ضياء العالمين - ج ١

أبي الحسن بن محمّد طاهر العاملي [ العلامة الفتوني ]

ضياء العالمين - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن بن محمّد طاهر العاملي [ العلامة الفتوني ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-331-7
ISBN الدورة:
978-964-319-330-0

الصفحات: ٤٣٠
الجزء ١ الجزء ٢

طير السماء ووحش الأرض معهم ، لفعل ، ولو فعل لسقط البلاء وبطل الجزاء ، واضمحلّ الابتلاء ـ إلى أن قال عليه‌السلام ـ :

ولو كانت الأنبياء أهل قوّة لا ترام ، وعزّةٍ لا تضام ، ومُلك يمدّ نحوه أعناق الرجال ، ويشدّ إليه عقد الرحال لكان أهون على الخلق في الاختبار ، وأبعد لهم في الاستكبار ، ولآمنوا عن رغبة قاهرة لهم أو رهبة مائلة بهم فكانت النيّات مشتركةً ، والحسنات مقتسمة . ولكنّ اللّه‏ أراد أن يكون الاتّباع لرسله ، والتصديق بكتبه ، [ . . .] والاستكانة لأمره ، والاستسلام إليه اُموراً [له (١) ] خاصّة لا تشوبها من غيرها شائبة ، وكلّما كانت البلوى والاختبار أعظم كانت المثوبة والجزاء أجزل .

ألا ترون أنّ اللّه‏ عزوجل اختبر الأوّلين من لدن آدم صلوات اللّه‏ عليه إلى الآخرين من هذا العالم بأحجارٍ لا تضرّ ولا تنفع ، ولا تبصر ولا تسمع ، فجعلها بيته الحرام الذي جعله للناس قياماً .

ثمّ جعله بأوعر بقاع الأرض حجراً ، وأقلّ مواقع (٢) الدنيا مدراً ، وأضيقِ بطون الأودية معاشاً بين جبال خشنة ورمال دمثةٍ [ . . .] وقرىً منقطعة [ . . .] .

ثمّ أمر آدم عليه‌السلام وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه ، فصار مثابة لمنتجع أسفارهم ، وغايةً لملقى رحالهم ، تهوي إليه ثمار الأفئدة من مفاوز قفار متّصلة ، وجزائر بحار منقطعة ، ومهاوي فجاج عميقة ، حتّى يهزّوا مناكبهم ذلـلاً [يهلّلون] (٣) للّه‏ حوله ، ويرملونَ على أقدامهم شُعثاً غُبراً لـه ، ابتلاءً

__________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر .

(٢) في «ن» : مواضع ، وفي المصدر : «نتائق» .

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر .

١٢١

عظيماً ، واختباراً كبيراً ، وامتحاناً شديداً ، وتمحيصاً بليغاً ، وفتوناً (١) مبيناً ، جعله اللّه‏ سبباً لرحمته ، [ووصلة ووسيلة إلى جنّته (٢) ] وعلّة لمغفرته ، وابتلاءً للخلق برحمته ، ولو كان اللّه‏ تعالى وضع بيته الحرام ومشاعره العظام بين جنّات وأنهار ، وسهل وقرار ، جمّ الأشجار ، داني الثمار ، ملتفّ النبات ، متّصل القرى [ . . . [لكان قد صغر الجزاء على حسب ضعـف البلاء .

ثمّ لو كان الأساس المحمول عليها ، والأحجار المرفوع بها ، بين زمرّدة خضراء ، وياقوتة حمراء ، ونور وضياء ، لخفّف ذلك مصارعة الشكّ في الصدور ، ولوضع مجاهدة إبليس عن القُلوب ، ولنفى مُعتلج الريب من الناس ، ولكنّ اللّه‏ عزوجل يختبر عبيده بأنواع الشدائد ، ويتعبّدهم بألوان المجاهدة ، ويبتليهم بضروب المكاره إخراجاً للتكبّر من قلوبهم وإسكاناً للتذلّل في أنفسهم وليجعل ذلك [ . . .] أسباباً لعفوه» (٣) .

وفي نهج البلاغة : قام إلى عليّ عليه‌السلام رجل ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرنا عن الفتنة ، وهل سألت رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله عنها ؟

فقال عليه‌السلام : «لمّا نزل قوله تعالى : ( الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا ) (٤) الآية ، علمت أنّ الفتنة لا تنزل بنا ورسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله بين أظهرنا ،

__________________

(١) في الكافي وبعض المصادر : «قنوتاً» .

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر .

(٣) نهج البلاغة : ٢٩١ ـ ٢٩٤ الخطبة ١٩٢ بتفاوت ، الكافي ٤ : ١٩٨ / ٢ ، مدارك الأحكام للعاملي ٧ : ١٤ ، ذخيرة المعاد للسبزواري : ٥٤٨ ، تفسير نور الثقلين للحويزي ٤ : ١٥٠ / ١٣ ، الحدائق الناضرة للبحراني ١٧ : ٣٩١ بتفاوت يسير .

(٤) سورة العنكبوت ٢٩ : ١ ـ ٢ .

١٢٢

فقلت : يا رسول اللّه‏ ، ما هذه الفتنة التي أخبرك اللّه‏ بها ؟ فقال : يا عليّ ، إنّ اُمّتي سيفتنون من بعدي» إلى أن قال : «وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : سيفتنون بأموالهم ، ويمنّون بدينهم على ربّهم ، ويتمنّون رحمته ، ويأمنون سطوته ، ويستحلّون حرامه بالشبهات الكاذبة والأهواء السايبة (١) ، فيستحلّون الخمر بالنبيذ ، والسحت بالهدية ، والربا بالبيع» (٢) الخبر .

وفي تفسير الكلبي قال : لمّا نـزل قوله تعالى : ( وْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا ) (٣) قام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فتوضّأ فصلّى فسأل اللّه‏ سُبحانه أن لا يبعث على اُمّته عذاباً من فوقهم ، أو من تحت أرجلهم ، ولا يلبسهم شيعاً ، ولا يذيق بعضهم بأس بعض ، فنزل جبرئيل عليه‌السلام ولم يجرهم من الخصلتين الأخيرتين فنزل ( الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا ) الآيتين ، فقال جبرئيل : لابدّ من فتنة تبتلي بها الاُمّة بعد نبيّها ليتبيّن الصادق من الكاذب (٤) . الخبر .

وروى جلال الدين السيوطي (٥) من أعاظم علماء الجمهُور ومحدّثيهم في جامعه الكبير من كتاب حلية الأولياء ، وكتاب أمالي أبي نصر

__________________

(١) في المصدر «الساهية» .

(٢) نهج البلاغة : ٢٢٠ الخطبة ١٥٦ بتفاوت يسير .

(٣) سورة الأنعام ٦ : ٦٥ .

(٤) حكاه عنه الطبرسي في مجمع البيان ٢ : ٣١٥ .

(٥) عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمّد بن أبي بكر المشتهر بجلال الدين السيوطي ، ولد سنة ٨٤٩ هـ ، له كتب كثيرة منها : الجامع الكبير في الحديث ، والإتقان في علوم القرآن ، والأشباه والنظائر ، مات سنة ٩١١ هـ .

انظر : هدية العارفين ٥ : ٥٣٤ ، الضوء اللامع لأهل القرن التاسع ، للسخاوي ٣ : ٦٥ / ٢٠٣ ، الأعلام ٣ : ٣٠١ .

١٢٣

السجزي (١) ، وكتاب المشيخة لأبي سعيد السمّان (٢) ، وكتابي الرافعي (٣) ، وابن النجّار (٤) : عن أبي هريرة (٥) ، عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «إنّ الفتنة تجيء فتنسف

__________________

(١) لعلّه عبيداللّه‏ بن سعيد بن حاتم الوائلي البكري ، يكنّى أبا نصر السجزي ، كان عالماً بالحديث والسنّة ، له كتب ، منها : الإبانة الكبرى في الحديث ، مات سنة ٤٤٤ هـ بمكّة .

انظر : العبر للذهبي ٢ : ٢٨٥ ، شذرات الذهب ٣ : ٢٧١ ـ ٢٧٢ ، هدية العارفين ٥ : ٦٤٨ ، طبقات الحفاظ للسيوطي : ٤٢٨ / ٩٧٠ .

(٢) إسماعيل بن عليّ الرازي الحافظ ، يكنّى أبا سعيد ـ أبا سعد ـ السمّان ، كان من الحفّاظ والعلماء ، وهو القائل : من لم يكتب الحديث لم يتغرغر بحلاوة الإسلام ، وله كتب ، منها : (تفسير) في عشر مجلدات ، و(سفينة النجاة) في الإمامة ، مات سنة ٤٤٥ هـ وقيل : ٤٤٣ هـ .

انظر : مختصر تاريخ دمشق ٤ : ٣٦٨ / ٣٨٨ ، ميزان الاعتدال ١ : ٢٣٩ / ٩١٩ ، لسان الميزان ١ : ٦٤٩ / ١٣٣١ ، شذرات الذهب ٣ : ٢٧٣ .

(٣) عبد الكريم بن محمّد بن عبد الكريم بن الفضل الرافعي القزويني ، يكنّى أبا القاسم ، من علماء الشافعية في التفسير والاُصول ، له كتب ، منها : الفتح العزيز في شرح الوجيز ، وشرح مسند الشافعي ، والتدوين في أخبار قزوين ، مات سنة ٦٢٣ هـ ، وقيل : ٦٢٤ بقزوين .

انظر : سير أعلام النبلاء ٢٢ : ٢٥٢ / ١٣٩ ، شذرات الذهب ٥ : ١٠٨ .

(٤) محمّد بن محمود بن الحسن ، يكنّى أبا عبداللّه‏ صاحب (ذيل تاريخ بغداد) ، ولد سنة ٥٧٨ في بغداد ، مؤرخ حافظ للحديث شافعي المذهب ، له كتب ، منها : الكمال في معرفة الرجال ، والدرّة الثمينة في أخبار المدينة ، ونزهة الورى في أخبار اُم القرى ، مات سنة ٦٤٣هـ .

انظر : العبر للذهبي ٣ : ٢٤٨ ، شذرات الذهب ٥ : ٢٢٦ ، الأعلام ٧ : ٨٦ .

(٥) الدُّوْسِيُّ ، اليَمانيُّ ، وقد اختلف في اسمه واسم أبيه على نيّف وثلاثين قولاً ، اشتهر بكنيته لهرّة كان يحملها ، فرآه رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : «يا أبا هريرة» فاشتهر به ، يقال له : شيخ المضيرة ؛ لأنّه يأكلها مع معاوية ، واذا حضرت الصلاة صلّى خلف علي عليه‌السلام ، فإذا قيل له قال : مضيرة معاوية أدسم وأطيب ، والصلاة خلف عليّ عليه‌السلام أفضل ، مات سنة ٥٩ هـ .

١٢٤

العباد نسفاً وينجو العالم (١) بعلمه» (٢) .

ومن صحيح ابن ماجة (٣) ، وكتاب الطبراني (٤) : عن أبي أمامة (٥) ، عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «ستكون فتن يُصبح الرجل بها مؤمناً ويُمسي كافراً إلاّ من أحياه اللّه‏ بالعلم» (٦) .

__________________

انظر : الكنى والألقاب ١ : ١٧٢ ، اُسد الغابة ٥ : ٣١٨ / ٦٣١٩ ، تهذيب الكمال ٣٤ : ٣٦٦ / ٧٦٨١ ، الإصابة ٤ : ٢٠٢ / ١١٩٠ .

(١) في «م» زيادة : بنفسه .

(٢) حلية الأولياء ٨ : ٤١ ، التدوين في أخبار قزوين ٢ : ١٧٢ ، ذيل تاريخ بغداد ١٧ : ١٠٣ ، كنز العمّال ١٠ : ١٧٨ / ٢٨٩٢٨ رواه عنهم جميعاً ، وجامع الأحاديث ٢ : ٢٤٩ / ٥١٨٢ عن حلية الأولياء .

(٣) هو محمّد بن يزيد الربعي القزويني ، يكنّى أبا عبداللّه‏ ، أحد أئمّة الحديث عند أهل السنّة ، كتابه (سنن ابن ماجة) أحد الكتب الستّة المعتمدة عندهم ، وله كتب ، منها : التاريخ ، والتفسير ، ولد سنة ٢٠٩ ، ومات ٢٧٣ هـ .

انظر : وفيات الأعيان ٤ : ٢٧٩ / ٦١٤ ، سير أعلام النبلاء ١٣ : ٢٧٧ / ١٣٣ ، تهذيب التهذيب ٩ : ٤٦٨ / ٨٧٢ .

(٤) سليمان بن أحمد بن أيّوب ، يكنّى أبا القاسم واُمّه عكّاويّة ، من كبار علماء العامة في الحديث ، له كتب منها : المعجم الكبير ، والأوسط ، والصغير ، ولد سنة ٢٦٠ بطبريّة الشام ، ومات في سنة ٣٦٠ هـ بمدينة إصبهان .

انظر : وفيات الأعيان ٢ : ٤٠٧ / ٢٧٤ ، سير أعلام النبلاء ١٦ : ١١٩ / ٨٦ ، طبقات الحفّاظ : ٣٧٢ / ٨٤٤ .

(٥) لعلّه صُدَى بن عَجلان بن الحارث ، يكنّى أبا أمامة الباهلي ، غلبت كنيته على اسمه ، وكان من المكثرين في الرواية ، مات سنة ٨١ هـ بحمص ، وقيل : مات سنة ٨٦ .

انظر : اُسد الغابة ٢ : ٣٩٨ / ٢٤٩٥ ، تهذيب التهذيب ٤ : ٣٦٨ / ٧٣٤ .

(٦) سنن ابن ماجة ٢ : ١٣٠٥ / ٣٩٥٤ ، المعجم الكبير ٨ : ٢٧٨ / ٧٩١٠ ، سنن الدارمي ١ : ٩٧ ، مسند الشاميّين للطبراني ٢ : ٢٢٧ / ١٢٣٦ ، تاريخ مدينة دمشق ٦٣ : ١٣٦ / ٨٠١١ ، جامع الأحاديث ٤ : ٤٨٠ / ١٢٩١١ .

١٢٥

ومن صحيحي البُخاري (١) ومسلم (٢) ، ومن مسند أحمد بن حنبل (٣) : عن اُسامة (٤) ، عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «هل ترون ما أرى ؟ إنّي لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع المطر» (٥).

__________________

(١) هو محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري ، يكنّى أبا عبداللّه‏ ، أحد أئمّة الحديث عند أهل السنّة ، صاحب «الجامع الصحيح» المعروف بصحيح البخاري أحد الكتب الستة عندهم ، له كتب منها : التاريخ ، والأدب المفرد ، ولد سنة ١٩٤ هـ في بخارى ، ومات سنة ٢٥٦ هـ .

انظر : وفيات الأعيان ٤ : ١٨٨ / ٥٦٩ ، تهذيب الأسماء واللغات ١ : ٦٧ / ٣ ، تهذيب التهذيب ٩ : ٤١ / ٥٣ .

(٢) هو مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري ، يكنّى أبا الحسن ، حافظ من أئمّة المحدثين عند العامّة ، وله كتب ، منها : صحيح مسلم ، وهو أحد الصحاح الستة المعوّل عليها عند العامّة ، ومن كتبه : المسند الكبير ، والكنى والأسماء ، ولد سنة ٢٠٤ هـ بنيسابور ، ومات سنة ٢٦١ هـ .

انظر : وفيات الأعيان ٥ : ١٩٤ / ٧١٧ ، تهذيب الأسماء واللغات ٢ : ٨٩ / ١٣١ ، تهذيب التهذيب ١٠ : ١١٣ / ٢٢٧ .

(٣) أحمد بن محمّد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني ، يكنّى أبا عبداللّه‏ ، إمام المذهب الحنبلي وأحد أئمّة المذاهب الأربعة ، له كتب منها : المسند ، والتاريخ ، وفضائل الصحابة ، ولد سنة ١٦٤ هـ ، ومات سنة ٢٤١ هـ ببغداد .

انظر : وفيات الأعيان ١ : ٦٣ / ٢٠ ، سير أعلام النبلاء ١١ : ١٧٧ / ٧٨ ، تهذيب التهذيب ١ : ٦٢ / ١٢٦ ، الأعلام ١ : ٢٠٣ .

(٤) هو اُسامة بن زيد بن حارثة من كنانة عوف ، يكنّى أبا محمّد وأبا زيد ، واُمّه اُمّ أيمن حاضنة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من أعلام الصحابة ومشاهيرهم ، وله في الكتب مناقب كثيرة ، وولاّه رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله أمارة الجيش وفيهم أبو بكر وعمر بن الخطاب ، وله عشرون سنة . وقيل : تسعة عشرة ، توفّي سنة ٥٤ هـ بالمدينة ، وقيل : سنة ٥٨ أو ٥٩.

انظر : اُسد الغابة ١ : ٧٩ / ٨٤ ، تهذيب الأسماء واللغات ١ : ١١٣١ / ٤٩ ، الإصابة ١ : ٣١ / ٨٩ .

(٥) مسند أحمد ٦ : ٢٦٠ / ٢١٢٤١ ، و٢٧١ / ٢١٣٠٣ ، صحيح البخاري ٩ : ٦٠ ، صحيح مسلم ٤ : ٢٢١١ / ٢٨٨٥ ، وعنه جامع الأحاديث ٤ : ٤٨٠ / ١٢٩١١ .

١٢٦

ومن كتاب الرافعي : عن أنس (١) ، عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «إنّ الفتنة نائمة لعن اللّه‏ من أيقظها» (٢) .

ومن كتاب المستدرك : عن ابن عمر (٣) ، عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «لَيَغْشينّ اُمّتي من بعدي فتن كقطع الليل المظلم ، يصبح الرجل فيها مؤمناً ، ويمسي كافراً ، يبيع أقوام دينهم بعرضٍ من الدنيا قليل» (٤) .

ومن كتابي صحيح مسلم والبخاري ، وكتاب مسند ابن حنبل : عن أبي هريرة ، عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «ستكون فتنة ، القاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي ، من تشرّف لها تَستشرفه ، ومن وجد فيها ملجأً أو معاذاً فليعذ به» (٥) .

__________________

(١) هو أنس بن مالك بن النضر ، يكنّى أبا حمزة ، قالوا : خدم رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله عشر سنين ويفتخر به ، وهو من المكثرين في الرواية عن رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، واختلف في وقت وفاته ومبلغ عمره ، فقيل : كان عمره ١٠٣ سنة ، وقيل : ١١٠ سنة ، مات سنة ٩١ هـ ، وقيل : سنة ٩٢ هـ وقيل . . .

انظر : اُسد الغابة ١ : ١٥١ / ٢٥٨ ، تهذيب الأسماء واللغات ١ : ١٢٧ / ٧١ ، العبر للذهبي ١ : ٨٠ / ٩٣ .

(٢) التدوين في أخبار قزوين ١ : ٢٩١ .

(٣) هو عبداللّه‏ بن عمر بن الخطّاب القرشيّ العَدَوي ، يكنّى أبا عبد الرحمن ، واختلف في وفاته وولادته ومقدار عمره على عدّة أقوال منها : أنّه ولد سنة ٣ من المبعث ، ومات سنة ٧٣ هـ .

انظر : اُسد الغابة ٣ : ٢٣٦ / ٣٠٨٠ ، تهذيب الأسماء واللغات ١ : ٢٧٨ / ٣٢١ ، الإصابة ٢ : ٣٤٧ / ٤٨٣٤ .

(٤) المستدرك للحاكم ٤ : ٤٣٨ ، جامع الأحاديث ٥ : ١٩٤ / ١٨١٢٩ .

(٥) صحيح مسلم ٤ : ٢٢١١ / ٢٨٨٦ ، صحيح البخاري ٩ : ٦٤ ، مسند أحمد ٢ : ٥٥٠ / ٧٧٣٧ و٧٧٣٨ ، وعنه جامع الأحاديث ٤ : ٤٨٠ / ١٢٩١٠ .

١٢٧

ومن المستدرك ، وكتابي الطبراني والبيهقي (١) : عن أبي الدّرداء (٢) ، عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً وبكيتم كثيراً ، ولخرجتم إلى الصُعدات تجأرون إلى اللّه‏ ، لا تدرون تنجون أو لا تنجون» (٣) .

وقد ورد مثله بأسانيد عديدة منها : ما نقله السيوطي أيضاً من كتاب المُستدرك ، عن أبي هريرة ، عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً ، يظهر النفاق ، وترتفع الأمانة ، ويتّهم الأمين ويؤتمن غير الأمين» (٤) ، الخبر .

ومن كتاب الطبراني : عن اُمّ سَلَمة (٥) : «ليأتينّ على الناس زمان يُكذَّب فيه الصادق ، ويُصدَّق فيه الكاذب ، ويُخوَّن فيه الأمين ويؤتمن

__________________

(١) أحمد بن الحسين بن علي بن عبداللّه‏ البيهقي ، يكنّى أبا بكر ، الفقيه الشافعي ، الحافظ المشهور . له كتب ، منها : السنن الكبرى ، ودلائل النبوة ، والأسماء والصفات ، ولد سنة ٣٨٤ هـ ، ومات سنة ٤٥٨ هـ .

انظر : وفيات الأعيان ١ : ٧٥ / ٢٨ ، سير أعلام النبلاء ١٨ : ١٦٣ / ٨٦ ، شذرات الذهب ٣ : ٣٠٤ ـ ٣٠٥ .

(٢) هو عويمر بن مالك بن زيد ، وقيل : عامر بن مالك وعُويمر لقب ، كنيته أبو الدرداء ، مشهور بكنيته ، صحابيّ معروف ، مات سنة ٣٢ هـ بالشام .

انظر : اُسد الغابة ٥ : ٩٧ / ٥٨٥٨ ، الإصابة ٣ : ٤٥ / ٦١١٧ ، الأعلام ٥ : ٩٨ .

(٣) المعجم الكبير ٧ : ٢٤٧ / ٧٠٠٥ ، المستدرك للحاكم ٤ : ٣٢٠ ، شعب الإيمان ١ : ٤٨٦ / ٧٩٣ ، جامع الأحاديث ٥ : ١٢٦ / ١٧٦١٢ .

(٤) المستدرك للحاكم ٤ : ٥٧٩ ، جامع الأحاديث للسيوطي ٥ : ١٢٦ / ١٧٦١٣ .

(٥) هي اُمّ المؤمنين هند بنت أبي اُميّة بن المغيرة بن عبداللّه‏ ، زوج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكانت قبل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله زوج ابن عمّها أبي سلمة بن عبد الأسد فمات عنها ، وكانت من أكمل النساء عقلاً وخُلقاً ، وهي قديمة الإسلام ، وبلغ ما رووا عنها من الحديث (٣٨٧) حديثاً ، توفّيت بالمدينة سنة ٦٢ هـ .

انظر : اُسد الغابة ٦ : ٣٤٠ / ٧٤٦٤ ، الإصابة ٤ : ٤٥٨ / ١٣٠٩ ، الأعلام ٨ : ٩٧ .

١٢٨

الخؤون ، ويشهد المرء ولم يُستشهد ، ويحلف وإن لم يُستحلف» (١) ، الخبر .

ومن كتاب الأوسط للطبراني : عن طلحة (٢) ، عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «ستكون فتنة لا يهدأ منها جانب إلاّ جاش منها جانب ، حتّى ينادي مناد من السماء أنّ أميركم فلان» (٣) ، يعني المهدي عليه‌السلام .

ومن الكتاب المذكور : عن عوف بن مالك (٤) أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «تجيء فتنة غبراء مظلمة ، ثمّ يتبع الفتن بعضها بعضاً ، حتّى يخرج رجل من أهل بيتي» (٥) ، الخبر .

أقول : هذا صريح في تعدّد الفتن وتواردها إلى ظهور المهدي عليه‌السلام ، وأنّ أوّلها عظيمة.

وستأتي بعض أخبار الفتن التي من هذا القبيل (٦) : في حكاية المهدي عليه‌السلام مـن الفصل الحادي عشر من المقالة الأخيرة من المقصد

__________________

(١) المعجم الكبير ٢٣ : ٣١٤ / ٧١١ ، جامع الأحاديث للسيوطي ٥ : ١٦٩ / ١٧٩٢٩ .

(٢) هو طلحة بن عبيداللّه‏ بن عثمان بن عمرو بن كعب القرشي التميمي ، يكنّى أبا محمّد ، من الصحابة ، وهو أحد الستة أصحاب الشورى ، قتله مروان بن الحكم يوم الجمل سنة ٣٦ هـ .

انظر : اُسد الغابة ٢ : ٤٦٧ / ٢٦٢٥ ، الإصابة ٢ : ٢٢٩ / ٤٢٦٦ ، الأعلام ٣ : ٢٢٩ .

(٣) المعجم الأوسط ٥ : ١٣٢ / ٤٦٦٦ .

(٤) عوف بن مالك بن أبي عوف الأشجعي ، يكنّى أبا عبدالرحمن ، صحابيّ وأوّل مشاهده خيبر ، وله ٦٧ حديثاً ، مات سنة ٧٣ هـ بدمشق .

انظر : اُسد الغابة ٤ : ١٢ / ٤١٢٤ ، الإصابة ٣ : ٤٣ / ٦١٠١ .

(٥) المعجم الكبير ١٨ : ٥١ / ٩١ ، وعنه جامع الأحاديث ٦ : ٤٧٤ / ١٦٠٦٥ .

(٦) في «ش» زيادة: «بل ما يدل على وجود ذلك في الاُمم السابقة أيضاً ، لاسيّما عند وفاة نبيهم وأمثال ذلك» .

١٢٩

الأوّل .

ومن كتاب الحلية ، وكتابي البيهقي والبزّار (١) : عن سعد (٢) عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «لأنا من فتنة السرّاء أخوف عليكم من فتنة الضرّاء ، إنّكم ابتليتم بفتنة الضرّاء فصبرتم ، وإنّ الدنيا حلوة خضرة» (٣) .

ومن كتاب الكبير للطبراني : عن خالد بن عرفطة (٤) عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «إنكم ستبتلون في أهل بيتي من بعدي» (٥) .

وروى الخطيب الخوارزمي (٦) في ضمن الآيات التي نقلها في

__________________

(١) هو أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري ، حافظ من العلماء بالحديث ، له مسندان : المسند الكبير والصغير ، ولد سنة ٢١٠ هـ ومات سنة ٢٩٢ هـ بالرملة .

انظر : سير أعلام النبلاء ١٢ : ٥٥٤ / ٢٨١ ، تذكرة الحفّاظ ٢ : ٦٥٣ / ٦٧٥ ، الأعلام ١ : ١٨٩ .

(٢) هو سعد بن مالك بن اُهيب بن عبد مناف القرشي المعروف بسعد بن أبي وقّاص ، يكنّى أبا إسحاق ، أحد الستة الذين عيّنهم عمر بن الخطاب للشورى في الخلافة ، مات سنة ٥٥ هـ .

انظر : البدء والتاريخ ٥ : ٨٤ ، سير أعلام النبلاء ١ : ٩٢ / ٥ ، تهذيب التهذيب ٣ : ٤١٦ / ٨٩٣ و٩٠١ .

(٣) حلية الأولياء ١ : ٩٣ ، شعب الأيمان ٧ : ٢٨٠ / ١٠٣٠٨ ، جامع الأحاديث ٥ : ١٢ / ١٦٨٨١ .

(٤) خالد بن عُرفطة بن أبرهة بن سنان الليثي ، كان خليفة سعد بن أبي وقّاص على الكوفة ، مات سنة ٦١ هـ ، وقيل : سنة ٦٠ هـ .

انظر : اُسد الغابة ١ : ٥٧٩ / ١٣٧٨ ، تهذيب التهذيب ٣ : ٩٢ .

(٥) المعجم الكبير ٤ : ١٩٢ / ٤١١١ ، جامع الأحاديث ٢ : ٤١٤ / ٦٣٢٥ .

(٦) الموفق أحمد بن محمّد المكّي الأصل ، يكنّى أبا المؤيد ، أديب فاضل ، له معرفة تامّة بالأدب والفقه ، كان يخطب بجامع خوارزم سنين كثيرة ، له كتب ، منها : مناقب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، ومقتل الحسين عليه‌السلام ، ولد في حدود ٤٨٤ ، ومات ٥٦٨ هـ .

١٣٠

عليّ عليه‌السلام عند قوله تعالى : ( الم *‏ أَحَسِبَ النَّاسُ ) (١) الآية : أنّ عليّاً عليه‌السلام قال : «قلت : يا رسول اللّه‏ ، وما هذه الفتنة ؟ قال : يا علي ، بك ، وإنّك مخاصَم فأَعِدَّ للخصُومة» (٢).

وروى ابن عبد البرّ (٣) في كتاب الاستيعاب : عن أبي ليلى الغفاري (٤) ، أنّه قال : سمعت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «ستكون بعدي فتنة ، فإذا كان ذلك فالزموا عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، فإنّه أوّل من يراني وأوّل من يصافحني ، وهو فاروق هذه الاُمّة يفرّق بين الحقّ والباطل ، وهو الصدّيق الأكبر ، وهو يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب المنافقين» (٥) .

وسيأتي في فصول المقالة الأخيرة من المقصد الأوّل هذا المضمون من غير طريق واحد ، وكذا غيره ممّا ذكرناه هاهنا ، فلا تغفل .

__________________

انظر : إنباه الرواة ٣ : ٣٣٢ / ٧٧٩ ، بغية الوعاة ٢ : ٣٠٨ / ٢٠٤٦ ، الأعلام ٧ : ٣٣٣ .

(١) سورة العنكبوت ٢٩ : ١ ـ ٢ .

(٢) لم نعثر عليه في مناقبه ، انظر : كشف الغمّة للأربلي ١ : ٣١٦ ـ ٣١٧ ، كشف اليقين : ٣٧٢ نـقلاً عن مناقب ابن مردويه ، وأورده ابن شهرآشوب في المناقب ٣ : ٢٣٦ والمجلسي في بحار الأنوار ٢٤ : ٢٢٨ / ٢٦ ، ٢٨ : ٦٩ / ٢٨ .

(٣) هو يوسف بن عبداللّه‏ بن محمّد بن عبد البرّ بن عاصم النمري القرطبي المالكي ، يكنّى أبا عمر ، من حفّاظ الحديث ، مؤرخ أديب ، يقال له : حافظ المغرب ولي قضاء الأُشبونة وشَنترين ، له كتب منها : الاستيعاب ، الاستذكار ، والتمهيد ، ولد سنة ٣٦٨ هـ بقرطبة ، ومات سنة ٤٦٣ هـ .

انظر : وفيات الأعيان ٧ : ٦٦ / ٨٣٧ ، سير أعلام النبلاء ١٨ : ١٥٣ / ٨٥ ، شذرات الذهب ٣ : ٣١٤ ـ ٣١٥ .

(٤) لم نذكر له ترجمة ، انظر : اُسد الغابة ٥ : ٢٧٠ / ٦٢٠٧ ، الإصابة ٤ : ١٧١ / ٩٩٤ .

(٥) الاستيعاب ٤ : ١٧٤٤ / ٣١٥٧ ، وأورده ابن الأثير في اُسد الغابة ٥ : ٢٧٠ / ٦٢٠٧ ، وابن حجر في الإصابة ٤ : ١٧١ .

١٣١

وروى الحافظ أبو عبداللّه‏ الشافعي (١) في كتابه كفاية الطالب : بإسناده عن أبي برزة (٢) ، قال : قال رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ اللّه‏ عهد إليّ في عليّ عليه‌السلام عهداً ، فقلت : يا ربّ ، بيّنه لي ؟ فقال : إنّ عليّاً عليه‌السلام راية الهدى ، وإمام أوليائي ، ونور من أطاعني» ، الخبر . . إلى أن قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ثمّ إنّه رفع إليَّ : أنّه سيخصّه من البلاء بشيءٍ ، لم يخصّ به أحداً من أصحابي ، فقلت : يا ربّ ، أخي وصاحبي ، فقال : إنّ هذا شيء قد سبق ، إنّه مبتلى ومبتلى به» (٣) .

ورواه الخوارزمي أيضاً في حكاية المعراج ، وفيه بعد قوله : «ومبتلى به» زيادة قوله : «لولا عليّ عليه‌السلام لم يعرف حزبي ولا أوليائي ولا أولياء رسلي» (٤) .

__________________

(١) هو محمّد بن يوسف بن محمّد بن الفخر الكنجي الشافعي ، يكنّى أبا عبداللّه‏ ، كان إماماً محدّثاً ، وهو صاحب كتاب كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب ، قتله النواصب سنة ٦٥٨ هـ .

انظر : الكنى والألقاب ٣ : ١٠١ ، الوافي بالوفيات ٥ : ٢٥٤ / ٢٣٣٤ ، الأعلام ٧ : ١٥٠ .

(٢) اختلف في اسمه واسم أبيه ، قيل : نضلة بن عبيد ، وقيل : خالد بن نضلة ، يكنّى أبا برزة الأسلمي ، معروف بكنيته ، مات بالبصرة سنة ٦٠ هـ قبل هلاك معاوية ، وقيل : سنة ٦٤ .

انظر : اُسد الغابة ٥ : ٣١ / ٥٧١٩ ، تهذيب الكمال ٢٩ : ٤٠٧ / ٦٤٣٧ .

(٣) كفاية الطالب : ٧٢ ـ ٧٣ ، وحكاها المجلسي عنه في بحار الأنوار ٤٠ : ٤٨ / ٨٥ عن أبي برزة ، وأورده الأربلي في كشف الغمّة ١ : ١٠٨ عن الحافظ أبو نعيم في الحلية ، نهج الإيمان : ١٥٨ ، كشف اليقين : ٢٣٠ ، ينابيع المودة ١ : ٢٣٤ ، حلية الأولياء ١ : ٦٦ ـ ٦٧ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ : ٢٩١ .

(٤) المناقب للخوارزمي : ٣٠٣ / ٢٩٩ .

١٣٢

وفي صحيح البخاري ، عن قيس بن سعد بن عبادة (١) ، عن عليّ بن أبي طالب : «أنا أوّل من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة» (٢) .

والأخبار في وقوع الامتحان كثيرة جدّاً ، وسيأتي أكثرها فيما يناسب ، لاسيّما في فصول الباب الثاني ، وفي عدّة منها إشارة إلى أنّ عمدة الامتحان بسبب الإمامة ، وفي عليّ عليه‌السلام مع امتحانه بهم ، وستأتي شواهدها أيضاً في فصول فضائله .

قال الجاحظ (٣) بعد نقله جمّة من فضائل عليّ عليه‌السلام ـ كما يأتي في محلّه ـ : وممّا يضمّ إلى جملة القول في فضل عليّ عليه‌السلام أنّه أطاع اللّه‏ قبلهم ومعهم وبعدهم ـ يعني الصحابة ـ و امتُحِن بما لم يُمتحَن به ذو عزم ، وابتُلي بما لم يُبتلَ به ذو صبر (٤) . انتهى .

وقد روى عليّ بن إبراهيم القُمّي (٥) في تفسيره : عن أبيه ، عن محمّد

__________________

(١) قيس بن سعد بن عبادة بن دُلَيْم بن حارثة الأنصاري الخزرجي ، يكنّى أبا عبد الملك ، وقيل : أبا عبداللّه‏ ، صحابي من ذوي الرأي والمكيدة في الحرب ، وله ١٦ حديثاً ، مات سنة ٦٠ هـ وقيل : ٥٩ .

انظر : اُسد الغابة ٤ : ١٢٤ / ٤٣٤٨ ، الإصابة ٣ : ٢٤٩ / ٧١٧٧ ، سير أعلام النبلاء ٣ : ١٠٢ / ٢١ ، الأعلام ٥ : ٢٠٦ .

(٢) صحيح البخاري ٥ : ٩٥ ، ٦ : ١٢٣ ـ ١٢٤ .

(٣) هو عمرو بن بحر بن محبوب الكناني ، كنيته أبو عثمان ، المعروف بالجاحظ : رئيس الفرقة الجاحظيّة من المعتزلة ، وكبير أئمّة الأدب ، وكان من الذكاء والحفظ بمكان ، له كتب منها : الحيوان ، والبيان والتبيين ، والمحاسن والأضداد ، ولد سنة ١٥٠ ، ومات سنة ٢٥٥ هـ في خلافة المعتزّ .

انظر : تاريخ بغداد ١٢ : ٢١٢ / ٦٦٦٩ ، معجم الأدباء للحموي ١٦ : ٧٤ ، الأعلام ٥ : ٧٤ .

(٤) أورده الأربلي في كشف الغمّة ١ : ٣٥ ، والقندوزي في ينابيع المودة ١ : ٤٧٢ .

(٥) عليّ بن إبراهيم بن هاشم القمّي ، ثقة في الحديث والتفسير ، صحيح المذهب بلا

١٣٣

ابن الفُضيل (١) ، عن أبي الحسن الكاظم عليه‌السلام أنّه قال : «جاء العبّاس (٢) إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال له : انطلق بنا نبايع لك الناس ، فقال له عليّ عليه‌السلام : أو تراهم فاعلين ؟ قال : نعم ، قال : فأين قول اللّه‏ عزوجل : ( الم *‏ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ) (٣) » (٤) فقرأه إلى آخر الآيتين .

أقول : من تدبّر مع الاتّصاف بالإنصاف في مضامين أخبار الافتتان والامتحان ممّا ذكرناه وما سيأتي لاسيّما في فصول أحوال عليّ عليه‌السلام وفضائله لم يبق له مجال شكّ في كون ذلك بالنسبة إلى خلافة عليّ عليه‌السلام ومنازعيه فيها ؛ ضرورة انحصار ابتلائه في حكاية الخلفاء الثلاثة ، والجمل ، ومعاوية ، والخوارج . ومن الواضحات أنّ فتنة الخوارج ـ مع كونها سهلة بالنسبة إلى غيرها ـ من جزئيات فتنة معاوية .

__________________

خلاف في ذلك كلّه ، من أجلّ رواة أصحابنا ، له كتب منها : كتاب التفسير ، والشرائع ، والناسخ والمنسوخ .

انظر : الفهرست للطوسي : ١٥٢ / ٣٨٠ ، الخلاصة : ١٨٧ / ٥٥٦ ، كتاب الرجال لابن داود الحلّي : ١٣٥ / ١٠١٨ ، تنقيح المقال ٢ : ٢٦٠ / ٨١٠٢ .

(١) محمّد بن الفُضيل الأزدي الكوفي الصيرفي ، من أصحاب الإمام الكاظم عليه‌السلام ، قال النجاشي : إنّه روى عن الإمامين الكاظم والرضا عليهما‌السلام .

انظر : رجال البرقي : ٤٨ ، رجال النجاشي : ٣٦٧ / ٩٩٥ ، رجال الطوسي : ٣٤٣ / ٥١٢٣ ، الخلاصة ٣٩٣ / ١٥٨٤ ، منتهى المقال ٦ : ١٦٠ /٢٨٢٣ .

(٢) العبّاس بن عبد المطلّب بن هاشم بن عبد مناف عمّ رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، يكنّى أبا الفضل ، من أكابر قريش ، و إليه كانت عمارة المسجد الحرام والسقاية ، كان من أعظم الناس عند الصحابة في صدر الإسلام ، وله في كتب الحديث ٣٥ حديثاً ، توفّي بالمدينة سنة ٣٢ هـ .

انظر : اُسد الغابة ٣ : ٦٠ / ٢٧٩٧ ، الإصابة ٢ : ٢٧٢ / ٤٥٠٧ ، الأعلام ٣ : ٢٦٢ .

(٣) سورة العنكبوت ٢٩ : ١ ـ ٢ .

(٤) تفسير القمّي ٢ : ١٤٨ .

١٣٤

وصريح الآية أنّ الامتحان إنّما هو ليتبيّن الصادق في دعوى الإيمان عن كاذبه .

وعلى هذا يلزم ـ لا محالة ـ أن يكون هؤلاء ـ ولا أقلّ بعض منهم ـ كاذبين في دعوى الإيمان ، فاعتقاد الإيمان في الجميع غلط ، والمرجع في التشخيص إلى القرائن ، فتأمّل ، حتّى يظهر لك أنّ التوجيه بدعوى اختصاص ذلك بالخوارج باطل ، محض الاعتساف (١) ، كما ينادي به ما أشرنا إليه ، وما سيأتي في المقصد الثاني ، ولا تغفل عن دوام هذا الامتحان بالنسبة إلى كلّ إمام من أهل البيت عليهم‌السلام إلى أن يظهر المهدي صاحب الزمان عليه‌السلام ، كما هو عند المتأمّل فيما يأتي من أحوالهم مع البصيرة كالعيان ، واللّه‏ الهادي .

* * *

__________________

(١) العَسف بالفتح فالسكون : الأخذ على غير الطريق والظلم ، وكذلك التعسّف والاعتساف . انظر : مجمع البحرين ٥ : ١٠٠ .

١٣٥
١٣٦

الباب الأوّل

في بيان الامتحان بميل النفوس إلى ما اعتادت به ونشأت فيه ، والنهي عن متابعة ذلك ببذل الجهد في تحقيق الحقّ وقبوله .

اعلم أنّ اللّه‏ عزوجل ، حيث فطر الناس على الاُنس ، جعل ممّا امتحنهم به ميل طبائعهم إلى ما نشأوا فيه ، واعتادوا به وشبّوا عليه ، مثل : حبّ طريقة آبائهم وأسلافهم وكبرائهم ، وأخذ أطوارهم ، واقتفاء آثارهم ، بحيث إنّه قد يرسخ ذلك في قلوبهم رسوخاً لا تظهر لهم عيوبه (إن كان معيوباً) (١) ، ولا تنكشف عليهم حقيقة خلافه إن كان باطلاً ، ولا يزول اعتقادهم به وإن كان خلافه في غاية الظهور ، بل كثيراً ما يلجئهم ذلك إلى الإغماض عن السعي في هذا الانكشاف ، بل إلى التعمّد في التشكيك والسعي في إخفاء الحقّ ، وتحريف ما يستبان به .

وليس لهذا الداء دواء ، إلاّ تصفية القلب عن شوب هذا الميل ، وجعل الطرفين عند إرادة تحقيق الحقّ متساويين ، فإنّ من فعل هذا ألقى اللّه‏ الحقّ في قلبه ، وهداه إلى طريقه ، كما قال سُبحانه : ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ) (٢) ؛ ولهذا قد أخبر اللّه‏ بذلك ، ونهى عباده عن تلك

__________________

(١) ما بين القوسين لم يرد في «م» .

(٢) سورة العنكبوت ٢٩ : ٦٩ .

١٣٧

الحالة ، وأمرهم ببذل الجهد في تحقيق الحقّ (١) وقبوله ، وترك الحميّة والعصبيّة ، والتزام الحبّ في اللّه‏ والبغض في اللّه‏ ، وموالاة أوليائه ، ومعاداة أعدائه .

وهذا مع اتّضاحه في نفسه نحن أيضاً نوضّحه في ضمن ثلاثة فصول ؛ ليعلم من أراد الحقّ أن لابُدّ له من هذا التخلّي والتحلّي ، وليظهر أنَّ بقاء أهل الباطل على باطلهم إنّما هو لعدم تركهم تلك الحالة واقعاً وإن زعموا الترك .

* * *

__________________

(١) في «م» زيادة : عنه .

١٣٨

الفصل الأوّل

في توضيح كون طبيعة عامّة البشر مجبولة على هذه الحالة في كلّ زمان ، بحيث إنّها أعمت عيُون ذوي الأبصار ، بحيث لا ترى ما كالشمس في رابعة النهار ، وأوقعت فئاماً (١) في مهالك الباطل ، ومهاوي بلائه ، بل دعت أقواماً إلى أن تصدّوا لتحريف الحقّ وإخفائه ، وبيان أنّ متابعتها منهيّ عنها مذمومة مطلقاً ، لاسيّما في اُمور الدين ، وأنّها من أقبح صفات الجهّال والضلاّل والمبطلين وأطوار الكفّار والمعاندين ، وأنّها هي الحميّة الجاهليّة .

اعلم أنّ هذا المدّعى أمر بيّن واضح مشاهد في عامّة الناس ، وبالنسبة إلى أكثر الأشياء ، بحيث صارت الطبائع مجبولة عليه ، وناهيك في هذا حبّ كلّ إنسان مسقط رأسه ، والبلد الذي نشأ فيه ، بحيث لا يشتهي الإقامة في غيره ، بل يرجّحه على غيره وإن كان الغير أعمر وأحسن ، حتّى أنّ البدوي المعتاد على البرّ يضيق صدره في البلدان كأنّه في الحبس إلى أن يعتاد ذلك أيضاً بامتداد المدّة ، وكثرة معاشرة أهلها ، فإنّه حينئذٍ بسبب العادة الطارئة يصير بحيث ربّما لا يشتهي الخروج إلى البرّ أصلاً .

__________________

(١) الفِئام : الجماعة من الناس . شمس العلوم ٨ : ٥٣٠١ .

١٣٩

وهكذا الحال في سائر الأشياء كأصحاب الصنائع مثلاً ، فإنّ كلاًّ يحبّ صنعته التي نشأ عليها واعتاد بها وإن كانت خسيسة دنيئة ، حتّى نقل أنّ سلطاناً عشق بنتاً تسأل بكفّها ، فتزوّجها وكثرت أموالها وصارت أعزّ وأغنى المقرّبين عنده ، فدخل عليها يوماً فإذا هي واضعة كسرة خبز في موضع ليس فيه أحد ، ويدها ممدودة إليه بعنوان السؤال ، وتقول بإلحاح وتذلّل زائد : تصدّقوا عليّ بهذه الكسرة .

ومن هذا القبيل حال المعاشرات ، كما هو معلوم مجرّب من حبّ كلّ شخص أصحابه وعشيرته ومربّيه ، كالوالدين والاُستاذ والمعلّم وأمثالهم ، وحبّ كلّ صنف أهل صنفه ، ومن هو من سنخه ، كحبّ العرب للعرب ، والعجم للعجم ، والترك للترك ، والصالح للصالح ، والطالح للطالح ، والعالم للعالم ، حتّى أنّ أهل كلّ علم يحبّ العالم بذلك العلم كالفلسفي للمتفلسفين ، والمتشرّع للمتشرّعين ، والصوفي للصوفيّة ، والشيعي للشيعة ، والناصبي للناصبيّة ، بل لا يكتفون بذلك حتّى يعيبوا على غيرهم ، ويحكموا عليهم بالسفه والبطلان ، كما هو واضح من حكم الكفّار والجهلاء بالجنون على الأنبياء والعلماء .

ألا ترى أنّ أكثر المعتادين على الفسوق إن اتّفق لهم الجلوس أحياناً مع أهل العلم والصلاح ، ورأوا ما بهم من الفعل والقول ضاقت صدورهم ، وتنفّرت طبائعهم ، بحيث لا يحبّون أن يعاينوهم ويودّون المخلَص من ذلك المجلس ولا تنشرح قلوبهم إلاّ بملاقاة أمثالهم ، بل إذا لاقى بعضهم بعضاً ذكروا شكواهم من ذلك المجلس ، ونسبوا أهله إلى السَفه والحرمان بترك تلك الفُسوق التي هي المعدودة لذّة عندهم ، وكذلك العكس .

١٤٠