درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٠٨

(م) وقسم ينتهى الى مادة وهى بعيدة عن الاحساس ومن هذا القسم الحكمة الالهية والطبيعية وعلم الكلام وعلم اصول الفقه والمسائل النظرية الفقهية وبعض القواعد المذكورة فى كتب المنطق ومن ثم وقع الاختلافات والمشاجرات بين الفلاسفة فى الحكمة الالهية والطبيعية وبين علماء الاسلام فى اصول الفقه ومسائل الفقه وعلم الكلام وغير ذلك والسبب فى ذلك ان القواعد المنطقية انما هى عاصمة من الخطاء من جهة الصورة لا من جهة المادة إذ أقصى ما يستفاد من المنطق فى باب مواد الاقيسة تقسيم المواد علي وجه كلى الى اقسام وليست فى المنطق قاعدة بها يعلم ان كل مادة مخصوصة داخلة فى اى قسم من الاقسام ومن المعلوم امتناع وضع قاعدة يكفل بذلك.

(ش) قد تقدم ان اقسام العلوم النظرية ثلاثة الالهيات والطبيعيات والرياضيات وانها باعتبار قرب المواد وبعدها من الاحساس على قسمين القسم الاول كعلم الهندسة والحساب واغلب مسائل المنطق قد عرفت انها لكون قرب موادها من الاحساس لا يقع فيه الخلاف بين العلماء والخطاء فى نتائج الافكار واما القسم الثانى من العلوم النظرية لكون موادها بعيدة عن الاحساس وقع الاختلافات والمشاجرات بين الفلاسفة فى الحكمة الالهية وهو علم يبحث عن احوال الوجود وموضوعه هو الموجود مثلا كاختلافهم فى ان الوجود هل هو حقيقة واحدة او حقائق متباينة الذوات والقائل بالاول هو الاشراقيون وبالثانى هو المشائيون على ما نسب اليهم والطبيعية وهو علم يبحث عن احوال وعوارض الجسم الطبيعى وموضوعه هو الجسم كاختلافهم فى ان الزمان هل هو موجود خارجى من مقولة الكم او نسبة عقلية انتزاعية والجسم على قسمين طبيعىّ وهو الامتداد الجوهرى فى الاقطار الثلاث وتعليمى وهو تعين الجسمية الطبيعة بشكل من الاشكال كالكروية والمكعبية وبعض القواعد المذكورة فى كتب المنطق وذلك كالقواعد المتعلقة بالجنس والفصل فانهما وان بينا مفهوما لكن هذا المفهوم ينتهى إلى مادة هى بعيدة عن الاحساس باعتبار ملاحظة معني المادية والصورية فيهما وكالقواعد المتعلقة بالاشكال الاربعة ـ

٨١

ـ حيث ان القوم ذكروا انه يشترط فى الشكل الاول ايجاب الصغرى وفعليتها وخالفهم الشيخ الرئيس والفخر الرازى ومن تابعهما حيث قالوا ان الصغرى الممكنة تنتج مع الضرورية ضرورية ومع اللاضرورية ممكنة خاصة ومع غيرهما ممكنة عامة وانهم ذكروا فى شرائط انتاج الشكل الثانى كون الممكنة مع الضرورية الذاتية او الوصفية وخالفهم الرازى حيث زعم ان الصغرى الممكنة تنتج مع الكبريات الست المنعكسة السوالب ممكنة وغير ذلك مما لا يخفى علي من لاحظها وتتبع تتبعا اجمالا وبين علماء الاسلام فى اصول الفقه كالاختلاف الواقع بينهم فى مقدمة الواجب هل هى واجبة ام لا وفى ان الامر بالشىء هل يقتضى النهى عن ضده ام لا واختلافهم فى المسائل النظرية الفقهية اوضح من ان يبين. وفى علم الكلام كاختلافهم فى الجبر والتفويض والامر بين الامرين وكاختلافهم فى الحسن والقبح العقلى والاعتبارى وسبب الاختلافات والمشاجرات بين الفلاسفة فى الحكمة الالهية والطبيعية وبين علماء الاسلام فى اصول الفقه ومسائل الفقه وعلم الكلام وغير ذلك ان القواعد المنطقية عاصمة من الخطاء من جهة الصورة باعتبار انقسام القياس الى الاشكال الاربعة واما كون المنطق عاصما من الخطاء فى المادة فليس له وجه لان اقصى ما يستفاد من المنطق فى باب مواد الاقيسة تقسيم المواد علي وجه كلى الى اقسام مثلا القياس اما برهانى يتالف من اليقينيات واصولها الاوليات والمشاهدات والتجربيات والمتواترات والفطريات واما جدلى يتألف من المشهورات والمسلمات واما خطابى يتالف من المقبولات والمظنونات واما شعرى يتالف من المخيلات واما سفسطى يتالف من الوهميات والمشبهات واشتباه كل واحد من هذه المواد لا يخلو عن بعد وليست فى المنطق قاعدة منضبطة يعلم بها ان كل مادة مخصوصة داخلة فى اى قسم من الاقسام المذكورة بل من المعلوم امتناع وضع قاعدة تكفل بذلك واما الاقيسة من حيث الصورة فلا يختلط بعضها ببعض حتّى يتحقق الاشتباه والخطاء من جهة الصورة والبحث عن القياس البرهاني واصوله وغيره من الصناعات الأخر واصولها قد تقدم تفصيلا ـ

٨٢

فتحصل ان سبب الاختلاف بين الفلاسفة وعلماء الاسلام فى العلوم المذكورة هو عاصمية المنطق من الخطاء من جهة الصورة لا من جهة المادة وفى هذا السبب نظر ووجهه ما افاده صاحب بحر الفوائد حيث قال فيما ذكره الشيخ قدس‌سره من ان السبب فى ذلك ان القواعد المنطقية انما هى عاصمة الخ نظر لان الطرق والشرائط المقررة فى المنطق للاستنتاج تراعى جانب المادة والصورة معا ضرورة ان حقيقة الفكر انما يتم بحركتين الاولى لتحصيل المادة والثانية لتحصيل الصورة وان الثانية تحتاج الى قواعد يقتدر بها على تحصيل صورة مخصوصة لكل مطلوب كذلك الاولى تحتاج الى قواعد يتوصل بها الى تحصيل مادة مناسبة للمطلوب فمباحث الصناعات الخمس المشتملة علي تحصيل مبادى الجدل والبرهان وساير الحجج وتميز بعضها عن بعض جزء لهذا العلم الكافل بما يحتاج اليه فى استخراج المجهولات من المعلومات.

٨٣

(م) ثم استظهر ببعض الوجوه تأييدا لما ذكره وقال بعد ذلك : فان قلت لا فرق فى ذلك بين العقليات والشرعيات والشاهد على ذلك ما نشاهد من كثرة الاختلافات الواقعة بين اهل الشرع فى اصول الدين وفى الفروع الفقهية قلت انما نشأ ذلك من ضم مقدمة عقلية باطلة بالمقدمة النقلية الظنية او القطعية ومن الموضحات لما ذكرناه من انه ليس فى المنطق قانون يعصم من الخطاء فى مادة الفكر ان المشائيين ادعوا البداهة فى ان تفرق ماء كوز الى كوزين اعدام لشخصه واحداث لشخصين آخرين وعلى هذه المقدمة بنوا اثبات الهيولى والاشراقيين ادعوا البداهة فى انه ليس اعداما للشخص الاول وانما انعدمت صفة من صفاته وهو الاتصال ثم قال اذا عرفت ما مهدناه من المقدمة الدّقيقة الشريفة فنقول ان تمسكنا بكلامهم عليهم‌السلام فقد عصمنا من الخطاء وان تمسكنا بغيرهم لم نعصم عنه انتهى كلامه.

(ش) اقول انه قد عرفت من المقدمة التى ذكرها الاسترآبادى ان المقدمة العقلية التى ليس موادها قريبا من الاحساس يكون موجبا للخطإ وبانضمام كل شىء يكون موجبا للخطإ امر مرغوب عنه عقلا وشرعا فتحصل ان الخوض فى المطالب العقلية لتحصيل المطالب الشرعية ليس بجائز لكثرة وقوع الغلط والاشتباه فيها. ثم استظهر المحدث تأييدا لهذه النتيجة ببعض الوجوه حيث قال فى كتابه بعد المقدمة فان قلت لا فرق فى الوقوع فى الاشتباه بين العقليات والشرعيات والمؤيد لهذا كثرة الاختلافات بين علماء الاسلام فى اصول الدين وفى الفروع الفقهية قلت ان الاختلاف بين علماء الاسلام فى المسائل الشرعية اصولا وفروعا انما هو من جهة انضمام المقدمة العقلية الباطلة بالمقدمة النقلية الظنية او القطعية وفى هذا الجواب نظر قد تعرض له بعض المحققين حيث قال ان هذا الجواب من المحدث الأسترآباديّ تحكم واضح لان الاختلاف بين علماء الاسلام فى الاصول والفروع ليس مبنيا على ضم مقدمة عقلية بل اكثر الاختلافات فى الفروع الفقهية ناش عن فهم الحديث وعلاج المتعارضين منه والشاهد على ذلك وقوع الاختلاف كثيرا من الاخباريين فى فهم المطالب من الادلة الشرعية مع ان بنائهم على الاقتصار عليها وعدم جواز التعدى الى غيرها فكيف يمكن مع ذلك دعوى ـ

٨٤

ـ كون الاختلاف من جهة ضم المقدمة العقلية الباطلة الى المقدمة الشرعية وبالجملة ما ذكره من الجواب لا شبهة فى فساده.

ومن الموضحات لما ذكره المحدث فيما سبق من انه ليس فى المنطق قاعدة مسلمة تعصم من الخطاء فى مادة الفكر اختلاف المشائين والاشراقيين فى ان تفرق ماء كوز الى كوزين هل هو اعدام لشخصه واحداث لشخصين آخرين او ليس اعداما للشخص الاول وانما انعدمت صفة من صفاته وهو الاتصال والقائل بالاول هو المشائيون وبالثانى هو الاشراقيون ولا باس قبل بيان الاختلاف بين الطائفتين فى المسألة المذكورة من الاشارة إلى بيان ان المشائيين والاشراقيين من هم؟.

فنقول ان المشائيين والاشراقيين على ما قاله اهل التحقيق طائفتان من الحكماء ورئيس الطائفة الاولى المعلم الاول ورئيس الطائفة الثانية من قدماء الحكماء افلاطون ومن المتاخرين الشيخ السهروردى من الطائفة الشيعة كثرهم الله تعالى وحشرهم يوم القيامة مع ائمتهم الطاهرين سلام الله عليهم اجمعين.

ثم انهما طائفتان مختلفتا المذاق فى كثير من المسائل وما اعتقده الطائفة الاولى هو ان تحصيل المعارف والمطالب بطريق الرياضة والمكاشفة ليس له معني بل لا بد من سلوك طريق الاستدلال والوقوف على حقيقة الاشياء بالبرهان الفكرى واما الطائفة الثانية وهم الاشراقيون اعرضوا عن طريق الاستدلال واعتبروا فى الوقوف على حقيقة الاشياء بطريق المكاشفة وتصفية الباطن حتى يصير محلا للفيض وذكروا فى وجه تسمية الطائفة الاولى بالمشائين انهم كانوا كثيرى المشي والتردد الى منزل استادهم المعلم الاول لاخذ العلوم وتعلمها او كان بناء المعلم على التدريس حين مشيه ذهابا الى خدمة الاسكندر وإيابا منها.

وللفريقين اختلافات كثيرة فى مسائل شتى على ما افاده المحققون : منها مسئلة تركب الجسم عن الهيولى والصورة وعدم تركبه منهما فذهب الطائفة الاولى الى تركبه عنهما والثانية الى عدم تركبه عنهما وتوضيح القول فيه بحيث يوجب بصيرة فى الجملة يقتضى البحث على معنى الهيولى والجسم والصورة : ـ

٨٥

ـ واما الاولى فهو لغة لفظ يونانى بمعنى الاصل والمادة وفى الاصطلاح جوهر فى الجسم قابل لما يعرض لذلك الجسم من الاتصال والانفصال وساير الاعراض محل للصورتين الجسمية والنوعية على ما ذهب اليه جماعة من المحققين وكل جسم فهو مركب من جزءين اى جوهرين يحل احدهما فى الآخر ويسمى المحل الهيولى الاولى والمادة ووجه التقييد بالاولى لانها قد يطلق على الجسم الذى يتركب منه الجسم الآخر كقطع الخشب التى تتركب منها السرير ويسمى الهيولى الثانية وبعبارة اخرى :

الهيولى الاولى عبارة عن المادة التي تقبل كل صورة وفعلية ولا فعلية لها فى نفسها إلّا انها قوة كل فعلية والثانية عبارة عن الشيء الذى هو بالقوة بالنسبة الى شيء آخر وان كان بالفعل فى حد نفسه مركبا من الهيولى والصورة ويسمى الحال الصورة الجسمية ولا يخفى ان الهيولى اذا اطلقت يتبادر عنه الهيولى الاولى فلا حاجة الى التقييد بالاولى بل التقييد للتوضيح واعلم انه قد اختلف اهل الفن فى التلازم بين الهيولى والصورة قيل انها لا تتجرد عن الصورة وقيل لا تلازم بينهما ولكل من القولين حجج كثيرة مذكورة فى محلها وايرادها فى المقام تطويل بلا طائل واما الجسم فهو على قسمين طبيعى وهو الامتداد الجوهرى فى الاقطار الثلاث فهو من احد اقسام الجوهر اعنى العقل والنفس والجسم والمادة والصورة وتعليمى وهو تعين الجسمية الطبيعية بشكل من الاشكال كالكروية والمكعبية والمقصود بالكلام هو الجسم الطبيعى واما التعليمى فلم يتوهم احد تركبه من الهيولى وغيرها كما افاده صاحب بحر الفوائد ونعم ما افاد وانما هو امر يعرض الجسم الطبيعى عند جماعة من الحكماء ولا يخفى عليك ان الحكماء والمتكلمين اختلفوا فى حقيقة الجسم الطبيعى فالمتكلمون يقولون بانه مركب من اجزاء لا تتجزى متناهية وذهب صاحب الملل والنحل الى انه متصل واحد قابل للانقسام الى اجزاء متناهية واما الحكماء من المشائيين فاتفقوا على ـ

٨٦

ـ انه متصل واحد غير مركب من الاجزاء بالفعل قابل للانقسام الى غير النهاية فذهب الاشراقيون إلى انه جوهر بسيط لا تركب فيه بحسب الخارج اصلا قابل لطريان الاتصال والانفصال عليه مع بقائه فى الحالين بذاته وذهب المشائيون الى ان هذا الجوهر متصل حال فى جوهر آخر يسمى بالهيولى والمادة واعلم ان المتكلمين هم الذين يبحثون عن المبدا والمعاد على نحو يطابق الشرع والحكماء هم الذين يبحثون عن المبدا والمعاد بلا تقييد البحث بمطابقة الشرع واما الصورة فهى جوهر يكون الشىء شيئا بها بالفعل وهى كما ترى غير ما يطرأ على الاجسام من الاشكال والابعاد وان اطلق عليها الصورة فى اطلاق إلّا ان المراد بها فى المقام غير هذا الاطلاق كيف وقد عرفت ان تلك من اقسام الجواهر وهذه من مقولة العرض وهذا امر معلوم لا خفاء فيه عند من له ادنى خبرة.

ثم ان لكل من القول بتركب الجسم عن الهيولى والصورة وعدم تركبه عنهما حججا كثيرة مذكورة فى محلها إحداها ما اشار اليه المحدث الامين الأسترآباديّ فى فوائده المدنية من برهان الفصل والوصل وحاصله ان الجسم متصل فى ذاته بعد بطلان تركبه من الجزء الذى لا يتجزى ومن الاجرام الصغار الصلبة الذيمقراطيسية ولا ريب ان هذا الجوهر المتصل فى ذاته الذى كان بلا مفصل اذا طرأ عليه الانفصال انعدم وحدث هناك جوهر ان متصلان فى ذاتيهما فلا بد هناك من شىء آخر مشترك بين المتصل الاول وبين هذين المتصلين ولا بد ان يكون ذلك الشىء باقيا فى الحالتين وإلّا لكان تفريق الجسم الى جسمين اعداما للجسم بالكلية وايجادا لجسمين آخرين من كتم العدم والضرورة تقتضى بطلانه هذا ملخص ما افاده (ب د)

قوله وعلى هذه المقدمة بنوا اثبات الهيولى حيث قالوا لو لم يكن هناك جوهر واحد عند طرو الاتصال والانفصال قابل لهما جميعا كان طرو الانفصال على ماء كوز مثلا اعداما لذلك الماء من أصله وايجاد الماءين آخرين من كتم العدم والضرورة قاضية بخلافه قوله فى انه ليس اعداما للشخص الاول وانما انعدمت صفة من صفاته الخ اشارة الى بحث محكى عن شيخ الاشراقيين حاصله ان بناء برهان الفصل والوصل على ـ

٨٧

ـ ثبوت الاتصال الذى هو بمعنى الامتداد الجوهرى ونحن لا نسلم فى الجسم الاتصال الذى هو من فصول الكم وما سواه ممنوع وما قيل انك اذا شكلت الشمعة باشكال مختلفة تغيرت ابعاده مع بقاء اتصال واحد غير مسلم لان الشمعة المتبدلة الاشكال لا تخلو عن تفرق اتصال وتوصل افتراق فالمطولة منها اذا جعلت مستديرة تجمع فيها اجزاء كانت متفرقة والمدورة اذا جعلت مستطيلة تفرق فيها اجزاء كانت متصلة فاتصال واحد مستمر مع تفرق الاتصالات وتقطع الامتدادات كيف يكون صحيحا مع ان الاتصال الذى يبطله الانفصال ثم يعود مثله بعد زوال الانفصال لا شك فى عرضيته لان الجسم عند توارد الاتصال والانفصال عليه باق بماهيته ونوعيته لا يتغير فيه جواب ما هو وكل ما لا يتغير بتغيره جواب ما هو عن شىء فهو عرض لا محالة فالاتصال الذى يبطله الانفصال عرض هذا محصل ما قاله اهل التحقيق فقد تحصل من المقدمة التى تفطنها المحدث الأسترآباديّ انه ان تمسكنا بكلامهم عليهم‌السلام فقد عصمنا من الخطاء وان تمسكنا بكلام غيرهم لم نعصم عنه.

٨٨

(م) والمستفاد من كلامه عدم حجية ادراكات العقل فى غير المحسوسات وما يكون مباديه قريبة من الاحساس وقد استحسن ما ذكره اذا لم يتوافق عليه العقول غير واحد ممن تأخر عنه منهم السيد المحدث الجزائرى قدس‌سره فى اوائل شرح التهذيب على ما حكى عنه قال بعد ذكر كلام المحدث المتقدم بطوله : وتحقيق المقام يقتضى ما ذهب اليه فان قلت قد عزلت العقل عن الحكم فى الاصول والفروع فهل يبقى له حكم فى مسئلة من المسائل قلت اما البديهيات فهى له وحده وهو الحاكم فيها واما النظريات ـ

(ش) اقول ان ما استفيد من كلام الأسترآباديّ عدم حجية ادراكات العقل فى غير المحسوسات وما يكون مباديه قريبة من الاحساس بل وفيما يقطع به على سبيل البداهة اذا لم يكن محسوسا او قريبا اذا لم يكن مما توافقت عليه العقول وتسالمت فيه الانظار وقد استحسن ما ذكره غير واحد ممن تأخر عنه وممن نص عليه الفاضل الجزائرى قدس‌سره فى اوائل شرح التهذيب على ما حكى عنه حيث قال بعد ذكر كلام المحدث الأسترآباديّ بطوله : ان تحقيق المقام يقتضى ما ذهب اليه ولكن خلاف السيد المحدث مع المحدث السابق بعد اعتباره ما اعتبره فى موضعين احدهما اعتبار هذا المحدث حكم العقل فى البديهيات وان لم يكن ثبوتها من الشرع ضروريا بل كانت بديهية عند العقل وبالجملة ان النسبة بينهما كان بديهيا عند العقل كما استثناء هذا المحدث وما ثبت بالضرورة من الشرع كما استثناه المحدث السابق عموم من وجه وثانيهما تقديمه الحكم العقلى المعاضد بالنقلى على الحكم النقلى المعارض له الحاصل قال السيد المحدث بعد ذكر كلام المحدث المتقدم بطوله فان قلت قد عزلت العقل عن الحكم فى الاصول والفروع فهل يبقى حكم العقل فى مسئلة من المسائل قلت : اما البديهيات فهى له وحده وهو الحاكم فيها واما النظريات فان وافقه النقل وحكم بحكمه قدم حكمه على النقل واما لو تعارضا هو والنقلى فلا شك فى ترجيح النقل وعدم الالتفات الى ما حكم به العقل والمستفاد من كلام السيد الجزائرى حجية العقل فى البديهيات وفى النظريات اذا وافقه النقل وحكم النقل بحكم العقل واذا عارضه نقل آخر قدم عليه لاعتضاده بالنقل واما اذا لم يوافقه نقل فلا حجية فيه واذا عارضه نقل قدم النقل عليه لحجية النقل وعدم حجية ـ

٨٩

ـ (م) فان وافقه النقل وحكم بحكمه قدم حكمه على النقل واما لو تعارضا هو والنقلي فلا شك عندنا فى ترجيح النقل وعدم الالتفات الى ما حكم به العقل قال وهذا اصل يبتنى عليه مسائل كثيرة ثم ذكر جملة من المسائل المتفرعة اقول لا يحضرنى شرح التهذيب حتى الاحظ ما فرع على ذلك فليت شعرى اذا فرض حكم العقل على وجه القطع بشىء كيف يجوز حصول القطع او الظن من الدليل النقلى على خلافه وكذا لو فرض حصول القطع من الدليل النقلى كيف يجوز حكم العقل بخلافه على وجه القطع.

ـ (ش) العقل فى النظريات قوله اذا لم يتوافق عليه العقول يعنى اذا لم يكن من الضروريات قوله ولا شك عندنا فى ترجيح النقل وعدم الالتفات الى ما حكم به العقل اقول لا يخفى عليك انه ان اراد بذلك اى بترجيح النقل كون مفاد الدليل النقلى قطعيا مع زوال القطع عن الدليل العقلى النظرى فلا ريب فى تقديم النقلى على العقلي فى هذه الصورة ولا اختصاص لهذا القول بالاخبارى بل علماء الاصول ايضا يقولون بذلك لكن هذا خروج عن فرض المسألة وان اراد بذلك بقاء الدليل العقلى النظرى على قطعه وعدم زوال القطع عن العقلى النظرى ح فلا شك فى فساده لعدم جواز اجتماع قطعين فى شىء واحد على طرفى النقيض وان اراد بذلك كون مفاد الدليل النقلى ظنيا مع بقاء العقلى النظرى على قطعه فهو ايضا فاسد كالسابق لعدم امكان اجتماع القطع والظن فى محل واحد ومثل ذلك فى الفساد لو كان مفاد هما معا ظنيا لعدم جواز اجتماع الظنين فى محل واحد وان اراد بذلك صورة وجود العقلى النظرى مع زوال القطع او الظن عن الدليل النقلي فلا شك فى تقديم العقلى النظرى على النقلى المسلوب الوصف فلا يصح تقديم النقلى على العقلى حينئذ بل لم يقل به احد فضلا عن نفى الشك فى تقديم النقلى عليه قوله لا يحضرنى شرح التهذيب حتى لاحظ ما فرع على ذلك اقول ان السيد الجزائرى قال على ما تعرض له المحققون فى مقام بيان الفروع المتفرعة على الاصل الذى تخيله من تقديم النقل ولو لم يكن قطعيا علي العقل النظرى القطعي على ما يقتضيه اطلاق كلامه ما هذا لفظه : ـ

٩٠

ـ منها مسئلة الاحباط فان اكثر علمائنا رضوان الله عليهم قد اقاموا الادلة العقلية على نفيه مع ان الاخبار والآيات دالة عليه.

ومنها مسئلة إسهاء الله تعالى نبيه فى الصلاة وحدها فان الاخبار قد استفاضت فى الدلالة عليه وقد عمل بها الصدوق قدس الله تعالى روحه وقد انكره بعض الاصحاب اعتمادا على بعض الامارات العقلية.

ومنها مسئلة الارادة فان المتكلمين من اصحابنا قد اقاموا البراهين العقلية على كونها عين الذات وقد ورد فى الاخبار المستفيضة انها زائدة عليها وانها من صفات الافعال وذهب اليه الشيخ الكلينى طاب ثراه وقد عنون بابا فى اصول الكافى فى زيادة الارادة علي الذات انتهى كلامه ورفع مقامه والفرق بين صفات الذات وصفات الافعال على ما فى مجمع البحرين ان كل صفة من صفاته تعالي توجد فى حقه بدون نقيضها كالعلم والقدرة ونحوهما فهى من صفات الذات وكل صفة توجد مع نقيضها فهى من صفات الفعل كالارادة والمشية وفرق آخر ان كل صفة من صفاته تعالى متعلق بها قدرته وارادته فهى من صفات الفعل وكل صفة ليس كذلك فهى من صفات الذات. وهذه هى المسائل المتفرعة على الاصل الذى تخيله السيد الجزائرى ولا يخفى فساد ما بنى عليه المسائل المتفرعة على ما تعرض له ايضاح الفرائد حيث قال انه لا يحتاج الى تفصيل بطلان مذهبه فى غير مسئلة الاحباط فان الاخبار على تقدير دلالتها على ما ذكره من الآحاد التى لا توجب علما ولا عملا كمال قال السيد مرتضى قدس‌سره فى رد الصدوق رحمه‌الله فى مسئلة الاسهاء مع انها على تقدير حجيتها فى الاصول معارضة بالادلة القطعية العقلية على خلافها فلا بد من طرحها او تأويلها. واما مسئلة الاحباط فتفصيل القول فيها ان الاحباط قد اطلق على معان احدها ما نسب الى بعض من احباط الايمان الزلات مطلقا مثل احباط الكفر الاعمال الصالحة كلها فلا عقاب علي معصية مع الايمان كما لا ثواب لطاعة مع الكفر وثانيها ما نسب إلى جماعة من المعتزلة من احباط الكبيرة الواحدة مطلقا جميع الطاعات مستدلين بقوله تعالى (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها) وثالثها ما نسب الى الجبائيين ـ

٩١

ـ ابى على وابنه ابى هاشم من احباط الاعمال اللاحقة للاعمال السابقة لو كانت اكثر منها بمعني ان من زادت معاصيه على طاعاته احبطت معاصيه طاعاته وبالعكس لكنهما اختلفا فقال ابو على ينحبط الناقص برمته من غير ان ينتقص من الزائد شيء وقال ابو هاشم : بل ينتقص من الزائد ايضا بقدره ويبقى الباقى والظاهر كما نقل عن المعتزلة على الاطلاق القول باحباط السيئات الحسنات على تقدير عدم التوبة واما معها فلا كلام لهم فى كونها رافعة للسيئات وان شئت تفصيل القول وتحقيق الجواب عن المسائل المتفرعة علي الاصل الذى تخيله السيد الجزائرى فراجع الى (ب د). قوله كيف يجوز حصول القطع او الظن من الدليل النقلى على خلافه بيان ذلك انه اذا فرض حكم العقل على وجه القطع ينافيه احتمال عدمه فضلا عن القطع بعدمه وبعبارة اخرى ان القطع العقلى ينافيه الاحتمال فى ظرف العقل لان الاحتمال العقلى يصادم الجزم المعتبر فى القطع وكذا لو فرض حصول القطع من الدليل النقلى كيف يجوز حكم العقل بخلافه على وجه القطع.

٩٢

(م) وممن وافقهما على ذلك فى الجملة المحدث البحرانى فى مقدمات الحدائق حيث نقل كلاما للسيد المتقدم فى هذا المقام واستحسنه إلّا انه صرح بحجية العقل الفطرى الصحيح وحكم بمطابقته للشرع ومطابقة الشرع له ثم قال لا مدخل للعقل فى شىء من الاحكام الفقهية من عبادات وغيرها ولا سبيل اليها الا السماع عن المعصوم عليه‌السلام لقصور العقل المذكور عن الاطلاع عليها ثم قال نعم يبقى الكلام بالنسبة الى ما لا يتوقف على التوقيف فنقول ان كان الدليل العقلى القطعى المتعلق بذلك بديهيا ظاهر البداهة مثل الواحد نصف الاثنين فلا ريب فى صحة العمل به وإلّا فان لم يعارضه دليل عقلى ولا نقلى ـ

(ش) اقول ان من وافق الامين الأسترآباديّ والسيد الجزائرى على الاصل المذكور من تقديم النقل ولو لم يكن قطعيا على العقل القطعى المحدث البحرانى الشيخ يوسف بن احمد بن ابراهيم فى مقدمات الحدائق حيث نقل كلاما للسيد المتقدم فى هذا المقام واستحسنه إلّا ان المحدث البحرانى صرح بحجية العقل الفطرى الصحيح وحكم بالملازمة بين حكم العقل الفطرى وحكم الشرع يعني انه فى المورد الذى استقل العقل المذكور بحسن شىء او قبحه فعلى طبقه يحكم الشرع بوجوبه او حرمته وهو المراد من قولهم كلما حكم به العقل حكم به الشرع. وقد انكر هذه الملازمة بعض الاخباريين وتبعهم بعض الاصوليين كصاحب الفصول حيث انكر الملازمة الواقعية بين حكم العقل وحكم الشرع والتزم بالملازمة الظاهرية بدعوى ان العقل وان كان مدركا للمصالح والمفاسد والجهات المحسنة والمقبحة إلّا انه من الممكن ان تكون لتلك الجهات موانع ومزاحمات فى الواقع وفى نظر الشارع ولم يصل العقل الى تلك الموانع والمزاحمات اذ ليس من شأن العقل الاحاطة بالواقعيات على ما هى عليها بل غاية ما يدركه العقل هو ان الظلم مثلا له جهة مفسدة فيقبح والاحسان له جهة مصلحة فيحسن ولكن من المحتمل ان لا تكون تلك المصلحة والمفسدة مناطا للحكم الشرعى لمقارنتها بالمانع والمزاحم فى نظر الشارع فربما تكون مصلحة ولم يكن على طبقها حكم شرعى كما يظهر من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو لا ان أشقّ على امتى لامرتهم بالسواك وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان الله سكت عن اشياء ولم يسكت عنها نسيانا الخبر فان الظاهر ـ

٩٣

ـ فكذلك وان عارضه دليل عقلى آخر فان تأيد احدهما بنقلى كان الترجيح للمتأيد بالدليل النقلى وإلّا فاشكال وان عارضه دليل نقلى فان تأيد ذلك العقلى بدليل نقلي كان الترجيح للعقلى إلّا ان هذا فى الحقيقة تعارض فى النقليات وإلّا فالترجيح للنقلى وفاقا للسيد المحدث المتقدم ذكره وخلافا للاكثر هذا بالنسبة الى العقلى بقول مطلق اما لو اريد به المعنى الاخص وهو الفطرى الخالى عن شوائب الاوهام الذى هو حجة من حجج الملك العلام وان شذ وجوده فى الانام ففى ترجيح النقلى عليه اشكال انتهى.

ـ منه هو انه تعالي سكت مع ثبوت المصلحة والمقتضى فى تلك الاشياء والمراد من السكوت هو عدم جعل الحكم فمن المحتمل ان يكون المورد الذى ادرك العقل جهة حسنه او قبحه كان من الموارد التي سكت الله عنها وربما يكون حكم بلا مصلحة فى المتعلق كما فى الاوامر الامتحانية والاوامر الصادرة تقية وغير ذلك من الوجوه التى اقامها على منع الملازمة الواقعية بين حكم العقل والشرع والتزم بالملازمة الظاهرية ببيان ان مجرد احتمال وجود المانع والمزاحم لما ادركه العقل لا يكون عذرا فى نظر العقل بل لا بد من البناء على الملازمة الى ان يتبين المانع والمزاحم فلو خالف وصادف عدم المزاحم كان عاصيا وهو المراد من الملازمة الظاهرية هذا حاصل ما افاده صاحب الفصول فى وجه منع الملازمة. ولا يخفى عليك ما فى مدعاه من الاشكال فليطلب من المطولات قوله حيث نقل كلاما للسيد المتقدم فى هذا المقام الخ اقول ان المحدث البحرانى قد نقل فى مقدمات الحدائق عن السيد المحدث الجزائرى كلاما فى كتابه الانوار النعمانية مشتملا علي جملة من الفروع المتفرعة على هذه المسألة فانه بعد نقل كلام للمحقق فى الاعتماد على الادلة العقلية فى الاصول والفروع وترجيحها على الادلة النقلية قال وبالجملة فكلامهم تصريحا فى مواضع وتلويحا فى اخرى متفق الدلالة على ما نقلنا ولم أر من رد ذلك وطعن فيه سوى المحدث المدقق السيد نعمة الله الجزائرى طيب الله مرقده فى مواضع من مصنفاته منها كتاب الانوار النعمانية وهو كتاب جليل يشهد بسعة دائرته وكثرة اطلاعه على الاخبار وجودة تبحره فى العلوم ـ

٩٤

ـ والآثار وبيان رد السيد كلامهم وطعنه فيه يحتاج الى تأمل كلام السيد حتى يتبين وجههما وحيث قد نقل كلام السيد (ا ق) فلا حاجة الى نقلنا فراجع ولما قد نقل المحدث البحرانى فى مقدمات الحدائق كلام السيد وبعده كلاما منسوجا بهذا المنوال عن الامام الرازى فقال :

وان قلت فعلى ما ذكر من عدم الاعتماد على الدليل العقلى يلزم ان لا يكون العقل معتبرا بوجه من الوجوه مع انه قد استفاضت الآيات القرآنية والاخبار المعصومية بالاعتماد على العقل والعمل على ما يرجحه وانه حجة من حجج الله سبحانه كقوله تعالى فى سورة الرعد آية (٥) (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) وكقوله تعالى ايضا فى سورة الرعد آية (٤) (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ونحو قوله (لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ) فى سورة آل عمران آية (١٩٠) ونحو قوله تعالى فى سورة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله آية (٢٤) (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) الى غير ذلك من الآيات الدالة على مدح العمل بمقتضى العقل وذم عكسه وفى الحديث عن ابى الحسن عليه‌السلام حين سئل فما الحجة على الخلق اليوم قال عليه‌السلام العقل يعرف به الصادق على الله فيصدقه والكاذب على الله فيكذبه هذا الحديث من حديث ابى يعقوب البغدادى عن ابى الحسن عليه‌السلام الذى رواه فى الكافى فى كتاب العقل والجهل.

وفى آخر عن الصادق عليه‌السلام قال حجة الله على العباد النبى والحجة ما بين العباد وبين الله العقل وهو حديث عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله عليه‌السلام الذى رواه فى الكافى فى كتاب العقل والجهل الى غير ذلك من الاخبار الدالة علي مدح العمل بمقتضى العقل وذم عكسه قلت لا ريب ان العقل الصحيح الفطرى حجة من حجج الله سبحانه وسراج منير من جهته جل شأنه وهو موافق للشرع بل هو شرع من داخل كما ان ذلك شرع من خارج لكن ما لم تغيره غلبة الاوهام الفاسدة وتتصرف فيه العصبية او حب الجاه او نحوهما من الاغراض الكاسدة وهو قد يدرك الاشياء قبل ورود الشرع بها فيأتى الشرع مؤيدا لها وقد لا يدركها قبله ويخفى عليه الوجه فيها فيأتى الشرع كاشفا له ومبينا وغاية ما تدل ـ

٩٥

ـ عليه هذه الادلة مدح العقل الفطرى الصحيح الخالي عن شوائب الاوهام العارى عن كدورات العصبية وانه بهذا المعنى حجة إلهية لادراكه بصفاء نورانيته واصل فطرته بعض الامور التكليفية وقبوله لما يجهل منها متى ورد عليه الشرع بها وهو اعم من ان يكون بادراكه ذلك اولا او قبوله لها ثانيا كما عرفت.

ولا ريب ان الاحكام الفقهية من عبادات وغيرها كلها توقيفية تحتاج الى السماع من حافظ الشريعة ولهذا قد استفاضت الاخبار بالنهى عن القول فى الاحكام الشرعية بغير سماع منهم عليهم‌السلام وعلم صادر عنهم صلوات الله عليهم ووجوب التوقف والاحتياط مع عدم تيسر طريق العلم ووجوب الرد اليهم فى جملة منها وما ذاك إلّا لقصور العقل المذكور عن الاطلاع على اغوارها واحجامه عن التلجج فى لجج بحارها بل لو تم للعقل الاستقلال بذلك لبطل ارسال الرسل وانزال الكتب ومن ثم تواترت الاخبار ناعية على اصحاب القياس بذلك.

ومن الاخبار المؤكدة لما ذكرنا رواية ابى حمزة عن ابى جعفر عليه‌السلام فى حديث طويل قال ان الله يكل امره الى خلقه لا الى ملك مقرب ولا الى نبى مرسل ولكنه ارسل رسولا من ملائكته فقال له قل كذا وكذا فامرهم بما يحب ونهاهم عما يكره الحديث روى هذا الحديث صاحب الوسائل فى باب (٦) من ابواب صفات القاضى وما يجوزان يقضى به من كتاب القضاء ومنها رواية ابى بصير قال قلت ترد علينا اشياء ليس نعرفها فى كتاب الله ولا سنته فننظر فيها فقال لا اما انك ان اصبت لم توجر وان اخطأت كذبت على الله.

ومنها حديث عن امير المؤمنين عليه‌السلام ان المؤمن لم يأخذ دينه عن رأيه ولكن اتاه من ربه فاخذ به وفى آخر لما قال السائل له عليه‌السلام ما رأيك فى كذا قال عليه‌السلام واى محل للرأى هنا انا اذا قلنا حدثنا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن جبرائيل عن الله الى غير ذلك من الاخبار المتواترة معنى الدالة على كون الشريعة توقيفية لا مدخل للعقل فى استنباط شىء من احكامها بوجه انتهى والبحث بالنسبة الى ما لا يتوقف على التوقيف يأتى عن قريب قوله قدس‌سره إلّا انه صرح بحجية العقل الفطرى الخ اقول ان ـ

٩٦

ـ المراد من العقل الفطرى هو اول البديهيات وأبدهها بحيث يكون مركوزا فى النفوس والجبلة الانسانية فلا يخلو عاقل عنه بالنظر الى فطرته وقد عرفت فيما سبق ان حجية مطلق البديهى ليس محلا للانكار فضلا عن الفطرى الخالى عن شوائب الاوهام بل المستفاد من كلامه المحكى فى الكتاب صريحا هو حجية مطلق البديهى عند عدم التعارض ويقابل العقل الفطرى العقلى بقول مطلق. ولا يخفى ان الآيات والاخبار فى حد الاستفاضة بالاعتماد على مقتضى العقول وبان العقل حجة من حجج الرحمن قال سبحانه فى غير موضع من كتابه ان فى ذلك لآيات لقوم يعقلون اى يعملون بمقتضى عقولهم وقال ايضا لآيات لقوم يتفكرون وفى آية اخرى انما يتذكر أولو الالباب وذم قوما لم يعملوا بمقتضى عقولهم فقال عزّ ذكره أفلا يعقلون وقال ولكن اكثرهم لا يعقلون الى غير ذلك من الآيات الأخر وفى الحديث عن الكاظم عليه‌السلام يا هشام ان لله على الناس حجتين حجة ظاهرة وحجة باطنة فاما الظاهرة فالانبياء والرسل والائمة واما الباطنة فالعقول الى غير ذلك من الاخبار المستفيضة فى هذا المعنى ولاجل هذه الآيات والاخبار المتكاثرة قد التجأ المحدث البحرانى الى تسليم حجية العقل الفطرى كما نقله المصنف قدس‌سره عنه ثم قال المحدث البحرانى لا مدخل للعقل اى العقل الفطرى فى شىء من الاحكام الفقهية من عبادات وغيرها ولا سبيل اليها الا السماع عن المعصوم عليه‌السلام لقصور العقل المذكور عن الاطلاع عليها فلا يتوهم ان المراد من العقل فى قوله لا مدخل للعقل فى شىء الخ هو العقلى بقول مطلق فتامل جيدا قوله نعم يبقى الكلام بالنسبة إلى ما لا يتوقف على التوقيف الخ ان المراد مما لا يتوقف علي التوقيف هو الامور الاعتقادية الغير المتوقفة على التوقيف من الشارع سواء كانت من الاصول الاعتقادية او الاخلاق او غيرهما وحاصل ما فى المقام اى فيما لا يتوقف على التوقيف انه ان كان الدليل العقلى القطعي المتعلق بذلك اى بما لا يتوقف على التوقيف بديهيا ظاهر البداهة مثل الواحد نصف الاثنين فلا ريب فى صحة العمل به وإلّا اى وان لم يكن بديهيا ظاهر البداهة فان لم يعارضه دليل عقلى ولا نقلى فكذلك اى فلا ريب فى صحة العمل به ايضا وان عارضه دليل عقلى آخر ـ

٩٧

ـ ففى هذا الفرض فان تأيد احدهما بنقلى كان الترجيح للمتأيد بالدليل النقلى وإلّا اى وان لم يؤيد احدهما بالدليل النقلي ففى تقديم احدهما من الآخر اشكال بل يحكم بتساقطهما وعدم الحجية فيهما وان عارض الدليل العقلى دليل نقلى فان تأيد ذلك الدليل العقلى بدليل نقلى كان الترجيح للعقلي إلّا ان هذا الفرض فى الحقيقة يرجع الى التعارض فى النقليات وان لم يؤيد الدليل العقلى بدليل نقلى كان الترجيح للنقلى كما عليه السيد المحدث الجزائرى بخلاف الاكثر ولا يخفى ان هذا الذى ذكر بالنسبة الى العقلي بقول مطلق اى العقلى النظرى اما لو اريد به المعنى الاخص وهو الفطرى الخالى عن شوائب الاوهام الذى كان حجة من حجج الملك العلام وان شذ وجوده فى الانام ففى ترجيح النقلي عليه لا يخلو عن اشكال انتهى كلام المحدث البحرانى.

٩٨

(م) ولا ادرى كيف جعل الدليل النقلى فى الاحكام النظرية مقدما علي ما هو فى البداهة من قبيل الواحد نصف الاثنين مع ان ضروريات الدين والمذهب لم تزد فى البداهة على ذلك والعجب مما ذكره فى الترجيح عند تعارض العقل والنقل كيف يتصور الترجيح فى القطعي واى دليل على الترجيح المذكور واعجب من ذلك الاستشكال فى تعارض العقليين من دون ترجيح مع انه لا اشكال فى تساقطهما وفى تقديم النقلي على العقلى الفطرى الخالى عن شوائب الاوهام مع ان العلم بوجود الصانع جل ذكره اما ان يحصل من هذا العقل الفطرى او مما دونه من العقليات البديهية بل النظريات المنتهية الى البداهة والذى يقتضيه النظر وفاقا لاكثر اهل النظر انه كلما حصل القطع من دليل ـ

(ش) قوله والعجب مما ذكره فى الترجيح عند تعارض العقل والنقل ووجهه ان تعارض القطعيين غير معقول لعدم امكان اجتماع القطعيين فى محل واحد على طرفى النقيض وعلى فرض امكان التعارض بيتهما لا يمكن الترجيح بين القطعين لعدم الدليل على الترجيح المذكور لان بنائهم فى باب التعارض الترجيح بما ورد به دليل من الشرع واى دليل فيه على الترجيح المذكور فاذا لم يكن هناك دليل عليه كما هو واضح فلا معنى للترجيح قوله واعجب من ذلك الاستشكال فى تعارض العقليين من دون ترجيح الخ ووجه الأعجبية بعد اشتراكه مع الفرض السابق الذى هو تعارض العقل والنقل فى استحالة تعارض القطعيين انه فى الفرض السابق كان لترجيح النقلى على العقلي شبهة ترجيح وان لم يكن وجيها بخلاف العقليين فان هنا ليس لترجيح احدهما وجه اصلا فلا اشكال فى تساقطهما اذا تبين ما فيما اختاره المحدث البحرانى من الاشكال والاشتباه فنقول ان الذى يقتضيه النظر وفاقا لاكثر اهل النظر انه كلما حصل القطع من دليل عقلى فلا يجوزان يعارضه دليل نقلى لما ذكر من ان تعارض القطعيين غير معقول ولا يخفى ان المراد من عدم الجواز عدم الامكان كما ان المراد من الظهور فى قوله ما ظاهره المعارضة الظهور النوعى بحسب اقتضاء وضع اللفظ مع قطع النظر عن ملاحظة الدليل العقلى القطعى الموجود فى المسألة على خلافه ضرورة انه لا يبقى ظهور مع قيام القرينة القطعية على ـ

٩٩

ـ عقلى فلا يجوز ان يعارضه دليل نقلى وان وجد ما ظاهره المعارضة فلا بد من تأويله ان لم يمكن طرحه وكلما حصل القطع من دليل نقلي مثل القطع الحاصل من اجماع جميع الشرائع على حدوث العالم زمانا فلا يجوز ان يحصل القطع على خلافة من دليل عقلى مثل استحالة تخلف الاثر عن المؤثر ولو حصل منه صورة برهان كانت شبهة فى مقابلة البديهة لكن هذا لا يتاتى فى العقل البديهى ولا فى العقل الفطرى الخالي عن شوائب الاوهام فلا بد فى مواردهما من التزام عدم حصول النقل على خلافه لان الادلة القطعية النظرية فى النقليات مضبوطة محصورة ليس فيها شىء يصادم العقل البديهى او الفطرى.

ـ خلاف اصالة الحقيقة ولو نوعا وان وجد ما ظاهره المعارضة فلا بد من تأويله ان لم يمكن طرحه كما فى القطعى الصدور مثلا اذا اقتضى البرهان العقلى القطعي عصمة الانبياء والاولياء والملائكة عليهم‌السلام فحينئذ يعلم ان المراد من قوله تعالي (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ) وغيره مما يقتضى من الآيات بحسب وضعه عدم العصمة خلاف ظاهره وان لم يتعين فى حكم العقل معنى مخصوص وكذا اذا اقتضى مثلا تنزيه الله جل جلاله عن الجسمية فلا محالة يعلم ان المراد من قوله تعالى (اللهُ نُورُ السَّماواتِ) وقوله تعالى (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) خلاف ظاهرهما وكذا الكلام فيما ورد فى شأن سيدنا ومولانا امير المؤمنين عليه‌السلام من كونه عين الله وقدرة الله ويد الله وهكذا ساير الآيات والاخبار الواردة فى المطالب التى يستشكل العقل فى الحكم بخلافها.

١٠٠