ضياء العالمين - ج ١

أبي الحسن بن محمّد طاهر العاملي [ العلامة الفتوني ]

ضياء العالمين - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن بن محمّد طاهر العاملي [ العلامة الفتوني ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-331-7
ISBN الدورة:
978-964-319-330-0

الصفحات: ٤٣٠
الجزء ١ الجزء ٢

النبيّين والمرسلين وأرسله رحمةً للعالمين ، وأراد أن يكون دينه ناسخاً لسائر الأديان وباقياً إلى يوم الدين ، رفع بفضل إحسانه عن اُمّته عذاب الاستئصال الذي كان قد يصيب الاُمم الماضين ، وأنّه لمّا كان ذلك مقتضياً لعدم تصريحه بطائفة من أوامره العظام التي كان يعلم أنّه إن صرّح بها وحصلت المخالفة ولو من بعضهم ، استوجبوا عذاب الاستئصال الذي لم يكن يريده لهم ، جعل في بيان تلك الأوامر نوع إجمال ، وذكرها على سبيل التعريض دون مُرّ التصريح ، موضّحاً لها لأولي البصائر بالقرائن الظواهر ، وجعل سبب بقاء من خالف فيها ولو مع التعريض وجود الطائفة المحقّة التي تلقّوها بالقبول ، الذي به يتحقّق معنى ما ورد في هذه الاُمّة من عدم اجتماعهم على الخطأ والضلال ، كما حقّقناه ، وفيه ذكر أنّ أمر إمامة عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام من هذا القبيل .

وأمّا المقصد الأوّل : ففي بيان تفصيل أجزاء الدليل المذكور ، وما يتّضح به كلّ واحد منها ، وفيه اثنتا عشرة مقالة :

المقالة الاُولى : في بيان ما هو المسلّم الثابت عند كلّ مسلم من وجوب عبادة اللّه‏ وطاعته بنحو ما كلّف بذلك ، وأنّه هو الأصل في إرسال الرسل ودعوة الاُمم .

المقالة الثانية : في بيان ما يلزم من سابقه من وجوب معرفة طريق التعبّد ، ولزوم تعلّم أوامر اللّه‏ ونواهيه ، وذكر جملة من تلك الأشياء التي لابدّ من معرفتها وتعلّمها .

المقالة الثالثة : في بيان ما يلزم أيضاً من السابق عليه من وجوب

١٠١

التعليم ، ولزوم وجود المعلّم المُرشد إلى تلك الأشياء التي وقع التكليف بها ، ولزوم تعلّمها ما دام التكليف ووجوب التعلّم .

المقالة الرابعة : في بيان ما هو من لوازم سابقه أيضاً من لزوم كون المعلّم عالماً بما يحتاج إليه المتعلّم وكلّف به على ما هو عليه عند اللّه‏ ، علمـاً بيّناً ثابتاً غيـر متزلزل لا يتطرّق إليه الغلـط ولا يحتمـل الخطأ والاشتباه .

المقالة الخامسة : في بيان ما هو من اللوازم أيضاً من لزوم كون المعلّم صدوقاً بيّن الصدق ، موثوقاً به في جميع الأقوال والأفعال ، غير مقدوح بالكذب في حال من الأحوال ، وبالجملة يكون معصوماً من الخطأ والخلل والعثار والزلل .

المقالة السادسة : في بيان ما هو أيضاً من اللوازم من لزوم كون أصل التعليم في كلّ شيء اُصولاً وفروعاً وغيرهما من اللّه‏ عزوجل ولو بالواسطة الثابتة وساطته ؛ ضرورة أنّ ما في علم اللّه‏ لا يعلم إلاّ بإعلامه .

المقالة السابعة : في بيان ما هو أيضاً مثل ما سبق عليه في اللزوم والوضوح من أنّ اللّه‏ عزوجل بيّن وعلّم لإتمام الحُجَّة جميع ما يحتاج إليه المكلّفون ؛ بحيث لا يشذّ منه شيء ، و(أنّ ذلك) (١) إنّما هو بوساطة ما هو ثابت الوساطة من الواسطتين الآتيتين ، يعني رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله وكتابه .

المقالة الثامنة : في بيان ما هو كالسابق أيضاً من كون القرآن ورسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله واسطتين ثابتتين ، وحجّتين قائمتين ، ومعلّمين متعيّنين من

__________________

(١) ما بين القوسين لم يرد في «ن» .

١٠٢

طرف اللّه‏ عزوجل ، وأنّ الواجب الرجوع إليهما أبداً والأخذ منهما مطلقاً ، وترك ما لم يكن منهما رأساً ما لم يثبت كونه حُجّةً من اللّه‏ أيضاً .

المقالة التاسعة : في بيان ما هو بيّن اللزوم أيضاً من سابقه من أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث كان قيّماً للقرآن الذي هو شريكه ودليله والمنزل عليه ، وعالماً بجميع ما فيه تأويلاً وتفسيراً ، كان هو المعلّم الحقيقي من اللّه‏ عزوجل قطعاً ، وحجّة على الاُمّة قاطبة ، ومفروض الطاعة عليهم كافّة بنصّ من اللّه‏ تعالى في كلّ شيء لا يجوز لهم مخالفته ولا التمسّك بما لم يكن منه ، بل يجب عليهم الرجوع في كلّ شيء إليه ، والتسليم له ، وأخذ ما احتاجوا إليه منه ولو بالواسطة الثابتة وساطته ، وأنّه لأجل هذا جعله اللّه‏ حاكماً أيضاً ؛ حيث أعطاه الحكم والنبوّة جميعاً .

المقالة العاشرة : في بيان ما هو أيضاً نظير ما سبق عليه من أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث كان بتلك المثابة التي تبيّنت كان عالماً من اللّه‏ ، بيّن العلم بجميع الأشياء يقيناً ، بحيث لم يعجز عن سؤال أصلاً ، ولم يكن في حكمه اختلاف ولا خطأ أبداً ؛ إذ لم يحتج إلى شيء من شقوق الاجتهاد بالرأي رأساً ، وكان أيضاً صدوقاً ثابت الصدق مسلّم التوثيق ، معصوماً عن الخطأ والزلل ، متعيّناً من اللّه‏ عزوجل ، فائق الكمالات من جميع الجهات ، مبلّغاً عن اللّه‏ ما لابدّ منه ويحتاج إليه بلا مسامحة ولا إهمال ؛ ولهذا كان بحيث لا قدح فيه ، ولا نقص يعتريه ، ونذكر نبذاً من مناقبه حسباً ونسباً وعلماً وعملاً .

المقالة الحادية عشرة : في بيان ما هو أيضاً كالسابق عليه من أنّ

١٠٣

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مع ثبوت عدم تقصيره في التبليغ لمّا لم يبق طول (١) مدّة التكليف ، ولم يبيّن للناس جميع ما يحتاجون إليه تلك المدّة مع أنّ القرآن لا يظهر منه غير قليل من الأحكام ، ولم يجز للناس إلاّ الأخذ من المعلَّم من اللّه‏ تعالى فقط ، ظهر أن لابدّ له من نائب بعده (٢) في كلّ عصر إلى آخر الدهر يقوم مقامه في هذا الأمر ، ويكون إماماً لسائر الاُمّة مفروض الطاعة عليهم (ولو رجلاً بعد رجل ، متصفاً) (٣) مثل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بجميع ما مرّ (٤) لزومه من صفات المعلّم من اللّه‏ ، لاسيّما العلم والصدق المعهودين ، والتعيين بنصّ (٥) من اللّه‏ ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وبالجملة : لابدّ من تشاركهما فيما سوى مُختصّات النبوّة ، كنزول الوحي ، ورؤية الملك ، ونحو ذلك ، وكون علم النائب بواسطة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله .

المقالة الثانية عشرة : في بيان أنّ مثل هذا النائب الذي ذكرناه ووصفناه منحصر في عليّ بن أبي طالب ، وذرّيّته الأئمّة الأحد عشر المعلومين صلوات اللّه‏ عليهم أجمعين .

وها نحن نوضّح ذلك في ضمن اثني عشر فصلاً :

الفصل الأوّل : في بيان أعلميّتهم عليهم‌السلام من كلّ باب ، وإحاطتهم بعلم الكتاب ، وكون كلّ واحد منهم أعلم أهل عصره من جميع الجهات بطريق علوم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ووساطته دون التمسّك بالرأي والاجتهاد ، وفيه ذكر وجوه

__________________

(١) لم يرد في «م» .

(٢) لم يرد في «م» .

(٣) ما بين القوسين لم يرد في «م» .

(٤) في «ش» زيادة : «من» .

(٥) لم ترد في «م» .

١٠٤

علومهم عليهم‌السلام .

الفصل الثاني : في بيان كونهم أعلم وأعبد وأصلح وأزهد وأورع وأتقى وأصدق وأعدل وأوثق وأسخى وأشجع من كلّ جهة ، مسلّمين في ذلك ، فائقين على غيرهم بذلك ، بحيث يستفاد منه عصمتهم ، وفيه بيان نبذ من أدّلة عصمتهم عليهم‌السلام .

الفصل الثالث : في بيان تشابههم أيضاً بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعظم الأنبياء والأوصياء والصدّيقين والأولياء في سائر الصفات من الأخلاق والأطوار ، ومحاسن السجيّات والتقيّة ، والصبر والكتمان والمداراة ، وأمثال هذه الحالات ، حتّى صدور المعجزات والكرامات ، والإخبار بالمغيّبات ، وكون بعضهم من ذرّيّة بعضٍ من غير مدخليّة أجنبيٍّ .

الفصل الرابع : في بيان نبذ من حقوقهم على المسلمين ، وخدماتهم ، لاسيّما عليّ عليه‌السلام ، للّه‏ ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي ترويج الدين ، وورود المدح والبشرى ، ووفور المحبة والرضا من اللّه‏ ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيهم ، وتصدّي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بنفسه لتربيتهم ، ونهاية حمايته ورعايته لهم ، وإيجاب اللّه‏ لهم (١) على الخلق مودّتهم ، حتّى جعل ذلك أجر حقوق رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتصريح النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّهم بمنزلة نفسه ، ومخلوقون (٢) معه من نور واحد ، وطينة واحدة ، وأنّ حربهم حربه ، وسلمهم سلمه ، وأذاهم أذاه ، وأمثال ذلك ممّا لا يبقى به شكّ ولا شُبهة في أنّ بينهم وبين (غيرهم من) (٣) الأصحاب بل

__________________

(١) لم ترد في «م» .

(٢) في النسخ : «مخلوقين» .

(٣) ما بين القوسين لم يرد في «ن» .

١٠٥

الأقرباء والأحباب كان بوناً بعيداً ، حتّى أنّ هذا كان أصل ما حسدهم الحاسدون ، وأبغضهم المبغضون (١) المنافقون ، وآذاهم المعاندون ، بحيث كثرت أعداؤهم في الآفاق ، وستر خصائص أحوالهم أهل النفاق ، ووشوا بهم إلى كلّ شانئ لهم وظالمهم ، حتّى انجرّ إلى حبسهم وقتلهم ، واستلزم غيبة آخرهم وقائمهم ، وفيه ذكر نبذ ممّا ورد في ذمّ أعدائهم ، ومدح شيعتهم وأوليائهم ، مع تحقيق معنى الشيعة .

الفصل الخامس : في بيان جملة من سائر مناقبهم ومزاياهم على غيرهم التي تنادي باختصاصهم عند اللّه‏ ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله بما ليس لمن سواهم ، بحيث اتّفق الخلق على عظم شأنهم ، وعلوّ مقامهم ، حتّى أنّه صرّح جمع من أهل الخلاف عليهم بكونهم صالحين للخلافة ، بل كونهم أصلح وأولى من غيرهم .

ونحن نذكر في هذا المقام أوّلاً نخبة من سائر الفضائل المتعلّقة بهم ممّا ورد فيهم على سبيل الإطلاق ، ثمّ نذكر نبذاً من أحوال واحد واحد منهم حسباً ونسباً إلى القائم عليهم‌السلام .

وفي هذا المقام أيضاً نذكر جملة من فضائل فاطمة عليها‌السلام وخديجة رضي اللّه‏ عنها ، وكذا مناقب أبي طالب رحمه‌الله ، وخدماته للإسلام ، وحمايته للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل مع إثبات (٢) إسلامه واقعاً و إن لم يعلن به للمصلحة الشرعية ، مع شيء من مناقب الأخيار من بني هاشم رجالاً ونساءً ، حتّى يتبيّن كمال جلالة حال هؤلاء الأجلّة ، أعني : النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة المذكورين

__________________

(١) لم ترد في «ن» و«س» .

(٢) لم ترد في «ن» .

١٠٦

صلوات اللّه‏ عليهم أجمعين من كلّ جهة .

الفصل السادس : في بيان ما ورد في خصوص كونهم أوصياء ، وأنّ عليّاً عليه‌السلام وصيّ رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكلّ متأخّر وصيّ المتقدّم ، وأنّ الوصيّة إنّما تكون للمنصوب من اللّه‏ للنيابة والخلافة وتوديع مواريث الأنبياء ، كما كان ذلك سيرة الأنبياء السابقين ، وذكر ما ورد في وصاية الأنبياء السابقين ، ووصيّة كلٍّ من هؤلاء المذكورين وما يتعلّق بذلك (١) .

الفصل السابع : في بيان ما ورد في خصوص لزوم التمسّك بأهل البيت والعترة ونحو ذلك ، كحديث الثقلين ، وأنّ الحقّ معهما ، وهما مع الحقّ أبداً ، وأمثالهما ، وأنّ المراد بالعترة هؤلاء الأجلّة ، بحيث يدلّ على نيابتهم وإمامتهم .

الفصل الثامن : في بيان سائر الروايات التي هي نصوص الإمامة لهم ، وإن كان مورد بعضها بعضهم ، بل وإن كان بعضها على غير سبيل التصريح في الدلالة ؛ لتبيان الحال عند ملاحظة بعضها مع بعض .

الفصل التاسع : في بيان الآيات التي يستدلّ بها على إمامتهم ، وإن كان سبب النزول في بعضٍ منها شيئاً آخَر أو بعضاً منهم ، بل ولو لم تكن نصّاً صريحاً ؛ لما مرّ في الفصل السابق .

الفصل العاشر : في بيان ما وجدناه من سائر المنقولات المتفرّقة ، والبراهين العقليّة ، والقرائن والأمارات وأمثالها ، ممّا يستفاد منه إمامة هؤلاء الأجلّة كلّهم ، أو خصوص بعض منهم ولو من غير التصريح بذلك .

الفصل الحادي عشر : في بيان ما ورد في خصوص أنّ الأوصياء

__________________

(١) في «س» : به .

١٠٧

والأئمّة والخلفاء في هذه الاُمّة اثنا عشر وبعدد نقباء بني إسرائيل ونحو ذلك ، وأنّ أمر الناس لا ينقضي حتّى يمضي فيهم اثنا عشر أميراً ووالياً ، وأنّهم من قريش ، بل من ولد الحسين عليه‌السلام ، وأنّ آخرهم قائمهم عجّل اللّه‏ فرجه ، وأمثال ذلك ممّا يدلّ على أنّ المراد هؤلاء الأجلّة ، حتّى أنّه يظهر من بعضها التصريح بأسمائهم وألقابهم .

ثمّ نذكر هاهنا بعض ما ورد في المهديّ الموعود وكيفيّة خروجه وما يتعلّق بذلك ، وتحقيق كونه هو القائم الثاني عشر ، سوى ما مرّ من بعض أحواله في الفصل الخامس .

ثمّ نذكر أيضاً ما ورد في وجود اثني عشر إماماً أيضاً مضلّين ، وأنّ الأئمّة نوعان : داعٍ إلى اللّه‏ ، وداعٍ إلى النار .

الفصل الثاني عشر : في بيان أنّ هؤلاء الاثني عشر كلّهم ادّعوا أنّ هذا الأمر لهم ، ومختٌّص بهم من دون مشاركة أحد معهم ، وأنّ ذلك بما مرّ من النصّ والتعيين من اللّه‏ ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ الذي ثبت لزوم وجوده في النائب الإمام ـ مع كونهم غير مقدوحين في شيء ، لاسيّما الكذب عند جميع الفِرَق ، بل مع ظهور تحقّق الشرائط والكمالات التي ذكرناها فيهم ، وثبوت كمال علمهم ، وورعهم ، وحسن حالهم ، وصدق مقالهم عند كلّ أحد ، وانتفاء مدّعٍ للنصّ ، والتعيين (١) المذكور في حقّ (٢) غيرهم ، بل كون الاُمّة معترفة بعدم صدور النصّ لغيرهم ، حتّى أنّه ما ادّعى أحد غيرهم اجتماع سائر الشرائط والكمالات فيه ، بل لم توجد أيضاً فيمن سواهم .

__________________

(١) في «م» : والتعيّن .

(٢) لم ترد في «م» .

١٠٨

وأمّا المقصد الثاني : ففي بيان ما تشبّث به الذين قالوا بخلافة من تقدّم على عليّ عليه‌السلام ، والمقالات التي بينهم وبين الشيعة الإماميّة ، وتوضيح الحقّ في جميع ذلك ، وفيه أيضاً اثنتا عشرة مقالة :

المقالة الاُولى : في بيان ما هو من أعظم ما تشبّثوا به ، أعني : قولهم بكون إجماع الاُمّة حجّة في الأمر الذي ينعقد عليه كائناً ذلك الأمر ما كان ، وتحقيق الحقّ في ذلك .

المقالة الثانية : في بيان ما هو كذلك أيضاً من قولهم بصحّة التعبّد في الاجتهاد (١) في استنباط الأحكام على وفق مقتضى الرأي والقياس والاستحسان وأمثالها من الاُمور الاعتباريّة ، والمستندات العقليّة الظنّيّة ، وتوضيح توهّمهم فيه .

المقالة الثالثة : في بيان ما هو كذلك أيضاً من قولهم بأنّ الإمامة تصحّ أن تكون باختيار الرعية ، أو الإمام السابق من غير حاجة إلى التعيين من اللّه‏ ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتوضيح توهّمهم فيه .

المقالة الرابعة : في بيان كيفيّة قضيّة (٢) سقيفة بني ساعدة ، وما يتعلّق بذلك .

المقالة الخامسة : في بيان ما هو من أعظم ما تشبّثوا به أيضاً ، أعني : دعواهم تحقّق الإجماع على بيعة السقيفة ، وعدم تحقّق تخالفٍ ولا تنازعٍ في تلك البيعة ، لاسيّما من علي عليه‌السلام ، وذكر توجيههم ما نقل من المخالفة ، وتحقيق توهّمهم في جميع ذلك .

__________________

(١) في «ش» : بالاجتهاد .

(٢) في «م» و«س» : حقيقة .

١٠٩

المقالة السادسة : في بيان ما تشبّثوا به أيضاً من تعديل الصحابة ، ودعوى لزوم الحكم بُحسن حالهم وعدم جواز التعرّض لهم بما يشينهم ، بل لا بدّ من التوجيه أو السكوت ، لاسيّما البَدريّين وأهل بيعة الرضوان ، وتحقيق توهّمهم في جميع ذلك .

المقالة السابعة : في بيان تشبّثهم بالقول بأنّ قصد الصحابة فيما صدر منهم ـ لاسيّما في السقيفة ـ لم يكن إلاّ ملاحظة جانب اللّه‏ عزوجل دون ما تقوّله الشيعة من المنافسات الدنيوية كحبّ الرئاسة والجاه ، والتحاسد ، والتباغض المكنونة بينهم على الخصوص مع علي عليه‌السلام ، ونحو ذلك ، وتحقيق توهّمهم في ذلك .

المقالة الثامنة : في بيان تشبّثهم بما نقلوا من حسن سلوك عليّ عليه‌السلام وخواصّه مع من تقدّم عليه وحضوره جماعتهم ودخوله معهم في اُمور الناس ومشاوراتهم ، وأمثال ذلك ممّا ظاهره الرضا منهم وحسن الاعتقاد بهم ، وتحقيق توهّمهم في ذلك أيضاً .

المقالة التاسعة : في بيان ما تشبّثوا به أيضاً من إنكارهم على الشيعة القول بالتقيّة والكتمان ، وسائر ما ذكروا صدوره عن أئمّتهم من لوازم المداراة ، وإطفاء الفتن ، ونحو ذلك ، وتحقيق الحقّ فيه .

المقالة العاشرة : في بيان ما تشبّثوا بـه أيضاً مـن دعوى كون أحاديث الشيعة موضوعة على أئمّتهم ، مع ذكر ما ينادي بأنّ الأمر بالعكس ، وتحقيق حال ما روي من الأحاديث ، وما ينبغي أن يكون الاعتماد عليه منها .

المقالة الحادية عشرة : في بيان تشبّثهم أيضاً بدعوى كون مذهب

١١٠

الشيعة مستحدَثاً ، وأنّهم من أهل البدعة والضلالة ، وعداوة الصحابة ، والجهالة ، والحمق ، والسفَه (١) ، والغُلوّ ، والفرية على أئمّتهم حتّى سمّوهم رافضة ، وتحقيق كون جميع ذلك فريةً وتعصّباً محضاً ، بل في مخالفيهم (٢) روائح النصب والعدواة لأهل البيت عليه‌السلام وإن كانوا لا يشعرون .

المقالة الثانية عشرة : في بيان جمل ممّا ترتّب على بيعة السقيفة ، وعدم تسليم الأمر إلى عليّ عليه‌السلام من المفاسد العظيمة المخلّة بالدين ، الدالّة على أنّ صلاح الاُمّة لم يكن في تلك البيعة .

وأمّا الخاتمة ففيها فصلان :

الفصل الأوّل : في بيان سائر ما تشبّث به القائلون بخلافة من تقدّم على عليّ عليه‌السلام من الآيات والروايات وغيرها ، التي زعموها نافعة لهم في ذلك مع توضيح أنّها ليست كذلك .

الفصل الثاني : في بيان نبذ ممّا نقله (القوم) (٣) الذين قالوا بخلافة من تقدّم على عليّ عليه‌السلام في خلفائهم وكبرائهم من قبائح الأفعال والأقوال والأعمال ، ورذائل الصفات والأحوال والخصال ، وما نقلوه أيضاً من المقالات والآيات والروايات التي تدلّ على ضلالهم في مذهبهم ، وعلى عدم كون خلفائهم أهلاً لما ادّعاه القوم لهم ، ولا كونهم بالحالة التي زعمها الناس فيهم .

__________________

(١) في «ش» : السفاهة .

(٢) في «م» : مخالفتهم .

(٣) لم ترد في «ن» .

١١١

وأمّا الختام : ففي بيان جملة من الأشياء المتفرّقة التي ذكرها المخالفون في كتبهم ، وغفلوا عمّا فيها من الدلالة على خلاف ما هم عليه ، لاسيّما الأغلاط التي صدرت ، والجهالات التي ظهرت ، والاعترافات التي وقعت ، وقلّة المبالاة التي حصلت ، والمكامن التي برزت ، وسائر ما هو من هذا القبيل ممّا لم يسبق منّا ذكر له بسببٍ ، أو لعدم التقريب ، أو سبق لكن من غير إتمام .

وبالجملة : هذا الختام مجمع ومخزن لجميع ما سبق عليه من الكلام ، وبه نختم الكتاب (١) ، واللّه‏ الهادي ، ولنشرع الآن تفصيل ما في الفهرست ، فنقول وباللّه‏ التّوفيق .

* * *

__________________

(١) في «م» : الكلام .

١١٢

أمـا المقـدّمة

ففي بيان (جريان عادة اللّه‏ بامتحان العباد ، وذكر) (١) نبذ من أعاظم ما امتحن اللّه‏ به الخلائق في هذه الدنيا ممّا لبيانه مدخل في توضيح جمّة من مقدّمات دليلنا هذا ، بل سائر الأدلّة أيضاً ؛ بحيث كان كلّ واحد كالمبادئ لها ، وكذا في كشف كثير من الشبه التي أوهمت جمهور المخالفين ، بحيث منعتهم عن فهم ما هو الحقّ ، وقبول (٢) مفاد الأدلّة ، بل عن التوجه إليها ، كما سيظهر ممّا سيأتي في المقصد الثاني .

وذلك لأنّ حكمة اللّه‏ عزوجل اقتضت ، ومصلحته دعت إلى أن يمتحن خلقه المكلّفين بالدين ببعض أنواع الامتحان ، وأصناف الابتلاء والاختبار ليتميّز به الأخيار والأشرار ، ويكون في ذلك زيادة أجر المطيع ، وإتمام حجّة على العاصي ، وقد خفي ذلك على كثير من الناس ، فوقعوا بسبب ذلك في غفلات وشبهات ، فلابُدّ من تبيين ذلك أوّلاً ، وهو في ضمن تبيان ، وخمسة أبواب :

أمّا التبيان : ففي توضيح أنّ اللّه‏ عزوجل لم يخلق هذا الخلق عبثاً ، ولم يتركهم سدىً ، بل فطرهم على معرفته ، وخلقهم لأجل

__________________

(١) ما بين القوسين لم يرد في «م» .

(٢) في «م» زيادة : ما هو .

١١٣

طاعته ـ كما سيأتي في المقالة الاُولى ـ حتّى أنّه سبحانه لم يكتف من عباده بمحض دعوى الإيمان ، بل امتحن كلاًّ منهم بأنواع الاختبار والامتحان من بدو الخلقة إلى آخر الزمان ، وأنّ من ذلك أهل زمان سيّد الإنس والجانّ ، وفيه بعض ما يدلّ صريحاً على كون حكاية إمامة عليّ عليه‌السلام من أعظم ما وقع به الامتحان .

اعلم أنّ هذا ـ أي أصل وقوع الامتحان ، وعدم إيجاد الناس عبثاً ـ مع كونه واضحاً في نفسه ـ من حيث حكم العقل السليم بقُبح صدور العبث من العليم الحكيم ، ومن جهة تحقّق الإجماع بحسب التجربات الحاصلة ممّا رُؤي في الأصقاع وطرق الأسماع ، وما وصل إلينا من أحوال القرون السالفة والاُمم السابقة ـ ينادي به صريح الكتاب والسُّنّة :

قال اللّه‏ تعالى : ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ) (١) .

وقال عزوجل : ( أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ) (٢) .

وقال عزوجل :( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) (٣) .

وقال تبارك وتعالى : ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) (٤) .

__________________

(١) سورة المؤمنون ٢٣ : ١١٥ .

(٢) سورة القيامة ٧٥ : ٣٦ .

(٣) سورة العنكبوت ٢٩ : ٢ ـ ٣ .

(٤) سورة التوبة ٩ : ١٦ .

١١٤

وقال سبحانه وتعالى : ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا ) (١) الآية .

وقال عزّ من قائل : ( مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) (٢) .

وقال عزوجل : ( وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ) (٣) .

وقال سُبحانه : ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ) (٤) .

وقال تعالى : ( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ) (٥) .

وقال عزوجل : ( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) (٦) .

وقال سبحانه : ( أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ ) (٧) .

وقال جلّ وعلا : ( وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا ) (٨) .

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ٢١٤ .

(٢) سورة آل عمران ٣ : ١٧٩ .

(٣) سورة آل عمران ٣ : ١٥٤ .

(٤) سورة الأنعام ٦ : ١٦٥ .

(٥) سورة الأنفال ٨ : ٢٥ .

(٦) سورة الأنبياء ٢١ : ٣٥ .

(٧) سورة التوبة ٩ : ١٢٦ .

(٨) سورة الفرقان ٢٥ : ٢٠ .

١١٥

وقال تبارك وتعالى : ( وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ) (١).

وقال جلّ جلاله : ( إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ) (٢) .

وقال سُبحانه في قصّة قوم (٣) موسى عليه‌السلام مخاطباً له : ( قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ ) إلى قوله : ( يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ ) (٤) .

وأمثال هذه الآيات العديدة ، وسيأتي بعضها فيما بعد إن شاء اللّه‏ تعالى ، ولنبيّن ما في بعض هذه :

قال بعض المفسّرين في قوله تعالى : ( وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ) (٥) أي : يظنّ الناس أن يقنع منهم بأن يقولوا : إنّا مؤمنون فقط ، ويقتصر منهم على هذا القدر ، ولا يمتحنون بما يتبيّن به حقيقة إيمانهم ، هذا لا يكون (٦) .

وقال بعضهم : يعني أنّ مجرّد الإعلان والإقرار بالتوحيد والنبوّة وإظهار الإسلام لا يكفي ، بل لابدّ من اختبارهم من جهات عديدة يظهر منها الصادق من الكاذب (٧) .

قال الصادق عليه‌السلام ـ كما في تفسير العيّاشي ـ : «واللّه‏ لتمحّصنّ ، واللّه‏ لتميّزن ، واللّه‏ لتغربلنّ ، حتّى لا يبقى منكم إلاّ الأندر » قال الراوي ، قلت : وما الأندر ؟

قال : «البيدر ، وهو أن يدخل الرجل بيته الطعام يطيّن عليه ، ثمّ

__________________

(١) سورة محمّد ٤٧ : ٤ .

(٢) سورة التغابن ٦٤ : ١٥ .

(٣) لم ترد في «م» .

(٤) سورة طه ٢٠ : ٨٥ ـ ٩٠ .

(٥) سورة العنكبوت ٢٩ : ٢ .

(٦) الطبرسي في مجمع البيان ٤ : ٢٧٢ ، النحاس في معاني القرآن ٥ : ٢١١ .

(٧) الطبرسي في مجمع البيان ٤ : ٢٧٢ ، و٢ : ٣١٥ .

١١٦

يخرجه وقد تأكّل بعضه ، فلا يزال يُنقّيه ، ثمّ يكنّ عليه ، ثمّ يخرجه ، حتّى يفعل ذلك ثلاث مرّات ، حتّى يبقى ما لا يضرّه شيء» (١) .

وفي رواية الكُليني عن معمّر بن خلاّد (٢) ، قال : سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول : «( الم * أَحَسِبَ النَّاسُ ) إلى « ( وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ) (٣) » ، ثمّ قال لي : «ما الفتنة ؟» قلت : إنّ الذين عندنا يقولون : الفتنة في الدين ، فقال : «نعم يفتنون كما يفتن الذهب » ثمّ قال : «يخلّصون كما يخلّص الذهب» (٤) .

أقول : يظهر من الخبرين وغيرهما أنّ الامتحان يكون في كلّ عصر وزمان ، حتّى في أهل الفرقة المحقّة ، كما في نهج البلاغة عن عليّ عليه‌السلام أنّه قال : «ولتساطنّ سوط القِدر ، حتّى يعود أسفلكم أعلاكم ، وأعلاكم أسفلكم» (٥) .

وفي كلام له عليه‌السلام أيضاً ، قاله لمّا بويع بعد قتل (٦) عثمان (٧) : «ألا إنّ

__________________

(١) تفسير العيّاشي ١ : ١٩٩ / ١٤٦ ، وفيه : بدل «بيته» ، «فيه» ، وبدل «تأكل بعضه» ، «أكل بعضه بعضاً» ، بحار الأنوار ٥ : ٢١٦ / ١ وفيه بدل «بيته» : «قبة» .

(٢) معمّر بن خلاّد بن أبي خلاّد : من أصحاب الرضا عليه‌السلام ثقة بالاتّفاق ، وله كتاب الزهد رواه جماعة .

انظر : رجال النجاشي : ٤٢١ / ١١٢٨ ، الخلاصة : ٢٧٧ / ١٠١٠ ، تنقيح المقال ٣ : ٢٣٤ / ١٢٠٠٩.

(٣) سورة العنكبوت ٢٩ : ١ ـ ٢ .

(٤) الكافي ١ : ٣٠٢ / ٤ (باب التمحيص والامتحان) ، الغيبة للنعماني ٢٠٢ / ٢ ، بحار الأنوار ٥ : ٢١٩ / ١٤ ، بتفاوت يسير .

(٥) نهج البلاغة : ٥٧ : الخطبة ١٦ .

(٦) في «ن» : مقتل .

(٧) عثمان بن عَفَّان بن أبي العاص ، يكنّى بأبي عبداللّه‏ وأبي عمرو ، والأغلب منهما أبو عبداللّه‏ ، أحد الحكّام الثلاثة ، ولد بست سنين بعد عام الفيل ، وصارت الحكومة إليه بعد مقتل عمر بن الخطاب سنة ٢٣ هـ ، وكانت حكومته اثنتي عشرة سنة ، قتل في المدينة سنة ٣٥ هـ .

١١٧

بليّتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث اللّه‏ نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والذي بعثه بالحقّ لتبلبلنّ بلبلة ، ولتغربلنّ غَربلة ، حتّى يعود أسفلكم أعلاكم» (١) الخبر .

وأيضاً قال المفسّرون في قوله تعالى : ( وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ ) (٢) ، أي : ليختبر ما فيها بأعمالكم ؛ لأنّه قد علمه غيباً فيعلمه شهادةً ؛ لأنّ المجازاة إنّما تقع على ما يعلمه مشاهدة (٣) .

وقيل : معناه ليعاملكم معاملة المختبرين ، ( وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ) (٤) ، أي : ليكشفه ويميّزه (٥) .

وقالوا في قوله تعالى : ( وَاتَّقُوا فِتْنَةً ) (٦) الآية ، يعني : لا تقربوها فتصيبكم (٧) .

فقيل : هي البليّة التي يظهر باطن أمر الإنسان فيها (٨) ، وإنّ منها : حكاية السقيفة.

وقيل : منها حكاية الجمل ، حتّى نقل أنّ الزبير (٩) قال : لقد قرأنا

__________________

انظر : مروج الذهب ٢ : ٣٣١ ، اُسد الغابة ٣ : ٤٨٠ / ٣٥٨٣ ، الإصابة ٢ : ٦٢ / ٥٤٤٨ ، الأعلام ٤ : ٢١٠ .

(١) نهج البلاغة : ٥٧ خطبة ١٦ .

(٢) سورة آل عمران ٣ : ١٥٤ .

(٣) الطبرسي في مجمع البيان ١ : ٥٢٣ ، الزجّاج في معاني القرآن ١ : ٤٨٠ ، الواحدي في الوسيط ١ : ٥٠٨.

(٤) سورة آل عمران ٣ : ١٥٤ .

(٥) مجمع البيان ١ : ٥٢٣ .

(٦) سورة الأنفال ٨ : ٢٥ .

(٧) الطبرسي في مجمع البيان ٢ : ٥٣٤ .

(٨) الطوسي في التبيان ٥ : ١٠٢ ، عن الحسن ، مجمع البيان ٢ : ٥٣٤ .

(٩) الزبير بن العوام بن خُويلد بن أسد بن عبد العزّى ، يكنّى أبا عبداللّه‏ ، وهو

١١٨

هذه الآية زماناً ، فإذا نحن المعنيّون بها فخالفنا حتّى أصابتنا خاصّة (١) .

وقيل : هي الضلالة ، وافتراق الكلمة ، ومخالفة بعضهم بعضاً (٢) .

وقيل : هي الهرج الذي يركب الناس فيه الظلم ، ويدخل ضرره على كلّ أحد (٣) .

ثمّ إنّهم اختلفوا في إصابة هذه الفتنة على قولين :

أحدهما : أنّها تصيب على العموم الظالم وغيره ، أمّا الظالم فمعذّب ، وأمّا غيره فممتحن ممحَّص .

والآخَر : أنّها تخصّ الظالم خاصة (٤) ، فافهم .

وقالوا في قوله تعالى : ( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ) (٥) ، أي: نعاملكـم معاملة المختبر بالفقر والغنى ، وبالضرّاء والسرّاء ، وبالشدّة والرخاء ، وبالمرض والصحّة ، ونحو ذلك ( فِتْنَةً ) ، أي : اختباراً وابتلاءً وشدّة تعبّد (٦) .

__________________

ابن أخي خديجة ، واُمّه صفيّة بنت عبد المطلب ، شهد بدراً واُحداً وغيرهما ، كان مع عائشة يوم الجمل ، قتله ابن جرموز يوم الجمل بوادي السباع سنة ٣٦ هـ .

انظر : البدء والتاريخ ٥ : ٨٣ ، اُسد الغابة ٢ : ٩٧ / ١٧٣٢ ، الأعلام ٣ : ٤٣ .

(١) مجمع البيان ٢ : ٥٣٤ ، جامع البيان ٩ : ١٤٤ ، تفسير غرائب القرآن للنيسابوري ٣ : ٣٩٠ ، بتفاوت ، وروي نحوه في تفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم ٥ : ١٦٨٢ / ٨٩٦٢ ، التفسير الكبير ١٥ : ١٤٩ ، الوسيط ٢ : ٤٥٢ ، معالم التنزيل ٢ : ٦١٧ .

(٢) الطبرسي في مجمع البيان ٢ : ٥٣٤ ، الواحدي في الوسيط ٢ : ٤٥٣ ، البغوي في معالم التنزيل ٢ : ٦١٨ ، الطبري في جامع البيان ٩ : ١٤٤ عن ابن زيد .

(٣) مجمع البيان ٢ : ٥٣٤ ، التبيان ٥ : ١٠٢ .

(٤) مجمع البيان ٢ : ٥٣٤ عن ابن عباس وغيره .

(٥) سـورة الأنبياء ٢١ : ٣٥ .

(٦) الطبرسي في مجمع البيان ٤ : ٤٦ ، الواحدي في الوسيط ٣ : ٢٣٧ ، البغوي في معالم التنزيل ٤ : ٥٠ .

١١٩

وقالوا في قوله تعالى : ( يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ ) (١) ، أي : يبتلون بأصناف البليّات ، أو بالجهاد مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فيعاينون ما يظهر من الآيات ويتميّز المطيع من المعاصي (٢) .

وفي قوله تعالى : ( قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ ) (٣) ، أي : امتحنّاهم وشدّدنا عليهم التكليف بما حدث فيهم من أمر العجل ، فألزمناهم عند ذلك النظر ؛ ليعلموا أنّه ليس بإلهٍ ، فأضاف الضلال إلى السامري والفتنة إلى نفسه (٤) ، فتأمّل (٥) .

وفي بعض خطب عليّ عليه‌السلام : «إنّ اللّه‏ عزوجل يختبر عبيده بأنواع الشدائد ، ويتعبّدهم بألوان المجاهدة ، ويبتليهم بضروب المكاره ؛ إخراجاً للتكبّر من قلوبهم ، وإسكاناً للتذلّل في أنفسهم ، وليجعل ذلك أبواباً إلى فضله ، وأسباباً لعفوه (٦) ، وفتنة ، كما قال سبحانه : ( الم *‏ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ) (٧) » ، الآية .

وأوّل الخطبة كذا : إنّ اللّه‏ عزوجل «لو أراد بأنبيائه حيث بعثهم أن يفتح لهم كنوز الذهبان ، ومعادن البلدان (٨) ، ومغارس الجنان ، وأن يحشر

__________________

(١) سورة التوبة ٩ : ١٢٦ .

(٢) البيضاوي في أنوار التنزيل وأسرار التأويل ١ : ٤٣٧ ، المشهدي في كنز الدقائق ٤ : ٣١٨، وقوله (ويتميّز . . .) لم يرد فيهما .

(٣) سورة طه ٢٠ : ٨٥ .

(٤) مجمع البيان ٤ : ٢٤ .

(٥) في «م» زيادة : تفهم .

(٦) نهج البلاغة : ٢٩٤ الخطبة ١٩٢ ، بتفاوت يسير .

(٧) سورة العنكبوت ٢٩ : ١ ـ ٢ .

(٨) في المصدر : «العِقْيَان» .

١٢٠