درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٠٨

ـ يكون فى مرحلة الانشاء وطريق ايصاله نظير ما لو فرضنا ان المولي اراد ان يأمر عبده فقال له اكرم زيدا فلم يصل اليه ذلك فقال اكرام اخا عمرو فلم يصل اليه ايضا فاشار بيده وقال اكرم هذا فان الحكم فى مثل ذلك واحد وان كان انشاءه فى الخارج متعددا فعلى هذا ليس فى المقام حكمان ليلزم اجتماع المثلين بل الحكم واحد غاية الامر ان طريق ايصاله متعدد فالحكم الواحد انشاء بعنوانه واخرى بعنوان جعل الطريق والامارة بقوله صدق العادل مثلا واما اذا فرض ان الحكم الظاهرى ناش عن ملاك آخر غير ملاك الواقع فلا محالة يكون هناك حكمان بعنوانين كما فى سائر موارد العامين من وجه فكما لا يلزم من اجتماع الحكمين المتوافقين فى غير المقام من سائر موارد اجتماع العامين من وجه اجتماع المثلين فكذلك فى المقام فأشكال اجتماع المثلين ليس بشىء وانما الاشكال لزوم الضدين والنقيضين من الارادة والكراهة والوجوب والحرمة. وقد اجاب الشيخ قدس‌سره عن محذور الضدين والنقيضين بما حاصله ان الموضوع فى الحكم الظاهرى مغاير لموضوع الحكم الواقعى لان موضوع الحكم الظاهرى هو الشك فى الحكم الواقعى والحكم الواقعى لم يؤخذ فى موضوعه الشك واختلاف الموضوع يوجب رفع التضاد والتناقض من البين وللشيخ جواب آخر عن محذور الضدين والنقيضين ياتي فى آخر هذا المبحث وهو عدم فعلية الاحكام الواقعية حتى يلزم محذور الضدين والنقيضين واما صاحب الكفاية فقد اجاب فى الكفاية وحاشية الرسائل بما حاصله ان المجعول فى باب الطرق والامارات ان كان نفس الحجية من دون ان تستتبع حكما تكليفيا فلا يلزم اجتماع الحكمين اصلا واما بناء على ان تكون مستتبعة لذلك او يكون المجعول فيها حقيقة هو الحكم التكليفى والحجية منتزعة عنه فاجتماع الحكمين حينئذ وان كان لازما إلّا انه لا يلزم منه اجتماع المثلين ولا الضدين وقد عبر فى وجه ذلك تعبيرات مختلفة فذكر تارة ان الحكم الواقعى شأنى والحكم الظاهرى فعلى والتزم اخرى بان الحكم الواقعى انشائى ومؤدى الطرق والامارات احكام فعلية وعبر اخرى بان الحكم الواقعى فعلى من بعض الجهات والحكم الظاهرى فعلي من ـ

٢٢١

ـ جميع الجهات والمضادة انما تكون بين حكمين فعليين من تمام الجهات فاذا لم يكن احد الحكمين فعليا كذلك فلا يلزم من اجتماعهما اجتماع المثلين فى صورة الموافقة ولا الضدين فى صورة المخالفة انتهى واما الجواب عن المحذور الناشى من جهة الملاك وهو لزوم الترخيص فى فعل الحرام او فى ترك الواجب الواقعى فتوضيح الحال فيه انه يفرض تارة فى فرض انسداد باب العلم واخرى فى انفتاحه اما لو فرضنا انسداد باب العلم وان الاحتياط ليس مبنى الشريعة فى جميع الاحكام اذا لقول بوجوب الاحتياط فى جميع الاحكام مستلزم لاختلال النظام او العسر والحرج فلا يلزم محذور تفويت المصلحة والالقاء فى المفسدة بل لا بد للمكلف من التعبد بالامارات والاصول.

وبعبارة اخرى بعد فرض عدم تنجز الواقع على المكلف وعدم كونه ملزما بالفعل او الترك فى مرحلة الظاهر كيف يمكن ان ينسب الايقاع فى المفسدة او تفويت المصلحة الى المولى مع ان كل ذلك مستند الى اختيار المكلف بحيث لو لم تكن الامارة حجة كان ذلك متحققا ايضا ولا يبعدان يكون هذا الفرض خارجا عن محل كلام ابن قبة نعم لو دلت الامارة على وجوب ما كان حراما واقعا او حرمة ما كان واجبا واقعا كان تفويت المصلحة او الالقاء فى المفسدة مستندا الى المولى لالزامه بذلك لكنه لا قبح فى ذلك مطلقا بل لا بد من ملاحظة ما يترتب على حجية الامارة من التحفظ علي الواقع فان كان ذلك اولى بالمراعاة للاقوائية او الاكثرية كان التعبد بالامارة حسنا وان اوجب فوات الواقع فى بعض الموارد واما لو فرضنا انفتاحه وامكان الوصول الى الواقع ولو بالسؤال عن الامام عليه‌السلام كما ان الظاهر انه يدعى الانفتاح لان ابن قبة اسبق من السيد واتباعه الذين ادعوا انفتاح باب العلم ولذا ظهر انه لا مجال للاشكال عليه بالنقض بمثل الفتوى اذ بعد ان تقرر ان زمان المستدل زمان الانفتاح ولا يريد هو ايضا منع العمل بخبر الواحد فى زمان الانسداد وان اراد الامتناع مع انفتاح باب العلم والتمكن منه فى مورد العمل بالخبر ـ

٢٢٢

ـ فنقول ان التعبد بالخبر حينئذ يتصور على وجهين :

احدهما من باب الطريقية الصرفة بمعنى ان لا يلاحظ فى التعبد بالخبر سوى الكشف عن الواقع

الثانى من باب السببية بمعنى ان يجب العمل به لاجل ان يحدث فيه بسبب قيام تلك الامارة مصلحة راجحة على المصلحة الواقعية التى تفوت عند مخالفة تلك الامارة للواقع.

اما ايجاب العمل بالخبر على الوجه الاول فهو قبيح فى نفسه مع فرض انفتاح باب العلم لما ذكره المستدل من تحريم الحلال وتحليل الحرام اللهم إلّا ان يقال انه لا يمتنع ان يكون الخبر اغلب مطابقة للواقع فى نظر الشارع من الادلة القطعية التى استعملها المكلف للوصول الى الحرام والحلال الواقعيين ولكن هذا الفرض ملحق حكما بصورة انسداد باب العلم والعجز عن الوصول الى الواقع لانا اذا فرضنا كون العمل بخبر الواحد اغلب مطابقة للواقع فى نظر الشارع من القطع الحاصل للقاطع يكون باب العلم منسدا عليه وان كان باب الاعتقاد له مفتوحا وبالجملة ليس المراد انسداد باب الاعتقاد حتّى يقال ان باب الاعتقاد مفتوح للقاطع بل المراد باب العلم وهو منسد له هذا فالاولى الاعتراف بالقبح مع فرض التمكن عن الواقع وليس فى العمل بالامارة مصلحة سوى كونها كاشفة عن الواقع

اما وجوب العمل بالخبر على الوجه الثانى اى وجوب العمل به لاجل ان يحدث فيه بسبب قيام تلك الامارة مصلحة راجحة على المصلحة الواقعية فلا قبح فيه حينئذ اصلا وتوضيح ذلك يحتاج الى التعرض لاقسام السببية وهى على ثلاثة اقسام :

الاول السببية على مسلك الاشعري وهى ان لا يكون مع قطع النظر عن قيام الطرق حكم اصلا بل يكون قيامها سببا لحدوث مصلحة فى المؤدى مستتبعة لثبوت الحكم علي طبقها بحيث لا يكون وراء المؤدى حكم فى حق من قامت عنده الامارة فتكون الاحكام الواقعية مختصة فى حق العالمين بها ولا يكون فى حق الجاهلين بها حكم سوى مؤديات الطرق والامارات فتكون الاحكام الواقعية تابعة لآراء المجتهدين ـ

٢٢٣

ـ وعلى هذا يرتفع الاشكال على نحو السالبة بانتفاء الموضوع اذ على هذا الوجه من اقسام السببية ليس فى الواقع حكم حتى يلزم تفويته على المكلف وهذا هو التصويب الاشعري الذى قامت الضرورة على خلافه ومخالف للاجماع والروايات الدالة على اشتراك الاحكام بين العالم والجاهل ومن قامت عنده الامارة او لم يقم على انا نقول ان هذا الوجه الاول من السببية كان مستلزما للدور اذ قيام الامارة على الحكم فرع ثبوته فى الواقع فكيف يتوقف الحكم على قيامها على ثبوته.

الثانى السببية علي زعم المعتزلى بان يكون قيام الحجة سببا لحدوث مصلحة فى المؤدى بحيث تكون اقوى من الواقع فحينئذ يكون الحكم الفعلى فى حق من قامت عنده الامارة هو المؤدى وان كان فى الواقع احكام يشترك فيها العالم والجاهل علي طبق المصالح والمفاسد النفس الامرية إلّا ان قيام الامارة على الخلاف من قبيل طرو العناوين الثانوية كالحرج والضرر ولا بد وان يكون تلك المصلحة الطارية بقيام الامارة اقوى من مصلحة الواقع اذ لو كانت مساوية لها كان الحكم هو التخيير بين المؤدى والواقع مع فرض الحكم الفعلى هو المؤدى وهذا هو التصويب المعتزلى فعلى هذا الوجه ايضا لا يلزم تحليل الحرام ولا تفويت مصلحة او القاء فى المفسدة إلّا ان السببية بهذا المعنى وان كان امرا معقولا وليست كالسببية بالمعنى الاول لكنها ايضا باطلة لورود الروايات والاجماع على ان الواقع لا يتغير عما هو عليه بقيام الحجة علي خلافه.

الثالث السببية التي ذهب اليها بعض العدلية وهى الالتزام بالمصلحة السلوكية بمعني ان يكون قيام الحجة سببا لحدوث مصلحة فى نفس السلوك مع بقاء الواقع والمؤدى علي ما هما عليه من المصلحة والمفسدة بل المصلحة فى سلوك الامارة وتطبيق العمل على مؤداها فما يفوت على المكلف من المصلحة الواقعية يكون متداركا بمصلحة السلوك مثلا لو قامت الامارة عند المكلف على عدم وجوب صلاة الظهر فى يوم الجمعة فتركها فان لم ينكشف له الخلاف اصلا كان المتدارك بالمصلحة السلوكية مصلحة اصل الصلاة وان انكشف الخلاف بعد انقضاء وقت الفضيلة فيتدارك بها ما فات من فضل الوقت وان انكشف بعد تمام الوقت يتدارك مصلحة الوقت هذا فيما اذا كان الترك مستندا الى ـ

٢٢٤

ـ قيام الحجة واما اذا لم يكن الترك مستندا اليه كالترك بعد انكشاف الخلاف فيكون طغيانه مفوتا لمصلحة الواقع فليس هنا سلوك ليتدارك به ما فات من مصلحة الواقع وبالجملة السببية بهذا المعنى وان كانت معقولة فى نفسها ولا يخالفها شيء من الاجماع والروايات ويندفع بها الاشكال إلّا انه لا دليل عليها ولكنه مع ذلك يكفى احتمالها فى رد دعوى الامتناع المنقولة عن ابن قبة.

٢٢٥

(م) فان قلت ان هذا انما يوجب التصويب لان المفروض على هذا ان فى صلاة الجمعة التى اخبر بوجوبها مصلحة راجحة على المفسدة الواقعية فالمفسدة الواقعية سليمة عن المعارض الراجح بشرط عدم اخبار العادل بوجوبها وبعد الاخبار يضمحل المفسدة لعروض المصلحة الراجحة فلو ثبت مع هذا الوصف تحريم ثبت بغير مفسدة توجبه لان الشرط فى ايجاب المفسدة له خلوها عن معارضة المصلحة الراجحة فيكون اطلاق الحرام الواقعى ح بمعنى انه حرام لو لا الاخبار لا انه حرام بالفعل ومبغوض واقعا فالموجود بالفعل فى هذه الواقعة عند الشارع ليس إلّا المحبوبية والوجوب فلا يصح اطلاق الحرام على ما فيه المفسدة المعارضة بالمصلحة الراجحة عليها ولو فرض صحته ـ

(ش) حاصل الاشكال بناء على الوجه الثانى اى وجوب العمل بالخبر لاجل حدوث المصلحة بسبب قيام الامارة هو لزوم التصويب وبيان ذلك انه اذا فرضنا المصلحة الراجحة بقيام الحجة على المفسدة الواقعية فحينئذ يزول المفسدة الواقعية لعروض المصلحة الراجحة الناشئة من قيام الحجة فعلى هذا لا يكون فى حق من قامت الامارة المخالفة عنده حكم واقعى سوى مؤدى الامارة فليس المراد من التصويب الا اختلاف الاحكام الواقعية بسبب قيام الامارة على خلافها نعم تكون المفسدة الواقعية فى حق العالم بالواقع ومن قامت الامارة عنده على طبق الواقع ومن كان جاهلا بالواقع والتصويب وان لم ينحصر فى هذا المعنى إذ له اقسام قد تقدم الاشارة الى ثلاثة منها :

احدها التصويب الاشعري

وثانيها التصويب المعتزلى وثالثها التصويب على مسلك الامامية ولعل لزوم التصويب فى كلام المستشكل ان يكون من القسم الثالث كما يظهر من الجواب ثم الظاهر بطلان هذا ايضا كما اعترف به العلامة فى نهاية واجاب بهذا التصويب صاحب معالم فى تعريف الفقه عن قول العلامة بان ظنية الطريق لا تنافي قطعية الحكم حيث قال العلامة (ره) فى النهاية فى الجواب عن سؤال فى تعريف الفقه وهو ان الفقه اكثره من باب الظن فكيف جعل العلم جنسا لتعريف الفقه : ما حاصله ان المجتهد اذا غلب على ظنه ثبوت الحكم بدليل ظنى كخبر الواحد و ـ

٢٢٦

ـ فلا يوجب ثبوت حكم شرعى مغاير للحكم المسبب من المصلحة الراجحة والتصويب وان لم ينحصر فى هذا المعنى إلّا ان الظاهر بطلانه ايضا كما اعترف به العلامة فى نهاية فى مسئلة التصويب واجاب به صاحب المعالم فى تعريف الفقه عن قول العلامة بان ظنية الطريق لا تنافى قطعية الحكم قلت لو سلم كون هذا تصويبا مجمعا على بطلانه واغمضنا النظر عما سيجىء من عدم كون ذلك تصويبا كان الجواب به عن ابن قبة من جهة انه امر ممكن غير مستحيل وان لم يكن واقعا للاجماع او غيره وهذا المقدار يكفى فى رده إلّا ان يقال ان كلامه قدس‌سره بعد الفراغ عن بطلان التصويب كما هو ظاهر استدلاله من تحليل الحرام الواقعى.

ـ شبهه قطع بوجوب العمل بظنه فالحكم معلوم والظن وقع فى طريقه وبالجملة ظنية الطريق لا تنافى قطعية الحكم انتهى ولما فهم صاحب المعالم (ره) من هذا الكلام الصادر عن العلامة (ره) فى الجواب عن سؤال الفقه ما ذكر من ان قيام الامارة على حكم تحدث فيما قامت عليه مصلحة راجحة على المصلحة الواقعية فيكون ما قام عليه الامارة حكما واقعيا من غير ان يكون حكم آخر علي خلافه وهذا ايضا قسم من التصويب الباطل هذا فاشكل عليه الامر ولا يخفى انه لا بد فى قول العلامة والظن فى طريقه من ارتكاب الاستخدام لان الظن ليس فى طريق الحكم الظاهرى بل الواقعى ولعله الداعى صاحب المعالم (ره) إلى الاعتراض عليه ويمكن تفسيره على وجه لا يحتاج الى الاستخدام بان يكون المراد وقوع الظن فى مقدمات القياس اذ لا بد ان يقال فى مقام اثبات حجية الظن وثبوت الحكم الظاهرى هذا ما ادى اليه ظنى وكل ما ادى اليه ظني فهو حكم الله فى حقى وقد تقدم فيما سبق ان الظن بالنسبة الى الحكم الظاهرى موضوعى دائما فراجع.

ولا يخفى عليك ان كلام العلامة (ره) ليس ناظرا الى ما فهمه صاحب المعالم (ره) من ان المراد من الحكم هو الواقعى بل كلامه صريح فى ان المقطوع هو الحكم الظاهرى ويؤيده كلام صاحب القوانين حيث قال فى مقام سؤال الفقه انه اجيب بوجوه اوجهها ان المراد من الاحكام الشرعية المأخوذة فى التعريف هو الاعم من الظاهرية والنفس الامرية فان ظن المجتهد بعد انسداد باب العلم هو حكم الله الظاهرى بالنسبة اليه الى ان قال ثم قال والى ذلك ينظر قول من قال ان الظن فى طريق الحكم لا فى نفسه و ـ

٢٢٧

ـ ان ظنية الطريق لا تنافى قطعية الحكم وذلك لا يستلزم التصويب كما توهمه بعض الاصحاب انتهى ومراده من بعض الاصحاب هو صاحب المعالم.

قوله قلت لو سلم كون هذا تصويبا الخ حاصل ما اجاب به الشيخ قدس‌سره عن الاشكال المذكور وهو لزوم التصويب ان الاشكال مدفوع بوجهين الاول انه لا نسلم كون هذا من التصويب الذى قام الاجماع علي بطلانه اذ القائل بالتصويب يعترف بانه لا حكم فى الواقع لاحد من الجاهلين به ابدا والمفروض فيما نحن فيه هو الالتزام بوجود الحكم وثانيهما ان هذا وان كان تصويبا لكنه امر ممكن غير مستحيل وهذا القدر يكفى فى رد دعوى الامتناع المنقولة عن ابن قبة حيث ادعى محاليته إلّا ان يقال ان دعوى ابن قبة للاستحالة بعد الفراغ عن بطلان التصويب بمعنى كون مراده دعوى الاستحالة من غير جهة التصويب.

٢٢٨

(م) وحيث انجر الكلام إلى التعبد بالامارات الغير العلمية فنقول فى توضيح هذا المرام وان كان خارجا عن محل الكلام ان ذلك يتصور على وجهين : الاول ان يكون ذلك من باب مجرد الكشف عن الواقع فلا يلاحظ فى التعبد بها الا الايصال الى الواقع فلا مصلحة فى سلوك هذا الطريق وراء مصلحة الواقع كما لو امر المولى عبده عند تحيره فى طريق بغداد بسؤال الاعراب عن الطريق غير ملاحظ فى ذلك الا كون قول الاعراب موصلا الى الواقع دائما او غالبا والامر بالعمل فى هذا القسم ليس إلّا للارشاد الثانى ان يكون ذلك لمدخلية سلوك الامارة فى مصلحة العمل بها وان خالف الواقع فالغرض ادراك ـ

(ش) حاصل ما افاده (قده) ان التعبد بالامارات الغير العلمية يتصور على وجهين :

الاول ان يكون من باب الطريقية بمعنى ان لا يلاحظ فى التعبد بها سوى الكشف عن الواقع فلا مصلحة فى سلوك هذا الطريق غير ادراك مصلحة الواقع فعلى هذا امر المولى بالعمل بالامارة فى هذا القسم ليس إلّا للإرشاد.

الثانى من باب السببية بمعنى ان يكون التعبد بالامارة لمدخلية سلوك الامارة فى مصلحة العمل بها حاصل هذا الوجه الالتزام بحصول مصلحة اما فى نفس ما قامت عليه الامارة واما فى الامر بها فهذا القسم من جهة هذا المعنى المذكور يكون موردا للوجوه الثلاثة الآتية اذ فى الوجهين منها الالتزام بالمصلحة فى نفس ما قامت عليه الامارة وفى الثالث منها الالتزام بها فى الامر كما يأتى عن قريب وليس المراد من العبارة ابداء كون المصلحة فى السلوك كما توهمه البعض وان كان يوهمه ظاهرها فان السلوك ليس إلّا العمل على طبق الامارة وهو ليس إلّا فعل صلاة الجمعة مثلا فلا يمكن كون العبارة على هذا موردا للوجوه الآتية فتامل.

اما القسم الاول فالامور المتصورة فيه ثلاث :

احدها كون الامارة دائمة المصادفة للواقع ولكن هذا خلاف الواقع اذ ليس لنا امارة يكون دائم المطابقة للواقع فان هذا ليس إلّا مجرد تصور.

ثانيها غالب المصادفة للواقع بالنسبة الى العلوم الحاصلة للمكلف بان كانت الامارة ـ

٢٢٩

ـ مصلحة سلوك هذا الطريق التى هى مساوية لمصلحة الواقع او ارجح منها اما القسم الاول فالوجه فيه لا يخلو من امور : احدها كون الشارع العالم بالغيب عالما بدوام موافقة هذه الامارات للواقع وان لم يعلم بذلك المكلف. الثانى كونها فى نظر الشارع غالب المطابقة. الثالث كونها فى نظره اغلب مطابقة من العلوم الحاصلة للمكلف بالواقع لكون اكثرها فى نظر الشارع جهلا مركبا والوجه الاول والثالث يوجبان الامر بسلوك الامارة ولو مع تمكن المكلف من الاسباب المفيدة للقطع والثانى لا يصح إلّا مع تعذر العلم لان تفويت الواقع على المكلف ولو فى النادر من دون تداركه بشىء قبيح.

ـ الظنية عنده غالبة المطابقة وعلومه دائمة المطابقة.

وثالثها كون الامارة فى نظره اغلب المطابقة من العلوم الحاصلة للمكلف بالواقع لكون اكثرها فى نظر الشارع العالم بالغيب جهلا مركبا ولا يخفى ان هذا الفرض انما هو من فروض صورة الانسداد لما تقدم من ان القاطع بالنسبة الى القطع الذى يكون من قبيل الجهل المركب فى الواقع يكون باب العلم منسدا عليه والوجه الاول والثالث يوجبان الامر بسلوك الامارة ولو مع التمكن من تحصيل القطع من الاسباب المفيدة له واما الثانى من الوجوه المذكورة فلا يصح إلّا مع تعذر باب العلم اذ تفويت الواقع على المكلف ولو فى النادر من دون تداركه بشيء قبيح بلا شبهة.

٢٣٠

(م) واما القسم الثانى فهو على وجوه : احدها ان يكون الحكم مطلقا تابعا لتلك الامارة بحيث لا يكون فى حق الجاهل مع قطع النظر عن وجود هذه الامارة وعدمها حكم فيكون الاحكام الواقعية مختصة فى الواقع بالعالمين بها والجاهل مع قطع النظر عن قيام امارة عنده على حكم العالمين لا حكم له او محكوم بما يعلم الله تعالى ان الامارة تؤدى اليه وهذا تصويب باطل عند اهل الصواب من المخطئة وقد تواتر بوجود الحكم المشترك بين العالم والجاهل الاخبار والآثار الثانى ان يكون الحكم الفعلى تابعا لهذه الامارة بمعنى ان لله تعالي فى كل واقعة حكما يشترك فيه العالم والجاهل لو لا قيام ـ

(ش) اقول حاصل ما افاده فى القسم الثانى اعنى التعبد بالامارة من باب السببية بمعني ان التعبد بالامارة لمدخلية سلوك الامارة فى مصلحة العمل بها انه يتصور فيه وجوه ثلاثة احدها ان يكون الحكم تابعا لتلك الامارة بحيث ان لا يكون مع قطع النظر عن قيام الطرق حكم اصلا بل يكون قيامها سببا لحدوث مصلحة فى المؤدى مستتبعة لثبوت الحكم على طبقها وعلى هذا يرتفع الاشكال عن ابن قبة على نحو السالبة بانتفاء الموضوع اذ مفاد هذا الوجه الاول ان لا يكون فى الواقع حكم فى حق الجاهل ليلزم تفويته على المكلف فيكون الاحكام الواقعية مختصة فى الواقع بالعالمين بها ولكن السببية بهذا المعنى غير معقولة فى نفسها لان هذا تصويب باطل عند اهل الصواب من المخطئة وهذا التصويب يعبر عنه بالتصويب الاشعري على ما قيل وهذا التصويب مع انه مستلزم للدور كما تقدم مخالف للاجماع والروايات الدالة على اشتراك الاحكام بين العالم والجاهل ومن قامت عنده الامارة او لم تقم. قوله ان يكون الحكم مطلقا المراد من الاطلاق جعل الحكم فى حق الجاهل بسبب الامارة سواء قامت علي طبق حكم العالمين او قامت على خلافه من حيث سببيتها لحدوث المصلحة فيما قامت الامارة عليه. قوله والجاهل مع قطع النظر عن قيام امارة عنده الخ مراده بذلك ان التصويب على الوجه الاول يتصور على وجهين احدهما ان يكون الحكم حادثا عند قيام ـ

٢٣١

ـ الامارة على خلافه بحيث يكون قيام الامارة المخالفة مانعا من فعلية ذلك الحكم لكون مصلحة سلوك هذه الامارة غالبة علي مصلحة الواقع فالحكم الواقعى فعلي فى حق غير الظان بخلافه وشأنى فى حقه بمعني وجود المقتضى لذلك الحكم لو لا الظن علي خلافه وهذا ايضا كالاول فى عدم ثبوت الحكم الواقعي للظان بخلافه لان الصفة المزاحمة بصفة اخرى لا تصير منشئا للحكم فلا يقال للكذب النافع انه قبيح واقعا والفرق بينه وبين الوجه الاول بعد اشتراكهما فى عدم ثبوت الحكم الواقعي للظان بخلافه ان العامل بالامارة المطابقة حكمه حكم العالم ولم يحدث فى حقه بسبب ظنه حكم نعم كان ظنه مانعا عن المانع وهو الظن بالخلاف.

ـ الامارة على شيء بحيث لم يكن قبله حكم اصلا وثانيهما ان يكون الحكم تابعا للامارة لكن بنحو الشرط المتأخر بمعني ان ما يعلمه الله تعالى ان الامارة تؤدى اليه محكوم من الاول بما يوافق الامارة.

ثم ان حاصل الوجه الاول من اقسام السببية هو اختصاص الحكم الواقعى بالعالمين وكون حكم الجاهلين تابعا لمؤدى الامارة سواء طابقت الواقع ام خالفته ولازم ذلك عدم وجود الحكم الواقعى فى حق الجاهل اصلا قبل قيام الامارة.

الثانى من الوجوه المتصورة فى المقام ان يكون الحكم الفعلى تابعا لهذه الامارة بمعنى ان فى الواقع احكاما شأنية يشترك فيها العالم والجاهل على طبق المصالح والمفاسد النفس الامرية إلّا ان قيام الامارة على الخلاف يكون مانعا عن فعلية الحكم الواقعى فحينئذ ولا بد وان تكون المصلحة الطارية بسبب قيام الامارة غالبة على مصلحة الواقع فتحصل ان الحكم الواقعى فعلي فى حق غير الظان بخلافه يعنى ان فعلية الحكم ثابت فى حق العالم بالواقع او من قامت عنده الامارة موافقة للواقع وشأنىّ فى حق الظان بالخلاف اى الجاهل الذى قامت عنده الامارة بخلاف الواقع وهذا الوجه الثانى كالاول فى عدم ثبوت الحكم الواقعى للظان بخلافه لان الصفة المزاحمة بصفة اخرى لا تصير منشأ الحكم فلا يقال للكذب النافع انه قبيح واقعا واعلم ان المراد بفعلية الحكم ثبوت الحكم بوجود المقتضى وفقد المانع كما ان المراد من شأنية الحكم ثبوته شأنا بوجود ـ

٢٣٢

ـ المقتضى والميزان فى فعلية الحكم وشأنيته هو قيام الامارة على خلاف الواقع وعدمه فالحكم فى الفرض الاول شأنى وفى الثانى فعلى بمعنى ان الحكم الواقعى فعلى لو لا الظن بالخلاف وشأنى مع الظن بالخلاف فالمراد من الفعلى فى المقام هو معناه المعروف اعنى كونه مقابلا للشأنى فما يقال من ان المراد من فعلية الحكم مجرد وجوده الواقعى ومن شأنيته وجود المقتضى للوجود الواقعى لو لا المانع من اقتضائه لا ما هو المتبادر منهما فلا وجه له فتامل وهذا الوجه الثانى هو التصويب المعتزلى فعلى هذا ايضا لا يلزم المحذور الذى ادعاه ابن قبة اعنى لزوم تحليل الحرام والالقاء فى المفسدة إلّا ان هذا التصويب المعتزلى وان كان امرا معقولا ولكنه ايضا يتلو الوجه السابق اعنى التصويب الاشعري فى الفساد والبطلان لورود الروايات والاجماع على ان الواقع لا يتغير عما هو عليه بقيام الامارة على خلاف الواقع. والفرق بين هذا الوجه الثانى والاول ان العامل بالامارة المطابقة للواقع بالنسبة الى الوجه الثانى يكون مثل العالم فى الحكم اذ لم يحدث فى حقه بسبب ظنه حكم اذ المفروض كون مؤدى الامارة هو الواقع بخلاف العامل بالامارة فى الوجه الاول فانها محدثة فى حقه الحكم لعدم الحكم فى حق الجاهل على الفرض الاول كما هو المفروض فقد حدث فى حقه الحكم بقيام الامارة.

٢٣٣

(م) الثالث ان لا يكون للامارة القائمة على الواقعة تأثير فى الفعل الذى تضمنت الامارة حكمه ولا تحدث فيه مصلحة إلّا ان العمل على طبق تلك الامارة والالتزام به فى مقام العمل على انه هو الواقع وترتيب الآثار الشرعية المترتبة عليه واقعا يشتمل علي مصلحة فاوجبه الشارع ومعنى ايجاب العمل على الامارة وجوب تطبيق العمل عليها لا وجوب ايجاد عمل على طبقها اذ قد لا تتضمن الامارة الزاما على المكلف فاذا تضمنت استحباب شىء او وجوبه تخييرا او اباحة وجب عليه اذا اراد الفعل ان يوقعه على وجه الاستحباب او الاباحة بمعنى حرمة قصد غيرهما كما لو قطع بهما وتلك المصلحة لا بد ان تكون مما يتدارك بها ما يفوت من مصلحة الواقع لو كان الامر بالعمل به مع العلم وإلّا كان تفويتا لمصلحة الواقع وهو قبيح كما عرفت فى كلام ابن قبة.

(ش) اقول حاصل الوجه الثالث هو ثبوت المصلحة السلوكية بسبب قيام الامارة مع بقاء الواقع والمؤدى على ما هما عليه من المصلحة والمفسدة من دون ان يحدث فى الفعل مصلحة بسبب قيام الامارة اصلا كما هو فى الوجه الاول والثانى بل المصلحة فى سلوك الامارة وتطبيق العمل على مؤداها والبناء على انه هو الواقع وبهذه المصلحة السلوكية يتدارك ما فات علي المكلف من مصلحة الواقع بسبب قيام الامارة على خلافه وإلّا كان تفويتا لمصلحة الواقع وهو قبيح كما عرفت فى كلام ابن قبة توضيح ذلك مثلا لو قامت الامارة عند المكلف على عدم وجوب صلاة الظهر فى يوم الجمعة فتركها فان لم ينكشف له الخلاف اصلا كان المتدارك بالمصلحة السلوكية مصلحة اصل الصلاة وان انكشف الخلاف بعد انقضاء وقت الفضيلة فيتدارك بها ما فات من فضل الوقت وان انكشف بعد تمام الوقت يتدارك بها مصلحة الوقت هذا فيما اذا كان الترك مستندا الى قيام الحجة واما اذا لم يكن الترك مستندا اليه كالترك بعد انكشاف الخلاف فيكون طغيانه مفوتا لمصلحة الواقع فليس هناك سلوك ليتدارك به ما فات من مصلحة الواقع ومن ثم لو سئل عن وجه عدم اعادة الصلاة بعد ما انكشف الخلاف لا يمكنه الاستناد فى ذلك الى قيام الحجة بخلاف ما اذا سئل عنه قبل انكشاف الخلاف فانه يستند فيه الى الحجة والسر فى جميع ذلك ان المصلحة على الفرض انما هى فى السلوك فيدور مداره ـ

٢٣٤

ـ والسببية بهذا المعنى وان كانت معقولة فى نفسها ولا يخالفها شىء من الاجماع والروايات ويندفع بها الاشكال إلّا انه لا دليل عليها عند البعض ولكنه مع ذلك يكفى احتمالها فى رد دعوى الامتناع المنقولة عن ابن قبة قوله إلّا ان العمل علي طبق تلك الامارة الخ اشارة الى ان المصلحة فى الوجه الثالث انما هى فى نصب الطريق وتنزيل شىء منزلة العلم كالتسهيل علي المكلف ونحوه من غير ان يكون له دخل فى حسن متعلقه كنفس العلم الذى هو طريق عقلى وبهذا التقرير لا يبقى مجال لتوهم رجوع هذا الوجه الى الوجه الثانى كما لا يخفى.

فحاصل الوجوه الثلاثة ان مقتضى الوجه الاول هون كون مؤدى الامارة الحكم الواقعى الاولى فى حق الجاهل سواء طابق الواقع ام لا ومقتضى الوجه الثانى سببية الامارة لجعل الحكم الواقعى فى صورة المخالفة خاصة ومقتضى الوجه الثالث بقاء الواقع بحاله سواء كانت الامارة موافقة له او مخالفة هذا تمام الكلام فى الوجوه المتصورة فى القسم الثانى اعنى التعبد بالامارة من باب السببية قد نبه المصنف (ره) على ثلاث منها وفى المقام وجه رابع قد تعرض له المحقق الهمدانى فلا بأس بنقله وهو ان يكون للامارة القائمة على الواقعة تأثير فى الفعل الذى تضمنت الامارة حكمه ولكن لا على وجه تؤثر فى انقلاب حكمه الواقعى وهذا يتصور على قسمين احدهما ان تكون مصلحتها مقصورة على صورة المطابقة كما لو كان تصديق العادل وحسن الظن به والتعبد بقوله امرا راجحا محبوبا عند الله لكن على تقدير كونه صادقا فى الوقع ففى موارد الكذب لا مصلحة فيه ولكن لعدم امتيازها عن موارد الصدق يدور الامر بين تصديقه مطلقا وعدمه فلو كانت مصلحته فائقة على المفسدة المترتبة عليه فى موارد التخلف يكون الامر به حسنا حيث ان فيه خيرا كثير او شرا قليلا بالاضافة الى خيره. الثانى ان تكون المصلحة بلحاظ نوع الامارة بمعنى ان تصديق العادل على الاطلاق ما لم يعلم مخالفته للواقع مشتمل علي مصلحة مقتضية للامر به فائقة على مفسدة فوت الواقع احيانا لكن لو لوحظ مصاديقه ففى كل مورد ليس على وجه تكافؤ مفسدة مخالفة الواقع فشرب التتن لو كان حراما وقد اخبر العادل بحليته فاخباره وان كان من الجهات الموجبة لحسنه لكن لا تعارض مفسدة الواقع فجواز الامر بسلوكه على ـ

٢٣٥

ـ الاطلاق مع عدم صلاحيته لتغيير الواقع على تقدير المخالفة انما هو بلحاظ ساير الموارد السليمة عن المفسدة القاهرة كالصورة السابقة لكن مقتضى هذا الوجه الفرق بين ما لو كان الحكم الواقعى الوجوب او الحرمة فاخبر العادل بخلافه او الاباحة ففى الاولين لا يتبدل الحكم الواقعى بعد فرض مقهورية الجهة العارضة للجهة المقتضية للوجوب او الحرمة وفى الاخير يتبدل لان جهات الاباحة لا تزاحم الجهات المحسنة او المقبحة لكن لا محذور فى الالتزام به لان تبدل حكم المباح الواقعى بالعناوين الطارية كاطاعة الوالد او الوفاء بالنذر والعهد والعقد غير عزيز فيمكن الالتزام بان اخبار العادل بوجوبه او حرمته ايضا من هذا القبيل ولا يلزمه القول بالتصويب فليتأمل انتهى كلامه ورفع مقامه.

٢٣٦

(م) فان قلت ما الفرق بين هذا الوجه الذى مرجعه الى المصلحة فى الامر بالعمل على الامارة وترتيب احكام الواقع على مؤداها وبين الوجه السابق الراجع الى كون قيام الامارة سببا لجعل مؤداها على المكلف مثلا اذا فرضنا قيام الامارة علي وجوب صلاة الجمعة مع كون الواجب فى الواقع هى الظهر فان كان فى فعل الجمعة مصلحة يتدارك بها ما يفوت بترك صلاة الظهر فصلاة الظهر فى حق هذا الشخص خالية عن المصلحة الملزمة فلا صفة تقتضى وجوبها الواقعى فهنا وجوب واحد واقعا وظاهرا متعلق بصلاة الجمعة وان لم يكن فى فعل الجمعة صفة كان الامر بالعمل بتلك الامارة قبيحا لكونه مفوتا للواجب مع التمكن من ادراكه بالعلم فالوجهان مشتركان فى اختصاص الحكم الواقعى بغير من قام عنده الامارة علي وجوب صلاة الجمعة فيرجع الوجه الثالث إلى الوجه الثانى وهو كون الامارة سببا لجعل مؤداها هو الحكم الواقعى لا غير وانحصار الحكم فى المثال بوجوب صلاة الجمعة وهو التصويب الباطل.

(ش) اقول قد عرفت ان مرجع الوجه الثالث من اقسام السببية الى المصلحة فى العمل بالامارة وترتيب احكام الواقع على مؤداها وبعبارة اخرى : ان مرجعه الى ثبوت المصلحة السلوكية بسبب قيام الامارة مع بقاء الواقع والمؤدى على ما هما عليه من المفسدة والمصلحة من دون ان يحدث فى الفعل مصلحة اصلا وان مرجع الوجه الثانى الى كون مؤدى الامارة الحكم الواقعي فى حق الظان بخلافه والمصلحة الطارية فيه كانت فى نفس العمل فاذا تبين مرجع كل منهما فاعلم ان محصل الاشكال ان هذين الوجهين الاخيرين لا فرق بينهما فى كونهما مستلزمين للتصويب اذا الفرض ان المصلحة انما نشأت من الامارة فى كليهما منتهى الامر عدم جعل مؤداها على المكلف فى ثانيهما وجعله فى اولهما وهذا المقدار من الفرق لا يجدى بينهما باخراج احدهما عن عنوان التصويب مع اشتراكهما فيما هو المناط فى بطلانهما اذ لو فرض قيام الامارة على ما هو مخالف للواقع واشتمل سلوكها على المصلحة ففى هذا الفرض ان كان الحكم الواقعى ثابتا لزم اجتماع الضدين ـ

٢٣٧

ـ وان لم يكن كذلك حينئذ لزم التصويب وجعل الواقع ذا مصلحة دون الامارة خلاف المفروض فلو كان الواجب فى الواقع هو صلاة الظهر وقامت امارة علي وجوب صلاة الجمعة فمع فرض وجود المصلحة فى سلوك الامارة واداء صلاة الجمعة لا يمكن اشتمال صلاة الظهر على المصلحة الملزمة وليس المراد من التصويب الا هذا وهذا محصل الاشكال الذى اورد فى المقام.

٢٣٨

(م) قلت اما رجوع الوجه الثالث الى الثانى فهو باطل لان مرجع جعل مدلول الامارة فى حقه الذى هو مرجع الوجه الثانى الى ان صلاة الجمعة هى واجبة عليه واقعا كالعالم بوجوب صلاة الجمعة فاذا صلاها فقد فعل الواجب الواقعى فاذا انكشف مخالفة الامارة للواقع فقدا نقلب موضوع الحكم واقعا الى موضوع آخر كما اذا صار المسافر بعد فعل صلاة القصر حاضرا اذا قلنا بكفاية السفر فى اول الوقت لصحة القصر واقعا ومعنى وجوب العمل علي طبق الامارة وجوب ترتيب احكام الواقع على مؤداها ـ

(ش) اقول محصل الجواب على ما افاده بعض الاعاظم عن الاشكال المذكور اعني رجوع الوجه الثالث من اقسام السببية الى الوجه الثانى ان مرجع الوجه الثاني الى سببية الامارة لحدوث مصلحة فى المؤدى غالبة على مصلحة الواقع ليتدارك ما فات من المكلف من مصلحة الواقع على تقدير تخلف الامارة بالواقع وادائها الى غير ما هو الواجب واقعا او غالبة على ما فى المؤدى من المفسدة على فرض كونها مؤدية الى وجوب ما هو حرام واقعا واين هذا من الوجه الثالث لان مرجع الوجه الثالث الى ان المصلحة فى السلوك وتطبيق العمل على مؤدى الامارة لا فى نفس المؤدى فلا بد ان تكون المصلحة السلوكية بمقدار ما فات عن المكلف بسبب قيام الامارة على خلاف الواقع والسببية بهذا المعنى لا يبعد معقوليتها بل هى عين الطريقية التى كانت موافقة لاصول المخطئة بل ينبغى عدّ هذا الوجه من وجوه الرد على التصويب بخلاف الوجه الثانى فانه من احد وجوه التصويب. وبعبارة اخصر : ان الفرق بين الوجه الثانى والثالث ان مقتضى الاول هو جعل مؤدى الامارة بسبب ما يحدث فى الفعل من المصلحة فى حق من قامت عنده الامارة بحيث لو انكشف خلافها بالعلم او بامارة اخرى انقلب حكمه الواقعى بسبب انقلاب موضوعه الواقعى كصيرورة الحاضر مسافرا والصحيح مريضا فاذا قامت الامارة على وجوب الجمعة وفرضنا كون الواجب فى الواقع هو الظهر كان حكمه الواقعى وجوب الجمعة واذا انكشف خلافها انقلب حكمه الواقعى الى وجوب الظهر لاجل تبدل الموضوع بانكشاف الخلاف واما مقتضى الوجه الثالث فهى الرخصة فى العمل بمؤدى الامارة لاجل المصلحة ـ

٢٣٩

ـ من دون ان يحدث فى الفعل مصلحة على تقدير مخالفة الواقع كما يوهمه ظاهر عبارتى العدة والنهاية المتقدمتين فاذا أدّت الى وجوب صلاة الجمعة واقعا وجب ترتيب احكام الوجوب الواقعى وتطبيق العمل على وجوبها الواقعى فان كان فى اول الوقت جاز الدخول فيها بقصد الوجوب وجاز تأخيرها فاذا فعلها جاز له فعل النافلة وان حرمت فى وقت الفريضة المفروضة كونها فى الواقع هى الظهر لعدم وجوب الظهر عليه فعلا ورخصة فى تركها وان كان فى آخر وقتها حرم تأخيرها والاشتغال بغيرها.

ـ التى هى فى سلوكها من دون ان تحدث بسبب قيامها مصلحة فى نفس الفعل توجب جعل مؤداها فى حق من قامت عنده الامارة فالواقع باق على ما هو عليه فى الوجه الثالث مع قيام الامارة المخالفة للواقع فان رخصة الشارع فى مخالفته لاجل المصلحة السلوكية لا ان الواقع يتبدل بتبدل الامارة وانكشاف الخلاف كما هو مقتضي الوجه الثانى على ما عرفت.

قوله كما يوهمه ظاهر عبارتى العدة والنهاية المتقدمتين الخ حيث قال فى النهاية فى هذا المقام تبعا للشيخ قدس‌سره فى العدة ان الفعل الشرعى انما يجب لكونه مصلحة ولا يمتنع ان تكون مصلحة اذا فعلناه ونحن على صفة مخصوصة وكوننا ظانين بصدق الراوى صفة من صفاتنا فدخلت فى جملة احوالنا التى يجوز كون الفعل عندها مصلحة انتهى موضع الحاجة.

تنبيه

قد تعرض له بعض الاعلام فى المقام ناقلا عن شيخه الاستاذ ان العبارة التى صدرت من قلم الشيخ قدس‌سره فى الوجه الثالث كانت هكذا : الثالث من الوجوه المتصورة فى القسم الثانى ان لا يكون للامارة القائمة على الواقعة تاثير فى الفعل الذى تضمنت الامارة حكمه ولا تحدث فيه مصلحة إلّا بالعمل على طبق الامارة والالتزام به فى مقام العمل على انه هو الواقع وترتيب الآثار الشرعية المترتبة عليه واقعا يشتمل على مصلحة الخ ولم يكن فى اصل النسخة لفظ الامر انما اضافه بعض اصحابه وعلى ذلك جرت نسخ الكتاب. ـ

٢٤٠