه لأجلها بالمساوئ الدنيئة ، كالحسد

__________________

(١) في نسخة «ن» : وقراراً واحداً .

٢٩٧

والحميّة وأشباههما من المنافسات ؛ بحيث إنّه وإن جاهد طول عمره في إزالتها لم يتيسّر له الاستخلاص منها بالكلّيّة إلاّ من أخلصه اللّه‏ بالعصمة كالأنبياء والأوصياء ، بل لم يتيسّر التقليل أيضاً بدون عناية اللّه‏ بالتوفيق .

ولا عبرة بما قد يتوهّمه بعض الجهّال ، أو يلقي الشيطان في البال من ظنّ الزوال أو الوصول إلى حدّ الكمال في الإقلال ، فإنّه محض الخيال بسبب عدم التفحّص عمّا هو المكنون في صميم البال ، بل هو من جملة خطوات الشيطان ، ليسلب التوجّه إلى السعي في الإزالة عن الإنسان ، بل في الحقيقة أنّه عين العجب المذموم وتزكية النفس الممنوعة في القرآن ، قال اللّه‏ تعالى : ( فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ ) (١) .

ولهذا ورد في الحديث : «ما تمّ عقل امرئ حتّى يرى الناس كلّهم خيراً منه ، وأنّه شرّهم في نفسه» (٢) .

ألا ترى إلى الشيطان الذي عبد اللّه‏ وجهد في طاعته بحيث فاق بذلك ، وترقّى حتّى أعجب الملائكة ، ثمّ لمّا كان الكبر في صميم قلبه ـ وإن لم نقل : إنّه أشعر به ـ قاس قياساً دعاه إلى مخالفة أمر اللّه‏ جهاراً ؛ بحيث انجرّ إلى حسده لآدم عليه‌السلام ، وعداوته له ولبنيه ، حتّى أشعل نار الفتنة ، وانتشر فساده في العالم ، كما أخبر اللّه‏ عنه في كتابه (٣) .

وقد قال عليّ عليه‌السلام : «إنّ إبليس لم يزل يعبد اللّه‏ تعالى مع ملائكته حتّى امتحنه بسجود آدم عليه‌السلام ، فامتنع من ذلك حسداً وشقاوةً غلبت عليه ،

__________________

(١) سورة النجم ٥٣ : ٣٢ .

(٢) الكافي ١ : ١٤ ـ ١٥ / ١٢ (كتاب العقل والجهل) ضمن الحديث ، بحار الأنوار ١ : ١٤٠ / ٣٠ .

(٣) الآيات كثيرة بهذا المعنى ، انظر : سورة البقرة ٢ : ٢٦٨ ، وسورة المائدة ٥ : ٩١ ، وسورة الأعراف ٧ : ٢٠ .

٢٩٨

فلعنه عند ذلك ، وأخرجه عن صفوف الملائكة ملعوناً مدحوراً ، فصار عدوّ آدم وولده بذلك السبب» (١) ، الخبر .

فهكذا حال عامة الناس ، وإن عدّ بعضهم من العلماء والأخيار) (٢) وأهل الإحساس ، لاسيّما ضميمة خطوات الشيطان ووسواس الخنّاس التي لا ينفكّ عنها أكثر الناس ، حتّى أنّه قد تبيّن ممّا مرّ آنفاً ويأتي في المقصد الثاني أيضاً : ابتلاء جماعة من الصحابة وعلماء الاُمّة وأشباههم بهذا الداء الدفين .

وكفى هاهنا ما فعل عقيل بن أبي طالب ، حيث رحل من أخيه عليّ عليه‌السلام إلى معاوية طمعاً في أخذ المال منه كما صرّح هو به عند معاوية . على ما مرّ في المقام الثاني من المطلب السابق (٣) .

وعلى هذا ، فكيف يبقى الاعتقاد بحسن حال عامّة المتقدّمين ، لا سيّما من صدر منه القبائح باليقين؟

وكيف يجوز الاعتماد لاسيّما في اُمور الدين على الصادر ممّا سوى المعصوم من هذا الخطر المبين ما لم يتّضح أنّه من صريح كتاب اللّه‏ أو صحيح سنّة رسول اللّه‏ الأمين؟

وكيف يصحّ دعوى طلب الحقّ وقبوله ممّن لا يجد في نفسه الصبر على مفارقة محبوبه ومأموله؟ فتأمّل تفهم .

ولنذكر حينئذٍ نبذاً من الروايات والمواعظ وأمثالها المشتملة على ذمّ

__________________

(١) الاحتجاج ٢ : ٢١٨ ، بحار الأنوار ١٠ : ١٦٧ / ٢ ، و١١ : ١٣٨ / ٢ ، وفيهما عن أبي عبداللّه‏ عليه‌السلام .

(٢) من صفحة ٢٩٢ إلى هنا سقط من نسخة «م» .

(٣) راجع ص ٢٧٨ .

٢٩٩

تلك الحالات والنهي عنها ممّا يناسب المقام ، ولا يطول به الكلام .

وأمّا الآيات : فهي وإن كانت كثيرة أيضاً إلاّ أنّه قد ذكرنا فيما مضى ، لا سيّما في الفصلين الأخيرين ما يكفي هاهنا ، بل يزيد جدّاً ، ولقد كفى قوله عزوجل : ( أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّىٰ *‏ وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ * إِنَّ هَٰذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَىٰ *‏ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ ) (١) ، وقوله عزوجل : ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) (٢) .

ففي الحديث إنّ لُقمان قال لابنه : «يا بنيّ ، تواضع للحقّ تكن أعقل الناس ، فإنّ الكيّس لدى الحقّ يسير ، وإنّ الدنيا بحر عميق ، قد غرق فيها عالم كثير ، فلتكن سفينتك فيها تقوى اللّه‏ ، وحشوها الإيمان ، وشراعها التوكّل ، وقيّمها العقل ، ودليلها العلم ، وسكّانها الصبر» .

وفيه : «كفى بك جهلاً أن تركب ما نهيت عنه» .

وفيه : «إنّ العاقل رضي بالدُّون من الدنيا مع الحكمة ، ولم يرض بالدُّون من الحكمة مع الدنيا» .

وفيه : «إنّ القلوب تزيغ وتعود إلى عماها ورداها ، إنّه لم يخف اللّه‏ مَنْ لَمْ يعقل عن اللّه‏ ، ومن لم يعقل عن اللّه‏ لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة يبصرها ويجد حقيقتها في قلبه ، ولا يكون أحد كذلك إلاّ مَنْ كان قوله لفعله مصدّقاً ، وسرّه لعلانيته موافقاً» (٣) .

وفيه : «من خاف العاقبة تثبّت عن التوغّل فيما لا يعلم ، ومن هجم

__________________

(١) سورة الأعلى ٨٧ : ١٤ ـ ١٩ .

(٢) سورة الشمس ٩١ : ٩ ـ ١٠ .

(٣) الكافي ١ : ١٣ ـ ١٤ / ١٢ (كتاب العقل والجهل) قطعة من الحديث .

٣٠٠