درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٠٨

وما يناسب الفرع الرابع هو الوجه الثانى والثالث وتوضيح ذلك ان الاشكال فى الرابع من الموارد المذكورة من جهتين من جهة حكم الحاكم بالتنصيف مع علمه بمخالفة حكمه للواقع ومن جهة شراء الشخص الثالث للنصفين والمصنف انما اشار الى الجهة الثانية خاصة والاشكال من الجهتين انما يتوجه اذا علم اجمالا صدق احد المتداعيين وكذب الآخر وإلّا فلو احتمل كذبهما بان احتمل كون المال لشخص ثالث او كونه مشتركا بينهما بالاشاعة لا يبقي اشكال فى حكم الحاكم ولا فى شراء الثالث لعدم العلم بمخالفتهما للواقع بعد احتمال الاشاعة ولذا قيد المصنف مورد الاشكال بصورة العلم بصدق احدهما وكذب الآخر ولكن الظاهر ان الاشكال فى الصورة المذكورة من حيث شمول اطلاق فتواهم بحكم الحاكم بالتنصيف فى صورة التداعى للصورة المذكورة اذ لا مصرح بالتعميم وحينئذ يمكن تخصيص كلامهم بغير الصورة المذكورة كما هو مقتضى الوجه الثالث ومع التسليم فقد اجاب المصنف فى الشبهة المحصورة عن الاشكال الاول هنا وفى الموارد الآتية بان وظيفة الحاكم اخذ ما يستحق المحكوم له على المحكوم عليه بالاسباب الظاهرية كالاقرار والحلف والبينة وغيرها فهو قائم مقام المستحق فى اخذ حقه ولا عبرة بعلمه الاجمالي. وما يناسب الفرع الخامس هو الوجه الثانى وما نبه عليه فى الوجه الثالث من المصالحة القهرية وربما يقال فى دفع الاشكال عن هذا الفرع ان الامتزاج موجب للشركة فهو احد المملكات وكما تحصل الشركة فيما لو امتزج من من الحنطة لشخص مع منّين منها لشخص آخر بحيث لم يمكن التمييز عرفا ففى المقام كذلك فان نفس امتزاج الدراهم عند الودعى محصل للشركة بين المالكين فى كل جزء جزء من الدراهم فما سرق يكون من مالهما ولا يخفى ما فيه. وما يناسب الفرع السادس هو الوجه الثانى والثالث فيقال حينئذ اما بكون الاقرار سببا لانتقال العين إلى المقر له الاول واشتغال ذمة المقر بالقيمة للمقر له ـ

١٦١

ـ الثانى فى الظاهر وبكون الحكم الظاهرى مستتبعا لترتيب الآثار الواقعية من الغير واما بمنع جواز بيع الثالث للعين والقيمة بثمن واحد. وما يناسب الفرع السابع هو الوجه الثانى وما ذكره فى الوجه الثالث من انفساخ العقد بعد التحالف من أصله او من حينه وما يناسب الفرع الثامن هو الوجه الثانى وما ذكره فى الوجه الثالث ايضا.

١٦٢

(م) اذا عرفت هذا فلنعد الى حكم مخالفة العلم الاجمالى فنقول مخالفة الحكم المعلوم بالاجمال يتصور على وجهين : احدهما مخالفته من حيث الالتزام كالالتزام باباحة وطي المرأة المرددة بين من حرم وطيها بالحلف ومن وجب وطيها به مع اتحاد زمانى الوجوب والحرمة وكالالتزام باباحة موضوع كلى مردد امره بين الوجوب والتحريم مع عدم كون احدهما المعين تعبديا يعتبر فيه قصد الامتثال فان المخالفة فى المثالين ليست من حيث العمل لانها لا تخلو من الفعل الموافق للوجوب والترك الموافق للحرمة فلا قطع بالمخالفة الا من حيث الالتزام باباحة الفعل. الثانى مخالفته من حيث العمل كترك الامرين الذين يعلم بوجوب احدهما وارتكاب فعلين يعلم بحرمة احدهما فان المخالفة هنا من حيث العمل.

(ش) اقول توضيح المقام يحتاج الى بيان اقسام المخالفة وهى على ثلاثة انواع الاول المخالفة بحسب الالتزام فقط وهى عبارة عن عدم التدين بحكم يعلم كونه حكم الواقعة سواء تدين بخلافه او لم يتدين اصلا كالالتزام باباحة ما تردد امره بين الوجوب والحرمة كالالتزام باباحة وطي المرأة المرددة بين من حرم وطيها بالحلف ومن وجب وطيها به مع اتحاد زمانى الوجوب والحرمة وكالالتزام باباحة موضوع كلى مردد امره بين الوجوب والحرمة مع عدم كون احدهما المعين تعبديا يعتبر فيه قصد الامتثال مثل شرب التتن اذا فرض دوران الامر فيه بين الوجوب والحرمة مع كون كل منهما توصليا او كون احدهما الغير المعين تعبديا وقد مثل الشيخ قدس‌سره للمخالفة الالتزامية بمثالين احدهما من الشبهة الموضوعية والآخر من الشبهة الحكمية واشترط فى الاول اتحاد زماني الوجوب والحرمة وفى الثاني عدم كون احدهما المعين تعبديا والوجه فيهما واضح اذ الالتزام بالاباحة مع اختلاف زمانى الوجوب والحرمة ربما يؤدى الى المخالفة العملية كما اذا ترك الفعل فى زمان احتمال وجوبه واتى به فى زمان احتمال حرمته وكذلك مع كون احدهما المعين تعبديا محتاجا الى قصد القربة ربما يؤدى الالتزام بالاباحة الى المخالفة العملية القطعية اذ مع دوران الفعل بين كونه واجبا تعبديا وحراما توصليا او بالعكس ـ

١٦٣

ـ بان دار الامر بين كون تركه واجبا تعبديا وفعله واجبا توصليا فاذا اتى به من دون قصد القربة فى الاول او تركه كذلك فى الثانى يحصل العلم بمخالفة العمل للواقع واما اذا كان كلا الاحتمالين تعبديين فاولى بالمخالفة نعم لو كان احدهما غير المعين تعبديا فهو فى حكم كون كليهما توصليين فى عدم لزوم القطع بمخالفة العمل للواقع لفرض احتمال توصلية كل من الفعل والترك واما مع كونهما توصليين فاولى بعدم لزوم المخالفة وتفصيل المقام ان الوجوب والحرمة اذا حصل العلم باحدهما اما ان يكونا تعبديين او توصليين او يكون احدهما المعين تعبديا والآخر توصليا او يكون احدهما لا بعينه تعبديا والآخر توصليا فان كانا من القسم الاول والثالث فلا اشكال فى خروجهما عن محل البحث ودخولهما فى المخالفة العملية كيف ومع الرجوع الى اصالة الاباحة كيف يراعي قصد القربة فى كلا الطرفين فى القسم الاول وفى الطرف المعين المعتبر فيه قصد القربة فى القسم الثالث وان كانا من القسم الثانى وكان الزمان واحدا فلا اشكال فى دخوله فى محل البحث لامتناع خلو المكلف عن الفعل الموافق لاحتمال الوجوب والترك الموافق لاحتمال الحرمة فعلى كل من التقديرين قد أتي بما يكون موافقا لاحد الاحتمالين وان كان اتيانه بعنوان الاباحة لان المفروض كون كل منهما توصليا كما ان الرابع ايضا كذلك فان مع اختيار احد من الفعل والترك بعنوان الاباحة كما هو محل الفرض يحتمل الموافقة بحسب العمل لاحتمال كون حكم الواقعة توصليا ساقطا بما اتي به من الفعل او الترك فلا يلزم المخالفة القطعية العملية ولا يخفى ان عبارة الشيخ قدس‌سره فى المقام او فى ببيان تمام الاقسام بخلاف ما ذكره فى باب اصالة البراءة فانه قد اهمل فيه ذكر القسم الرابع فراجع. ولا يخفى عليك انه قد ظهر من كلام الشيخ (قده) تصور المخالفة الالتزامية فى الشبهة الحكمية والموضوعية بخلاف بعض المحققين كالمحقق الحائرى صاحب درر الاصول فانه ذهب الى عدم تصور المخالفة الالتزامية فى الشبهة الحكمية حيث قال فى البحث عن المخالفة الالتزامية انه ينبغى ان نفرض موردا لا يكون فيه المخالفة ـ

١٦٤

ـ العملية اصلا ولو على نحو التدريج ونتكلم فى جواز المخالفة الالتزامية فيه نفيا واثباتا وهذا لا يفرض فى الشبهة الحكمية لعدم وجود فعل يكون واجبا فى الشرع فى ساعة معينة او حراما كذلك ثم يرتفع حكمه بعد تلك الساعة فينحصر المورد فى الشبهة الموضوعية كالمرأة المرددة بين المنذور وطيها فى ساعة كذا او ترك وطيها كذلك ومجمل القول فيه ان المخالفة الالتزامية فى المثال المفروض تتصور على قسمين : احدهما عدم الالتزام بشىء من الوجوب والحرمة فيه والثانى الالتزام بحكم آخر غير ما علم به واقعا انتهى.

الثانى من اقسام المخالفة هى المخالفة بحسب العمل فقط كشرب احد الإناءين الذين يعلم بحرمة احدهما مع التزامه بها.

والثالث منها هى المخالفة بحسب العمل والالتزام معا ولا يخفى ان الثانى من هذه الاقسام لا دخل له بمحل النزاع كما انه لا دخل له بمسألة العلم الاجمالى فانه موجود فى جميع موارد صدور المعصية عن المسلمين مع العلم التفصيلى بالوجوب والحرمة مع عدم التزامهم بما يوجب كفرهم كمن شرب الخمر مستحلا له فالكلام انما هو فى القسم الاول والثالث سواء كانا فى الشبهة الحكمية او الموضوعية باقسامهما هذا. والفرق بين المخالفة الالتزامية والعملية عموم وخصوص من وجه على ما قيل ، مورد الاجتماع بينهما ما اذا ارتكب جميع اطراف الشبهة المحصورة مع الالتزام باباحتها ومورد الافتراق من جانب المخالفة العملية ما اذا شرب الخمر مع الالتزام بحرمته واقعا ومورد الافتراق من جانب المخالفة الالتزامية ما تعرض له المصنف من المثالين ومحل النزاع انما هو القسم الاول والثالث دون القسم الثانى كما سبقت الاشارة الى هذا.

١٦٥

(م) وبعد ذلك فنقول اما المخالفة الغير العملية فالظاهر جوازها فى الشبهة الموضوعية والحكمية معا سواء كان الاشتباه والترديد بين حكمين لموضوع واحد كالمثالين المتقدمين او بين حكمين لموضوعين كطهارة البدن وبقاء الحدث لمن توضأ غفلة بمائع مردد بين الماء والبول اما فى الشبهة الموضوعية فلان الاصل فى الشبهة الموضوعية انما يخرج مجراه عن موضوع التكليفين فيقال الاصل عدم تعلق الحلف بوطى هذه وعدم تعلق الحلف بترك وطيها فتخرج المرأة بذلك عن موضوع حكمى التحريم والوجوب فيحكم بالاباحة لاجل الخروج عن موضوع الوجوب والحرمة لا لاجل طرحهما وكذا الكلام فى الحكم بطهارة البدن وبقاء الحدث فى الوضوء بالمائع المردد.

(ش) يعنى بعد ان عرفت ان المخالفة على قسمين : الالتزامية والعملية فنقول اما المخالفة الالتزامية فالظاهر جوازها فى الشبهة الموضوعية والحكمية معا اعم من ان يكون الاشتباه والترديد بين حكمين لموضوع واحد وهذا من الشبهة الموضوعية كالالتزام باباحة وطي المرأة المرددة بين من حرم وطيها بالحلف ومن وجب وطيها به بشرط اتحاد زمانى الوجوب والحرمة ومن الشبهة الحكمية كالالتزام باباحة موضوع كلى مردد امره بين الوجوب والحرمة بشرط عدم كون احدهما المعين تعبديا يعتبر فيه قصد الامتثال وهذان المثالان الاول من الشبهة الموضوعية والثانى من الحكمية قد تقدم ذكرهما او بين حكمين لموضوعين كطهارة البدن وبقاء الحدث لمن توضأ غفلة بمائع مردد بين الماء والبول فان تعدد الموضوع فى هذا المثال ظاهر لان موضوع الطهارة من الخبث ظاهر البدن وموضوع الحدث النفس حيث انه من الحالات القائمة بها ووجه التقييد بالغفلة انه ان توضأ مع الالتفات بان المائع مردد بين الماء والبول فهو فاسد جزما وان كان فى الواقع ماء لان قصد القربة غير ممكن منه حين الالتفات.

وبالجملة موضوع الحكم الاول البدن وموضوع الحكم الثاني النفس فحينئذ اذا رجعنا إلى استصحاب الطهارة واستصحاب بقاء الحدث حصلت المخالفة الالتزامية لا العملية وبيان ذلك ان العمل لقاعدة الطهارة او استصحابها واستصحاب الحدث تفكيك بين لازمين فى موضوعين لان طهارة البدن ملازمة لارتفاع الحدث وبقاء الحدث لنجاسة البدن ـ

١٦٦

فالالتزام بطهارة البدن وبقاء الحدث مستلزم لما ذكر ولكن لا يلزم منه سوى مجرد الالتزام بما يخالف الواقع من دون علم بمخالفة العمل له لانه لو توضأ بماء طاهر فصلى به يحتمل مطابقة عمله للواقع لاحتمال كون المائع المردد فيه ماء فى الواقع فلا يحصل العلم بنجاسة البدن وكيف كان فموضوع الطهارة الظاهرية هو البدن وموضوع الحدث هو باطن الانسان يعنى النفس فهما حكمان لموضوعين مختلفين.

واما جواز المخالفة الالتزامية فى الشبهة الموضوعية فملخص ما ذكره (قده) ان الحكم لا بد له من موضوع محقق الموضوعية فاذا بنى علي عدم تحقق الموضوع ولو بجريان الاصل لم يلزم طرح الحكم والغاء دليله اذ مقتضي الدليل ثبوته فى الموضوع والمفروض عدم تحققه فيكون الاصل الجارى فى الموضوع فى الحقيقة حاكما على دليل الحكم مبنيا له ففى المثال المذكور فى المتن بعد اجراء الاصلين يثبت عدم تعلق الحلف باحد الامرين لا بوطي المرأة ولا بتركه فلا يلزم طرح ما دل على وجوب الوفاء بالحلف لان جريان الاصلين يخرج المرأة عن تحت الوجوب والحرمة فيكون هذان الاصلان حاكمين على الادلة الدالة على وجوب الوفاء بالحلف وكذلك استصحاب طهارة البدن والحدث يخرج محله عن موضوع ما دل على تنجس ما لاقى نجسا وعلي حصول الطهارة بالتوضى بخلاف الاصول الجارية فى الشبهات الحكمية لكونها مخالفة لنفس الدليل المثبت للحكم على نحو ما يأتي.

١٦٧

(م) واما الشبهة الحكمية فلان الاصول الجارية فيها وان لم يخرج مجراها عن موضوع الحكم الواقعي بل كانت منافية لنفس الحكم كاصالة الاباحة مع العلم بالوجوب او الحرمة فان الاصول فى هذه منافية لنفس الحكم الواقعى المعلوم اجمالا لا مخرجة عن موضوعه إلّا ان الحكم الواقعى المعلوم اجمالا لا يترتب عليه اثر الا وجوب الطاعة وحرمة المعصية والمفروض انه لا يلزم من اعمال الاصول مخالفة عملية له ليتحقق المعصية ووجوب الالتزام بالحكم الواقعي مع قطع النظر عن العمل غير ثابت لان الالتزام بالاحكام الفرعية انما يجب مقدمة للعمل وليست كالاصول الاعتقادية يطلب فيها الالتزام والاعتقاد من حيث الذات ولو فرض ثبوت الدليل عقلا او نقلا على وجوب الالتزام بحكم الله الواقعى لم ينفع لان الاصول تحكم فى مجاريها بانتفاء الحكم الواقعي فهي كالاصول فى الشبهة الموضوعية مخرجة لمجاريها عن موضوع ذلك الحكم اعني وجوب الاخذ بحكم الله هذا

(ش) اقول واما جواز المخالفة الالتزامية فى الشبهة الحكمية فلان الاصول الجارية فيها وان لم تخرج مجراها من موضوع التكليفين لكونها منافية للدليل الدال على الحكم الواقعى المعلوم اجمالا لا حاكمة عليه كما فى الشبهات الموضوعية على ما تقدم إلّا ان المانع من اجراء الاصل هنا اما لزوم مخالفة العمل للحكم المعلوم اجمالا او للالتزام به والاول مفروض الانتفاء ووجوب الثانى اعنى الالتزام بالحكم الواقعى غير ثابت لان الالتزام بالاحكام الفرعية انما يجب لكونه مقدمة للعمل وليست كالاصول الاعتقادية حتى يطلب فيها الالتزام والاعتقاد من حيث الذات ولو فرض ثبوت الدليل عقلا كحكمه بوجوب الالتزام والتدين لكل من تدين بدين بالاحكام الثابتة فى هذا الدين او نقلا كقوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ) الآية علي وجوب الالتزام بحكم الله الواقعى لم ينفع لان الاصول تحكم فى مجاريها بانتفاء الحكم الواقعى فهى كالاصول فى الشبهة الموضوعية مخرجة لمجاريها عن موضوع ذلك الحكم لصيرورة الشبهة حينئذ موضوعية لانه اذا ثبت وجوب الالتزام بالاحكام الواقعية نفسا فمع دوران الامر بين وجوب فعل وحرمته يحصل الشك فى ان ـ

١٦٨

ـ موضوع وجوب الالتزام هو وجوب هذا الفعل او حرمته نظير الشك فى وجوب وطى المرأة المعينة وحرمته لاجل الشك فى الحلف على وطيها او ترك وطيها وقد تقدم كون الاصل فى الشبهات الموضوعية مخرجا لمجراه من عنوان الحكم المعلوم وموضوعه نعم الفرق بين ما نحن فيه وما تقدم ان الشك هنا انما هو فى اندراج الموضوع الكلى تحت احد العنوانين المعلوم تعلق حكم واحد معين باحدهما لان الشك هنا فى اندراج شرب التتن مثلا تحت عنوان الوجوب او عنوان الحرمة المعلوم تعلق وجوب الالتزام بالخصوص باحدهما والشك ثمة انما هو فى اندراج الموضوع الجزئى تحت احد العنوانين المعلوم اجمالا تعلق الوجوب باحدهما والحرمة بالآخر اذ الشك فى وجوب وطى المرأة وحرمته انما هو فى اندراج هذه المرأة تحت عنوان كونها محلوفة الوطى حتى يجب وطيها بهذا العنوان او تحت عنوان كونها محلوفة على ترك وطيها حتى يحرم وطيها بهذا العنوان ولاجل ما ذكرنا من الفرق يكون العمل بالاصل فيما نحن فيه مستلزما للمخالفة العملية بخلافه ثمة والوجه فيه واضح.

«تنبيهان»

قد تعرض لهما بعض الاعاظم فى المقام لمناسبتهما له

الاول ان الاحكام الالهية على ثلاثة اقسام احدها ما يكون الاعتقاد فيه مطلوبا بالذات كالاصول الاعتقادية المتحققة بالاعتقادات القلبية التى لا مدخل للعمل فيها ولا شبهة فى وجوب الالتزام والتدين بها وعدم جواز المخالفة الالتزامية فيها وثانيها ما لا يكون الاعتقاد مطلوبا فيه كذلك بحيث يتحقق بدونه بل بالتزام خلافه ايضا كالواجبات التوصلية التى يكون المطلوب فيها وقوع الفعل كيفما اتفق حتى اذا اتى المكلف بها لا بعنوان انها واجبة تحقق المقصود كغسل الثوب مثلا وثالثها ما يكون ذا جنبتين بمعنى ان الاعتقاد والالتزام ليس مطلوبا فيه بالذات لكنه شرط فى تحققه بحيث لو عرى عنه لم يقع على وجهه كالواجبات التعبدية التى اخذ فيها اعتبار قصد التقرب الذى لا يتحقق إلّا بالالتزام والتدين بها ومحل الكلام هاهنا هو الثانى كما لا يخفى ـ

١٦٩

ـ الثانى ان الالتزام بالاحكام يتصور على وجوه احدها الالتزام العملى بالاحكام والمراد منه هو الالتزام باطاعتها فى مقام العمل المعبر عنه فى لسانهم بالعمل بالاركان وفى قبال هذا هو العصيان وثانيها الالتزام الاعتقادى المعبر عنه بالاعتراف بالجنان وثالثها الالتزام القولى والقائل بوجوب الالتزام ان اراد الاول اعنى الالتزام العملى فقد عرفت انه خلاف الفرض وان اراد الثانى يعنى انه يجب تحصيل العلم بالاحكام ثم الاعتقاد به ففى هذا الفرض ان اراد تحصيل العلم التفصيلى فالمفروض انه غير ممكن وان اراد ما هو اعم منه ومن العلم الاجمالى فالمفروض ان القائل بالاباحة ملتزم بثبوت الحكم فى الواقع على ما هو عليه والاعتقاد بالاباحة فى الظاهر لا ينافيه وان اراد الثالث ففيه اولا انه لا دليل على وجوب هذا النحو من الالتزام وثانيا ثبوت الدليل على عدمه وهو الاجماع المستفاد من فتواهم بالاباحة فيما دار الامر بين الاستحباب والوجوب والكراهة والحرمة مع ان الحكم فى الواقع غيرها وثالثا انه كما يجب الالتزام بالحكم الواقعى كذلك يحرم الالتزام بغيره والشبهة من هذه الجهة تصير موضوعية وقد عرفت حكم الشبهة الموضوعية التى دار الامر فيها بين المحذورين قبيل هذا.

١٧٠

(م) ولكن التحقيق انه لو ثبت هذا التكليف اعنى وجوب الاخذ بحكم الله تعالى والالتزام مع قطع النظر عن العمل لم تجر الاصول لكونها موجبة للمخالفة العملية للخطاب التفصيلى اعنى وجوب الالتزام بحكم الله وهو غير جائز حتى فى الشبهة الموضوعية كما سيجىء فيخرج عن المخالفة الغير العملية فالحق مع فرض عدم الدليل على وجوب الالتزام بما جاء به الشارع علي ما جاء به ان ترك الحكم الواقعى ولو كان معلوما تفصيلا ليس محرما الا من حيث كونها معصية دل العقل على قبحها واستحقاق العقاب بها فاذا فرض العلم تفصيلا بوجوب الشىء فلم يلتزم به المكلف لكنه فعله لا لداعى الوجوب لم يكن عليه شيء نعم لو اخذ فى ذلك الفعل نية القربة فالاتيان به لا للوجوب مخالفة عملية ومعصية لترك المأمور به ولذا قيدنا الوجوب والتحريم فى صدر المسألة بغير ما علم كون احدهما تعبديا فاذا كان هذا حال العلم التفصيلي فاذا علم اجمالا بحكم مردد بين الحكمين وفرضنا اجراء الاصل فى نفى الحكمين الذين علم بكون احدهما حكم الشارع والمفروض ايضا عدم مخالفتهما فى العمل فلا معصية ولا قبح بل وكذلك لو فرضنا عدم جريان الاصل لما عرفت من ثبوت ذلك فى العلم التفصيلي فملخص الكلام ان المخالفة من حيث الالتزام ليست مخالفة ومخالفة الاحكام الفرعية انما هى فى العمل ولا عبرة بالالتزام وعدمه.

(ش) حاصل ما افاده الشيخ قدس‌سره تحقيقا انه لو فرض ثبوت الدليل على وجوب الالتزام حتى مع العلم الاجمالى لم تجر الاصول لكونها مستلزمة المخالفة القطعية العملية بالنسبة الى ذلك الدليل هنا وهو غير جائز حتّى فى الشبهة الموضوعية كما سيجىء فيخرج عن المخالفة الغير العملية فالحق مع فرض عدم قيام الدليل على وجوب الالتزام بما جاء به الشارع ان ترك الحكم الواقعى ولو كان معلوما تفصيلا ليس محرما الا من جهة كونها معصية دل العقل على قبحها واستحقاق العقاب بها فحينئذ اذا علمنا تفصيلا بوجوب الشيء فلم نلتزم به لكنه فعلناه لا لداعى الوجوب لم يكن علينا شىء نعم لو اخذ فى ذلك الفعل نية القربة فالاتيان به لا للوجوب مخالفة عملية لان صحة العبادة التوقيفية انما هو باتيانها لداعى الامر وقصد الامتثال لذلك الطلب ولا ريب ان حصول الامتثال لا يتحقق ـ

١٧١

ـ إلّا على وجه التقرب واذا فعلها لا على هذا الوجه تكون باطلة فيتحقق بذلك مخالفة عملية فاذا كان هذا حال العلم التفصيلى فاذا علم اجمالا بحكم مردد بين الحكمين وفرض اجراء الاصل فى نفى الحكمين الذين علم بكون احدهما حكم الشارع والمفروض ايضا عدم مخالفتهما فى العمل فلا معصية ولا قبح فمحصل الكلام ان المخالفة الالتزامية ليست مخالفة ومخالفة الاحكام الفرعية انما هى فى العمل ولا عبرة بالالتزام وعدمه

١٧٢

(م) ويمكن ان يقرر دليل الجواز اى جواز المخالفة فيه بوجه اخصر وهو انه لو وجب الالتزام فان كان باحدهما المعين واقعا فهو تكليف من غير بيان ولا يلتزمه احد وان كان باحدهما المخير فيه فهذا لا يمكن ان يثبت بذلك الخطاب الواقعى المجمل فلا بد له من خطاب آخر وهو مع انه لا دليل عليه غير معقول لان الغرض من هذا الخطاب المفروض كونه توصليا حصول مضمونه اعنى القيام بالفعل او الترك تخييرا وهو حاصل من دون الخطاب التخييرى فيكون الخطاب طلبا للحاصل وهو محال إلّا ان يقال ان المدعى بالخطاب التخييرى انما يدعى ثبوته بان يقصد منه التعبد باحد الحكمين لا مجرد مضمون احد الخطابين الذى هو حاصل فينحصر حينئذ دفعه بعدم الدليل.

(ش) يعنى يمكن تقرير جواز المخالفة الالتزامية بوجه آخر ولا يخفى ان هذا الدليل غير ما ذكر سابقا اذا لدليل السابق كان مبنيا على حكم العقل بجواز المخالفة الالتزامية وترك التخيير وهذا الدليل مبنى على عدم الدليل عليه على تقدير واستحالة قيامه عليه على تقدير آخر وتوضيح ما ذكره قدس‌سره : انه لو وجب الالتزام بحكم الله تعالى ولو فى صورة كونه معلوما بالاجمال فان كان باحدهما المعين فى الواقع المجهول عندنا وهو مع انه لا دليل عليه ظاهرا تكليف بمجهول بل بغير الممكن ذاتا ولذا لم يلتزمه احد وان كان باحدهما المخير فيه اى بكل منهما بالوجوب التخييرى فهذا لا يمكن اذ استفادة هذا الخطاب التخييرى من الخطاب الواحد الواقعى المردد عندنا بين خطابين غير ممكنة لان مقتضى الخطاب الواقعى هو التعيين دون التخيير فلو كان التخيير ايضا مرادا من الخطاب الواقعى للزم استعمال اللفظ فى اكثر من معنى واحد مضافا الى لزوم اجتماع التعيين والتخيير فى الشىء الواحد وهو غير معقول فاثبات التخيير فيما نحن فيه لا بد فيه من خطاب آخر من عقل او نقل وهو مع انه لا دليل عليه ولم يقع فى الشرع غير معقول لانه لو ثبت هذا الدليل الآخر من عقل او نقل لكان مدلوله هو حصول احد الحكمين من دون تعبد بمعنى القيام بالفعل او الترك تخييرا ومن الواضح ان هذا المعنى حاصل من الخطاب الاجمالى المفروض فى المقام من دون حاجة الى الخطاب التخييرى فيكون الخطاب التخييرى لغوا وتحصيلا للحاصل وهو ـ

١٧٣

ـ قبيح عقلا يستحيل صدوره من الشارع الحكيم

نعم يمكن تعقله لو كان مراد القائل بالتخيير هو التعبد باحد الاحتمالين لا مجرد حصول مضمون احد الخطابين فى الخارج ليكون خطابا بما هو حاصل فى الخارج اذا التعبد حينئذ امر زائد على ما هو حاصل فى الخارج ثابت بالخطاب التخييرى المذكور فينحصر الرد حينئذ فى خصوص عدم الدليل عليه وقد اشار الشيخ قدس‌سره الى هذا بقوله إلّا ان يقال ان المدعى بالخطاب التخييرى انما يدعي الخ.

١٧٤

(م) واما دليل وجوب الالتزام بما جاء به النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله فلا يثبت الا الالتزام بالحكم الواقعى على ما هو عليه لا الالتزام باحدهما تخييرا عند الشك فافهم هذا. ولكن الظاهر من جماعة من الاصحاب فى مسئلة الاجماع المركب اطلاق القول بالمنع عن الرجوع الى حكم على عدم كونه حكم الامام عليه‌السلام فى الواقع وعليه بنو اعدم جواز الفصل فيما علم كون الفصل فيه طرحا لقول الامام عليه‌السلام نعم صرح غير واحد من المعاصرين فى تلك المسألة فيما اذا اقتضى الاصلان حكمين يعلم بمخالفة احدهما للواقع بجواز ـ

(ش) واما الدليل الدال على وجوب الالتزام بما جاء به النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله فلا يثبت الا الالتزام بالحكم الواقعى على ما هو عليه سواء كان واجبا او حراما فهو مما لا ينبغى انكاره لان لازم التدين بالشرع والانقياد به هو الالتزام بالحكم الواقعى على ما هو عليه لا الالتزام باحدهما تخييرا عند الشك فافهم قوله ولكن الظاهر من جماعة من الاصحاب فى مسئلة الاجماع المركب اطلاق القول بالمنع الخ هذا يؤيد القول بعدم جواز المخالفة الالتزامية كالمخالفة العملية وبيان ذلك انهم صرحوا فى مسئلة الاجماع المركب بالمنع عن الرجوع الى حكم علم عدم كونه حكم الامام عليه‌السلام فى الواقع فان اطلاق كلامهم هو المنع عن مخالفة ما عند الامام عليه‌السلام سواء كانت المخالفة التزامية او عملية وتقييد اطلاق كلماتم فى عدم جواز طرح قول الامام عليه‌السلام فى مسئلة الاجماع المركب بطرحه من حيث العمل خال عن الدليل ولا شاهد على هذا التقييد وما يدعى من ان الظاهر من المخالفة هى المخالفة العملية وهى المعروفة من طرح قول الحجة غير مقبول اذ هذا القدر لا يكفى للتقييد المذكور ولا يصلح للشهادة عليه بل الشاهد على الاطلاق موجود حيث صرحوا بعدم جواز القول بالفصل فيما علم كون الفصل فيه طرحا لقول الامام عليه‌السلام.

نعم صرح غير واحد من المعاصرين وهو صاحب الفصول (قده) فى تلك المسألة اى فى مسئلة الاجماع المركب فيما اذا اقتضى الاصلان حكمين يعلم بمخالفة أحدهما للواقع بجواز العمل بكليهما حيث قال بعد جملة كلام له فى نقل الاقوال فى المسألة ما هذا لفظه : والتحقيق انه ان قام دليل من اجماع او غيره على المنع من التفصيل مطلقا ـ

١٧٥

ـ العمل بكليهما وقاسه بعضهم على العمل بالاصلين المتنافيين فى الموضوعات لكن القياس فى غير محله لما تقدم من ان الاصول فى الموضوعات حاكمة علي ادلة التكليف فان البناء على عدم تحريم المرأة لاجل البناء بحكم الاصل على عدم تعلق الحلف بترك وطيها فهى خارجة عن موضوع الحكم بتحريم وطى من حلف على ترك وطيها وكذا الحكم بعدم وجوب وطيها لاجل البناء على عدم الحلف على وطيها فهى خارجة عن موضوع الحكم بوجوب وطى من حلف على وطيها.

ـ ولو بحسب الظاهر او قام على احد القولين او الاقوال ما يكون حجيته باعتبار افادة الواقع لم يجز التفصيل وإلا جاز لنا على المنع فى الصورة الاولى اما فى القسم الاول منها فلانه اذا قام دليل معتبر على المنع من التفصيل ولو عند عدم قيام دليل على احد القولين او الاقوال او على الجميع كان التفصيل معلوم البطلان ظاهرا وواقعا فلا سبيل الى المصير اليه وهذا واضح الى ان قال ولنا على الجواز فى الصورة الثانية عدم قيام دليل صالح للمنع فيجب اتباع ما يقتضيه الادلة التى مفادها الظاهر وان ادى الى القول بالتفصيل وخرق الاجماع ولا يقدح العلم الاجمالى ببطلان احد القولين بحسب الواقع لان ذلك لا ينافى صحتهما بحسب الظاهر كما يكشف عنه ثبوت نظائره فى الفقه فى موارد كثيرة كقولنا بصحة الوضوء بالماء القليل الذى لاقى احد الثوبين المشتبه طاهرهما بالمتنجس وبطلان الصلاة فيه مع ان هذا التفصيل باطل بحسب الواقع قطعا لان الثوب الملاقى ان كان نجسا بطل الوضوء والصلاة معا وان كان طاهرا صحا معا الخ انتهى كلامه رفع مقامه قوله وقاسه بعضهم على العمل بالاصلين المتنافيين فى الموضوعات وهذا البعض هو صاحب الفصول (ره) حيث انه بعد ما جوز العمل بالاصلين اللذين يكون مقتضاهما حكمين يعلم مخالفة احدهما للواقع قاس ذلك على العمل بالاصلين المتنافيين فى الموضوع لكن القياس فى غير محله لما تقدم من ان الاصول فى الموضوعات حاكمة على ادلة التكليف وذلك كما عرفت فيما سبق ان جريان الاصل مخرج لمورده عن موضوع التكليف علي النحو الذى ـ

١٧٦

ـ ذكر سابقا فلا حاجة الى الاعادة كما يتضح ذلك فى مثال الحلف بالوطء او بتركه.

فائدة استطرادية فى الاجماع البسيط والمركب

ان الاجماع البسيط هو الاجماع المنعقد على حكم واحد ولو تعددت الاحكام وانعقد الاجماع على كل واحد منها فاجماعات بسيطة ويقابله الاجماع المركب وهو الاجماع المنعقد على حكمين او احكام مع عدم انعقاده على كل واحد سواء كان فى موضوع واحد كاستحباب الجهر فى ظهر الجمعة وحرمته حيث افترق الاصحاب فيه فرقتين فالقول بوجوبه خرق للاجماع المركب او فى موضوعين فما زاد كتبديل الركعتين من جلوس بركعة من قيام فى الشك بين الثنتين والثلث وبين الثلث والاربع فان من قال بجواز تبديلهما بها قال به فى المقامين ومن منع منه فى المقامين فالقول بجوازه فى احدهما دون الآخر خرق للاجماع المركب ويسمى هذا النوع بعدم القول بالفصل ايضا وهو اعم من الاجماع المركب من وجه لجواز الاتفاق على عدم الفرق بين حكم موضوعين فصاعدا مثلا من غير ان يستقر الآراء على التعيين مطلقا على مذهب العامة او فى الظاهر مع القطع بدخول المعصوم عليه‌السلام مع احتمال وجود مانع فى حقه كالتقية بناء على مذهبنا او لعدم علمنا مما استقرت عليه الآراء عند الفريقين والاظهر ان يختص الاجماع المركب بما يتحد فيه مورد الاقوال ويجعل لما يتعدد فيه المورد عنوان عدم القول بالفصل لئلا يلزم التكرار فى بيان اقوال المسألتين وذكر احكامهما هذا محصل ما تعرض له بعض الاعاظم فى الاجماع البسيط والمركب.

١٧٧

(م) وهذا بخلاف الشبهة الحكمية فان الاصل فيها معارض لنفس الحكم المعلوم بالاجمال وليس مخرجا لمجراه عن موضوعه حتى لا ينافيه جعل الشارع لكن هذا المقدار من الفرق غير مجد اذ اللازم من منافاة الاصول لنفس الحكم الواقعى حتى مع العلم التفصيلى ومعارضتها له هو كون العمل بالاصول موجبا لطرح الحكم الواقعى من حيث الالتزام فاذا فرض جواز ذلك لان العقل والنقل لم يدلا الا على حرمة المخالفة العملية فليس الطرح من حيث الالتزام مانعا عن اجراء الاصول المتنافية فى الواقع ولا يبعد حمل اطلاق كلمات العلماء فى عدم جواز طرح قول الامام عليه‌السلام فى مسئلة الاجماع ـ

(ش) اقول ان الوجه الذى ذكر فى الشبهة الموضوعية لا يجرى فى الشبهة الحكمية اذ الاصل الجارى فى الشبهة الحكمية معارض لنفس الحكم المعلوم بالاجمال ولا يكون مخرجا لمجراه عن موضوعه حتى لا ينافيه جعل الشارع لكن هذا المقدار من الفرق غير مجدلان غاية ما فى الباب هو الفرق بينهما بان الاصل فى الشبهة الموضوعية مخرج للمشكوك عن كونه موضوعا بخلاف الشبهة الحكمية فان الاصل فيها مناف لنفس الحكم ومعارض لها وهذا المقدار من الفرق لا يوجب الاختلاف بينهما فى جواز العمل بالاصل وعدمه بل المدار فى الجواز وعدمه هو حصول المخالفة العملية وقد عرفت ان اللازم من منافاة الاصل لنفس الحكم الواقعى حتى مع العلم التفصيلى هو كون العمل بالاصل موجبا لطرح الحكم الواقعى من حيث التدين والالتزام فاذا فرض جواز ذلك كما عليه المصنف (قده) فى المقام بدعوى ان العقل والنقل لم يدلا الا على حرمة المخالفة العملية فليس الطرح من حيث الالتزام مانعا عن اجراء الاصول المنافى للحكم الواقعى.

ولا يبعد حمل اطلاق كلمات العلماء فى مسئلة الاجماع المركب فى عدم جواز طرح قول الامام عليه‌السلام على المخالفة العملية اذ المسلم المعروف من طرح قول الحجة هو طرحه من حيث العمل لا من حيث الالتزام ويشهد على ذلك كلماتهم فى مسئلة اختلاف الامة على قولين ولم يكن مع احدهما دليل فان ظاهر الشيخ (ره) الحكم بالتخيير الواقعى فيها وما يظهر عن بعض هو طرح القولين والرجوع الى الاصل فظاهر هذين القولين ـ

١٧٨

ـ على طرحه من حيث العمل اذ هو المسلم المعروف من طرح قول الحجة فراجع كلماتهم فيما اذا اختلفت الامة على قولين ولم يكن مع احدهما دليل فان ظاهر الشيخ (ره) الحكم بالتخيير الواقعى وظاهر المنقول عن بعض طرحهما والرجوع الى الاصل ولا ريب ان فى كليهما طرحا للحكم الواقعى لان التخيير الواقعي كالاصل حكم ثالث نعم ظاهرهم فى مسئلة دوران الامر بين الوجوب والتحريم الاتفاق على عدم الرجوع الى الاباحة وان اختلفوا بين قائل بالتخيير وقائل بتعيين الاخذ بالحرمة.

ـ عدم جواز طرحهما من حيث العمل وقد اشار الشيخ (قده) الى هذا بقوله ولا ريب ان فى كليهما طرحا للحكم الواقعى لان التخيير الواقعى كالاصل حكم ثالث ثم ان الكلام فى ظهور كلام الشيخ فى التخيير الواقعى وعدمه يأتى فى مبحث البراءة مستوفى إن شاء الله تعالى.

ولا يخفى ان حمل اطلاق كلام العلماء فى المسألة المذكورة فى عدم جواز طرح قول الامام عليه‌السلام على طرحه من حيث العمل مما لا دليل عليه بل الشاهد على الاطلاق موجود حيث صرحوا بعدم جواز القول بالفصل فيما علم كون الفصل فيه طرحا لقول الامام عليه‌السلام كما قد عرفت ذلك فيما سبق.

قوله اذ هو المسلم المعروف اقول ان ضمير هو يرجع الى عدم جواز الطرح من حيث العمل واما على ما افاده اوثق الوسائل فى معنى هذه العبارة فمرجع الضمير هو طرح قول الامام عليه‌السلام من حيث الالتزام فراجع ثم لا يخفى انا لم نتعرض الى هنا لذكر مرجع من الضمائر الا فى هذا المقام لانه لا يتدرس هذا الكتاب النفيس الا من له حظ كامل من علم الصرف والنحو واللغة والبيان وغير ذلك فلا ينبغى ان يذكر له مرجع الضمائر باى التفسيرية كما ليس ذلك من دأب العلماء الا قليلا.

قوله نعم ظاهرهم فى مسئلة دوران الامر بين الوجوب والتحريم الخ هذا استدراك مما قبله وهو حرمة طرح قول الامام عليه‌السلام من حيث المخالفة العملية القطعية فقط ولكن يظهر فى بعض الموارد كما فى مسئلة دوران الامر بين الوجوب والحرمة ـ

١٧٩

ـ الاتفاق على حرمة طرح قول الامام عليه‌السلام من حيث المخالفة الالتزامية ايضا فانهم اجمعوا علي عدم جواز الرجوع فى هذه المسألة الى الاباحة مع ان الرجوع الى الاباحة ليس مخالفة قطعية عملية لقول الامام عليه‌السلام وان اختلفوا بعد هذا الاتفاق فى كون حكم المسألة المذكورة هل هو التخيير او ترجيح جانب الحرمة كما ياتى فى محله إن شاء الله تعالى.

١٨٠