درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٠٨

ـ والحاصل ان للتجرى عقابا فى نفسه وللواقع فى نفسه فاذا تصادفا ينقلب كلا العقابين الى مرتبة واحدة من العقاب فوقهما يكون شدته كشدة مجموع العقابين ويؤيده ما ورد فى الاخبار على ما عند القائل ان دركات النار مختلفة فى شدة العذاب فعلى هذا يتصور التداخل وفيه ان التداخل. بهذا المعنى بعيد عن الاصطلاح.

«فائدة»

فى معنى التجرى والمعصية والانقياد والاطاعة ان الاول عبارة عن مخالفة ما اعتقده المتجرى والثانى عبارة عن مخالفة ما هو ثابت فى الواقع اذ قوام المعصية هو المصادفة للواقع والثالث عبارة عن الاتيان على طبق الاعتقاد والرابع عبارة عن اتيان ما هو ثابت فى الواقع فالمخالفة والموافقة فى المعصية والاطاعة حقيقيتان وفى التجرى والانقياد حكميتان.

٦١

(م) والتحقيق انه لا فرق فى قبح التجرى بين موارده وان المتجرى لا اشكال فى استحقاقه الذم من جهة انكشاف خبث باطنه وسوء سريرته وجرأته واما استحقاقه للذم من حيث الفعل المتجرى فى ضمنه ففيه اشكال كما اعترف به الشهيد قدس‌سره فيما ياتى من كلامه نعم لو كان التجرى على المعصية بالقصد الى المعصية فالمصرح به فى الاخبار الكثيرة العفو عنه وان كان يظهر من اخبار أخر العقاب على القصد ايضا مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله نية الكافر شر من عمله وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله انما يحشر الناس على نياتهم وما ورد من تعليل خلود اهل النار فى النار وخلود اهل الجنة فى الجنة بعزم كل من الطائفتين على الثبات على ما كان عليه من المعصية والطاعة لو خلدوا فى الدنيا وما ورد من انه اذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول فى النار قيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لانه اراد قتل صاحبه وما ورد فى العقاب على فعل بعض المقدمات بقصد ترتب الحرام كفارس الخمر والماشي لسعاية مؤمن وفحوى ما دل علي ان الرضا بفعل كفعله مثل ما ـ

(ش) حاصل ما افاده الشيخ قدس‌سره انه لا فرق فى قبح التجرى فى جميع موارده وان المتجرى لا اشكال فى استحقاقه الذم من حيث ان هذا الفعل يكشف عن وجود صفة الشقاوة فيه لا علي نفس فعله كمن انكشف لهم من حاله انه بحيث لو قدر على قتل سيده لقتله واما استحقاق الشخص للذم من حيث الفعل المتجرى فى ضمنه ففيه اشكال.

ثم ربما يستدل لحرمة التجرى بالروايات الواردة فى ترتب العقاب على قصد السوء وانه يحاسب عليه وهناك روايات أخر دالة على ترتب العقاب على القصد وان نية السوء لا تكتب والاخبار التى ذكرها الشيخ (قده) ظاهرة فى العقاب على القصد واما الاخبار التى كانت ظاهرة فى عدم العقاب فلم يذكرها لكثرتها واشتهارها وكيف كان تقع المعارضة بين الطائفتين فلا بد من رفع التعارض فى الاخبار والمصنف (قده) جمع بينهما بحمل الاخبار الدالة على العقاب علي من بقى على قصده حتى عجز عن الفعل لا باختياره والاخبار الدالة علي عدم العقاب على من ارتدع عن قصده بنفسه او يحمل الاخبار الدالة على العقاب على القصد المستتبع للاشتغال ببعض المقدمات والاخبار الدالة على عدم العقاب على القصد المجرد عن ذلك. ـ

٦٢

ـ عن امير المؤمنين عليه‌السلام ان الراضى بفعل قوم كالداخل فيه معهم وعلي الداخل اثمان اثم الرضا واثم الدخول ويؤيده قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) وقوله تعالى (إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) وما ورد من ان من رضي بفعل فقد لزمه وان لم بفعل وما ورد فى تفسير قوله تعالى (فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) من ان نسبة القتل الى المخاطبين مع تأخرهم عن القاتلين بكثير رضاهم بقتلهم وقوله تعالى (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً) ويمكن حمل الاخبار الاول على من ارتدع عن قصده بنفسه وحمل الاخبار الاخيرة على من بقى على قصده حتى عجز عن الفعل لا باختياره او يحمل الاول على من اكتفى بمجرد القصد والثانية على من اشتغل بعد القصد ببعض المقدمات كما يشهد له حرمة الاعانة على المحرم حيث عممه بعض الاساطين لاعانة نفسه علي الحرام ولعله لتنقيح المناط لا بالدلالة اللفظية.

ـ وقد يظهر من بعض ان حرمة العزم على المعصية مما لا شك فيه عند الخاصة والعامة وكتب الفريقين من التفاسير وغيرها مشحونة بذلك بل هو من ضروريات الدين عند القائل ومن الآيات الدالة على ان العبد مؤاخذ بعزمه علي المعصية قوله تعالى (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) انتهى.

وكلام السيد مرتضى (ره) فى تنزيه الانبياء حيث قال ارادة المعصية والعزم عليها معصية وقد تجاوز قوم حتى قالوا : العزم علي الكبيرة كبيرة وعلي الكفر كفر وكذا تصريح الفقهاء بان الاصرار على الصغائر اما فعلى او حكمي وهو العزم على فعل الصغائر متى تمكن منها ثم اورد على نفسه سؤالا بانك قد قبلت قد ورد عن ائمتنا عليه‌السلام اخبار كثيرة تشعر بان العزم على المعصية ليس معصية واجاب عنه بانه لا دلالة فى تلك الاخبار على ان العزم على المعصية ليس معصية وانما دلت على ان من عزم على معصية كشرب الخمر ولم يعملها لم تكتب عليه تلك المعصية متى عزم عليها لا ان نفس العزم ليس بمعصية انتهى كلامه رفع مقامه وفيه ان هذا المعنى خلاف ظاهر الروايات التى دلت على ان العزم على المعصية ليس بمعصية فتامل. ـ

٦٣

ـ ولا يخفى عليك انه يمكن توجيه بعض الاخبار الدالة على العقاب مثل ما ورد فى الخلود بان يقال ليس خلود المؤمن لاجل مجرد القصد بل لاقترانه بالايمان ويدعى ان الايمان سبب للخلود وكذلك ليس خلود الكفار لاجل نيتهم بل لاقترانها بالكفر ويدعى ان اثر الكفر هو الخلود ومثل ما ورد فى العقاب علي فعل بعض المقدمات بقصد الحرام كغارس الخمر وغيره بان يقال بانا نلتزم بمضمونه ونقول ان فعل مقدمة الحرام بقصد التوصل الى الحرام حرام كما ذهب اليه صاحب الفصول قدس‌سره واستظهره من الرواية وان حرمتها نفسية فلو فعل لاجل التوصل الى الحرام ولم يقع التوصل اليه فعل حراما نفسيا وكان معاقبا هذا.

قوله ويؤيده قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ) الآية انما جعل الشيخ قدس‌سره هذه الآية الشريفة مع ما بعدها تأييدا لا دليلا لعدم ظهورها فى المدعى اذ يمكن توجيه بعضها فيقال ان المراد بالذين يحبون فى الآية الكفار اذ المؤمن لا ينبغى ان يحب شيوع الفاحشة فى الذين آمنوا وفى آية ان تبدوا ان الحساب غير العقاب وفى آية تلك الدار الآخرة ان المراد ليس الارادة المجردة بل اظهار آثار العلو والفساد وثمراتها فتامل.

قوله حيث عممه بعض الاساطين لاعانة نفسه على الحرام ولعله لتنقيح المناط لا بالدلالة اللفظية اقول ان القائل بالتعميم هو المحقق الشيخ جعفر النجفى كاشف الغطاء حيث قال بان المراد من الاعانة فى قوله تعالى (وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) هو الاعم مما يكون اعانة ومقدمة لفعل الغير وما يكون مقدمة لفعل المعين نفسه ولعل هذا المعنى الى التعميم فى موضوع الاعانة منه (ره) لتنقيح المناط اذ المناط فى حرمة الاعانة كونها وصلة الى فعل الحرام وهو موجود فى كلتا الاعانتين لا بالدلالة اللفظية لان الظاهر من الآية الشريفة هو النهى عن اعانة الغير وفيه ما فيه من ان اتيان الفاعل للحرام بما يعينه عليه لا يطلق عليه الاعانة على الاثم عرفا والمتبادر منها اعانة الغير علي فعله المحرم. ثم انه هل يعتبر فى تحقق الاعانة قصد حصول الحرام او لا فيه اقوال : ـ

٦٤

الاول ما استظهره الشيخ قدس‌سره فى المكاسب من الاكثر وهو انه يكفى فى تحققها مجرد ايجاد مقدمة من مقدمات فعل الغير وان لم يكن عن قصد.

والثانى ان الاعانة هى ايجاد بعض مقدمات فعل الغير بقصد حصوله منه لا مطلقا ونسب الشيخ فى المكاسب هذا القول الى المحقق الثانى وصاحب الكفاية.

والثالث ما نسبه الى بعض معاصريه من انه يعتبر فى تحقق مفهومها وراء القصد المذكور وقوع الفعل المعان عليه فى الخارج.

الرابع ما قاله المحقق الاردبيلى من ان المراد منها الاعانة على المعصية مع القصد او الصدق العرفى بداهة ان الاعانة قد تصدق عرفا فى مواضع مع عدم القصد مثل ان يطلب الظالم العصا من شخص لضرب مظلوم فيعطيه اياها ونحو ذلك مما يعد معونة عرفا وفى المقام اقوال أخر ايضا لا حاجة فى التعرض لها.

٦٥

(م) ثم ان التجرى على اقسام يجمعها عدم المبالات بالمعصية او قلتها احدها مجرد القصد الى المعصية والثانى القصد مع الاشتغال بمقدماته والثالث القصد مع التلبس بما يعتقد كونه معصية والرابع التلبس بما يحتمل كونه معصية رجاء لتحقق المعصية والخامس التلبس به لعدم المبالات بمصادفة الحرام والسادس التلبس برجاء ان لا يكون معصية وخوف كونها معصية ويشترط فى صدق التجرى فى الثلاثة الاخيرة عدم كون الجهل عذرا عقليا او شرعيا كما فى الشبهة المحصورة الوجوبية او التحريمية وإلّا لم يتحقق احتمال المعصية وان تحقق احتمال المخالفة للحكم الواقعى كما فى موارد اصالة البراءة واستصحابها

(ش) اقول حاصل ما افاده المصنف (قده) ان للتجرى ستة اقسام والثلاثة الاول منها كانت متصاعدة بمعنى ان اللاحق آكد من سابقه اذ الاول منها كان مجرد القصد إلى المعصية والثانى القصد مع الاشتغال بمقدماته ولا شك ان الثاني من جهة التجرى آكد من الاول لان فيه اشتغالا بمقدمات المتجرى به بخلاف الاول وكذا الثالث اشد تجريا من الثانى اذ فيه تلبس بالفعل بخلاف الثانى فان فيه اشتغالا بمقدمات الفعل لا نفسه ولا يخفى ان حكم هذه الثلاثة منها قد علم من كلام الشيخ قدس‌سره فيما سبق اما الثلاثة الاخيرة فحيث لم تعلم اراد بيانها موضوعا وحكما ثم ان المراد من الاعتقاد فى القسم الثالث اعم من الجزم والظن المعتبر وان كان المتبادر من عبارته فى بادئ الامر هو الجزم واما الثلاثة الاخيرة منها فكانت متنازلة على عكس الثلاثة الاول بيان ذلك ان الاول منها اعنى الرابع هو التلبس بما يحتمل كونه معصية رجاء لتحقق المعصية فان هذا اشد من جهة التجرى بالنسبة الى الثاني منها وهو الخامس فى عبارة الشيخ (قده) لان المتجرى فى الرابع يرجو تحقق المعصية لخباثته بخلاف الخامس فانه ليس فيه رجاء المعصية وكذا الخامس آكد واشد تجريا من السادس اذ الفرض فى السادس هو التلبس بما يحتمل كونه معصية برجاء ان لا يكون معصية وخوف كونها معصية بخلاف الخامس فان الفرض فيه عدم الخوف من كونه معصية لعدم المبالات (ثم) ان المراد من ـ

٦٦

ـ الاحتمال فى الاقسام الثلاثة الاخيرة الاعم من الشك والوهم والظن الغير المعتبر بناء على ان يكون المراد من الاعتقاد فى القسم الثالث هو الجزم والظن المعتبر واما على فرض ان يراد منه هو الجزم فيكون المراد من الاحتمال فى الاقسام الثلاثة الاخيرة هو الاعم من الشك والوهم ومطلق الظن معتبرا كان او غيره واعلم ان القدر الجامع بين الاقسام الستة هو عدم المبالات بالمعصية او قلتها (ولا يخفى) انه يشترط فى تحقق التجرى فى الثلاثة الاخيرة ان لا يكون الجهل عذرا اما بحكم العقل او النقل فحينئذ باى نحوا قدم بالفعل يتحقق التجرى كما فى موارد تنجز الخطاب بالعلم الاجمالى نحو الشبهة المحصورة الوجوبية او التحريمية ومثال الاول كتردد وجوب الصلاة بين كونه متعلقا بالظهر او الجمعة ومثال الثانى كتردد الخمر بين المائعين فان الجهل فى كل واحد منهما ليس عذرا لوجود العلم الاجمالى فى كل واحد منهما فعلى هذا الفرض يجب اتيان كلا الفردين فى الاول حتى يحصل اليقين باتيان الواجب الواقعي ويجب تركهما فى الثانى حتى يحصل اليقين بترك الحرام الواقعى هذا بناء على القول بان العلم الاجمالي كاف فى تنجز التكليف والجهل لا يكون عذرا كما عليه المصنف (قده) واما على القول بان الجهل عذرا ما بحكم العقل او النقل والعلم الاجمالى ليس بكاف فى تنجز التكليف كما عليه البعض لم يكن فى المثالين احتمال المعصية حتى يتحقق فيهما التجرى وان تحقق احتمال المخالفة للخطاب النفس الامرى إلّا انه بنفسه لا يتنجز على المكلف ما لم يتحقق العلم به او ما يقوم مقام العلم فما ذكره قدس‌سره من المثال انما هو مثال للنفى على ما يقتضيه المقام لا للمنفى قوله كما فى موارد اصالة البراءة واستصحابها فان الجهل عذر فى مواردهما وان احتمل مخالفة الالتزام بالبراءة للحكم الواقعى من الوجوب والحرمة لاحتمال ثبوتهما فى الواقع فى مورد البراءة إلّا انه لا يحتمل المعصية لانها مترتبة على مخالفة ـ

٦٧

الحكم المنجز ومع عدم الطريق اليه يحكم العقل حكما قطعيا فى مرحلة الظاهر بقبح العقاب والتمثيل باستصحاب البراءة انما هو على راى البعض اذ على مذهبه قدس‌سره لا يجرى الاستصحاب المذكور كما سيأتى فى مباحث اصل البراءة ولعل المصنّف قدس‌سره اراد من استصحاب البراءة الاستصحابات النافية للتكليف المثبتة للاباحة والاستحباب والكراهة فى مرحلة الظاهر.

٦٨

(م) ثم ان الاقسام الستة كلها مشتركة فى استحقاق الفاعل للمذمة من حيث خبث ذاته وجرأته وسوء سريرته وانما الكلام فى تحقق العصيان بالفعل المتحقق فى ضمنه التجرى وعليك بالتامل فى كل من الاقسام قال الشهيد قدس‌سره فى القواعد لا يؤثر نية المعصية عقابا ولا ذما ما لم يتلبس بها وهو مما ثبت فى الاخبار العفو عنه ولو نوى المعصية وتلبس بما يراه معصية فظهر خلافها ففى تأثير هذه النية نظر من انها لما لم يصادف المعصية صارت كنية مجردة وهو غير مؤاخذ بها ومن دلالتها على انتهاك الحرمة وجرأته على ـ

(ش) حاصل ما افاده قدس‌سره ان الاقسام المتصورة فى التجرى كلها تدل على استحقاق الفاعل للمذمة من جهة خبث باطنه وجرأته وسوء سريرته على تفاوت بين الاقسام الستة شدة وضعفا اذ لا ينبغى الارتياب فى حكم العقل بقبح الاقدام على العمل الصادر عن اعتقاد المعصية واستحقاق المذمة وانما البحث والخلاف فى تحقق المعصية بالفعل المتجرى به والبحث عن هذه الجهة قد تقدم فيما سبق فلا حاجة الى التكرار قال الشهيد قدس‌سره فى القواعد لا يؤثر نية المعصية عقابا ولا ذما يعنى لا نوجب فعلية العقاب والذم كما هو المستفاد من الاخبار الدالة على العفو ولو قصد المعصية واقدم وتلبس بما اعتقده معصية فتبين خلافها ففى تأثير هذه النية نظر من ان النية فى فرض عدم المصادفة المعصية صارت كنية مجردة فيكون غير مؤاخذ بها ومن حيث ان قصد المعصية والتلبس بها يدل على انتهاك الحرمة وجرأته علي المعاصى.

قوله وقد ذكر بعض الاصحاب الخ يمكن ان يكون وجه الحرمة عندهم لاجل بعض الاخبار الدالة على ان من تشبه بقوم فهو منهم وما دل على النهى عن هتك حرمة الشرع وغير ذلك.

قوله ويتصور محل النظر فى صور الخ اقول انه لا يخفى عليك ان تكثير الصور اشارة الى اقسام المحرمات فالاولان من قبيل الاعراض والفرق بينهما ان الحرمة فى الاول ذاتية بحسب الاعتقاد وفى الاخرى عرضية والثالثة والرابعة من الاموال والخامسة من النفوس والحاصل ان جعل ما عدا الصورة الثانية بل جميعها حتى الثانية من موارد محل النظر محل تأمل ونظر لان الظن فى غير الصورة الثانية مطابق للاصول ـ

٦٩

ـ المعاصي وقد ذكر بعض الاصحاب انه لو شرب المباح تشبيها بشرب المسكر فعل حراما ولعله ليس لمجرد النية بل بانضمام فعل الجوارح ويتصور محل النظر فى صور : منها ما لو وجد امراة فى منزل غيره فظنها اجنبية فاصابها فبان انها زوجته أو أمته ومنها ما لو وطئ زوجته بظن انها حائض فبانت طاهرة ومنها ما لو هجم على طعام بيد غيره فاكله فتبين انه ملكه ومنها ما لو ذبح شاة بظن انها للغير بقصد العدوان فظهرت ملكه ومنها ما اذا قتل نفسا بظن انها معصومة فبانت مهدورة وقد قال بعض العامة نحكم بفسق المتعاطى ذلك لدلالته علي عدم المبالات بالمعاصى ويعاقب فى الآخرة ما لم يتب عقابا متوسطا بين الصغيرة والكبيرة وكلاهما تحكم وتخرص على الغيب انتهى.

ـ والقواعد الشرعية فمخالفته مخالفة لتلك الاصول والقواعد ومخالفتها معصية محضة كما هو ظاهر كلام الفقهاء فتحصل ان الموارد المذكورة ليست من موارد التجرى اصلا لاستصحاب عدم تحقق سبب حل الوطى فى الصورة الاولى بالنسبة إلى المرأة التى ظنها اجنبية واستصحاب عدم تملكه المال الذى بيد الغير مضافا الى قاعدة كون اليد امارة شرعية للملكية لصاحب اليد فى الثالثة واستصحاب عدم ملكه للشاة التى ظنها للغير لعدم جواز التصرف فى الاموال الا بعد العلم بتملكه لها او بجواز التصرف فيها فى الرابعة واستصحاب عصمة النفس الى ان يعلم خلافها فى الخامسة واما الصورة الثانية فحيث لا دليل على اعتبار الظن بالحيض شرعا فاستصحاب بقاء الطهر المثبت لجواز الوطى جار ما لم يعلم الخلاف ولكنها ليست من موارد التجرى لفرض مطابقة العمل بالاصل نعم لو حصل الظن بقولها جرى هنا ايضا ما فى غيرها هذا كله بناء على كون مخالفة الطرق الظاهرية معصية محضة كما هو المشهور هذا ملخص ما افاده (ا ق) بتوضيح منا فتامل قوله وكلاهما تحكم وتخرص على الغيب الخ يعنى ان الحكم بفسق المتعاطي وعقابه عقابا متوسطا بين الصغيرة والكبيرة تحكم وتخرص على الغيب اما الحكم بفسق المتعاطى فمما لا يظهر له وجه لانه لا يعلم كون الاثم فى الصور المتصورة كبيرة حتى يوجب الفسق واما الحكم بكونه مستحقا للعقاب المتوسط بين الصغيرة والكبيرة فلم يعلم له معنى محصل لان التجرى على فرض تحققه فى الصور المذكورة كان موجبا للعقاب ـ

٧٠

ـ بلا شبهة واما على فرض عدم تحققه فيها فلا يوجب استحقاق العقاب فلا معنى لتوسط العقاب بين الصغيرة والكبيرة فتبين ان الحكم بفسق المتعاطى وكونه مستحقا للعقاب المتوسط ليس إلّا تحكما وتخرصا على الغيب.

«بقى الكلام فى بيان الثمرة للبحث عن التجرى»

وقد تعرض لها بعض المحققين بما لا يخلو عن اشكال حيث ذكروها بما حاصله ان قبح التجرى ان كان ذاتية ومبعدا لو قامت امارة معتبرة على حرمة شىء فلا اشكال فى عدم صلاحية العمل المتجرى به حينئذ للمقربية ولو مع اتيانه برجاء مطلوبيته واقعا من جهة انه مع قبحه فعلا ومبعديته يستحيل صلاحيته للمقربية واما على مختار الشيخ قدس‌سره فيمكن التقرب بمثله باتيانه برجاء المطلوبية الواقعية اذ لا تنافى بين كشفه عن سوء سريرته وبين صلاحيته للمقربية وتوهم مانعية سوء سريرته حينئذ عن مقربية عمله كما فى عمل الكافر الماتي بقصد التقرب بناء على عدم مانعية الكفر ممنوع اذ يحتاج مثله إلى قيام دليل عليه واما على مختار الكفاية فيمكن الالتزام ايضا بصحة عمله وصلاحيته للمقربية اذ بعد عدم سراية القبح الى نفس العمل ووقوفه علي نفس العزم على المعصية فلا قصور فى صلاحية عمله للمقربية اللهم إلّا ان يقال بان قوام مقربية الاعمال بعد ان كان بقصدها فلا محالة يكون مبعدية قصده مانعا عن مقربية عمله فتامل.

٧١

(م) الثانى انك قد عرفت انه لا فرق فيما يكون العلم فيه كاشفا محضا بين اسباب العلم وينسب الى غير واحد من اصحابنا الاخباريين عدم الاعتماد على القطع الحاصل من المقدمات العقلية القطعية الغير الضرورية لكثرة وقوع الاشتباه والغلط فيها فلا يمكن الركون الى شيء منها فان ارادوا عدم جواز الركون بعد حصول القطع فلا يعقل ذلك فى مقام اعتبار العلم من حيث الكشف ولو امكن الحكم بعدم اعتباره لجرى مثله فى القطع الحاصل من المقدمات الشرعية طابق النعل بالنعل وان ارادوا عدم جواز الخوض فى المطالب العقلية لتحصيل المطالب الشرعية لكثرة وقوع الغلط والاشتباه فيها فلو سلم ذلك واغمض عن المعارضة بكثرة ما يحصل من الخطاء فى فهم المطالب من الادلة الشرعية فله وجه وحينئذ فلو خاص فيها وحصل القطع بما لا يوافق الحكم الواقعى لم يعذر فى ذلك لتقصيره فى مقدمات التحصيل إلّا ان الشأن فى ثبوت كثرة الخطاء ازيد مما يقع فى فهم المطالب من الادلة الشرعية.

(ش) اقول ان هذا النزاع بين العلماء قد اشتهر فى زمن المولى محمد امين المعروف بالمحدث الأسترآباديّ تلميذ صاحب المدارك والسيد المحدث الجزائري تلميذ العلامة المجلسى مع معاصره الشيخ حر العاملى والسيد صدر الدين والشيخ يوسف صاحب الحدائق واما السابقون منهم فلم يتعرضوا لهذا النزاع بل كان نزاعهم فى هذا الباب مع الاشاعرة من حيث ان العقل هل يدرك الحسن والقبح ام لا ولو فرض ادراك العقل الحسن والقبح لم ينكروا حجية حكم العقل والعمل بالقطع الحاصل منه فالمسألة بالنسبة الى الحجية اجماعية ولو تقديرا واما انكار تحقق العلم وحجيته رأسا فلم يصدر عن احد الا السوفسطائية الذين ينكرون الحسيات والبديهيات.

ثم قد عرفت فيما سبق ان القطع اذا كان طريقا محضا فلا يفرق فيه بين اسبابه واشخاصه وازمانه وانه متى تحقق يتبعه حكم العقل تنجيزا بلزوم متابعته والحركة على وفقه بنحو يستحيل الردع عنه من قبل الشارع إلّا انه ينسب الى جملة من الاخباريين عدم اعتبار القطع الحاصل من المقدمات العقلية وادعى بعض ان هذه النسبة لا اصل لها بل الاخباريون ينكرون الملازمة بين حكم العقل والشرع وذهب آخرون منهم الى عدم ـ

٧٢

ـ حصول القطع من المقدمات العقلية وانها لا تفيد إلّا الظن وتحقيق المقام بالنسبة الى قاعدة الملازمة بين حكم العقل والشرع وما ذهب اليه الاخباريون من عدم اعتبار الدليل العقلى فى الاحكام الشرعية يقتضي البحث عن الجهات التى كانت دخيلة فى توضيح المقام :

الاولى فى بيان ان الاحكام الشرعية هل هى تابعة للمصالح والمفاسد ام لا والمخالف فى هذه المسألة هم الاشعرية حيث قالوا بان الاحكام باجمعها جزافية والشارع له ان يأمر بكل ما يريد وينهى عن كل ما يريد وليست الاحكام تدور مدار المصالح والمفاسد وهذه الطائفة انكروا وجود الحسن والقبح بالكلية وان العقل لا يدرك حسن الاشياء وقبحها بل الحسن ما حسنه الشارع والقبيح ما قبحه والتزموا بعدم قبح الترجيح بلا مرجح ولا ريب ان هذا القول مناف لضرورة العقل والوجدان ولهذا اعرض عنه المحققون من الاشاعرة والتزموا بثبوت المصالح والمفاسد ولكن اكتفوا بالمصلحة والمفسدة النوعية القائمة بالطبيعة فى صحة تعلق الامر ببعض افراد تلك الطبيعة وان لم تكن لتلك الافراد خصوصية توجب تعلق الامر بها بل كانت الافراد متساوية الاقدام بالنسبة إلى الطبيعة التى تقوم بها المصلحة ويصح ترجيح بعض الافراد على بعض بلا مرجح بعد ما كان هناك مرجح فى اصل الطبيعة

الثانية فى الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع بمعني انه فى كل مورد استقل العقل بحسن شىء او قبحه فعلى طبقه يحكم الشرع بوجوبه او حرمته وهذا هو المراد من قولهم كلما حكم به العقل حكم به الشرع وقد انكر هذه الملازمة بعض الاخباريين وتبعهم بعض الاصوليين كصاحب الفصول حيث انكر الملازمة الواقعية والتزم بالملازمة الظاهرية وتفصيلها يطلب من المطولات.

الثالثة فيما ذهب اليه الاخباريون فى المقام والجواب عنه ولا يخفى ان كلماتهم فيه وان كانت مختلفة جدا اذ ظاهر كلام بعضهم انكار الملازمة بين الحكم العقلى والشرعى وظاهر بعض آخر منهم عدم جواز الاستدلال بالادلة العقلية الظنية على الاحكام الشرعية مع دعوى عدم امكان حصول القطع بها من غير الطرق الشرعية وظاهر جماعة اخرى منهم عدم حجية القطع بالحكم الحاصل من غير الطرق الشرعية ـ

٧٣

ـ إلّا ان الجامع بين هذه الاقوال هو دعوى لزوم توسط الاوصياء سلام الله عليهم فى التبليغ فكل حكم لم يكن فيه وساطتهم فهو لا يكون واصلا الى مرتبة الفعلية والباعثية وان كان ذلك الحكم واصلا الى المكلف بطريق آخر فلا عبرة بالحكم الواصل من غير تبليغ الحجة ولذلك حكى عن بعض الاخباريين المنع عن العمل بالقطع الحاصل من المقدمات العقلية.

فاذا تبين هذه الامور الثلاثة فاعلم ان محصل الجواب على ما افاده الشيخ قدس‌سره عن ما ذهب اليه الاخباريون انه ان ارادوا بكلامهم المذكور عدم الاعتماد على القطع الحاصل من المقدمات المترتبة عند العقل فلا يعقل ذلك على فرض اعتبار القطع من حيث الكشف اذ لا يفرق فيه بين اسبابه واشخاصه وازمانه وانه متى تحقق يتبعه حكم العقل تنجيزا بلزوم متابعته فان قلت كيف لا يعقل الردع عن العمل بالقطع حين حصوله وسيأتى فى الامر الثالث انه يجوز ردع القطاع عن العمل بقطعه قلت فرق بينه وبين هذا المقام فان الكلام ثمة انما هو فيما اذا حصل القطع للعامى القطاع وهو لعدم تفطنه قابل للارتداع فيجوز ردع القطاع من باب الارشاد بان يقال له ان الله لا يريد منك الواقع وهذا بخلاف هذا المقام فان الكلام فيه فيما اذا حصل القطع بشىء من الدليل العقلى للمجتهد الذى بلغ من العلم ما بلغ فهل تجد الرخصة من نفسك فى منعه عن العمل بقطعه على انا نقول : عدم تجويز الاخباريين العمل بالقطع الحاصل من المقدمات العقلية مع تجويزهم العمل بالظن الحاصل من الخبر الضعيف امر فى غاية القباحة وان ارادوا عدم جواز الخوض فى المقدمات العقلية لتحصيل القطع منها بالحكم الشرعى الفرعى وان لم يمكن النهى عن العمل بالقطع بعد الحصول ففيه ان هذا على فرض كون وقوع الخطاء فى فهم المطالب من المقدمات العقلية ازيد مما يقع من الخطاء فى فهم المطالب من المقدمات الشرعية امر مسلم لا شبهة فيه اصلا اذ العقل مستقل بتحصيل الواقع وجوبا مهما امكن ولا يجوز الاخذ بما يوجب تفويته فى الجملة مع امكان سلوك ما لا يحصل معه فوات الواقع اصلا او يحصل اقل مما يحصل من سلوك الطريق ـ

٧٤

ـ الآخر إلّا ان الشأن فى اثبات هذا المبنى وهو فى حيز المنع لانا نمنع من كون وقوع الخطاء فى فهم المطالب من الدليل العقلى ازيد من وقوع الخطاء فى فهم المطالب من الدليل الشرعى اذا لم يكن مبنيا على الاستبداد فى فهم المناط للحكم الشرعى والانتقال منه اليه بطريق اللم بل مبنيا على التحسين والتقبيح العقليين بحيث يحكم بهما العقول المتعارفة عند العرض عليها وان استشهد لذلك بكثرة وقوع الاختلاف بين علماء الاسلام فيما يكون مبنيا على حكم العقل فيرد بعد منع الكثرة بالنقض بالاختلافات الكثيرة بين الاخباريين.

٧٥

(م) وقد عثرت بعد ما ذكرت هذا على كلام يحكى عن المحدث الأسترآباديّ فى فوائده المدنية قال فى عداد ما استدل به على انحصار الدليل فى غير الضروريات الدينية بالسماع عن الصادقين عليهما‌السلام قال : الدليل التاسع مبنى علي مقدمة دقيقة شريفة تفطنت لها بتوفيق الله تعالى وهى ان العلوم النظرية قسمان قسم ينتهى الى مادة هى قريبة من الاحساس ومن هذا القسم علم الهندسة والحساب واكثر ابواب المنطق وهذا القسم لا يقع فيه الخلاف بين العلماء والخطاء فى نتائج الافكار والسبب فى ذلك ان الخطاء فى الفكر اما من جهة الصورة او من جهة المادة والخطاء من جهة الصورة لا يقع من العلماء لان معرفة الصورة من الامور الواضحة عند الاذهان المستقيمة والخطاء من جهة المادة لا يتصور فى هذه العلوم لقرب المواد فيها الى الاحساس.

(ش) ذكر المحدث الاسترآبادى فى فوائده المدنية فى الفصل الثانى الذى فى بيان مدرك انحصار ما ليس من ضروريات الدين من المسائل الشرعية اعم من ان تكون من الاصول او الفروع فى السماع عن الصادقين عليهما‌السلام ولفظ الصادقين بصيغة التثنية والحصر فيهما مبنى على الغالب من جهة ان اكثر الاحكام انما انتشر عنهما عليهما‌السلام لا من جهة خصوصية لهما من بين الائمة مع النبى عليه وعليهم آلاف الصلاة والسلام ويحتمل ان يكون بصيغة الجمع فيكون المراد جميع الائمة مع النبى عليه وعليهم‌السلام والمراد من السماع اعم مما كان بلا واسطة او معها فيشمل لكل من القول والفعل والتقرير واما التخصيص بالسنة وحصر الدليل فيها فلان من مذهبهم عدم اعتبار الكتاب مستقلا من دون تفسير من الائمة عليهم‌السلام وكذا الاجماع والعقل وحاكى المقدمة عن المحدث الأسترآباديّ الشيخ محمّد تقى قدس‌سره صاحب الحاشية على المعالم.

ثم توضيح المقدمة الشريفة التي تفطن المحدث بتوفيق الله تعالي واراد من التعرض لها بيان الدليل التاسع من الادلة التى اقامها على انحصار الدليل فى غير الضروريات الدينية بالسماع عن الائمة عليهم‌السلام يحتاج إلى تعريف بعض العلوم الذى كان دخيلا فى المقام فنقول : ان الحكمة علم باحوال اعيان الموجودات على ما هى عليه فى نفس الامر بقدر ـ

٧٦

ـ الطاقة البشرية والمراد من اعيان الموجودات الموجودات الخارجية وتلك الاعيان اما الافعال والاعمال التى وجودها بقدرتنا واختيارنا اولا فالعلم باحوال القسم الاول من حيث انه يؤدى الى اصلاح المعاش والمعاد يسمى حكمة عملية والعلم باحوال الثانى يسمى حكمة نظرية وكل منهما على ثلاثة اقسام :

اما العملية فلانها اما علم بمصالح اشخاص معين بانفراده ليتحلى بالفضائل ويتخلى عن الرذائل يسمى علم الاخلاق واما علم بمصالح جماعة متشاركة فى المنزل كالوالد والمولود والمالك والمملوك يسمى تدبير المنزل واما علم بمصالح جماعة متشاركة فى المدينة يسمى سياسة المدنية فصار اقسامها ثلاثة :

واما النظرية فلانها اما علم باحوال ما لا يفتقر فى الوجود الخارجى والتعقل الى المادة يسمى الالهيات والفلسفة الاولى وهذا لاطلاق اى الفلسفة الاولى صرح به الشيخ فى الفصل الثانى من المقالة الاولى من الهيات الشفاء بعد تعيين الموضوع حيث قال فهذا هو العلم المطلوب فى هذه الصناعة وهو الفلسفة الاولي لانه العلم باول الامور فى الوجود وهو العلة الاولى واول الامور بالعموم وهو الوجود واما علم باحوال ما يفتقر اليها فى الوجود الخارجي دون التعقل يسمى بالرياضى والتعليمي واما علم باحوال ما يفتقر اليها فى الوجود الخارجي والتعقل كالانسان وهو العلم الادنى ويسمى بالطبيعى لانه يبحث فيه عن احوال الجسم الطبيعى فصار اقسام العلوم النظرية ثلاثة (الالهيات) (والطبيعيات) (والرياضيات) واذا عرفت هذه التعريفات المذكورة فاعلم :

ان العلوم النظرية على قسمين القسم الاول منها ينتهى إلى مادة هى قريبة من الاحساس ومن هذا القسم.

علم الهندسة وهو ما يبحث فيه عن المقادير المتصلة وموضوعه هو المقدار والكم المتصل ومن مسائله قول المهندس كل مقدار وسط فى النسبة فهو ضلع ما يحيط به الطرفان والمراد من كون المقدار الوسط ضلع ما يحيط به الطرفان ان يكون الحاصل من ضربه فى نفسه هو الحاصل من ضرب احد الطرفين فى الآخر مثلا ان الثلاثة وسط بين الواحد والتسعة والحاصل من ضربه فى نفسه هو التسعة وهو الحاصل من ضرب التسعة فى الواحد ـ

٧٧

ـ ونحو كل خط قام على خط فان زاوية جنبيه قائمتان او مساويتان لقائمتين توضيح قرب المادة فى المسألة الاخيرة ان الخط وقيام الخط على الخط وحصول القائمتين او المساويتين لهما من الامور المحسوسة وهى من مادة القياس المستعمل فى اثبات النتيجة.

وعلم الحساب وهو ما يبحث فيه عن العدد وموضوعه الكم المنفصل وهو العدد ومن مسائله مثلا اذا ضربت عدد الاربعة فى الاربعة يحصل ستة عشر وهكذا ولا يخفى ان اصول العلم الرياضى ثلاثة : علم الهندسة والحساب والهيئة والموسيقى.

واكثر ابواب المنطق مثل ان الموجبة الكلية والجزئية انما تنعكسان الى الموجبة الجزئية فى باب عكس المستوى وكذا السالبة سواء كانت كلية او جزئية لا تنعكس إلا جزئية فى باب عكس النقيض وحكم السوالب فى هذا الباب حكم الموجبات فى عكس المستوى وهذا القسم من العلوم النظرية لكون مواده قريبة من الاحساس لا يقع فيه الخلاف بين العلماء والخطاء فى نتائج الافكار لان الخطاء فى الفكر اما من جهة صورة القياس او من مادته اما الخطاء من جهة المادة فلا يتصور فى هذه العلوم لقرب المواد فيها إلى الاحساس واما من جهة الصورة فلا يتصور ايضا لان مراعاتها من الامور البديهية عند الاذهان المستقيمة ولانهم عارفون بالقواعد المنطقية وهى عاصمة عن الخطاء من جهة الصورة ولا يخفى عليك ان المراد من المادة فى باب الاقيسة هى القضايا التصديقية المذكورة لبيان المقاصد والمطالب والمراد من الصورة هى الهيئة الحاصلة للمقدمتين فى القياس بسبب نسبة الوسط الى الطرفين (ثم) ان القياس كما ينقسم باعتبار الهيئة والصورة الى استثنائى واقترانى فكذلك ينقسم باعتبار المادة الى الصناعات الخمس اعنى البرهان والجدل والخطابة والشعر والمغالطة وقد تسمى سفسطة ايضا ولا يخفى ان مواد غير البرهان من الصناعات على ما ذكروه اهل الميزان سبعة انواع : احدها المشهورات وهى قضايا يحكم العقل ـ

٧٨

ـ بها بواسطة عموم اعتراف الناس بها اما لمصلحة عامة او بسبب رقة كقولنا مساواة الفقراء محمودة او حمية كقولنا كشف العورة مذموم او بسبب عادات وشرايع وآداب كقولنا شكر المنعم واجب وربما تشتبه بالاوليات والفرق بينهما ان المشهورات قد تكون حقة وقد تكون باطلة والاوليات لا تكون اللاحقة وثانيها المسلمات وهى قضايا تؤخذ من الخصم مسلمة او برهن عليها فى علم واخذت فى آخر على سبيل التسليم وثالثها المقبولات وهى قضايا تؤخذ عمن يعتقد فيه اما لامر سماوى من المعجزات والكرامات كالانبياء والاولياء واما الزهد او علم او رياضة الى غير ذلك من الصفات المحمودة ورابعها المظنونات وهى قضايا يحكم العقل بسبب الظن الحاصل فيها والظن رجحان الاعتقاد مع تجويز النقيض وخامسها المخيلات وهى قضايا اذا وردت على النفس اثرت فيها تأثيرا عجيبا كقول القائل فى الترغيب الخمر ياقوتية سيالة وفى التنفير العسل مرة مهوعة وسادسها الوهميات وهى قضايا كاذبة يحكم بها الوهم الانسانى فى امور غير محسوسة كقولنا كل موجود فهو متحيز وسابعها المشبهات بغيرها وهى قضايا يحكم العقل بها على اعتقاد انها اولية او مشهورة او مقبولة او مسلمة لاشتباهها بشىء منها اما بسبب اللفظ او بسبب المعني والتفصيل فى المنطق فراجع واما البرهان فهو قياس مركب من مقدمات يقينية تركيبا صحيحا سواء كانت ضرورية وهى اليقينيات ابتداء او نظرية وهى اليقينيات بواسطة اليقينيات التى هى مبادى اولى للبرهان واليقينيات الضرورية ستة الاوليات وهى قضايا يكون مجرد تصور طرفيها وان كانا او احدهما بالكسب كافيا فى جزم العقل بالنسبة بينهما بالايجاب او السلب كقولنا الكل اعظم من الجزء ويسمى بديهيات والمحسوسات وهى قضايا يحكم العقل بها بواسطة احدى الحواس ويسمى مشاهدات ان كانت الحواس ظاهرة كقولنا النار حارة والشمس مشرقة ووجدانيات ان كانت باطنة كعلم كل احد بجوعه وعطشه والمتواترات وهى قضايا يحكم العقل بها بواسطة كثرة الشهادة الموقعة لليقين كالعلم بوجود مكة والمجربات وهى قضايا يحكم العقل بها بسبب مشاهدات متكررة مع انضمام قياس خفى وهو انه لو كان ـ

٧٩

ـ اتفاقيا لما كان دائما او اكثريا كالحكم بان السقمونيا علة للاسهال والحدسيات وهى قضايا يحكم العقل بها بواسطة حدس من النفس بمشاهدة القرائن كالحكم بان نور القمر مستفاد من الشمس لاختلاف الهيئات الشكلية بسبب قربه وبعده عن الشمس والفرق بين التجربة والحدس ان التجربة يتوقف على فعل يفعله الانسان حتى يحصل المطلوب بسببه فان الانسان ما لم يجرب الدواء بتناوله او اعطائه غيره مرة بعد اخرى لا يحكم عليه بالاسهال وعدمه بخلاف الحدس فانه لا يتوقف على ذلك والفطريات وهى قضايا يحكم العقل بها بواسطة وسط لا يعزب عن الذهن عند تصور حدودها كقولنا الاربعة زوج لكونه منقسما بمتساويين فان الانقسام بهما لا يغيب عن الذهن عند تصور طرفيه ثم ان القياس البرهانى على قسمين لمّى وانّى لان الاوسط فيه لا بد ان يفيد الحكم بثبوت الاكبر للاصغر فان كان مع ذلك علة لوجود الاكبر للاصغر فى الخارج يسمى البرهان اللمى لانه يعطى اللمية فى الذهن والخارج واللم ماخوذ من لم الذى يسأل عن علة الشىء وأصله لما حذفت الالف لما هو المقرر من ان الجار اذا دخل على ما الاستفهامية حذفت الفها فرقا بينها وبين ما الموصولة ثم شددت الميم للنقل او لئلا يكون بنائه اقل من ابنية الاسم كما شددت الواو من لو فى قول الشاعر ألام علي لو الخ لذلك ثم الحقت آخره الياء المشددة للنسبة كما فى الإنّي وان لم يكن علة لوجود الاكبر للاصغر فى الخارج يسمى البرهان الإنّي لانه يفيد إنية الحكم وتحققه فى الخارج دون لميته والاوسط فى البرهان الإنّي اذا كان معلولا لوجود الاكبر للاصغر سمى دليلا وهو اعرف واشهر من بقية اقسامه لان اكثره يقع على هذا الوجه وان لم يكن معلولا للحكم كما انه ليس علة له بل يكونان معلولين لثالث وهذا لم يخص باسم كما يقال هذه الحمى تشتد غبا وكل حمي تشتد غبا محرقة فهذه الحمى محرقة فان الاشتداد غبا ليس معلولا للاحراق ولا العكس بل كلاهما معلولان للصفراء المتعفنة الخارجة من العروق.

٨٠