درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٠٨

قوله اذ من المعلوم ان هذا لا يسمى تفسيرا يدل على ذلك سياق كثير من الاخبار المذكورة وغيرها كقوله عليه‌السلام فى الخبر يا جابر ان للقرآن بطنا وله ظهر وللظهر ظهر وليس شيء ابعد من عقول الرجال من تفسير القرآن ... الخبر فكلامه المذكور فى الاول وتعليله المذكور فى الآخر يدل علي ان المراد من التفسير ليس العمل بالظواهر اذ التفسير كما صرح به جمع من اهل اللغة ويشهد له التبادر هو كشف الغطاء ومن المعلوم ان مجرد حمل اللفظ علي ما يقتضيه ظاهره بعد الفحص عن صارفه فى مظان وجوده لا يصدق عليه كشف الغطاء بل يسمى ترجمة وفرق ظاهر بين التفسير والترجمة ولو سلم صدق التفسير علي مطلق حمل اللفظ على معناه ولو بما يقتضيه ظاهره العرفى إلّا ان المنهي عنه فى الاخبار ليس مطلق التفسير بل التفسير الخاص بقرينة وجود لفظ الرأى فيها المقيد للتفسير والتفسير بالرأى لا يصدق على حمل اللفظ على معناه بمقتضى ظاهره بعد الفحص عما يوجب صرفه فى مظان وجوده فان الظاهر ان المراد بالرأى اما الاعتبار العقلى الراجع الى الاستحسان فيكون المراد من التفسير بالرأى حينئذ حمل اللفظ على خلاف ظاهره فيما كان له ظاهر او احد احتماليه فيما لم يكن له ظاهر بحسب رجحانه فى نظره القاصر كما يرشد إلى ذلك بعض الاخبار المروية عن الائمة عليهم‌السلام واما حمل اللفظ على ظاهره من دون الرجوع الى ما يوجب صرفه سيما الاخبار الصادرة عن الائمة عليهم‌السلام على ابعد الاحتمالين بالنظر إلى قضية لفظ الرأى.

قوله وفى رواية ابن مسلم ان الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن على تقدير شمول الحديث للروايات الامامية لا بد من ان يكون النسخ فى اخبارهم عليهم‌السلام من جهة ان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله اودعه عندهم فاظهروه فى وقته وإلّا فلا يجوز نسخ الكتاب والسنة النبوية باخبار الائمة عليهم‌السلام وسيشير الى هذا المصنف (ره) في التعادل والترجيح.

وبالجملة ان الانصاف على ما افاده يقتضى عدم الحكم بظهور الاخبار المذكورة فى النهى عن العمل بظاهر الكتاب بعد الفحص والتتبع فى ساير الادلة خصوصا الآثار الواردة عن المعصومين عليهم‌السلام كيف ولو دلت على المنع من العمل بظاهر الكتاب ـ

٢٨١

ـ على هذا الوجه دلت علي عدم جواز العمل باحاديث اهل البيت عليهم‌السلام اذ في الاخبار مثل القرآن ناسخ ومنسوخ وخاص وعام ومحكم ومتشابه ويؤيد ذلك ما رواه سليم بن قيس الهلالى عن امير المؤمنين عليه‌السلام. ان امر النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله مثل القرآن منه ناسخ ومنسوخ وخاص وعام ومحكم ومتشابه وفى رواية سلم بن مسلم ان الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن.

تنبيه

فى بيان محل النزاع بين الاصوليين والاخباريين بالنسبة الى ظواهر الكتاب وهو انه لا يدعي احد من الفريقين جواز الاستقلال فى العمل بظاهر الكتاب بلا مراجعة الاخبار الواردة عنهم عليهم‌السلام بل النزاع بينهم : هل يجوز العمل بظواهر الكتاب بعد مراجعة ما ورد عن اهل البيت عليهم‌السلام من التفسير وبعد الفحص عن المقيدات والمخصصات ام لا فالطائفة الاولى على الجواز بخلاف الاخباريين.

٢٨٢

(م) هذا كله مع معارضة الاخبار المذكورة باكثر منها مما يدل على جواز التمسك بظاهر القرآن مثل خبر الثقلين المشهور بين الفريقين وغيره مما دل على الامر بالتمسك بالقرآن والعمل بما فيه وعرض الاخبار المتعارضة بل ومطلق الاخبار عليه ورد الشروط المخالفة للكتاب فى ابواب العقود والاخبار الدالة قولا وفعلا وتقريرا على جواز التمسك بالكتاب مثل قوله عليه‌السلام لما قال زرارة من اين علمت ان المسح ببعض الرأس فقال لمكان الباء فعرفه عليه‌السلام مورد استفادة الحكم من ظاهر الكتاب وقول الصادق عليه‌السلام فى مقام نهى الدوانقي عن قبول خبر النمام انه فاسق وقال الله تعالى ان جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا الآية وقوله عليه‌السلام لابنه اسماعيل ان الله عزوجل يقول يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين فاذا شهد عندك المؤمنون فصدقهم وقوله عليه‌السلام لمن اطال الجلوس فى بيت الخلاء لاستماع الغناء اعتذارا بانه لم يكن شيئا اتاه برجله اما سمعت قول الله عزوجل ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا وقوله عليه‌السلام فى تحليل العبد للمطلقة ثلثا انه زوج قال الله عزوجل حتى تنكح زوجا غيره وفى عدم تحليلها بالعقد المنقطع انه تعالى قال فان طلقها فلا جناح عليهما.

(ش) اقول قد تقدم الجواب عن الاخبار الناهية عن العمل بظاهر الكتاب مع ان الاخبار المذكورة معارضة باكثر منها بل لا يبعد ان تكون متواترة معنى حيث دلت علي الرجوع الى الكتاب وعرض الاخبار المتعارضة عليه والاخذ بما وافقه الكتاب وطرح ما خالفه واستشهاد الائمة عليهم‌السلام بظواهره فلا بد حينئذ من حمل الاخبار الناهية اما علي الاستقلال فى الاستفادة من الكتاب كما كان دأب العامة واما على تأويله بما يطابق القياس بالاستحسانات ومنها اى من الاخبار التى ظاهرها جواز التمسك بظاهر القرآن خبر الثقلين فى حديث النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله انى تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتى وهذا الخبر كما صرح به المصنف (ره) مشهور بين الفريقين بل المتواتر فى كل من الطريقين على ما ادعاه بعض الاعلام والتعبير عن كتاب الله وعن الائمة عليهم‌السلام بالثقلين من جهة ان العمل بهما ثقيل وقيل من الثقل بالتحريك بمعنى المتاع ومنها الاخبار الواردة فى عرض الاخبار المتعارضة على الكتاب وفى رد الشرط ـ

٢٨٣

ـ المخالف للكتاب

ومنها رواية زرارة حيث قال من اين علمت ان المسح ببعض الرأس قال عليه‌السلام لمكان الباء حيث عرّفه مورد استفادة الحكم من ظاهر الكتاب ومنها قوله عليه‌السلام فى جواز كون العبد محللا انه زوج قال الله تعالى حتى تنكح زوجا غيره وفى عدم تحليلها بالعقد المنقطع انه تعالى قال فان طلقها فلا جناح عليهما فعرّف عليه‌السلام مورد استفادة الحكم من ظاهر الكتاب.

٢٨٤

(م) وتقريره عليه‌السلام التمسك بقوله تعالى (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) وانه نسخ بقوله تعالى (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ) وقوله عليه‌السلام فى رواية عبد الاعلى فى حكم من عثر فوقع ظفره فجعل على اصبعه مرارة ان هذا وشبهه يعرف من كتاب الله ما جعل عليكم فى الدين من حرج ثم قال امسح عليه فاحال عليه‌السلام معرفة حكم المسح على اصبعه المغطى بالمرارة الى الكتاب موميا الى ان هذا لا يحتاج الى السؤال لوجوده فى ظاهر القرآن ولا يخفى ان استفادة الحكم المذكور من ظاهر الآية الشريفة مما لا يظهر الا للمتأمل المدقق نظرا الى ان الآية الشريفة انما تدل على نفى وجوب الحرج اعنى المسح على نفس الاصبع فيدور الامر فى بادئ النظر بين سقوط المسح رأسا وبين بقائه مع سقوط قيد مباشرة الماسح للممسوح فهو بظاهره لا يدل على ما حكم به الامام عليه‌السلام لكن يعلم عند التأمل ان الموجب للحرج هو اعتبار المباشرة فى المسح فهو ساقط دون اصل المسح فيصير نفى الحرج دليلا على سقوط اعتبار المباشرة فى المسح فيمسح على الاصبع المغطى فاذا احال الامام عليه‌السلام استفادة مثل هذا الحكم إلى الكتاب فكيف يحتاج نفى وجوب الغسل او الوضوء عند الحرج الشديد المستفاد من ظاهر الآية المذكورة او غير ذلك من الاحكام التى يعرفها كل عارف باللسان من ظاهر القرآن الى ورود ـ

(ش) ومما يدل على التمسك بظاهر القرآن تقريره عليه‌السلام تمسك الحسن بن الجهم بقوله تعالى (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ) وانه ناسخ لقوله تعالى (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ ..) الآية وهذا مطابق لما فى الوسائل عن محمّد بن يحيى عن احمد بن محمّد عن ابن فضال عن الحسن بن الجهم قال قال لى ابو الحسن الرضا عليه‌السلام يا أبا محمّد ما تقول فى رجل تزوج نصرانية على مسلمة قال قلت جعلت فداك وما قولى بين يديك؟ قال لتقولن فان ذلك يعلم به قولي قلت لا يجوز تزويج النصرانية علي مسلمة ولا على غير مسلمة قال عليه‌السلام ولم؟ قلت يقول الله عزوجل (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ) قال فما تقول فى هذه الآية (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) قلت فقوله (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ) نسخت هذه الآية فتبسم ثم سكت هذا. ومنها قوله عليه‌السلام فى رواية عبد الاعلى فى حكم من عثر فانقطع ظفره فجعل ـ

٢٨٥

ـ التفسير بذلك من اهل البيت عليهم‌السلام ومن ذلك ما ورد من ان المصلى اربعا فى السفر ان قرئت عليه آية القصر وجب عليه الاعادة وإلّا فلا وفى بعض الروايات ان قرئت عليه وفسرت له والظاهر ولو بحكم اصالة الاطلاق فى باقى الروايات ان المراد بقوله تعالي لا جناح عليكم ان تقصروا بيان الترخيص فى اصل تشريع القصر وكونه مبنيا على التخفيف فلا ينافى تعين القصر على المسافر وعدم صحة الاتمام منه ومثل هذه المخالفة للظاهر يحتاج الى التفسير بلا شبهة وقد ذكر زرارة ومحمد بن مسلم للامام عليه‌السلام ان الله تعالى قال لا جناح ولم يقل افعلوا فاجاب عليه‌السلام بانه من قبيل قوله تعالى (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) وهذا ايضا يدل على تقرير الامام لهما فى التعرض لاستفادة الاحكام من الكتاب والدخل والتصرف فى ظواهره ومن ذلك استشهاد الامام عليه‌السلام بآيات كثيرة مثل الاستشهاد بحلية بعض النسوان بقوله تعالى (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) وفى عدم جواز طلاق العبد بقوله (عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) ومن ذلك الاستشهاد لحلية بعض الحيوانات بقوله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً) الآية الى غير ذلك مما لا يحصى ـ على اصبعه مرارة ان هذا واشباهه يعرف من كتاب الله ما جعل عليكم فى الدين من حرج ثم قال : امسح على المرارة فان فى احالة معرفة المسح عليها على كتاب الله اشارة الى عدم احتياج مثل ذلك الى السؤال من جهة وجوده فى ظاهر الكتاب نعم لا يخفى ان استفادة هذا الحكم المذكور من ظاهر الآية الشريفة يحتاج الى تأمل دقيق نظرا الى ان المستفاد منها فى بادئ الرأى هو كونها دالة على نفى وجوب الحرج اعنى المسح على نفس الاصبع فيدور الامر ابتداء بين سقوط المسح رأسا وبين بقائه مع سقوط قيد مباشرة الماسح للممسوح فهو بحسب الظاهر لا يدل على ما حكم به الامام عليه‌السلام لكن يعلم عند التأمل ان الموجب للحرج هو اعتبار المباشرة فى المسح فهو ساقط دون اصل المسح فيصير نفى الحرج دليلا على سقوط اعتبار المباشرة فى المسح فيمسح على الاصبع المغطى فاذا احال الامام عليه‌السلام استفادة مثل هذا الحكم الى الكتاب فكيف يحتاج نفى وجوب الغسل او الوضوء عند الحرج الشديد المستفاد من ظاهر الآية المذكورة. قوله وفى بعض الروايات ان قرئت عليه وفسرت له هذه الرواية رواها فى الوسائل ـ

٢٨٦

ـ والبحار وغيرهما عن زرارة ومحمّد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام قالا قلنا لابى جعفر عليه‌السلام ما تقول فى الصلاة فى السفر كم هى وكيف هى فقال ان الله عزوجل يقول : «اذا ضربتم فى الارض فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة» فصار التقصير فى السفر واجبا كوجوب التمام فى الحضر قالا قلنا انما قال الله تعالى فليس عليكم جناح ولم يقل افعلوا كيف اوجب ذلك كما اوجب التمام فى الحضر فقال عليه‌السلام او ليس قد قال الله عزوجل «ان الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت او اعتمر فلا جناح عليه ان يطوف بهما» ألا ترون ان الطواف بهما واجب مفروض لان الله تعالى عزوجل ذكره فى كتابه وكذلك التقصير فى السفر شيء صنعه النبى وذكره الله فى كتابه قالا قلنا له فمن صلى فى السفر اربعا أيعيد ام لا قال ان كان قد قرئت عليه آية التقصير وفسرت له وصلى اربعا اعادوا ان لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا اعادة عليه.

٢٨٧

(م) الثانى من وجهى المنع انا نعلم بطروّ التقييد والتخصيص والتجوز فى اكثر ظواهر الكتاب وذلك مما يسقطها عن الظهور وفيه اولا النقض بظواهر السنة فانا نقطع بطرو مخالفة الظاهر فى اكثرها وثانيا ان هذا لا يوجب السقوط وانما يوجب الفحص عما يوجب مخالفة الظاهر فان قلت العلم الاجمالى بوجود مخالفات الظواهر لا يرتفع اثره وهو وجوب التوقف بالفحص ولذا لو تردد اللفظ بين معنيين او علم اجمالا بمخالفة احد الظاهرين لظاهر الآخر كما فى العامين من وجه وشبههما وجب التوقف فيه ولو بعد الفحص قلت هذه شبهة ربما تورد على من استدل على وجوب الفحص عن المخصص فى العمومات بثبوت العلم الاجمالى بوجود المخصصات فان العلم الاجمالى ـ

(ش) اقول ان اقوى ما استدل به الاخباريون على عدم جواز العمل بظاهر الكتاب وجهان : الاول الاخبار الناهية عن العمل بظاهر الكتاب وقد تقدم بيانه تفصيلا والثانى وجود العلم الاجمالى بالتقييد والتخصيص فى كثير من المطلقات والعمومات الكتابية الموجب لسقوط ظواهرها عن الحجية واورد عليه الشيخ (قده) اولا بالنقض بظواهر السنة لان المحذورات ادعى كونها فى ظواهر الكتاب وهى بعينها جارية فى ظواهر السنة ايضا وثانيا ان المحذورات المذكورة من طرو التقييد والتخصيص والتجوز لا يوجب سقوط ظواهر الكتاب وانما يوجب الفحص عما يوجب مخالفة الظاهر قوله فان قلت العلم الاجمالى بوجود مخالفات الظواهر الخ توضيح السؤال ان العلم الاجمالى اذا كان سببا للاجمال الموجب للتوقف فلا يرتفع بالفحص كما لا يرتفع اذا كان الاجمال ذاتيا بان كان اللفظ مشتركا بين المعنيين فصاعدا او عرضيا حاصلا بسبب العلم الاجمالى الخاص كما اذا علم اجمالا بمخالفة احد الظاهرين لظاهره بان علم بان ظاهر احدهما غير مراد كما فى العامين من وجه وشبههما من المتباينين المتعارضين سواء احتيج فى الجمع بينهما الى اخراج احدهما عن ظاهره او الى اخراج كليهما عن ظاهريهما فقد حمل السائل الاجمال العرضي الحاصل من جهة العلم الاجمال فى نوع المسائل على الاجمال الذاتى الحاصل فى المشترك اللفظى وعلى الاجمال العرضى الحاصل فى شخص المسائل قوله قلت هذه شبهة الخ هذه شبهة اوردت على من استدل على وجوب الفحص عن ـ

٢٨٨

ـ اما ان يبقى اثره ولو بعد العلم التفصيلى بوجود عدة مخصصات واما ان لا يبقى فان بقى فلا يرتفع بالفحص وإلّا فلا مقتضى للفحص ويندفع هذه الشبهة بان المعلوم هو وجود مخالفات كثيرة فى الواقع فيما بايدينا بحيث يظهر تفصيلا بعد الفحص واما وجود مخالفات فى الواقع زائدا على ذلك فغير معلوم فحينئذ فلا يجوز العمل قبل الفحص لاحتمال وجود مخصص يظهر بعد الفحص ولا يمكن نفيه بالاصل لاجل العلم الاجمالى واما بعد الفحص فاحتمال وجود المخصص فى الواقع ينفى بالاصل السالم عن العلم الاجمالى والحاصل ان المصنف لا يجد فرقا بين ظواهر الكتاب والسنة لا قبل الفحص ولا بعده.

ـ المخصص فى العمومات من جهة ثبوت العلم الاجمالى بوجود المخصصات فان العلم الاجمالى اما ان يبقي اثره ولو بعد العلم التفصيلى بوجود عدة مخصصات واما ان لا يبقى فان بقى فلا يرتفع بالفحص وإلّا فلا مقتضى للفحص قوله ويندفع هذه الشبهة توضيح دفع الشبهة ان المعلوم بالاجمال ينحل بعد الفحص عما بايدينا من الكتب اذ بعد الفحص عن الصوارف والمعارضات فيما بايدينا من الامارات ووجدان جملة منها وافية بالمقدار المتيقن من المعلوم بالاجمال ينحل العلم الاجمالى والزائد عنه غير معلوم ويكون الشك بالنسبة اليه شكا بدويا يرجع فيه الى الاصل ويكون المقام مثل ما اذا قطع بوجود قطرة دم فى احد الإناءين المشتبهين فاذا قطعنا بعدم وجود الدم المعلوم بالاجمال فى احد الإناءين واحتملنا وجود نجاسة اخرى فيه فلا مانع فى الرجوع الى اصل الطهارة او استصحابه بالنسبة اليه وهذا واضح ومناط الجواب هو التقييد المعلوم بالاجمال بما فى ايدينا من الكتب والامارات هذا حاصل ما افيد فى المقام.

٢٨٩

(م) ثم انك قد عرفت ان العمدة فى منع الاخباريين من العمل بظواهر الكتاب هى الاخبار المانعة عن تفسير القرآن إلّا انه يظهر من كلام السيد صدر شارح الوافية فى آخر كلامه ان المنع عن العمل بظواهر الكتاب هو مقتضى الاصل والعمل بظواهر الاخبار خرج بالدليل حيث قال بعد اثبات ان فى القرآن محكمات وظواهر وانه مما لا يصح انكاره وينبغى النزاع فى جواز العمل بالظواهر وان الحق مع الاخباريين ما خلاصته ان التوضيح يظهر بعد مقدمتين : الاولى ان بقاء التكليف مما لا شك فيه ولزوم العمل بمقتضاه موقوف على الافهام وهو يكون فى الاكثر بالقول ودلالته فى الاكثر يكون ظنية اذ مدار الافهام على القاء الحقائق مجردة عن القرينة وعلى ما يفهمون وان كان احتمال التجوز وخفاء القرينة باقيا الثانية ان المتشابه كما يكون فى اصل اللغة كذلك ـ

(ش) حاصل ما افاده (ره) ان العمدة فى منع الاخباريين من العمل بظواهر الكتاب هى الاخبار التي كانت مانعة من تفسير القرآن نعم يظهر من كلام السيد الصدر شارح الوافية ان المنع من العمل بظواهر الكتاب هو مقتضى الاصل والاخبار خرج بالدليل حيث قال بعد اثبات ان فى القرآن محكمات وظواهر وانه مما لا يصح انكاره وينبغى النزاع فى جواز العمل بالظواهر وان الحق مع الاخباريين ما خلاصته ان التوضيح يظهر بعد المقدمتين وقبل بيانهما فلا بأس بالاشارة الى معنى المحكم والمتشابه قال الطبرسى قيل فى المحكم والمتشابه اقوال : احدها ان المحكم ما علم المراد منه بظاهره من غير قرينة تقترن اليه ولا دلالة تدل على المراد لوضوحه نحو قوله تعالى (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً) ونحو ذلك مما لا يحتاج فى معرفة المراد منه الى دليل انتهى اما الظاهر فعرفوه بانه اللفظ الدال على احد محتملاته دلالة راجحة لا ينتفى معها الاحتمال وانت اذا تأملت النسبة بين تعريف الظاهر وما قالوه فى المحكم وجدتها المباينة لا العموم المطلق والعموم من وجه والمساواة انتهى ثم ان حاصل المقدمة الاولى التى تعرض لها السيد الصدر ان بقاء التكليف مما لا ريب فيه ولزوم العمل موقوف على افهام الشارع وهذا الافهام كثيرا ما يكون بالقول ودلالته علي مدلوله غالبا ظنية اذ مدار الافهام على القاء الحقائق مجردة عن القرينة وان كان ـ

٢٩٠

ـ يكون بحسب الاصطلاح مثل ان يقول أحد أنا استعمل العمومات وكثيرا ما اريد الخصوص من غير قرينة وربما اخاطب احدا واريد غيره ونحو ذلك فحينئذ لا يجوز لنا القطع بمراده ولا يحصل لنا الظن به والقرآن من هذا القبيل لانه نزل على اصطلاح خاص لا اقول على وضع جديد بل اعم من ان يكون ذلك او يكون فيه مجازات لا يعرفها العرب ومع ذلك قد وجد فيه كلمات لا يعلم المراد منها كالمقطعات ثم قال سبحانه آيات محكمات هن ام الكتاب وأخر متشابهات الآية ذم علي اتباع المتشابه ولم يبين لهم المتشابهات ما هى وكم هى بل لم يبين لهم المراد من هذا اللفظ وجعل البيان موكولا الى خلفائه والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى الناس عن التفسير بالآراء وجعلوا الاصل عدم العمل بالظن الا ما اخرجه الدليل.

ـ احتمال التجوز وخفاء القرينة باقيا. انما اقحم فى هذه المقدمة لضرورتها فى الاستنتاج اذ من المعلوم ان وجوب العمل بظواهر الكتاب والسنة انما يكون من جهة بقاء التكليف ضرورة انه مع عدمه لا معنى لوجوب العمل بها ومراده من قوله اذ مدار الافهام الخ التمسك بطريقة العرف وان طريقتهم مستقرة على ذلك فتكون من الظنون الخاصة ومما ذكرنا ظهر عدم توجه ما ذكره بعضهم عليه وهو انه ان كان الغرض منه استنتاج حجية الظن فهو لا يكاد ينتج ذلك ما لم يضم اليه ساير مقدمات دليل الانسداد وان كان المراد منه استنتاج ثبوت المقتضى لحجيته فلا دخل للعلم الاجمالى ببقاء التكليف فيه اصلا بل يكون ذكره فى مقدمات البرهان من قبيل ضم الحجر بجنب الانسان انتهى وحاصل المقدمة الثانية ان المتشابه كما يكون فى اصل اللغة كالمشترك المستعمل بلا قرينة كذلك يكون بحسب الاصطلاح ايضا مثل ان يقول أحد أنا استعمل العمومات وكثيرا ما اريد الخصوص من غير قرينة ونحو ذلك فحينئذ لا يجوز لنا القطع بمراده ولا يحصل لنا الظن به والقرآن من هذا القبيل يمكن ان يكون مراده من المتشابه الذى قد جعل القرآن من قبيله ان الظواهر من العمومات والمطلقات وغيرهما كلها او جلها قد اريد منها غير ظاهرها فيكون من ـ

٢٩١

ـ تأخير البيان عن وقت الحاجة لمصلحة فان تأخير البيان عن وقت الحاجة كذلك جائز عنده كما صرح به فى ذيل المقدمة الاولى وعند بعض المحققين ومنهم المصنف كما صرح به فى باب التعادل والترجيح ويمكن ان يكون مراده بالمتشابه هو ان العلم الاجمالى بالمخصصات والمقيدات وساير خلاف الظواهر قد اوجب الاجمال فى القرآن فلا يمكن العمل به والفرق بين الوجهين لا يكاد يخفى على المتأمل.

ولا يخفى ان المقدمة الثانية على ما قيل تشتمل على عدة ادلة تدل على عدم جواز العمل بظاهر الكتاب :

احدها نزول القرآن على وضع جديد ومجازات لا يعرفها العرب سيما مع ما وجد فيه من كلمات لا يعرف المراد منها كالمقطعات.

وثانيها الآية الشريفة وثالثها نهى النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله عن التفسير بالآراء.

ورابعها اصالة حرمة العمل بالظن وانت خبير بان كون الكتاب على وضع جديد وكيفية خاصة لاجل استعمال العمومات احيانا فى الخصوص من دون نصب قرينة او توجيه الخطاب الى شخص مع كون المقصود غيره او نحو ذلك قد ظهر الجواب عنه مما اجاب به المصنف (ره) عن الدليل الثانى للمانعين مطلقا واما اشتماله على مجازات لا يعرفها العرب ففيه ان ثبوت ذلك فى بعض الفاظ القرآن لا يوجب الخروج من مقتضى الوضع اللغوى فيما لم يثبت فيه ذلك بعد الاعتراف بكون القرآن عربيا وكذلك اشتمال أوائل بعض السور علي المقطعات بل مقتضى القاعدة فى مثله كما قرر فى مبحث الحقيقة الشرعية هو الاقتصار علي موضع الثبوت واما الآية فقد اجاب عنها المصنف (ره) بما اجاب به واما النهى عن التفسير بالرأى فقد تقدم الجواب عنه عند الجواب عن الاخبار المستدل بها للمقام واما اصالة حرمة العمل بالظن فهى بعد الاعتراف بكون الظواهر من الظنون الخاصة كما هو مقتضى المقدمة الاولى قوله لانه نزل على اصطلاح خاص الظاهر ان مراده ان القرآن مشتمل على الفاظ العبادات والمعاملات وهى موضوعة لمعان مستحدثة مخصوصة لم يعرفها العرب وهذا على تقدير ثبوت الحقيقة الشرعية فيهما كما هو قول بعضهم اولهما معان مستحدثة مجازية لم يعرفها العرب وهذا على تقدير عدم ثبوت ـ

٢٩٢

ـ الحقيقة الشرعية فيهما ما مع القول بالاختراع كما يظهر من البعض الآخر او بعضها موضوع للمعانى المخترعة وبعضها مجاز فيها او لبعضها معان مخترعة حقيقة كان ام مجازا ولبعضها معان مجازية على غير وجه الاختراع بان تكون مجازيتها لاجل ارادة خصوص الفرد من اللفظ الموضوع للكلى وهذا النحو من المجازية مطردة فى كثير من الالفاظ كالاسلام والكفر والايمان وغيرها الواردة فى الكتاب والمراد منها نوع خاص او صنف كذلك وفرد كذلك من معانيها اللغوية ألا ترى ان الولد فى العرف واللغة يطلق على الولد الحاصل من الزنا حقيقة مع ان الولد المترتب عليه الحكم من الارث وغيره لا يطلق إلّا على ما هو متولد من نكاح وهو غير قاتل ورق وكافر وغير ذلك مما فصلوه فى محله وعلى جميع التقادير المذكورة والمحتملات المسطورة المعانى المرادة من الالفاظ المذكورة وغيرها فى القرآن مما لم يعرفها العرب ومع عدم معرفتهم بها يكون القرآن مجملا بالنسبة اليهم هذا حاصل ما افيد فى المقام فتأمل.

٢٩٣

(م) اذا تمهد المقدمتان فنقول مقتضي الاولى العمل بالظواهر ومقتضى الثانية عدم العمل لان ما صار متشابها لا يحصل الظن بالمراد منه وما بقى ظهوره مندرج فى الاصل المذكور فنطالب بدليل جواز العمل لان الاصل الثابت عند الخاصة هو عدم جواز العمل بالظن الا ما اخرجه الدليل لا يقال ان الظاهر من المحكم ووجوب العمل بالمحكم اجماعى لانا نمنع الصغرى اذ المعلوم عندنا مساواة المحكم للنص واما شموله للظاهر فلا الى ان قال لا يقال ان ما ذكرتم لو تم لدل على عدم جواز العمل بظواهر الاخبار ايضا لما فيها من الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والعام والمخصص والمطلق والمقيد لانا نقول انا لو خلينا وانفسنا لعملنا بظواهر الكتاب والسنة مع عدم نصب ـ

(ش) يعنى اذا تمهد المقدمتان فنقول وما تقتضى المقدمة الاولي هو العمل بظواهر الكتاب حيث قال فيها ان بقاء التكليف مما لا شك فيه الخ وما تقتضى المقدمة الثانية هو عدم العمل بظواهر الكتاب لان ما صار متشابها لا يحصل الظن بالمراد منه وما بقى ظهوره مندرج فى الاصل المذكور فنطلب دليل جواز العمل اذ الاصل الثابت عند الخاصة هو عدم جواز العمل بالظن الا ما اخرجه الدليل لا يقال ان ظواهر القرآن من قبيل المحكم ووجوب العمل بالمحكم اجماعى لانا نمنع الصغرى اى كون الظاهر من المحكم اذا المعلوم عندنا مساواة المحكم للنص واما شموله للظاهر فلا الى ان قال : المحكم على ما نقله فى القوانين عن العلامة قدس‌سره وغيره هو ما اتضح دلالته على معناه سواء كان نصا او ظاهرا والمتشابه ما لم يكن كذلك فيشمل المجمل والمؤول فلا يكون لفظ المحكم متشابها وينطبق على ما ذكروه ما فى مجمع البيان حيث قال فيه قيل فى المحكم والمتشابه اقوال احدها ان المحكم ما علم المراد بظاهره من غير قرينة تقترن اليه ولا دلالة تدل على المراد به لوضوحه نحو قوله تعالى (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً) ونحو ذلك مما لا يحتاج معرفة المراد منه الى دليل والمتشابه ما لا يعلم المراد منه بظاهره حتّى يقترن به ما يدل على المراد منه لالتباسه انتهى. لا يقال ان مقتضى ما ذكرتم فى المقدمة الثانية عدم جواز العمل بظواهر الاخبار ايضا لما فيها من الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والعام والمخصص والمطلق والمقيد لانا ـ

٢٩٤

ـ القرينة على خلافها ولكن منعنا من ذلك فى القرآن للمنع من اتباع المتشابه وعدم بيان حقيقته ومنعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن تفسير القرآن ولا ريب فى ان غير النص محتاج الى التفسير وايضا ذم الله تعالى من اتباع الظن وكذا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله واوصيائه عليهم‌السلام ولم يستثنوا ظواهر القرآن الى ان قال واما الاخبار فقد سبق ان اصحاب الائمة عليهم‌السلام كانوا عاملين باخبار واحد من غير الفحص عن مخصص او معارض ناسخ او مقيد ولو لا هذا لكنا فى العمل بظواهر الاخبار ايضا من المتوقفين انتهى.

ـ نقول انا لو خلينا وانفسنا لعملنا بظواهر الكتاب والسنة مع عدم نصب القرينة على خلافها ولكن منعنا من العمل بالظواهر فى القرآن للمنع من اتباع المتشابه وعدم بيان حقيقته ومنعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن تفسير القرآن ولا ريب فى ان غير النص محتاج الى التفسير واما الاخبار فقد سبق ان اصحاب الائمة عليهم‌السلام كانوا عاملين باخبار واحد من غير فحص عن مخصص او معارض ناسخ او مقيد ولو لا عملهم بالاخبار لكنا فى العمل بظواهر الاخبار ايضا من المتوقفين هذا هو الذى دعاه وبعض من تقدمه كالمدقق الشيرواني والفاضل التونى الى القول بعدم وجوب الفحص اصلا فى العمل بالعمومات والاطلاقات على ما حكاه فى القوانين عنهم وان ذهب الفاضل التوني فى الوافية الى التوقف اخيرا.

٢٩٥

(م) اقول وفيه مواقع للنظر سيما فى جعل العمل بظواهر الاخبار من جهة قيام الاجماع العملى ولولاه لتوقف فى العمل بها ايضا اذ لا يخفى ان عمل اصحاب الائمة عليهم‌السلام بظواهر الاخبار لم يكن لدليل خاص شرعى وصل اليهم من ائمتهم وانما كان امرا مركوزا فى اذهانهم بالنسبة الى مطلق الكلام الصادر من المتكلم لاجل الافادة والاستفادة سواء كان من الشارع ام غيره وهذا المعنى جار فى القرآن ايضا على تقدير كونه ملقى للافادة والاستفادة على ما هو الاصل فى خطاب كل متكلم نعم الاصل الاولى هى حرمة العمل بالظن على ما عرفت مفصلا لكن الخارج منه ليس خصوص ظواهر الاخبار حتّى يبقى الباقى بل الخارج منه هو مطلق الظهور الناشى عن كلام كل متكلم القى الى غيره للافهام ثم ان ما ذكره من عدم العلم بكون الظواهر من المحكمات واحتمال كونها من المتشابهات ممنوع اولا بان المتشابه لا يصدق علي الظواهر لا لغة ولا عرفا بل يصح سلبه عنه فالنهى الوارد عن اتباع المتشابه لا يمنع كما اعترف به فى المقدمة الاولى ـ

(ش) اقول ان مواقع النظر فى كلام السيد الصدر كثيرة إلّا ان المصنف (ره) قد اشار إلى موضعين منها ولعل عدم تعرضه للباقى لكونه واضحا ومعلوما عند الاذهان المستقيمة قوله على ما هو الاصل فى خطاب كل متكلم الخ يعنى كما ان الاصل ذلك فى خطابات القرآن فيثبت كون القرآن مبنيا على الافادة والاستفادة ويدل على هذا بعض آياته كقوله تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) ، (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) ، (هُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) ، هدى (وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ ...) إلى غير ذلك مما لا يخفى فلا مجال لتوهم عدم كون القرآن موضوعا للافادة والاستفادة.

قوله ثم ان ما ذكره من عدم العلم بكون الظواهر من المحكمات الخ اقول ان نظره (قده) فى كلامه هذا إلى ما عهد من السيد الشارح فى كلامه السابق حيث قال فيما مر : اذ المعلوم عندنا مساواة المحكم للنص واما شموله للظاهر فلا اى فلا يعلم هذا لكنه لا يخفى ان الظاهر من العبارة المذكورة اعني قوله اذ المعلوم عندنا مساواة ـ

٢٩٦

ـ من ان مقتضى القاعدة وجوب العمل بالظواهر وثانيا بان احتمال كونها من المتشابه لا ينفع فى الخروج عن الاصل الذى اعترف به ودعوى اعتبار العلم بكونها من المحكم هدم لما اعترف به من اصالة حجية الظواهر لان مقتضى ذلك الاصل جواز العمل إلّا ان يعلم كونه مما نهى الشارع عنه وبالجملة فالحق ما اعترف به من انا لو خلينا وانفسنا لعملنا بظواهر الكتاب ولا بد للمانع من اثبات المنع ثم انك قد عرفت مما ذكرنا ان خلاف الاخباريين فى ظواهر الكتاب ليس فى الوجه الذى ذكرنا من اعتبار الظواهر اللفظية فى الكلمات الصادرة لافادة المطالب واستفادتها وانما يكون خلافهم فى ان خطابات الكتاب لم يقصد بها استفادة المراد من انفسها بل بضميمة تفسير اهل الذكر او انها ليست بظواهر بعد احتمال كون محكمها من المتشابه كما عرفت من كلام السيد المتقدم.

ـ المحكم للنص الخ ان النفى فى قوله فلا راجع الى الشمول لا العلم لانه بعد العلم بتساوى المحكم للنص وتراد فهما فشمول المحكم للظاهر معلوم عدمه لا غير معلوم فمعنى قوله واما شموله للظاهر فلا اى فلا يشمل يعنى معلوم عدم شموله له هذا لكن قد اجاب الشيخ (قده) بعد الايراد المذكور عليه بما ملخصه ان الظاهر من قوله المعلوم عندنا من جهة ان المبتدأ معرّف باللام فيفيد الحصر هو حصر المعلوم فى مساواة المحكم للنص واما غيره اعنى شمول المحكم للظاهر فغير معلوم بقرينة حصر المعلوم فى التساوى المذكور وايضا ظاهر عبارة السيد الشارح صدرا وذيلا ادعائه عدم العلم لا العلم بالعدم كما لا يخفى قوله ثم انك قد عرفت الخ حاصله ان النزاع بيننا وبين الاخباريين صغروى لا كبروى بمعني انهم ينكرون كون خطابات الكتاب وظواهره مما قصد بها الافادة والاستفادة ولا ينكرون حجية كل ظاهر صادر عن المتكلم لغرض الافادة والاستفادة فافهم قوله او انها ليست بظواهر بعد احتمال كون محكمها من المتشابه يعني بعد احتمال كون خطابات القرآن التى عنده تكون من الظواهر ومن المحكم عندنا ـ

٢٩٧

ـ من المتشابه كما عرفت من كلام السيد الصدر ففى عبارة الشيخ على ما قيل ادنى مسامحة لان السيد المتقدم لم يدّع كون المحكم من المتشابه بل ذكر احتمال كون الظواهر داخلة فى المتشابه وخارجة عن المحكم بان يكون المحكم منحصرا فى النص ويرد على الشيخ ايضا ان السيد الشارح قد ذكر فى قوله لان ما صار متشابها الخ ان الظواهر على قسمين قسم صار متشابها بالعرض لا يحصل الظن بالمراد منه وقسم بقى على ظهوره وهو مندرج تحت الاصل المذكور وهذا القسم هو الذى يحتمل كونه داخلا فى المتشابه عنده بخلاف القسم الاول لان دخوله فى المتشابه بالعرض لا شك فيه عنده فقول الشيخ : «او انها ليست بظواهر بعد احتمال كون محكمها من المتشابه» لا يوافق مذهب السيد فتأمّل.

٢٩٨

(م) وينبغى التنبيه على امور الاول انه ربما توهم بعض ان الخلاف فى اعتبار ظواهر الكتاب قليل الجدوى اذ ليست آية متعلقة بالفروع والاصول إلّا ورد فى بيانها او فى الحكم الموافق لها خبر او اخبار كثيرة بل انعقد الاجماع على اكثرها مع ان جل آيات الاصول والفروع بل كلها مما تعلق الحكم فيها بامور مجملة لا يمكن العمل بها الابعد اخذ تفصيلها من الاخبار انتهى. اقول ولعله قصّر نظره إلى الآيات الواردة فى العبادات فان اغلبها من قبيل ما ذكره وإلّا فالاطلاقات الواردة فى المعاملات مما يتمسك بها فى الفروع الغير المنصوصة او المنصوصة بالنصوص المتكافئة كثيرة جدا مثل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) و (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) ، (فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) و ـ

(ش) اقول ان المتوهم المذكور هو الفاضل النراقى فى المناهج وما توهمه هذا الفاضل لكونه واضحا على ما افاده الشيخ قدس‌سره من بيان مرامه لا يحتاج الى بيانه منا ولكن يرد على ما توهمه مضافا الى ما افاده الشيخ (ره) فى رده ان الانتفاع بالقرآن فى باب التراجيح من اعظم الفوائد فكيف يقال بان الخلاف فى اعتبار ظواهر الكتاب قليل الجدوى. قوله اقول ولعله قصر نظره الى الآيات الخ حاصله ان ما ادعاه الفاضل النراقى من ان البحث عن اعتبار ظواهر الكتاب قليل الجدوى صحيح بالنسبة الى الآيات الواردة فى العبادات فان اغلبها من قبيل ما ذكره يعنى قد ورد فى بيانها او فى الحكم الموافق لها خبر او اخبار كثيرة واما الآيات الواردة فى خصوص المعاملات مما يتمسك بها فى الفروع الغير المنصوصة او المنصوصة بالنصوص المتكافئة مثل الآيات المذكورة فى المتن وكذا بعض الآيات الواردة فى العبادات مثل قوله تعالي : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) وآيات التيمم والوضوء والغسل فليس من قبيل ما ذكره الفاضل لان هذه الاطلاقات والعمومات وان ورد فيها اخبار فى الجملة إلّا انه ليس كل فرع فى المعاملات وفى بعض العبادات مما يتمسك فيه بالآية ورد فيه خبر سليم عن المكافئ فلاحظ وتتبع فبالجملة ان القول بان البحث عن اعتبار ظواهر الكتاب قليل الفائدة رأى سخيف اذ البحث عن حجية ظواهر الكتاب وعدمها ـ

٢٩٩

ـ (لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) و (لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ) و (أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) و (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) و (لَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ) ، (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) ، و (عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) و (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) وغير ذلك مما لا يحصى بل وفى العبادات ايضا كثيرة مثل قوله (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) وآيات التيمم والوضوء والغسل وهذه العمومات وان ورد فيها اخبار فى الجملة إلّا انه ليس كل فرع مما يتمسك فيه بالآية ورد فيه خبر سليم عن المكافئ فلاحظ وتتبع.

ـ لا ينحصر فى التمسك بها فى الاحكام بل لذلك البحث فوائد أخرى منها استعلام حال الاخبار المتعارضة وغيرها فى الحجية وعدمها بموافقة الكتاب ومخالفته كما فى الاخبار العلاجية قوله مثل قوله تعالى (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) ذكره هذا الآية الشريفة فى عداد آيات العبادة ليس على ما ينبغى والجواب بان العبادة هنا بالمعنى المقابل للمعاملة بالمعنى الاخص غير جيد لأن كثيرا من الآيات التى ذكرها فى السابق من هذا القبيل وكذلك التوجيه بان الحكم المذكور ينفع فى العبادات وقد يكون مقدمة للعبادة من جهة وجوب ازالة النجاسة فى الصلاة مثلا ايضا كما ترى.

٣٠٠