درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٠٨

(م) والانصاف انه لا يخلو عن قوة لان المخالفة العملية التى لا تلزم فى المقام هى المخالفة دفعة فى الواقعة عن قصد وعلم واما المخالفة تدريجا فى واقعتين فهي لازمة البتة والعقل كما يحكم بقبح المخالفة دفعة عن قصد وعلم كذلك يحكم بحرمة المخالفة فى واقعتين تدريجا عن قصد اليها من غير تقييد بحكم ظاهرى عند كل واقعة وحينئذ فيجب بحكم العقل الالتزام بالفعل او الترك اذ فى عدمه ارتكاب لما هو مبغوض للشارع يقينا عن قصد وتعدد الواقعة انما يجدى مع الاذن من الشارع عند كل واقعة كما فى تخيير الشارع للمقلدين بين قولى المجتهدين تخييرا مستمرا يجوز معه الرجوع من احدهما الى الآخر واما مع عدمه ـ

(ش) يعنى والانصاف ان عدم الرجوع الى الاباحة والرجوع الى التخيير لا يخلو عن قوة لان المخالفة العملية التى لا تلزم فى المقام اى فى مسئلة دوران الامر بين الوجوب والحرمة هى المخالفة دفعة فى الواقعة الواحدة عن قصد واما المخالفة تدريجا فى الوقائع المتعددة فهى لازمة البتة والعقل لا يفرق فى مقام الحكم بقبح المخالفة القطعية العملية بين صورة وقوعها دفعة وفى واقعة وبين وقوعها تدريجا وفى واقعتين لان مناط الحكم هو قبح المخالفة العملية وهو موجود فيهما وحينئذ يجب بحكم العقل الالتزام بالفعل او الترك اذ فى عدمه ارتكاب لما هو مبغوض للشارع يقينا عن قصد.

لا يقال انه يمكن قبح المخالفة العملية القطعية فى صورة اتحاد الواقعة واما مع تعدد الواقعة فلا قبح فيها والشاهد على ذلك تخيير الشارع للمقلد بين قولى المجتهدين تخييرا مستمرا يجوز معه العدول عن احدهما الى الآخر بحيث يستلزم القطع فى بعض الموارد بمخالفة العمل للواقع فى الوقائع المتعددة كما اذا كان راى احدهما وجوب فعل وراى الآخر حرمة هذا الفعل فقلد الاول فارتكبه ثم قلد الآخر فتركه.

لانا نقول ان ما ذكر من عدم قبح المخالفة العملية مع تعدد الواقعة انما يسلم مع الاذن من الشارع عند كل واقعة كما فى تخيير الشارع للمقلد بين قولى المجتهدين تخييرا مستمرا يجوز معه الرجوع من احدهما الى الآخر واما مع عدم الاذن فالعقل لا يفرق بين تعدد الواقعة وعدمه فى قبح المخالفة العملية. ـ

١٨١

ـ فالقادم على ما هو مبغوض للشارع يستحق عقلا العقاب على ارتكاب ذلك المبغوض اما لو التزم باحد الاحتمالين قبح عقابه على مخالفة الواقع لو اتفقت ويمكن استفادة الحكم ايضا من فحوى اخبار التخيير عند التعارض لكن هذا الكلام لا يجرى فى الشبهة الواحدة التى لم تتعدد فيه الواقعة حتى يحصل المخالفة العملية تدريجا فالمانع فى الحقيقة هى المخالفة العملية القطعية ولو تدريجا مع عدم التعبد بدليل ظاهرى فتامل جيدا. هذا كله فى المخالفة القطعية للحكم المعلوم اجمالا من حيث الالتزام بان لا يلتزم به او يلتزم بعدمه فى مرحلة الظاهر اذا اقتضت الاصول ذلك.

ـ قيل فى وجه الفرق بين المقامين : ما حاصله انه مع عدم قيام الدليل على حكم كل واقعة وكون الوقائع المتعددة من جزئيات التكليف الواحد المعلوم اجمالا ومحتملاته تكون تلك الوقائع فى نظر العقل فى حكم واقعة واحدة فتقبح المخالفة فيها بخلاف ما لو قام الدليل عند كل واقعة لانه مع قيامه كذلك يصير كل واقعة فى نظر العرف واقعة مستقلة معلوما حكمها بالتفصيل فكان تلك الوقائع حينئذ تخرج عندهم من اطراف العلم الاجمالى فلا يلاحظ ح مخالفة العمل له عند ملاحظة مجموع تلك الوقائع.

قوله ويمكن استفادة الحكم الخ وجه الاستفادة ان الاخبار دالة على التخيير فى تعارض الخبرين والمستفاد من فحوى هذه الاخبار جريان التخيير فيما نحن فيه ايضا فانه اذا لم يجوز الشارع المخالفة للحكم الظاهرى فالمخالفة للحكم الواقعى اولي بعدم التجويز وقد يثبت ذلك بتنقيح المناط بتقريب ان المستفاد منها وجوب الاخذ باحد الحكمين وان لم يكن على كل واحد منهما دليل معتبر معارض بدليل آخر ولا يخفى ان هذا الاستدلال قد ذكره الشيخ فى اواخر مبحث البراءة فى مسئلة دوران الامر بين المحذورين واعترض عليه بانه قياس مع الفارق ويأتى وجهه هناك إن شاء الله تعالى ولكن هذا الكلام لا يجرى فى الشبهة الواحدة التى لا تتعدد فيها الواقعة مثل مسئلة الحلف السابقة فان الحلف بالوطى وعدم الوطي لما كانا فى وقت واحد فلا يمكن ـ

١٨٢

ـ فيه تعدد الواقعة والمخالفة القطعية التدريجية والظاهر عدم تصور ذلك فى الشبهة الحكمية قوله فتأمل جيدا يمكن ان يكون الامر بالتأمل اشارة إلى ان الشيخ قدس‌سره غير جازم بهذا المطلب وكونه مترددا فيه ولذا توقف فى مبحث البراءة فى هذه المسألة ويمكن ان يكون وجهه خروج احد الاطراف او الطرفين دائما عن محل الابتلاء وحينئذ لا يكون العلم الاجمالى منجزا للتكليف فتدبر ويمكن على بعد ان يكون اشارة الى عدم صحة الاستدلال بفحوى اخبار التخيير عند التعارض وقد امر بالتامل فيه فى مسئلة دوران الامر بين المحذورين فى مبحث البراءة كما سبقت الاشارة الى هذا.

١٨٣

(م) واما المخالفة العملية فان كانت لخطاب تفصيلي فالظاهر عدم جوازها سواء كانت فى الشبهة الموضوعية كارتكاب الإناءين المشتبهين المخالف لقول الشارع اجتنب عن النجس وكترك القصر والاتمام فى موارد اشتباه الحكم لان ذلك معصية لذلك الخطاب لان المفروض وجوب الاجتناب عن النجس الموجود بين الإناءين ووجوب صلاة الظهر والعصر مثلا قصرا او اتماما وكذا لو قال اكرم زيدا واشتبه بين شخصين فان ترك اكرامهما معصية فان قلت اذا اجرينا اصالة الطهارة فى كل من الإناءين واخرجناهما عن موضوع النجس بحكم الشارع فليس فى ارتكابهما بناء على طهارة كل منهما ـ

(ش) حاصل ما افاده الشيخ قدس‌سره فى المقام ان المخالفة العملية قد تكون لخطاب معين مفصل قد وقع الاشتباه فى متعلقه وقد تكون لخطاب مردد بين الخطابين كموارد العلم الاجمالى وكلا القسمين قد يكونان من نوع واحد وقد يكونان من نوعين والاول نحو تحريميين ووجوبيين والثانى كدوران الامر بين الوجوب والتحريم وعلى جميع التقادير اما ان تكون الشبهة حكمية او موضوعية

قوله سواء كانت فى الشبهة الموضوعية لا يخفى ما فى العبارة حيث لم يأت بذكر الشبهة الحكمية التى هى معادلة للشبهة الموضوعية ولا بد من ذكرها بعد ام التسوية ولعل قوله وكترك القصر والاتمام فى موضع المعادل لقوله سواء كانت وكانه قال سواء كانت الشبهة موضوعية ام حكمية وقوله وكذا لو قال الخ مثال للشبهة الوجوبية الموضوعية

الحاصل ان ما اختاره الشيخ (قده) فى المقام عدم جواز المخالفة العملية القطعية للحكم المعلوم بالاجمال مطلقا من دون فرق بين ان تكون المخالفة لخطاب تفصيلى كمسألة ارتكاب الإناءين المشتبهين المخالف لقول الشارع اجتنب عن النجس او اجمالي كالمخالفة لخطاب مردد بين خطابين كما اذا علمنا بنجاسة هذا المائع او بحرمة هذه المرأة ومن دون فرق بين ان تكون الشبهة شبهة موضوعية او حكمية اذ الاحكام الشرعية محمولة على الموضوعات الواقعية من دون اشتراطها بعلم المكلف او جهله بالاحكام او بموضوعاتها لعدم معقولية الاول اعنى اشتراط التكاليف الواقعية بعلم المكلف بها او جهله واما اشتراطها بالعلم بموضوعاتها وان كان معقولا إلّا انه خلاف الفرض لما عرفت فيما ـ

١٨٤

ـ مخالفة لقول الشارع اجتنب عن النجس قلت اصالة الطهارة فى كل منهما بالخصوص انما يوجب جواز ارتكابه من حيث هو واما الاناء النجس الموجود بينهما فلا اصل يدل على طهارته لانه نجس بقينا فلا بد من اجتنابهما تحصيلا للموافقة القطعية واما ان يجتنب احدهما فرارا عن المخالفة القطعية على الاختلاف المذكور فى محله هذا مع ان حكم الشارع بخروج مجرى الاصل عن موضوع التكليف الثابت بالادلة الاجتهادية لا معنى له إلّا رفع حكم ذلك الموضوع فمرجع اصالة الطهارة الى عدم وجوب الاجتناب المخالف لقوله اجتنب عن النجس فتامل.

ـ سبق ان الكلام فى المقام انما هو فيما اذا علم اجمالا بثبوت حكم لم يكن العلم ماخوذا فى موضوعه وحينئذ نقول ان ثبوت الاحكام الشرعية فى الواقع مقتض لوجوب امتثالها وما يصلح للمانعية عن تنجزها بمعنى كون المكلف معذورا فى ترك امتثالها ليس إلا جهل المكلف وهو مع وجود العلم الاجمالى لا يصلح للمانعية لا عقلا ولا نقلا اما عقلا فلعدم استقلال العقل بقبح عقاب الجاهل مع علمه الاجمالى بالتكليف وتمكنه من الامتثال بل العقل مستقل بعدمه اذ لا فرق فى نظر العقل فى قبح مخالفة المولى بين ان يعرف حكمه بالاجمال او التفصيل واما نقلا فلعدم الدليل عليه على تقدير جوازه وعدم مخالفته للعقل المستقل ويأتى بيانه فى الشبهة المحصورة إن شاء الله تعالى ولو منعنا كون العلم الاجمالى كالتفصيلى موجبا لتنجز الاحكام الواقعية وقلنا ان الجهل التفصيلى بالحكم الواقعى عذر عقلى او شرعى فالمتجه جواز المخالفة القطعية مطلقا فى جميع الصور فيكون القول بالتفصيل بين مخالفة الخطابات التفصيلية والاجمالية فى غاية الضعف خصوصا فى ما اذا كان الحكم المشتبه فى موضوعين متحدا بالنوع كما لا يخفى هذا.

قوله المخالف لقول الشارع اجتنب عن النجس قيل ان الاولى ان يعبر بدل قوله اجتنب عن النجس بنوع من انواع النجاسات كالخمر والبول والدم وغيرها لان كون هذا العنوان العام موضوعا للحكم بوجوب الاجتناب فى الخطابات الشرعية محل كلام قوله فان قلت اذا اجرينا اصالة الطهارة منشأ هذا السؤال مما التزم به سابقا ـ

١٨٥

من ان جريان الاصل فى الشبهة الموضوعية كان حاكما على الخطابات الشرعية المتعلقة باحد المشتبهين ثم حاصل السؤال منع لزوم المخالفة العملية فى الشبهة الموضوعية بعد ان فرضنا ان الاصول فيها مخرجة لمجاريها عن موضوع الخطابات الواقعية اذ بعد الحكم بطهارة كل من الإناءين بمقتضى جريان الاصل فيهما فليس فى ارتكابهما مخالفة عملية لقول الشارع اجتنب عن النجس قوله قلت اصالة الطهارة فى كل منهما بالخصوص الخ ملخص الجواب ان اصالة الطهارة وان كانت جارية فى كل واحد من الإناءين بالخصوص ومقتضي ذلك جواز ارتكابه من حيث هو ولكن وجود الاناء النجس بينهما يقينا يمنع من اعمال الاصل الدال على الطهارة فيه نفسه لانه نجس يقينا اما الاجتناب عن كلا الإناءين فمن باب المقدمة العلمية تحصيلا للعلم بالاجتناب عن النجس المعلوم بناء على وجوب الموافقة القطعية واما الاجتناب عن احدهما فرارا عن المخالفة القطعية فعلى الاختلاف المذكور فى محله قوله هذا مع ان حكم الشارع بخروج مجرى الاصل الخ اشارة الى جواب آخر حاصله ان تجويز الشارع الرجوع إلى اصالة الطهارة مثلا فى كل من المشتبهين ليس إلّا الحكم بعدم وجوب الاجتناب عن النجس وهو يناقض لقول الشارع اجتنب عن النجس الدال على وجوب الاجتناب عن النجس قوله فتأمل وفى بعض النسخ فافهم ووجه التأمل على ما افاده بعض المحشين اشارة الى المنع من كون مرجع اصالة الطهارة الى عدم وجوب الاجتناب المخالف لقول الشارع اجتنب عن النجس من جهة كونها حاكمة على ادلة وجوب الاجتناب عن النجس هذا.

١٨٦

(م) وان كانت المخالفة مخالفة لخطاب مردد بين خطابين كما اذا علمنا بنجاسة هذا المائع او بحرمة هذه المرأة او علمنا بوجوب الدعاء عند رؤية هلال رمضان او بوجوب الصلاة عند ذكر النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ففى المخالفة القطعية حينئذ وجوه : احدها الجواز مطلقا لان المردد بين الخمر والاجنبية لم يقع النهى عنه فى خطاب من الخطابات الشرعية حتى يحرم ارتكابه وكذا المردد بين الدعاء والصلاة فان الاطاعة والمعصية عبارة عن موافقة الخطابات التفصيلية ومخالفتها. الثانى عدم الجواز مطلقا لان مخالفة الشارع قبيحة عقلا مستحقة للذم عليها ولا يعذر فيها الا الجاهل بها. الثالث الفرق بين الشبهة فى الموضوع ـ

(ش) اقول قد تقدم ان المخالفة العملية على قسمين احدهما هو المخالفة لخطاب معين مفصل وقد سبق حكم هذا القسم تفصيلا والثانى منهما هى المخالفة لخطاب مردد بين الخطابين وقد مثل الشيخ قدس‌سره مثالين لهذا القسم والاول منهما وهو قوله كما اذا علمنا بنجاسة هذا المائع او بحرمة هذه المرأة من الشبهة الموضوعية والثانى وهو قوله او علمنا بوجوب الدعاء عند رؤية الهلال الخ من الشبهة الحكمية.

ثم انه فى المخالفة العملية القطعية لخطاب مردد بين خطا بين اوجه : احدها الجواز مطلقا وقد ذهب الى هذا الوجه غير واحد من الاصحاب على ما نسب بعض المحشين اليهم كصاحب المدارك والحدائق والفاضل القمى وبعض من تأخر عنه ممن يقولون بعدم وجوب الاجتناب فى الشبهة المحصورة ولازم هذا هو الجواز فى تلك المسألة لكن المصرح بذلك فى تلك المسألة من الاصحاب هو صاحب الحدائق حيث ذكر كلام صاحب المدارك الذى ذكره تأييدا لما قواه من عدم وجوب الاجتناب من المشتبهين وملخص ما استدلوا به على الجواز مطلقا ان الشك بالنسبة الى كل خطاب فى موارد العلم الاجمالى يرجع الى الشك البدوى لان الفرض عدم العلم بوجود متعلق احد الخطابين بالخصوص فيها فلا علم اجمالا بتعلق كل منهما حتى يحكم العقل بوجوب اطاعته وبالجملة العقل لا يحكم بوجوب الاطاعة والتحريك على المكلف الا بعد العلم بتوجه خطاب اليه مفصلا بحيث يصح ان يعاتبه المولى بانك لم خالفتنى فى الخطاب الفلاني؟ والمفروض عدم وجود مثل هذا الخطاب فى المقام وللدليل على هذا الوجه ـ

١٨٧

ـ والشبهة فى الحكم فيجوز فى الاول دون الثانى لان المخالفة القطعية فى الشبهات الموضوعية فوق حد الاحصاء بخلاف الشبهة الحكمية كما يظهر من كلماتهم فى مسائل الاجماع المركب وكأن الوجه ما تقدم من ان الاصول فى الموضوعات تخرج مجاريها عن موضوعات ادلة التكليف بخلاف الاصول فى الشبهات الحكمية فانها منافية لنفس الحكم الواقعى المعلوم اجمالا وقد عرفت ضعف ذلك وان مرجع الاخراج الموضوعى الى رفع الحكم المترتب على ذلك فيكون الاصل فى الموضوع فى الحقيقة منافيا لنفس الدليل الواقعى إلّا انه حاكم عليه لا معارض له فافهم.

ـ تقرير آخر وقد افاده صاحب القلائد وهو ان مجرد العلم بثبوت الخطاب الواقعى والكبرى الكلى الشرعى لا يكفى فى تنجز التكليف بل يحتاج تنجزه الى ضم صغرى وجدانية معلومة بالتفصيل او الاجمال حتى يحصل بها الربط بين هذا الفرد المبتلى به وبين ذلك الكبرى الكلى فيقال فى الاول هذا خمر وكل خمر يجب الاجتناب عنه وفى الثانى ان الخمر موجود فى احد الإناءين وكل خمر يجب الاجتناب عنه او يقال ان اناء زيد الموجود فيه الخمر المشتبه باناء عمرو الموجود فيه الخل خمر وكل خمر يجب الاجتناب عنه وهذا بخلاف ما اذا كان المشتبه مرددا بين عنوانين فانه فاقد للصغرى المرقومة كيف ولا يمكن ان يقال فى مقام بيانها ان هذا خمر كما لا يمكن ان يقال انه غصب وان قلت فى مقام ترتيب القياس فيه ان احدهما حرام وكل حرام يجب الاجتناب عنه ففيه انه ان اريد الحرمة الشأنية فهى غير نافعة وان اريد الفعلية فهى اول الكلام لانها موقوفة علي تنجز التكليف كما لا يخفى

الثانى عدم الجواز مطلقا اى بلا فرق بين الشبهة الموضوعية والحكمية وقد ذهب الى هذا الوجه الثانى معظم الاصحاب وهو المشهور بينهم وملخص ما استدل به على عدم الجواز هو ان العقل مستقل بقبح المخالفة القطعية اذا ادرك الارادة الحتمية من الشارع سواء كان بالاجمال او التفصيل وسواء كانت متعلقة بالفعل او الترك ويمنع من رجوع الشك الى الشك البدوى المصحح للرجوع الى البراءة فى نظر العقل والمصحح له هو احتمال عدم تكليف خاص اذا لم يستلزم تكليفا آخر على تقدير عدمه واما اذا كان تقدير عدمه ـ

١٨٨

ـ مجامعا لتكليف آخر فلا يجوز العقل الرجوع الى البراءة بل يستقل فى الحكم بعدم جواز الرجوع اليه وقبح اذن الشارع فيه. هذا

الثالث الفرق بين الشبهة الموضوعية والشبهة الحكمية فيجوز فى الاول دون الثانى لان المخالفة القطعية فى الشبهات الموضوعية فوق حد الاحصاء بخلاف الشبهة الحكمية كما يظهر من كلماتهم فى مسائل الاجماع المركب التى هى فى الشبهات الحكمية فتراهم لا يجوزون احداث قول ثالث وخرق الاجماع المركب مطلقا فيعلم من كلماتهم عدم جواز المخالفة القطعية فى الشبهات الحكمية ولا يخفى ان التعليل بجواز المخالفة القطعية فى الشبهات الموضوعية بانه فوق حد الاحصاء اشبه شىء بالمصادرة على المطلوب ولعل وجه الفرق بينهما كما اشار المصنف قدس‌سره بقوله وكأن الوجه الخ ما تقدم من ان الاصول فى الموضوعات تخرج مجاريها عن موضوعات ادلة التكليف بخلاف الاصول الجارية فى الشبهات الحكمية فانها منافية لنفس الحكم الواقعي المعلوم اجمالا قوله وقد عرفت ضعف ذلك يعنى قد عرفت ضعف ذلك الفرق المذكور بالنسبة إلى جريان الاصول بمعنى انها تخرج مجاريها عن موضوعات ادلة التكليف بخلاف الاصول الجارية فى الشبهات الحكمية فيما سبق مع ان حكم الشارع بخروج مجرى الاصل عن موضوع التكليف الثابت بالادلة الاجتهادية لا معنى له إلّا رفع حكم ذلك الموضوع الى آخره ضرورة ان جعل الموضوع فى مرحلة الظاهر ليس المراد به الجعل التكوينى بل المراد الجعل التشريعى فلا بد ان يكون المراد جعل الحكم فى مرحلة الظاهر اذ هو القابل لتعلق الجعل التشريعى به ليس إلّا قوله إلّا انه حاكم عليه لا معارض له اورد عليه بان هذا الاستدراك مما لا وجه له ضرورة ان التعارض لا ينفك عن التنافى كما ان الحكومة لا تنفك عن عدمه ولذا اخرج الحكومة عن تعريف التعارض فى خاتمة الكتاب مع انه بعد فرض الحكومة لا يمكن المنع من الرجوع الى الاصل ولعل الامر بالفهم للاشارة الى ضعف هذا الاستدراك قيل : لعله اشارة الى ان ما ذكر ليس وجه الضعف وان المدار والمناط فى ترتب العقاب علي المخالفة ليس ذلك فلا يجدى الفرق بين المقامين بما ذكر بل الضعف من جهة ان العقاب ليس إلّا على المخالفة العملية وهى هنا موجودة ومعها لا يمكن المصير الى الجواز انتهى ـ

١٨٩

(م) الرابع الفرق بين كون الحكم المشتبه فى موضوعين واحدا بالنوع كوجوب احد الشيئين وبين اختلافه كوجوب الشيء وحرمة آخر والوجه فى ذلك ان الخطابات فى الواجبات الشرعية باسرها فى حكم خطاب واحد بفعل الكل فترك البعض معصية عرفا كما لو قال المولى افعل كذا وكذا فانه بمنزلة افعلهما جميعا فلا فرق فى العصيان بين ترك واحد منهما معينا او واحد غير معين عنده نعم فى وجوب الموافقة القطعية بالاتيان بكل واحد من المحتملين كلام آخر مبنى على ان مجرد العلم بالحكم الواقعى يقتضى البراءة اليقينية عنه او يكتفى باحدهما حذرا عن المخالفة القطعية التى هى بنفسها مذمومة عند العقلاء ويعد معصية عندهم وان لم يلتزموا الامتثال اليقينى لخطاب مجمل.

______________________________________________________

(ش) اقول ان الوجه الرابع من الوجوه المذكورة فى المخالفة العملية القطعية لخطاب مردد بين خطابين هو الفرق بين كون الحكم المشتبه فى موضوعين واحدا بالنوع كوجوب احد الشيئين وبين اختلافه كوجوب الشيء وحرمة شيء آخر. والظاهر ان هذا المفصل لم يفرق فى تفصيله المذكور بين صورة اتحاد نوع الحكم واختلافه بين الشبهة الموضوعية والحكمية فملخص مذهبه ان المخالفة لا تجوز فى صورة اتحاد النوع مثل ان يتردد الامر بين وجوب شىء ووجوب شىء آخر او حرمة شىء وحرمة شيء آخر بخلاف صورة اختلاف النوع فحينئذ لا ريب فى جواز المخالفة سواء كان الاختلاف النوعى من قبيل الاختلاف فى الوجوب والحرمة او من قبيل اختلاف عنوان الموضوع فى طرفى الشبهة كان يدور الامر بين ان يكون احد المائعين اما خمرا واما مغصوبا ويأتى تفصيل الكلام فى محله إن شاء الله تعالي.

والوجه فى هذا التفصيل ان الخطابات فى الواجبات الشرعية وكذلك فى المحرمات الشرعية فى حكم خطاب واحد وما ذكره المصنف (ره) من الواجبات الشرعية من باب المثال وبيان ذلك ان الخطابات الشرعية فى صورة كونها متحدة بالنوع فى حكم خطاب واحد فتكون مخالفة احد هذه الخطابات مستلزمة لمخالفة خطاب تفصيلى وهو الخطاب الواحد الانتزاعى بخلاف كون الخطابات الشرعية مختلفة بحسب النوع فانها لا ترجع إلى خطاب ـ

١٩٠

ـ واحد حتى تستلزم مخالفة احدها لمخالفة خطاب تفصيلى فتحقق المعصية على الاول دون الثانى لان الاطاعة والمعصية على مذهب هذا المفصل عبارتان عن موافقة الخطابات التفصيلية ومخالفتها كما علل بذلك الوجه الاول ولكن نمنع انحصار الاطاعة والمعصية فى موافقة الخطابات التفصيلية ومخالفتها لانه كما يصدقان على موافقة الخطابات التفصيلية ومخالفتها كذلك يصدقان على موافقة الخطاب المعلوم بالاجمال ومخالفته نعم فى وجوب الموافقة القطعية بالاتيان بكل واحد من المحتملين كلام آخر مبنى على ان مجرد العلم بالحكم الواقعى يقتضي البراءة اليقينية عنه او يكتفى باحدهما حذرا عن المخالفة القطعية التى هى بنفسها مذمومة عند العقلاء ويعد معصية عندهم وان لم يلتزموا الامتثال اليقينى لخطاب مجمل.

١٩١

(م) والاقوى من هذه الوجوه هو الوجه الثانى ثم الاول ثم الثالث هذا كله فى اشتباه الحكم من حيث الفعل المكلف به واما الكلام فى اشتباهه من حيث الشخص المكلف بذلك الحكم فقد عرفت انه يقع تارة فى الحكم الثابت لموضوع واقعي مردد بين شخصين كاحكام الجنابة المتعلقة بالجنب المردد بين واجدى المنى وقد يقع فى الحكم الثابت لشخص من جهة تردده بين موضوعين كحكم الخنثى المردد بين الذكر والانثى واما الكلام فى الاول فمحصله ان مجرد تردد التكليف بين شخصين لا يوجب على احدهما شيئا اذ العبرة فى الاطاعة والمعصية بتعلق الخطاب بالمكلف الخاص فاجنب المردد بين شخصين غير مكلف بالغسل وان ورد من الشارع انه يجب الغسل على كل جنب فان كلا منهما شاك فى توجه هذا الخطاب اليه فيقبح عقاب واحد من الشخصين يكون جنبا بمجرد هذا الخطاب الغير الموجه اليه نعم لو اتفق لاحدهما او لثالث علم بتوجه خطاب اليه دخل فى اشتباه متعلق التكليف الذى تقدم حكمه باقسامه

(ش) اقول حاصل ما افاده قدس‌سره ان الاقوى من الوجوه المذكورة فى المخالفة العملية لخطاب مردد بين خطا بين هو الوجه الثانى اى عدم جواز المخالفة العملية مطلقا ووجه الاقوى على ما تقدم هو قبح مخالفة المولى عقلا مطلقا بلا فرق بين الشبهة الموضوعية والحكمية وبين المعلوم بالاجمال او التفصيل وادلة الاصول على فرض اشتمالها لموارد العلم الاجمالى لا بد من ان يتصرف فيها اما بتخصيصها بالشبهات البدوية او بافادة الترخيص فى احدهما بناء على كون الآخر بدلا عن الواقع فكيف كان فلا يجوز المخالفة العملية القطعية بل يأتى فى البراءة عدم ثبوت البدلية ووجوب الموافقة القطعية واما ضعف باقى الوجوه فواضح اما الاول فلمنع انحصار الاطاعة والمعصية فى موافقة الخطابات التفصيلية ومخالفتها واما الثالث فلعدم الفرق فيما ذكر بين الشبهات الحكمية والموضوعية وقد اشار الشيخ قدس‌سره الى ضعف توهم الفرق فيما مر واما الرابع فلان المراد من رجوع الخطابات الى خطاب واحد فى صورة اتحاد نوع الحكم ان كان حصول المعصية بمخالفة كل منها ففيه انه لا فرق فى ذلك بين صورتى الاتحاد والاختلاف وان كان رجوعها اليه حقيقة وفى نفس الامر فيكون بمنزلة العام الاصولى ـ

١٩٢

ـ المنحل الى خطابات عديدة فلا شاهد عليه وان كان انتزاع خطاب واحد منها فمع عدم كون مثل ذلك الخطاب الانتزاعى مناطا للتكليف ومدارا لاستحقاق الثواب والعقاب كما هو ظاهر يجرى مثله فى صورة اختلاف نوع الحكم ايضا غاية الامر ان الامر الانتزاعى فيها يكون اعم وابعد من الامر الانتزاعي فى الصورة الاولى قوله ثم الاول ثم الثالث والوجه فى الترجيح من الترتيب المذكور هو انه لو اغمض النظر عن التحقيق ودار الامر بين الوجوه الثلاثة فالاول اولي بالتعيين وإلّا فبالنسبة الى الوجه الثانى فيخلو كل من الوجهين من مرجح وكذا اذا دار الامر بين التفصيل الثالث والرابع كان الثالث هو المتعين اذ قد عرفت ان الوجه الرابع كان متضمنا لرجوع الخطابات الى خطاب واحد وهو مما لم يعلم له معنى محصل.

هذا كله فى اشتباه الحكم من حيث المكلف به والمراد من الحكم اعم من الحكم الكلى والجزئى وقد تقدم الاقسام المتصورة من هذه الجهة واما الكلام فى اشتباهه من حيث الشخص المكلف بذلك الحكم فقد عرفت انه يقع تارة فى الحكم الثابت لموضوع واقعى مردد بين شخصين كاحكام الجنابة المتعلقة بالجنب المردد بين واجدى المنى وقد يقع فى الحكم الثابت لشخص من جهة تردده بين موضوعين كحكم الخنثى المردد بين الذكر والانثى وبعبارة اخرى : ان الاشتباه قد يقع فى نوع المكلف كالمثال الاول وقد يقع فى شخصه كمسألة الخنثى.

واما الكلام فى الاول اى فى الحكم الثابت لموضوع مردد بين شخصين كاحكام الجنابة المتعلقة بالجنب المردد بين واجدى المنى فوظيفتهما فى انفسهما هو جواز العمل لكل منهما باصالة البراءة فلا يجب الغسل على احدهما وقد تقدم ان الوجه فيه عدم علم كل منهما بكونه مخاطبا بوجوب الغسل وكيف كان فمقتضى القاعدة فى هذه المسألة هو عمل كل منهما فى انفسهما بمقتضى اصل البراءة ولم يظهر فيها مخالف سوى المولى المحقق الاردبيلى على ما حكى عنه حيث ذكر فى واجدى المنى ان حكمهما حكم الشبهة المحصورة لو لا النص فيها بوجوب الاحتياط لانه يظهر منه ان مقتضى القاعدة فى الشبهة المحصورة لو كان هو الاحتياط كما هو الحق لكان مقتضاها فى واجدى المنى ايضا ـ

١٩٣

ـ ذلك اذ ظاهره كون المسألتين من واد واحد فى الاندراج تحت القاعدة ومن هنا ايضا قد جعل صاحب المدارك حكم واجدى المنى دليلا على عدم وجوب الاجتناب عن جميع اطراف الشبهة المحصورة والبحث عن هذه المسألة تفصيلا يأتي فى محله إن شاء الله تعالى قوله اذ العبرة فى الاطاعة والمعصية الخ حاصله ان الاطاعة والمعصية لا تتحققان عند العقلاء إلّا بالعلم بتوجه الخطاب الى المكلف الخاص فعلى هذا مجرد الخطاب الوارد من الشارع بانه يجب الغسل على كل جنب لا يقتضى توجه خطاب اغتسل الى كل واحد من واجدى المنى فى الثوب المشترك لان كلا منهما شاك فى توجه الخطاب الوارد من الشارع اليه فالميزان فى حرمة المخالفة العملية القطعية فى جميع الموارد هو المخالفة لخطاب تفصيلى او اجمالى مردد متوجه الى خصوص المكلف فاذا تبين عدم توجه الخطاب الوارد من الشارع الى واجدى المني فى الثوب المشترك قبح العقاب لهما من المولي الحكيم نعم لو اتفق لاحدهما او لثالث علم بتوجه خطاب اليه سواء كان العلم علما تفصيليا بالخطاب المتوجه اليه او كان علما اجماليا مؤثرا فان العلم الاجمالي المذكور وان كان غير مؤثر إلّا انه اذا تولد منه العلم الاجمالى المؤثر يتبع ويجب ترتيب الآثار عليه دخل فى اشتباه متعلق التكليف وقد تقدم ان الاشتباه فى متعلق التكليف يتصور على ستة اقسام لان الاشتباه فيه اما فى مفهومه او مصداقه وعلى الثانى اما فى المكلف به او المكلف ومخالفة العلم الاجمالى على التقادير اما لخطاب تفصيلى او لخطاب مجمل مردد بين خطابين فصاعدا وقد تقدم حكم الجميع فى كلام الشيخ ما عدا الشك فى المكلف وسيأتي البحث عنه تفصيلا وبالجملة اذا حصل الشك لاحد المكلفين الذين فرض اشتباه الحكم بينهما او لثالث دخل فى باقى اقسام اشتباه الحكم.

١٩٤

(م) ولا بأس بالاشارة الى بعض فروع المسألة ليتضح انطباقها على ما تقدم فى العلم الاجمالى بالتكليف فمنها حمل احدهما الآخر وادخاله فى المسجد للطواف او لغيره بناء على تحريم ادخال الجنب او ادخال النجاسة الغير المتعدية فان قلنا ان الدخول والادخال متحققان بحركة واحدة دخل فى المخالفة القطعية المعلومة تفصيلا وان تردد بين كونه من جهة الدخول او الادخال وان جعلناهما متغايرين فى الخارج كما فى الذهن فان جعلنا الدخول والادخال راجعين الى عنوان محرم واحد وهو القدر المشترك بين ادخال النفس وادخال الغير كان من المخالفة المعلومة بالخطاب التفصيلى نظير ارتكاب المشتبهين بالنجس وان جعلنا كلا منهما عنوانا مستقلا دخل فى المخالفة للخطاب المعلوم بالاجمال الذى عرفت فيه الوجوه المتقدمة.

(ش) اقول انه لا اثر للعلم الاجمالى مرددا بين الشخصين كالجنابة المرددة بين الشخصين فى الثوب المشترك فان اصالة عدم الجنابة تجرى فى حق كل من الشخصين بلا معارض نعم قد يتولد من العلم بجنابة احد الشخصين ما يقتضى تعارض الاصلين وذلك يتصور فى موارد :

منها حمل احد واجدى المنى للآخر وادخاله فى المسجد للطواف او لغيره بناء على تحريم ادخال الجنب او ادخال النجاسة الغير المتعدية فملخص ما ذكره المصنف فى مسئلة حمل احدهما للآخر انا ان قلنا بان الدخول والادخال متحققان بحركة واحدة كما هو الاظهر وقد صرح بذلك غير واحد من الاجلة فعلى هذا المبنى ذكر بعض من الفقهاء فى مسئلة الطواف ان الحركة الواحدة مجزية للحامل والمحمول ويحصل بها اداء الواجب ويستحق الاجير الاجرة المقررة له وليس كل ذلك إلّا بالقول بان الدخول والادخال متحققان فى ضمن حركة واحدة فعلى هذا تلزم مخالفة العلم التفصيلى وان لم يعلم سببه وقد تقدم ان القطع الطريقى لا يفرق بين اسبابه وان العلم التفصيلى المتولد عن العلم الاجمالى كغيره من العلوم التفصيلية.

وان تردد كونه من جهة الدخول او الادخال ففى هذا الفرض ان قلنا بتغايرهما وكون كل منهما موجودا فى الخارج بوجود مغاير لوجود الآخر كما انهما متغايران فى ـ

١٩٥

ـ الذهن فان الاول عبارة عن دخول شيء فى شيء بنفسه والثانى عبارة عن دخول شيء فى شيء بواسطة غيره والادخال صفة للحامل كما ان دخول نفسه صفة له فحينئذ ان جعلناهما راجعين الى عنوان محرم واحد بان يفرض موضوع التحريم فى الشرع هو الادخال الاعم من ادخال النفس وادخال الغير او التسبيب الاعم من الدخول والادخال لا محض الاعتبار العقلى وبعبارة اخرى نفرض ان النهى راجع الى هذا القدر المشترك بين ادخال النفس وادخال الغير دخل ايضا فى المخالفة المعلومة للخطاب التفصيلى نظير ارتكاب المشتبهين بالنجس اذ الخطاب فى المقام وان كان تفصيليا لكن لم يعلم ان مخالفته من جهة ادخال النفس او من جهة ادخال الغير ويمكن ان يكون مراده ان العلم التفصيلى المتولد من الخطابين حاصل بحرمة الادخال الذى هو قدر مشترك بينهما او التسبيب او غيرهما فيكون العبرة به وان كان الخطاب بحسب الظاهر مجملا ومرددا بين امرين فيكون من قبيل اجتنب عن النجس.

وان جعلنا كلا منهما عنوانا مستقلا بان يفرض كون موضوع التحريم هو الدخول والادخال كليهما دخل فى المخالفة للخطاب المعلوم بالاجمال فيجرى فيه الوجوه الاربعة المتقدمة التى عرفت حالها من القول بالجواز مطلقا والعدم مطلقا والتفصيل على ما مرت اليه الاشارة وقد عرفت مستند كل واحد من الوجوه وان الحق هو عدم جواز المخالفة القطعية فيه ايضا فالفرق بين هذه الوجوه المذكورة ان فى الثالث مخالفة اجمالية للخطاب الاجمالى وفى الثانى مخالفة معلومة اجمالا للخطاب التفصيلى وفى الاول مخالفة معلومة تفصيلا للخطاب التفصيلى (التحقيق فى المقام) انه لا ينبغى ان يرتاب فى ان الدخول والادخال متغايران فى الذهن وفى الخارج بل يدعى على ما يقال ان الترتب بينهما ذاتى ايضا بمعنى ان الدخول بحسب الطبع مقدم علي الادخال وانما الكلام فى ان الدخول والادخال هل يتحققان فى الخارج بحركة واحدة بمعنى تصادقهما عليها كسائر الكليات المتصادقة على مورد واحد او ان الادخال انما يتحقق بعد تحقق الدخول زمانا او انهما يتحققان معا لكنهما لا يصدقان على حركة واحدة فان فرضنا حصولهما بحركة واحدة فلا يعقل الاشكال فى حرمتها وان لم يعلم سببها وتردد ـ

١٩٦

ـ بين الادخال والدخول اذ قد تقدمت الاشارة الى ان فى مقام اعتبار العلم من باب الطريقية لا فرق بين اسبابه وان العلم التفصيلى الحاصل من العلم الاجمالى كالعلم التفصيلى الحاصل من غيره فى نظر العقل من حيث حكمه بعدم امكان تصرف الشارع فيه وان فرضنا عدم حصولهما بحركة واحدة بالمعنى الذى سبق فلا يخلو الامر من انه اما نقول بأن المحرم هو القدر المشترك بينهما وهو التسبب لدخول الجنب فى المسجد اولا نقول بذلك بل نقول بان كلا منهما حرام مستقل لا دخل له بالآخر فان جعلنا المحرم هو القدر المشترك بينهما فيدخل الفرض فى المخالفة القطعية العملية للخطاب التفصيلى كشرب ماء اناءين يعلم بنجاسة احدهما وان جعلنا المحرم كلا منهما بعنوانه الذى لا دخل له بالآخر فيدخل فى المخالفة القطعية العملية للخطاب المردد الذى عرفت فيه الوجوه المتقدمة.

١٩٧

(م) وكذا من جهة دخول المحمول واستيجاره الحامل مع قطع النظر عن حرمة الدخول والادخال عليه او فرض عدمها فانه علم اجمالا صدور احد المحرمين اما دخول المسجد جنبا او استيجار جنب للدخول فى المسجد إلّا ان يقال بان الاستيجار تابع لحكم الاجير فاذا لم يكن هو فى تكليفه محكوما بالجنابة وابيح له الدخول فى المسجد صح استيجار الغير له ومنها اقتداء الغير بهما فى صلاة او صلاتين فان قلنا بان عدم جواز الاقتداء من احكام الجنابة الواقعية كان الاقتداء بهما فى صلاة واحدة موجبا للعلم التفصيلى ببطلان الصلاة والاقتداء بهما فى صلاتين من قبيل ارتكاب الإناءين والاقتداء باحدهما ـ

(ش) قوله وكذا من جهة دخول المحمول الخ غرضه قدس‌سره هو التشبيه فى مخالفة الخطاب الاجمالى المردد لا فى اصل مسئلة الحمل قوله مع قطع النظر عن حرمة الدخول والادخال الخ اى على الحامل يعنى ان الكلام انما هو فى تكليف المحمول من حيث علمه اجمالا بانه او اجيره جنب مع قطع النظر عن ان فعل الحامل محرم فيكون استيجاره اعانة على الاثم او نفرض غفلته عن الواقع وجهله بالجنابة المرددة فلا يكون استيجاره اعانة على الاثم ولكن قد يقال بان غاية ما يجرى فى الفرض هو الوجه الاخير واما الوجهين الاولين فلا اذ الاستيجار غير الدخول قطعا ولا يصدقان على فعل واحد جزما كما ان كلا منهما محرم مستقل لا دخل له بالآخر ولعل مراد الشيخ قدس‌سره ليس اجراء جميع الوجوه بالنسبة الى المحمول بل المراد اجراء الوجه الاخير وتصور العلم بتوجه الخطاب بالنسبة الى المحمول وامكانه. هذا وهاهنا بحث شريف لا يسعه هذا المختصر ومنها اقتداء احدهما بالآخر او شخص ثالث بكل منهما فى صلاتين او صلاة واحدة فانه فى الفرض يعلم بفساد احدى الصلاتين اما صلاة نفسه او صلاة امامه وفى الفرض الثانى يعلم بفساد صلاة احد الامامين إلّا اذا قلنا انه يكفى فى صحة صلاة الجماعة احراز كل من الامام والمأموم صحة صلاة نفسه ولو بالاصل ولا يعتبر فى الصحة احراز المأموم صحة صلاة الامام فانه على هذا تصح صلاة الجميع وتجرى اصالة عدم الجنابة فى حق كل منهما بلا معارض وتفصيل ذلك موكول الى محله ـ

١٩٨

ـ فى صلاة واحدة كارتكاب الإناءين وان قلنا انه يكفى فى جواز الاقتداء عدم جنابة الشخص فى حكم نفسه صح الاقتداء فى صلاة فضلا عن صلاتين لانهما طاهر ان بالنسبة الى حكم الاقتداء والاقوى هو الاول لان الحدث مانع واقعى لا علمى نعم لا اشكال فى استيجارهما لكنس المسجد فضلا عن استيجار احدهما لان صحة الاستيجار تابع لاباحة الدخول لهما لا للطهارة الواقعية والمفروض اباحته لهما وقس على ما ذكرنا جميع ما يرد عليك مميزا بين الاحكام المتعلقة بالجنب من حيث الحدث الواقعي وبين الاحكام المتعلقة بالجنب من حيث انه مانع ظاهرى للشخص المتصف به.

ـ ومنها ما اذا استأجر كل منهما لما يكون مشروطا بالطهارة كالصلاة والصوم فان المستأجر يعلم بفساد صلاة احد الاجيرين فلا تفرغ ذمة المنوب عنه إلّا اذا قلنا ايضا بانه يكفى فى صحة الاجارة وتفريغ ذمة المنوب عنه كون الاجير محرزا لصحة عمله ولو بالاصل.

ومنها ما اذا استأجر كل منهما لما يحرم على الجنب فعله ككنس المسجد والدخول فيه لحمل المتاع ونحو ذلك فانه قد يقال بفساد الاجارة للعلم بحرمة دخول احد الاجيرين ولكن الاظهر فى هذا الفرض صحة الاجارة لانه لا يعتبر فى صحتها سوى كون العمل مملوكا للأجير وممكن الحصول للمستأجر وكل من الشرطين حاصل فى الفرض لان كلا من الاجيرين مالك لعمل نفسه فانه يباح لكل منهما الدخول فى المسجد وكنسه ولو بمقتضى الاصل فيجوز لهما ذلك واذا جاز لهما ذلك جاز استيجارهما عليه وغير ذلك من جميع ما يرد عليك مميزا بين الاحكام المتعلقة بالجنب من جهة الحدث الواقعى وبين الاحكام المتعلقة بالجنب من حيث ان الحدث مانع ظاهرى للشخص المتصف به.

١٩٩

(م) واما الكلام فى الخنثى فيقع تارة فى معاملتها مع غيرها من معلوم الذكورية والانوثية او مجهولهما وحكمها بالنسبة الى التكاليف المختصة بكل من الفريقين وتارة فى معاملة الغير معها وحكم الكل يرجع الى ما ذكرنا فى الاشتباه المتعلق بالمكلف به اما معاملتها مع الغير فمقتضى القاعدة احترازها عن غيرها مطلقا للعلم الاجمالي بحرمة نظرها الى احدى الطائفتين فيجتنب عنهما مقدمة وقد يتوهم ان ذلك من باب الخطاب الاجمالى لان الذكور مخاطبون بالغضّ عن الاناث وبالعكس والخنثى شاك فى دخوله فى احد الخطابين.

(ش) حاصل ما افاده الشيخ قدس‌سره فى البحث عن الخنثى ان الكلام تارة يقع فى العبادات الصادرة منها واخرى فى معاملتها مع غيرها من معلوم الذكورية والانوثية او مجهولهما وتارة فى معاملة الغير معها.

وحكم كل من الصور المذكورة فى الخنثى اعنى معاملتها مع غيرها من معلوم الذكورية والانوثية ومجهولهما وحكم نفسها بالنسبة الى الاحكام المختصة بكل من الفريقين ومعاملة الغير معها يرجع الى الاشتباه المتعلق بالمكلف به.

ثم ان ما ذكره قدس‌سره من الصور المذكورة مبنى علي عدم كون الخنثى طبيعة ثالثة غير الذكر والانثى بل تكون داخلة تحت احد العنوانين من الذكر والأنثى كما هو المعروف المشهور بين الاصحاب فحينئذ تكون الشبهة فى الخنثى موضوعية لا حكمية واما على تقدير كونها طبيعة ثالثة فحينئذ تصير الشبهة حكمية بمعني ان الاشتباه فى هذا الجنس ولم يعلم ان حكمه حكم الرجل او الانثى او شىء آخر.

وقد يتوهم ان الخنثى من باب الاشتباه فى الخطاب الاجمالى لان الذكور مخاطبون بالغض عن الاناث وبالعكس والخنثى شاك فى دخوله فى احد الخطابين وفيه ان هذا التوهم انما يجدى لو قلنا بالتفصيل بين ما لو كانت المخالفة العملية لخطاب تفصيلي او اجمالى ولكنك عرفت ان الاقوى عدم جواز مخالفة الحكم المعلوم بالاجمال مطلقا.

قوله فمقتضى القاعدة احترازها عن غيرها الخ يعنى مقتضى القاعدة المقررة فى ـ

٢٠٠