درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٠٨

(م) ان الامر فى المقام دائر بين وجوب تحصيل مطلق الاعتقاد بالاحكام الشرعية المعلومة اجمالا وبين وجوب تحصيل خصوص الاعتقاد القطعى فيرجع الى الشك فى المكلف به وتردده بين التخيير والتعيين فيحكم بتعيين تحصيل خصوص الاعتقاد القطعى تحصيلا لليقين بالبراءة خلافا لمن لم يوجب ذلك فى مثل المقام وفيه اولا ان وجوب تحصيل الاعتقاد بالاحكام مقدمة عقلية للعمل بها وامتثالها فالحاكم بوجوبه هو العقل ولا معني لتردد العقل فى موضوع حكمه وان الذى حكم هو بوجوبه تحصيل مطلق الاعتقاد او خصوص العلم بل اما ان يستقل بوجوب تحصيل خصوص الاعتقاد القطعى على ما هو التحقيق واما ان يحكم بكفاية مطلق الاعتقاد ولا يتصور الاجمال فى موضوع الحكم العقلي لان التردد فى الموضوع يستلزم التردد فى الحكم وهو لا يتصور من نفس الحاكم وسيجىء الاشارة الى هذا فى رد من زعم ان نتيجة دليل الانسداد مهملة مجملة مع عده دليل الانسداد دليلا عقليا وحكما يستقل به العقل.

(ش) حاصله ان الامر دائر بين وجوب تحصيل مطلق الاعتقاد بالاحكام الشرعية المعلومة اجمالا وبين وجوب تحصيل خصوص الاعتقاد القطعى فتكون المسألة من صغريات مسئلة التعيين والتخيير والاصل فيها هو التعيين تحصيلا لليقين بالبراءة خلافا لمن لم يوجب ذلك فى المقام واجاب عنه الشيخ قدس‌سره اولا بان تحصيل الاعتقاد بالاحكام انما هو مقدمة عقلية للعمل بها وحيث ان الحاكم بوجوبه هو العقل فلا يعقل ترديده فى حكمه الفعلى بل العقل اما مستقل بوجوب تحصيل خصوص الاعتقاد القطعي على ما هو الاظهر واما ان يحكم بكفاية مطلق الاعتقاد فتصور الاجمال فى موضوع الحكم العقلى بديهى الفساد لان لازم التردد فى الموضوع التردد فى الحكم وهو لا يتصور من نفس الحاكم وسيجىء الاشارة الى عدم تصور الترديد فى موضوع الحكم العقلي فى رد من زعم ان نتيجة دليل الانسداد مهملة مجملة مع عده دليل الانسداد دليلا عقليا وحكما يستقل به العقل ولازم ذلك ان لا يزعم كون نتيجة دليل الانسداد مهملة مجملة لما ذكر.

٢٦١

(م) واما ثانيا فلان العمل بالظن فى مورد مخالفته للاصول والقواعد الذى هو محل الكلام مخالفة قطعية لحكم الشارع بوجوب الاخذ بتلك الاصول حتى يعلم خلافها فلا حاجة فى رده الى مخالفته لقاعدة الاشتغال الراجعة الى قدح المخالفة الاحتمالية للتكليف المتيقن مثلا اذا فرضنا ان الاستصحاب يقتضى الوجوب والظن حاصل بالحرمة فحينئذ يكون العمل بالظن مخالفة قطعية لحكم الشارع بعدم نقض اليقين بغير اليقين فلا يحتاج الى تكلف ان التكليف بالواجبات والمحرمات يقيني ولا نعلم كفاية تحصيل مطلق الاعتقاد الراجح فيها او وجوب تحصيل الاعتقاد القطعي وان فى تحصيل الاعتقاد الراجح مخالفة احتمالية للتكليف المتقين فلا يجوز فهذا اشبه شيء بالاكل عن القفاء فقد تبين مما ذكرنا ان ما ذكرنا فى بيان الاصل هو الذى ينبغى ان يعتمد عليه.

(ش) حاصله ان الشيخ قدس‌سره قد اجاب عن دوران الامر بين وجوب تحصيل مطلق الاعتقاد بالاحكام الشرعية المعلومة اجمالا او تحصيل خصوص الاعتقاد القطعى بانه تكفى ادلة الاصول المخالفة له لاثبات تحريمه بلحاظ ان العمل بالظن فى مورد مخالفته للاصول الموجودة فى المسألة مخالفة قطعية عملية لحكم الشارع بوجوب الاخذ بتلك الاصول والعمل بها حتى يعلم خلافها هذا مثلا اذا فرض ان الاستصحاب يقتضى الوجوب والظن حاصل بالحرمة ففى الفرض يكون العمل بالظن مخالفة قطعية لحكم الشارع بعدم نقض اليقين بغير اليقين فالتمسك فى اثبات حرمة العمل بالظن المخالف للاصل بقاعدة الاشتغال المبنية علي حرمة المخالفة الاحتمالية للتكليف الثابت يقينا وترك التمسك بكون العمل بالظن مخالة قطعية للاصل الجارى فى مورده اشبه شيء بالاكل من القفاء. فتبين ان الاصل الجارى فى حرمة العمل بالظن الذى ينبغي ان يعتمد عليه هو ما ذكره الشيخ قدس‌سره حيث قال فى اول المبحث : ان التعبد بالظن الذى لم يدل على التعبد به دليل ، محرم بالادلة الاربعة هذا. وقد اورد على الشيخ (ره) بان انحصار المبحث فيما اذا كان العمل بالظن على خلاف الاصول محل تأمل لان ذلك لم يؤخذ فى عنوان المسألة ولا فى دليله بل ملاحظة كلام ـ

٢٦٢

ـ القوم وكلام المصنف سابقا ولا حقا يوجب القطع بان النزاع هو اعم انتهى ويمكن الدفع بان مقصود المصنف انه قد يكون فى العمل بالظن طرح اصل وقاعدة ففيه مخالفة قطعية فى الفرض المزبور فيكون ما ذكر من قبيل الاكل من القفاء وهذا المقدار يكفى فى رد هذا القائل. وقد اورد المحقق الخراسانى على جعل دوران الامر بين تحصيل مطلق الاعتقاد او خصوص الاعتقاد القطعي من صغريات مسئلة التعيين والتخيير بان تلك المسألة انما هى فى صورة تعلق الشك باحد الامرين فى مقام اثبات التكليف لا فى مرحلة اسقاط التكليف الثابت بمقتضى العلم الاجمالى وما نحن فيه من قبيل الثانى لان الترديد انما هو فى كيفية الفراغ عن الاحكام المعلومة بالاجمال وفى مثله لم يتوهم احد جريان البراءة عن التعيين فلا يصح جعل المقام من مسئلة التعيين والتخيير الذى هو معركة الآراء بين الاعلام. ولكن نقول ان ما افيد من الاشكال انما يتم اذا كان العلم الواجب تحصيله تعيينا او تخييرا معينا للتكليف المعلوم بالاجمال واما اذا لم يكن متكفلا لتعيينه بل كان مثبتا للتكليف فى بعض الاطراف بنحو يحتمل انطباق المعلوم بالاجمال عليه على وجه يوجب انحلاله حكما فلا يكون المقام من موارد الشك فى الاسقاط بل هو راجع الى الشك فى الاثبات وانحلال العلم الاجمالى بخصوص العلم او مطلق الاعتقاد هذا

٢٦٣

(م) وحاصله ان التعبد بالظن مع الشك فى رضا الشارع بالعمل به فى الشريعة تعبد بالشك وهو باطل عقلا ونقلا واما مجرد العمل على طبقه فهو محرم اذا خالف اصلا من الاصول اللفظية او العملية الدالة على وجوب الاخذ بمضمونها حتى يعلم الرافع فالعمل بالظن قد يجتمع فيه جهتان للحرمة كما اذا عمل به ملتزما بانه حكم الله وكان العمل به مخالفا لمقتضى الاصول وقد لا يكون فيه عقاب ايضا كما لم يلتزم بكونه حكم الله ولم يخالف اصلا وح قد يستحق عليه الثواب كما اذا عمل به على وجه الاحتياط هذا ولكن حقيقة العمل بالظن هو الاستناد اليه فى العمل والالتزام بكون مؤداه حكم الله فى حقه فالعمل على ما يطابقه بلا استناد اليه ليس عملا به فصح ان يقال ان العمل بالظن والتعبد به حرام مطلقا وافق الاصول او خالفها غاية الامر انه اذا خالف الاصول يستحق العقاب من جهتين من جهة الالتزام والتشريع ومن جهة طرح الاصل المأمور بالعمل به حتى يعلم بخلافه.

(ش) حاصل ما ذكر ان التعبد بالظن مع الشك فى رضا الشارع بالعمل به تعبد بالشك وهو باطل عقلا ونقلا واما تطبيق العمل بمقتضاه فهو محرم فى صورة المخالفة للاصول اللفظية كاصالة الاطلاق واصالة العموم او العملية الدالة على وجوب الاخذ بمضمونها حتى يعلم الرافع. فالعمل بالظن قد يجتمع فيه جهتان للحرمة كما اذا عمل به ملتزما بانه حكم الله وكان العمل به مخالفا لمقتضى الاصول بل قد يجتمع فيه جهات ثلاث كما اذا كان العمل بالظن فى الفرض المذكور موجبا لتفويت الواقع ايضا بل اذا كان التجرى موجبا للعقاب بناء على جريانه فى المقام يجتمع فيه اربع جهات فى الفرض المذكور وقد لا يكون فى التعبد بالظن عقاب اصلا كما لم يلتزم بكونه حكم الله ولم يخالف الاصول وفى هذا الفرض قد يستحق عليه الثواب كما اذا عمل به بعنوان الاحتياط ولكن حقيقة التعبد بالظن والعمل عليه هو الاستناد اليه فى العمل والالتزام بكون مؤداه حكم الله تعالى فى حقه فعلى هذا ان العمل بالظن والتعبد به حرام مطلقا وافق الاصول او خالفها منتهى الامر انه اذا خالف الاصول يستحق العقاب من جهتين : من جهة الالتزام والتشريع ومن جهة طرح الاصل المأمور بالعمل به حتى يعلم خلافه.

٢٦٤

(م) وقد اشير فى الكتاب والسنة الى الجهتين فمما اشير فيه الى الاولى قوله تعالى (قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) بالتقريب المتقدم وقوله عليه‌السلام رجل قضى بالحق وهو لا يعلم ومما اشير الى الثانية قوله تعالى (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) وقوله عليه‌السلام من افتى الناس بغير علم كان ما يفسده اكثر مما يصلحه ونفس ادلة الاصول ثم ان ما ذكرنا من الحرمة من جهتين مبنى على ما هو التحقيق من ان اعتبار الاصول لفظية كانت او عملية غير مقيد بصورة عدم الظن على خلافها واما اذا قلنا باشتراط عدم كون الظن علي خلافها فلقائل ان يمنع اصالة حرمة العمل بالظن مطلقا لا على وجه الالتزام ولا علي غيره اما مع ـ

(ش) اقول انه قد عرفت ان التعبد بالظن والعمل به حرام مطلقا وافق الاصول او خالفها نعم فى صورة كونه مخالفا للاصول يستحق العقاب من جهتين : من جهة التشريع ومن جهة طرح الاصل وقد اشير فى الكتاب والسنة الى حرمة كلتا الجهتين فمما اشير فى الكتاب الى الاولى اى حرمة الالتزام والتشريع قوله تعالى (قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) بالتقريب المتقدم وهو انه تدل الآية الشريفة على ان كل ما لم يؤذن فيه فهو افتراء والمراد منه نسبة حكم الى الله تعالى من دون اذن فعلى منه تعالى وقوله عليه‌السلام رجل قضى بالحق وهو لا يعلم بالتقريب المتقدم ايضا وهو ان يكون التوبيخ فى قوله عليه‌السلام لاجل القضاء بما لا يعلم لا لاجل التصدى للقضاء مع عدم كونه اهلاله. ومما اشير الى الثانية قوله تعالي (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) وقوله عليه‌السلام من افتى الناس بغير علم كان ما يفسده اكثر مما يصلحه وجه الاشارة فى الآية الشريفة ان الحق اعم من الواقعى والظاهرى وهو مقتضى الاصول والقواعد فالآية تدل على ان جهة حرمة العمل بالظن هى ان فيه طرحا للواقع الاولى او الثانوى فى غالب الموارد ووجه الاشارة فى قوله عليه‌السلام هو كون العمل بالظن غالبا موجبا لتفويت الواقع الاولى او الثانوى وفلما يتفق كونه موافقا للواقع والاصول ولذا حكم عليه‌السلام بان ما يفسده اكثر مما يصلحه قوله ونفس ادلة الاصول مثل قوله عليه‌السلام كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام فان فيه دلالة على ثبوت الحلية الظاهرية الى حين العلم بالحرمة ففى صورة عدم ـ

٢٦٥

ـ عدم تيسر العلم فى المسألة فلدوران الامر فيها بين العمل بالظن وبين الرجوع الى الاصل الموجود فى تلك المسألة علي خلاف الظن وكما لا دليل على التعبد بالظن كذلك لا دليل على التعبد بذلك الاصل لانه المفروض فغاية الامر التخيير بينهما او تقديم الظن لكونه اقرب إلى الواقع فيتعين بحكم العقل واما مع التمكن من العلم فى المسألة فلان عدم جواز الاكتفاء فيها بتحصيل الظن ووجوب تحصيل اليقين مبني على القول بوجوب تحصيل الواقع علما اما اذا ادعى ان العقل لا يحكم بازيد من وجوب تحصيل الظن وان الضرر الموهوم لا يجب دفعه فلا دليل على لزوم تحصيل العلم مع التمكن. ـ العلم يحكم بالحلية مطلقا حصل الظن او الشك او الوهم وكذلك غيره من اخبار اصل البراءة مثل قوله عليه‌السلام : الناس فى سعة ما لم يعلموا وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله رفع عن امتى ما لا يعلمون وغير ذلك وكذلك ما ورد فى باب الاستصحاب حيث قال عليه‌السلام لا تنقض اليقين بالشك بل تنقضه بيقين آخر وقد ذكر المصنف قدس‌سره شواهد على ذلك فى باب الاستصحاب.

ثم ان ما ذكر من الحرمة من جهتين مبنى على ان اعتبار الاصول اللفظية او العملية غير مقيد بصورة عدم الظن على خلافها لانه يتصور فى اعتبار الاصول وجوه احدها اعتبارها من باب التعبدية المحضة ثانيها انها معتبرة من باب السببية المقيدة يعني انها حجة ما لم يحصل الظن على خلافها ثالثها من باب الظن النوعى رابعها من باب الوصفية الخاصة يعنى انها حجة اذا افادت الظن واما اذا اشترطنا عدم كون الظن على خلافها فلقائل ان يمنع اصالة حرمة العمل بالظن مطلقا لا على وجه الالتزام ولا على غيره اما مع عدم التمكن من العلم فى المسألة فلدوران الامر فيها بين العمل بالظن وبين الرجوع الى الاصل الموجود فى تلك المسألة علي خلاف الظن وكما لا دليل على التعبد بالظن كك لا دليل على التعبد بذلك الاصل لانه المفروض واما مع التمكن من العلم فى المسألة فلان عدم جواز الاكتفاء فيها بتحصيل الظن ووجوب تحصيل اليقين مبنى على القول بوجوب تحصيل الواقع علما اما اذا ادعي ان العقل لا يحكم بازيد من وجوب تحصيل الظن وان الضرر الموهوم لا يجب دفعه فلا دليل على لزوم تحصيل العلم مع التمكن قوله فغاية الامر التخيير بينهما او تقديم الظن لكونه اقرب الى الواقع الخ بيان ذلك على ما

٢٦٦

ـ افاده البعض هو ان مراد المصنف بالتخيير هو التخيير فى المسألة الاصولية بمعنى ان التخيير بين العمل بالاصل والاستناد اليه وجعل مدلوله حكم الله وبين العمل بالظن كذلك وتكون كلمة او حينئذ للترديد ويرد عليه بانه لا معنى للتخيير المذكور لان التخيير اما عقلي كالتخيير بين الخبرين المتعارضين على تقدير كونهما حجتين من باب السببية او شرعى ولا مساغ للاول لفرض عدم الدليل على حجية الاصل والظن المذكورين فضلا عن كونهما حجتين كذلك وكذلك لا مساغ للثاني لعدم الدليل عليه كذلك وكذلك لا معنى لتقديم الظن لكونه اقرب إلى الواقع لانه انما يتأتى على تقدير تمامية دليل الانسداد وهو غير مسلمة عند المصنف كما سيأتى القول فيه فى بابه إلّا ان يحمل على مذهب غيره ويحتمل بعيدا ان يكون مراده من التخيير التخيير الذى يحكم به العقل فى المسألة الفرعية مع فرض الكلام فى صورة دوران الامر بين المحذورين فقط وتكون كلمة او للتقسيم حينئذ وهذا المعني وان كان يؤيده ملاحظة مجموع ما ذكره سابقا من مثال كون الظن بالوجوب على خلاف الاستصحاب الذى يقتضى التحريم وكذلك قوله سابقا ان العمل بالظن فى مورد مخالفته للاصول والقواعد الذى هو محل الكلام مخالفة قطعية لحكم الشارع الخ بعد حمل الاصول على الاصول المثبتة للتكليف الالزامى وبعد ملاحظة المثال الذى ذكره هناك بقوله مثلا اذا فرضنا ان الاستصحاب يقتضى الوجوب والظن حاصل بالحرمة وما سيذكره (قده) فى باب دليل الانسداد من انه على تقدير الحكومة يحكم فى كل واقعة لا يمكن فيها الاحتياط بالتخيير مع الشك وبالظن فى المظنونات وان كان فى غاية الضعف لان الموافقة الظنية اولى من غيرها إلّا انه خلاف ظاهر كلامه هنا بل كاد ان يكون خلاف صريحه من جهة ان مرجع الضمير فى قوله بينهما هو التعبد بالظن والتعبد بالاصل الموجود على خلافه وهو لا يجتمع مع الاحتمال الثانى وكذلك من جهة اخرى واضحة فلا بد من تنزيل العبارة على الاحتمال الاول الذى قد ذكر ما فيه فتامل.

٢٦٧

(م) ثم انه ربما يستدل على اصالة حرمة العمل بالظن بالآيات الناهية عن العمل بالظن وقد اطالوا الكلام فى النقض والابرام فى هذا المقام بما لا ثمرة مهمة فى ذكره بعد ما عرفت لانه ان اريد الاستدلال بها على حرمة التعبد والالتزام والتدين بمؤدى الظن فقد عرفت انه من ضروريات العقل فضلا عن تطابق الادلة الثلاثة النقلية عليه وان اريد دلالتها علي حرمة العمل المطابق للظن وان لم يكن عن استناد اليه فان اريد حرمته اذا خالف الواقع مع التمكن من العلم به فيكفى فى ذلك الادلة الواقعية وان اريد حرمته اذا خالف الاصول مع عدم التمكن من العلم فيكفى فيه ايضا ادلة الاصول بناء على ما هو التحقيق من ان مجاريها صور عدم العلم الشامل للظن وان اريد حرمة العمل المطابق ـ

(ش) اقول ربما استدل بعض على اصالة حرمة العمل بالظن بالآيات الناهية عن العمل بالظن نحو قوله تعالى (قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) وقوله تعالى (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) وقوله تعالى (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) وقوله تعالى (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) وايضا (وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ) وايضا (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ) الى غير ذلك من الآيات. وقد اطالوا الكلام فى النقض والابرام فى هذا المبحث بما لا فائدة مهمة فى ذكره واكثرهم اطالة للكلام هو المحقق القمى (ره) فى قوانينه وفى سائر مصنفاته الاصولية والايرادات التى اوردوها على الاستدلال بتلك الآيات بعضها مشترك الورود وبعضها مختص ببعض دون بعض ونحن نتعرض لنبذة من الاشكال المشترك الورود فمنها ان تلك الآيات معظمها واردة فى اصول الدين وحرمة العمل بالظن فيها مما لا يشوبه شك ولا يعتريه ريب ومنها ان مفاد الآيات عدم حجية الظن من حيث هو واما اذا قام الدليل القاطع على حجيته فلا اشكال فى العمل بالظن. وبالجملة اطالة الكلام فى هذا المقام بالنقض والابرام لا ثمرة مهمة فيها لانه ان اريد الاستدلال بالآيات الناهية على حرمة التعبد والالتزام والتدين بمؤدى الظن فقد عرفت انه من ضروريات العقل فضلا عن تطابق الادلة الثلاثة النقلية عليه وان اريد دلالة الآيات على حرمة العمل المطابق للظن وان لم يكن عن استناد اليه ففى هذا الفرض ان ـ

٢٦٨

ـ للظن من دون استناد وتدين به وعدم مخالفة العمل للواقع مع التمكن منه ولا لمقتضى الاصول مع العجز عن الواقع فلا دلالة فيها ولا فى غيرها على حرمة ذلك ولا وجه لحرمته ايضا والظاهر ان مضمون الآيات هو التعبد بالظن والتدين به وقد عرفت انه ضرورى التحريم فلا مهم فى اطالة الكلام فى دلالة الآيات وعدمها انما المهم الموضوع له هذه الرسالة بيان ما خرج او قيل بخروجه من هذا الاصل من الامور الغير العلمية التى اقيم الدليل على اعتبارها مع قطع النظر عن انسداد باب العلم الذى جعلوه موجبا للرجوع إلى الظن مطلقا او فى الجملة وهى امور :

ـ اريد حرمته اذا خالف الواقع مع التمكن من العلم به فيكفى فى ذلك الادلة الواقعية. ولا يخفى ان الادلة الواقعية لا نظر لها الى جواز العمل بالظن وعدمه ولعله يمكن الدفع بان المقصود دلالة الادلة الواقعية على ذلك بضميمة الادلة العقلية والنقلية الدالة على لزوم تحصيل العلم بالواقع وقد ذكر نظير هذا المطلب فيما سبق وان اريد حرمة العمل بالظن اذا خالف الاصول مع عدم التمكن من العلم فيكفى فى الحرمة ايضا ادلة الاصول بناء علي ما هو التحقيق من ان مجارى الاصول صور عدم العلم الشامل للظن وان اريد حرمة العمل المطابق للظن من دون استناد وتدين به وعدم مخالفة العمل للواقع مع التمكن منه ولا لمقتضى الاصول مع العجز عن الواقع فلا دلالة فيها ولا فى غيرها على حرمة ذلك ولا وجه لحرمته ايضا قوله والظاهر ان مضمون الآيات الخ لعل فى ذكر الآيات على صيغة الجمع المحلى مسامحة لان مضمون بعض الآيات كما اعترف به قدس‌سره سابقا حيث قال وقد اشير فى الكتاب والسنة إلى الجهتين هو حرمة العمل بالظن لاجل استلزامه فوت الواقع لا تعبدا ومن هذا ظهر عدم التهافت بين كلماته قدس‌سره فتامل فلامهم فى اطالة الكلام فى دلالة الآيات وعدمها وانما المهم الموضوع له هذه الرسالة بيان ما خرج مثل ما كان خروجه اجماعيا او كان خلافيا ولكن الحق عند المصنف حجيته وخروجه من الاصل او قيل بخروجه من الاصل مثل ما كان خلافيا وكأن الحق عند المصنف عدم حجيته.

٢٦٩

(م) منها الامارات المعمولة فى استنباط الاحكام الشرعية من الفاظ الكتاب والسنة وهى على قسمين القسم الاول ما يعمل لتشخيص مراد المتكلم عند احتمال ارادته خلاف ذلك كاصالة الحقيقة عند احتمال إرادة المجاز واصالة العموم والاطلاق ومرجع الكل الى اصالة عدم القرينة الصارفة عن المعنى الذى يقطع بارادة المتكلم الحكيم له لو حصل القطع بعدم القرينة وكغلبة استعمال المطلق فى الفرد الشائع بناء على عدم وصوله الى حد الوضع وكالقرائن المقامية التى يعتمدها اهل اللسان فى محاوراتهم كوقوع الامر عقيب توهم الحظر ونحو ذلك وبالجملة الامور المعتبرة عند اهل اللسان فى محاوراتهم بحيث لو اراد المتكلم القاصد للتفهيم خلاف مقتضاها من دون نصب قرينة معتبرة عد ذلك منه قبيحا.

(ش) اقول بعد ما عرفت فى اول هذا المبحث ان الاصل عند الشك فى حجية الامارات الغير العلمية يقتضى حرمة التعبد بها والالتزام بمؤداها بمقتضى الادلة الاربعة فلامهم فى البحث عن هذه الجهة انما المهم فى البحث عن بيان ما خرج او قيل بخروجه من هذا الاصل من الامور الغير العلمية التي اقيم الدليل على اعتبارها مع قطع النظر عن انسداد باب العلم.

منها الاصول المعمولة فى استنباط الاحكام الشرعية من الالفاظ الواردة فى الكتاب والسنة والكلام فيها يقع فى مقامين :

الاول فيما يعمل فى تشخيص مراد المتكلم من الفاظه عند احتمال خلاف الظاهر بعد الفراغ عن المدلول العرفى للفظ وهى الاصول اللفظية المعروفة كاصالة الحقيقة والعموم والاطلاق ومرجع هذه الاصول المذكورة الى اصالة عدم القرينة الصارفة عن المعنى الذى يقطع بارادة المتكلم الحكيم له لو حصل القطع بعدم القرينة والسر فى جعل مرجع هذه الاصول اى اصالة الحقيقة والعموم والاطلاق الى اصالة عدم القرينة هو ان وضع الالفاظ انما هو لتدل علي المعانى بانفسها ولكن الواضع رخص فى نصب القرينة مع ارادة خلاف الظاهر فالوضع بنفسه مقتض للظهور والقرينة مانعة منه ومن المعلوم انه ما لم يحرز عدم المانع ولو بالاصل لا يمكن الحكم بالظهور الفعلي فيكون ظهور اللفظ فعلا فى ـ

٢٧٠

ـ المعنى الحقيقى بعد احراز المقتضى ووجوده مسببا عن ظهور عدم القرينة ومن المعلوم ان الشك اذا كان سببيا ومسببيا يجرى الاصل فى السبب دون المسبب سواء فى ذلك الاصل اللفظى والاصل العملي ويأتى تحقيق ذلك فى باب الاستصحاب مفصلا إن شاء الله تعالى قوله واصالة العموم والاطلاق انما افردهما عما قبله مع انهما من قبيله لرجوعهما الى اصالة الحقيقة اما لاختصاصهما بمزيد ابحاث لا تجرى فى مطلق الحقيقة والمجاز واما لعدم القطع بكونهما داخلين فى السابق اذ مذهب جمع من المحققين ومنهم المصنف على ما حكى عنه عدم كون التقييد مجازا او مذهب كثير منهم فى العام المخصص بكلمة الاستثناء وغيره عدم كونه مجازا وكونه داخلا فى الحقيقة على ما فصل الكلام فيه فى محله قوله كوقوع الامر عقيب توهم الحظر لا يخفى ان الامر الواقع عقيب توهم الحظر يبحث عنه من جهتين لان البحث يقع تارة فى ان وقوع الامر عقيب توهم الحظر هل يوجب ظهوره فى الاباحة المطلقة ام لا ومن هذه الجهة مثال للقسم الثانى الذى يأتى عن قريب واخرى بعد ثبوت ظهوره فى الاباحة المطلقة يقع الكلام فى ان المتكلم هل اراد هذا الظهور ام غيره ومن هذه الجهة مثال للقسم الاول اذا عرفت هذا فنقول اذا علمنا بان المتكلم كان فى مقام تفهيم المراد ونعلم انه لم ينصب قرينة تصرف اللفظ عن ظاهره نقطع بان مراده هو ما يستفاد من ظاهر اللفظ اذ لو لا ذلك لزم الالتزام بانه تصدى لنقض غرضه عمدا وهذا مستحيل ولا يختص ذلك بمورد يكون المتكلم حكيما بل العاقل لا يعمل عملا يكون فيه نقض غرضه سواء كان حكيما ام لا وهذا واضح.

٢٧١

(م) والقسم الثانى ما يعمل لتشخيص اوضاع الالفاظ وتشخيص مجازاتها من حقائقها وظواهرها عن خلافها كتشخيص ان لفظ الصعيد موضوع لمطلق وجه الارض او التراب الخالص وتعيين ان وقوع الامر عقيب توهم الحظر هل يوجب ظهوره فى الاباحة المطلقة وان الشهرة فى المجاز المشهور هل يوجب احتياج الحقيقة الى القرينة الصارفة من الظهور العرضى المسبب من الشهرة نظير احتياج المطلق المنصرف إلى بعض افراده وبالجملة فالمطلوب فى هذا القسم ان اللفظ ظاهر فى هذا المعنى او غير ظاهر وفى القسم الاول ان الظاهر المفروغ عن كونه ظاهرا مراد اولا والشك فى الاول مسبب عن الاوضاع اللغوية والعرفية وفى الثانى عن اعتماد المتكلم على القرينة وعدمه فالقسمان من قبيل الصغرى والكبرى لتشخيص المراد.

(ش) اقول قد تقدم ان البحث عن الاصول المعمولة فى استنباط الاحكام الشرعية من الالفاظ الواردة فى الكتاب والسنة من جهتين : الاولى فيما يعمل فى تشخيص مراد المتكلم من الفاظه وقد تقدم البحث عن هذه الجهة تفصيلا الثانية فيما يعمل فى تشخيص اصل ظهورها وقد اشار الشيخ (قده) إلى الجهة الثانية بقوله والقسم الثانى ما يعمل لتشخيص اوضاع الالفاظ الخ فنقول القسم الثانى هو ما يعمل فى تشخيص اوضاع الالفاظ وتشخيص ظاهرها عن غيره ككون لفظ الصعيد هل هو حقيقة فى مطلق وجه الارض او التراب الخالص وان صيغة الامر حقيقة فى الوجوب وان الجملة الشرطية ظاهرة فى كذا وتعيين ان وقوع الامر عقيب توهم الحظر هل يوجب ظهوره فى الاباحة المطلقة او لا؟ والمراد من الاباحة المطلقة هو عدم المنع ونحو ذلك والمتكفل لاثبات هذا المقام هى الاوضاع اللغوية فيما لم تكن المعانى من المرتكزات العرفية وإلّا فالعبرة به وان خالف الاوضاع اللغوية ثم ان استكشاف الاوضاع اللغوية ان كان بالعلم فلا اشكال وان كان بالظن ففى حجيته خلاف بين الاعلام والمشهور على ما حكى هو عدم الحجية وهو الاظهر لان المتيقن من السيرة انما هو حجية الظاهر بعد الفراغ عن ظهوره واما حجية الظن بان هذا ظاهر فى كذا وان ذاك حقيقة فى كذا فلا دليل عليها نعم نسب الى جماعة حجية قول اللغويين فى ـ

٢٧٢

ـ تعيين الاوضاع ويأتي البحث عنه إن شاء الله تعالى وبالجملة فالمطلوب في هذا القسم الثانى ان اللفظ ظاهر فى هذا المعنى او غير ظاهر وفى القسم الاول ان الظاهر المفروغ عن كونه ظاهرا مراد اولا؟ قوله والشك فى الاول ومراده من الاول هو القسم الثانى والتعبير عنه بالاول باعتبار ذكره اولا فى كلامه المتصل بهذا الكلام اعنى قوله وبالجملة فالمطلوب الى آخره والشك فى الاول مسبب عن الاوضاع اللغوية والعرفية وفى الثانى عن اعتماد المتكلم على القرينة وعدمه ولعله اراد الاعم من الوضع الحقيقى والوضع النوعى التأويلى الحاصل فى المجازات وإلّا فالشك فى ان وقوع الامر عقيب توهم الحظر هل يوجب ظهوره فى الاباحة المطلقة وغير ذلك من الامثلة التى ذكرها المصنف ليس مسببا عن احدهما كما لا يخفى.

واعلم ان البحث في باب الظهورات تارة يكون صغرويا كالبحث عن الاوضاع اللغوية والقرائن العامة من وقوع الامر عقيب الحظر والاستثناء عقيب الجمل المتعددة ونحو ذلك مما يوجب انعقاد الظهور لمفردات الكلام او للجملة التركيبية أي ما يوجب تعيين الظهور وتشخيصه فالبحث عن جميع ذلك يكون بحثا عن المبادى كالبحث عن الرواة وسلسلة السند واخرى يكون كبرويا كالبحث عن حجية الظهور بعد فرض انعقاده للكلام فان البحث عن حجية الظهور يكون من المباحث الاصولية لا من المبادى علي تأمل فيه.

٢٧٣

(م) اما القسم الاول فاعتباره فى الجملة لا اشكال فيه ولا خلاف لان المفروض كون تلك الامور معتبرة عند اهل اللسان فى محاوراتهم المقصود بها التفهيم ومن المعلوم بديهة ان طريق محاورات الشارع في تفهيم مقاصده للمخاطبين لم يكن طريقا مخترعا مغايرا لطريق محاورات اهل اللسان فى تفهيم مقاصدهم وانما الخلاف والاشكال وقع فى موضعين احدهما جواز العمل بظاهر الكتاب والثانى ان العمل بالظواهر مطلقا فى حق غير المخاطب بها قام الدليل عليه بالخصوص بحيث لا يحتاج الى اثبات انسداد باب العلم فى الاحكام الشرعية ام لا والخلاف الاول ناظر الى عدم كون المقصود بالخطاب استفادة المطلب منه مستقلا والخلاف الثانى ناظر الى منع كون المتعارف بين اهل اللسان اعتماد غير من قصد افهامه بالخطاب على ما يستفيده من الخطاب بواسطة اصالة عدم القرينة فمرجع كلا الخلافين الى منع الصغرى واما الكبرى اعنى كون الحكم عند الشارع فى استنباط مراداته من خطاباته المقصود بها التفهيم ما هو المتعارف عند اهل اللسان في الاستفادة فمما لا خلاف فيه ولا اشكال.

(ش) حاصل ما افاده بالنسبة الى القسم الاول وهو ما يعمل لتشخيص مراد المتكلم انه لا ريب فى جواز الاخذ بالظواهر لاستكشاف المراد عند الشك فيه لاستقرار السيرة القطعية من العقلاء علي اتباع الظواهر المتداولة بينهم فى مقام تفهيم مقاصدهم واستكشاف مراداتهم ومن الواضح انه لم يكن للشارع طريق خاص فى محاوراته بل كان يتكلم بلسان القوم ولم يردع عنها فهى ممضاة عنده ايضا وهذا واضح. ولذا لم يعثر على خلاف فيه وانما الخلاف والاشكال في موضعين احدهما حجية ظواهر الكتاب والثانى حجية مطلق الظواهر سواء كان ظاهر الكتاب ام غيره بالنسبة الى غير من قصد افهامه بالخطاب واما الموضع الاول وهو حجية ظواهر الكتاب فقد خالف فيه بعض الاخباريين واما الموضع الثانى فقد خالف فيه المحقق القمى (قده) حيث منع من حجية الظواهر بالنسبة الى غير من قصد افهامه بالخطاب وحاصل ما افاده فى وجه التفصيل بين المقصود بالخطاب وغيره هو ان اصالة الظهور واصالة عدم القرينة انما تكون حجة اذا ـ

٢٧٤

ـ كان المكلف ممن قصد افهامه بالخطاب والخلاف الاول ناظر الى انه ليس المقصود بالخطاب استفادة المطلب منه بعنوان الاستقلال بل بضميمة تفسير اهل الذكر وهم الائمة الطاهرون عليهم‌السلام والخلاف الثانى ناظر الى منع كون المتعارف بين اهل اللسان اعتماد غير من قصد افهامه بالخطاب على ما يستفيده من الخطاب بواسطة اصالة عدم القرينة فمرجع كلا الخلافين الى منع الصغرى وهو منع الظهور لا انه يسلم الظهور ثم يمنع اعتباره فالكبرى مما لا خلاف فيه ولا اشكال

٢٧٥

(م) اما الكلام فى الخلاف الاول فتفصيله انه ذهب جماعة من الاخباريين الى المنع عن العمل بظواهر الكتاب من دون ما يرد التفسير وكشف المراد عن الحجج المعصومين صلوات الله عليهم واقوى ما يتمسك لهم على ذلك وجهان احدهما الاخبار المتواترة المدعى ظهورها فى المنع عن ذلك مثل النبوى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار وفى رواية اخرى من قال فى القرآن بغير علم فليتبوأ وفى نبوى ثالث من فسر القرآن برأيه فقد افترى على الله الكذب وعن ابى عبد الله عليه‌السلام من فسر القرآن برأيه ان اصاب لم يؤجر وان اخطأ ابعد من السماء وفى النبوى العامى من فسر القرآن برأيه فاصاب فقد اخطأ وعن مولانا الرضاء عليه‌السلام عن آبائه عن امير المؤمنين عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان الله عزوجل قال في الحديث القدسي ما آمن بى من فسر كلامى برأيه وما عرفنى من شبهنى بخلقى وما على دينى من استعمل القياس فى دينى وعن تفسير العياشى عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال من حكم برأيه بين اثنين فقد كفر ومن فسر برأيه آية من كتاب الله فقد كفر وعن مجمع البيان انه قد صح عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله وعن الائمة عليهم‌السلام القائمين مقامه ان تفسير القرآن لا يجوز إلّا بالاثر الصحيح والنص الصريح وقوله ليس شيء ـ

(ش) محصل الكلام في الخلاف الاول اعني به عدم حجية ظواهر الكتاب انه قد ذهب اليه جماعة من الاخباريين من دون ما يرد التفسير وكشف المراد عن الحجج عليهم‌السلام واستدلوا على ذلك بوجوه :

الاول العلم الاجمالى بوجود تقييد وتخصيص من المطلقات والعمومات الكتابية فان العلم الاجمالى كما يمنع من جريان الاصول العملية يمنع من جريان الاصول اللفظية من اصالة العموم والاطلاق وعدم القرينة التى عليها مبنى الظهورات.

الثانى الاخبار الكثيرة المذكورة الدالة على عدم جواز الاخذ بظواهر الكتاب معللا فى بعضها بان الآية يكون اولها فى شيء وآخرها فى شيء وانه كلام متصل ينصرف الى وجوه وقد عدها فى الوسائل إلى مائتين وخمسين حديثا على ما حكى عنه.

الثالث دعوى العلم الاجمالى بوقوع التحريف فى القرآن الموجب لطرو ـ

٢٧٦

ـ ابعد من عقول الرجال من تفسير القرآن ان الآية تكون اولها فى شيء وآخرها فى شيء وهو كلام متصل ينصرف الى وجوه وفى مرسلة شعيب بن انس عن ابى عبد الله عليه‌السلام انه قال لابى حنيفة انت فقيه اهل العراق؟ قال نعم قال عليه‌السلام فبأي شىء تفتيهم قال بكتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال يا أبا حنيفة تعرف كتاب الله حق معرفته وتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال نعم قال عليه‌السلام يا أبا حنيفة لقد ادعيت علما ويلك ما جعل الله ذلك الا عند اهل الكتاب الذين انزل عليهم ويلك ما هو إلّا عند الخاص من ذرية نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله وما ورثك الله من كتابه حرفا وفى رواية زيد الشحام قال دخل قتادة على ابى جعفر عليه‌السلام فقال له انت فقيه اهل البصرة؟ فقال هكذا يزعمون فقال عليه‌السلام بلغنى انك تفسر القرآن قال نعم الى ان قال يا قتادة ان كنت قد فسرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت واهلكت وان كنت قد فسرت من الرجال فقد هلكت واهلكت يا قتادة ويحك انما يعرف القرآن من خوطب به الى غير ذلك مما ادعى في الوسائل فى كتاب القضاء تجاوزها عن حد التواتر وحاصل هذا الوجه يرجع الى ان منع الشارع عن ذلك يكشف عن ان مقصود المتكلم ليس تفهيم مطالبه بنفس هذا الكلام فليس من قبيل المحاورات العرفية.

ـ الاجمال على الظواهر.

الرابع ان الكتاب وارد فى مقام الاعجاز فلا تكون ظواهره كسائر الظواهر التى يعرف المراد منه كل احد بل يختص فهم المراد من ظواهر الكتاب بمن خوطب به وهو النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله والاوصياء فحينئذ لا يجوز الاخذ بشيء من ظواهره لاستفادة الاحكام الشرعية الا بمعونة ما ورد عن الائمة عليهم‌السلام من التفسير.

الخامس نهى الشارع عن اتباع المتشابهات بقوله تعالي (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ) الآية بتقريب ان المتشابه هو ما يحتمل فيه وجهان او وجوه يشبه بعضها بعضا فى احتمال ارادته من اللفظ فهو مقابل الصريح الذى لا يحتمل فيه الخلاف فيعم الظواهر ولا اقل من احتماله فيكون مجملا فوجود المتشابه فى الكتاب وعدم العلم بشخصه ومقداره يمنع من التمسك بظواهر القرآن. ـ

٢٧٧

ـ ولا يخفى ما فى هذه الوجوه اما ما فى الوجه الاول والثانى فيأتى عن قريب فانتظر واما الوجه الثالث ففيه منع العلم الاجمالى بوقوع التحريف فى القرآن وعلى فرض التسليم يمكن ان نقول انه في غير آيات الاحكام من الموارد التى يكون التحريف فيها مطابقا لاغراضهم الفاسدة وثانيا لو سلمنا عدم اختصاص العلم الاجمالى بغيرها فغاية الامر صيرورتها من اطراف العلم الاجمالى اذ لا يمكن دعوى العلم الاجمالى فى خصوصها قطعا وحينئذ نقول لا تأثير لهذا العلم الاجمالى بخروج بعض اطرافه عن محل الابتلاء واما الوجه الرابع ففيه عدم اقتضائه للمنع عن الاخذ بالآيات الظاهرة الدلالة بحسب الفهم العرفى ولا ينافى ذلك غموضها بحسب ما كان لها من البطون كما فى النصوص واما الوجه الخامس ففيه ان المتشابه لا يصدق على ما له ظاهر عرفا ولو فرض الشك فى شموله للظواهر فلا يجدى النهى المتعلق بعنوان المتشابه لان القدر المتيقن من مورده هو المجملات فلا يصير دليلا على المنع فى الظواهر فتلخص مما ذكرنا عدم وجود دليل يقتضى خروج ظواهر الكتاب عن الحجية فهى على حد غيرها باقية تحت قاعدة الحجية المستفادة من بناء العقلاء وامضاء الشارع فلا تحتاج الى ذكر الاخبار التى يدعى ظهورها في حجية ظواهر الكتاب.

٢٧٨

(م) والجواب عن الاستدلال بها انها لا تدل على المنع من العمل بالظواهر الواضحة المعنى بعد الفحص عن نسخها وتخصيصها وارادة خلاف ظاهرها فى الاخبار اذ من المعلوم ان هذا لا يسمى تفسيرا فان احدا من العقلاء اذا راى في كتاب مولاه انه امره بشىء بلسانه المتعارف فى مخاطبة له عربيا او فارسيا او غيرهما فعمل به وامتثله لم يعد هذا تفسيرا اذ التفسير كشف القناع ثم لو سلم كون مطلق حمل اللفظ على معناه تفسيرا لكن الظاهر ان المراد بالرأى هو الاعتبار العقلى الظنى الراجع الى الاستحسان فلا يشمل حمل ظواهر الكتاب على معانيها اللغوية والعرفية وحينئذ فالمراد بالتفسير بالرأى اما حمل اللفظ علي خلاف ظاهره او احد احتماليه لرجحان ذلك فى نظره القاصر وعقله الفاتر ويرشد اليه المروى عن مولانا الصادق عليه‌السلام قال فى حديث طويل انما هلك الناس فى المتشابه لانهم لم يقفوا على معناه ولم يعرفوا حقيقته فوضعوا له تأويلا من عند انفسهم بآرائهم واستغنوا بذلك عن مسئلة الاوصياء عليهم‌السلام فيعرفونهم واما الحمل على ما يظهر فى بادئ الرأى من المعاني العرفية واللغوية من دون التأمل فى الادلة العقلية ومن دون تتبع فى القرائن النقلية مثل الآيات الأخر الدالة على خلاف هذا المعنى والاخبار الواردة فى بيان المراد منها وتعيين ناسخها عن منسوخها ومما يقرب هذا المعنى الثانى وان الاول اقرب عرفا ان المنهى فى تلك الاخبار المخالفون الذين يستغنون بكتاب الله عن اهل البيت عليهم‌السلام ـ

(ش) اقول ان الشيخ قدس‌سره وان اطال الكلام فى فساد مقالة الاخباريين ولكن انا نتعرض لملخص ما افاده (ره) فى الجواب عن الاخبار التى استدلوا بها على عدم جواز الاخذ بظواهر الكتاب وهو ان الاخبار الناهية عن العمل بظاهر الكتاب وان كانت مستفيضة بل متواترة إلّا انها على كثرتها بين طائفتين طائفة تنهى عن تفسير القرآن بالرأى والاستحسانات الظنية وطائفة تدل على المنع عن الاستقلال فى العمل بظواهر الكتاب من دون مراجعة الى ما ورد من الائمة عليهم‌السلام ومن المعلوم ان شيئا منهما لا ينفع ما يدعيه الخصم من المنع عن العمل بظواهر الكتاب اما الطائفة الاولى فلوضوح عدم اندراج العمل بالظاهر فى التفسير بالرأى لتشمله الاخبار الناهية كيف وان التفسير عبارة عن كشف القناع ولا قناع فى الظواهر الواضحة الدلالة لانها مما يعرفها كل احد من اهل ـ

٢٧٩

ـ بل يخطئونهم به ومن المعلوم ضرورة من مذهبنا تقديم نص الامام عليه‌السلام على ظاهر القرآن كما ان المعلوم ضرورة من مذهبهم العكس ويرشدك الى هذا ما تقدم فى رد الامام عليه‌السلام على ابى حنيفة حيث انه يعمل بكتاب الله ومن المعلوم انه يعمل بظواهره لا انه كان يأوله بالرأى اذ لا عبرة بالرأى عندهم مع الكتاب والسنة ويرشد الى هذا قول ابى عبد الله عليه‌السلام في ذم المخالفين : انهم ضربوا القرآن بعضه ببعض واحتجوا بالمنسوخ وهم يظنون انه الناسخ واحتجوا بالخاص وهم يظنون انه العام واحتجوا باول الآية وتركوا السنة فى تأويلها ولم ينظروا الى ما يفتح به الكلام والى ما يختمه ولم يعرفوا موارده ومصادره اذ لم يأخذوه عن اهله فضلّوا واضلّوا وبالجملة فالانصاف يقتضى عدم الحكم بظهور الاخبار المذكورة فى النهى عن العمل بظاهر الكتاب بعد الفحص والتتبع فى ساير الادلة خصوصا الآثار الواردة عن المعصومين عليهم‌السلام كيف ولو دلت على المنع من العمل على هذا الوجه دلت على عدم جواز العمل باحاديث اهل البيت عليهم‌السلام ففي رواية سليم بن قيس الهلالى عن امير المؤمنين عليه‌السلام ان امر النبى مثل القرآن منه ناسخ ومنسوخ وخاص وعام ومحكم ومتشابه وقد كان من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكلام يكون له وجهان وكلام عام وكلام خاص مثل القرآن وفى رواية سلم بن مسلم ان الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن.

ـ اللسان فيختص ذلك بالمتشابهات فانها هى التى تحتاج الى التفسير وكشف القناع عنها واما الطائفة الثانية فلان محل الكلام هو العمل بالظواهر بعد الرجوع الى الاخبار والفحص عن تخصيصها ونسخها وارادة خلاف ظاهرها وهذا مما لا ينفيه تلك الاخبار لما عرفت من انها فى مقام النهى عن الاستقلال بالرأى فى العمل بالكتاب والاستغناء عن الرجوع الى اهل البيت عليهم‌السلام. فالتفصيل بين ظاهر الكتاب وغيره مما لا سبيل اليه نعم فى باب الظواهر تفصيل آخر محكى عن المحقق القمى (قده) لعله اقرب من تفصيل الاخباريين وهو التفصيل بين من قصد افهامه من الكلام وبين من لم يقصد وحجية الظواهر تختص بالاول دون الثانى وتفصيل كلامه وبيان مراده يأتى عن قريب إن شاء الله تعالى.

٢٨٠