درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٠٨

ولا يخفى عليك ان المراد من قوله قدس‌سره فلا بد من تأويله ان لم يمكن طرحه كالامثلة التى ذكرت ليس هو تعين الطرح فيما امكن الطرح اذ المستفاد من مفهوم هذا الكلام عدم تعين التأويل عند امكان الطرح لا تعين الطرح فيجوز ترجيح التأويل عند الامكان من حيث تحكيم ادلة الصدور على الدلالة فى مفروض البحث كما هو الحق عند الشيخ قدس‌سره فيما ستقف عليه فى مسئلة التعارض. وبالجملة ان النقلى لا اعتبار له فى قبال العقلى القطعى فأما يطرح او يأول وكلما حصل القطع من دليل نقلي فلا يجوز ان يحصل القطع على خلافه من دليل عقلى مثل القطع الحاصل من اجماع جميع الشرائع والاديان على حدوث العالم زمانا كما انه حادث ذاتا باتفاق من ارباب العقول. والمراد من الحدوث الزمانى كون وجوده مسبوقا بالعدم الغير المجامع له ويقابله الحدوث الذاتى وهو كون وجود الشىء المستفاد من علته مسبوقا بالعدم فى مرتبة ذاته. والحاصل انه اذا دل الدليل النقلي من اجماع او آية او سنة قطعية على حدوث العالم زمانا كاجماع جميع اهل الشرائع الكاشف قطعا عن قول الانبياء عليهم‌السلام او غيره علي حدوث العالم زمانا لم يلتفت الى البرهان المغالطى بان العالم معلول لوجود البارى تعالى جل شانه فاذا كان قديما فلا بد ان يكون العالم قديما ايضا وإلّا لزم انفكاك المعلول عن العلة والاثر عن المؤثر غاية ما هناك تقدم وجود البارى تعالى ذاتا على العالم وهذا هو المراد من الحدوث الذاتي فان هذا البرهان كان شبهة فى مقابل البديهة لكن هذا اى حصول القطع من دليل نقلى وعدم جواز حصول القطع من دليل عقلى لا يتأتى فى العقل البديهى ولا فى الفطرى الخالى عن شوائب الاوهام بل لا بد فى مواردهما من التزام عدم حصول النقلى على خلافه لان الادلة القطعية النظرية فى النقليات مضبوطة محصورة لانها منحصرة فى الاخبار المتواترة والآحاد المحفوفة بالقرائن القطعية والاجماعات المحققة ولم يتحقق مورد تعارض هذه الامور المذكورة للعقل البديهى والفطرى الذى هو حجة بالبديهة وكذلك القطعيات الضرورية النقلية ايضا مضبوطة محصورة لانحصارها فى الضروريات الدينية والمذهب والقطعيات الفقهية وبالجملة ليس فى الادلة النقلية القطعية شيء يصادم العقل البديهى والفطرى.

١٠١

(م) فان قلت لعل نظر هؤلاء فى ذلك الى ما يستفاد من الاخبار مثل قولهم عليهم‌السلام حرام عليكم ان تقولوا بشىء ما لم تسمعوا امنا وقولهم عليهم‌السلام لو ان رجلا قام ليله وصام نهاره وحج دهره وتصدق بجميع ما له ولم يعرف ولاية ولى الله فيكون اعماله بدلالته فيواليه ما كان له علي الله ثواب وقولهم عليهم‌السلام من دان الله بغير سماع من صادق فهو كذا وكذا الى غير ذلك من ان الواجب علينا هو امتثال احكام الله تعالى التى بلغها حججه عليهم‌السلام فكل حكم لم يكن الحجة واسطة فى تبليغه لم يجب امتثاله بل يكون من قبيل اسكتوا عما سكت الله عنه فان معنى سكوته عنه عدم امر اوليائه بتبليغه وحينئذ فالحكم المنكشف بغير واسطة الحجة ملغى فى نظر الشارع وان كان مطابقا للواقع كما يشهد به تصريح الامام عليه‌السلام بنفى الثواب على التصدق بجميع المال مع القطع بكونه محبوبا ومرضيا عند الله ـ

(ش) اقول ان الاخباريين يمكن ان يستدل لهم علي ذلك اى على تقديم الدليل النقلى على العقلى القطعى بامرين :

الاول هو احتمال مدخلية وساطتهم عليهم‌السلام فى فعلية الاحكام والعقل بعد احتمال ذلك يستحيل ان يستقل على وجه الجزم بشىء حتى يحكم بملازمة الحكم الشرعى له ويرد على هذا الوجه ان العقل بعد ما ادرك المصلحة الملزمة فى شىء كالكذب المتضمن لانجاء النبى او لجماعة من المؤمنين مثلا وادرك عدم مزاحمة شىء آخر لها وادرك ان الاحكام الشرعية ليست جزافية وانما هى لاجل ايصال العباد الى المصالح وتبعيدهم عن المفاسد كيف يعقل ان يتوقف فى استكشاف الحكم الشرعى بوجوبه ويحتمل مدخلية وساطتهم صلوات الله وسلامه عليهم بل لا محالة يستقل بحسن هذا الكذب ويحكم بمحبوبيته والحاصل ان المدعى هو تبعية الحكم الشرعى لما استقل به العقل من الحسن او القبح وبعد الاستقلال لا يبقى مجال لاحتمال وساطتهم اصلا ولا يخفى ان هذا الاحتمال لم يتعرض له الشيخ قدس‌سره.

الثانى الاخبار الكثيرة التي لا يبعد تواترها معنى الدالة علي وجوب الرجوع الى الائمة صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين ووجوب الاعتقاد بهم وعدم الاعتناء بالعقل فى الاحكام الشرعية ولا يخفى ان هذه الاخبار على كثرتها على طائفتين : الاولى الاخبار ـ

١٠٢

ـ ووجه الاستشكال فى تقديم النقلى على العقل الفطرى السليم ما ورد من النقل المتواتر على حجية العقل وانه حجة باطنة وانه مما يعبد به الرحمن ويكتسب به الجنان ونحوها مما يستفاد منه كون العقل السليم ايضا حجة من الحجج فالحكم المستكشف به حكم بلغه الرسول الباطنى الذى هو شرع من داخل كما ان الشرع عقل من خارج ومما يشير إلى ما ذكرنا من قبل هؤلاء ما ذكره السيد صدر (ره) فى شرح الوافية فى جملة كلام له فى حكم ما يستقل به العقل ما لفظه : ان المعلوم هو انه يجب فعل شىء او تركه اولا يجب اذا حصل الظن او القطع بوجوبه او حرمته او غيرهما من جهة نقل المعصوم عليه‌السلام او فعله او تقريره لا انه يجب فعله او تركه او لا يجب مع حصولهما من اى طريق كان انتهى موضع الحاجة.

ـ الدالة علي على عدم قبول الاعمال بل على عدم صحتها ممن لا يعتقد بامامتهم صلوات الله عليهم كقولهم عليهم‌السلام لو ان رجلا قام ليله وصام نهاره الخ الثانية الاخبار الدالة على وجوب اخذ الاحكام منهم عليهم‌السلام وعدم الاعتناء علي الادراكات العقلية وبالجملة ان الاخباريين يقولون بان الواجب علينا هو امتثال احكام الله تعالى التى بلغه حججه عليهم‌السلام فكل حكم لم يكن الحجة واسطة فى تبليغه لم يجب امتثاله بل يكون من قبيل اسكتوا عما سكت الله عنه وحينئذ فالحكم المنكشف بغير واسطة الحجة ملغى فى نظر الشارع وان كان مطابقا للواقع والشاهد عليه تصريح الامام عليه‌السلام بنفى الثواب عن التصدق بجميع الجمال مع القطع بكونه محبوبا ومرضيا عند الله قوله ووجه الاستشكال فى تقديم النقلى على العقل الفطرى السليم اقول ان وجه الاستشكال ما ورد من الآيات والاخبار على حجية العقل وانه حجة باطنة مثل قوله عليه‌السلام يا هشام ان لله حجتين حجة ظاهرة وحجة باطنة واما الظاهرة فهم الانبياء والرسل واما الباطنة فهو العقل وغير ذلك من الاخبار المستفيضة فى هذا المعنى ولذا قد التجأ المحدث البحرانى الى تسليم حجية العقل الفطرى الخالى عن شوائب الاوهام والعجب مما قال به صاحب الفصول على ما حكى عنه حيث جعل اخبار حجية العقل دالة على شرطية العقل للتكليف فقط وصرح بعدم دلالتها على حجيته مع انها صريح الاخبار المذكورة مع انه ناقض نفسه فى مقام آخر حيث قال ـ

١٠٣

ـ لكنه مع عدم المنع يحكم بالحجية ظاهرا عملا بعمومات الآيات والاخبار نعم يمكن المناقشة فى بعض الاخبار مثل خطابه تعالى للعقل بك اثيب وبك اعاقب وما يجرى مجراه بقصور دلالته عن الحجية بل غايتها دلالتها على الشرطية لكن هذه المناقشة لا تتأتى فى جميعها كما لا يخفى ويؤيد ما ذكر من قبل هؤلاء ما ذكره السيد صدر فى شرح الوافية فى جملة كلام له فى حكم المستقلات العقلية ما لفظه : ان المعلوم هو انه يجب فعل شيء او تركه اولا يجب اذا حصل الظن او القطع بوجوبه او حرمته او غيرهما من جهة نقل المعصوم عليه‌السلام او فعله او تقريره لا انه يجب فعله او تركه اولا يجب مع حصولهما من اى طريق كان هذا ما افاده الشيخ قدس‌سره فى بيان ما ذكره السيد صدر.

١٠٤

(م) قلت اولا نمنع مدخلية توسط تبليغ الحجة فى وجوب اطاعة حكم الله سبحانه كيف والعقل بعد ما عرف ان الله تعالى لا يرضى بترك الشىء الفلانى وعلم بوجوب اطاعة الله لم يحتج ذلك الى توسط مبلغ ودعوى استفادة ذلك من الاخبار ممنوعة فان المقصود من امثال الخبر المذكور عدم جواز الاستبداد بالاحكام الشرعية بالعقول الناقصة الظنية على ما كان متعارفا فى ذلك الزمان من العمل بالاقيسة والاستحسانات من غير مراجعة حجج الله تعالى بل فى مقابلهم عليهم‌السلام وإلّا فادراك العقل القطعى للحكم المخالف للدليل النقلى على وجه لا يمكن الجمع بينهما فى غاية الندرة بل لا نعرف وجوده فلا ينبغى الاهتمام به فى هذه الاخبار الكثيرة مع ان ظاهرها ينفى حكومة العقل ولو مع عدم المعارض وعلى ما ذكرنا يحمل ما ورد من ان دين الله لا يصاب بالعقول واما نفى الثواب ـ

(ش) اقول حاصل ما ذكره الشيخ قدس‌سره فى الجواب الاول منع مدخلية توسط تبليغ الحجة فى وجوب اطاعة حكم الله تعالى بل الحاكم بوجوب الاطاعة هو العقل لا الشرع لاستلزامه التسلسل الظاهر وما يظهر من ظاهر الاخبار من ايجاب الشارع له انما هو ارشادى محض ورد لتأكيد العقل كما هو واضح عند من له ادنى خبرة والعلم وان كان مأخوذا فى وجوب الامتثال فى حكم العقل على تقدير تسليمه إلّا انه يستقل بعدم الفرق بين خصوصياته وان المدار على مطلق الانكشاف العلمى من غير تفصيل وقيل ان الجواب الحقيقى ان يقال ان العلم ليس جزء لموضوع وجوب الاطاعة بل موضوعه اعم من العلم والظن المعتبر والاصل انتهى.

ثم ان الجواب الذى يستفاد من كلامه (ره) عن الاخبار التى ظاهرة فى توسط تبليغ الحجة ان المقصود منها عدم جواز الاستبداد بالاحكام الشرعية بالعقول الناقصة الظنية فى ذلك الزمان اى فى زمان الائمة عليهم‌السلام كما يفعله أئمة النفاق والكفر عليهم لعنة الله حيث يستقلون فى الفتوى بآرائهم الفاسدة المبنية على العمل بالاقيسة والاستحسانات الظنية من دون الرجوع الى أئمة الهدى صلوات الله عليهم اجمعين بل ربما كانوا يعارضونهم وإلّا فإدراك العقل القطعى للحكم المخالف للدليل النقلى على وجه لا يمكن الجمع بينهما فى غاية الندرة بل لا يعرف وجوده مع ان ظاهرها ينفى ـ

١٠٥

ـ على التصدق مع عدم كون العمل به بدلالة ولى الله فلو ابقي على ظاهره دل على عدم الاعتبار بالعقل الفطرى الخالى عن شوائب الاوهام مع اعترافه بانه من حجج الملك العلام فلا بد من حمله على التصدقات الغير المقبولة مثل التصدق على المخالفين لاجل تدينهم بذلك الدين الفاسد كما هو الغالب فى تصدق المخالف علي المخالف كما فى تصدقنا على فقراء الشيعة لاجل محبتهم لامير المؤمنين عليه‌السلام وبغضهم لاعدائه او على ان المراد حبط ثواب التصدق من اجل عدم المعرفة لولى الله تعالى او على غير ذلك.

حكومة العقل ولو مع عدم المعارض وحمل تلك الاخبار الكثيرة على الفرد النادر بل علي امر غير موجود فى الخارج قبيح جدا بل لا يصح للامام عليه‌السلام الاهتمام الشديد والسعى الاكيد بعدم حجية العقل فى تلك الاخبار مع وجود الفرد الشائع المنصرف اليه الاطلاق فى المقام وهو عدم جواز الاستبداد بالاحكام الشرعية بالعقول الناقصة الظنية على ما كان متعارفا فى ذلك الزمان من العمل بالاقيسة والاستحسانات مع ان ظاهر تلك الاخبار يمنع حجية العقل مطلقا حتى العقل الفطرى الخالى عن شوائب الاوهام الذى هو حجة من حجج الملك العلام مع انهم لا يقولون به وما هو جواب لهم عن ذلك فهو الجواب عن العقل الغير الفطرى وعلي ما ذكر يحمل ما ورد من ان دين الله لا يصاب بالعقول قوله واما نفى الثواب على التصدق الخ لما كان هذا الخبر غير قابل للحمل على ما استظهره من الاخبار الكثيرة من العمل بالعقول الناقصة الظنية لكون مورده مما يستقل به العقل من حسن التصدق افرده من تلك الاخبار واجاب عنه بجواب آخر وهو انه لو ابقى على ظاهره دل على عدم اعتبار العقل مطلقا حتى العقل الفطرى الخالى عن شوائب الاوهام الذى هو حجة من حجج الملك العلام مع انهم لا يقولون به فلا بد من حمله على التصدقات الغير المقبولة مثل تصدق المخالف على اهل مذهبه ونحلته من المخالفين فان تصدقهم لاهل مذهبهم انما هو لاجل تدينهم بهذا الدين وبغضهم لامير المؤمنين عليه‌السلام وساير اولاده الطاهرين ومحبتهم للمشايخ الضالين المضلين كما ان تصدقنا لفقراء الشيعة لاجل محبتهم لامير المؤمنين وساير اولاده الطاهرين صلوات ـ

١٠٦

الله عليهم اجمعين قوله او على ان المراد حبط ثواب التصدق الخ يعنى ان الخبر المذكور اما يحمل على التصدقات الغير المقبولة واما يحمل على الحبط بمعنى بطلان التصدق وهو اى قوله او على ان المراد حبط ثواب التصدق معطوف على قوله على التصدقات الغير المقبولة فيكون تاويلا ثانيا للحديث وتوضيحه ان للتصدق ثوابا لكن يرفعه قبح عدم المعرفة لولى الله تعالى قوله او على غير ذلك مثل ان يقال ان الصدقة وان كانت من جهة اشتمالها على الرقة والرأفة على العباد والاحسان اليهم موجبة للاجر والثواب إلّا انها من جهة كونها من العبادات لعلها يعتبر فى كيفيتها ما لا يعرفه إلّا الامام عليه‌السلام كما فى الزكاة التى هى من افرادها وكما فى سائر العبادات فاذا لم تكن بدلالة ولى الله لم يحصل العلم بمطابقتها لما اراده الله تعالى فلا يمكن التقرب بها ليترتب عليها الثواب هذا ما افاده وسيلة الوسائل.

١٠٧

(م) وثانيا سلمنا مدخلية تبليغ الحجة فى وجوب الاطاعة لكنا اذا علمنا اجمالا بان حكم الواقعة الفلانية لعموم الابتلاء بها قد صدر يقينا من الحجة مضافا الى ما ورد من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فى خطبة حجة الوداع معاشر الناس ما من شىء يقربكم الى الجنة ويباعدكم عن النار الا امرتكم به وما من شىء يقربكم الى النار ويباعدكم عن الجنة الا وقد نهيتكم عنه ثم ادركنا ذلك الحكم اما بالعقل المستقل واما بواسطة مقدمة عقلية نجزم من ذلك بان ما استكشفناه بعقولنا صادر عن الحجة صلوات الله عليه فيكون الاطاعة بواسطة الحجة إلّا ان يدعى ان الاخبار المتقدمة وادلة وجوب الرجوع الى الائمة صلوات الله عليهم اجمعين تدل على مدخلية تبليغ الحجة وبيانه فى طريق الحكم وان كل حكم لم يعلم من طريق السماع عنهم عليهم‌السلام ولو بالواسطة فهو غير واجب الاطاعة وحينئذ فلا يجدى مطابقة الحكم المدرك لما صدر عن الحجة لكن قد عرفت عدم دلالة الاخبار ومع تسليم ظهورها فهو ايضا من باب تعارض النقل الظني مع العقل القطعى ولذلك لا فائدة مهمة فى هذه المسألة اذ بعد ما قطع العقل بحكم وقطع بعدم رضاء الله جل ذكره بمخالفته فلا يعقل ترك العمل بذلك ما دام هذا القطع باقيا فكل ما دل على خلاف ذلك فمؤول او مطروح.

(ش) اقول حاصل الجواب الثانى عن استدلال الاخباريين على توسط تبليغ الحجة فى وجوب اطاعة حكم الله تعالى على فرض تسليمه ان ما استكشفناه من الاحكام الشرعية بعقولنا صادر عن الحجة عليهم‌السلام فيكون الاطاعة بواسطة الحجة وبيان ذلك انا اذا علمنا اجمالا ان الاحكام الشرعية قد صدرت يقينا من الحجة لعموم الابتلاء بها او غيره مضافا الى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فى حجة الوداع الدال على صدور الاحكام الشرعية عن الحجة فلا بدلنا ان نستكشفها اما بالعقل المستقل واما بواسطة مقدمة عقلية فيكون الاطاعة بواسطة الحجة إلّا ان يقال ان الاخبار المتقدمة وادلة وجوب الرجوع الى الائمة عليهم‌السلام تدل على مدخلية تبليغ الحجة وبيانه فى طريق الحكم وان كل حكم لم يعلم من طريق السماع عنهم عليهم‌السلام ولو بالواسطة فهو غير واجب الاطاعة وحينئذ فلا يفيد مطابقة الحكم المدرك لما صدر عن الحجة لكن قد عرفت عدم دلالة الاخبار ومع تسليم ظهورها فهو ـ

١٠٨

ـ ايضا من باب تعارض النقل الظنى مع العقل القطعى والمراد بالنقلى الظنى هو الاخبار المتقدمة الدالة على لزوم توسط تبليغ الحجة فى وجوب اطاعة حكم الله عزوجل والمراد بالعقل القطعى هو العقل الدال على عدم توسط تبليغ الحجة فى ذلك وقد عرفت فيما سبق انه بعد حكم العقل القطعى مع بقاء وصف القطع لا يبقى للنقلى ظن اذ لا يجتمع القطع بشىء والظن بخلافه فى محل واحد فلا بد من طرحه او تأويله فان لم يبق الوصف للنقلى فهو اولى بذلك مضافا الى ان المقام من قبيل تعارض النقلى الظنى والعقلى القطعى المعتضد بالظن اذ العقل فى المقام معتضد بما ورد من الاخبار الكثيرة البالغة الى حد الاستفاضة بل قيل انها متواترة معنى حسبما عرفت من المصنف (ره) فى الرسالة الدالة على حجية العقل وانه حجة باطنة وانه مما يعبد به الرحمن ويكتسب به الجنان ونحو ذلك وقد عرفت من المحدث البحرانى ان العقل المعتضد بالنقل مقدم على النقلى الظنى فلا دلالة للاخبار المتقدمة على نفى حكم العقل وحجيته لها فى المقام علي مداقة ايضا فلا بدلها من التأويل بما ذكره المصنف من ان المقصود منها عدم جواز الاستبداد بالاحكام الشرعية بالعقول الناقصة الظنية على ما كان متعارفا فى ذلك الزمان من العمل بالاقيسة والاستحسانات من غير مراجعة حجج الله تعالي ونحن نقول بذلك ايضا.

قوله ولذلك لا فائدة مهمة فى هذه المسألة الخ يعنى ولاجل ان غاية ما يفيده دليل الخصم هو الظن فحينئذ لا فائدة مهمة فى النزاع فى هذه المسألة اذ بعد ما قطع العقل بحكم كالوجوب والحرمة مثلا وقطع بعدم رضاء الله جل ذكره بمخالفته فلا يعقل ترك العمل بذلك ما دام هذا القطع باقيا فكل ما دل على خلافه مأول او مطروح بل لا يعقل حصول الظن من دليل الخصم حينئذ كما لا يخفى وتوضيح المقام ان للعقل من جهة ادراكه وحكمه مقامات : احدها ادراكه حسن الاشياء وقبحها والآخر ادراكه حكم الشارع على طبق ما حكم به من الوجوب والحرمة او غيرهما على اختلاف ما ادركه من الحسن والقبح والثالث حكمه باعتبار هذا الادراك اعنى ادراكه حكم الشارع على طبق ما حكم به والاول هو محل النزاع بين الاشاعرة والعدلية حيث ذهب الاشاعرة الى ان الحسن ما امر الله به والقبيح ما نهى عنه والثانى هو محل النزاع المعروف فى ثبوت الملازمة بين حكم العقل ـ

١٠٩

ـ والشرع بعد تسليم ادراك العقل حسن الاشياء وقبحها واختلف القائلون بالملازمة فذهب الاكثرون الى اثباتها مطلقا وصار آخرون الى نفيها مطلقا وفصل بعض فخص النفى بالاحكام المتعلقة بالفروع واثبتها فى الاصول وذهب بعض الافاضل الى النفى فى النظريات خاصة.

وعن شيخ الاشاعرة التوقف فيه بعد التنزل عن أصله والثالث هو محل الكلام بين الاخباريين والاصوليين.

١١٠

(م) نعم الانصاف ان الركون إلى العقل فيما يتعلق بادراك مناطات الاحكام لينتقل منها الى ادراك نفس الاحكام موجب للوقوع فى الخطاء كثيرا فى نفس الأمر وإن لم يحتمل ذلك عند المدرك كما يدل عليه الاخبار الكثيرة الواردة بمضمون ان دين الله لا يصاب بالعقول وانه لا شىء ابعد عن دين الله من عقول الناس واوضح من ذلك كله رواية ابان ابن تغلب عن الصادق عليه‌السلام قال قلت رجل قطع اصبعا من اصابع المرأة كم فيها من الدية قال عشر من الابل قال قلت اصبعين قال عليه‌السلام عشرون قلت قطع ثلاثا قال ثلاثون قلت قطع اربعا قال عشرون قلت سبحان الله يقطع ثلاثا فيكون عليه ثلاثون ويقطع اربعا فيكون عليه عشرون كان يبلغنا هذا ونحن بالعراق فقلنا ان الذى جاء به شيطان قال عليه‌السلام مهلا يا ابان هذا حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان المرأة تعاقل الرجل الى ثلث الدية فاذا بلغ الثلث رجع الى النصف يا ابان انك اخذتنى بالقياس والسنة اذا قيست محق الدين.

(ش) اقول حاصل ما افاده قدس‌سره ان الاعتماد على العقل فى قبال الشرع فيما يتعلق بادراكات مناطات الاحكام بالترديد والدوران وغيرهما يوجب الوقوع فى مخالفة الواقع كثيرا بان يقال ان الاعتماد على العقل حرام فى تحصيل مناط الحكم الشرعى على سبيل القطع فيستدل به على غير مورد النص بان يستنبط على طريق القطع من قول الشارع الخمر حرام بواسطة المقدمات العقلية ان علة حرمة الخمر هى الاسكار ليتعدى من مورد النص الى غيره نظير استنباط العلة علي سبيل الظن فى موارد الاقيسة وبالجواز فى غيره ولكن المراد من النهى عن الخوض فى المقدمات العقلية لتحصيل القطع بالمناط لعدم امكان النهى بعد حصول القطع كما عرفته غير مرة ويظهر اثر هذا النهى فى عدم معذورية القاطع لو تخلف قطعه عن الواقع كما اشار اليه المصنف فى اول التنبيه والاخبار الواردة بمضمون ان دين الله لا يصاب بالعقول وانه لا شىء ابعد عن دين الله من عقول الناس محمولة علي ذلك اى على عدم جواز الخوض فى المطالب العقلية فى تحصيل مناط الحكم على طريق اللم لينتقل من مناط الحكم الى ادراك نفس الحكم لا العقل المستقل. ـ

١١١

ـ واوضح من ذلك كله رواية ابان لما قال الامام عليه‌السلام فى جوابه اذا قطع اربعا عشرون من الابل فتعجب ابان قال سبحان الله يقطع ثلاثا فيكون عليه ثلاثون ويقطع اربعا فيكون عليه عشرون كان يبلغنا هذا ونحن بالعراق فقلنا ان الذى جاء به شيطان فاستبعد مما حكم به الامام عليه‌السلام بمجرد مخالفة عقله كما يشهد به قوله سبحان الله يقطع ثلاثا!! الخ قال عليه‌السلام مهلا يا ابان هذا حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان المرأة تعاقل الرجل الى ثلث الدية اى تساويه فذمه الامام عليه‌السلام فقال يا ابان انك اخذتنى بالقياس والسنة اذا قيست محق الدين والحاصل ان ما استظهر من الرواية بالنسبة الى فقراتها وموردها كون التوبيخ اما على رد الرواية الظنية او على استبعاده مما حكم به الامام بمجرد مخالفتها للقياس الظنى الذى استنبط مناط الاصل فيه بحسب عقله واستشهاد الرواية للمنع من الاقتحام فى الدخول فى المقدمات العقلية لتحصيل القطع بمناطات الاحكام لا بد فيه من ارجاع التوبيخ على احد الامرين الى التوبيخ على الدخول فى المقدمات بناء على استفادة كون ابان قاطعا بمناط الحكم كما اشرنا الى وجهه ولعل هذا هو الوجه فى ارجاع التوبيخ على احد الامرين الى المقدمات قوله رواية ابان بن تغلب فى الخلاصة تغلب بالتاء المفتوحة والغين المعجمة الساكنة كان فى شأنه حديث عن الباقر عليه‌السلام حيث قال : له اجلس فى مسجد المدينة وافت الناس فانى احب ان يرى فى شيعتى مثلك ومات فى حيوة ابي عبد الله عليه‌السلام فقال الصادق عليه‌السلام لما اتاه نعيه اما والله لقد اوجع قلبى موت ابان انتهى قوله ان المرأة تعاقل الرجل يعنى تساويه فى الدية من العقل بمعنى الدية سميت به لانها تعقل لسان ولي المقتول وقيل لان اصل الدية كان الابل فقومت بالذهب والفضة من عقل البعير قوله اخذتني بالقياس لعل معناه انك اردت ان تأخذنى متلبسا بالقياس اى اردت ان افتى بمقتضى القياس او انك اخذتنى حال كونك متلبسا به ويحتمل ان يكون من المؤاخذة والمعنى آخذتني وعاقبتنى باستعجابك وحكمك بان الذى ذكرته هو ما تعتقدان الشيطان جاء به بسبب عملك بالقياس.

١١٢

(م) وهى وان كانت ظاهرة فى توبيخ ابان على رد الرواية الظنية التى سمعها فى العراق بمجرد استقلال عقله بخلافه او على تعجبه مما حكم به الامام عليه‌السلام من جهة مخالفته لمقتضى القياس إلّا ان مرجع الكل الى التوبيخ على مراجعة العقل فى استنباط الاحكام فهو توبيخ على المقدمات المفضية الى مخالفة الواقع وقد اشرنا هنا وفى اول المسألة الى عدم جواز الخوض لاستكشاف الاحكام الدينية فى المطالب العقلية والاستعانة بها فى تحصيل مناط الحكم والانتقال منه اليه على طريق اللم لان انس الذهن بها يوجب عدم حصول الوثوق بما يصل اليه من الاحكام التوقيفية فقد يصير منشئا لطرح ـ

(ش) اقول انه قد علم فيما تقدم ان الركون إلى العقل فيما يتعلق بادراك مناطات الاحكام لينتقل منها إلى ادراك نفس الاحكام موجب للوقوع فى الخطاء كثيرا فى نفس الامر وان الاخبار الواردة فى المقام ايضا محمولة على ذلك اى على عدم جواز الخوض فى المطالب العقلية فى تحصيل مناط الحكم على طريق اللم خصوصا رواية ابان بن تغلب الدالة على هذا المعنى وان كانت ظاهرة فى ذم ابان على رد الرواية الظنية بمجرد استقلال عقله بخلافه او على تعجبه مما حكم به الامام عليه‌السلام من جهة مخالفته لمقتضى القياس إلّا ان مرجع كلا الوجهين الى التوبيخ على مراجعة العقل فى استنباط الاحكام بحسب عقله المفضية إلى مخالفة الواقع وقد اشير هنا وفى اول المسألة الى انه لا يجوز الخوض فى المطالب العقلية لتحصيل المطالب الشرعية وللاستعانة بها فى تحصيل مناط الحكم والانتقال منه اليه على طريق اللم لان مأنوسية الذهن بالمطالب العقلية توجب عدم الوثاقة بما بصل اليه من الاحكام التوقيفية فحينئذ يصير الخوض فيها سببا لطرح الامارات النقلية الظنية لعدم حصول الظن له منها بالحكم والحاصل ان المستفاد من الرواية وقوله عليه‌السلام اخذتني بالقياس والسنة اذا قيست محق الدين كونها دالة على ان مراد الامام عليه‌السلام التوبيخ والذم على مراجعة العقل فى استنباط الاحكام علي طريق الاقيسة والآراء ولذا احتمل احتمالا قويا ان يكون مراد الامام عليه‌السلام من قوله والسنة اذا قيست محق الدين ان الدين فى معرفة السنة النبوية هو الرجوع الى الامام عليه‌السلام لكونها فى الغالب امورا توقيفية لا مجال ـ

١١٣

ـ الامارات النقلية الظنية لعدم حصول الظن له منها بالحكم واوجب من ذلك ترك الخوض فى المطالب العقلية النظرية لادراك ما يتعلق باصول الدين فانه تعريض للهلاك الدائم والعذاب الخالد وقد اشير الى ذلك عند النهى عن الخوض فى مسئلة القضاء والقدر وعند نهى بعض اصحابهم عليهم‌السلام عن المجادلة فى المسائل الكلامية ولكن الظاهر من بعض تلك الأخبار أن الوجه فى النهى عن الاخير عدم الاطمينان بمهارة الشخص المنهي فى المجادلة فيصير مفحما عند المخالفين ويوجب ذلك وهن المطالب الحقة فى نظر اهل الخلاف.

ـ للعقل فيها ولو بنى علي معرفتها من القياس قطعيا كان او ظنيا لمحق الدين فيكون الرواية ظاهرة الدلالة على النهى عن مراجعة العقل فى استنباط الاحكام بتحصيل مناط الحكم والانتقال منه اليه بطريق اللم قوله لعدم حصول الظن له منها بالحكم اقول هذا فيما كان مبني اعتباره عند المستدل على الظن الشخصى كما اذا قلنا بحجية الاخبار بشرط حصول الظن او بحجية الاصول اللفظية بهذا الشرط كما ذهب اليه جمع ويأتى الاشارة الى هذا فى باب حجية الاخبار والظواهر إن شاء الله تعالى قوله واوجب من ذلك ترك الخوض الخ اقول قد عرفت ان الخوض فى المطالب العقلية لاستنباط الاحكام بتحصيل مناط الحكم لا يجوز لما ذكر من انه يصير سببا لطرح الامارات النقلية الظنية واوجب من عدم جواز الخوض فى المطالب العقلية لاستنباط الاحكام عدم جواز الخوض فى المطالب العقلية النظرية لتحصيل ما يتعلق باصول الدين فان الخوض فيه سبب للهلاك الدائم والعذاب الخالد اذا الاهتمام فى تحصيل الواقع فى مسائل اصول الدين اشد بالنسبة الى الفروع لان المخالفة فى الفروع فى بعض الموارد لا يوجب الكفر بخلاف مسائل الاصول ولان العثرة فى طرق المطالب العقلية النظرية لادراك ما تعلق باصول الدين اكثر من غيره مما لا يعتريه شبهة ويؤيده النهى عن الخوض فى مسئلة القضاء والقدر.

١١٤

(م) الثالث قد اشتهر فى السنة المعاصرين ان قطع القطاع لا اعتبار به ولعل الاصل فى ذلك ما صرح به كاشف الغطاء قدس‌سره بعد الحكم بان كثير الشك لا اعتبار بشكه قال وكذا من خرج عن العادة فى قطعه او ظنه فيلغو اعتبارهما فى حقه انتهى اقول اما عدم اعتبار ظن من خرج عن العادة فى ظنه فلان ادلة اعتبار الظن فى مقام يعتبر فيه مختصة بالظن الحاصل من الاسباب التى يتعارف حصول الظن منها لمتعارف الناس لو وجدت تلك الاسباب عندهم على النحو الذى وجد عند هذا الشخص فالحاصل من غيرها يساوى الشك فى الحكم واما قطع من خرج قطعه عن العادة فان اريد بعدم اعتباره عدم اعتباره فى الاحكام التي يكون القطع موضوعا لها كقبول شهادته وفتواه ونحو ذلك فهو حق لان ادلة اعتبار العلم فى هذه المقامات لا يشمل هذا قطعا.

(ش) اقول ان القطاع صيغة مبالغة كضراب ولكن ليس المراد منه من كثر قطعه كما تقتضيه صيغة الفعال بل المراد منه من كان سريع القطع بمعني ان يحصل له القطع بشىء من الاسباب التى لا تليق لافادة ذلك عند متعارف الناس وقد اشار الشيخ قدس‌سره الى هذا المعنى عند بيان عدم اعتبار ظن الظان ثم لم يتعرض احد من الفقهاء لعنوان هذه المسألة اى للبحث عن حكم القطاع الا الشيخ جعفر رحمه‌الله وتبعه جماعة منهم صاحب الفصول وصاحب الجواهر كما اشار المصنف (قده) الى هذا بقوله ولعل الاصل فى ذلك ما صرح به كاشف الغطاء نعم قد تعرضوا لمسألة كانت من افراد هذه المسألة كالقطع الحاصل للوسواس حيث ذكروا ان القطع الحاصل له ليس بحجة لحصوله من الاسباب التى ليس من شأنها افادة القطع لمتعارف الناس ولعل الوجه فى عدم اعتبار قطع الوسواس لزوم كثرة الخطاء فى تحصيل الواقع وكذا تعرضوا لبعض مسائل السهو والشك لمناسبته لهذه المسألة مثل ما ذكروا فى حكم كثير الشك وفى مسئلة شرائط قبول الرواية من اشتراط كون الراوى ضابطا فلا يقبل خبر غير الضابط لكثرة السهو والنسيان المستلزمة للوقوع فى الخطاء ويستفاد من امثالها حكم هذه المسألة ايضا كما استفاده كاشف الغطاء (ره)

الحاصل انه هل يفرق فى القطع بين الحاصل من الاسباب المتعارفة والحاصل ـ

١١٥

ـ من الاسباب الغير المتعارفة كما فى قطع القطاع وهل يفرق فى الظن والشك بين ظن كثير الظن وشك كثير الشك وغيره ام لا.

فنقول اما عدم اعتبار شك كثير الشك فان اخذ فى موضوع ادلة الشكوك من جهة انصرافه الى الشك المتعارف لا يكون شاملا للشك الغير المتعارف فعلى هذا يصعب امر كثير الشك فانه اذا لم يشمله ادلة الشكوك الصحيحة فلا مناص له من الرجوع الى قاعدة الاشتغال فلا بد له من الاتيان بالعمل الى ان يقطع بالفراغ ولكن وردت هناك روايات دالة على عدم اعتناء كثير الشك بشكه فبها يستريح كثير الشك واما عدم اعتبار ظن من خرج عن العادة فى ظنه فلان ادلة اعتبار الظن فى مقام يعتبر فيه تنصرف الى الظن المتعارف اى بالظن الحاصل من الاسباب التى يتعارف حصول الظن منها لمتعارف الناس وعليه يكون الظن الغير المتعارف الحاصل مما لا ينبغى حصول الظن منه محكوما باحكام الشك لا محالة فيختلف حاله باختلاف الموارد فيفرق بين الظن المتعلق بالركعتين الاخيرتين وبين المتعلق بالاوليين وكذا يفرق بين حالتى تعلقه بالافعال قبل تجاوز المحل وبعده.

واما قطع من خرج قطعه عن العادة فهو ان كان مأخوذا فى الموضوع فلا ريب انه ينصرف إلى القطع المتعارف ولا يترتب على القطع الحاصل مما لا ينبغى حصول القطع منه الاحكام الثابتة له إلّا ان القاطع لا يلتفت الى كون قطعه غير متعارف وإلّا لزال قطعه لا محالة ولكن المحكى عن الشيخ الكبير هو عدم اعتبار قطع القطاع فى القطع الطريقى المحض.

١١٦

(م) لكن ظاهر كلام من ذكره فى سياق كثير الشك ارادة غير هذا القسم وان اريد به عدم اعتباره فى مقامات يعتبر القطع فيها من حيث الكاشفية والطريقية الى الواقع فان اريد بذلك انه حين قطعه كالشاك فلا شك فى ان احكام الشاك وغير العالم لا يجرى فى حقه وكيف يحكم على القاطع بالتكليف بالرجوع الى ما دل على عدم الوجوب عند عدم العلم والقاطع بانه صلى ثلثا بالبناء على انه صلى اربعا ونحو ذلك وان اريد بذلك وجوب ردعه عن قطعه بتنزيله الى الشك او تنبيهه على مرضه ليرتدع بنفسه ولو بان يقال له ان الله ـ

(ش) اقول ان الاحتمالات التى افادها الشيخ قدس‌سره فى بيان كلام كاشف الغطاء فى حكم قطع القطاع انما هى لمجرد بيان شقوق المسألة وإلّا فالذى ينبغى حمل كلامه عليه هو ارادة القطع الطريقى لا الموضوعى كما اشار الى هذا بقوله لكن ظاهر كلام من ذكره فى سياق كثير الشك ارادة غير هذا القسم.

وبيان ذلك اى بيان استظهار ارادة القطع الطريقى من ذكره فى سياق كثير الشك مع ان الشك مما لا يتصف بالطريقية.

هو ان المراد من عدم اعتبار شك كثير الشك هو عدم ترتيب آثار الشك علي شكه وتنزيل الشك منزلة القطع فى ترتيب آثار الواقع فحينئذ يكون المراد من عدم اعتبار قطع القطاع بقرينة السياق عدم ترتيب آثار الواقع على مقطوعه والحاق قطعه بالشك مثلا لو شك كثير الشك بين الثلث والاربع لا يحكم بلزوم الاتيان بركعة منفصلة الذى هو حكم هذا الشك بل يعامل منزلة القطع بالاربع فى ترتيب الآثار المترتبة على الاربع فكذلك لو قطع القطاع بكون ما بيده اربعة لا يحكم بترتيب آثار الاربع بل ينزل قطعه بمنزلة الشك.

فاذا تبين ان المراد من القطع المزبور هو الطريقى الذى لم يؤخذ فى موضوع الدليل وهو مما لا يفرق فيه بين القطاع وغيره لعدم اختلاف الاشخاص والاسباب والموارد فى نظر العقل فى طريقية القطع وكونه منجزا للواقع عند المصادفة وعذرا عند المخالفة فقد ذكر الشيخ قدس‌سره فى بيان ما يرد على كلام كاشف الغطاء على هذا التقدير وجوها ثلاثة اقربها الى الارادة هو الاول حيث اشار اليها بقوله : وان اريد عدم اعتباره فى ـ

١١٧

ـ تعالي وسبحانه لا يريد منك الواقع لو فرض عدم تفطنه لقطعه بان الله يريد الواقع منه ومن كل احد فهو حق لكنه يدخل فى باب الارشاد ولا يختص بالقطاع بل بكل من قطع بما يقطع بخطائه فيه من الاحكام الشرعية والموضوعات الخارجية المتعلقة بحفظ النفوس والاعراض بل الاموال فى الجملة واما فيما عدا ذلك مما يتعلق بحقوق الله سبحانه فلا دليل على وجوب الردع فى القطاع كما لا دليل عليه فى غيره ولو بنى علي وجوب ذلك فى حقوق الله سبحانه من باب الامر بالمعروف والنهى عن المنكر كما هو ظاهر بعض النصوص والفتاوى لم يفرق ايضا بين القطاع وغيره.

ـ مقامات يعتبر القطع الخ اقول ملخص ما يرد على كلام كاشف الغطاء من جهات ثلاث الاولى فى معاملته مع نفسه والثانية فى معاملة الغير معه والثالثة فيما اذا انكشف الواقع وظهر له خلاف قطعه.

واما الاولى فلا شك فى انه يعمل بمقتضى قطعه لانه لو اريد منه ترك المقطوع والعمل بمقتضى الاصول والقواعد والظنون وجعله كالمعدوم فلا معنى له لان القاطع حين هو قاطع لا يلتفت الى فساد قطعه ويكون غافلا عن خلافه ويمتنع تكليف الغافل ببداهة حكم العقل بل امتناع تكليف هذا القسم من الغافل اظهر من امتناع تكليف الغافل المحض اذ لا يرد فيه الشبهات التى اوردوها هناك مثل ان الغافل يكون سبب امتناع توجيه التكليف اليه جهله والجاهل قد يفعل اتفاقا وحكم الشىء حكم مثله وكما جاز صدور الفعل اولا جاز صدوره ثانيا وثالثا وهكذا فحينئذ جاز ان يعلم الله تعالى ايقاع الفعل من شخص اتفاقا فلا يكون تكليفه حال عدم العلم تكليفا بالمحال ومثل ان المعرفة بالله تعالى ورد الامر بها ويستحيل توجيهه على العارف لاستلزامه تحصيل الحاصل او الجمع بين المثلين وعلى غيره لان المأمور قبل ان يعرف الشىء استحال منه ان يعرف الشىء فقد كلف من يستحيل منه العلم بالعلم مع ان العلم بوجوب الطلب ان حصل قبل اتيانه بالنظر فهو حينئذ لا يمكنه ان يعلم ذلك الوجوب لاشتراطه بالاتيان بذلك النظر فلو وجب قبل الاتيان به لوجب عليه فى وقت لا يمكنه العلم فيه وهو تكليف الغافل وان حصل بعده وعند الاتيان بالنظر حصل العلم بالوجوب فلو وجب عليه حينئذ تحصيل العلم بالوجوب لزم تحصيل الحاصل ـ

١١٨

ـ او الجمع بين المثلين ومثل ان المجنون والنائم والغافل يوجب افعالهم الضمان ومثل ان الله تعالي خاطب السكران بقوله : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) ولا شك انه غافل الى غير ذلك من الشبهات التى يمكن دفعها بادنى تامل مضافا الى ان الامر بترك المقطوع يؤدى الى التناقض كما عرفت ولو اريد منه العمل بمقتضى القطع ومقتضى الامارات او الاصول جميعا فذلك لو تم فانما يتم فى صورة التوافق لا صورة التخالف سيما اذا كان من قبيل التباين او التناقض كادائهما الى الوجوب والحرمة مع استلزامه التناقض ايضا لان عمله بمقتضى القطع انما هو من جهة كونه طريقا الى الواقع وبغيره يكشف عن عدم طريقيته.

واما الثانية فقد يكون قطع القطاع بالنسبة الى الاحكام التكليفية اعنى ما يتعلق بحقوق الله سبحانه كمن قطع بكون مائع ماء فاراد شربه وهو خمر فى الواقع او بالنسبة إلى الاحكام الشرعية والموضوعات الخارجية المتعلقة بحفظ النفوس والاعراض بل الاموال فى الجملة قوله فى الجملة قيد للاموال والمقصود منه الاحتراز عن المحقرات اى عن ما لا يعتد به ويحتمل كونه قيدا لوجوب الردع فى الاموال والمقصود منه حينئذ الاحتراز عن وجوبه لغير الحاكم الشرعي والخلاف واقع فى المقامين فليطلب من الفقه وعلى القسمين وان كان يجب ردعه عن قطعه فعلا من جهة الامر بالمعروف والنهى عن المنكر او قولا بان يردعه من جهة الصغرى بان يقال له فيما اذا قطع بكون شخص مرتدا ان هذا ليس بمرتد او من جهة الكبرى بان يقال له ان المرتد ليس بواجب القتل ان فرض عدم تفطنه به لكنه يدخل حينئذ فى عنوان الارشاد ولا يختص بالقطاع بل يجرى فى حق الجاهل والغافل ايضا.

واما الثالثة اعنى الكلام بعد كشف الخلاف فهذا ايضا على قسمين لان الكلام فى هذا القسم ايضا اما بالنسبة الى الاحكام الوضعية او التكليفية اما الاول ففى زمان كشف الخلاف وان كان يجب الاعادة لكنه غير مختص بالقطاع بل يجرى فى حق غيره ايضا واما الثانى فلينظر الى دليله فان ظهر منه ارادة المأمور به الواقعى فبعد كشف الخلاف وان كان يجب الاعادة لكنه غير مختص بالقطاع ايضا وان ظهر منه ارادة المأمور به الظاهرى ـ

١١٩

ـ كما اذا قال عليه‌السلام ان كان غيم وظننت بالوقت وصليت ووقع جزء منه فى الوقت فلا يجب الاعادة فنقول حينئذ اذا ثبت عدم الاعادة فى صورة كشف الخلاف فى الظن ففى القطع بطريق اولى اللهم ان يقال ان الاولوية ثابتة فى غير قطع القطاع كما ان الظن المعتبر هنا انما هو غير ظن الظان واذا ثبت عدم الاولوية فيجب على القطاع الاعادة وان لم يجب علي غيره هذا محصل ما افيد فى هذا المقام.

قوله بل بكل من قطع بما يقطع بخطائه فيه الخ اقول ان الفعل الاول مبنى للفاعل والثانى للمفعول وفى قوله بخطائه فيه اشارة الى اختصاص لغوية قطع القطاع بمعنى وجوب ردعه عنه من باب الارشاد باحد الوجهين الذين ذكرهما بصورة العلم بالمخالفة اذ لا وجه له مع العلم بالموافقة او الشك فيها.

١٢٠