درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٠٨

(م) وان اريد بذلك انه بعد انكشاف الواقع لا يجزى ما اتى به على طبق قطعه فهو ايضا حق فى الجملة لان المكلف ان كان تكليفه حين العمل مجرد الواقع من دون مدخلية للاعتقاد فالمأتى به المخالف للواقع لا يجزى عن الواقع سواء القطاع وغيره وان كان للاعتقاد مدخل فيه كما فى امر الشارع بالصلاة الى ما يعتقد كونها قبلة فان قضية هذا كفاية القطع المتعارف لا قطع القطاع فيجب عليه الاعادة وان لم تجب على غيره.

(ش) اقول حاصل ما افاده انه ان اريد بعدم اعتبار قطع القطاع انه بعد تبين مخالفة قطعه للواقع لا يجزى ما اتى به على طبقه عن الواقع فهو حق فى الجملة لان تكليفه حين العمل ان كان مجرد الواقع من دون مدخلية للاعتقاد فى ثبوت الحكم فالمأتى به علي طبق الاعتقاد المخالف للواقع لا يجزى عن الواقع إلّا ان تخصيص الحكم حينئذ بالقطاع لا وجه له اذا القطاع وغيره سواء فيه وان كان للاعتقاد مدخل فى ثبوت الحكم كما فى امر الشارع بالصلاة الى ما يعتقد كونه قبلة فحينئذ يصح تخصيص الحكم بالقطاع وذلك انهم قد ذكروا ان المصلى اذا صلى الى جهة معتقدا بكونها قبلة ثم تبين خلاف ما اعتقده لم يعد ما وقع من صلاته بين المشرق والمغرب فغير القطاع وان لم يجب عليه الاعادة حينئذ إلّا ان القطاع يجب عليه الاعادة.

ولا يذهب عليك ان صورة مدخلية الاعتقاد مناف لما هو المقسم بالنسبة الى الترديدات المذكورة لان الكلام فى المقام انما هو فى القطع الطريقى وهذا كما ترى مأخوذ جزءا للموضوع.

فقد تبين ان الكلام فى حكم القطاع فى مقامات ثلاث : احدها حكمه من حيث عمله بقطعه وثانيها معاملة الغير معه من حيث ردعه من قطعه او تنبيهه على خطائه فى قطعه من باب الارشاد سواء تعلق قطعه بحقوق الله سبحانه وتعالى ام بحقوق الناس وعلى الثانى بالنفوس او الاعراض او الاموال او غيرها وثالثها حكم عمله مع انكشاف مخالفة قطعة للواقع من حيث الصحة والفساد فى المعاملات ووجوب الاعادة والقضاء او عدمهما فى العبادات وقد ظهر احكام الجميع مما ذكره فى المقام فتدبر

١٢١

(م) ثم ان بعض المعاصرين وجه الحكم بعدم اعتبار قطع القطاع بعد تقييده بما اذا علم القطاع او احتمل ان يكون حجية قطعه مشروطة بعدم كونه قطاعا بانه يشترط فى حجية القطع عدم منع الشارع عنه وان كان العقل ايضا قد يقطع بعدم المنع إلّا انه اذا احتمل المنع يحكم بحجية القطع ظاهرا ما لم يثبت المنع وانت خبير بانه يكفى فى فساد ذلك عدم تصور القطع بشيء وعدم ترتيب آثار ذلك الشيء عليه مع فرض كون الآثار آثارا له والعجب ان المعاصر مثل لذلك بما اذا قال المولى لعبده لا تعتمد فى معرفة او امرى على ما تقطع به من قبل عقلك او يؤدى اليه حدسك بل اقتصر على ما يصل اليك منى بطريق المشافهة والمراسلة وفساده يظهر مما سبق من اول المسألة الى هنا

(ش) اقول ان المراد من بعض المعاصرين هو صاحب الفصول وبيان ما افاده فى هذا المقام يحتاج الى نقل كلامه ثم نعقبه بما فيه كما نقله بعض المحشين لتوضيح ما افاده حيث ذكر ذلك فى باب الملازمة بين حكم العقل والشرع فى مقام الرد على المحقق القمى (ره) فيما اجاب به عن استدلال المنكرين للملازمة بينهما بقوله تعالى (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) حيث قال ولا بد اولا من تحرير محل النزاع فى الملازمة بين حكم العقل والشرع وهو فى المقام يرجع إلى مقامين :

الاول وهو المعروف بينهم ان العقل اذا ادرك جهات الفعل من حسن او قبح فحكم بوجوبه او حرمته او غير ذلك فهل يكشف ذلك عن حكمه الشرعى ويستلزم ان يكون قد حكم الشارع ايضا على حسبه ومقتضاه من وجوب او حرمة او غير ذلك اولا يستلزم ثم عدم الاستلزام يتصور بوجهين الاول ان يجوز حكم الشارع بخلافه بان يحكم العقل بإباحة شيء وبعدم استحقاق فاعله الذم ويحكم الشارع بحرمته مثلا واستحقاق فاعله الذم وعلى هذا فلا يستلزم حكم العقل حكم الشرع ولا حكم الشرع حكم العقل الثانى ان يجوز ان لا يكون للشارع فيما حكم العقل فيه بوجوب او حرمة مثلا حكم اصلا لا موافقا ولا مخالفا وذلك بان تخلو الواقعة عن الحكم رأسا وعلى هذا فيجوز ان يكون حكم الشارع عند هذا القائل مستلزما لحكم العقل بخلاف العكس

الثانى ان العقل اذا ادرك الحكم الشرعى وجزم به فهل يجوز لنا اتباعه ويثبت ـ

١٢٢

بذلك الحكم فى حقنا اولا وقال هذا النزاع انما يتصور اذا لم يقطع العقل بالحكم الفعلى بل قطع بالحكم فى الجملة بان احتمل عنده اشتراط فعليته باستفادته من طريق النقل واما لو قطع بالتكليف الفعلى بان ادركه مطلقا غير متوقف على دلالة سمعى عليه فالشك فى ثبوته غير معقول الى آخر ما قال انتهى. وانت خبير بالفساد فيما اختاره صاحب الفصول من ان حجية القطع مشروطة بعدم منع الشارع عنه ووجه الفساد قد عرفت فى عنوان حكم القطاع ان المراد بالقطع المبحوث عنه هو الطريقى لا القطع الموضوعى كما استظهره المصنف قدس‌سره من ذكر كاشف الغطاء حكم القطاع فى سياق كثير الشك وقد تقدم بيان ذلك تفصيلا فاذا كان المراد من القطع هو الطريقي فلا يكون حجيته مشروطة بعدم منع الشارع عنه لانه بنفسه طريق إلى الواقع وليس طريقيته قابلة لجعل الشارع اثباتا ونفيا وقد اشار الشيخ قدس‌سره إلى ما ذكرنا بقوله يكفى فى فساد ذلك عدم تصور القطع بشيء وعدم ترتيب آثار ذلك الشيء عليه الخ فاذا تبين لك ما فيما اختاره صاحب الفصول فالعجب منه ان استشهاده بالمثال المذكور غير مربوط بالمقام اما اولا فبان الكلام فى المقام كما قلنا انما هو فى القطع الطريقى وظاهر مثاله يعطى بان مراده بالقطع هنا انما هو القطع الذى كان جزء للموضوع والاستشهاد بالمثال من قبيل الثانى لا الاول وثانيا ان كلامنا فى القطع المزبور انما هو فيما اذا كان حاصلا للشخص وظاهر المثال انما هو نهى المولى عن الخوض فى الاسباب التى تكون موجبة للقطع فالمثال غير مطابق للممثل وقد اشار المصنف قدس‌سره الى عدم صحة الاستشهاد بالمثال المذكور بقوله وفساده يظهر مما سبق من اول المسألة الى هنا.

١٢٣

(م) الرابع ان المعلوم اجمالا هل هو كالمعلوم بالتفصيل فى الاعتبار ام لا والكلام فيه يقع تارة فى اعتباره من حيث اثبات التكليف به وان الحكم المعلوم بالاجمال كالمعلوم بالتفصيل فى التنجز على المكلف ام هو كالمجهول رأسا واخرى انه بعد ما ثبت التكليف بالعلم التفصيلى او الاجمالي المعتبر فهل يكتفى فى امتثاله بالموافقة الاحتمالية ولو مع تيسر العلم التفصيلى ام لا يكتفى به إلّا مع تعذر العلم التفصيلى فلا يجوز اكرام شخصين احدهما زيد مع التمكن من معرفة زيد بالتفصيل ولا فعل الصلاتين فى ثوبين مشتبهين مع امكان الصلاة فى ثوب طاهر والكلام من الجهة الاولى يقع من جهتين لان اعتبار العلم الاجمالى له مرتبتان : الاولى حرمة المخالفة القطعية والثانية وجوب الموافقة القطعية والمتكفل للتكلم فى المرتبة الثانية هى مسئلة البراءة والاشتغال عند الشك فى المكلف به فالمقصود فى المقام الاول التكلم فى المرتبة الاولى ولنقدم الكلام فى المقام الثانى وهو كفاية العلم الاجمالى فى الامتثال.

(ش) اقول الامر الرابع فى البحث عن العلم الاجمالي والكلام فيه يقع فى مقامين احدهما فى تنجيز العلم المشوب بالجهل والاجمال وانه كالعلم التفصيلى فى تنجيز التكليف ام لا؟ ثانيهما فى كفاية الامتثال الاجمالى والاحتمالى بعد ثبوت التكليف مع امكان امتثاله تفصيلا ام لا يكتفى به إلّا مع تعذر العلم التفصيلى.

اما المقام الاول فالبحث فيه يكون من جهتين : الاولى فى وجوب الموافقة القطعية بمعنى عدم امكان الرجوع فى شيء من اطرافه الى الاصول العملية فلا يجوز ارتكاب بعض اطرافه ايضا وان كان ثبوت التكليف فيه مشكوكا والبحث عن هذه الجهة يناسب مبحث البراءة والاشتغال كما صنع الشيخ قدس‌سره الثانية فى حرمة المخالفة القطعية بارتكاب جميع اطراف العلم الاجمالى ولو تدريجا وعدم جريان الاصول فى مجموع الاطراف وهذه الجهة هى التى يناسب البحث عنها فى مبحث القطع كما صنع الشيخ قدس‌سره ويأتى البحث عنها تفصيلا واعلم انه قدس‌سره قدم الكلام فى المقام الثانى وهو كفاية العلم الاجمالى فى الامتثال ووجه تقديمه على المقام الاول فى الذكر مع تأخره عنه فى المرتبة قلة البحث فى المقام الثانى فهو بالتقديم اولى. ـ

١٢٤

ولا يخفى ان اتصاف العلم بالاجمال والتفصيل ليس اولا وبالذات بل اتصافه بهما بالنظر الى المعلوم ومتعلقه وبالواسطة والعرض لان العلم عبارة عن الصورة الحاصلة من الشىء عند العقل او حصول تلك الصورة والحال ان كلا منهما غير قابلة للاجمال والتفصيل ثم الفرق بينهما بان التفصيلى ما كان قابلا لان يشار اليه بالاشارة الحسية على التعيين بخلاف الاول فانه يشار اليه على سبيل الترديد كما ان انقسامه الى التصور والتصديق كذلك.

ثم ان المراد من اثبات التكليف بالعلم ليس جعله واسطة فى الاثبات علي ما يتوهم فى بادئ الرأى حتى ينافى ما ذكره قدس‌سره من ان العلم لا يكون وسطا فى العلم الطريقى بل المراد من اثبات التكليف به ترتيب الآثار علي المعلوم عند العلم والالتزام به ولزوم اطاعته عقلا او شرعا كما انه المراد من التنجز علي المكلف عند العلم وفعلية الخطابات والاحكام النفس الامرية المتعلقة للعلم والظن.

والحاصل ان توضيح المقام على وجه يتضح به المرام ان العلم الاجمالى تارة يقع فى اعتبار من حيث اثبات التكليف به بمعنى انه هل يوجب اشتغال ذمته كالعلم التفصيلى مع قطع النظر عن كيفية امتثاله ام هو كالمجهول رأسا واخرى يقع فى كيفية امتثاله بعد ثبوت التكليف مع امكان امتثاله تفصيلا ام لا يكتفى به الا مع تعذر العلم التفصيلى والمقام الاول له مرتبتان الاولى حرمة المخالفة القطعية بان يكتفى فى امتثاله بالموافقة الاحتمالية التى هى ادنى مرتبتى الامتثال الثانية وجوب الموافقة القطعية التى هى مقتضى ثبوت تعلق غرض الشارع بنفس الواقع واحال الشيخ قدس‌سره البحث عن المرتبة الثانية الى مسئلة البراءة والاشتغال عند الشك فى المكلف به ونعم ما احال اذا المناسب البحث عنها فى البراءة والاشتغال وان المقصود هنا هو التكلم فى المرتبة الاولى من المقام الاول دفعا لتوهم ان عنوان البحث عن العلم الاجمالى هناك يغني عن عنوان البحث عنه هنا ومقصوده ان الغرض الاصلى هناك وهنا هو ما ذكر وإن كان قدس‌سره قد عنون البحث فى المرتبة الاولى ثمة ايضا إلّا ان ذلك منه هناك استطرادى وليس مقصودا بالاصالة وكيف كان قدم الكلام فى المقام الثانى لاختصاره وقلة ما يتعلق به.

١٢٥

(م) فنقول مقتضى القاعدة جواز الاقتصار فى الامتثال بالعلم الاجمالي باتيان المكلف به اما فيما لا يحتاج سقوط التكليف فيه الى قصد الطاعة ففى غاية الوضوح واما فيما يحتاج الى قصد الطاعة فالظاهر ايضا تحقق الاطاعة اذا قصد الاتيان بشيئين يقطع بكون احدهما المأمور به ودعوى ان العلم بكون المأتى به مقربا معتبر حين الاتيان به ولا يكفى العلم بعده باتيانه ممنوعة إذ لا شاهد لها بعد تحقق الاطاعة بغير ذلك ايضا فيجوز لمن تمكن من تحصيل العلم التفصيلى باداء العبادات العمل بالاحتياط وترك تحصيل العلم التفصيلى لكن الظاهر كما هو المحكى عن بعض ثبوت الاتفاق على عدم جواز الاكتفاء بالاحتياط اذا توقف على تكرار العبادة بل ظاهر المحكى عن الحلى فى مسئلة الصلاة فى الثوبين عدم جواز التكرار للاحتياط حتى مع عدم التمكن من العلم التفصيلى وان كان ما ذكره من التعميم ممنوعا وحينئذ لا يجوز لمن تمكن من تحصيل العلم بالماء المطلق او بجهة القبلة او فى ثوب طاهر ان يتوضأ وضوءين يقطع بوقوع ـ

(ش) اقول حاصل ما افاده الشيخ قدس‌سره فى المقام الثانى وهو كفاية العلم الاجمالى فى الامتثال ان التكليف المعلوم بالاجمال :

اما ان يكون واجبا توصليا والمراد منه هو ما علم ان المراد به الوصول الى الغير وليس هو مطلوبا فى ذاته ولذلك قد يسقط وجوب الامتثال به بفعل الغير ايضا كغسل الثوب النجس للصلاة وبالاتيان به على الوجه المنهى عنه كالغسل بالماء المغصوب ونحو ذلك وهذا هو السر فى عدم اشتراط النية فيها وقد اشار الشيخ الى هذا القسم بقوله اما فيما لا يحتاج سقوط التكليف فيه الى قصد الطاعة. واما ان يكون واجبا تعبديا والمراد منه هو الواجب الذى لم يحصل العلم بانحصار الحكمة منه فى شيء او علم ان المراد منه تكميل النفس ورفع الدرجة وحصول التقرب فانها لا تصح بدون النية لعدم حصول الامتثال عرفا إلّا بقصد اطاعة الامر وقد اشار الى هذا القسم بقوله واما فيما يحتاج إلى قصد الطاعة الخ ولا يخفى عليك ان المراد من سقوط التكليف بالعلم الاجمالي هو سقوطه بالامتثال الاجمالى على وجه الاحتياط ولا اشكال فى ـ

١٢٦

ـ احدهما بالماء المطلق او يصلى الى جهتين يقطع بكون احدهما القبلة او فى ثوبين يقطع بطهارة احدهما لكن الظاهر من صاحب المدارك التأمل بل ترجيح الجواز فى المسألة الاخيرة ولعله متأمل فى الكل اذ لا خصوصية للمسألة الاخيرة واما اذا لم يتوقف الاحتياط على التكرار كما اذا اتى بالصلاة مع جميع ما يحتمل ان يكون جزءا فالظاهر عدم ثبوت اتفاق على المنع ووجوب تحصيل اليقين التفصيلى لكن لا يبعد ذهاب المشهور الى ذلك بل ظاهر كلام السيد الرضى (ره) فى مسئلة الجاهل بوجوب القصر وظاهر تقرير اخيه السيد المرتضى له ثبوت الاجماع على بطلان صلاة من لا يعلم احكامها هذا كله فى تقديم العلم التفصيلى على الاجمالى.

ـ سقوطه بذلك فى الجملة. اذا تبين المراد من الواجب التوصلى والتعبدى فنقول انه لا شبهة فى حكم العقل والشرع بحسن الاحتياط وان استلزم ذلك التكرار فيما اذا لم يتمكن المكلف من الامتثال التفصيلي لانه غاية ما يمكنه العبد المطيع فى الانقياد لمولاه واما مع التمكن من الامتثال التفصيلى ففى هذا الفرض ان كان الواجب توصليا فلا شبهة ايضا فى حسن الاحتياط وسقوط التكليف بذلك سواء استلزم التكرار او لم يستلزم كانت الشبهة موضوعية او حكمية قبل الفحص او بعده كان الترديد بين الوجوب والندب او مع احتمال الاباحة ايضا فانه على جميع التقادير يحسن الاحتياط ويسقط التكليف به حيث ان الغرض من الواجبات التوصلية مجرد تحقق المأمور به فى الخارج ولو فى ضمن امور متعددة فيسقط الامر لا محالة ومن ذلك يظهر ان الامر فى باب العقود والايقاعات ايضا كذلك مثلا اذا احتاط المكلف بالجمع بين انشاءات متعددة يعلم اجمالا بصحة بعضها كما لو اوقع صيغة النكاح بجميع محتملاتها يقطع بحصول الزوجية وان لم يتميز عنده السبب المؤثر ولكن الشيخ قدس‌سره على ما قيل ناقش فى الاحتياط فى باب العقود والايقاعات باختلال قصد الانشاء مع الترديد وفيه ما لا يخفى على المتأمل وقد اشار الشيخ قدس‌سره الى ما ذكرنا فى الواجب التوصلى بقوله اما فيما لا يحتاج سقوط التكليف فيه الى قصد الطاعة ففى غاية الوضوح فاطلاق عبارته يشمل جميع التقادير المذكورة والمثال للواجبات التوصلية ـ

١٢٧

ـ هو المعاملات بالمعنى الاعم وقد ذكرنا مثالا آخر فيما تقدم واما ان كان الواجب تعبديا كالعبادات فقد وقع الكلام فى حسن الامتثال الاجمالى بين الاعلام واعلم ان المكلف اذا لم يتمكن من الامتثال التفصيلى فلا شبهة فى حسن الاحتياط وان استلزم ذلك التكرار ولا فرق فى هذا الفرض بين كون الواجب توصليا او تعبديا لانه غاية ما يمكنه العبد المطيع فى الانقياد لمولاه وفى صورة عدم التمكن من الامتثال التفصيلى اعتبار قصد الوجه وتمييز عنوان الامر من الوجوب والاستحباب غير معتبر قطعا وإلّا لانسد باب الاحتياط فى العبادات وانما الكلام فى صورة التمكن من الامتثال الجزمى التفصيلى او الظنى المعتبر خصوصا فى فرض استلزامه التكرار فنقول ان الامتثال الاجمالي فى صورة التمكن من التفصيلى قد يكون مستلزما للتكرار فى العبادات وقد لا يكون مستلزما له اما فيما لا يحتاج فيه الى التكرار فانه لا مانع منه الا توهم اعتبار قصد الوجه وتمييز عنوان الامر من الوجوب والاستحباب وفى اعتبارهما ما لا يخفى من ان اثبات اعتبارهما اما ان يكون بدليل عقلى او نقلى وكلاهما مفقود ان اما العقل فهو لا يحكم إلّا بلزوم الاطاعة والانبعاث عن بعث المولى خارجا ولا يحكم بلزوم شيء ازيد من ذلك فى مقام الاطاعة جزما واما الدليل النقلي فهو بعد عدم وجدانه مع كثرة الابتلاء بالعبادات من الصدر الاول إلى هذا الزمان مقطوع العدم لان عدم الوجدان مع كون الواقعة فى محل الابتلاء خصوصا بهذه الشدة من الابتلاء وعدم وجود داع الى الاخفاء بل مع وجود الداعى الى الاظهار كما فى المقام دليل قطعى على عدم وجود الدليل النقلى فحيث انه ليس من اعتبار قصد الوجه ومعرفته فى الاخبار والآثار عين ولا اثر فيحصل لنا القطع بعدم اعتبارهما شرعا وعقلا لا يكون هناك مانع آخر عن جواز الامتثال الاجمالى. لا يقال اعتبارهما فى صحة العبادة وان لم يدل عليهما من الكتاب والسنة شيء إلّا انه ادعى عليه الاجماع فى كلمات جملة من الاكابر ولا ريب ان دعواهم الاجماع فى مسئلة يكون دليلا عليها. لانه يقال ان الاجماع المحكى فى المقام مما لا اعتبار به لانه من الممكن ان ـ

١٢٨

ـ يكون مدعى الاجماع قد سلك مسلك المتكلمين وادعى الاجماع على مذاقهم فى المسألة الكلامية لا فى المسألة الفقهية مع انه لو سلم يكون من قبيل الاجماع المنقول الذى لا عبرة به ولو شككنا فى اعتبار قصد الوجه فهل المرجع هو البراءة او الاشتغال ففيه قولان وقد ذكر وجههما فى محله فراجع نعم قد نسب إلى جمهور المتكلمين وبعض الفقهاء اعتبار قصد الوجه وتمييز عنوان الامر وقد تعرض المصنف قدس‌سره لكلام بعض الفقهاء حيث قال لا يبعد ذهاب المشهور الى ذلك الخ يعنى لا يبعد ذهاب المشهور الى عدم جواز الاحتياط فيما اذا لم يتوقف على التكرار كما اذا كان الشك فى جزئية شيء او شرطيته فيأتى بالصلاة مع جميع ما يحتمل كونه جزءا او شرطا مع التمكن من تحصيل الامتثال التفصيلى والاجماع المحكى عن صاحب الحدائق على عدم جواز الاحتياط والامتثال بالعلم الاجمالى لا يتمشى فى المقام لانه مخصوص بما اذا توقف الاحتياط على التكرار نعم يستظهر من كلام السيد رضى (ره) فى مسئلة الجاهل بوجوب القصر عدم جواز الامتثال الاجمالى وبيان ذلك ان السيد الرضى (ره) سئل اخاه المرتضى (ره) «فقال ان الاجماع واقع على ان من صلى صلاة لا يعلم احكامها فهى غير مجزية والجهل باعداد الركعات جهل باحكامها فلا تكون مجزية واجاب المرتضى (ره) بجواز تغير الحكم الشرعى بسبب الجهل وان الجاهل غير معذور انتهى» محصل الاشكال ان الاجماع واقع على بطلان صلاة من لا يعلم احكامها ومقتضاه بطلان صلاة من صلى تماما فى موضع القصر من جهة الجهل بالحكم ولزوم القضاء اذا علم الحكم بعد خروج الوقت مع ان الطائفة حكموا بسقوط القضاء عن الجاهل فى هذه المسألة ومحصل الجواب عن المرتضى (ره) هو ان الجاهل وان كان غير معذور بسبب هذا الجهل إلّا انه يمكن تغيير الجهل للحكم فيسقط القضاء عند الجهل والمستفاد من جملة السؤال والجواب تسليم السيدين وقوع الاجماع على بطلان صلاة من لا يعلم احكامها فعلى هذا لا يكون الامتثال الاجمالي كافيا فى الصلاة واما الاحتياط فيما يحتاج الى التكرار كما اذا علم المكلف بوجوب صلاة الظهر ـ

١٢٩

ـ او الجمعة يوم الجمعة وكما فى دوران الامر بين القصر والاتمام فربما يستشكل فى حسن الاحتياط من وجوه :

منها توهم اعتبار قصد الوجه وتمييز عنوان الامر من الوجوب والاستحباب وقد عرفت ما فيه من عدم العثور على شيء من العقل والنقل يدل على اعتبارهما ومنها احتمال ان يكون الامتثال الاجمالى مع تكرار العمل لعبا وعبثا بامر المولى واجاب عنه صاحب الكفاية اولا بانه يمكن ان يكون التكرار ناشئا من غرض عقلائى فلا يكون لعبا وعبثا وثانيا ان الاتيان بما ليس بمأمور به فى الواقع وان كان لعبا وعبثا واما الاتيان بما هو مصداق الواجب فليس لعبا ولا عبثا ومنها ان الاطاعة بالمعنى الاخص المعتبر فى العبادات وهو الانبعاث عن بعث المولى والتحرك عن تحريكه خارجا لا يتحقق مع الامتثال الاجمالى بداهة ان المحرك لخصوص صلاة الظهر او الجمعة يستحيل ان يكون هو ارادة المولى وبعثه فان المفروض الشك فى تعلقها بكل منهما بل المحرك انما هو احتمال تعلق الارادة بكل منهما ومع التمكن من التحرك عن نفس الارادة يستقل العقل بعدم حسن التحرك عن احتمالها لان مرتبة الاثر متأخرة عن مرتبة العين فكلما امكن التحرك عن نفس الارادة فى مقام الاطاعة فلا حسن فى التحرك عن احتمالها وبالجملة ان الاطاعة بالمعنى الاعم المشترك بين العبادات والتوصليات وهو ايجاد المأمور به خارجا وان علم بتحققها بعد الاتيان بالصلاتين إلّا ان الاطاعة بالمعنى الاخص المعتبر فى العبادات لا تتحقق مع التمكن من التحرك عن نفس الارادة بالتحرك عن احتمالها فالعقل يستقل بعدم حسن الاحتياط والتحرك عن الاحتمال مع التمكن عن الانبعاث عن نفس الارادة ولو تنزلنا عن ذلك فحيث ان كون الامتثال الاحتمالى فى عرض الامتثال التفصيلى لم يقم عليه دليل فلا محالة نشك فى كونه فى عرضه ومقتضى القاعدة حينئذ هو عدم جواز الاكتفاء بالامتثال الاحتمالى ولا مجال للتمسك بحديث الرفع فى رفع هذا الشك لان مورد جريانه هو ما اذا كان المشكوك من الامور التى وضعها ورفعها بيد الشارع إمضاء او تأسيسا واما الامور المشكوك اعتبارها فى الطاعة العقلية فلا يكون حديث الرفع متكفلا لرفعها وغير ذلك ـ

١٣٠

ـ من الوجوه التى تعرض لها بعض المحشين ولا حاجة الى ايرادها وان شئت الاطلاع عليها ايضا فراجع الى كلامهم.

ويؤيده ثبوت الاتفاق على عدم جواز الاحتياط اذا توقف على تكرار العبادة واشار المصنف (ره) الى هذا بقوله لكن الظاهر كما هو المحكى عن بعض الخ بل ظاهر المحكى عن الحلى فى مسئلة الصلاة فى الثوبين عدم جواز التكرار حيث ذكر الخلاف فى المسألة المذكورة ثم اختار انه يصلى عريانا وظاهره عدم جواز الاكتفاء بالتكرار بان يصلى فى كل من الثوبين صلاة واحدة ويتيقّن بعد فراغه من الصلاتين معا انه قد صلى فى ثوب طاهر فيرجع ملخص كلام الحلى الى وجهين احدهما ان الواجب عليه صلاة واحدة والاتيان بالصلاة مرتين لا يعلم ايتهما هى الواجبة والمأمور به الواقعي فلا يمكنه قصد الوجه وثانيهما ان الواجب عليه عند الشروع فى الصلاة هو العلم بطهارة الثوب مع انه شاك عند الشروع فى كل منهما والمستفاد من هذين الوجهين المذكورين هو عدم مشروعية الاحتياط حتى مع عدم التمكن عن العلم التفصيلى ولا يخفى ما فى الوجهين المذكورين اما فى الاول فقد تقدم فيما سبق انه لا دليل على اعتبار قصد الوجه من العقل والنقل واما الوجه الثانى فيرد عليه بناء على صحة نسبة الوجه الثانى الى الحلى قدس‌سره ان العلم بطهارة الساتر معينا عند الشروع فى الصلاة انما يسلم اشتراطه عند عدم الاشتباه واما عند اشتباه الطاهر باللباس المتنجس فلا نسلم اشتراط العلم بها عند الشروع لعدم الامكان بل المسلم حينئذ تحصيل الصلاة فى الطاهر ولو حصل العلم به بعد الفراغ من الصلاتين واعلم ان المستفاد من ظاهر كلام الحلى (ره) هو عدم جواز التكرار حتى مع عدم التمكن من العلم التفصيلى وفساده ابين من ان يبين وإلّا لانسد باب الاحتياط فى العبادات وقد اشار الشيخ قدس‌سره الى فساد هذا بقوله وان كان ما ذكره من التعميم ممنوعا.

ثم بناء علي القول بعدم جواز التكرار للاحتياط لا يجوز لمن تمكن من تحصيل العلم التفصيلى بالماء المطلق او بجهة القبلة او فى ثوب طاهر ان يتوضأ وضوءين بقطع بوقوع احدهما بالماء المطلق او يصلى الى جهتين يقطع بكون احدهما القبلة او فى ثوبين ـ

١٣١

ـ يقطع بطهارة احدهما.

ولكن الظاهر من صاحب المدارك التأمل بل ترجيح الجواز فى المسألة الاخيرة حيث انه بعد ان نقل عن المنتهى انه لو كان معه ثوب متيقن الطهارة تعين للصلاة ولم يجز له ان يصلى فى الثوبين لا متعددة ولا منفردة قال وهو حسن إلّا ان وجهه لا يبلغ حد الوجوب انتهى اقول انه لا يخفى عليك ان المسألة المنقولة عن المنتهى وان كان عنوانها فى المسألة الاخيرة وترجيح الجواز من صاحب المدارك فيها ولكنه متأمل فى المسائل المذكورة كلها اذ لا خصوصية للمسألة الاخيرة لان كل واحد منها على ملاك واحد. واعلم ان الشيخ قدس‌سره على ما يظهر من كلامه اختار جواز الاحتياط فيما يحتاج الى التكرار حيث قال واما فيما يحتاج الى قصد الطاعة فالظاهر ايضا تحقق الاطاعة الخ واجاب (ره) عن ما يدعى ان العلم بكون المأتى به مقربا معتبر حين الاتيان به ولا يكفى العلم بعده باتيانه : بانه لا شاهد له بعد تحقق الاطاعة بغير ذلك ايضا فعلى هذا يجوز لمن تمكن من تحصيل العلم التفصيلى باداء العبادات العمل بالاحتياط وترك تحصيل العلم التفصيلى.

١٣٢

(م) وهل يلحق بالعلم التفصيلى الظن التفصيلى المعتبر فيقدم على العلم الاجمالى ام لا التحقيق ان يقال ان الظن المذكور ان كان مما لم يثبت اعتباره الا من جهة دليل الانسداد المعروف بين المتأخرين لاثبات حجية الظن المطلق فلا اشكال فى جواز ترك تحصيله والاخذ بالاحتياط اذا لم يتوقف على التكرار والعجب ممن يعمل بالامارات من باب الظن المطلق ثم يذهب الى عدم صحة عبادة تارك طريقي الاجتهاد والتقليد والاخذ بالاحتياط ولعل الشبهة من جهة اعتبار قصد الوجه ولابطال هذه الشبهة واثبات صحة عبادة المحتاط محل آخر واما لو توقف الاحتياط على التكرار ففى جواز الاخذ به وترك تحصيل الظن بتعيين المكلف به او عدم الجواز وجهان من ان العمل بالظن المطلق لم يثبت ـ

(ش) اقول قد تقدم البحث تفصيلا فيما اذا دار الامر بين العلم التفصيلى والاجمالى بقى الكلام فى انه هل يلحق بالعلم التفصيلى الظن التفصيلى المعتبر فيقدم على العلم الاجمالى ام لا فنقول ان حاصل ما افاده الشيخ (قده) فى هذا المقام ان الظن المذكور ان كان مما لم يثبت اعتباره إلّا بدليل الانسداد المعروف بين المتأخرين لاثبات حجية الظن المطلق فلا اشكال فى جواز ترك تحصيله والاخذ بالاحتياط اذا لم يتوقف على التكرار لان الظن الانسدادى متأخر عن الامتثال الاجمالى وذلك لان ما يفهم من مقدمات دليل الانسداد على ما يأتى فى محله إن شاء الله تعالى انما هو عدم وجوب الاحتياط للزوم العسر والحرج لا عدم جواز الاحتياط الا على القول باعتبار قصد الوجه وقد تقدم انه ليس لاعتباره وجه لا من العقل ولا من النقل وتأتى الاشارة ايضا عن قريب لابطاله فى كلام الشيخ (قده) وظاهر كلام الشيخ عدم الفرق فى الظن بين القول بالكشف وبين القول بالحكومة فى تأخر رتبة الامتثال به عن الامتثال العلمى حتى انه تعجب ممن يعمل بالطرق والامارات من باب الظن المطلق ثم يذهب الى تقديم الامتثال الظنى على الاجمالى والذاهب إلى ذلك المحقق القمى (ره) ومنشأ التعجب ان من كان يجوز العمل بمطلق الظن انما جوزه بعد ابطال وجوب الاحتياط فى صورة الانسداد اما بمنع المقتضي نظرا إلى منع ثبوت التكليف بالواقع علي ما يظهر من المحقق القمى واما بابداء المانع من اجماع او لزوم حرج فى كون الاحتياط واجبا كما هو طريقة المصنف (ره) ومن تبعه وكيف كان ـ

١٣٣

ـ الا جوازه وعدم وجوب تقديم الاحتياط عليه اما تقديمه على الاحتياط فلم يدل عليه دليل ومن ان الظاهر ان تكرار العبادة احتياطا فى الشبهة الحكمية مع ثبوت الطريق الى الحكم الشرعى ولو كان هو الظن المطلق خلاف السيرة المستمرة بين العلماء مع ان جواز العمل بالظن اجماعى فيكفى فى عدم جواز الاحتياط بالتكرار احتمال عدم جوازه واعتبار الاعتقاد التفصيلى فى الامتثال والحاصل ان الامر دائر بين تحصيل الاعتقاد التفصيلى ولو كان ظنا وبين تحصيل العلم بتحقق الاطاعة ولو اجمالا فمع قطع النظر عن الدليل الخارجى يكون الثانى مقدما على الاول فى مقام الاطاعة بحكم العقل والعقلاء.

ـ فلم يظهر من العامل بمطلق الظن ابطال اصل الاحتياط بل غاية ما يقال فى اثبات جواز العمل بمطلق الظن هو ابطال وجوبه لا جوازه وهو لا يجتمع مع ابطال عبادة تارك طريقى الاجتهاد والتقليد.

قوله من جهة دليل الانسداد الخ حصر الشيخ (قده) دليل حجية الظن المطلق فى دليل الانسداد مع ان لهم دلائل أخر على ذلك مثل قبح ترجيح المرجوح على الراجح ووجوب دفع الضرر المظنون وغير ذلك من جهة انه اتم دلائل حجية الظن المطلق عندهم او من جهة عدم تمامية غيره عندهم او من جهة ان الانسداد وبعض مقدماته الآخر مأخوذ فى ساير الادلة واعلم ان المراد بالظن الخاص ما ثبت اعتباره من دليل خاص مثبت لحجيته ويتفرع على ذلك ان حجية الظن المطلق انما هى فى صورة انسداد باب العلم قوله ولابطال هذه الشبهة الخ يعنى لابطال اعتبار قصد الوجه فى العبادات محل آخر ولكن قد تقدم منا وجه بطلانه فيما سبق تفصيلا وللمحقق (ره) فى ابطال هذه الشبهة اى شبهة قصد الوجه كلام جيد حيث قال : فى بعض تحقيقاته على ما حكاه فى المدارك الذى ظهر لى ان نية الوجوب والندب ليست شرطا فى صحة الطهارة وانما يفتقر الوضوء الى نية القربة وهو اختيار الشيخ ابى جعفر الطوسى (ره) فى النهاية وان الاخلال بنية الوجوب ليس مؤثرا فى بطلانه ولا اضافتها مضرة ولو كانت غير مطابقة بحال الوضوء فى وجوبه وندبه وما يقوله المتكلمون من ان الارادة تؤثر فى حسن الفعل وقبحه فاذا نوى الوجوب والوضوء مندوب فقد قصد ايقاع الفعل على غير ـ

١٣٤

ـ وجهه كلام شعرى ولو كان له حقيقة لكان الناوى مخطئا فى نيته ولم تكن النية مخرجة للوضوء عن التقرب به ولله در سيد المدارك حيث استجود هذا الكلام بعد نقله اما لو توقف الاحتياط على التكرار ففى جواز الاخذ بالاحتياط وترك تحصيل الظن بتعيين المكلف به او عدم الجواز وجهان منشأ الوجه الاول ان العمل بالظن المطلق لم يثبت الا جوازه وعدم وجوب تقديم الاحتياط عليه للزوم العسر والحرج كما مرت الاشارة الى هذا اما تقديم الظن المطلق على الاحتياط فلم يدل عليه دليل الا شبهة قصد الوجه وقد تبين بطلانه فيقدم الامتثال الاجمالى على الظن المطلق ومنشأ الوجه الثانى ان تكرار العبادة احتياطا فى الشبهة الحكمية مع ثبوت الطريق إلى الحكم الشرعى ولو كان الطريق هو الظن المطلق خلاف السيرة المستمرة بين العلماء مع ان جواز العمل بالظن اجماعى فيكفى فى عدم جواز الاحتياط بالتكرار احتمال عدم جوازه واعتبار الاعتقاد التفصيلى فى الامتثال والحاصل ان الامر دائر بين تحصيل الاعتقاد التفصيلى ولو كان ظنا وبين تحصيل العلم بتحقق الاطاعة ولو اجمالا فمع قطع النظر عن الدليل الخارجي وهو اجماع العلماء على العمل بالظن وشبهة اعتبار قصد الوجه يكون الثانى اى الامتثال الاجمالى مقدما على الاول اى الامتثال التفصيلى فى مقام الاطاعة بحكم العقل والعقلاء وذلك لان العلم من حيث هو هو مقدم على الظن بحكم العقل والعقلاء. ولكن الشيخ قدس‌سره قد رجح الوجه الاول من الوجهين المذكورين فى مقدمات دليل الانسداد عند ابطال وجوب الاحتياط مدعيا بناء العقلاء فى اطاعاتهم العرفية علي تقديم العلم الاجمالي على الظن التفصيلى قوله فى الشبهة الحكمية انما قيد الشيخ (ره) بذلك تنبيها على عدم جريان دليل الانسداد فى الشبهات الموضوعية لان باب العلم فيها منفتح غالبا لاجل وجود الامارات الشرعية فيها مثل اليد والسوق وقاعدة الطهارة والبينة وغير ذلك قوله بحكم العقل والعقلاء الخ لا يخفى انه بعد استقلال العقل وثبوت بناء العقلاء على جواز تقديم الاطاعة الاجمالية على الاطاعة التفصيلية الظنية لاوجه لفرض الشك فى جواز ذلك فى امتثال الاوامر الشرعية ولو بملاحظة فتوى جماعة بالمنع او باعتبار قصد الوجه اذا القطع لا يجامع الشك.

١٣٥

(م) لكن بعد العلم بجواز الاول والشك فى جواز الثانى فى الشرعيات من جهة منع جماعة من الاصحاب عن ذلك واطلاقهم اعتبار نية الوجه فالاحوط ترك ذلك وان لم يكن واجبا لان نية الوجه لو قلنا باعتباره فلا نسلمه إلّا مع العلم بالوجه او الظن الخاص لا الظن المطلق الذى لم يثبت القائل به جوازه الا بعدم وجوب الاحتياط لا بعدم جوازه فكيف يعقل تقديمه علي الاحتياط؟

(ش) اقول انه قدس‌سره قد استدرك بقوله لكن بعد العلم بجواز الاول الخ عما ذكره سابقا من ان الاحتياط والعمل بالامتثال الاجمالى مقدم على الامتثال بالظن التفصيلى مع قطع النظر عن الدليل الخارجى وبيان ذلك ان المانع عن تقديم الامتثال الاجمالى على الامتثال بالظن التفصيلى هو منع جماعة من الاصحاب عن تقديمه منه واطلاقهم اعتبار نية الوجه بحيث يشمل ما نحن فيه فمقتضى منع جماعة واطلاقهم نية الوجه فى العبادات هو عدم جواز الامتثال الاجمالى بل لا بد من العمل بالامتثال التفصيلى ولو كان ظنا مطلقا فهذا يوافق الاحتياط وان لم يكن واجبا وقد اشار المصنف (ره) الى وجه عدم وجوب هذا بقوله : لان نية الوجه لو قلنا باعتباره الخ حاصله لو سلمنا اعتبار نية الوجه فلا نسلمه إلّا مع العلم بالوجه او الظن الخاص لا الظن المطلق الذى لم يثبت القائل به جوازه الا بعدم وجوب الاحتياط لا بعدم جوازه فلا يعقل تقديم الظن المطلق على الاحتياط.

ولا يخفى ان عدم وجوب الاحتياط من جملة مقدمات حجية الظن المطلق فما لم يبطل وجوبه لا يمكن استنتاج حجية الظن بخلاف الظنون الخاصة لعدم كونه من مقدمات حجيتها وان استلزم حجيتها عدم وجوب الاحتياط يقينا وهذا المقدار ويكفى فى اهونية امر الظن المطلق من الظنون الخاصة ولذا لم يقل احد بوجوب الاحتياط تعيينا فى صورة التمكن من الظن الخاص لكن قيل بوجوبه فيما لم يقم دليل على بطلانه فى صورة التمكن من الظن المطلق وقد استظهره المصنف قدس‌سره فيما يأتى من كلامه فى دليل الانسداد هذا.

١٣٦

(م) واما لو كان الظن مما ثبت اعتباره بالخصوص فالظاهر ان تقديمه على الاحتياط اذا لم يتوقف على التكرار مبنى على اعتبار قصد الوجه وحيث قد رجحنا فى مقامه عدم اعتبار نية الوجه فالاقوى جواز ترك تحصيل الظن والاخذ بالاحتياط ومن هنا يترجح القول بصحة عبادة المقلد اذا اخذ بالاحتياط وترك التقليد إلّا انه خلاف الاحتياط من جهة وجود القول بالمنع من جماعة وان توقف الاحتياط على التكرار فالظاهر ايضا جواز التكرار بل اولويته علي الاخذ بالظن الخاص لما تقدم من ان تحصيل الواقع بطريق العلم ولو اجمالا اولى من تحصيل الاعتقاد الظنى به ولو كان تفصيلا وادلة الظنون الخاصة انما دلت على كفايتها عن الواقع لا تعيين العمل بها فى مقام الامتثال إلّا ان شبهة اعتبار نية الوجه كما هو قول جماعة بل المشهوريين المتأخرين جعل الاحتياط فى خلاف ذلك مضافا الى ما عرفت من مخالفة التكرار للسيرة المستمرة.

(ش) اقول حاصل ما افاده الشيخ قدس‌سره ان الظن ان كان مما ثبت اعتباره بدليل خاص فالظاهر ان تقديمه على الاحتياط علي فرض ان لا يتوقف الاحتياط على التكرار مبنى على اعتبار قصد الوجه وحيث قد رجح المصنف (ره) فى محله عدم اعتبار نية الوجه فيقوى عنده جواز ترك تحصيل الظن والاخذ بالاحتياط فتحصل ان تقديم الاحتياط على تحصيل الظن فى صورة عدم التوقف على التكرار مبنى على عدم اعتبار قصد الوجه ويتفرع علي ذلك صحة عبادة المقلد اذا اخذ بالاحتياط وترك التقليد إلّا انه خلاف الاحتياط من جهة منع جماعة من ذلك. وان توقف الاحتياط علي التكرار فالظاهر ايضا جواز الاحتياط بل اولويته على الاخذ بالظن الخاص لما تقدم من ان تحصيل الواقع بطريق العلم ولو اجمالا اولى من تحصيل الاعتقاد الظنى به اى بالواقع ولو كان تفصيلا وادلة الظنون الخاصة من الاجماع والآيات والسنة لا تدل على وجوب العمل بها وكونها متعينة فى مقام العمل فى قبال الاحتياط والعمل بالعلم الاجمالى بل غاية دلالتها اعتبار الظنون الخاصة وجواز العمل بها وكفايتها عن الواقع تسهيلا للامر على العباد لا تعيين العمل بها فى مقام الامتثال ـ

١٣٧

ـ فمقتضى ذلك جواز ترك الاخذ به والعمل بالاحتياط المحرز للواقع يقينا ولو على وجه الاجمال لو لا شبهة اعتبار قصد الوجه وكون ذلك مخالفة للسيرة المستمرة.

فقد ظهر من عبارة الشيخ (قده) جواز العمل بالاحتياط والامتثال الاجمالى وترك تحصيل الظن التفصيلى بالواقع ولو كان ظنا خاصا من غير فرق بين صورتى التكرار وعدمه.

١٣٨

(م) مع امكان ان يقال انه اذا شك بعد القطع بكون داعي الامر هو التعبد بالمأمور به لا حصوله باى وجه اتفق فى ان الداعى هو التعبد بايجاده ولو فى ضمن امرين او ازيد او التعبد بخصوصه متميزا عن غيره فالاصل عدم سقوط غرض الداعى إلّا بالثاني وهذا ليس تقييدا فى دليل تلك العبادة حتّى يرفع باطلاقه كما لا يخفى وحينئذ فلا ينبغى بل لا يجوز ترك الاحتياط فى جميع موارد ارادة التكرار بتحصيل الواقع اولا بظنه المعتبر من التقليد او الاجتهاد باعمال الظنون الخاصة او المطلقة واتيان الواجب مع نية الوجه ثم الاتيان بالمحتمل الآخر بقصد القربة من جهة الاحتياط وتوهم ان هذا قد يخالف الاحتياط من ـ

(ش) اقول قد عرفت انه لا مانع من جواز العمل بالاحتياط وترك تحصيل الظن التفصيلى بالواقع الا شبهة نية الوجه وكونه مخالفا للسيرة المستمرة مع انه يمكن ان يقال اذا شك المكلف بعد القطع بان داعى الامر هو التعبد بالمأمور به لا حصوله باى وجه اتفق سواء علم ذلك من نفس الامر او من دليل خارج كاجماع او آية او رواية كقوله تعالى (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) فى ان الداعي هو التعبد بايجاده فى ضمن امرين او ازيد كتعبد المكلف بالمأمور به فى ضمن الاحتياط والامتثال الاجمالى او التعبد فى ضمن شىء بخصوصه متميزا عن غيره كالامتثال التفصيلى ولو فى ضمن الظن الخاص او المطلق فمقتضى الاصل هو الامتثال على الوجه الاخير وعدم حصول الداعى وسقوط الغرض باتيانه على وجه الاحتياط فالمانع من جواز العمل بالاحتياط وتقديمه على الظن هو ذلك قوله وهذا ليس تقييدا فى دليل تلك العبادة حتى يرفع باطلاقه يعنى لزوم اتيان المأمور به بالامتثال التفصيلى ليس تقييدا فى دليل تلك العبادة اذ ليس لادلة العبادة اطلاق بالنسبة الى الامتثال التفصيلى حتى يقيد والحال ان التقييد فرع الاطلاق لان التعبد بالاتيان بالمأمور به بخصوصه متميزا عن غيره من الامور المتأخرة عن الامر فلا يمكن اخذه فى مفهومه حتى يدعى كونه قيدا له وإلّا يلزم الدور وتوضيح هذا الكلام يحتاج الى البحث عن شروط العبادات وقيودها فنقول حاصل ما تعرض الاعاظم بالنسبة اليهما ان بعضا منهما كان قيدا للمادة مع قطع النظر عن تعلق ـ

١٣٩

ـ جهة احتمال كون الواجب ما اتى به بقصد القربة فيكون قد اخل فيه بنية الوجوب مدفوع بان هذا المقدار من المخالفة للاحتياط مما لا بد منه اذ لو اتى بنية الوجوب كان فاسدا قطعا لعدم وجوبه ظاهرا على المكلف بعد فرض الاتيان بما وجب عليه فى ظنه المعتبر وان شئت قلت ان نية الوجه ساقطة فيما يؤتى به من باب الاحتياط اجماعا حتى من القائلين باعتبار نية الوجه لان لازم قولهم باعتبار نية الوجه فى مقام الاحتياط عدم مشروعية الاحتياط وكونه لغوا ولا اظن احدا يلتزم بذلك عدا السيد ابي المكارم فى ظاهر كلامه فى الغنية فى رد الاستدلال علي كون الامر للوجوب بانه احوط وسيأتى ذكره عند الكلام على الاحتياط فى طى مقدمات دليل الانسداد.

ـ الامر بها واتصافها بعنوان المطلوبية ومن هذا القبيل الستر والطهارة والاستقبال ونحوها فى الصلاة ومنها ما هو قيد لها بملاحظة كونها مأمورا بها ومطلوبة للشارع ومن هذا القبيل التعبد بالمأمور به مطلقا او متميزا عن غيره وكذا النية وما يتعلق بها من قصد الوجه والعلم به والقربة لان هذه امور متفرعة على الامر متأخرة عنه فلو اخذت مع ذلك قيدا للمادة لزم تقدمها على الامر فيلزم الدور فمع الشك فى اعتبار شىء منها فى المأمور به لا يمكن التمسك فى نفى احتماله باطلاق المادة لما عرفت من كون ذلك فرع قابليتها للاطلاق قوله وحينئذ فلا ينبغى بل لا يجوز ترك الاحتياط الخ يعنى اذا شككنا فى سقوط الغرض الداعى للامر عند الامتثال الاجمالى فالاصل عدم سقوط الغرض الداعي إلّا بالثانى اى التعبد بخصوصه متميزا عن غيره فعلى هذا لا يجوز ترك الاحتياط فى جميع موارد ارادة التكرار بتحصيل الواقع اولا بالامتثال التفصيلى من التقليد او الاجتهاد باعمال الظنون الخاصة او المطلقة واتيان الواجب مع قصد الوجه ثم الاتيان بالمحتمل الآخر بقصد القربة من جهة الاحتياط وتوهم ان هذا اى الاتيان بالمحتمل الآخر بقصد القربة قد يخالف الاحتياط اذ يمكن ان يكون ما اتى به بقصد القربة واجبا فيكون قد أخل فيه بنية الوجوب مدفوع بان هذا المقدار من المخالفة فى موارد الاحتياط مما لا بد منه اذ لو اتى بنية الوجوب كان فاسدا لعدم وجوب ما اتى به بقصد القربة علي المكلف ظاهرا بعد ـ

١٤٠