درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٠٨

ـ فرض الاتيان بالمأمور به فى ظنه المعتبر اعنى بالامتثال التفصيلى ويمكن ان تقول ان قصد الوجه ساقط فيما يؤتى به من باب الاحتياط حتّى من القائلين باعتبار نية الوجه لانه يلزم على قولهم باعتبار نية الوجه فى مقام الاحتياط عدم مشروعية الاحتياط وكونه لغوا ولا اظن احدا يلتزم بذلك اى بعدم مشروعية الاحتياط وكونه لغوا عدا السيد ابى المكارم فى ظاهر كلامه وبيان ذلك ان بعضهم قال بان الامر اذا احتمل الايجاب والندب وجب حمله علي الايجاب لانه اعم فائدة واحوط في الدين فاستدلوا علي كون الامر للوجوب بان حمله على الوجوب احوط انتهى

قال السيد (ره) فى الجواب عن هذا الاستدلال ان قولهم بان حمل الامر على الايجاب احوط في الدين ظاهر الفساد بل هو ضد الاحتياط لان حمل الامر على الايجاب يؤدى الى افعال قبيحة منها اعتقاد وجوب الفعل ومنها العزم على ادائه على هذا الوجه ومنها اعتقاد قبح تركه وربما كره هذا الترك وكل ذلك قبيح لان من اقدم عليه يجوز قبحه لتجويز كون المأمور به غير واجب والاقدام على ما لا يؤمن قبحه فى القبح كالاقدام على ما يقطع على ذلك انتهى. هذا تمام الكلام فى هذا المقام.

١٤١

(م) اما المقام الاول وهو كفاية العلم الاجمالى فى تنجز التكليف واعتباره كالتفصيلي فقد عرفت ان الكلام فى اعتباره بمعنى وجوب الموافقة القطعية وعدم كفاية الموافقة الاحتمالية راجع الى مسئلة البراءة والاحتياط والمقصود هنا بيان اعتباره في الجملة الذى اقل مراتبه حرمة المخالفة القطعية فنقول ان للعلم الاجمالى صورا كثيرة لان الاجمال الطارى اما من جهة متعلق الحكم مع تبين نفس الحكم تفصيلا كما لو شككنا ان حكم الوجوب فى يوم الجمعة متعلق بالظهر او الجمعة وحكم الحرمة يتعلق بهذا الموضوع الخارجى من المشتبهين او بذاك واما من جهة نفس الحكم مع تبين موضوعه كما لو شك فى ان هذا الموضوع المعلوم الكلى او الجزئى تعلق به الوجوب او الحرمة ـ

(ش) اقول انه قد تقدم ان البحث عن العلم الاجمالى فى مقامين : احدهما فى تنجيز العلم المشوب بالجهل والاجمال وانه كالعلم التفصيلى فى ذلك ام لا ثانيهما فى كفاية الامتثال الاجمالى بعد ثبوت التكليف وامكان امتثاله تفصيلا والبحث عن المقام الثانى قد تقدم تفصيلا واما المقام الاول فالبحث فيه يكون من جهتين :

الاولى فى وجوب الموافقة القطعية بمعنى عدم امكان الرجوع فى شيء من اطرافه الى الاصول العملية والكلام من هذه الجهة يناسب مبحث البراءة كما ادرجها الشيخ (قده) فى مبحث البراءة.

الثانية في حرمة المخالفة القطعية بارتكاب جميع اطرافه ولو تدريجا وعدم جريان الاصول فى مجموع الاطراف وهذه الجهة هي التى يناسب البحث عنها فى مبحث القطع. فنقول ان الاقسام المتصورة للعلم الاجمالى كثيرة لان الاجمال الطارى اما من جهة متعلق الحكم مع تبين نفس الحكم بمعنى ان الاشتباه والاجمال انما يكون فى موضوع الحكم ومتعلقه مع تبين نفس الحكم والالزام النوعى كما اذا شككنا ان الوجوب فى يوم الجمعة متعلق بالظهر او الجمعة وحكم الحرمة يتعلق بهذا الموضوع الخارجي من المشتبهين او بذاك فالحكم فى المثال الاول هو الوجوب وفى الثانى هو الحرمة وكل منهما معلوم ولكن الاشتباه والاجمال فى موضوعهما ومتعلقهما واما من ـ

١٤٢

ـ واما من جهة الحكم والمتعلق جميعا مثل ان نعلم ان حكما من الوجوب والتحريم تعلق باحد هذين الموضوعين ثم الاشتباه فى كل من الثلاثة اما من جهة الاشتباه فى الخطاب الصادر عن الشارع كما فى مثال الظهر او الجمعة واما من جهة اشتباه مصاديق متعلق ذلك الخطاب كما في المثال الثانى والاشتباه فى هذا القسم اما في المكلف به كما فى الشبهة المحصورة واما فى المكلف وطرفا الشبهة فى المكلف اما ان يكونا احتمالين في مخاطب واحد كما فى الخنثى واما ان يكونا احتمالين فى مخاطبين كما فى واجدى المنى فى الثوب المشترك.

ـ جهة نفس الحكم مع تبين موضوعه بمعنى ان الاجمال والاشتباه فى نفس الحكم مع تبين موضوعه مثل المرأة المعلومة المرددة بين كونها واجبة الوطى ومحرمة الوطى لاجل الشك فى كونها منذورة الوطى او كونها منذورة ترك الوطى ومثل شرب التتن المردد بين كونه واجب الشرب او محرمه فان الاجمال فى هذين المثالين فى نفس الحكم لا فى متعلقه والفرق بينهما ان الاجمال فى الثانى منهما فى الموضوع المعلوم الكلى وفى الاول في الموضوع المعلوم الجزئى واما من جهة الحكم والمتعلق جميعا كما اذا شككنا فى ان حرمة الوطى او وجوبه بالحلف تعلق بهذه المرأة او بتلك المرأة او فى ان الوجوب او الحرمة فى يوم الجمعة هل تعلق بالظهر او الجمعة وهذا الفرض اى فرض الاجمال فى الحكم والمتعلق يتصور على وجهين :

الاول ان يعلم ثبوت حكم لاحد الموضوعين لكن لا يعلم ان هذا الحكم هو الوجوب او الحرمة وان موضوع هذا الحكم المجمل هل هو هذا الموضوع او ذاك الموضوع كما عرفت من المثال.

والثانى ان يعلم اجمالا ثبوت حكمين لموضوعين ولكن لا يعلم ان اى الحكمين ثابت لاى الموضوعين. وحاصل هذا التقسيم ان الاجمال والتردد اما ان يكون فى نفس الحكم او فى موضوعه او فيهما معا وعلى التقادير الثلاثة اما ان تكون الشبهة حكمية او موضوعية فالاقسام على هذا البيان ستة والمراد من الشبهة الحكمية هو الاجمال الطارى للحكم ـ

١٤٣

ـ الكلي الصادر من الشارع والمراد من الشبهة الموضوعية هو الاجمال الطارى من جهة ما يصدق عليه متعلق الحكم او الحكم الجزئى مع تبين نفس الحكم الكلى الصادر من الشارع والمثال للاول كما اذا شككنا ان حكم صلاة الجمعة فى يوم الجمعة فهل هو الوجوب او الحرمة فهذا الاجمال والاشتباه لاجل اشتباه كون الصادر من الشارع فى بيان حكم صلاة الجمعة في زمن الغيبة هو الامر حتى يكون حكمها هو الوجوب او النهى حتى يكون حكمها الحرمة وغير ذلك من الامثلة التى كان الاجمال من جهة الحكم الكلى الصادر من الشارع والمثال للثانى كما اذا علم من الخطاب وجوب الاجتناب عن الخمر ولكن الاشتباه فى ان الخمر في هذا الاناء او ذلك وغير ذلك من الامثلة قوله والاشتباه فى هذا القسم يعنى ان الاشتباه والاجمال فى الشبهة الموضوعية اما في المكلف به كما فى الشبهة المحصورة مثل ان لا يعلم ان متعلق النذر اى المرأة من هاتين المرأتين سواء كان المنذور هو الوطى او تركه لانه لا شبهة حينئذ فى خطاب الشارع من وجوب الوفاء بالنذر لا بحسب موضوعه ولا بحسب محموله والشبهة انما هى بحسب مصداق متعلق الخطاب من حيث الموضوع والمحمول واما فى المكلف ولا يخفى ان الشبهة فى المكلف لا تكون الا مصداقية نعم قد يرجع الشك فيه الى الشك فى التكليف كما اذا كان طرفا الشبهة فى المكلف احتمالين فى مخاطبين كما فى واجدى المني فى الثوب المشترك لان كلا منهما شاك فى توجه الامر بالاغتسال اليه وقد يرجع إلى الشك فى المكلف به كما اذا كان طرفا الشبهة فيه احتمالين فى مخاطب واحد كالخنثى بناء على عدم كونه طبيعة ثالثة فان توجه التكليف اليه حينئذ معلوم إلّا انه مردد فى الاندراج تحت احد العنوانين.

ولا يخفى عليك ان عبارة الشيخ قدس‌سره فى بيان تصوير هذه الصور المذكورة للعلم الاجمالى لا تخلو عن اضطراب اما اولا فلعدم تكفلها لبيان قسمى الشبهة اعنى الحكمية والموضوعية بحيث يمتاز كل منها عن الآخر واما ثانيا فلتداخل اقسامهما فى الذكر واما ثالثا فمن جهة الامثلة واما رابعا فلعدم استيفائه الاقسام وكلامه قدس‌سره فى التقسيم فى المقصد الثالث احسن واوفى كما لا يخفى ـ

١٤٤

ـ والاحسن فى بيان تصوير الصور للعلم الاجمالى ما افاده صاحب بحر الفوائد ما هذا لفظه :

ان الاولى فى تصوير الصور للعلم الاجمالى ان يقال ان الاجمال الطارى اما ان يكون من جهة الحكم الكلى الصادر من الشارع فتسمى الشبهة بالشبهة الحكمية او من جهة ما يصدق عليه متعلق الحكم او الحكم الجزئى مع تبين نفس الحكم الكلى فيسمى الشبهة بالشبهة الموضوعية وعلى الاول لا يخلو اما ان يكون الدوران والاشتباه من جهة اصل الخطاب الصادر من الشارع كما لو شك فى ان هذا الموضوع الكلي تعلق به الوجوب او الحرمة او من جهة ما تعلق به الخطاب من الامر الكلى مع تبين نفس الخطاب كما لو لم يعلم ان الخطاب الوجوبى في يوم الجمعة تعلق بالظهر او الجمعة او فى موارد الدوران بين القصر والاتمام من جهة الشبهة الحكمية تعلق بالقصر او التمام الى غير ذلك من الامثلة او من جهة الخطاب والمتعلق جميعا كما لو علم ان احد الخطابين تعلق باحد الموضوعين الكليين

ثم سبب الاشتباه في كل من الصور الثلاثة اما ان يكون عدم الدليل او اجماله واهماله او تعارض الدليلين فى بيان الخطاب او متعلقه فهذه تسعة اقسام لا تزيد عنها القسمة بالحصر العقلى إلّا بفرض تقسيم لبعض هذه الاقسام حسبما ستقف عليه لكنه لا ينافى الحصر الذى ذكرنا بالاعتبار المذكور كما لا يخفى ويسمى جميعها بالشبهة الحكمية حيث ان الحكم ليس مجرد الوجوب او التحريم او الخطاب الصادر الدال على احدهما كما ربما يتوهمه من لا خبرة له بل هما مع اعتبار تعلقهما بفعل المكلف فباشتباه كل منهما يشتبه الحكم الشرعي الكلى فالحكم انما يتبين بعد تبين الخطاب والمتعلق جميعا وهذا امر ظاهر لا سترة فيه عند من له ادنى خبرة بتعاريف القوم للحكم من العامة والخاصة.

ثم ان لكل من هذه الاقسام الثلاثة اسما يختص به فالاول يسمي بالشك فى التكليف حيث ان المراد منه فى اصطلاحهم اشتباه نوع التكليف وان علم جنسه والثانى بالشك في المكلف به والثالث بالشك فيهما معا باعتبارين وعلى الثانى ايضا يجرى اصل الاقسام الثلاثة إلّا انه لا بد من ان يعتبر التقسيم بالنسبة الى الخطاب والموضوع ـ

١٤٥

ـ الجزئيين إلّا ان سبب الاشتباه فى جميعها امر واحد وهو اشتباه الامور الخارجية وما يعرض المكلف من النسيان والسهو.

نعم لا اشكال في جريان الاسامى المذكورة اخيرا فيها ايضا حيث ان الشك فى التكليف او المكلف به او هما معا ليست مختصة بالشبهة الحكمية بل يجرى فى الشبهة الموضوعية ايضا بلا اشكال وتامل فالاقسام للشبهة الموضوعية ثلاثة انتهى كلامه ورفع مقامه.

١٤٦

(م) ولا بد قبل التعرض لبيان حكم الاقسام من التعرض لامرين احدهما انك قد عرفت فى اول مسئلة اعتبار العلم ان اعتباره قد يكون من باب محض الكشف والطريقية وقد يكون من باب الموضوعية بجعل الشارع والكلام هنا فى الاول اذ اعتبار العلم الاجمالى وعدمه فى الثانى تابع لدلالة ما دل على جعله موضوعا فان دل على كون العلم التفصيلى داخلا فى الموضوع كما لو فرضنا ان الشارع لم يحكم بوجوب الاجتناب الا عما علم تفصيلا نجاسته فلا اشكال فى عدم اعتبار العلم الاجمالى بالنجاسة. الثانى انه اذا تولد من العلم الاجمالى العلم التفصيلى بالحكم الشرعى فى مورد وجب اتباعه وحرمت مخالفته لما تقدم من اعتبار التفصيلى من غير تقييد بحصوله من منشأ خاص فلا فرق بين من علم تفصيلا ببطلان صلاته بالحدث او بواحد مردد بين الحدث والاستدبار او بين ترك ركن وفعل مبطل او بين فقد شرط من شرائط صلاة نفسه وفقد شرط من شرائط صلاة امامه بناء على اعتبار وجود شرائط الامام فى علم المأموم الى غير ذلك.

(ش) اقول ان توضيح حكم الاقسام المتصورة المذكورة للعلم الاجمالى يحتاج الى بيان امرين : الاول انك قد عرفت فى اول القطع انه من حيث الاعتبار علي قسمين احدهما ان اعتباره قد يكون من باب الكشف والطريقية والثانى قد يكون من باب الموضوعية بجعل الشارع والبحث فى هذا المقام عن الاول لان اعتبار العلم الاجمالى وعدمه فى الثانى تابع لدلالة ما دل على جعله موضوعا وان كان مفاد الدليل الدال على اعتبار العلم موضوعا الاعم من التفصيلى والاجمالى فلا ريب فى اعتبار العلم الاجمالى في ذلك ايضا مثلا لو دل الدليل على لزوم الاجتناب عن النجاسة المعلومة بالاجمال وجب متابعته واما لو دل على اعتبار خصوص العلم التفصيلى فى ذلك فلا اشكال فى عدم الاعتبار بالعلم الاجمالى فى ذلك وبالجملة المتبع فى ذلك هو الدليل من حيث خصوصية السبب او الشخص او الزمان او غيرها مما مرت اليه الاشارة.

الثانى ان العلم التفصيلى بالحكم الشرعي الذى تولد من العلم الاجمالى فى ـ

١٤٧

مورد وجب اتباعه وحرمت مخالفته لما تقدم من ان البحث في هذا المقام عن القطع الطريقى فعلى هذا المعتبر هو التفصيلى من غير تقييد بحصوله من منشأ خاص فلا فرق بين من علم تفصيلا ببطلان صلاته بالحدث او بواحد مردد بين الحدث والاستدبار او بين ترك ركن وفعل مبطل او بين فقد شرط من شرائط صلاة نفسه وفقد شرط من شرائط صلاة امامه بناء على اعتبار وجود شرائط الامام فى علم المأموم الى غير ذلك.

١٤٨

(م) وبالجملة فلا فرق بين هذا العلم التفصيلى وبين غيره من العلوم التفصيلية إلّا انه قد وقع في الشرع موارد يوهم خلاف ذلك منها ما حكم به بعض فيما اذا اختلفت الامة على قولين ولم يكن مع احدهما دليل من انه يطرح القولان ويرجع الى مقتضي الاصل فان اطلاقه يشمل ما لو علمنا بمخالفة مقتضي الاصل للحكم الواقعى المعلوم وجوده بين القولين بل ظاهر كلام الشيخ (ره) القائل بالتخيير هو التخيير الواقعى المعلوم تفصيلا مخالفته لحكم الله الواقعى فى الواقعة ومنها حكم بعض بجواز ارتكاب كلا المشتبهين في الشبهة المحصورة دفعة او تدريجا فانه قد يؤدى الى العلم التفصيلى بالحرمة او النجاسة كما لو اشترى بالمشتبهين بالميتة جارية فانا نعلم تفصيلا بطلان البيع فى تمام الجارية لكون بعض ثمنها ميتة فنعلم تفصيلا بحرمة وطيها مع ان القائل بجواز الارتكاب لم يظهر من كلامه اخراج هذه الصورة.

(ش) اقول اذا تبين من الامرين المذكورين فيما مر ان اعتبار العلم فى المقام من باب الطريقية لا من باب الموضوعية لان اعتبار العلم الاجمالى وعدمه فى الثاني تابع لدلالة ما دل على جعله موضوعا فان دل على كون العلم التفصيلى داخلا فى الموضوع فلا اشكال فى عدم اعتبار العلم الاجمالى وانه اذا تولد من العلم الاجمالى العلم التفصيلى بالحكم الشرعى وجب اتباعه وحرمت مخالفته لما ذكر من اعتبار التفصيلى من غير تقييد بحصوله من منشأ خاص فلا فرق فى حرمة المخالفة القطعية بين العلم التفصيلى المتولد من العلم الاجمالى وبين غيره من العلوم التفصيلية إلّا انه قد وقع فى الشرع موارد يوهم خلاف ذلك ولا يخفى ان المراد من الوقوع في الشرع ليس المراد هو الوقوع واقعا بالنسبة الى جميع ما ذكره من الموارد كيف وكثير مما يذكره مبنى على فتوى بعض الاصحاب المخالف للمشهور بل المراد هو الوقوع ولو باعتقاد الغير.

منها حكم بعض فيما اذا اختلفت الامة على قولين ولم يكن مع احدهما دليل بانه يطرح القولان ويرجع الى مقتضى الاصل وهذا انما يتحقق فيما دار الامر بين الوجوب والحرمة وكان مقتضى الاصل الاباحة وقد اشار الشيخ قدس‌سره الى هذا بقوله فان اطلاقه يشمل ما لو علمنا الخ كما فى مسئلة وجوب السجدة وحرمتها عند قراءة العزيمة

١٤٩

ـ في الصلاة فان لهم قولين قول بالوجوب وقول بالحرمة وفى هذه المسألة ان قلنا بالرجوع إلى الاصل مع العلم بان احد القولين للامام عليه‌السلام يوجب الطرح لقوله عليه‌السلام قطعا وان قلنا بالتخيير فلا تلزم المخالفة ولا الموافقة لقوله عليه‌السلام لان القطع بالمخالفة لقوله عليه‌السلام انما يتحقق بتركهما معا.

واما على القول بالتخيير الواقعى فيما اختلفت الامة على قولين فيلزم ايضا مخالفته للحكم الواقعى المعلوم وجوده بين القولين كما هو ظاهر كلام الشيخ القائل بالتخيير علي ما فهموا من كلامه التخيير الواقعى حيث قال الشيخ فى مسئلة اختلاف الامة على قولين : انه لا يجوز اتفاقهم بعد اختلافهم لانهم مخيرون فلو كان التخيير ظاهريا لم يكن هناك مانع من الاتفاق بعد الاختلاف ولذا اورد عليه المحقق (ره) بان فى التخيير الواقعى طرحا لقول الامام عليه‌السلام لان كلا من الطائفتين يوجب العمل بقوله ويمنع العمل بالقول الآخر فلو خيرنا لاستبحنا ما حظره المعصوم ولكن يأتى في محله إن شاء الله تعالى قوة احتمال ارادته التخيير الظاهر لعدم معقولية ارادة التخيير الواقعى مع كون الحق فى احدهما وكون الامام عليه‌السلام مع احدى الطائفتين قطعا كما هو مفروض كلامه فى العدة واذا فرض كون احدهما معينا رأى الامام عليه‌السلام فكيف يكون التخيير الواقعى رأيه عليه‌السلام ويشير اليه قوله وذلك يجرى مجرى الخبرين اذا تعارضا ولا شك ان التخيير فى الخبرين تخيير ظاهرى كما سيحقق فى بابه. واعلم ان المراد من التخيير الواقعى هو تساوى الفعل والترك واقعا فى نظر الشرع بخلاف التخيير الظاهرى فانه عبارة عن تساوى الفعل والترك فى نظر الشرع بالنظر الى الظاهر بمعنى معذورية المكلف فى اتيان الفعل او الترك من دون تغيير مصلحة الفعل او مفسدته بلحاظ جهل المكلف بخلاف التخيير الواقعي فان الفعل والترك فيه سيان من جهة عدم تعلق حب المولى لاحدهما معينا. ولا يخفى عليك ان مخالفة العلم التفصيلى المتولد من العلم الاجمالى بالرجوع الى الاصل فيما اختلفت الامة على قولين انما يفرض فى صورة دوران الامر بين الوجوب والحرمة كما سبقت الاشارة الى هذا وإلّا فاختلاف الامة على قولين يفرض فى موارد ـ

١٥٠

ـ لا يلزم بالرجوع الى الاصل المخالفة القطعية كما لو قال بعضهم بوجوب الصلاة مع السورة وبعضهم بوجوبها مع عدمها فحينئذ الرجوع الى البراءة كما هو ظاهر غير واحد من الاصحاب ليس موجبا لطرح قول الامام عليه‌السلام والقطع بمخالفته كما ان الرجوع الى الاشتغال والعمل بالاحتياط لا يوجب القطع بكون الصلاة مع السورة هو قوله عليه‌السلام وان اقتضى القطع بحصول الامتثال وبراءة الذمة عن الاشتغال وقد يفرض فيما لو قال بعضهم بوجوب شىء وبعض آخر بحكم غير الحرام من الاحكام الاربعة.

ومنها اى من جملة موارد مخالفة العلم التفصيلى المتولد حكم بعض بجواز ارتكاب كلا المشتبهين فى الشبهة المحصورة دفعة او تدريجا فان ارتكابهما دفعة او تدريجا قد يؤدى الى العلم التفصيلى بالحرمة او النجاسة كما لو اشترى بالمشتبهين بالميتة جارية فانا نعلم تفصيلا بطلان البيع فى تمام الجارية لان بعض ثمنها يقابل للميتة فنعلم تفصيلا بحرمة وطيها مع ان القائل بجواز الارتكاب لم يظهر من كلامه اخراج هذه الصورة قوله دفعة او تدريجا اقول ارتكاب كلا طرفى الشبهة دفعة اما بفعل واحد كما اذا جمعهما فى لقمة واحدة او جعلهما ثمنا فى بيع واحد فهو على هذا التقدير بنفسه مخالفة للعلم التفصيلى او بفعلين فى زمان واحد كما اذا شرب احد الإناءين واراق الآخر فى المسجد مثلا فانه يعلم اجمالا بان احد الفعلين محرم عليه فلو سجد فى ذلك المكان يتولد من علمه الاجمالى علم تفصيلى ببطلان صلاته اما لنجاسة مسجده او بدنه والقائل بجواز ارتكابهما دفعة بحسب الظاهر لا يقول إلّا فى الاخير واما الاول فمما لا نظن باحد الالتزام به لكونه بديهى الفساد فتامل قوله كما لو اشترى بالمشتبهين هذا فيما تعدد البيع وإلّا فهو بنفسه مخالفة تفصيلية اللهم إلّا ان يقال ان البيع فى حد ذاته لا يعد مخالفة وان المخالفة تحصل بالتصرفات المترتبة على البيع وهو لا يخلو من وجه.

١٥١

(م) ومنها حكم بعض بصحة ايتمام احد واجدى المنى فى الثوب المشترك بينهما بالآخر مع ان المأموم يعلم تفصيلا ببطلان صلاته من جهة حدثه او حدث امامه ومنها حكم الحاكم بتنصيف العين التى تداعيها رجلان بحيث يعلم صدق احدهما وكذب الآخر فان لازم ذلك جواز شراء ثالث للنصفين من كل منهما مع انه يعلم تفصيلا عدم انتقال تمام المال اليه من مالكه الواقعى.

(ش) ومنها حكم بعض فيما لو علم شخص اجمالا بجنابة نفسه او جنابة صاحبه لكونه واجدى المنى فى الثوب المشترك بينهما بانه يصح له ان يأتم به فى الصلاة مع انه يعلم ببطلان صلاته اما لجنابته واما لجنابة امامه وهكذا لو علم اجمالا بجنابة احد شخصين يصح له ان يأتم بهما فى صلاة واحدة كما لو اقتدى باحدهما فحدث له حادث فعدل الى الآخر مع انه يعلم ببطلان صلاته لجنابة احد الامامين وهكذا يجوز له ان يأتم بهما فى صلاتين مترتبتين بان يأتم فى صلاة الظهر باحدهما وفى العصر بالآخر مع انه يقطع ببطلان صلاة العصر تفصيلا اما من جهة فوات الترتيب او من جهة جنابة الامام.

ولا يخفى ان ظاهر الاصحاب بل صريح جملتهم انه لا يجب الغسل على كل واحد من واجدى المنى وكل واحد منهما محكوم بكونه طاهرا فيجوز لهما ما يجوز للطاهر لاستصحاب بقاء الطهارة واصالة البراءة عن وجوب الغسل فيجوز لهما الدخول فى المشروط بالطهارة وقيل بوجوب الغسل على كل واحد منهما ولا يخفى ما فيه.

نعم صرح غير واحد منهم باستحباب الغسل لكل واحد منهما كما فى جواهر الكلام والدروس والمنتهى ومحكى النقلية والمبسوط والمعتبر ولا بأس بذلك لعموم الادلة الدالة على رجحان الاحتياط وبالجملة ان الحكم الظاهرى فى حق كل احد نافذ واقعا فى حق الآخر بان يقال ان كل من كانت صلاته صحيحة بحسب الظاهر عند نفسه فللآخر ان يترتب عليها آثار الصحة الواقعية كما يظهر من المصنف قدس‌سره فيما يأتى فى اصلاح المسألة خلافا فى ذلك لغير واحد من الاجلة كالشهيد فى البيان والدروس.

ومنها حكم الحاكم بتنصيف العين التى تداعاها رجلان بحيث يعلم صدق احدهما ـ

١٥٢

وكذب الآخر ومقتضي الحكم بتنصيف العين جواز شراء شخص ثالث للنصفين من كل منهما مع انه يعلم تفصيلا عدم انتقال تمام المال اليه من مالكه الواقعي ولكن فرض الاصحاب كون العين بيدهما مع اختلافهم فى احتياج الحكم بالتنصيف الى اليمين من كل منهما كما ذهب اليه الاكثر وسيأتى الكلام فى هذه المسألة وسائر المسائل التى تليها فى مباحث البراءة.

١٥٣

(م) ومنها حكمهم فيما لو كان لاحد درهم وللآخر درهمان فتلف احد الدراهم من عند الودعى بان لصاحب الاثنين واحدا ونصفا وللآخر نصفا فانه قد يتفق افضاء ذلك الى مخالفة تفصيلية كما لو اخذ الدرهم المشترك بينهما ثالث فانه يعلم تفصيلا بعدم انتقاله من مالكه الواقعى ومنها ما لو اقر بعين لشخص ثم اقر بها للآخر فانه يغرم للثانى قيمة العين بعد دفعها الى الاول فانه قد يؤدى ذلك الى اجتماع العين والقيمة عند واحد ويبيعهما بثمن واحد فيعلم عدم انتقال تمام الثمن اليه لكون بعض مثمنه مال المقر فى الواقع.

(ش) اقول من الفروع التى ظاهرها عدم حرمة المخالفة القطعية حكمهم فيما اذا اودع شخصان احدهما درهم والآخر درهمان عند شخص واحد فسرق من المجموع درهم واحد بانه يعطى لصاحب الدرهمين درهم واحد والدرهم الآخر ينصف بينهما وفى هذا الفرض لو انتقل النصفان الى شخص ثالث بهبة او نحوها واشترى بمجموعهما جارية يعلم تفصيلا بعدم دخولها فى ملكه لان بعض ثمنها ملك الغير قطعا فلا يجوز له وطئها ولا النظر اليها ولم يلتزموا به.

وربما يقال فى دفع الاشكال عن هذا الفرع ان الامتزاج موجب للشركة فهو احد المملكات وكما تحصل الشركة فيما لو امتزج منّ من الحنطة لشخص مع منّين منها لشخص آخر بحيث لا يتميز كل منهما عن الآخر بان يكونا متفقين جنسا ووصفا فلو امتزجا بحيث يمكن التمييز وان عسر كالحنطة بالشعير او الحمراء من الحنطة بغيرها او الكبيرة الحب بالصغيرة ونحو ذلك فلا اشتراك ففى المقام كذلك فان نفس امتزاج الدراهم عند الودعى محصل للشركة بين المالكين فى كل جزء جزء من الدراهم فما سرق يكون من مالهما. وفيه مضافا الى ان المقام اجنبى عن باب الامتزاج كما لا يخفى ان لازم حصول الشركة فى مفروض المسألة هو اعطاء ثلث الدرهمين الى صاحب الدرهم الواحد واعطاء درهم وثلث الى مالك الدرهمين والمفروض خلاف ذلك. والاظهر فى الجواب عن هذا الفرع ان الحكم بتنصيف الدرهم الواحد بينهما اما ان يكون من باب الصلح القهرى بمعنى ان المورد حيث يكون بحسب نوعه موردا للترافع ـ

١٥٤

ـ فالشارع لرفع النزاع امر بتنصيف الدرهم تعبدا فبالتعبد الشرعي يدخل كل من النصفين فى ملك واحد منهما ولاية وعلى هذا فلا اشكال لان كلا منهما يملك النصف من الدرهم الواحد واقعا بحكم الشارع واما ان يكون من باب قاعدة العدل والانصاف وهى من القواعد العقلائية التى امضاها الشارع فى جملة من الموارد كما اذا تداعى شخصان فى مال واحد وكان المال تحت يدهما او اقام كل منهما البينة على صدق دعواه او لم يتمكنا من اقامة البينة وحلفا او نكلا ففى هذه الموارد يحكم بتنصيف المال بينهما فتامل.

ومنها ما لو اقر شخص بعين لشخص ثم اقر بها لشخص آخر ثم لشخص ثالث وهكذا تعطى نفس العين للمقر له اولا ويغرم للثانى فصاعدا قيمة العين فان هذا قد يؤدى الى اجتماع العين والقيمة عند شخص واحد مثلا لو اقر لزيد بجارية ثم اقر بها لعمرو فانه تعطى الجارية لزيد وقيمتها لعمرو فحينئذ اعطاها زيد شخصا ثالثا واعطى عمرو ما اخذه بعنوان القيمة الشخص الثالث وهو باعهما بثمن واحد فيعلم عدم انتقال تمام الثمن اليه لكون بعض مثمنه مال المقر فى الواقع ولا يخفى ان هذا مبنى على مذهب المشهور من اعتبار الاقرار بعد الاقرار فيلزم المقر بالمثل او القيمة جمعا بين الاقرارين فان مقتضى اعمال الاقرار الاول اخذ نفس المقر به ومقتضى اعمال الاقرار الثانى هو الالزام بالمثل او القيمة من حيث ان المقر قد اتلفه علي المقر له ثانيا واما بناء على مذهب الشيخ رحمه‌الله تعالى من لغوية الاقرار ثانيا من حيث ان مقتضاه تملك نفس المقر به للمقر له ثانيا واعماله بالنسبة اليه غير ممكن من حيث تعينه للاقرار الاول والانتقال بالمثل او القيمة فرع اعتبار الاقرار الثانى وهو غير ممكن فلا دخل له بالفرض اصلا.

١٥٥

(م) ومنها الحكم بانفساخ العقد المتنازع فى تعيين ثمنه او مثمنه على وجه يقضي فيه بالتحالف كما لو اختلفا فى كون المبيع بالثمن المعين عبدا او جارية فان رد الثمن الى المشترى بعد التخالف مخالف للعلم التفصيلى بصيرورته ملك البائع ثمنا للعبد او الجارية وكذا لو اختلفا فى كون ثمن الجارية المعينة عشر دنانير او مائة درهم فان الحكم برد الجارية مخالف للعلم التفصيلى بدخولها فى ملك المشترى. ومنها الحكم بانه لو قال احدهما بعتك الجارية بمائة وقال الآخر وهبتنى اياها بانهما يتحالفان وترد الجارية الى صاحبها مع انا نعلم تفصيلا بانتقالها عن ملك صاحبها الى الآخر الى غير ذلك من الموارد التى يقف عليها المتتبع

(ش) ومنها الحكم بانفساح العقد فيما لو اختلف المتبايعان فى الثمن او فى المثمن بعد اتفاقهما على وقوع اصل البيع كما لو اتفقا على وقوعه بازاء ثمن معين واختلفا فى المبيع فادعى البائع ان المبيع عبد وادعى المشترى انه جارية فان اقام احدهما بخصوصه البينة فالقول قوله وإلّا فان حلف احدهما ونكل الآخر يسمع دعواه وان تحالفا يحكم بالانفساخ القهرى ورجوع الثمن الى ملك مالكه والعبد او الجارية الى البائع وفى هذا الفرض رد الثمن الى المشترى بعد التحالف مخالف للعلم التفصيلى بصيرورة الثمن ملك البائع ثمنا للعبد او الجارية وقد اجيب عن هذا الفرض بما لا يخلو عن اشكال وهو انه ان قلنا بان التحالف بنفسه موجب للانفساخ فبالتحالف ينفسخ البيع واقعا ويرجع كل من العوضين الى ملك مالكه الاصلى فلا اشكال واما ان قلنا بعدمه وفرضنا ان الانفساخ ظاهرى فحينئذ ان قلنا بكفاية تصرف ذى اليد ظاهرا فى جواز تصرف غيره فيه واقعا فلا اشكال ايضا وإلّا فنلتزم بعدم جواز تصرف الشخص الثالث فيهما بعد ما لم يرد فيه آية ولا رواية انتهى

ومنها الحكم فيما لو قال احدهما بعتك الجارية بمائة وقال الآخر بل وهبتها لى بانهما يتحالفان وترد الجارية الى صاحبها الاول مع العلم التفصيلى بخروجها عن ملكه الى غير ذلك من الموارد التى يقف عليها المتتبع

١٥٦

(م) فلا بد فى هذه الموارد من التزام احد امور على سبيل منع الخلو : احدها كون العلم التفصيلى فى كل من اطراف الشبهة موضوعا للحكم بان يقال ان الواجب الاجتناب عما علم كونه بالخصوص بولا فالمشتبهان طاهران فى الواقع وكذا المانع للصلاة الحدث المعلوم صدوره تفصيلا من مكلف خاص فالمأموم والامام متطهران فى الواقع الثانى ان الحكم الظاهرى فى حق كل احد نافذ واقعا فى حق الآخر بان يقال ان من كانت صلاته بحسب الظاهر صحيحة عند نفسه فللآخر أن يترتب عليها آثار الصحة الواقعية : فيجوز له الايتمام به وكذا من حل له اخذ الدار ممن وصل اليه نصفه اذا لم يعلم كذبه فى الدعوى بان استند الى بينة او اقرار او اعتقاد من القرائن فانه يملك هذا النصف فى الواقع وكذلك اذا اشترى النصف الآخر فيثبت ملكه للنصفين فى الواقع وكذا الاخذ ممن وصل اليه نصف الدرهم فى مسئلة الصلح ومسئلتى التحالف.

(ش) اقول ان حاصل ما افاده الشيخ قدس‌سره فى الجواب عن الفروع التى ظاهرها جواز المخالفة القطعية للعلم التفصيلى المولد من العلم الاجمالى التزام احد امور على سبيل منع الخلو :

الاول القول بان العلم التفصيلى كان دخيلا فى موضوع الحكم فى كل من اطراف الشبهة فلا يترتب الحكم بالاجتناب وعدم جواز الارتكاب فيما خلا عن العلم التفصيلى كما هو الظاهر من جماعة من الاصحاب ووجه رفع الاشكال بهذا الوجه مبنى على الالتزام بكون العلم التفصيلى مأخوذا فى موضوع الحكم فحينئذ يكون العلم الاجمالى من اول الامر لغوا فلا يعقل كونه مؤثرا فى حصول العلم التفصيلي فاذا بنى ان النجس هو البول المعلوم بوليته تفصيلا فالمشتبهان طاهران فى الواقع فاذا استعملهما المكلف يعلم بانه استعمل الطاهرين الواقعيين وان علم بعد استعمالهما انه استعمل البول وهكذا الكلام فى مسئلة الميتة ومسئلة الحدث فانه اذا جعل الشارع المانع من الصلاة الحدث المعلوم صدوره تفصيلا من الامام والمأموم فيكونان متطهرين فى الفرض واقعا فاذا يعلم المأموم انه قد صلى مع عدم المانع واقعا.

الثانى القول بنفوذ الحكم الظاهرى فى حق كل احد واقعا فى حق الآخر بمعنى ان من كانت صلاته صحيحة عند نفسه ـ

١٥٧

ـ فيجوز للآخر ترتيب آثار الصحة الواقعية عليها فيصح له الايتمام به وكذا من حل له اخذ الدار ممن وصل اليه نصفه فى مسئلة حكم الحاكم بالتنصيف اذا لم يعلم كذبه فى الدعوى باستناده الى البينة او اقرار او اعتقاد من القرائن فانه يملك هذا النصف فى الواقع وكذلك اذا اشترى النصف الآخر فيثبت ملكه للنصفين فى الواقع وكذا الاخذ ممن وصل اليه نصف الدرهم فى مسئلة الصلح يعنى مسئلة الودعى فانها مذكورة فى باب الصلح كما صرح به فى الشبهة المحصورة وفى مسألتي التحالف.

١٥٨

(م) الثالث ان يلتزم بتقييد الاحكام المذكورة بما اذا لم يفض الى العلم التفصيلى بالمخالفة والمنع مما يستلزم المخالفة المعلومة تفصيلا كمسألة اختلاف الامة على قولين وحمل اخذ المبيع فى مسألتي التحالف على كونه تقاصا شرعيا قهريا عما يدعيه من الثمن او انفساخ البيع بالتحالف من أصله او من حينه وكون اخذ نصف الدرهم مصالحة قهرية وعليك بالتأمل فى دفع الاشكال عن كل مورد باحد الامور المذكورة فان اعتبار العلم التفصيلى بالحكم الواقعى وحرمة مخالفته مما لا يقبل التخصيص باجماع او نحوه.

(ش) اقول ان الجواب الثالث عن الفروع المذكورة هو الالتزام بتقييد الاحكام المذكورة بما اذا لم يفض الى العلم التفصيلى بالمخالفة والدليل على هذا التقييد انما هو استقلال العقل بقبح اسقاط الشارع العلم التفصيلى عن الاعتبار ولما كان هذا الوجه غير جار بالنسبة الى جملة من الموارد لانعقاد الاجماع على حكمها فى صورة الافضاء الى العلم التفصيلى كمسألة الاختلاف فى الثمن او المثمن ومسئلة الاختلاف فى الوديعة فاراد ان يجيب منها بوجه آخر فعن الاول بانه من باب التقاص او انفساح العقد بالتحالف وعن الثانى بانه من باب المصالحة القهرية بين المتداعيين.

ولا يخفى عليك ان مقصود الشيخ قدس‌سره من ذكر هذه الامور ليس البناء عليها واختيارها بل لما كان جواز مخالفة العلم التفصيلى الذى اعتباره فى المقام من باب الطريقية غير معقول فالمقصود من ذكره هذه الامور ابداء احتمال فى الموارد المذكورة لدفع ما يتراءى من لزوم مخالفة العلم التفصيلى من فتوى بعضهم او جماعة فيها بناء على تسليم صحة ما افتوا به لاجل قيام دليل معتبر عليه لا يمكن الاعراض عنه وبالجملة انه بعد عدم معقولية جواز مخالفة العلم التفصيلي فلا بد من توجيهها باحد الامور المذكورة او غيرها مما يناسبها بحساب المقام وقد بين بعض الاعلام تطبيق المناسبة بين الفروع المذكورة والالتزام فى الجواب باحد الامور الثلاثة ما هذا لفظه ـ وصحته وعدمها عليه ـ (فنقول) ان ما يناسب الفرع الاول من الفروع المذكورة هو الجواب الثالث كما نبه عليه المصنف (ره) فيحمل اطلاق كلام من حكم بتعين الرجوع الى مقتضى الاصل فى مسئلة اختلاف الامة على قولين على ارادة الرجوع الى الاصل الموافق لاحدهما ـ

١٥٩

ـ والتوقف والاحتياط فيما لم يكن احدهما موافقا له واما حكم الشيخ بالتخيير فغاية ما يلزم منه كون نفس الالتزام بالتخيير مخالفا للواقع من دون علم بمخالفة العمل للواقع اذ مع الاخذ باحد الحكمين يحتمل كون الواقع هو ذلك وسيشير المصنف (ره) الى ان الممنوع هى المخالفة العملية للواقع دون الالتزامية خاصة. وما يناسب الفرع الثاني هو الجواب الاول كما نبه عليه المصنف رحمه‌الله تعالى ولكن القائل بجواز الارتكاب فى كلا المشتبهين كالمحقق القمى وغيره لم يظهر من كلامهم ما ذكره قدس‌سره على ما قيل بل مقتضى كلامهم كالمحقق القمى فى القوانين كون العلم الاجمالى غير منجز للتكليف وان المنجز للتكليف هو العلم التفصيلي ليس إلّا لا ان التكليف الواقعى محمول على الموضوع المعلوم تفصيلا فالاولى فى توجيه كلامهم الرجوع الى الوجه الثالث. وما يناسب الفرع الثالث هو الوجه الاول والثانى ويمكن استفادة الوجهين من صاحب المدارك فانه (ره) بعد حكمه بعدم وجوب الغسل على واجدى المنى فى الثوب المشترك قال وفى جواز ايتمام احدهما بالآخر وحصول عدد الجمعة بهما قولان اظهرهما الجواز لصحة كل منهما شرعا واصالة عدم اشتراط ما زاد على ذلك وقيل : بالعدم للقطع بحدث احدهما وهو ضعيف اذ المانع هو الحدث المعلوم تفصيلا من شخص بعينه ولهذا ارتفع لازمه وهو وجوب الطهارة اجماعا هذا. وقد اجاب بعض عن الفرع الثالث بما حاصله انه لو قلنا بان الصحة عند الامام يكفى فى جواز الايتمام به ولو لم تكن صحيحة فى نظر المأموم فلا مجال حينئذ لعلم المأموم ببطلان صلاته فاذا فرضنا ان المأموم علم بان الامام محدث ولكن الامام لم يكن عالما بذلك وصلى مستصحبا للطهارة صحت صلاة المأموم وليس عليه الاعادة وان وجب على الامام ذلك لو انكشف الخلاف واذا كان الحال ذلك فى العلم التفصيلى فما ظنك بموارد العلم الاجمالى واما لو لم نقل بذلك واعتبرنا احراز المأموم صحة صلاة الامام فلا مناص حينئذ من الحكم ببطلان صلاة المأموم فى جميع هذه الفروض ولا ضير فى ذلك بعد ما لم يرد على صحتها دليل خاص والقاعدة تقتضى البطلان انتهى. ـ

١٦٠