درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٠٨

ثم قال ان زيادة لفظ الامر مما لا حاجة اليه لو لم يكن مخلا بالمقصود ولعل نظر من اضافه الى ان المجعول فى باب الامارات نفس الحجية والطريقية وهى من الاحكام الوضعية التى لا تتعلق بعمل المكلف ابتداء فليس فى البين عمل يمكن اشتماله على المصلحة بل لا بد وان تكون المصلحة فى نفس الامر بخلاف الاحكام التكليفية فانه لما كان الامر فيها يتعلق بعمل المكلف ابتداء فيمكن ان تكون المصلحة فى العمل هذا.

ثم اعترض عليه بانه ان قلنا بان الاحكام الوضعية منتزعة عن الاحكام التكليفية كما عليه الشيخ قدس‌سره فالحكم التكليفى الذى ينتزع عنه الحجية والطريقية لا بد وان يتعلق بعمل المكلف وذلك العمل هو الذى يشتمل على المصلحة السلوكية وان قلنا ان الاحكام الوضعية متأصلة فى الجعل كما هو الحق عندنا فالمصلحة انما تكون فى المجعول لا فى نفس الجعل بديهة ان النجاسة او الطهارة المجعولة هى التى على المفسدة والمصلحة لا ان المصلحة فى نفس جعل النجاسة والطهارة وكذا الحال فى سائر الاحكام الوضعية فالانصاف ان اضافة لفظ الامر فى العبارة كان بلا سبب بل لعله مخل بما هو المقصود من كون المصلحة فى السلوك وتطبيق العمل على المؤدى انتهى كلامه.

٢٤١

تنبيه فى بطلان التصويب

قد تقدمت الاشارة من اقسام التصويب الى ثلاثة منها احدها التصويب الاشعري وهو ان لا يكون مع قطع النظر عن قيام الامارة حكم اصلا بل يكون قيامها سببا لحدوث مصلحة فى المؤدى مستتبعة لثبوت الحكم على طبقها فبناء على هذا المسلك الاحكام الواقعية مختصة بالعالمين بها وليس فى حق الجاهل حكم اصلا.

ثانيها التصويب المعتزلي وهو ان تكون الامارة سببا لحدوث مصلحة فى المؤدى ايضا بشرط ان تكون اقوى من مصلحة الواقع بحيث يكون الحكم الفعلى فى حق من قامت عنده الامارة هو مؤداها وان كان فى الواقع احكام يشترك فيها العالم والجاهل على طبق المصالح والمفاسد النفس الامرية إلّا ان قيام الامارة علي الخلاف يكون من قبيل الطوارى والعوارض وهذا التصويب وان كان امرا معقولا وليس كالتصويب الاول لكنه ايضا باطل.

وثالثها التصويب على مسلك بعض العدلية وهو الالتزام بالمصلحة السلوكية بمعنى ان يكون قيام الامارة سببا لحدوث مصلحة فى نفس السلوك بلا تأثير على المصلحة الواقعية او استلزامه تبدل الموضوع فما يفوت من المصلحة الواقعية يكون متداركا بالمصلحة السلوكية وهذا القسم كان موردا للخلاف والبحث فالحق ان هذا ليس من التصويب بل من وجوه الرد عليه.

ثم انهم قد استدلوا على بطلان التصويب بوجوه ثلاثة الاول الدور وبيان ذلك ان قيام الامارة على الحكم فرع ثبوته ولو توقف ثبوته على قيامها لدار وهذا المحذور فى القسم الاول فقط من اقسام التصويب اعني التصويب الاشعري الثانى الاجماع ظاهرا على التخطئة ومعذورية المخطى الثالث تواتر الاخبار بالتواتر الاجمالى او المعنوى على اشتراك الاحكام بين العالم والجاهل ومن قامت عنده الامارة او لم تقم وكل من هذين الدليلين الاخيرين يجرى فى القسم الاول والثانى منها واما الثالث فلو كان مرجعه هو الوجه الثانى كان مثله فى البطلان والفساد وإلّا فلا يجرى فيه المحاذير المذكورة.

٢٤٢

(م) ثم ان استمر هذا الحكم الظاهرى اعنى الترخيص فى ترك الظهر الى آخر وقتها وجب كون الحكم الظاهرى بكون ما فعله فى اول الوقت هو الواقع المستلزم لفوات الواقع على المكلف مشتملا على مصلحة يتدارك بها ما فات لاجله من مصلحة الظهر لئلا يلزم تفويت الواجب الواقعى على المكلف مع التمكن من اتيانه بتحصيل العلم به وان لم يستمر بل علم بوجوب الظهر فى المستقبل بطل وجوب العمل على طبق وجوب صلاة الجمعة واقعا ووجب العمل على طبق عدم وجوبه فى نفس الامر من اول الامر لان المفروض عدم حدوث الوجوب النفس الامرى وانما عمل على طبقه ما دامت امارة الوجوب قائمة فاذا فقدت بانكشاف وجوب الظهر وعدم وجوب الجمعة وجب حينئذ ترتيب ما هو كبرى لهذا المعلوم اعنى وجوب الاتيان بالظهر ونقض آثار وجوب صلاة الجمعة الا ما فات منها فقد تقدم ان مفسدة فواته متداركة بالحكم الظاهرى المتحقق فى زمان الفوت فلو فرضنا العلم بعد خروج وقت الظهر فقد تقدم ان حكم الشارع بالعمل بمؤدى الامارة اللازم منه ترخيص ترك الظهر فى الجزء الاخير لا بد ان يكون لمصلحة يتدارك بها مفسدة ترك الظهر.

(ش) حاصل ما افاده انه اذا قامت الامارة على وجوب صلاة الجمعة وكان الواجب فى الواقع هو الظهر واتي بالجمعة فى اول الوقت فان استمر هذا الحكم الظاهرى اعنى الرخصة فى ترك الظهر الى آخر وقتها وجب كون صلاة الجمعة مشتملة علي مصلحة يتدارك بها ما فات من مصلحة الظهر لئلا يلزم تفويت الواجب الواقعى مع التمكن من تحصيل العلم به وان لم يستمر بل انكشف وجوب الظهر قبل خروج وقتها وجب كون ما اتى به من صلاة الجمعة مشتملا على مصلحة يتدارك بها ما يفوت من مصلحة الاتيان بالظهر مع نوافلها فى اول وقتها لا اصل مصلحة الظهر لفرض امكان ادراكها بالاتيان بالظهر فى وقتها وان انكشف وجوب الظهر بعد خروج وقتها وجب اشتمال صلاة الجمعة التى اتى بها فى وقتها على مصلحة يتدارك بها مصلحة اداء الظهر وما يتعلق به لا كلية مصلحة الظهر لما عرفت من امكان ادراكها فى الجملة بقضائها.

٢٤٣

(م) ثم ان قلنا ان القضاء فرع صدق الفوت المتوقف على فوات الواجب من حيث ان فيه مصلحة لم يجب فيما نحن فيه لان الواجب وان ترك إلّا ان مصلحته متداركة فلا يصدق على هذا الترك الفوت وان قلنا انه متفرع على مجرد ترك الواجب وجب هنا لفرض العلم بترك صلاة الظهر مع وجوبها عليه واقعا إلّا ان يقال ان غاية ما يلتزم فى المقام هي المصلحة فى معذورية الجاهل مع تمكنه من العلم ولو كانت لتسهيل الامر على المكلفين ولا ينافى ذلك صدق الفوت فافهم

(ش) اقول قد وقع الخلاف بينهم فى ان القضاء هل هو فرع صدق الفوت المتوقف على فوات الواجب من حيث ان فيه مصلحة حتى لا يكون القضاء واجبا او انه متفرع على مجرد ترك الواجب حتى يكون القضاء واجبا فذهب الى كل فريق قوله إلّا ان يقال ان غاية ما يلتزم فى المقام هذا الاستثناء لاثبات وجوب القضاء والاعادة مطلقا وان قلنا ان القضاء متوقف على صدق الفوت المتوقف علي فوات الواجب من حيث ان فيه مصلحة فان عدم صدق الفوت موقوف على كون مصلحته الفائتة متداركة بمصلحة اخرى ومصلحة التسهيل ليست مصلحة يتدارك بها ما فات من مصلحة الواقع بل هى مصلحة لتصحيح المعذورية والجعل فقط. بيانه ان المصلحة الملزمة فى المقام اعني مصلحة التسهيل لا يلزم ان تكون راجعة الى اشخاص المكلفين فى اشخاص الوقائع بل يمكن ان تكون راجعة الى نوع المكلفين او الى اشخاصهم لا فى اشخاص الوقائع التى اتفقت مخالفة عملهم بالامارة للواقع بل فى الوقائع الأخر فربما فاتت المصلحة فى الموارد الشخصية من غير ان يحصل لهم فيها شيء فالتدارك لم يحصل حقيقة.

٢٤٤

(م) ثم ان هذا كله على ما اخترناه من عدم اقتضاء الامر الظاهرى للاجزاء واضح واما على القول باقتضائه له فقد يشكل الفرق بينه وبين القول بالتصويب وظاهر شيخنا فى تمهيد القواعد استلزام القول بالتخطئة لعدم الاجزاء قال قدس‌سره من فروع مسئلة التصويب والتخطئة لزوم الاعادة للصلاة بظن القبلة وعدمه وان كان فى تمثيله لذلك بالموضوعات محل نظر.

(ش) يعنى ان ما ذكرناه من القول بوجوب القضاء وهل هو فرع صدق الفوت المتوقف على فوات الواجب من حيث ان فيه مصلحة او انه متفرع على مجرد ترك الواجب مبنى على عدم اقتضاء الامر الظاهرى للاجزاء كما اختاره الشيخ قدس‌سره فى مسئلة الاجزاء حيث انهم اختلفوا فى ان الامر الظاهرى هل يقتضي الاجزاء بمعنى ان الاتيان بمقتضاه هل يجزى عن الواقع اولا على قولين واستدل على الاول بان الحاكم بالامر الظاهرى هو الشرع ومن الواضح ان احكام الشرع تابعة للمصالح والمفاسد فاذا امر بالعمل بمقتضى اصل او امارة مما احتمل مخالفة الواقع كالصلاة باستصحاب الطهارة مثلا وجب ان يكون فيه مصلحة مثل مصلحة الواقع او غالبة عليها وإلّا لزم تفويت المصلحة على المكلف واذا ثبت ان فيه مصلحة الواقع ثبت سقوط الواقع بفعله اذ ليس المقصود من الواقع الا ادراك المصلحة وقد ادركها فيكون الامر باتيان الواقع مقيدا ومتعلقا بمن ليس له امر ظاهرى واما بالنسبة اليه فيكون تخييريا لادراك المصلحة بكل منهما.

واما على القول بان الامر الظاهرى يقتضى الاجزاء فقد يشكل الفرق بينه وبين القول بالتصويب ووجه الاشكال انه يكون العمل بالامارة فى هذا الفرض فى قبال الواقع وعرضه اذ كما ان الاتيان بالواقع مع العلم به مجز فكذلك العمل بالامارة مع الجهل بالواقع مجز مطلقا سواء ظهر كشف المخالفة ام لا ولازم ذلك الالتزام بوجود المصلحة التى يتدارك بها مفسدة فوت الواقع مطلقا فحينئذ لا يكون الفرق بين هذا القول والقول بالتصويب بحسب النتيجة وظاهر الشهيد الثانى فى تمهيد القواعد هو عدم الاجزاء على القول بالتخطئة فانه قال من فروع مسئلة التصويب والتخطئة لزوم الاعادة للصلاة بظن القبلة ـ

٢٤٥

ـ وعدمه ومراده لو قلنا بالتصويب فلا يلزم اعادة الصلاة لمن صلى الى جهة يظن كونها قبلة بخلاف القول بالتخطئة. ولا يخفى ان للمحقق الهمدانى فى دفع هذا الاشكال بحثا نفيسا حيث قال ان الاستشكال بعدم الفرق بينه وبين القول بالتصويب انما هو فى بادئ الرأى وإلّا فالقول بالاجزاء يناقض التصويب كما سيشير اليه المصنف (قده) لان القائل بالاجزاء ملتزم بكون الواقع باقيا على وجوبه ولكن يزعم ان ما ادى اليه نظر المكلف بالنظر الى الادلة الشرعية او بحسب اعتقاده ايضا يقوم مقام الواقع فى اسقاط ذلك التكليف بمعنى ان الشارع يقبله بدلا عن الواقع اما تفضلا او لكون اعتقاده او قيام الطريق عليه من الجهات الموجبة لافادته فائدة المأمور به فيسقط او امرها بفعل ما ادى اليه نظره لحصول الغرض فاين هذا من التصويب الذى هو عبارة عن تبدل امره الواقعى بالامر الظاهرى والحاصل انه فرق بين تبدل الامر الواقعى بالظاهرى بواسطة الجهة العارضة وبين اقتضاء الجهة لمعارضة قيام هذا الشيء مقام الواقع فى اسقاط طلبه فعلى الاول لو اتى بالواقع لا يجديه فى اسقاط ما هو واجب عليه بالفعل بخلاف الثانى وعلى الثانى لو ترك الواقع ولم يمتثل الامر الظاهرى ايضا لكانت ذمته مشغولة بالواقع وعلى الاول لا واقع امر ما كان مكلفا به فى الظاهر.

قوله وان كان فى تمثيله لذلك بالموضوعات محل نظر ووجهه ان النزاع بينهم فى التصويب والتخطئة انما هو فى غير الموضوعات الخارجية اما فيها فالجميع مخطئة حتى من القائلين بالتصويب فى الاحكام.

٢٤٦

(م) فعلم من ذلك ان ما ذكره من وجوب كون فعل الجمعة مشتملا على مصلحة يتدارك بها مفسدة ترك الواجب ومعه يسقط عن الوجوب ممنوع لان فعل الجمعة قد لا يستلزم إلّا ترك الظهر فى بعض اجزاء وقته فالعمل على الامارة معناه الاذن فى الدخول فيها على قصد الوجوب والدخول فى التطوع بعد فعلها نعم يجب فى الحكم بجواز فعل النافلة اشتماله على مصلحة يتدارك بها مفسدة فعل التطوع فى وقت الفريضة لو اشتمل دليله الفريضة الواقعية المأذون فى تركها ظاهرا وإلّا كان جواز التطوع فى تلك الحال حكما واقعيا لا ظاهريا واما قولك انه مع تدارك المفسدة بمصلحة الحكم الظاهرى يسقط الوجوب فممنوع ايضا اذ قد يترتب على وجوبه واقعا حكم شرعي وان تدارك مفسدة تركه بمصلحة فعل آخر كوجوب قضائه اذا علم بعد خروج الوقت بوجوبه واقعا وبالجملة فحال الامر بالعمل بالامارة القائمة علي حكم شرعى حال الامر بالعمل على الامارة القائمة على الموضوع الخارجى كحياة زيد وموت عمرو فكما ان الامر بالعمل بالامارة فى الموضوعات لا يوجب جعل نفس الموضوع وانما يوجب جعل احكامه فيترتب عليه الحكم ما دامت الامارة قائمة عليه فاذا فقدت الامارة وحصل العلم بعدم ذلك الموضوع ترتب عليه فى المستقبل جميع احكام عدم ذلك الموضوع من اول الامر فكذلك الامر بالعمل على الامارة القائمة على الحكم.

(ش) اقول قد عرفت فيما سبق اتفاق الفريقين على التخطئة فى الموضوعات وان الامارة القائمة عليها لا توجب جعلها من جهة استحالة تعلق الجعل بها وان مرجع حجية الامارة القائمة عليها هو ترتيب احكامها على مؤداها ظاهرا ما دامت قائمة ببقاء جهل من قامت عنده الامارة على الموضوع وان مآل الامر بالعمل بالامارة القائمة على الاحكام الشرعية ايضا على مذهب المخطئة الى وجوب الالتزام بها وبآثارها فى الظاهر بحيث لا يوجب قيام الامارة تأثيرا فى الاحكام الواقعية اصلا فلا اشكال اذا فيما افاده قدس‌سره وان كان هنا فرق واضح بين مورد الامارة فى المقامين فان الموضوع الخارجي ليس مجعولا ويستحيل تعلق الجعل بها بخلاف الحكم الشرعى فانه يستحيل وجوده بدون الجعل واقعيا كان او ظاهريا إلّا ان جعل الحكم الواقعي الذى يحكى عنه الامارة سابق على جعل الحكم الظاهرى ويستحيل جعله بنفس الامر بالعمل بالامارة القائمة عليه على ما عرفت فيما سبق هذا

٢٤٧

(م) وحاصل الكلام ثبوت الفرق الواضح بين جعل مدلول الامارة حكما واقعيا والحكم بتحققه واقعا عند قيام الامارة وبين الحكم واقعا بتطبيق العمل على الحكم الواقعى المدلول عليه بالامارة كالحكم واقعا بتطبيق العمل على طبق الموضوع الخارجى الذى قامت عليه الامارة واما توهم ان مرجع تدارك مفسدة مخالفة الحكم الواقعى بالمصلحة الثابتة فى العمل على طبق مؤدى الامارة الى التصويب الباطل نظرا الى خلو الحكم الواقعى ح عن المصلحة الملزمة التى تكون فى قوتها المفسدة ففيه منع كون هذا تصويبا كيف والمصوبة يمنعون حكم الله فى الواقع فلا يعقل عندهم ايجاب العمل بما جعل طريقا اليه والتعبد به بترتيب آثاره فى المطلوب بل التحقيق عدّ مثل هذا من وجوه الرد على المصوبة.

(ش) حاصله لما كان الحكم الظاهرى ايضا له واقعية فى حياله لان ثبوت كل محمول لما هو الموضوع له على تقدير الثبوت والتحقق لا يمكن ان يكون ظاهريا الا بظاهرية اصل ثبوته وإلّا فقول الشارع يجب تطبيق العمل علي مقتضى قول العادل كقوله عليه‌السلام يجب الاجتناب عن الخمر له واقعية لا يمكن الفرق بينهما من هذه الجهة إلّا انه قد اخذ فى احدهما الجهل بحكم آخر فسمى ظاهريا فى الاصطلاح ولم يؤخذ فى الآخر ذلك فسمى واقعيا فى الاصطلاح بقول مطلق ومن هنا ذكر الشيخ قدس‌سره فى حاصل الفرق بين جعل الامارة على الوجهين الاولين والوجه الاخير ان مرجع الوجهين الاولين الى جعل مذلول الامارة حكما واقعيا بحيث ما كان فى حق الجاهل غير مؤدى الامارة حكم اصلا ومرجع الوجه الاخير الى جعل وجوب تطبيق العمل بمقتضى الامارة وترتيب آثار الحكم عليه فى الواقع ما دامت الامارة قائمة قوله واما توهم ان مرجع تدارك الخ قد عرفت ان الحكم الواقعى على الوجه الثالث موجود على الاطلاق كما ان مصلحته باقية كذلك والتدارك المفروض بمصلحة جعل الامارة التى قد عرفتها من كونها للتسهيل على العباد لا ينافى وجود المصلحة الملزمة بل يلازم وجودها على ما عرفت تفصيل القول فيه هذا ملخص ما افيد فى المقام.

٢٤٨

(م) واماما ذكر من ان الحكم الواقعى اذا كان مفسدة مخالفته متداركة بمصلحة الفعل على طبق الامارة فلو بقى فى الواقع كان حكما بلا صفة وإلّا ثبت انتفاء الحكم فى الواقع وبعبارة اخرى اذا فرضنا الشيء فى الواقع واجبا وقامت امارة على تحريمه فان لم يحرم ذلك الفعل لم يجب العمل بالامارة وان حرم فان بقى الوجوب لزم اجتماع الحكمين المتضادين وان انتفى ثبت انتفاء الحكم الواقعى ففيه ان المراد بالحكم الواقعي الذى يلزم بقائه هو الحكم المتعين المتعلق بالعباد الذى يحكى عنه الامارة ويتعلق به العلم والظن وامر السفراء بتبليغه وان لم يجب امتثاله فعلا فى حق من قامت امارة على خلافه إلّا انه يكفى فى كونه الحكم الواقعى انه لا يعذر فيه اذا كان عالما به او جاهلا مقصرا والرخصة فى تركه عقلا كما فى الجاهل القاصر او شرعا كمن قامت عنده امارة معتبرة على خلافه ومما ذكرنا يظهر حال الامارة على الموضوعات الخارجية فانها من القسم الثالث والحاصل ان المراد بالحكم الواقعى هو مدلولات الخطابات الواقعية الغير المقيدة بعلم المكلفين ولا بعدم قيام الامارة على خلافها ولها آثار عقلية وشرعية يترتب عليها عند العلم بها او قيام امارة حكم الشارع بوجوب البناء على كون مؤداها هو الواقع نعم هذه ليست احكاما فعلية بمجرد وجودها الواقعى.

(ش) حاصله اذا فرضنا الشيء فى الواقع واجبا وقامت امارة على تحريمه فان لم يحرم ذلك الفعل لم يجب العمل بالامارة وان حرم فان بقى الوجوب لزم اجتماع الحكمين المتضادين وان انتفى ثبت انتفاء الحكم الواقعى. ففيه انا نختار بقاء الوجوب واقعا مع كون الفعل حراما فى الظاهر ومنع التضاد بينهما فان الاحكام الشرعية وان كانت متضادة باسرها فيستحيل اجتماعها إلّا ان التضاد انما هو بين الاحكام الفعلية لا الواقعية مع الفعلية والحاصل ان المراد بالحكم الواقعى هو مدلولات الخطابات الواقعية الغير المقيدة بعلم المكلفين ولا بعدم قيام الامارة على خلافها وهذه ليست احكاما فعلية بمجرد وجودها الواقعى وبالجملة ان ما يظهر من كلام الشيخ قدس‌سره فى هذا المبحث فى الجمع بين الاحكام الواقعية والظاهرية حمل الاحكام الواقعية على الانشائية والاحكام الظاهرية على الفعلية فلا يلزم المحذور المدعى وفى هذا المقام بحث نفيس لا يسعه هذا المختصر.

٢٤٩

(م) وتلخص من جميع ما ذكرنا ان ما ذكره ابن قبة من استحالة التعبد بخبر الواحد او بمطلق الامارة الغير العلمية ممنوع على اطلاقه وانما يقبح اذا ورد التعبد على بعض الوجوه كما تقدم تفصيل ذلك ثم انه ربما ينتسب الى بعض ايجاب التعبد بخبر الواحد او بمطلق الامارة على الله تعالي بمعنى قبح تركه منه فى مقابل قول ابن قبة فان اريد به وجوب امضاء حكم العقل بالعمل به عند عدم التمكن من العلم وبقاء التكليف فحسن وان اراد وجوب الجعل بالخصوص فى حال الانسداد فممنوع اذ جعل الطريق بعد انسداد باب العلم انما يجب عليه اذا لم يكن هناك طريق عقلى وهو الظن إلّا ان يكون لبعض الظنون فى نظره خصوصية وان اراد حكم صورة الانفتاح فان اراد وجوب التعبد العينى فهو غلط ـ

(ش) حاصل ما افاده ان ما ادعاه ابن قبة من استحالة التعبد بخبر الواحد كما هو مقتضى الدليل الاول فيما سبق ذكره منه او بمطلق الامارة الغير العلمية هذا بالنظر الى الدليل الثانى اعني كونه موجبا لتحليل الحرام وتحريم الحلال ممنوع على اطلاقه وانما يقبح اذا ورد التعبد على بعض الوجوه اعنى التعبد بالامارة مع انفتاح باب العلم بدون تدارك المصلحة على تقدير المخالفة كما تقدم تفصيل ذلك فلا حاجة الى الاعادة.

ثم انه ربما ينتسب الى القفال وابن شريح وابى الحسين البصرى من العامة على ما حكى ايجاب التعبد بخبر الواحد او بمطلق الامارة علي الله تعالى فى مقابل قول ابن قبة ومستندهم على ذلك وجهان احدهما ان ترك العمل بخبر الواحد كان مظنة للضرر ودفع الضرر المظنون لازم عقلي وثانيهما انه لو لم يجب العمل بخبر الواحد لزم خلو اكثر الوقائع عن الحكم واللازم قبيح والمقدم مثله ولا يخفى ان عنوان كلامهم ولو كان فى خصوص خبر الواحد لكن ظاهر الدليلين المذكورين هو العموم والجواب اما عن الاول فبأنه ان اريد اثبات ذلك حيث يعلم بقاء التكليف وانسداد باب العلم وغير ذلك من مقدمات دليل الانسداد فهو حسن على ما ظنه المشهور من انتاجها حجية الظن بحكم العقل إلّا ان ذلك خروج عن محل البحث لان الكلام فى صورة الانفتاح وان اريد اثبات ذلك على الاطلاق ففساده ابين من ان يبين واما الجواب عن الثانى فبأنه اذا لم يكن فى الشرع دليل على حكم الوقائع وجب تبقيتها على مقتضى العقل من الحظر او الاباحة او الوقف ولا يحتاج ـ

٢٥٠

ـ لجواز تحصيل العلم معه قطعا وان اراد وجوب التعبد به تخييرا فهو مما لا يدركه العقل اذ لا يعلم العقل بوجود مصلحة يتدارك بها مصلحة الواقع التى تفوت بالعمل بالامارة اللهم إلّا ان يكون فى تحصيل العلم حرج يلزم فى العقل رفع ايجابه بنصب امارة هى اقرب من غيرها الى الواقع او اصح فى نظر الشارع من غيره فى مقام البدلية عن الواقع وإلّا فيكفى امضائه للعمل بمطلق الظن كصورة الانسداد ثم اذا تبين عدم استحالة تعبد الشارع بغير العلم وعدم القبح فيه ولا فى تركه ـ الى خبر الواحد قوله إلّا ان يكون لبعض الظنون فى نظره خصوصية ووجه الخصوصية اما لكونه دائم المطابقة او اغلب مطابقة من الظنون الأخر او لكون المصلحة فيه اتم يجب عليه تعالى جعله بشرط ان يكون الظن الواجد للخصوصية المذكورة بقدر الكفاية فى الفقه وإلّا فلا يجب عليه تعالى جعله فالاولى ذكر هذا الشرط قوله بنصب امارة هى اقرب من غيرها الخ الترديد بين الوجهين مبنى على الوجهين فى حجية الامارة انها من باب الطريقية وملاحظة الواقع او من باب السببية والموضوعية وعلى الاول يلزم على الشارع نصب امارة هى اقرب من غيرها الى الواقع ان وجدت وعلى الثانى يلزم نصب امارة هى اصح من غيرها فى مقام البدلية عن الواقع ان وجدت ايضا وان لم توجد الامارة الكذائية اصلا فلا يجب على الشارع شيء بل يكفى امضائه لمطلق الظن كما فى صورة الانسداد هذا محصل ما افيد فى هذا المقام.

٢٥١

(م) فيقع الكلام فى المقام الثانى فى وقوع التعبد به فى الاحكام الشرعية مطلقا او فى الجملة وقبل الخوض فى ذلك لا بد من تأسيس الاصل الذى يكون عليه المعول عند عدم الدليل على وقوع التعبد بغير العلم مطلقا لو فى الجملة.

(ش) اقول انه قد تقدم البحث عن امكان التعبد بغير العلم وعرفت انه لا محذور فيه لا ملاكا ولا خطابا وبقى الكلام فى المقام الثاني وهو وقوع التعبد به بعد الفراغ عن اصل امكانه فى الاحكام الشرعية مطلقا اى جميع افراد الامارة الغير العلمية او فى الجملة اى بعضها والبحث فى هذا المقام عن جهات :

الاولى فيما يقتضيه الاصل مطلقا عند الشك فى حجية شىء

الثانية فى صحة ردع الشارع عن العمل بما لم يعلم حجيته الثالثة فى صحة التمسك بالعمومات فى ذلك الرابعة فى امكان التمسك باستصحاب عدم الحجية الخامسة فى ما وقع التعبد بحجيته. اما الجهة الاولى فقد افاد الشيخ (ره) ان مقتضى الاصل هو حرمة التعبد بما لم يحرز حجيته من قبل الشارع لانه من التشريع بالادلة الاربعة التى يأتى تفصيلها واورد عليه صاحب الكفاية بما حاصله ان التعبد بحجية شيء غير ملازم للتشريع لان اسناد مؤدى الحجة الى المولى ليس من الآثار المترتبة على حجيته اذ يمكن ان يكون شيء حجة ولا يصح اسناد مؤداه الى الشارع كالظن على الحكومة وهكذا العكس إلّا انه مجرد فرض لا واقع له وفيه ان اطلاق الحجة على الظن على الحكومة مسامحة اذ الحجة ما يقع وسطا فى مقام الاثبات ومعنى حجية الظن على الحكومة ليست إلا حكم العقل بالتبعيض فى الاحتياط بعد تمامية تلك المقدمات بالاخذ بالمظنونات دون الموهومات فتبين ان حجية الشيء ملازمة لصحة الاستناد واسناد المؤدى الى المولى بل هى من آثارها كما فى العلم الوجداني فافهم.

الجهة الثانية بعد حكم العقل بعدم حجية ما لم يحرز التعبد بحجيته انه يصح للشارع المنع عن العمل به ولا يلزم منه اللغوية وبيان ذلك ان موضوع حكم العقل انما هو الشك فى حجية الشىء وبالتعبد بالمنع يقطع بعدم الحجية فيخرج عن ـ

٢٥٢

ـ موضوع حكم العقل ولذا ورد الردع عن العمل بالقياس فالحكم العقلى لا يمنع من التعبد المولوى.

الجهة الثالثة فى بيان صحة التمسك بعمومات الادلة المانعة من العمل بغير العلم لاثبات حرمة العمل بمشكوك الحجية وتقريبه على ما يظهر من كلام الشيخ (ره) هو ان نسبة ادلة الحجية الى الادلة المانعة نسبة المخصص إلى العام فالشك فى حجية شيء يكون شكافى التخصيص والمحكم فيه عموم العام.

الجهة الرابعة فى امكان التمسك بالاصل العملى وهو استصحاب عدم الحجية وهذا البحث مبنى على الفراغ عن جريان الاستصحاب فى عدم التكليف فى نفسه كما هو المختار عند البعض واما بناء على عدم جريان الاستصحاب فى الاحكام الكلية الانشائية مطلقا فلا معنى للبحث عنه فى خصوص المقام فان الأمر فى جميع موارد الشك فى الجعل من واد واحد.

الجهة الخامسة ما وقع التعبد به من الامارات امور ويأتى تفصيله عن قريب إن شاء الله تعالى وهذه الجهات المذكورة ملخص ما افاده بعض الاعلام واذا تبين لك هذه الامور فاعلم ان العمدة فى المقام هو تأسيس الاصل عند الشك فى التعبد بالامارة الذى يكون عليه المعول عند عدم الدليل على وقوع التعبد بغير العلم مطلقا او فى الجملة.

٢٥٣

(م) فنقول التعبد بالظن الذى لم يدل على التعبد به دليل ، محرم بالادلة الاربعة ويكفى من الكتاب قوله تعالى :

(قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) ذل على ان ما ليس باذن من الله تعالى من اسناد الحكم الى الشارع فهو افتراء ومن السنة قوله عليه‌السلام فى عداد القضاة من اهل النار ورجل قضى بالحق وهو لا يعلم ومن الاجماع ما ادعاه الفريد البهبهانى فى بعض رسائله من كون عدم الجواز بديهيا عند العوام فضلا عن العلماء ومن العقل تقبيح العقلاء من يتكلف من قبل مولاه بما لا يعلم بوروده عن المولى ولو كان عن جهل مع التقصير نعم قد يتوهم متوهم ان الاحتياط من هذا القبيل وهو غلط واضح اذ فرق بين الالتزام بشيء من قبل المولى على انه منه مع عدم العلم بانه منه وبين الالتزام باتيانه لاحتمال كونه منه او رجاء كونه منه وشتان ما بينهما لان العقل يستقل بقبح الاول وحسن الثانى.

(ش) حاصل ما افاده (ره) انه لا ينبغى التأمل والاشكال فى ان الاصل يقتضى حرمة التعبد بكل امارة لم يعلم التعبد بها من قبل الشارع بالادلة الاربعة ويدل علي ذلك من الكتاب قوله تعالى : (قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) ان الآية الشريفة وردت فى ذم اليهود وتوبيخهم وتقريب الاستدلال من الآية بناء على شمول الافتراء لمطلق اسناد الشيء اليه تعالي ولو مع عدم العلم بانه منه تعالى لا خصوص ما علم انه ليس منه كما قال به البعض فتدل الآية على ان كل ما لم يؤذن فيه فهو افتراء.

وقد ادعى بعض ان مائة آية من كتاب الله تعالى وخمسمائة من الاخبار تدل على حرمة العمل بالظن باحدى الدلالات الثلاث ونقل عن بعضهم مأتا آية من كتاب الله جل شأنه.

ومن السنة قول الصادق عليه الصلاة والسلام رواه محمّد بن خالد مرفوعا اليه عليه‌السلام قال عليه‌السلام القضاة اربعة ثلاثة فى النار وواحد فى الجنة : رجل قضى بجور وهو يعلم به فهو فى النار ورجل قضى بجور وهو لا يعلم انه قضى بجور فهو فى النار ورجل قضى بالحق ـ

٢٥٤

ـ وهو لا يعلم فهو فى النار ورجل قضى بالحق وهو يعلم فهو فى الجنة فتقريب الاستدلال من الرواية انها تدل على حرمة التشريع فى الواقع مع عدم العلم لا من جهة تفويت الواقع لكون المفروض فيها قضائه بالحق وبعبارة اخرى انها للتوبيخ لاجل القضاء بما لا يعلم لا لاجل التصدى للقضاء مع عدم كونه اهلاله من جهة كونه غير واجد لملكة الاجتهاد. ومن الاجماع ما ادعاه الوحيد البهبهانى (قده) حيث قال الاصل عدم حجية الظن وهو محل اتفاق جميع ارباب المعقول والمنقول وفى موضع من فوائده العمل بالظن حرام اجماعا للادلة الكثيرة الواضحة وفى موضع آخر ايضا اجماع جميع المسلمين على ان الظن فى نفسه ليس حجة فحاصل كلامه ان حرمة العمل بما لا يعلم من البديهيات عند العوام فضلا عن الخواص انتهى ولا يخفى انه ليس مقصود الشيخ (قده) التمسك بالاجماع المنقول مع انه لا يفيد إلّا الظن وسيجىء منه الحكم بعدم حجيته بل مقصوده ادعاء الاجماع المحصل وانه قد بلغ المسألة فى الوضوح الى ان ادعى الفريد البهبهانى الاجماع وكفى به ناقلا كون المسألة بديهية عند العوام فضلا عن الخواص ومن العقل تقبيح العقلاء من يجعل تكليفه ما لا يعلم بوروده من المولى ويعتقده ويتدين به ولو كان جاهلا مقصر او ربما يقرر دليل العقل على ما قيل بوجه آخر وهو ان العقل مستقل فى ايجاب دفع الضرر عن النفس خصوصا الضرر الاخروى ولكونه اهم لا بد من تحصيل المؤمّن منه فلا يحصل ذلك بمجرد الظن لقيام الاحتمال الباعث على الخوف مع ان الاخذ بطريق الظن مما يغلب فيه عدم الانطباق فلا يؤمن مع الاخذ به من ترتب الضرر قوله نعم قد يتوهم متوهم ان الاحتياط من هذا القبيل الخ اقول انه قد وقع فى هذا الوهم جماعة وهو فى غاية الضعف والسقوط لان الاحتياط رافع لموضوع التشريع وضد له فكيف يمكن ان يصير من افراده فالعمل بالظن اذا كان على وجه الاحتياط لا يعقل ان يكون تشريعا وبعبارة اوضح ان موضوعى الاحتياط والتشريع متباينان لا يجتمعان ابدا لان التشريع هو التعبد بغير العلم والاستناد اليه وجعل مدلوله حكم الله تعالى بخلاف الاحتياط فانه فعل شىء او تركه لرجاء ان يكون فى الواقع واجبا او حراما كذلك وبالجملة ان موضوع التشريع يرتفع بالاحتياط نعم اذا احتمل الحرمة الذاتية لا مساغ للاحتياط وذلك واضح.

٢٥٥

(م) والحاصل ان المحرم هو العمل بغير العلم متعبدا به ومتدينا به واما العمل به من دون تعبد بمقتضاه فان كان لرجاء ادراك الواقع فهو حسن ما لم يعارضه احتياط آخر ولم يثبت من دليل آخر وجوب العمل على خلافه كما لو ظن الوجوب واقتضى الاستصحاب الحرمة فان الاتيان بالفعل محرم وان لم يكن على وجه التعبد بوجوبه والتدين به وان كان لرجاء ادراك الواقع فان لزم منه طرح اصل دل الدليل على وجوب الاخذ به حتى يعلم خلافه كان محرما ايضا لان فيه طرحا للاصل الواجب العمل كما فيما ذكر من مثال كون الظن ـ

(ش) حاصل ما افاده (ره) ان العمل بغير العلم علي وجوه ثلاثة :

الاول الاستناد اليه وجعل مدلوله هو حكم الله تعالى وترتيب آثار الواقع عليه وهذا كما يتصور فيما اذا كان الظن حجة من قبل الشرع كذلك يتصور فيما اذا كان حجة من باب العقل كما اذا قلنا بحكم العقل فى زمان الانسداد بوجوب العمل بالظن فان العقل علي الفرض المذكور يحكم بكون حكم الله الظاهرى هو وجوب العمل بالمظنون وترتيب آثار الواقع عليه لكونه اقرب الى الواقع من الوهم ففيه ايضا استناد والتزام بان المظنون حكم الله تعالى

الثانى العمل بالظن بدون التعبد والاستناد لكن بعنوان الاحتياط ورجاء ادراك الواقع

الثالث العمل به بدون التعبد والاستناد لكن بدون عنوان الاحتياط والرجاء واذا تبين هذه الامور الثلاثة فنقول اما العمل بالظن على الوجه الاول فهو حرام مطلقا لما ذكر من قيام الادلة الاربعة على الحرمة واما العمل به على الوجه الثانى والثالث فان لزم منه طرح اصل او دليل واجب العمل حرم العمل به مطلقا على ما يستفاد من كلام المصنف فى هذا المقام قوله ما لم يعارضه احتياط آخر والاحتياط هنا بمعنى احتمال طرف الزامى آخر مقابل له كما اذا دار الامر بين الوجوب والحرمة وإلّا فالاحتياط بمعنى احراز الواقع على سبيل البت لا يتصور فيه التعارض وان شئت قلت ان الاحتياط المصطلح لا يتحقق فيما اذا دار الامر بين المحذورين سواء دل دليل آخر على وجوب العمل بخلافه كما لو ظن الوجوب واقتضى الاستصحاب او دليل اجتهادى آخر الحرمة اولا ولذا جعل ـ

٢٥٦

ـ بالوجوب على خلاف استصحاب التحريم وان لم يلزم منه ذلك جاز العمل كما لو ظن بوجوب ما تردد بين الحرمة والوجوب فان الالتزام بطرف الوجوب لا على انه حكم الله المعين جائز لكن فى تسمية هذا عملا بالظن مسامحة وكذا فى تسمية الاخذ به من باب الاحتياط وبالجملة فالعمل بالظن اذا لم يصادف الاحتياط محرم اذا وقع على وجه التعبد به والتدين سواء استلزم طرح الاصل او الدليل الموجود فى مقابله ام لا واذا وقع على غير وجه التعبد به فهو محرم اذا استلزم طرح ما يقابله من الاصول والادلة المعلوم وجوب العمل بها هذا.

ـ الشيخ قدس‌سره فى اول الكتاب وفى مواضع أخر مورد دوران الامر بين المحذورين مما لا يمكن فيه الاحتياط فالاولى فى التعبير ان يقال ان العمل بالظن بعنوان الاحتياط حسن مطلقا لكن سيأتى امكان معارضة الاحتياط فى العمل بالظن فى المسألة الاصولية بالاحتياط فى المسألة الفرعية فى باب دليل الانسداد فتأمل قوله وفى تسمية هذا عملا بالظن مسامحة وجه المسامحة ان الظاهر من العمل بالظن هو عنوان الاستناد اليه والتدين به لا مجرد العمل المطابق للواقع وان لم يكن عن استناد اليه وهذا هو المراد من جميع ما ورد فى باب العمل بغير العلم والظن اثباتا ونفيا فحاصل الكلام فى المقام ان العمل بالظن اذا لم يصادف الاحتياط محرم اذا وقع على وجه التعبد به والتدين سواء كان مستلزما لطرح الاصل او الدليل الموجود فى مقابله ام لا واذا وقع على غير وجه التعبد به فهو محرم اذا استلزم طرح ما يقابله من الاصول والادلة المعلوم وجوب العمل بها هذا

٢٥٧

(م) وقد يقرر الاصل هنا بوجوه أخر : منها ان الاصل عدم الحجية وعدم وقوع التعبد به وايجاب العمل به وفيه ان الاصل وان كان ذلك إلّا انه لا يترتب على مقتضاه شيء فان حرمة العمل بالظن يكفى فى موضوعها عدم العلم بورود التعبد من غير حاجة الى احراز عدم ورود التعبد به ليحتاج فى ذلك الى الاصل ثم اثبات الحرمة والحاصل ان اصالة عدم الحادث انما يحتاج اليها فى الاحكام المترتبة على عدم ذلك الحادث واما الحكم المترتب على عدم العلم بذلك الحادث فيكفى فيه الشك ولا يحتاج الى احراز عدمه بحكم الاصل وهذا نظير قاعدة الاشتغال الحاكمة بوجوب اليقين بالفراغ فانه لا يحتاج فى اجرائها الى اجراء اصالة عدم فراغ الذمة بل يكفى فيها عدم العلم بالفراغ فافهم.

(ش) اقول ان الاصول المقررة المذكورة فى الكتاب بعضها موافق بحسب النتيجة لما اسسه المصنف (ره) من الاصل وبعضها مخالف له ثم انه قد عرفت ان الاصل عند الشك فى حجية كل امارة يقتضى حرمة التعبد بها والالتزام بمؤداها بمقتضى الادلة المتقدمة وقد يقرر الاصل فى حرمة التعبد بالظن بوجوه أخر منها استصحاب عدم الحجية لان حجية الامارة من الحوادث وكل حادث مسبوق بالعدم وقد منع الشيخ قدس‌سره عن جريان استصحاب عدم الحجية وافاد فى وجهه بما حاصله ان الاصل وان كان ذلك إلّا انه لا يترتب على مقتضى هذا الاصل اثر عملي فانه يكفى فى حرمة العمل والتعبد نفس الشك فى الحجية ولا يحتاج الى احراز عدم ورود التعبد بالامارة حتى يجرى استصحاب العدم فان الاستصحاب انما يجرى فيما اذا كان مترتبا على الواقع المشكوك فيه لا على نفس الشك هذا محصل ما افاده الشيخ (قده) فى وجه المنع من جريان استصحاب عدم الحجية قوله وهذا نظير قاعدة الاشتغال الخ بيان ذلك انه لا حاجة فى مورد التمسك بقاعدة الاشتغال الى استصحاب الاشتغال المتيقن سابقا لان الحكم السابق لم يكن إلّا بحكم العقل الحاكم بوجوب تحصيل اليقين بالبراءة عن التكليف المعلوم فى زمان وهو بعينه موجود فى هذا الزمان.

٢٥٨

(م) ومنها ان الاصل هى اباحة العمل بالظن لانها الاصل فى الاشياء حكاه بعض عن السيد المحقق الكاظمى وفيه على تقدير صدق النسبة اولا ان اباحة التعبد بالظن غير معقول اذ لا معنى لجواز التعبد وتركه لا الى بدل غاية الامر التخيير بين التعبد بالظن والتعبد بالاصل او الدليل الموجود هناك فى مقابله الذى يتعين الرجوع اليه لو لا الظن هناك فغاية الامر وجوب التعبد به او بالظن تخييرا فلا معنى للاباحة التى هى الاصل فى الاشياء وثانيا ان اصالة الاباحة انما هى فيما لا يستقل العقل بقبحه وقد عرفت استقلال العقل بقبح التعبد بالظن من دون علم بوروده من الشارع.

(ش) حاصله ان الاصل اباحة العمل بالظن بمقتضى اصالة الاباحة فى الاشياء ومن جملتها العمل بالظن المشكوك حجيته وقد نسب ذلك الى السيد المحقق الكاظمى قدس‌سره على تقدير صدق النسبة. (واورد) عليه الشيخ (ره) اولا بان معنى الاباحة هى الرخصة فى الفعل وتركه لا الى بدل ولا معنى لها فى التعبد بالظن غاية الامر هو التخيير بين التعبد بالظن وبين الاخذ بالاصل او الدليل الموجود فى المسألة فلا معنى للاباحة التى هى الاصل فى الاشياء وثانيا ان اصالة الاباحة انما هى فيما لا يستقل العقل بقبحه وقد عرفت كون العقل مستقلا بقبح التعبد بالظن من دون علم بوروده من الشارع فعلي كل تقدير يدور امر العمل بالظن بين كونه واجبا او غير جائز فلا معنى لدعوى جواز العمل بالظن واباحته كما انه لا معنى لدعوى التخيير بين العمل بالظن وبين العمل بالاصل او الدليل الموجود فى المسألة قوله غاية الامر التخيير بين التعبد الخ لا يخفى ان ما ذكره قدس‌سره على سبيل التنزل والمماشاة لعدم معقولية التخيير بين الظن والاصل لان الظن اذا كان حجة فلا معنى للرجوع الى الاصل لان الدليل الاجتهادى مقدم على الاصل وان لم يعلم حجيته كما هو المفروض فلا بد من الرجوع الى الاصل بناء على ما هو التحقيق من كون مجارى الاصول هو عدم العلم الشامل للظن الغير المعتبر بل يشمل الظن المعتبر ايضا اذا كان شرعيا غاية الامر كونه مقدما حاكما عليه بملاحظة دليل اعتباره كما سيأتى تحقيقه فى باب التعادل والتراجيح وغيره.

٢٥٩

(م) ومنها ان الامر فى المقام دائر بين الوجوب والتحريم ومقتضاه التخيير او ترجيح جانب التحريم بناء على ان دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة وفيه منع الدوران لان عدم العلم بالوجوب كاف فى ثبوت التحريم لما عرفته من اطباق الادلة الاربعة على عدم جواز التعبد بما لا يعلم وجوب التعبد به من الشارع ألا ترى انه اذا دار الامر بين رجحان عبادة وحرمتها كفى عدم ثبوت الرجحان فى ثبوت حرمتها.

(ش) حاصله ان العمل بالظن يدور امره بين الوجوب والحرمة لكون العمل به على تقدير الحجية واقعا واجبا وعلى تقدير عدم الحجية غير جائز وفى مثله لا بد اما من التخيير او ترجيح جانب الحرمة بناء علي اولوية دفع المفسدة واورد عليه الشيخ (قده) بمنع الدوران نظرا الى كفاية مجرد عدم العلم بالحجية فى ثبوت التحريم الثابت بالادلة الاربعة وهو كما افاده (قده) ولكن مقتضى ظاهر كلامه هذا تسليم انه لو كانت الحرمة من آثار عدم الحجية واقعا كان المقام من باب الدوران بين الوجوب والحرمة وهذا مما لا يلتزم به حيث إن لازم الدوران المزبور هو التخيير عقلا وجواز العمل بالظن لا الى بدل وهو ينافى ما بني عليه (قده) من دوران الامر حينئذ بين التعبد بالظن وبين التعبد بغيره من الاصول والدليل الموجود فى البين اذ حينئذ يدور الامر فى الحقيقة بين الوجوبين اما وجوب الاخذ بالظن والعمل به واما وجوب الاخذ بغيره من الاصول الجارية فى المسألة.

ونتيجة ذلك هو التخيير او تعيين الثانى برجوع الشك فى اعتبار الظن الى الشك فى تخصيص ادلة اعتبار تلك الاصول لان الحكومة نحو من التخصيص فباصالة عدم التخصيص يتعين العمل بالاصول

٢٦٠