درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٠٨

ـ لعدم كونه خمرا فى الواقع بل راجح الخمرية بخلاف العلم فانه بعد حصوله جازان يقال هذا خمر وحاصل الفرق بين القطع وغيره من الامارات الشرعية كالامور المذكورة ان القاطع اذا حصل له القطع لم يحتمل خلافه وان كان قطعه فى الحقيقة من قبيل الجهل المركب فيرى الواقع منكشفا له بمقتضى قطعه وإلّا لم يكن قاطعا لان القطع عبارة عن الطرف الراجح الذى لا يحتمل معه نقيضه فاذا لم يحتمل الخلاف كان مأمونا فى العمل به والسلوك فيه فلا يحتاج فيه الى جعل جاعل وهذا بخلاف الظن وغيره فانه مع الظن يحتمل خلاف المظنون فليس مامونا فى السلوك فيه فلا بد فيه من جعل جاعل. ولا يذهب عليك ان عدم كون العلم وسطا وحجة بالنسبة الى متعلقه والمراد من المتعلق ما هو مدخول الباء سواء كان موضوعا من الموضوعات او حكما من الاحكام والمصنف قدس‌سره اكتفى فى بدو الامر فى عبارة الكتاب بالمثال للقسم الاول مع ان الانسب التمثيل للقسم الثاني اذ المقصود الاصلى انما هو تعلق القطع والظن والشك بنفس الحكم دون الموضوع حيث عنوان البحث بالالتفات الى الحكم الشرعى فزاد قدس‌سره مثالا للحكم بقوله لانه اذا قطع بوجوب شىء فيقال هذا واجب وكل واجب يحرم ضده او يجب مقدمته وكيف كان ان الدليل على عدم العلم وسطا وحجة انه لو قلنا هذا معلوم الخمرية وكل معلوم الخمرية يجب الاجتناب عنه فالكبرى كاذبة لان الشارع انما رتب الحكم بالحرمة على نفس الخمر لا على معلوم الخمرية اذ الفرض كون الاثر اثرا لمتعلقه من حيث هو لا بوصف العلم لانه لو كان بوصف العلم يصير جزءا للموضوع وبحثنا الآن فى القطع الطريقى الذى لم يؤخذ فى موضوع حكم. وقد علل بعض من المحققين فى عدم اطلاق الحجة علي القطع بالنسبة الى الطريقى بما هذا لفظه وقد اجاد فى تعليله : ان الحجة باصطلاح الاصولى عبارة عن الادلة الشرعية من الطرق والامارات التى تقع وسطا لاثبات متعلقاتها بحسب الجعل الشرعى من دون ان يكون بينها وبين المتعلقات علقة ثبوتية بوجه من الوجوه فان متعلقاتها ان كانت من الموضوعات الخارجية فعدم ثبوت العلقة بينهما واضح اذ لا علقة بين الظن بخمرية شيء وبين نفس الخمر لا علقة التلازم ولا علقة العلية والمعلولية وان كانت من الاحكام ـ

٢١

ـ الشرعية فلان الاحكام الشرعية مترتبة على موضوعاتها الواقعية لا على ما ادى اليه الطريق الابناء على التصويب الذى لا نقول به ومن هنا يظهر انه لا يصح تاليف القياس الحقيقى من الادلة الشرعية بل صورة قياس اشبه بالمغالطة فقولك هذا مظنون الخمرية وكل مظنون الخمرية يجب الاجتناب عنه فهذا يجب الاجتناب عنه قياس صورى لا واقع له اذ الذى يجب الاجتناب عنه هو الخمر الواقعى لا مظنون الخمرية وانما كان الظن طريقا شرعيا إلى الخمر فالظن يكون من قبيل المعرف والواسطة فى الاثبات فقط من دون ان يكون واسطة فى الثبوت ومعه لا يصح تاليف القياس الحقيقى منه إلّا بنحو من التأويل بعناية جعل الشارع الظن طريقا الى الخمر ومثبتا له فى الظاهر وهذا بخلاف القطع فانه لا يصح جعله وسطا بوجه من الوجوه ولا يمكن تأليف القياس منه ولو قياس صورى اذ تلك العناية التى كانت فى الظن لم تكن فى العلم لعدم جعل الشارع العلم طريقا الى اثبات متعلقه انتهى.

٢٢

(م) واما بالنسبة الى حكم آخر فيجوز ان يكون القطع مأخوذا فى موضوعه فيقال ان الشىء المعلوم بوصف كونه معلوما حكمه كذا وحينئذ فالعلم يكون وسطا لثبوت ذلك الحكم وان لم يطلق عليه الحجة اذ المراد بالحجة فى باب الادلة ما كان وسطا لثبوت احكام متعلقه شرعا لا لحكم آخر كما اذا رتب الشارع الحرمة علي الخمر المعلوم كونها خمرا لا على نفس الخمر وكترتب وجوب الاطاعة علي معلوم الوجوب لا الواجب الواقعى.

(ش) حاصل ما قاله الشيخ قدس‌سره ان القطع الموضوعى يقع وسطا للقياس بالنسبة الى حكم آخر فيطلق عليه الحجة فى باب الاقيسة ويتألف منه القياس حقيقة ويكون اشبه بالحجة باصطلاح المنطقى فان موضوع الحكم يكون بمنزلة العلة لثبوت ذلك الحكم حيث ان نسبة الموضوعات الى الاحكام نسبة العلل الى معلولاتها وان لم تكن من العلل الحقيقية إلّا انه لمكان عدم تخلف الحكم عن موضوعه صار بمنزلة العلة فيقال هذا معلوم الخمرية وكل معلوم الخمرية يجب الاجتناب عنه اذا فرض ان وجوب الاجتناب رتب على المعلوم الخمرية لا على الخمر الواقعى وان لم يطلق عليه الحجة فى باب الادلة اعنى بها ما يكون مثبتا لحكم متعلقه شرعا لا لحكم آخر والتقييد بباب الادلة لاخراج الحجة فى باب المبادى اعنى كل ما له دخل فى ثبوت الحكم وتحققه فالعلم الذى اخذ جزءا للموضوع ليس مما يثبت احكامه الواقعى ليكون حجة فى باب الادلة لكنه يطلق عليه الحجة فى باب المبادى مثلا اذا استصحب خمرية شىء يترتب بواسطة الاستصحاب على الخمر احكامه الواقعية من الحرمة والنجاسة وغيرهما فحينئذ يطلق الحجة فى باب المبادى على الاستصحاب لكونه ذا دخل فى ثبوت الحكم.

٢٣

(م) وبالجملة فالقطع قد يكون طريقا للحكم وقد يكون مأخوذا فى موضوع الحكم ثم ما كان منه طريقا لا يفرق فيه بين خصوصياته من حيث القاطع والمقطوع به واسباب القطع وازمانه اذ المفروض كونه طريقا الى متعلقه فيترتب عليه احكام متعلقه ولا يجوز للشارع ان ينهى عن العمل به لانه مستلزم للتناقض فاذا قطع كون مائع بولا من اى سبب كان فلا يجوز للشارع ان يحكم بعدم نجاسته او عدم وجوب الاجتناب عنه لان المفروض أنه بمجرد القطع يحصل له صغرى وكبرى اعنى قوله هذا بول وكل بول يجب الاجتناب عنه فهذا يجب الاجتناب عنه فحكم الشارع بانه لا يجب الاجتناب عنه مناقض له إلّا اذا فرض عدم كون النجاسة ووجوب الاجتناب من احكام نفس البول بل من احكام ما علم بوليته علي وجه خاص من حيث السبب او الشخص او غيرهما فيكون مأخوذا فى الموضوع وحكمه انه يتبع فى اعتباره مطلقا او على وجه خاص دليل ذلك الحكم الثابت الذى أخذ العلم فى ـ

(ش) اقول ان المقصود من تقسيم القطع الى الطريقى والموضوعى انما هو بيان ما ذكره بعض الاخباريين من المنع عن العمل بالقطع اذا لم يكن ناشئا من الكتاب والسنة وسيأتى البحث عن كلامهم تفصيلا إن شاء الله تعالى وإلّا القطع الموضوعى فى لسان الادلة فى غاية القلة ولقد عثرت حين المطالعة فى هذا المبحث على كلام يحكى عن عدم وجود القطع الموضوعى فى لسان الادلة وسخافته ابين من ان يبين فتامل ثم الفرق بين القطع الموضوعى والطريقى ان الاول عبارة عن القطع المتعلق بالموضوع الخارجى الذى له دخل فى الحكم او المتعلق بالحكم اذا كان مأخوذا فى موضوع حكم آخر وهذا المعنى عند بعض منهم واما الذى يفهم من كلام الشيخ قدس‌سره فالمراد من القطع الموضوعى ما كان مأخوذا فى لسان الدليل سواء كان له دخل فى الحكم اولا فان كان له دخل فى الحكم فهو الموضوعى الصفتى وإلّا فالموضوعى الطريقى فعلى هذا ليس الفرق بين الطريقى المحض والموضوعى على وجه الطريقية الا من جهة كونه مأخوذا فى لسان الدليل كما افاده صاحب بحر الفوائد.

والثانى عبارة عن القطع الذى كان طريقا الى الواقع على وجه المرآتية المحضة من دون مدخلية القطع فى الحكم ـ

٢٤

(م) موضوعه فقد يدل على ثبوت الحكم لشيء بشرط العلم به بمعنى انكشافه للمكلف من غير خصوصية للانكشاف كما فى حكم العقل بحسن اتيان ما قطع العبد بكونه مطلوبا لمولاه وقبح ما يقطع بكونه مبغوضا فان مدخلية القطع بالمطلوبية او المبغوضية فى صيرورة الفعل حسنا او قبيحا عند العقل لا يختص ببعض افراده وكما فى حكم الشرع بحرمة ما علم انه خمرا ونجاسته بقول مطلق بناء على ان الحرمة والنجاسة الواقعيتين انما تعرضان مواردهما بشرط العلم لا فى نفس الامر كما هو قول بعض وقد يدل دليل ذلك الحكم على ثبوته لشيء بشرط حصول القطع به من سبب خاص او شخص خاص

ـ (ش) وتوضيح المقام علي وجه يتضح به المرام ان متعلق القطع اما ان يكون موضوعا من الموضوعات الخارجية او حكما من الاحكام الشرعية وعلى الفرض الاول يمكن ان يكون الحكم الشرعي مترتبا على نفس الموضوع الذى تعلق به العلم من دون مدخلية للعلم فى ترتبه اصلا ولا شك فى ان القطع بالنسبة الى الموضوع الخارجي وكذا بالنسبة الى الحكم الشرعي المترتب على ذلك الموضوع يكون طريقا محضا اذ لا يتعقل كون القطع ذا دخل فى عنوان ذلك الموضوع بل عنوان الموضوع امر واقعى يدور مدار واقعه واما على فرض ان الموضوع الذى تعلق به العلم لم يكن ذا حكم شرعى بل كان للعلم دخل فى الحكم فهذا يتصور على وجوه حيث ان دخل عنوان القطع فى ثبوت الحكم الشرعي قد يكون بنحو تمام الموضوع بحيث يدور الحكم الشرعى مدار العلم وجودا وعدما صادف الواقع او خالف وهذا معنى تمام الموضوع وقد يكون بنحو جزء الموضوع او قيده بحيث كان للواقع ايضا دخل فى ثبوت الحكم الشرعى والمراد من جزء الموضوع ليس إلّا هذا المعنى اى كون الواقع ذا دخل فى ثبوت الحكم وعلى كلا التقديرين يمكن ان يؤخذ العلم على وجه الصفتية من جهة كونه ذا دخل فى ثبوت الحكم وصفة خاصة قبال ساير الصفات ويمكن ان يؤخذ علي وجه الطريقية فتحصل ان اقسام القطع خمسة :

(الاول) القطع الطريقى المحض ومثاله نحو ترتب جميع الاحكام على الموضوعات التي لم يكن القطع دخيلا فى ثبوته ـ

٢٥

ـ (الثانى) ما يكون مأخوذا فى الموضوع على صفة خاصة حال كونه تمام الموضوع كما اذا فرض ثبوت حرمة الشرب لمقطوع الخمرية وان لم يكن خمرا فى الواقع وفرض لحاظ الشارع القطع فيه على نحو الصفتية.

(الثالث) ما يؤخذ جزءا للموضوع على نحو الصفتية كما اذا فرضنا ان الشارع اعتبر صفة القطع على هذا الوجه فى حفظ عدد الركعات الثنائية والثلاثية والاوليين من الرباعية

(الرابع) ما يؤخذ جزءا للموضوع على نحو الكاشفية والطريقية كما اذا فرض ثبوت حرمة الشرب على الخمر المعلوم وفرض لحاظ الشارع القطع فيه على نحو الكاشفية

(الخامس) ما يؤخذ على نحو الكاشفية والطريقية حال كونه تمام الموضوع كما اذا فرض ثبوت حرمة الشرب على مقطوع الخمرية وان لم يكن خمرا فى الواقع وفرض اعتبار القطع فيه على نحو الكاشفية. هذا كله اذا تعلق بموضوع خارجى واما اذا تعلق القطع بحكم شرعى فيمكن اخذه موضوعا لحكم آخر غير ما تعلق العلم به كما لو رتب وجوب التصدق على العالم بوجوب الصلاة ويأتى فى هذا الفرض ايضا الاقسام الجارية فى تعلق العلم بموضوع خارجى من كونه تمام الموضوع او جزئه وكونه على نحو الصفتية او الطريقية.

(نعم) يظهر من بعض المحققين الاشكال فى امكان اخذ القطع تمام الموضوع على وجه الكاشفية والطريقية وذكروا وجه الاشكال بما هذا لفظه ان اخذ القطع تمام الموضوع يستدعى عدم لحاظ الواقع وذى الصورة بوجه من الوجوه واخذه على وجه الطريقية يستدعى لحاظ الواقع وذى الصورة ويكون النظر فى الحقيقة إلى الواقع المنكشف بالعلم كما هو الشأن في كل طريق حيث ان لحاظه طريقا يكون فى الحقيقة لحاظا لذى الطريق ولحاظ العلم كذلك ينافى اخذه تمام الموضوع فعلى فرض تسلم هذا الاشكال يكون الاقسام المتصورة فى القطع الموضوعى ثلاثة وبالقطع الطريقى المحض تكون الاقسام اربعة : ـ

٢٦

ـ ويمكن الجواب عن الاشكال بان طريقية القطع اما بالنظر الى الصور الذهنية والماهية لا بما فى الخارج كما افاده المحقق الحاج شيخ محمد حسين الاصفهانى او بالنظر الى القاطع حيث انه يرى قطعه بحسب اعتقاده طريقا الى الواقع فتامل

ثم ان القطع الطريقى لا يفرق فيه بين افراده ولا يمكن التصرف فيه اصلا لا من جهة الاشخاص ولا من جهة الازمنة والاسباب لما عرفت من ان طريقيته ذاتية غير قابلة لتعلق الجعل بها اثباتا ونفيا واما القطع الموضوعى فيتبع دلالة الدليل الدال على اخذه فى الموضوع نظير بقية الموضوعات المأخوذة فى ادلة الاحكام فربما يدل الدليل على اخذ خصوص قطع من جهة القاطع او السبب او غيرهما فى الموضوع وربما يدل على اخذه فى الموضوع مرسلا غير مقيد بخصوصية خاصة واعلم ان الشيخ قدس‌سره قد تعرض من اقسام القطع الموضوعى للقسمين منها احدهما ما يكون مأخوذا فى الموضوع على وجه الطريقية والثاني ما يكون على نحو الصفتية وما تعرض لكونه تمام الموضوع او جزءا للموضوع وقسم صاحب الكفاية كلا من القسمين الى قسمين آخرين اى كونه تمام الموضوع وجزءا للموضوع

تنبيه

فى بيان الثمرة بين القطع الموضوعى والطريقى واعلم انها يظهر في موارد منها مسئلة الاجزاء بالنسبة الى الشرائط والموانع وبيان ذلك ان المانع من صحة الصلاة بناء على كون القطع موضوعيا هو النجاسة المعلومة وعلى كونه طريقيا هو النجاسة الواقعية مثلا اذا صلى معتقدا طهارة بدنه او ثوبه او بانيا على اصالة الطهارة فيهما ثم ظهر بعد الفراغ من الصلاة نجاستهما.

فعلى الموضوعية يحكم بصحة صلاته اذا المانع حينئذ علمى وهو العلم بالنجاسة وهو هنا مفقود ومن هذه الجهة يحكم بصحة الصلاة ايضا لو صلى الشخص فى مكان مغصوب معتقدا اباحته ثم علم غصبيته اذا المانع هو العلم بالغصبية لا الغصبية الواقعية.

واما على الطريقية فيحكم ببطلان الصلاة لوجود المانع الواقعى وهى النجاسة ـ

٢٧

ـ الواقعية ولا يخفى عليك ان هذه الثمرة تنتفى فيما لو كان الحكم مرتبا على الواقع المنكشف بحيث يكون لكل من الواقع وصفة الانكشاف مدخل في ثبوت الحكم بحيث لو انتفى احد القيدين لانتفى الحكم الواقعى وبعبارة اخرى يمكن ان يكون الموضوع هو الواقع وانكشافه للمكلف لا مطلق الانكشاف سواء طابق الواقع ام لا حتى يشمل الجهل المركب ايضا فمقتضى القاعدة ح هو الحكم ببطلان الصلاة في الشرائط العلمية التى يكون كذلك مع انكشاف خلافها ولعل اعتبار صفة القطع فى حفظ عدد ركعات الثنائية والثلاثية والاوليين من الرباعية من هذا القبيل فان صحة الصلاة وان كانت مرتبة على الحفظ إلّا ان الظاهر اعتباره ليس من حيث كونه صفة خاصة على احتمال ولذا تقوم البينة مقامه بل من حيث كشفه عن متعلقه مع اعتبار مطابقته للواقع فالموضوع هو الواقع المنكشف لا مطلق الانكشاف فبانتفاء احد القيدين ينتفى الحكم ولذا جعله الشيخ قدس‌سره مثالا لما كان القطع فيه معتبرا من باب الصفة الخاصة على الفرض والتقدير لا على وجه الجزم فكيف كان لو صلى معتقدا بعدد الركعات ثم ظهر الخلاف يحكم ببطلانها والحاصل ان الثمرة المذكورة انما تتم مع فرض العلم جزءا من الموضوع على وجه مطلق الانكشاف لا الانكشاف علي الوجه المذكور وغير ذلك من المواضع التى ذكرت فى بيان الثمرة بينهما وقيل ان الثمرة المذكورة فى مسئلة الاجزاء انما تتم بالنسبة الى الشرائط دون الموانع فتامل وجهه وهاهنا ابحاث لا يسعها هذا المختصر قوله بشرط العلم لا فى نفس الامر كما هو قول بعض اقول ان المراد من بعض ، صاحب الحدائق حيث قال بان النجاسة انما تعرض لموضوعها بشرط العلم ووصف الانكشاف لا الى موضوعها الواقعى من حيث هو فالموضوع على ما افاده هو الواقع المنكشف لا الواقع المحض وفيه ما لا يخفى على المتأمل.

٢٨

(م) مثل ما ذهب اليه بعض الاخباريين من عدم جواز العمل فى الشرعيات بالعلم غير الحاصل من الكتاب والسنة كما سيجىء وما ذهب بعض من منع عمل القاضى بعلمه فى حقوق الله تعالى وامثلة ذلك بالنسبة الى حكم غير القاطع كثيرة كحكم الشارع على المقلد بوجوب الرجوع الى الغير فى الحكم الشرعى اذا علم به من الطرق الاجتهادية المعهودة لا من مثل الرمل والجفر فان القطع الحاصل من هذه وان وجب على القاطع الاخذ به فى عمل نفسه إلّا انه لا يجوز للغير تقليده فى ذلك وكذلك العلم الحاصل للمجتهد الفاسق او غير الامامى من الطرق الاجتهادية المتعارفة فانه لا يجوز للغير العمل بها وكحكم الشارع على الحاكم بوجوب قبول خبر العدل المعلوم له من الحس لا من الحدس الى غير ذلك.

(ش) اقول : قوله ما ذهب اليه بعض الاخباريين مثال للقطع المأخوذ فى الموضوع بالنسبة الى نفس القاطع ولكن تمثيله قدس‌سره هذا بالنسبة الى نفس القاطع في الدورة الثانية من تدريسه على ما نقله بعض المحشين واما الامثلة المذكورة فكان كل منها مثالا لاعتبار العلم المستند الى السبب الخاص فى حق غير القاطع نعم المناسب بحسب المقام انما هو التمثيل بالنسبة الى نفس القاطع اذ البحث انما هو في القطع مطلقا او على وجه خاص فى حق القاطع لا فى حق غيره قوله وان وجب علي القاطع الاخذ به فى عمل نفسه إلّا انه لا يجوز للغير تقليده اقول : ان عمل القاطع وجوبا بقطعه بالنسبة الى نفسه لكونه بالنسبة الى نفسه طريقيا فحينئذ لا يمكن عدم ترتيب آثار المقطوع به عليه بل يلزم العمل على طبق قطعه وعدم جواز تقليد الغير له فى ذلك لكون قطعه بالنسبة إلى مقلده موضوعيا فلا بد من متابعة الغير اليه فيما رخص فيه والمستفاد من الادلة فى هذا الباب مثل قوله تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فارجعوا الى رواة احاديثنا وغير ذلك ان المجتهد اذا كان عالما بالاحكام الشرعية من الادلة المتعارفة يجوز للغير العمل للحكم الذى استفيد منها لا من مثل الرمل والجفر وكذا الحال فى القاضى فان العلم بالنسبة الى عمل نفسه طريقى واما بالنسبة الى مقام القضاء فلا بد ان يكون معرفته بالحكم الكلى من الادلة المتعارفة لكون العلم فى هذا المقام موضوعيا.

٢٩

(م) ثم من خواص القطع الذى هو طريق الى الواقع قيام الامارات الشرعية والاصول العملية مقامه فى العمل بخلاف المأخوذ فى الحكم على وجه الموضوعية فانه تابع لدليل الحكم فان ظهر منه اعتباره على وجه الطريقية للموضوع كالامثلة المتقدمة قامت الامارات والاصول مقامه وان ظهر من دليل الحكم اعتبار صفة القطع فى الموضوع من حيث كونها صفة خاصة قائمة بالشخص لم يقم مقامه غيره كما اذا فرضنا ان الشارع اعتبر صفة القطع على هذا الوجه فى حفظ عدد الركعات الثنائية والثلاثية والاوليين من الرباعية فان غيره كالظن باحد الطرفين او اصالة عدم الزائد لا يقوم مقامه إلّا بدليل خاص خارجى غير ادلة حجية مطلق الظن فى الصلاة واصالة عدم الاكثر ومن هذا الباب عدم جواز اداء الشهادة استنادا الى البينة او اليد علي قول وان جاز تعويل الشاهد في عمل نفسه بهما اجماعا لان العلم بالمشهود به مأخوذ في مقام العمل على وجه الطريقية بخلاف مقام اداء الشهادة إلّا ان يثبت من الخارج ان كلما يجوز العمل به من الطرق الشرعية يجوز الاستناد اليه فى الشهادة كما يظهر من رواية حفص الواردة فى جواز الاستناد الى اليد ومما ذكرنا يظهر انه لو نذر أحد أن يتصدق كل يوم بدرهم ما دام متيقنا بحياة ولده فانه لا يجب التصدق عند الشك فى الحياة لاجل استصحاب الحياة بخلاف ما لو علق النذر بنفس الحياة فانه يكفى فى الوجوب الاستصحاب.

(ش) اقول ولما اشار الشيخ قدس‌سره الى بيان المراد من القطع الطريقى والموضوعى شرع فى قيام الامارات والاصول مقام القطع فيكون ذلك ايضا ثمرة الفرق للقطع بمعنييه وبيان ذلك انه لا كلام فى قيام الطرق والامارات وبعض الاصول مقام القطع الطريقى المحض بنفس ادلة حجيتها ويترتب عليها جميع الآثار المترتبة عليه من تنجيز الواقع به اذا اصاب وكونه عذرا اذا اخطأ وكون مخالفته تجريا وموجبا لاستحقاق العقاب الى غير ذلك من الآثار المترتبة على القطع الطريقى مثلا اذا قامت امارة على حرمة شىء يكون منجزا للواقع ولو كانت مخالفة للواقع واذا قامت على عدم وجوب شىء يكون معذرا ولو كان فى الواقع واجبا وهذه الامور راجع الى القطع ـ

٣٠

ـ الطريقى المحض. وانما الخلاف فى قيامها مقام القطع الموضوعى بنفس تلك الادلة والاقوال فيه ثلاثة :

احدها قيامها مقامه بجميع اقسامه من المأخوذ بنحو الصفتية او الكاشفية جزء للموضوع وتمام الموضوع.

ثانيها ما يقابل هذا القول وهو عدم قيامها مقامه بجميع اقسامه وهذا مختار صاحب الكفاية.

ثالثها هو القول بقيامها مقام المأخوذ فى الموضوع بنحو الكاشفية وعدم قيامها مقام المأخوذ على نحو الصفتية سواء كان جزء الموضوع او تمامه وهذا هو مختار الشيخ قدس‌سره وتبعه فى ذلك جماعة منهم المحقق النائيني وهو الاظهر دليلا.

ثم ان البحث يقع فى مقامين الاول فى جواز قيام الامارات الشرعية مقام العلم. فاعلم انه لا شبهة فى جواز قيام الامارات الشرعية مقام القطع الطريقى المحض والموضوعى على وجه الطريقية والكشفية لان المناط فى هذين القسمين من الاقسام انما هو حصول الانكشاف والطريقية وهذا المناط بعينه موجود فى الامارة ايضا بعد ان جعلها الشارع طريقا إلى الواقع فكان الامارة بمقتضى الدليل الدال على اعتبارها قائمة مقامهما.

الثانى فى جواز قيام بعض الاصول مقامهما والمراد من الاصول التى تقوم مقامهما الاصول المحرزة وهى التي اخذ فى موضوعها الشك وكانت ناظرة الى الواقع مثل الاستصحاب وقاعدة التجاوز والفراغ بناء على عدم كونها من الامارات والظاهر ان الاصول التى كانت من هذا القبيل بنفس دليل حجيتها تقوم مقامهما وتترتب عليهما آثارهما من المنجزية والمعذورية لان حكم الشارع فى ظرف الشك بالبناء على وفق الحالة السابقة على انها هى الواقع يكون بيانا ويرتفع به قبح العقاب بلا بيان فيكون منجز او معذرا.

واما الاصول الغير المحرزة التي ليس لها نظر الى الواقع بل هى وظيفة فى ـ

٣١

مقام العمل مجعولة للجاهل كالبراءة العقلية والشرعية والاشتغال فلا تقوم مقامهما ولذا قيد الشيخ قدس‌سره ببعض الاصول وتلخص مما ذكر انه لا اشكال فى قيام الامارات والاصول المحرزة مقام القطع الطريقى المحض والموضوعى على وجه الطريقية بنفس دليل حجيتها.

واما القطع الموضوعى على وجه الصفتية فلا يمكن قيام الامارات او الاصول مقامه بالنظر الى دليل اعتبارها لانه انما يتكفل لاعطاء صفة الكاشفية والمحرزية فقط والمفروض ان القطع لم يؤخذ بهذه الجهة موضوعا للحكم والجهة التى بها اخذ فى الموضوع لا يكون دليل الاعتبار ناظرا اليها ومثبتا لها وبعبارة اخرى حال القطع المأخوذ فى الموضوع علي نحو الصفتية حال بقية الصفات النفسانية من العدالة والشجاعة والسخاوة وهذا واضح بادنى تأمل والتفات (فظهر) ان فى قيام الطرق والامارات والاصول مقام القطع المأخوذ فى الموضوع على وجه الطريقية لا يحتاج الى التماس دليل آخر غير ادلة حجيتها وان قيامها مقامه من لوازم حجيتها وحكومتها على الاحكام الواقعية بالحكومة الظاهرية واما قيامها مقام القطع المأخوذ علي نحو الصفتية فيحتاج الى دليل آخر وراء ادلة الحجية والظاهر من عبارة الشيخ قدس‌سره على ما قيل هو انه لو قام دليل آخر على قيام الظن منزلة العلم من هذه الجهة يكون مفاد ذلك الدليل مفاد ادلة حجية الطرق والامارات من حيث قيامها مقام العلم الطريقى اى يكون مدلول ذلك الدليل من سنخ مدلول الامارات من حيث كونه حكما ظاهريا (ثم) فى هذا المقام اشكال مشهور وهو انه لم يوجد فى الفقه مورد يكون القطع فيه مأخوذا على نحو الصفتية والامثلة التى ذكرها الشيخ قدس‌سره فى الكتاب للقطع المأخوذ الصفتى ليس شيء منها من هذا القبيل لان القطع المأخوذ فى موضوع جواز الشهادة ظاهر فى كون القطع مأخوذا بجهة كشفه عن الواقع ولذا جاز الشهادة فى موارد اليد كما يدل عليه رواية حفص واما ادلة اعتبار اليقين فى الركعتين الاوليين فبعضها وان كان مشتملا على لفظ اليقين إلّا ان الموجود فى بعضها هو لفظ الاثبات والاحراز

٣٢

ـ ومن الواضح ان ظاهرهما هو كونه مأخوذا فيه بما انه كاشف لا بما انه صفة خاصة فاينما اخذ العلم فى لسان الدليل هو العلم الطريقى وارجاعه الى العلم الصفتي يحتاج الى قرينة وهى مفقودة فى لسان الدليل وفيه ان هذا الاشكال مبنى على ان المراد من القطع الصفتى ما لوحظ فيه جهة نورية للقطع واما على ما تقدم منا فى تفسير كلام الشيخ من ان المراد من الصفتى هو ما كان الحكم مترتبا لبا علي نفس القطع قبال المأخوذ فى الموضوع بحسب اللفظ دون الواقع فلا يرد الاشكال المذكور فتامل دقيقا.

قوله كما يظهر من رواية حفص ... اقول ان هذه الرواية على ما افاده بعض المحشين مذكورة فى اكثر كتب الاخبار والفتاوى وهى من الروايات المشهورة رواها حفص بن غياث عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال له رجل اذا رايت شيئا فى يدى رجل أيجوز لى ان اشهد انه له قال نعم قال الرجل اشهد انه فى يده ولا اشهد انه له فلعله لغيره فقال ابو عبد الله عليه‌السلام ا فيحل الشراء منه قال نعم قال ابو عبد الله عليه‌السلام فلعله لغيره من اين جاز لك ان تشتريه ويصير ملكا لك ثم تقول بعد ذلك الملك لى وتحلف عليه ولا يجوزان تنسبه الى من صار ملكه من قبله اليك ولو لم يجز هذا ما قام للمسلمين سوق وقد يدعى دلالة بعض الروايات الأخر عليه ايضا وبالجملة ان دلالة الرواية على جواز الاستناد الى اليد فى الشهادة مما لا خفاء فيها بل دلالتها على جواز الاستناد فى الشهادة الى كل ما يجوز الاستناد اليه فى مقام العمل كما يظهر من ظاهر كلام الشيخ قدس‌سره ظاهرة حيث ان ظاهر قوله عليه‌السلام من اين جاز لك ... الحديث ثبوت التلازم بين ترتيب احكام الملك بمقتضى الامارات الشرعية وجواز الشهادة من غير اختصاص ذلك باليد وإن وقعت موردا للسؤال

٣٣

(م) ثم ان هذا الذى ذكرنا فى كون القطع مأخوذا تارة على وجه الطريقية واخرى علي وجه الموضوعية جار فى الظن ايضا وان فارق العلم فى كيفية الطريقية حيث ان العلم طريق بنفسه والظن المعتبر طريق بجعل الشارع بمعنى كونه وسطا فى ترتب احكام متعلقه كما اشرنا اليه سابقا لكن الظن ايضا قد يؤخذ طريقا مجعولا الى متعلقه سواء كان موضوعا على وجه الطريقية لحكم متعلقه او لحكم آخر يقوم مقامه سائر الطرق الشرعية فيقال حينئذ انه حجة وقد يؤخذ موضوعا لا علي وجه الطريقية لحكم متعلقه او لحكم آخر ولا يطلق عليه الحجة حينئذ فلا بد من ملاحظة دليل ذلك ثم الحكم بقيام غيره من الطرق المعتبرة مقامه لكن الغالب فيه الاول

(ش) اذا عرفت ان اقسام القطع الممكنة اربعة والواقع منها فى الشريعة بدون خلاف القطع الطريقى المحض وما اخذ فى الموضوع على جهة الطريقية واما الصفتى فكان موردا للبحث والخلاف والظاهر من عبارة الشيخ قدس‌سره هو وقوعه حيث قال ان الشارع اعتبر صفة القطع علي هذا الوجه فى حفظ عدد الركعات الخ واذا عرفت ايضا فى اول الكتاب ان المكلف يتصف بثلاث حالات إحداها ما له كاشفية تامة وهو العلم والثانية ما لا يمكن فيه الكشفية والطريقية بوجه وهو الشك فما يتوهم من تصور الطريقية له واضح الفساد كما سيجىء الاشارة الى هذا تفصيلا والثالثة ما يكون فيه جهة كشف وطريقية وان لم يكن من قبيل الكشف التام وهو الظن اما الاولى فليس طريقيته قابلة للجعل التأليفى اصلا للجهة التى ذكرت آنفا واما الثانية فلعدم تعقل الطريقية فيها على القول الاصح واما الثالثة وهو الظن فهى قابلة للجعل والاعتبار حيث ان طريقيته ليست ذاتية بل لا بد ان تكون بجعل جاعل فهو على قسمين ما يكون حجة مجعولة وما لا يكون كذلك وتوهم بعض وجود قسم ثالث فيه وهو ما يكون حجيته منجعلة كالظن الانسدادى على الحكومة بمعنى ان الظن فى هذه الحال كالقطع فى كون الطريقية من لوازم ذاته وكونه حجة منجعلة بحكم العقل ولا يمكن استكشاف الحكم الشرعى منه بقاعدة الملازمة ايضا (فنقول) ان حال الظن كالقطع بعينها فى انه اما ان يكون من باب الطريقية او من ـ

٣٤

ـ باب الموضوعية وعلى الثانى فاما ان يؤخذ فى الموضوع على وجه الطريقية او على وجه الصفتية وفى كل منهما اما ان يكون تمام الموضوع واما ان يكون جزئه على اشكال فى امكان اخذه تمام الموضوع على وجه الطريقية قد تقدم هذا الاشكال فى القطع فاقسامه ايضا اربعة وان كان الاقسام المتصورة فيه زائدة على الاربعة لكن التعرض له يوجب التطويل بلا طائل ولا يخفى عليك ان عبارة الشيخ قدس‌سره فى بيان اقسام الظن لا تخلو عن اضطراب واغلاق. (قد توهم) بعض ان الشيخ قدس‌سره قد تعرض من الاقسام المذكورة للقطع للقسمين منها فى الظن احدهما اخذ الظن موضوعا على وجه الطريقية والثانى اخذه على نحو الصفتية ولم يتعرض لما اخذ طريقا صرفا استنادا الى بعض القرائن مثل قوله مأخوذا اذا الظاهر منه ارادة القطع الذى اخذ جزء للموضوع فبناء على هذا ان الغرض تشبيه الظن الذى اخذ جزء الموضوع بالقطع فى كلا قسميه أي الموضوعى على وجه الطريقية والصفتية ولكن الفرق بين القسمين فى القطع والظن امكان ان يكون الظن بالنظر الى نوع حكم متعلقه جزء للموضوع بخلاف العلم فانه بالنظر الى احكام المتعلق ولو نوعا غير قابل للجعل حتى يكون جعله من باب الموضوعية بل هو بالنسبة اليها طريق دائما فعلى هذا البيان يندفع ما تعرض له بعض الاعلام من المسامحة فى عبارة الشيخ قدس‌سره ونحن قد نقلنا عين عبارتهم المذكورة فى بيان المسامحة وهى ان مقتضى عبارته ان الظن المأخوذ طريقا مجعولا الى متعلقه قد يكون مجعولا على وجه الطريقية لحكم متعلقه فيكون طريقا محضا وقد يكون مجعولا على وجه الطريقية لحكم آخر اعنى ما كان الظن جزءا من موضوعه فيكون طريقا بالنسبة الى متعلقه والى الحكم المتعلق به وغير خفى انه لا يعقل كون الظن طريقا بالنسبة الى الحكم الذى اخذ هذا الظن جزء من موضوعه كما هو مقتضى العبارة انتهى وتوضيح الدفع ان المسامحة المذكورة مبنية على توهم ارادة شخص حكم المتعلق من عبارة الشيخ (قده) واما اذا اريد منها نوع حكم المتعلق فلا يرد الاشكال المذكور. (وللمحقق الهمدانى) قدس‌سره فى توضيح عبارة الشيخ بيان آخر به ايضا ـ

٣٥

ـ يندفع الاشكال المذكور وهو ان مراد الشيخ تشبيه الظن بالقطع فى جميع الاقسام المذكورة للقطع وبيان ذلك ان الظن الذى اخذ فى ظاهر الدليل موضوعا لحكم متعلقه هو ليس موضوعا لحكم متعلقه واقعا بل هو طريق محض والظن المأخوذ بعنوان الطريقية لحكم متعلقه موضوعا لحكم آخر موضوعى طريقى والظن الذى اخذ موضوعا لغير حكم المتعلق ولم يلحظ جهة الطريقية لحكم متعلقه هو موضوعى صفتى فمقتضى هذا البيان هو ان مراد الشيخ (قده) من قوله موضوعا فى قوله سواء كان موضوعا علي وجه الطريقية الخ هو الظن المأخوذ فى ظاهر الدليل سواء كان له دخل واقعا فهو موضوعى طريقى وان لم يكن له دخل واقعا فهو طريقى محض وهذا الذى ذكر مبنى على ما اختاره من ان الطريقى المحض هو ما لا يكون له دخل فى الحكم واقعا ولو اخذ موضوعا فى ظاهر الدليل واما الموضوعى فهو ما له دخل فى الحكم واقعا هذا تمام الكلام فى القطع باقسامه والظن باقسامه

(اشكال ودفع)

(اما الاشكال) فبان تقسيم الظن المأخوذ فى الموضوع علي الصفتية او الطريقية تمام الموضوع او جزئه انما هو لتشريح الذهن وإلّا فلم يكن مورد فى الشرعيات ان يكون الظن فيه مأخوذا فى الموضوع نعم مما يحتمل فيه ذلك الظن بالضرر المعتبر فى السفر والافطار والظن فى عدد الركعات والظن بدخول الوقت اذا كان فى السماء علة والظن بالقبلة عند تعذر العلم وامثال ذلك فكلها ظنون طريقية محضة وليس شيء من الموارد المذكورة ان يكون مأخوذا فى الموضوع كما افاد ذلك المحقق النائينى حيث قال على ما فى تقريراته : ان الاقسام المذكورة فى الظن تصورات لا واقع لها فى الشريعة والموجود فيها هو اعتبار الظن طريقا محضا ويقوم مقامه سائر الطرق العقلية والشرعية والاصول المحرزة (واما الدفع) فبان الظن بالنسبة الى الاحكام الظاهرية موضوعى بلا اشكال وشبهة واما بالنسبة الى الاحكام الواقعية فيجوزان يكون الظن طريقا ومرآة صرفا كما فى الظن بافعال الصلاة وركعاتها ويجوزان يكون موضوعا كما لو قلنا بان مقتضى دليل الانسداد كون العقل كاشفا عن جعل الشارع اياه حجة شرعية فى زمان الانسداد ـ

٣٦

تنبيه

ان الشيخ قدس‌سره قد تعرض لاقسام القطع والظن طريقيا كان او موضوعيا ولم يتعرض لجريان هذين القسمين فى الشك ولعل نظره قدس‌سره الى عدم معقولية انقسام الشك الى الطريقى والموضوعى حتى يستشكل بانه لا يوجد فى الشك شائبة الطريقية بل لا يكون قابلا لكونه طريقا اصلا وبانه لا بد فى طريقية الشيء من رجحان الوصول إلى ذى الطريق حتى يكون مرآة اليه وهذا المعنى منتف فى الشك بديهة وهذا هو الاظهر.

وقيل يمكن فرض الطريقية فى الشك ايضا ولكن لا بالمعنى الذى اعتبر فى القطع والظن بل بمعني عدم رفع اليد من الواقع بالمرة فى ترتب الحكم على الشك والجواب عن هذا القول بما فيه من التكلفات والخروج عن الاصطلاح لظهوره لا يكاد ان يخفى على المتأمل

٣٧

(م) وينبغى التنبيه على امور الاول : انه قد عرفت ان القاطع لا يحتاج فى العمل بقطعه الى ازيد من الادلة المثبتة لاحكام مقطوعه فيجعل ذلك كبرى لصغرى قطع بها فيقطع بالنتيجة فاذا قطع بكون شىء خمرا وقام الدليل على كون الخمر فى نفسها هى الحرمة فيقطع بحرمة ذلك الشىء لكن الكلام فى ان قطعه هذا هل هو حجة عليه من الشارع وان كان مخالفا للواقع فى علم الله تعالي فيعاقب علي مخالفته او انه حجة عليه اذا صادف الواقع بمعنى انه لو شرب الخمر الواقعى عالما عوقب عليه فى مقابل من شربها جاهلا لا انه يعاقب على شرب ما قطع بكونه خمرا وان لم يكن خمرا فى الواقع.

(ش) اقول قبل بيان محل النزاع لا بد من بيان نكتة وهى ان الخلاف الواقع فى هذه المسألة انما هو بالنظر الى القطع الطريقى المحض والموضوع الطريقى دون الموضوعى الصفتى اذا النزاع انما يجرى فيما يكون له واقع ويكون القطع مخالفا له وهذا لا يتصور إلّا بالنسبة الى الطريقى والموضوعى الكشفى بخلاف القطع الموضوعى الصفتي اذ الواقع فيه هو نفس القطع فلو خالفه خالف الواقع ولم ينكشف الخلاف بالنسبة اليه وينبغى ان يعلم ايضا ان محل النزاع انما هو اعتبار القطع بالنسبة الى احكام متعلقه بعنوان انه مقطوع لا بالنسبة الى نفس المتعلق لعدم قابليته للتصرف والجعل بالنسبة اليه ليتنازع فى انه حجة من قبل الشارع اولا فعلى هذا لا منافاة بين ما ذكره هاهنا من النزاع فى الحجية وبين ما سبق فى صدر الباب من انه غير قابل للجعل اصلا فمعنى الحجة فى قوله قدس‌سره فى ان قطعه هذا هل هو حجة عليه من الشارع انه كان لله تعالى ان يحتج به عليه ويعاقبه عند مخالفته لقطعه وان كان جهلا مركبا ام لا؟ اذا عرفت هذا فنقول محصل الكلام فى هذا المقام انه لا ريب ان الواقع من حيث هو واقع يترتب بالنسبة اليه الثواب والعقاب علي الفعل والترك وكذا لا شك فى ان المكلف لو اعتقد وجوب شىء وفعله او حرمة شيء وتركه وطابق اعتقاده الواقع عد ممتثلا ومطيعا كما يعد عاصيا لو خالف اعتقاده فعلا او تركا وانما الكلام فى انه لو خالف اعتقاده الواقع كما اذا اعتقد وجوب ما هو حرام فى الواقع او عكسه وفعل علي وفق اعتقاده فالانقياد والتجرى فيهما بالفعل والترك هل يوجبان حسنا او قبحا فى نفس الفعل بعد وضوح كشفهما عن سوء سريرة المكلف وطيبه ـ

٣٨

ـ اولا ولا يخفى عليك ان هذه المسألة عقلية لا شرعية لان استحقاق الثواب والعقاب وما يتبعه ليس مما يقبل الجعل الشرعى لاستقلال العقل به وان كان للشارع العفو عن العاصى المستحق للعقاب كما سيأتى الاشارة الى هذا فى مباحث اصالة البراءة

الحاصل لا اشكال فى كون القطع حجة وقاطعا للعذر مع المصادفة بحيث يوجب استحقاق العقوبة على المخالفة والمثوبة على الموافقة وانما الكلام فى كون القطع قاطعا للعذر مطلقا حتى فى فرض عدم المصادفة بمحض كونه تجريا على المولى باتيان ما قطع بانه حرام ومبغوض مثلا اولا فيه وجوه واقوال :

منها ما اختاره الشيخ قدس‌سره من عدم اقتضاء التجرى شيئا سوى الكشف عن سوء سريرة الفاعل وخبث باطنه الذى لا يترتب عليه سوى اللوم كالبخل والحسد ونحوهما من الاوصاف المذمومة التى لا يترتب عليها استحقاق العقوبة ما لم تظهر فى الخارج مع بقاء العمل المتجرى به على ما هو عليه من الحكم قبل تعلق القطع به. ومنها اقتضائه لاستحقاق العقوبة على مجرد العزم على العصيان محضا لا على الفعل المتجرى به نظرا الى ان التجرى كالتشريع من المحرمات الجنانية لا الجوارحية كما افاده صاحب الكفاية.

ومنها اقتضائه لاستحقاق العقوبة على نفس التجرى اعنى الفعل المتجرى به لا على العزم كما افاده بعض من المحققين من جهة انطباق عنوان الطغيان عليه مع بقاء ذات العمل على ما هو عليه فى الواقع بلا استتباعه لحرمته شرعا بهذا العنوان الطارى.

ومنها ما اختاره صاحب الفصول رحمه‌الله من ان التجرى يصير العمل محرما شرعيا لكن لا مطلقا بل فى بعض الموارد نظرا الى دعوى مزاحمة الجهات الواقعية مع الجهات الظاهرية وسيأتى إن شاء الله تعالى عن قريب بيان وجه مدعاه قدس‌سره ولا يخفى عليك ان الوجوه المتصورة فى مسئلة التجرى ستة ونحن ذكرنا ما هو العمدة منها. والتحقيق انه لا فرق فى نظر العقل فى قبح الاتيان بما هو مقطوع الحرمة بين ان ـ

٣٩

ـ يكون مصادفا للواقع او مخالفا له اذ لا تفاوت بين الصورتين فى صدق عنوان الظلم وهتك المولى والجرأة عليه على ذلك الفعل لان كل واحد من الظلم والهتك لا يدور مدار الحرمة الواقعية ولذا فى صورة الجهل لا يكون الفعل قبيحا مع ثبوت الحرمة واقعا وانما يدور مدار هتك حرمة المولى والجرأة عليه الثابتين فى الصورتين والذى يشهد لما ذكرناه تسالمهم على حسن الفعل المنقاد به عقلا ومدح فاعله على ذلك من غير خلاف ولا فرق بين الانقياد والتجرى فى حكم العقل فى الاول بالحسن وفى الثانى بالقبح فما افاده المحقق النائينى من عدم قبح الفعل المتجرى به غير تام واما قبح الفعل فلا يكون ملازما لحرمته شرعا بل يكون علي ما هو عليه واقعا.

فائدة

ان البحث عن التجرى من جهات : الاولي الجهة الفرعية والثانية الجهة الاصولية والثالثة الجهة الكلامية واما بيان. كونه فرعية فباعتبار ان يقع الكلام فى اتصاف المخالفة القطعية ـ ولو كان القطع غير مصادف للواقع ـ بالحرمة وعدمه واما كونه مسئلة اصولية فهو من وجهين احدهما دعوى شمول اطلاق الادلة لما تعلق به القطع ولو كان مخالفا للواقع ، ثانيهما دعوى ثبوت المصلحة او المفسدة فى ما تعلق القطع به ولو كان مخالفا للواقع وحيث ان الاحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد على مسلك العدلية والفرق بين الوجهين ظاهر فان الدليل على الاول يكون لفظيا وهو الاطلاق على تقدير ثبوته وعلى الثانى يكون حكم العقل واما التكلم من الجهة الثالثة وهى الجهة الكلامية فحاصله ان التجرى هل يوجب استحقاق العقاب من جهة كشفه عن خبث سريرة المتجرى ولو كان الفعل المتجرى به فى الواقع محبوبا للمولى ام لا يوجب ذلك وليعلم ان التجرى لا يختص بمخالفة القطع المخالف للواقع بل يعم مخالفة كل طريق معتبر بجميع اقسامه وذكر القطع فى المقام لكونه اظهر افراد الحجة لا لخصوصية فيه.

٤٠