درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٠٨

(م) ظاهر كلماتهم فى بعض المقامات الاتفاق على الاول كما يظهر من دعوى الاجماع على ان ظان ضيق الوقت اذا أخر الصلاة عصى وان انكشف. بقاء الوقت فان تعبيرهم بظن الضيق لبيان ادنى فردى الرجحان فيشمل القطع بالضيق نعم حكى عن النهاية وشيخنا البهائى التوقف فى العصيان بل فى التذكرة لو ظن ضيق الوقت عصى لو أخر إن استمر الظن وان انكشف خلافه فالوجه عدم العصيان انتهى واستقرب العدم سيد مشايخنا فى المفاتيح وكذا لا خلاف بينهم ظاهرا فى ان سلوك الطريق المظنون الخطر او مقطوعه معصية يجب اتمام الصلاة فيه ولو بعد انكشاف عدم الضرر فيه فتامل ويؤيده بناء العقلاء على الاستحقاق وحكم العقل بقبح التجرى

(ش) اقول ان الظاهر من كلماتهم فى الكتب الاصولية والفقهية هو الاتفاق على الاول وهو العقاب على القاطع بمخالفة قطعه وان كان مخالفا للواقع وبعبارة اخرى ان قطع القاطع اذا كان طريقا الى الموضوع الواقعى اعم من ان يكون طريقا محضا او موضوعا على وجه الطريقية فمخالفته وترك العمل علي طبقه يوجب استحقاق العقاب وان كان مخالفا للواقع مثل مخالفة العلم المطابق للواقع. ومن الشواهد الدالة على الاول مع قطع النظر عن الخدشة فيها ـ ويأتى بيان الخدشة إن شاء الله تعالى مسئلة ظن ضيق الوقت يعنى ان ظان ضيق الوقت اذا أخر الصلاة عصى وان انكشف بقاء الوقت لانه مكلف بالعمل بالظن وقد خالفه فصار عاصيا بالمخالفة وبالجملة ان كلماتهم فى مسئلة ظن ضيق الوقت ظاهرة بل صريحة فى ان الظن بانقطاع القدرة موجب للعصيان بالتسامح والمخالفة ولو انكشف خلاف ظنه بل ادعي بعض المحققين الاجماع عليه كما عن الفاضل الجواد والفاضل القمى وغيرهما من الاجلة بل افرط القاضى ابو بكر الباقلانى وذهب الى ان الفعل يؤتى به بعد ذلك بنية القضاء لا الاداء لوقوعه بعد الوقت بحسب ظنه قوله فان تعبيرهم بظن الضيق الخ دفع لما يقال من ان اجماعهم فى هذه المسألة انما هو فى خصوص الظن لا فى القطع والحال ان البحث فيه وحاصل الدفع ان تعبيرهم بالظن انما هو لبيان ادنى مراتب فردى الرجحان ولا خصوصية للظن بل القطع ايضا كذلك ـ

٤١

ومنها عدم كون الخلاف فى مسئلة سلوك الطريق المظنون الخطر او مقطوعه وبيان ذلك ان الفقهاء حكموا بان من سلك طريقا مظنون الضرر او مقطوعه يجب عليه اتمام الصلاة لكون سفره سفر معصية ولو انكشف عدم الضرر وهذا لا يتم الابناء على حرمة التجرى كمسألة ظن ضيق الوقت.

ومنها بناء العقلاء على استحقاق المتجرى للمذمة وحكم العقل بقبح التجرى قيل يمكن ان يكون عطف حكم العقل على بناء العقلاء تفسيريا ولعل دليله انه لا بد من ان يكون مستند بناء العقلاء على شيء جهة حكم عقلهم ويكون كاشفا عن حكم العقل ولو لم يكن كذلك لم يكن حجة فى المسائل العقلية وفيه ما لا يخفى على المتأمل من السخافة بل يمكن الفرق بين بناء العقلاء وحكم العقل بالاجمال والتفصيل حيث ان فى الثانى لا بد ان يكون عنوان حكمه ومنشؤه معلوما اذ من المحال ان يحكم العقل بشىء لا يعلم مدركه وعنوانه وهذا ليس مختصا بالعقل بل كل حاكم كذلك شرعا كان او عقلا هذا بخلاف بناء العقلاء فانه فيه الكشف من حكم العقل اجمالا واما ان ملاك حكمه ما ذا؟ فليس بمعلوم وينبغى ان يعلم ان المراد ببناء العقلاء هو ما عليه بنائهم بحسب السيرة العملية والافعال الجوارحية والمراد بحكم العقل هو حكمه بحسب ملاحظة المصلحة والمفسدة من عقاب وغيره.

٤٢

(م) وقد يقرر دلالة العقل على ذلك بانا اذا فرضنا شخصين قاطعين بان قطع احدهما بكون مائع معين خمرا وقطع الآخر بكون مائع معين آخر خمرا فشرباهما فاتفق مصادفة احدهما للواقع ومخالفة الآخر فاما ان يستحقا العقاب او لا يستحقه احدهما او يستحقه من صادف قطعه الواقع دون الآخر او العكس لا سبيل الى الثانى والرابع والثالث مستلزم لاناطة استحقاق العقاب بما هو خارج عن الاختيار ومناف لما يقتضيه العدل فتعين الاول

(ش) تقرير دلالة العقل بالنحو الذى ذكره الشيخ قدس‌سره مما استفاده من بعض كلمات المحقق السبزوارى فى مسئلة الجاهل بالعبادة اقول اما وجه بطلان الثانى من الشقوق المذكورة فلمخالفته لما قام عليه الضرورة من الدين والمذهب وهو عدم استحقاق من يشرب الخمر الواقعى للعقاب واما وجه بطلان الرابع وهو عدم استحقاق العقاب لمن شرب الخمر الواقعى واستحقاقه لمن شرب المائع باعتقاد انه خمر ولم يصادف للواقع فلاستلزامه العقاب على العاصى وعدمه على غير العاصى وهذا ليس إلّا ترجيح المرجوح وهو عدم المصادفة على الراجح وهو المصادفة وهذا مضافا الى مخالفته للضرورة مناف لمقتضى العدل والحكمة واما وجه بطلان الثالث كما ذكره قدس‌سره فلاستلزامه العقاب بما هو خارج عن القدرة والاختيار وهو المصادفة وهذا ايضا مناف لمقتضى العدل لان الامر الغير الاختيارى لا يمكن ان يكون سببا لاستحقاق العقاب فالمتعين من الشقوق هو الاول وينبغى ان يعلم ان مقتضى هذا التقرير هو جعل استحقاق العقاب تابعا لمخالفة الاعتقاد لا مخالفته للواقع.

قوله لا يستحقه احدهما ... لا يخلو من المسامحة اذ الغرض افادة السلب الكلى والعبارة المذكورة لا تفيده لا يقال ان لفظ احد نكرة وهى فى سياق النفى يفيد العموم لانا نقول ان لفظ احد مع اضافته الى الضمير لا يفيد العموم كما لا يخفى

٤٣

(م) ويمكن الخدشة فى الكل اما الاجماع فالمحصل منه غير حاصل والمسألة عقلية خصوصا مع مخالفة غير واحد كما عرفت من النهاية وستعرف من قواعد الشهيد قدس‌سره والمنقول منه ليس حجة فى المقام واما بناء العقلاء فلو سلم فانما هو على مذمة الشخص من حيث ان هذا الفعل يكشف عن وجود صفة الشقاوة فيه لا على نفس فعله كمن انكشف لهم من حاله انه بحيث لو قدر على قتل سيده لقتله فان المذمة على المنكشف لا الكاشف ومن هنا يظهر الجواب عن قبح التجرى فانه لكشف ما تجرى به عن خبث الفاعل لكونه جريئا وعازما على العصيان والتمرد لا على كون الفعل مبغوضا للمولى والحاصل ان الكلام فى كون هذا الفعل الغير المنهى عنه واقعا مبغوضا للمولى من حيث تعلق اعتقاد المكلف بكونه مبغوضا لا فى ان هذا الفعل المنهى عنه باعتقاده ينبئ عن سوء سريرة العبد مع سيده وكونه جريئا فى مقام الطغيان والمعصية وعازما عليه فان هذا غير منكر فى هذا المقام كما سيجىء لكن لا يجدى فى كون الفعل محرما شرعيا لان استحقاق المذمة على ما كشف عنه الفعل لا يوجب استحقاقه على نفس الفعل ومن المعلوم ان الحكم العقلى باستحقاق الذم انما يلازم استحقاق العقاب شرعا اذا تعلق بالفعل لا بالفاعل.

(ش) اقول اما الخدشة فى مسئلة ظن ضيق الوقت ومسئلة سلوك الطريق المظنون الخطر او مقطوعه اللتين ادعى عليهما الاجماع فهما ليستا من موارد التجرى اما الاولى فلان خوف الضيق يكون تمام الموضوع لوجوب البدار واين ذلك من التجرى المبحوث عنه فى المقام فيخرج عن مبحث التجرى واما الثانية فلان حكمهم بوجوب الاتمام لمن ظن الخطر فى الطريق مبنى علي وجوب دفع الضرر المظنون عقلا وتوضيح الحال فيه ان الظن قد يتعلق بالضرر الاخروى واخرى بالضرر الدنيوى لا اشكال فى انه اذا تعلق بالضرر الاخروى يكون العقل حاكما بوجوب دفعه ارشادا الى عدم الوقوع فيه ولا يكون هذا الحكم مستتبعا لخطاب مولوى فانه من فروع حكمه بوجوب الطاعة وحرمة المعصية اذ الملاك فى حكمه بذلك هو دفع العقاب ولا فرق فى ذلك بين كونه مقطوعا او مظنونا او مشكوكا واما حكمه بوجوب دفع الضرر الدنيوى المظنون بل المشكوك ـ

٤٤

ـ فلا مانع من استتباعه لخطاب مولوى شرعي إلّا ان كون مخالفته معصية حكمية ليكون داخلا فى باب التجرى يتوقف على كون حكمه بذلك طريقيا مغايرا لحكمه بوجوب دفع الضرر المقطوع وهذا غير مسلم بل الظاهر ان حكمه بوجوب دفع الضرر المقطوع وغيره بملاك واحد وهو قبح القاء النفس فيما لا يؤمن من ضرره كما ربما يدعى كون ذلك هو الظاهر من قوله تعالى (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) وعليه فلا يتصور هنا انكشاف خلاف فى موضوع هذا الحكم اذ تمام الموضوع له هو نفس عدم الامن من الضرر واين ذلك من باب التجرى وبالجملة فساد توهم قيام الاجماع على تلك الكبرى الكلية المنطبقة على موارد التجرى الناشى من حكمهم فى هذين الفرعين من الوضوح بمكان ولا يحتاج الى ازيد من ذلك من البيان هذا الجواب بناء على فرض وقوع الاجماع والحال انه بكلا قسميه بالنسبة إلى هذا المقام محل اشكال. اما المحصل من الاجماع الذى هو اتفاق الكل او جماعة من العلماء بحيث يكشف عن قول المعصوم عليه‌السلام فمردود من ثلاثة وجوه :

الاول منع حصوله وسند المنع مخالفة كثير من الاصحاب فى الفرعين المذكورين.

والثانى ان المسألة من المسائل العقلية والاجماع مع فرض حصوله لا يجدى فيها لان الاجماع كما عرفت هو الاتفاق بنحو المذكور علي امر دينى بخلاف ما اذا كانت المسألة عقلية كما فيما نحن فيه وهو لا يفيد فيها اذ حكم المجمعين فيها انما هو بحسب قضاء عقولهم وهو لا يكشف عن قول الامام عليه‌السلام ايضا بذلك فهو مثل دعوى الاجماع على ان الواحد نصف الاثنين وان الكل اعظم من الجزء.

والثالث مخالفة غير واحد من الاصحاب كالعلامة (ره) فى النهاية وكالشهيد قده فى القواعد وربما قيل ان الوجه الثالث هو سند المنع عن تحقق الاجماع المحصل وليس وجها مستقلا وفرق بعض بين الوجه الاول والثالث ان مبنى الاول عدم ثبوت الاتفاق الكاشف ومبنى الثالث وجود المخالف وفى هذا الفرق ما لا يخفى عليك. ـ

٤٥

ـ واما الاجماع المنقول الذى هو نقل اتفاق العلماء بحيث يكشف عن رضا المعصوم عليه‌السلام من حيث كونه شارعا فقد عرفت ان الاتفاق المذكور على تقدير تحصله يكون مردودا والحال ان الاجماع المنقول تابع لمحصله فاذا لم يكن محصله معتبرا فى مورد ولو باعتبار عدم تحقق عنوانه لم يكن منقوله ايضا معتبرا كما هو واضح هذا مضافا الى الاشكال فى حجية الاجماع المنقول رأسا كما قرر فى محله.

واما الخدشة فى بناء العقلاء فمنع بناء العقلاء على الاستحقاق والمذمة ولو سلم فانما تكون المذمة على المنكشف اى سوء السريرة لا الكاشف الذى هو الفعل ولذا ترى استحقاق الذم باقيا بحاله لو انكشف سوء السريرة بغير نفس الفعل كما لو انكشف من حال عبد انه بحيث لو قدر على قتل سيده لقتله فان العقلاء يذمونه وانه بئس العبد ولكن ذمهم من حيث خبث باطنه وسوء سريرته والحاصل ان محل الخلاف هو الحكم بحرمة هذا الفعل الذى اعتقد حرمته وليس محرما فى الواقع ومبغوضا للمولى واما مجرد كشف هذا الفعل عن خبث سريرة فاعله وفساد طينته فمما لا اشكال بل لا خلاف فيه ظاهرا بقى الكلام فى معنى السريرة فانها قد يطلق على السجية والجبلة وقد يطلق على النيات الباطنية والامور الخفية قال فى مجمع البحرين السرائر ما اسر فى القلوب والعقائد والنيات وغيرها وما خفى من الاعمال.

٤٦

(م) واما ما ذكر من الدليل العقلى فنلتزم باستحقاق من صادف قطعه الواقع لانه عصى اختيارا دون من لم يصادف قولك ان التفاوت بالاستحقاق والعدم لا يحسن ان يناط بما هو خارج عن الاختيار ممنوع فان العقاب بما لا يرجع بالاخرة الى الاختيار قبيح إلّا ان عدم العقاب لامر لا يرجع الى الاختيار قبحه غير معلوم كما يشهد به الاخبار الواردة فى ان من سن سنة حسنة كان له مثل اجر من عمل بها ومن سن سنة سيئة كان له مثل وزر من عمل بها فاذا فرضنا ان شخصين سنا سنة حسنة او سيئة واتفق كثرة العامل بإحداهما وقلة العامل بما سنه الآخر فان مقتضي الروايات كون ثواب الاول او عقابه اعظم وقد اشتهر ان للمصيب اجرين وللمخطئ اجرا واحدا والاخبار فى امثال ذلك فى طرف الثواب والعقاب بحد التواتر فالظاهر ان العقل انما يحكم بتساويهما فى استحقاق المذمة من حيث شقاوة الفاعل وخبث سريرته مع المولى لا فى استحقاق المذمة على الفعل المقطوع بكونه معصية وربما يؤيد ذلك انا نجد من انفسنا الفرق فى مرتبة الذم بين من صادف قطعه الواقع وبين من لم يصادف إلّا ان يقال ان ذلك انما هو فى المبغوضات العقلائية من حيث ان زيادة الذم من المولى وتأكد الذم من العقلاء بالنسبة الى من صادف اعتقاده الواقع لاجل التشفى المستحيل فى حق الحكيم تعالى فتامل

(ش) اقول قد عرفت فى بيان تقرير دلالة العقل ان حاصل كلام المستدل هو قبح الحكم باستحقاق احد الشخصين اى من صادف قطعه الواقع دون الآخر اى من لم يصادف قطعه الواقع للزوم ذلك اناطة استحقاق العقاب وعدمه علي الامر الغير الاختيارى وهو المصادفة وعدمها وينبغى ان يعلم ان محط نظر المستدل هو عدم استحقاق من لم يصادف وإلّا فاستحقاق من صادف قطعه الواقع مسلم عنده ولذا تعرض الشيخ قدس‌سره له بقوله إلّا ان عدم العقاب لامر لا يرجع إلى الاختيار قبحه غير معلوم. (وتوضيح الجواب) على ما يستفاد من كلام الشيخ قدس‌سره هو اختيار التفصيل بين المصادف وغيره بمعنى انه يمكن ان نقول باستحقاق المصادف دون غيره وذلك فانه لا كلام فى استحقاقهما الذم من جهة قصدهما الى الفعل المحرم بحسب اعتقادهما لان ذلك خارج عن محل النزاع ولا كلام ايضا فى استحقاق الفاعل للذم من حيث كشف ـ

٤٧

ـ المتجرى به عن خبث سريرته وصفة الشقاوة فيه وانما الكلام فى استحقاق الفاعل للعقاب علي الفعل المتجرى به فنقول لا اشكال فى استحقاق المصادف باعتراف الخصم لانه عصي اختيارا كعصيان سائر العصاة من دون فرق بينهما اصلا واما عدم استحقاق غير المصادف فلعدم صدور فعل منهى عنه منه.

(وبعبارة اخرى) ان الامور المتصورة فى هذا المقام ثلاثة : احدها العقاب على امر غير اختيارى ولم يرجع بالاخرة الى الاختيار ولا شك فى قبح العقاب فى هذا الفرض وثانيها استحقاق العقاب علي امر يرجع بالاخرة الى الاختيار ولا شبهة ولا خلاف فى استحقاق العقاب فى هذا الفرض وثالثها عدم استحقاق العقاب علي امر غير اختيارى ولم يرجع بالاخرة الى الاختيار وقبح عدم العقاب فى هذا الفرض محل خلاف والمشهور على عدم قبحه بل قبحه ممنوع فاذا عرفت هذه الامور الثلاثة تبين الفرق بين المصادف وغيره وبيان الفرق ان المكلف فى صورة المصادفة لما كان عازما على ارتكاب ما كان منهيا عنه فى نفس الامر فارتكب فصادف الواقع وهذه المصادفة وان كانت من حيث هى من الامور الغير الاختيارية ولكن راجعة بالاخرة الى الاختيار لكونها ناشئة ومسببة عن فعله الاختيارى فلا قبح فى عقابه لهذا الفعل من حيث كونه مصادفا واما فى صورة عدم المصادفة فالمكلف لما كان عازما على الفعل المنهى عنه بحسب اعتقاده فاتفق عدم المصادفة وهذه من حيث هى قضية اتفاقية خارجة عن حيز الاختيار من دون ان يرجع ذلك الى اختياره فحينئذ القول بعدم العقاب بازاء هذا الفعل لاجل عدم مصادفته للواقع لا يستلزم قبحا والقبح انما هو فى العقاب على غير الاختيارى وكان لمن لم يصادف ان يحتج على مولاه لو اراد العقاب عليه بان ما اوقعته لم يكن مندرجا تحت العناوين المحرمة بل هو من المباحات وما قصدته لم يقع فى الخارج حتى يوجب العقاب ومجرد قصد المعصية لا يوجب العقاب وبهذا يظهر الجواب عن القول ب ان التفاوت بالاستحقاق والعدم لا يحسن ان يناط بما هو خارج عن الاختيار قوله كما يشهد به الاخبار الواردة الخ يعنى ان الشاهد بما ذكره قدس‌سره من كون عدم المصادفة مانعا من استحقاق العقاب الاخبار الواردة فى ان من ـ

٤٨

ـ سن سنة حسنة كان له مثل اجر من عمل بها الخ والظاهر من هذه الاخبار ان الامور الغير الاختيارية قد تكون دخيلة فى استحقاق كثرة الثواب والعقاب وقلتهما كمدخليتها فيما نحن فيه فى استحقاق العقاب وعدمه وبيان الاستشهاد ان المستفاد من الاخبار ان كثرة العامل بسنة احد الشخصين المفروضين وقلة العامل بسنة الآخر مؤثرتان فى كون ثواب الاول او عقابه اعظم مع ان كثرة العامل وقلته خارجتان عن اختيارهما وربما اورد على الاستشهاد بالاخبار بان المسألة عقلية لا وجه للاستدلال فيها بالاخبار سيما اخبار الآحاد وفيه مع منع كون الاخبار فى مرتبة الآحاد بل الاخبار فى حد التواتر كما صرح به الشيخ (قده) فى قوله والاخبار فى امثال ذلك فى طرف الثواب والعقاب بحد التواتر ان الاستشهاد بالاخبار تأييد وليس الغرض منه الاحتجاج والاستدلال لان الكتاب والسنة لا يصلحان ان يكونا دليلين فى العقليات.

قوله وقد اشتهر ان للمصيب اجرين وللمخطئ اجرا واحدا اقول فى نسبته إلى الشهرة دون الخبر دلالة على عدم عثوره على رواية فيه كما اعترف به (قده) فى بعض كلماته ووجه الاستشهاد بهذا ان نقصان ثواب المخطئ عن ثواب المصيب ليس إلّا الامر غير اختيارى وهو مصادفة الواقع وعدمها وينبغى ان يعلم ان هذا استشهاد ثالث لمدعيه قوله وربما يؤيد ذلك انا نجد من انفسنا الفرق الخ استشهاد رابع وبيانه انا اذا راجعنا وجداننا نجد عدم تساوى من صادف قطعه الواقع ومن لم يصادف فى استحقاق المذمة لان الذم بالنسبة الى المصادف من جهتين إحداهما من جهة الشقاوة والاخرى من جهة الفعل بخلاف غير المصادف فان الذم فى حقه من جهة الشقاوة وخبث الباطن فقط وزيادة الذم فى حق المصادف دون غيره ليس إلّا من جهة امر غير اختيارى لا يقال ان هذا اعتراف بثبوت العقاب على من لم يصادف قطعه الواقع لانه كان مذموما عند العقلاء على الفرض المذكور لانا نقول ان الذم فى حق غير المصادف من جهة خبث الفاعل لا الفعل حتى يستلزم العقاب

٤٩

ـ قوله فتامل ولعل الامر بالتأمل اشارة الى الفرق بين من صادف قطعه الواقع ومن لم يصادف مع قطع النظر عن التشفى والشاهد على ذلك انا نرى ذلك ولو بعد تخلية الذهن او بالنظر الى حال الغير الذى لا مدخلية له بعملها اصلا بل نرى فى انفسنا انه لو ارتكب شخص معصية فعرضه الندامة عليها ثم انكشف له عدم كون ما ارتكبه حراما فى الواقع لسره ذلك وراى امره اهون مما لو كان حراما فى الواقع فتامل

٥٠

(م) وقد يظهر من بعض المعاصرين التفصيل فى صورة القطع بتحريم شىء غير محرم واقعا فيرجح استحقاق العقاب بفعله إلّا ان يعتقد تحريم واجب غير مشروط بقصد القربة فانها لا يبعد عدم استحقاق العقاب عليه مطلقا او فى بعض الموارد نظرا الى معارضة الجهة الواقعية للجهة الظاهرية فان قبح التجرى عندنا ليس ذاتيا بل يختلف بالوجوه والاعتبار فمن اشتبه عليه مؤمن ورع عالم بكافر واجب القتل فحسب انه ذلك الكافر وتجري فلم يقتله فانه لا يستحق الذم على هذا الفعل عقلا عند من انكشف له الواقع وان كان معذورا لو فعل واظهر من ذلك ما لو جزم بوجوب قتل نبى او وصى فتجرى فلم يقتله ألا ترى ان المولى الحكيم اذا امر عبده بقتل عدو له فصادف العبد ابنه وزعمه ذلك العدو فتجرى فلم يقتله ان المولي اذا اطلع على حاله لا يذمه على هذا التجرى بل ـ

(ش) اقول ان المفصل هو صاحب الفصول رحمه‌الله حيث ذكر هذا التفصيل فى مباحث الاجتهاد والتقليد من كتابه فى بيان حكم الجاهل وبيان ذلك ان ما فى الفصول على ما يظهر من كلام الشيخ قدس‌سره وافاد المحقق النائينى ايضا مركب من دعا وثلاثة :

الاولى بعد تسليمه قبح التجرى واستحقاق العقاب عليه افاد ما حاصله ان قبح التجرى لا يكون ذاتيا بل يختلف بالوجوه والاعتبار وربما يطرأ عليه ما يخرجه عن القبح كما اذا علم بحرمة ما يكون فى الواقع واجبا وكانت مصلحة الوجوب غالبة على مفسدة التجرى او مساوية وعلى هذا يختلف حسنا وقبحا شدة وضعفا باختلاف الفعل المتجرى به.

الثانية وقوع هذا الامر الممكن وان الجهات الواقعية فى الفعل المتجرى به يوجب اختلاف مرتبة قبح التجرى او زواله فى بعض الموارد.

الثالثة تداخل العقابين عند مصادفة الفعل المتجرى به المعصية الواقعية فحينئذ كان فيه ملاكان للقبح ملاك التجرى وملاك المعصية الواقعية وفى هذا الفرض قبح التجرى يكون اشد واكثر مما اذا كان الفعل المتجرى به فى الواقع مكروها كما ان القبح فى هذا الفرض ايضا يكون اكثر مما اذا كان الفعل المتجرى به مباحا وهكذا يكون القبح فى هذه الصورة اكثر مما اذا كان الفعل فى الواقع مستحبا واما اذا كان الفعل فى نفس ـ

٥١

ـ يرضى به وان كان معذورا لو فعل وكذا لو نصب له طريقا غير القطع الى معرفة عدوه فادى الطريق الى تعيين ابنه فتجرى ولم يفعل وهذا الاحتمال حيث يتحقق عند المتجرى لا يجديه ان لم يصادف الواقع ولذا يلزمه العقل بالعمل بالطريق المنصوب لما فيه من القطع بالسلامة من العقاب بخلاف ما لو ترك العمل به فان المظنون فيه عدمها ومن هنا يظهر ان التجرى علي الحرام فى المكروهات الواقعية اشد منه فى مباحاتها وهو فيها اشد منه فى مندوباتها ويختلف باختلافها ضعفا وشدة كالمكروهات ويمكن ان يراعى فى الواجبات الواقعية ما هو الاقوى من جهاته وجهات التجرى انتهى كلامه رفع مقامه الامر واجبا فيقع التزاحم بين ملاك الوجوب وملاك قبح التجرى فربما يتساويان وربما يكون ملاك الوجوب اقوى فيتقدم او يكون ملاك قبح التجرى اقوى فيكون قبيحا فهذا محصل كلام صاحب الفصول (ره) ولا يخفى عليك انه كيف يمكن فرض مصادفة التجرى مع المعصية حتى يكون هناك ملاكان لاستحقاق العقاب فيلتزم بتداخل العقاب بل التجرى مقابل للمعصية اذ التجرى فى الاصطلاح عبارة عن مخالفة ما اعتقده المكلف مثلا يعتقد حرمة شيء ولا يكون فى الواقع حراما بخلاف المعصية فان قوامها هو المصادفة للواقع فكيف يجتمع التجرى مع المعصية فنلتزم بتداخل العقابين إلّا ان يريد من المصادفة اى مصادفة التجرى مع المعصية غير المعصية التى علم بها وتجرى فيها كما اذا قطع المتجرى بخمرية مائع فشربه ثم ظهر كونه مغصوبا فيقال ان تحقق التجرى بالنسبة الى شرب الخمر والمعصية بالنسبة الى شرب المغصوب هذا بناء على جواز العقاب على جنس الحرام المعلوم وان كان المكلف مخطئا فى فعله كما هو المختار عند بعض او على جواز العقاب على نفس الحرام الواقعى وهو الغصب فى الفرض المذكور بعد معلومية حرمة الفعل الخارجي ولو بعنوان آخر فحينئذ يتحقق المعصية بالاضافة الى جنس الحرام المعلوم او بالاضافة الى الحرام الواقعى ويتحقق التجرى بالاضافة الى خصوصية الخمر المعلوم للمكلف فيجتمع المعصية والتجرى فى محل واحد باعتبارين واما اذا بنينا على عدم صحة العقاب على جنس الحرام المعلوم ـ

٥٢

ـ ولا على الفرد الواقع الموجود فى فرض القطع بفرد آخر فلا معني محصل لاجتماع المعصية والتجرى فتامل جيدا قوله تحريم واجب غير مشروط بقصد القربة ... وجه التقييد بقصد القربة لاخراج الواجب التعبدى اذ قصد القربة معتبر فيها فلم يتمكن المكلف من فعله مع اعتقاد حرمته اذ لا يتقرب بفعل الحرام قوله مطلقا او فى بعض الموارد والمراد من بعض الموارد ما اذا كان جهة مصلحة الواجب اقوى من جهة مفسدة التجرى فانه يحكم بعدم قبحه ورفع العقاب عنه واما اذا كان جهة المفسدة فى التجرى اقوى فانه حينئذ يحكم بقبحه قوله نظرا الى معارضة الجهة الواقعية للجهة الظاهرية تعليل لعدم استحقاق العقاب عليه فى بعض الموارد عند بعض ويحتمل كونه تعليلا لعدم الاستحقاق على نحو الاطلاق وهذا الاحتمال هو الاظهر قوله فان قبح التجرى عندنا ليس ذاتيا الاقوال فى الحسن والقبح العقليين بمعنى انشائه لا ادراكه كما صرح به اهل التحقيق اربعة : القول بالذاتية مطلقا والقول بالوجوه والاعتبار مطلقا والتفصيل بين الحسن والقبح والتفصيل بحسب الموارد بمعنى كونهما ذاتيين بمعنى العلة التامة فى بعضها وكونهما بالاقتضاء فى بعضها وبالوجوه والاعتبار فى بعضها والاخير قد يطلق مقابلا للذاتى وكونهما بالاقتضاء وقد يطلق مقابلا للذاتى فيشمل المقتضى ومراد صاحب الفصول قدس‌سره من قوله بل يختلف بالوجوه والاعتبار هو هذا المعنى وغرضه كون التجرى مقتضيا للقبح لا علة تامة فيمكن اختلافه بحسب اختلاف الموارد وتخلفه عنه. قوله وهذا الاحتمال حيث يتحقق عند المتجرى الخ حاصله انه لو نصب طريقا غير القطع فيحتمل عنده ان يكون الذى تعين بالطريق انه عدو ولدا للامر فلا يتوهم ان هذا الاحتمال يجعل تجريه حسنا وان لم يكن المتعين ابنه فى الواقع بل يكون حسنا اذا كان ابنه فلا ينبغي ان يتجرى بمجرد هذا الاحتمال بل يجب امتثال الامر والسلوك فى الطريق الذى نصبه مما فيه من القطع بالسلامة بخلاف غيره من الطرق قوله ومن هنا يظهر ان التجرى على الحرام الخ يعنى مما ذكر سابقا من ان ارتفاع قبح التجرى من جهة معارضة الجهة ـ

٥٣

ـ الواقعية للجهة الظاهرية يعلم ان التجرى على الحرام فى المكروهات الواقعية اشد منه فى مباحاتها لتاكد قبح التجرى فى الجملة بما فى المكروه الواقعى وهو فيها اشد منه فى مباحاتها لعدم تاكد قبح التجرى بما فى المباح الواقعى وهو فيها اشد منه فى مندوباتها لضعف قبح التجرى فى الجملة بما فى المندوب الواقعى من المصلحة واذا اعتقد وجوب ما هو غير محرم واقعا تنعكس سلسلة الاشدية فيكون التجرى على ترك الواجب فى المندوبات الواقعية اشد منه فى مباحاتها وهو فيها اشد منه فى مكروهاتها والوجه واضح مما سبق واما الواجبات فيراعى الاقوى من مصلحتها ومفسدة التجرى وهذا يختلف باختلاف مراتب الواجبات والمحرمات كما لا يخفى.

٥٤

(م) اقول يرد عليه اولا منع ما ذكره من عدم كون قبح التجرى ذاتيا لان التجرى على المولى قبيح ذاتا سواء كان لنفس الفعل او لكشفه عن كونه جريئا فيمتنع عروض الصفة المحسنة له وفى مقابله الانقياد لله تعالي سبحانه فانه يمتنع ان يعرض له جهة مقبحة وثانيا انه لو سلم انه لا امتناع فى ان يعرض له جهة محسنة لكنه باق على قبحه ما لم يعرض له تلك الجهة وليس مما لا يعرض له فى نفسه حسن ولا قبح إلّا بملاحظة ما يتحقق فى ضمنه وبعبارة اخرى لو سلمنا عدم كونه علة تامة للقبح كالظلم فلا شك فى كونه مقتضيا له كالكذب وليس من قبيل الافعال التي لا يدرك العقل بملاحظتها فى انفسها حسنها ولا قبحها وحينئذ فيتوقف ارتفاع قبحه علي انضمام جهة يتدارك بها قبحه كالكذب ـ

(ش) اقول ان ما اجاب به الشيخ قدس‌سره عن ما اختاره صاحب الفصول (قده) من الدعاوى الثلاثة التى ذكرت بتوضيح منا ما حاصله (اما الجواب عن الاولى) ففيه منع كون قبح التجرى بالوجوه والاعتبارات اذ الفعل الصادر بعنوان التجرى يكون بنفسه مصداقا للظلم وحكم العقل بقبح الظلم ذاتا يكون من الاحكام العقلية الضرورية وبعبارة اخرى ان الافعال باعتبار كونها حسنة او قبيحة بحكم العقل على انواع (فان منها) ما ليس فيه اقتضاء الحسن والقبح اصلا ويحتاج فى اتصافه بهما إلى عروض عنوان خارجى عليه وهذا كالمباحات فانها لا تتصف بالحسن والقبح فى حد ذواتها نعم اذا عرض لها عنوان محسن او مقبح فهى تتصف بالحسن او القبح (ومنها) ما يكون فيه اقتضاء الحسن او القبح لكن لا يمتنع ان يعرض له عنوان آخر يغيره عما هو عليه وهذا كالصدق والكذب فان الاول مقتض للحسن ما لم يكن هناك جهة اخرى كالاضرار بمؤمن كما ان الثانى فيه اقتضاء القبح وما لم يعرض له جهة محسنة كانجاء مؤمن او دفع فتنة فالصدق مع بقاء عنوانه يمكن ان يتصف بالقبح لعروض عنوان آخر كما ان الكذب مع كونه كذبا يمكن ان يتصف بالحسن لامر خارجى

ومنها ما يكون علة تامة للحسن او القبح ولا يمكن فيه الانفكاك اصلا وهذا كالعدل والظلم فانهما مع بقائهما علي عنوانهما يستحيل ان يتغيرا عما هما عليه نعم يمكن ان يكون بعض العناوين مخرجا للشىء عن كونه عدلا او ظلما كما فى ضرب اليتيم فانه ـ

٥٥

ـ المتضمن لانجاء نبي ومن المعلوم ان ترك قتل المؤمن بوصف انه مؤمن فى المثال الذى ذكره كفعله ليس من الامور التى يتصف بحسن او قبح للجهل بكونه قتل مؤمن ولذا اعترف فى كلامه بانه لو قتله كان معذورا فاذا لم يكن هذا الفعل الذى تحقق التجرى فى ضمنه مما يتصف بحسن او قبح لم يؤثر فى اقتضاء ما يقتضي القبح كما لا يؤثر فى اقتضاء ما يقتضى الحسن لو فرض امره بقتل كافر فقتل مؤمنا معتقدا كفره فانه لا اشكال فى مدحه من حيث الانقياد وعدم مزاحمة حسنه بكونه فى الواقع قتل مؤمن. ـ اذا كان بعنوان التأديب يخرج عن كونه ظلما لا انه يتصف بالحسن مع بقائه على كونه ظلما وكما فى حكم الشارع باخذ المال من الكافر الحربى فان الشارع بعد الغائه مالكيته وجعل ما يملكه هنيئا للمسلمين لا يكون الاخذ منه بالغلبة والقهر ظلما فى حقه. ولا يخفى ان عنوان التجرى على المولى وكشفه عن سوء سريرة العبد لا يمكن ان يعرض له جهة اخرى محسنة فانه كالمعصية الحقيقية فى كونه ظلما على المولى فلا يمكن اتصافه بالحسن اذ القبح فى التجرى من لوازم ذاته ويستحيل انفكاكه عنه ابدا.

واما عن الثانية ففيه انه ولو سلم امكان عروض عنوان موجب لارتفاع قبح التجرى إلّا ان المصادفة مع محبوب المولى واقعا لا يمكن ان يكون من هذا القبيل فان الامور الغير الاختيارية كما لا يمكن ان تكون معروضة للحسن او القبح فكذلك لا يمكن ان تكون من العناوين المزيلة للحسن او القبح ضرورة ان ضرب اليتيم لا للتأديب لا يمكن ان يقع حسنا ولو ترتب عليه الادب خارجا كما ان الكذب لا يرتفع عنه قبحه بمجرد مصادفته لانجاء مؤمن او دفع فتنة واقعا كما اشار الشيخ قدس‌سره الى هذا بقوله ومن المعلوم ان ترك قتل المؤمن بوصف انه مؤمن فى المثال الذى ذكره ليس ... الخ فتبين ان مصادفة مورد التجرى مع ما هو محبوب المولي واقعا لكونها خارجة عن الاختيار يستحيل كونها دافعة لقبح التجرى وموجبة لحسنه. واما عن الثالثة ففيه على فرض البناء على استحقاق المتجرى للعقاب بملاك استحقاق العاصى له فليس فى مورد العصيان الاملاك واحد للعقاب فاين عقابان حتّى ـ

٥٦

ـ يتداخلان واما البناء علي استحقاق المتجرى للعقاب بملاك آخر يخص به فى قبال ملاك استحقاق العاصى له فكيف يمكن فرض المصادفة فى صورة التجرى حتى يكون هناك ملاكان لاستحقاق العقاب فيلتزم بتداخلهما كما مرت الاشارة الى هذا والمذكور فى عبارة الشيخ (قده) صريحا فى الجواب عما فى الفصول بوجهين الاول منع كون قبح التجرى بالوجوه والاعتبار اذ العقل مستقل فى الحكم بقبح التجرى ذاتا كالحكم بقبح الظلم والجرأة على المولى قبيح ذاتا فى مقابل التذلل والانقياد فانه حسن ذاتا وبالجملة التجرى يكون علة تامة للقبح الثاني انه على فرض التسليم كون قبح التجرى بالوجوه والاعتبار ليس حاله كحال الافعال التى لا تتصف فى انفسها بحسن ولا قبح الا بعد تحقق عنوان له كضرب اليتيم بل هو مقتض بنفسه للقبح لو سلم عدم كونه علة تامة للقبح إلّا اذا عارضه جهة مصلحة كما فى الكذب النافع فلا بد من تحصيل ما يعارضه من المصلحة وهو لا يكون إلّا فعلا اختياريا لعدم اتصاف غيره بحسن ولا قبح وترك قتل المؤمن والنبي فيما ذكره من المثال ليس اختياريا فلا يتصف بحسن حتى يعارض قبح التجرى. ولا يخفى عليك انه يلزم علي ما اختاره صاحب الفصول ان يقول بحسن التجرى فى ما اذا كان الفعل المتجرى به واجبا واقعيا بحيث يكون قبح التجرى فى غاية الوهن ولا نظن ان يلتزم به لبداهة بطلانه.

٥٧

(م) ودعوى ان الفعل الذى يتحقق به التجرى وان لم يتصف فى نفسه بحسن ولا قبح لكونه مجهول العنوان لكنه لا يمتنع ان يؤثر فى قبح ما يقتضى القبح بان يرفعه إلّا ان نقول بعدم مدخلية الامور الخارجة عن القدرة فى استحقاق المدح والذم وهو محل نظر بل منع وعليه يمكن ابتناء منع الدليل العقلى السابق فى قبح التجرى مدفوعة مضافا الى الفرق بين ما نحن فيه وبين ما تقدم من الدليل العقلى كما لا يخفى على المتأمل بان العقل مستقل بقبح التجرى فى المثال المذكور ومجرد تحقق ترك قتل المؤمن فى ضمنه مع الاعتراف بان ترك القتل لا يتصف بحسن ولا قبح لا يرفع قبحه ولذا يحكم العقل بقبح الكذب وضرب اليتيم اذا انضم اليهما ما يصر فهما إلى المصلحة اذا جهل الفاعل بذلك.

(ش) اقول انه قد ذكر فيما سبق ان الافعال الغير الاختيارية لعدم اتصافها بالحسن او القبح لا يصلح للمعارضة مع قبح التجرى حتى يرفع قبحه بل لا بد من تحصيل ما يعارضه من المصلحة الاختيارية فان قلت استحالة دخل الامور الواقعية الخارجة عن الاختيار فى اتصاف الفعل بالحسن او القبح محل نظر بل منع اذ لو لم يكن الامور الخارجة عن القدرة دخيلة فى استحقاق المدح والذم فكيف يمكن ابتناء منع الدليل العقلى السابق فى قبح التجرى اى الدليل العقلى الذى كان محكيا عن المحقق السبزوارى فى قبح التجرى فان المصادفة الواقعية فى العاصى وعدم المصادفة فى المتجرى خارجتان عن الاختيار فكما ان المصادفة كانت دخيلة فى استحقاق العقاب وفى صدور القبيح منه فكذلك يمكن ان يكون الامر الغير الاختيارى فى المقام كترك قتل المؤمن والنبى فى المثال الذى ذكره مع انهما محبوبان للمولى رافعا للقبح عن التجرى هذا حاصل الدعوى الذى ذكره الشيخ قدس‌سره قلت ان هذه الدعوى مضافا الى الفرق بين المقامين مدفوعة بان قبح التجرى من المستقلات العقلية فلا يعارضه ولا يؤثر فيه الا ما كان العقل مستقلا بحسنه والامر الغير الاختيارى لا يكون كذلك فلا يستقل العقل بجواز تأثيره فى رفع ما استقل به من القبح وهو ظاهر وبيان الفرق بين هذا المقام والدليل العقلى السابق ان المستدل ـ

٥٨

ـ بالدليل السابق كان فى مقام اثبات قبح التجرى بمعنى ان التجرى هل يقتضى القبح على جهة الفعل او لا بخلاف هذا المقام فان قبح التجرى فيه مسلم بالفرض والكلام فيه فى بيان رفع المانع وان التجرى بعد اقتضائه القبح هل له رافع ام لا وبعبارة اخرى ما سبق مقام الدفع وهذا المقام مقام الرفع فعلى هذا المستحيل انما هو دخل الامور الغير الاختيارية فى كونها مزيلة ورافعة للقبح كما فى هذا المقام واما كونها موجبة لعدم تحقق القبح فلا محذور فيه لان الدفع اسهل من الرفع وهذا محصل الجواب عن الدعوى المذكورة

٥٩

(م) ثم انه ذكر هذا القائل فى بعض كلماته ان التجرى اذا صادف المعصية الواقعية تداخل عقابهما ولم يعلم معنى محصل لهذا الكلام اذ مع كون التجرى عنوانا مستقلا فى استحقاق العقاب لا وجه للتداخل ان اريد به وحدة العقاب فانه ترجيح بلا مرجح وسيجىء فى الرواية ان على الراضى اثما وعلى الداخل إثمين وان اريد به عقاب زائد علي عقاب محض التجرى فهذا ليس تداخلا لان كل فعل اجتمع فيه عنوانان من القبح يزيد عقابه على ما كان فيه احدهما.

(ش) ذكر صاحب الفصول (قده) فى بحث مقدمة الواجب فى مقام الرد على المحقق القمى (ره) وربما يستفاد من بعض كلماته فى مواضع اخرى ايضا ما حاصله انه اذا صادف الفعل المتجرى به المعصية الواقعية كان فيه ملاكان للقبح ملاك التجرى وملاك المعصية الواقعية فلا محالة يتداخل العقابان (وفيه) مع ان التجرى لا يعقل ان يجتمع مع المعصية حتى يتداخل العقابان والبحث عن هذه الجهة قد تقدم تفصيلا انه غير محصل المراد اذ لا وجه للتداخل مع كون كل واحد منهما عنوانا مستقلا للقبح وبعبارة اخرى انه بعد ما فرضه صاحب الفصول من كون التجرى عنوانا مستقلا فى استحقاق العقاب كالمعصية الواقعية لا يخلو ما ان يريد من تداخل العقاب وحدة العقاب الذى يستحق بازاء مخالفة واحدة كما هو الظاهر فحينئذ لا يخلو اما ان يكون هذا المقدار من العقاب بازاء كل من العنوانين او احدهما بعينه اولا بعينه فالاول يستلزم اجتماع علتين مستقلين على اثر واحد وهو محال وعلى الثانى يلزم الترجيح بلا مرجح والثالث غير معقول مضافا الى لزوم الغاء احدى العلتين واما ان يريد به عقابا زائدا على عقاب محض التجرى بحسب الكم او الكيف فهذا ليس تداخلا اصلا لان كل فعل اجتمع فيه عنوانان من القبح يزيد عقابه كما او كيفا على ما كان فيه احدهما. (قيل) فى بيان المراد من التداخل ما لفظه : انه يمكن ان يكون مراده من التداخل انه ينتقل حين تصادف التجرى مع المعصية نوع العقاب والعذاب الى نوع آخر اشد منه بناء على ان مراتب العقاب فى الآخرة مراتب مختلفة فى الشدة والضعف فتكون انواعا مستقلة كالحبس والضرب وغيرهما لا انها من قبيل الاقل والاكثر ـ

٦٠