درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٠٨

ـ محلها من وجوب الموافقة القطعية للحكم المعلوم بالاجمال احترازها عن غيرها مطلقا للعلم الاجمالى بحرمة نظرها الى احدى الطائفتين فيجتنب عنهما مقدمة وما ذكر من القاعدة انما هو فى نظرها الى غيرها وهذه القاعدة احد الاقوال فى المسألة الراجع الى وجوب الاحتياط مطلقا كما هو ظاهر كلام بعض الاصحاب.

واما نظر الغير اليها فمقتضى القاعدة جواز نظر الغير اليها لكون الشبهة بالنسبة اليه موضوعية لا يجب فيها الاحتياط نظير ما لو اشتبه المرئى من البعيد بين كونه رجلا او امرأة لاجل بعد المسافة ونحوه فانه يجوز النظر اليه من دون لزوم الفحص عن حاله.

ولا يخفى عليك ان الكلام فى هذا المقام اصالة انما هو فى حرمة المخالفة القطعية فتعرض الشيخ قدس‌سره لتفصيل الاحكام المتعلقة بالخنثى من حيث معاملتها مع الغير او معاملة الغير معها مع ابتنائها على وجوب الموافقة القطعية انما هو للاستطراد وتحقيق المطلب بعد البناء على وجوب الموافقة القطعية كما هو التحقيق على ما يتضح فى مسئلة البراءة والاحتياط.

قوله والخنثى شاك فى دخوله فى احدى الطائفتين هذا احد الاقوال فى المسألة الراجع الى القول بعدم لزوم الاحتياط مطلقا نظرا الى عدم ثبوت التكليف بالخطاب الاجمالى نعم لو ادى ترك الاحتياط الى العلم ببطلان الصلاة كما اذا ليس الحرير فى الصلاة مع عدم سترها تمام البدن فيها فلا يجوز لها ذلك لحصول القطع بمخالفة الخطاب المعلوم بالاجمال.

واعلم ان الشيخ قدس‌سره قد تعرض لمعاملة الخنثى مع غيرها ومعاملة الغير معها واما معاملتها مع مثلها اى مع الخنثى الاخرى فلم يتعرض لبيانه صريحا ولكن قد تعرض لذلك بعض الاعلام حيث قال ان معاملة الخنثى مع خنثى اخرى كمعاملة غير الخنثى مع الخنثى فيجوز لها النظر الى الخنثى ان قلنا بانه يجوز لكل من الرجل والانثى النظر ـ

٢٠١

اليه لان علمه اجمالا بانه بنفسه اما رجل او انثى لا يقتضى حرمة النظر الى هذا الشخص المجهول الحال بعد ان جاز لكل من الرجال والنساء النظر اليه بمقتضى ظاهر تكليفهم فان غاية ما يقتضيه هذا العلم ليس إلّا وجوب الاحتياط بالجمع بين تكاليف الرجال والنساء والمفروض انه لا يحرم علي كل من الطائفتين النظر اليه فليتامل.

٢٠٢

(م) والتحقيق هو الاول لانه علم تفصيلا بتكليفه بالغض عن احدى الطائفتين ومع العلم التفصيلى لا عبرة باجمال الخطاب كما تقدم فى الدخول والادخال فى المسجد لواجدى المنى مع انه يمكن ارجاع الخطابين الى خطاب واحد وهو تحريم نظر كل انسان الى كل بالغ لا يماثله فى الذكورية والانوثية عدا من يحرم نكاحه ولكن يمكن ان يقال ان الكلف عن النظر الى ما عدا المحارم مشقة عظيمة فلا يجب الاحتياط فيه بل العسر فيه اولى من الشبهة الغير المحصورة او يقال ان رجوع الخطابين الى خطاب واحد فى حرمة المخالفة القطعية لا فى وجوب الموافقة القطعية فافهم.

(ش) اقول ان مراد الشيخ (ره) من الاول فى قوله والتحقيق هو الاول هو وجوب الاحتياط على الخنثى حيث ان الخصم اراد نفيه من جهة كون الفرض من الخطاب الاجمالي لكن الاحسن ان يقال ان كونه من باب الخطاب الاجمالى لا ينفع فى شىء لما قد عرفت فيما سبق انه لا فرق فى الحكم بوجوب الاحتياط بين العلم بالخطاب الاجمالى والتفصيلى ووجه وجوب الاحتياط فى الخنثى علمها تفصيلا بتكليفه بالغض عن احدى الطائفتين كما فى قوله تعالى فى كتابه الكريم فى سورة النور مخاطبا لنبيه : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ) (وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَ) الى آخر الآية)

قوله كما تقدم فى الدخول والادخال الخ يعنى قد عرفت فيما تقدم ان عدم العبرة باجمال الخطاب انما هو فيما اذا تحقق العنوان بفعل واحد وإلّا فيكون مخالفة لخطاب اجمالى لو لم نقل برجوع النهى عن العنوانين الى النهى عن القدر المشترك بينهما ففيما نحن فيه ايضا كذلك فان تحقق نظره الى الطائفتين بفعل واحد اندرج فى المخالفة القطعية التفصيلية فلا عبرة حينئذ باجمال الخطاب وإلّا فمن المخالفة الاجمالية للخطاب المردد إلّا ان يقال بارجاع الخطابين الى خطاب واحد تفصيلى.

قوله او يقال : ان رجوع الخطابين الى خطاب واحد الخ حاصل هذا القول دعوى ان مرجع الخطابين الى ايجاب غض البصر على كل مكلف عن مجموع من عداه اعنى ـ

٢٠٣

ـ كلتا الطائفتين لا عن كل من عداه الا ما استثنى فالنظر الى احدى الطائفتين ليس مخالفة معلومة لهذا الخطاب ولا للخطاب المتوجه الى خصوص الرجال او النساء فالمخالفة العملية الحاصلة من النظر الى احدى الطائفتين لو فرض عدم مماثلتها لها لا تكون الا للخطاب المردد بين الخطابين لا لهذا الخطاب التفصيلي المتولد من الخطابين نعم لو نظر الى كلتا الطائفتين يحصل مخالفة هذا الخطاب ولا يخفى ما فى هذا القول من ان هذا القول انما يجدى بناء على ان لا يكون الخطاب المردد مؤثرا فى تنجز التكليف وهو خلاف التحقيق.

قوله فافهم ولعل وجه الفهم هو ما ذكرنا من ان هذا القول انما يجدى الخ قيل يمكن ان يقال ان وجه الفهم اشارة الى ان مثل هذا الخطاب التفصيلى الانتزاعى لم يعلم اعتباره فانه لا يكون عنوانا مستقلا متأصلا فى لسان الشرع وانما جاء من قبل غيره مع ان الخطابين الذين انتزع منهما ذلك ليسا من قبيل الخطابات المتوجهة الى عامة المكلفين بل يختص كل واحد منهما بطائفة ولا ربط لاحدهما بالآخر فالخنثى التي لم يعلم دخولها فى شيء منهما بالخصوص لا يثبت اعتباره فى حقها ولو سلم اعتباره فليس اعتباره علي حد الخطابات التفصيلية الصرفة حتى يوجب الموافقة القطعية فغاية ما يثبت به حرمة المخالفة القطعية وقيل انه اشارة الى ضعف ما ذكره اذ التفكيك بين مقامى حرمة المخالفة ووجوب الموافقة القطعيتين مما لا وجه له بعد ما فرض امكان ارجاع الخطابين الى خطاب واحد فكون الخطاب واحدا ومتعددا باعتبارين لا محصل له والوجه ما ذكرنا فى وجه الفهم.

٢٠٤

(م) وهكذا حكم لباس الخنثى حيث انه يعلم اجمالا بحرمة واحد من مختصات الرجال كالمنطقة والعمامة او مختصات النساء فيجتنب عنهما واما حكم ستارته فى الصلاة فيجتنب الحرير ويستر جميع بدنه واما حكم الجهر والاخفات فان قلنا بكون الاخفات فى العشاءين والصبح رخصة للمرأة جهر الخنثى بها وان قلنا انه عزيمة لها فالتخيير ان قام الاجماع علي عدم وجوب تكرار الصلاة فى حقها.

(ش) يعني ان حكم لباس الخنثى مثل حكم النظر الى ما عدا المحارم فكما يجب الاحتياط بالاجتناب عن الرجال والنساء فى مسئلة النظر كذلك يجب الاحتياط بالاجتناب عن مختصات الرجال والنساء فى مسئلة اللباس بان يلبس ما لا يختص باحدهما من الالبسة المشتركة بينهما كالعباء والدرع ونحوهما.

واما حكم ستارة الخنثى فيجتنب الحرير ويستر جميع بدنه لعلمها اجمالا بوجوب التستر عليها او الاجتناب عن لبس الحرير فالقول باصالة البراءة عند الشك فى الاجزاء والشرائط لا ينافى القول بالاحتياط هنا كما هو واضح.

واما حكم الجهر والاخفات الذين دار الامر فيهما بين المحذورين فى العبادة فان قلنا بكون الاخفات فى مواضع الجهر كالعشاءين والصبح رخصة على المرأة فقد حكم المصنف (ره) حينئذ بتعين الجهر عليها ولكنه مبنى على وجوب الاحتياط عند دوران الامر بين التعيين والتخيير كما لو دار الامر بين عتق رقبة مؤمنة وبين عتق مطلق الرقبة وهو خلاف ما اختاره المصنف فى هذه المسألة وان قلنا بكونه عزيمة فالتخيير ان قام الاجماع على عدم وجوب تكرار الصلاة كما يتراءى من العبارة لا يقال هذا ينافى ما اختاره المصنف من التخيير عند دوران الامر بين المحذورين كوجوب فعل وحرمة آخر لانا نقول هذا فيما كان الوجوب والحرمة المحتملين ذاتيين والحرمة المحتملة فى المقام تشريعية وهى لا تنافى الاحتياط كما لا يخفى وبالجملة ان مقتضى القاعدة هنا هو الاحتياط وان قلنا بالبراءة عند الشك فى الاجزاء والشرائط.

وربما يظهر من صاحب الفصول القول بالتخيير مطلقا سواء قلنا بكون الاخفات على المرأة رخصة او عزيمة وهو المراد من القائل فى قول الشيخ وقد يقال الخ.

٢٠٥

(م) وقد يقال بالتخيير مطلقا من جهة ما ورد من ان الجاهل فى الجهر والاخفات معذور وفيه مضافا إلى ان النص انما دل على معذورية الجاهل بالنسبة الى لزوم الاعادة لو خالف الواقع واين هذا من تخيير الجاهل من اول الامر بينهما بل الجاهل لو جهر او اخفى مترددا بطلت صلاته اذ يجب عليه الرجوع الى العلم او العالم ان الظاهر من الجهل فى الاخبار غير هذا الجهل.

(ش) اقول ان القائل بالتخيير مطلقا اى سواء قلنا بكون الاخفات رخصة للمرأة او عزيمة لها هو صاحب الفصول ومستنده عدة اخبار دلت على معذورية الجاهل فى الجهر والاخفات فى مواضعهما فلا يجب عليه الاحتياط فى ذلك بل يتخير من اول الامر بينهما حيث قال صاحب الفصول فى مقام توجيه كلام الشهيد (قده) ورد اعتراض المحقق القمي (ره) فى القوانين عليه بان بين كلامى الشهيد فى الذكرى تدافعا حيث حكم فى الذكرى على الخنثى بوجوب ستر الراس فى الصلاة والتجنب عن لبس الحرير فيها ثم قال فى موضع آخر الخنثى تتخير فى موضوع الجهر والاخفات وان جهرت فى مواضع الجهر فهو اولى اذا لم يستلزم سماع من يحرم سماعه واجاب عنه صاحب الفصول انتصارا للشهيد بعد ذكر جهة وجوب الاحتياط على الخنثى فى الاحكام المختصة بكل من الطائفتين بانه ينبغى ان يستثنى من الحكم الاول اى من الاحتياط فى الاحكام المذكورة كل حكم يعذر فيه الجاهل كالجهر والاخفات فى مواضعهما فلا يجب عليه الاحتياط فى ذلك بل يتخير بينهما عند عدم سماع الاجانب صوته لجهله بالحكم فيقطع بالبراءة دون الاحتياط ثم قال وهذا هو السر فى التزام الشهيد (ره) فى الذكرى بوجوب الاحتياط فى مسئلة الستر ولبس الحرير ومصيره الى التخيير فى مسئلة الجهر والاخفات فلا تدافع بين الحكمين اصلا كما زعمه الفاضل المعاصر من كلامه انتهى. واورد الشيخ (قده) على ما اعتقده صاحب الفصول من القول بان الجاهل معذور فى الجهر والاخفات كما ذكرناه تفصيلا بوجهين : احدهما ان معذورية الجاهل انما هى ـ

٢٠٦

ـ فيما لو حصل له الشك بعد العمل لا اذا حصل قبل العمل لبطلان صلاته حينئذ لعدم تمكنه من قصد القربة بل يجب رجوع مثل هذا الشخص الى العلم فى صورة تمكنه وكونه مجتهدا او الى العالم فى صورة كونه مقلدا واشار الى هذا بقوله مضافا الى ان النص انما دل على معذورية الجاهل الخ وثانيهما ان الظاهر من الاخبار هو الجهل بالحكم الكلي لا الجهل بالموضوع والحكم الجزئى الذى مقامنا منه لان الاشتباه فى المقام فى الموضوع حيث انه لا يعلم كونه ذكرا او انثى.

٢٠٧

(م) واما تخيير قاضى الفريضة المنسية من الخمس فى ثلاثية ورباعية وثنائية فانما هو بعد ورود النص فى الاكتفاء بالثلث المستلزم لالغاء الجهر والاخفات بالنسبة اليه فلا دلالة فيه على تخيير الجاهل بالموضوع مطلقا واما معاملة الغير معها فقد يقال بجواز نظر كل من الرجل والمرأة اليها لكونها شبهة فى الموضوع والاصل الاباحة وفيه ان عموم وجوب الغض على المؤمنات الا على نسائهن او الرجال المذكورين فى الآية يدل علي وجوب الغض عن الخنثى ولذا حكم فى (جامع المقاصد) بتحريم نظر الطائفتين اليها كتحريم نظرها اليهما بل ادعى سبطه الاتفاق على ذلك فتامل جيدا.

(ش) قوله واما تخيير قاضى الفريضة المنسية الخ هذا دفع دخل مقدر تقريره انهم حكموا بتخيير قاضى الفريضة عن الخمس فى الرباعية بين الجهر والاخفات مع انه جاهل بالموضوع فيلزم الحكم بالتخيير فى المقام ايضا وقد اجاب الشيخ عن هذا السؤال بان التخيير فى قاضى الفريضة المنسية عن الخمس انما هو بعد ورود النص فى الاكتفاء بالثلث المستلزم لالغاء الجهر والاخفات بالنسبة الى الرباعية وكذلك المسافر القاضي للفريضة المنسية من الخمس فى ثنائية مشتركة بين الاربع والثلاث فالجهر والاخفات فيه ملغيان بالنسبة الى الثنائية ولو لا النص او ما يجرى مجراه لكان مقتضى القاعدة فى الصورتين وجوب قضاء خمس صلوات لمراعاة الجهر والاخفات فلا دلالة فيه علي تخيير الجاهل بالموضوع مطلقا اى ولو كان الجهل من جهة المكلف. واما معاملة الغير معها فقد يقال بجواز نظر كل من الرجل والمرأة الى الخنثى لكونها شبهة فى الموضوع فلا يجب فيها الاحتياط والاصل فى الشبهة الموضوعية الاباحة نظير ما لو اشتبه المرئى من البعيد بين كونه رجلا او امرأة لاجل بعد المسافة ونحوه فانه يجوز النظر اليه من دون لزوم الفحص عن حاله. وفيه ان عموم وجوب الغض على المؤمنات الا على نسائهن او الرجال المذكورين فى الآية الشريفة يدل على وجوب الغض وبيان ذلك ان قوله تعالى (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) الآية مفاده العموم من باب حذف المتعلق فانه يفيد العموم ـ

٢٠٨

ـ كما ذكره علماء المعانى ومقتضي هذا العموم عدم جواز النظر للرجال اليها اذ الآية انما تدل على وجوب الغض لهم عن كل احد خرج ما خرج بقى الباقى تحت العام ومفاد قوله تعالي (قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها) الى ان قال (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَ) الآية أنه لا يجوز معاملة النساء مع الخنثى فلا يجوز الرجوع الى اصالة الحل ولدفع هذا الايراد مجال اما الآية الاولى فبمنع العموم فيها لان كون حذف المتعلق من اسباب العموم اول الكلام واما الآية الثانية فالعموم فيها وان لم يكن قابلا للمنع لاحتوائها على الاستثناء إلّا ان الاشتباه فى مصداق المخصص فلا مسرح فيه للتمسك بالعموم وقوله فتامل اشارة الى ما ذكر قال قدس‌سره فى الحاشية فى مقام بيان وجهه ما هذا لفظه : ان الشك فى مصداق المخصص فلا يجوز التمسك بالعموم ويمكن ان يقال ان ما نحن فيه من قبيل ما تعلق غرض الشارع بعدم وقوع الفعل فى الخارج ولو بين شخصين فترخيص كل منهما للمخالطة مع الخنثى مخالف لغرضه المقصود من عدم مخالطة الاجنبى مع الاجنبية ولا يرد النقض بترخيص الشارع فى الشبهة الابتدائية فما نحن فيه من قبيل ترخيص الشارع لرجلين تزويج كل منها احدى المرأتين اللتين يعلم اجمالا انهما اختان لاحد الرجلين فافهم انتهى.

قوله ولذا حكم فى جامع المقاصد الخ تأييد لما ذكره من استفادة العموم من آية الحجاب المذكورة فى سورة النور بالتقريب المتقدم من جهة ذهاب المحقق الثانى الى تحريم نظر كل من الرجال والنساء اليها كتحريم نظرها اليهما.

قوله بل ادعى سبطه الاتفاق على ذلك اقول ان السبط واحد الاسباط وهم ولد الولد والمراد منه هو الفاضل المحقق فى المعقول والمنقول السيد الداماد لانه ابن بنت المحقق الكركى وبالجملة انه ادعى الاتفاق على تحريم نظر الطائفتين الى الخنثى.

٢٠٩

(م) ثم ان جميع ما ذكرنا انما هو فى غير النكاح واما التناكح فيحرم بينه وبين غيره قطعا فلا يجوز لها تزويج امرأة لاصالة عدم ذكوريته بمعنى عدم ترتب الاثر المذكور من جهة النكاح ووجوب حفظ الفرج الا عن الزوجة وملك اليمين ولا التزوج برجل لاصالة عدم كونها امرأة كما صرح به الشهيد لكن ذكر الشيخ مسئلة فرض الوارث الخنثى المشكل زوجا او زوجة فافهم هذا تمام الكلام فى اعتبار العلم

(ش) حاصل ما افاده الشيخ (ره) ان الصورة المذكورة فى اول المبحث فى مسئلة الخنثى انما هى فى غير النكاح واما التناكح فيحرم بينه وبين غيره قطعا لاصالة عدم ذكوريتها وعدم كونها امرأة فلا يجوز لها تزويج امرأة ولا التزوج برجل كما صرح به الشهيد وبالجملة ان عدم جواز التناكح بين الخنثى وغيره من معلوم الذكورية والانوثية ومجهولهما مما لا شبهة فيه بل لا خلاف عدا ما يستظهر من عبارة الشيخ (ره) وبعض تابعيه إلّا ان الاشكال فيما ذكره الشيخ (قده) من التمسك بالاصل فى المقام حيث انه قد يقال بعدم جريان الاصل فيه وفى امثاله من جهة ان مجرد الشك فى الذكورية والانوثية محقق لموضوع الحرمة فلا معنى لاجراء الاصل الموضوعى هذا مضافا الى انه ليست حالة سابقة للموضوع المردد فى المقام حتى يجرى فيه الاصل هذا ولكنه دفع الاشكال عن كلامه بجعل الاصل الموضوعى فى محل البحث بمعنى اصالة الفساد وعدم ترتب اثر العقد بقوله بمعنى عدم ترتب الاثر المذكور. هذا محصل ما افاده بعض الاعلام فافهم قوله ولكن ذكر الشيخ مسئلة فرض الوارث الخ قال الشيخ فى المبسوط على ما حكى ولا يتقدر فى الخنثى ان يكون أبا واما لانه متى كان أبا كان ذكرا بيقين ومتى كان اما كانت انثى بيقين ويتقدر أن يكون زوجا او زوجة على ما روى فى بعض الاخبار فان كان زوجا او زوجة كان له نصف ميراث الزوج ونصف ميراث الزوجة انتهى قوله فافهم قال صاحب وسيلة الوسائل لعله اشارة الى ان الفرض الذى فرضه الشيخ (ره) لا محصل له لان كونها زوجا او زوجة اما مسبوق بالعلم بكونها خنثى اولا بان كانت مجهولة الحال حين العقد ـ

٢١٠

ـ اما على الاول فلا يصح النكاح واما على الثانى فتكون حينئذ من قبيل الموطوءة بالشبهة التى لا ترث من جهة الوطى انتهى.

هذا تمام الكلام فيما يتعلق بالمقصد الاول من مقاصد الكتاب حسب الوسع والاستعداد ومساعدة التوفيق من الله تعالى جل شأنه والحمد لله اولا وآخرا وظاهرا وباطنا والصلاة على نبيه وآله الطيبين الطاهرين الى يوم المعاد.

٢١١

بسم الله الرّحمن الرّحيم

المقصد الثانى فى الظن

(م) والكلام فيه يقع فى مقامين : احدهما فى امكان التعبد به عقلا والثانى فى وقوعه عقلا او شرعا اما الاول فاعلم ان المعروف هو امكانه ويظهر من الدليل المحكى عن ابن قبة فى استحالة العمل بالخبر الواحد عموم المنع لمطلق الظن.

(ش) اقول المقصد الثانى فى امكان التعبد بالامارات الغير العلمية والكلام فيه يقع فى مقامين : الاول فى امكان التعبد بالظن عقلا والثانى فى وقوعه خارجا بعد الفراغ عن اصل امكانه والبحث عن المقام الثانى سيأتى فى محله إن شاء الله تعالى.

اما الكلام فى المقام الاول فالمعروف المشهور بينهم هو امكان التعبد بل الظاهر عدم الخلاف فيه عدى ما حكى عن ابن قبة وبعض آخر من دعوى استحالته وامتناعه لشبهة نقض الغرض وتحريم الحلال وعكسه وتفويت المصلحة والالقاء فى المفسدة. وتنقيح المقام. على وجه يتضح به المراد من الامكان المبحوث عنه فى المقام يحتاج الى التعرض لبعض اقسام الامكان الذى كان دخيلا فى المقام فمنها الامكان الذاتى وهو ما لا يمتنع وجوده بحسب الذات ويقابله الامتناع الذاتى وهو ضرورة العدم بحسب الذات كاجتماع النقيضين والضدين ومنها الامكان الوقوعي وهو ان لا يلزم من فرض وجود الشىء محال كامكان صيرورة النطفة انسانا مثلا ويقابله الامتناع الوقوعى وهو ان يلزم من فرض وجوده محذور عقلى.

وقد يستعمل الامكان بمعنى الاحتمال العقلى بمعنى عدم القطع باحد طرفى الايجاب والسلب وهذا فى الحقيقة ليس من اقسام الامكان وذكر بعض الاعلام هذا القسم من اقسام الامكان ليس بجيد.

واذا تبين لك هذه الاقسام من الامكان فاعلم ان الامكان المبحوث عنه فى ـ

٢١٢

ـ المقام ليس المراد منه الامكان الذاتى الذى فى مقابل الامتناع الذاتى لوضوح ان التعبد بالظن ليس من الامور التى يحكم العقل بمجرد تصوره ولحاظه باستحالته كاجتماع النقيضين والضدين وهكذا ليس المراد منه الامكان الاحتمالى الذى هو المراد من قول الشيخ الرئيس كلما قرع سمعك فذره فى بقعة الامكان ما لم يذدك عنه ساطع البرهان لوضوح ان الامكان الاحتمالى امر تكوينى غير قابل للنزاع. وانما المراد ايّها الطالب حقيقة المرام من الامكان المبحوث عنه فى المقام بين المشهور وابن قبة هو الامكان الوقوعى والامتناع الوقوعى فالمشهور ومنهم الشيخ قدس‌سره ادّعوا الامكان الوقوعى بخلاف محمّد بن عبد الرحمن بن قبة (متكلم عظيم القدر والمنزلة كان من اعاظم المعتزلة ثم تبصر بعون الله الملك العلام) فانه ادّعى الامتناع الوقوعى للمحذورات التى يأتى ذكرها عن قريب وقد عبر بعض عن الامكان الذاتى بالامكان التكوينى وعن الامكان الوقوعى بالامكان التشريعى حيث قال ان المراد من الامكان المبحوث عنه فى المقام هو الامكان التشريعى بمعنى ان التعبد بالامارة هل يلزم منه محذور فى عالم التشريع ام لا وليس المراد منه الامكان التكوينى المختص بالامور الخارجية حتى يبحث فى ان الاصل العقلائى هل هو الحكم بالامكان حتى يثبت الامتناع ام لا كما هو واضح.

٢١٣

(م) فانه استدل على مذهبه بوجهين : الاول انه لو جاز التعبد بخبر الواحد فى الاخبار عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله لجاز التعبد به فى الاخبار عن الله تعالى والتالى باطل اجماعا والثانى ان العمل به موجب لتجليل الحرام وتحريم الحلال اذ لا يؤمن ان يكون ما اخبر بحليته حراما وبالعكس وهذا الوجه كما ترى جار فى مطلق الظن بل فى مطلق الامارة الغير العلمية وان لم يفد الظن واستدل المشهور على الامكان بانا نقطع بانه لا يلزم من التعبد به محال وفى هذا التقرير نظر اذ القطع بعدم لزوم المحال فى الواقع موقوف على احاطة العقل بجميع الجهات المحسنة والمقبحة وعلمه بانتفائها وهو غير حاصل فيما نحن فيه فالاولى ان يقرر هكذا : انا لا نجد فى عقولنا بعد التأمل ما يوجب الاستحالة وهذا طريق يسلكه العقلاء فى الحكم بالامكان.

(ش) اقول حاصل ما استدل به ابن قبة علي عدم امكان التعبد بالامارات الغير العلمية من جهتين : الاول انه لو جاز التعبد بالخبر الواحد فى الاخبار عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله لجاز التعبد به فى الاخبار عن الله تعالى والتالى اى الاخبار عن الله تعالى باطل اجماعا فالمقدم اى الاخبار عن النبى مثله بيان الملازمة ان حكم الامثال فيما يجوز وفيما لا يجوز سواء ولا يختلف الاخبار بواسطة اختلاف المخبر عنه وكونه هو الله سبحانه او النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله الثانى ان العمل بالخبر الواحد موجب لتحليل الحرام وتحريم الحلال اذ لا يؤمن ان يكون ما اخبر بحليته حراما فى الواقع وبالعكس توضيح الكلام انه لا اشكال فى تضاد الاحكام الخمسة باسرها فلا يجوز اجتماع حكمين منها فى مورد واحد ومن يدعى التعبد بالخبر الواحد يقول بوجوب العمل به وان ادى الى مخالفة الواقع وحينئذ لو فرضنا ان الامارة قامت علي وجوب صلاة الجمعة وتكون محرمة فى الواقع ونفس الامر فقد اجتمع فى موضوع واحد اعنى صلاة الجمعة حكمان الوجوب والحرمة وايضا يلزم اجتماع الحب والبغض والمصلحة والمفسدة فى شيء واحد من دون وقوع الكسر والانكسار بل يلزم المحال ايضا على تقدير المطابقة للواقع من جهة لزوم اجتماع المثلين وكون الموضوع الواحد موردا لوجوبين مستقلين وايضا يلزم الالقاء فى المفسدة فيما اذا أدّت الامارة الى اباحة ما هو محرم فى الواقع وتفويت المصلحة ـ

٢١٤

ـ فيما اذا أدّت الى جواز ترك ما هو واجب هذا كله على تقدير القول بان لكل واقعة حكما مجعولا فى نفس الامر سواء كان المكلف عالما به او جاهلا وسواء ادى اليه الطريق او تخلف عنه كما هو مذهب اهل الصواب واما علي القول بالتصويب فلا يرد الاشكالات المذكورة إلّا انه خارج عن الصواب. وبعبارة اخصر ان حاصل ما يستفاد من كلام ابن قبة بضميمة ما افاده المتأخرون فى توضيح كلامه ان المانع من التعبد بالظن امران احدهما من ناحية التكليف وثانيهما من ناحية الملاك اما ما يلزم من ناحية التكليف فهو ان الامارة التى يتعبد بحجيتها ان كانت موافقة مع الحكم الواقعى المشكوك فيه فيلزم من حجيتها اجتماع المثلين وان كانت مخالفة له يلزم منها اجتماع الضدين وكلاهما محال فلا يمكن التعبد بغير العلم واما ما يلزم من ناحية الملاك فهو ان الامارة التي اعتبرت شرعا ربما تقوم علي وجوب ما هو مباح واقعا او على حرمته ولازم ذلك هو الالزام بشيء من دون ان يكون فيه مصلحة إلزامية مع انا نقول بتبعية الاحكام للمصالح والمفاسد وهذا هو المراد من تحريم الحلال وربما تقوم على اباحة شيء والترخيص فيه مع ان حكمه فى الواقع هو الالزام بالفعل او الترك ولازم ذلك تفويت المصلحة الواقعية او الالقاء فى المفسدة وهذا هو المراد من تحليل الحرام وكل ذلك محال بالاضافة الى الحكيم. ولا يذهب عليك ان ما يظهر من الدليل المحكى عن ابن قبة فى استحالة العمل بخبر الواحد عموم المنع لمطلق الامارات الغير العلمية ولكن هذا الاستظهار انما يتم بالنسبة الى الوجه الثانى من الوجهين اللذين ذكرهما لا الوجه الاول كما يستفاد من كلام الشيخ قدس‌سره حيث قال وهذا الوجه كما ترى جار فى مطلق الظن بل فى مطلق الامارات الغير العلمية وان لم يفد الظن هذا تمام الكلام فيما استدل به ابن قبة علي مذهبه واختلف الناس فى ضبط قبة فعن النجاشى والخلاصة انها بكسر القاف وفتح الباء الموحدة المخففة وفى منتهى المقال ان المعروف والمتداول فى الالسن فى ترجمته قبة بضم القاف وتشديد الباء. واستدل المشهور على الامكان بانا نقطع بانه لا يلزم من التعبد به محال فتقريب ـ

٢١٥

ـ الاستدلال المشهور ان ما لا يكون من حيث هو محالا كاجتماع الضدين ولا مستلزما لامر محال فهو ممكن الوجود والتعبد بالظن ليس محالا بذاته ولا مستلزما لامر محال فيجب ان يكون ممكنا وفيه ان اثبات الامكان بهذا البيان منوط على احاطة العقول جميع المقبحات التى تكون مؤثرة فى قبحه ككونه مؤديا الى مخالفة الواقع ومستلزما لاجتماع الضدين فى محل واحد على تقدير المخالفة واجتماع المحبوبية والمبغوضية او التكليف بما لا يطاق الى غير ذلك من الجهات المقبحة ولا يخفى ان الاحاطة بجميع المقبحات ممنوعة لانه يمكن ان تكون جهة مقبحة ولا يدركه العقل ولذا اى ولان اثبات الامكان على مذاق المشهور منوط على احاطة العقل جميع الجهات المحسنة والمقبحة وكان هذا خلاف الوجدان انكر الشيخ (قده) حصول القطع فيما نحن فيه حيث قال وفى هذا التقرير نظر الخ

فقد ظهر لك ان الاولى ان يقرر دليل الجواز كما قرره المصنف بقوله انا لا نجد فى عقولنا بعد التأمل ما يوجب الاستحالة وهذا طريق يسلكه العقلاء فى الحكم بالامكان فهذا بحسب الظاهر اشارة الى ما هو المحكى عن الشيخ الرئيس وغيره ان كلما قرع سمعك فذره فى بقعة الامكان ما لم يذده ساطع البرهان لا يقال انه لا يعلم الفرق بين دليل المشهور والشيخ قدس‌سره لان كلا منهما يتمسك فى اثبات امكان التعبد بحكم العقل.

لانه يقال ان الفرق بين الدليلين واضح لان مبنى الدليل المشهور على احاطة العقل جميع الجهات المحسنة والمقبحة وعلمه بانتفائها وهو غير حاصل فيما نحن فيه بخلاف ما ذهب اليه الشيخ قدس‌سره فانه تمسك فى اثبات امكان التعبد ببناء العقلاء كما هو الظاهر من كلام الشيخ الرئيس. لا يقال ان ما استدل به الشيخ (قده) فى الحكم بالامكان لا يوجب القطع به لان عدم وجدان الدليل اعم من العدم فى الواقع واما ما ذكره من كونه طريقا يسلكه العقلاء فى الحكم بالامكان كما هو الظاهر من كلام الشيخ الرئيس فليس بتام بناء على انه ليس مقصود الشيخ الرئيس من الحكم بالامكان الامكان الذاتى او الوقوعى من دون ـ

٢١٦

ـ دليل بل المراد الامكان الاحتمالى المذكور فيما سبق بمعنى تجويز العقل صدق المسموع فالمقصود بذلك انه لا يجوز المبادرة فى الانكار فيما يسمع بمجرد الاستبعاد بل يلتزم بامكان صحته بمعنى احتمالها بنظر العقل.

لانه يقال ان هذا الاشكال نشأ من قلة التامل فى فهم المراد اذ مقصود الشيخ قدس‌سره بالاستدلال المذكور دعوى استقرار طريقة العقلاء على ترتيب اثر الممكن فى مقام العمل كما هو الشأن فى ساير الاصول العملية المعول عليها لدى العقلاء لا البناء على امكانه بمعنى اعتقاد انه ممكن ضرورة امتناع حصول الاعتقاد مع الشك ومعنى ترتيب اثر الممكن عليه انهم لا يطرحون الدليل الدال على وجود شىء بمجرد احتمال استحالته بل يلتزمون بترتيب اثر الوجود عليه ما لم يعلم استحالته اذ ليس للممكن فى حد ذاته اثر قابل لان يترتب عليه حال الشك الا هذا اعنى اثر وجوده عليه عند قيام طريق معتبر عليه فالعقلاء قد استقر ديدنهم على ترتيب اثر الوجود على ما قام عليه طريق ما لم يثبت امتناعه ولا يجوز لديهم طرح الدليل المعتبر بمجرد الاحتمال مع ان الوجود اخص من الامكان فهذا دليل علي ان عدم ثبوت الامتناع كاف لدى العقلاء فى معاملة الامكان بمعنى الالتزام بالعمل على طبق الطريق المؤدى الى وقوعه.

فتبين ان ظاهر كلام الشيخ هو الامكان بدعوى ان بناء العقلاء انما هو على الحكم بامكان الشىء ما لم يجد واما يوجب استحالته.

وقد اشكل ايضا صاحب الكفاية والمحقق النائينى على بناء العقلاء الذى استدل به الشيخ (قده) على الحكم بالامكان اماما اورده صاحب الكفاية فوجوه : احدها : ما الدليل على ان بناء العقلاء على ترتيب آثار الامكان عند الشك فيه ثانيها انه لو سلمنا ذلك فما الدليل على حجية بنائهم شرعا وغاية ما هناك انه يوجب الظن والكلام انما هو فى امكان حجيته بالتعبد فكيف يثبت به الامكان وثالثها انه لو سلمنا ذلك ذلك ايضا فاى فائدة تترتب علي هذا البحث ومن الواضح ان بحثنا ليس بحثا فلسفيا لنبحث عن امكان الاشياء واستحالتها وانما هو بحث اصولى لا بدوان يترتب على مسائله ثمر فرعى والبحث عن امكان التعبد بالظن مع قطع النظر عما دل على وقوعه لا يترتب عليه ـ

٢١٧

ـ ثمر فرعي ومع لحاظ ما دل على ذلك لا اثر للبحث عن الامكان فان الوقوع اخص منه فاذا ثبت الوقوع يثبت الامكان لا محالة.

واما ما اورده النائينى فهو ان بناء العقلاء على الامكان على تقدير ثبوته انما هو فى ما يرجع الى عالم التكوين لا فيما يرجع الى عالم التشريع اى فى الامكان التكوينى دون التشريعى هذا حاصل ما اورداه على الشيخ (قده) والجواب عن الوجوه الثلاثة التى اوردها صاحب الكفاية على الشيخ (قده) انها مبتنية على ان يكون مراد الشيخ من بناء العقلاء على الامكان على وجه الاطلاق ولكن لا يبعد ان يكون مراده هو البناء على ذلك عند قيام دليل ظنى معتبر عليه فاذا اقتضى ظهور كلام المولى حجية ظن وشككنا فى امكان ذلك فالعقلاء لا يعتنون باحتمال الاستحالة فى رفع اليد عن العمل بالظهور فما لم يثبت استحالة شيء كان ظهور كلام المولى حجة فيه هذا.

واما الجواب عما اورده المحقق النائينى فقيل ان الامكان او الاستحالة من الامور الواقعية التى يدركها العقل وليس للامكان قسمان امكان تكوينى وامكان تشريعى بل الامكان دائما تكوينى غاية الامر ان معروضه تارة يكون من الامر التكوينى واخرى من الامر التشريعى فيقال الحكم الكذائى او التعبد الكذائى ممكن او مستحيل.

٢١٨

(م) والجواب عن دليله الاول ان الاجماع انما قام على عدم الوقوع لا على الامتناع مع ان عدم الجواز قياسا علي الاخبار عن الله تعالى بعد تسليم صحة الملازمة انما هو فيما اذا بنى تأسيس الشريعة اصولا وفروعا على العمل بخبر الواحد لا مثل ما نحن فيه مما ثبت اصل الدين وجميع فروعه بالادلة القطعية لكن عرض اختفائها من جهة العوارض واخفاء الظالمين للحق واما دليله الثانى فقد اجيب عنه تارة بالنقض بالامور الكثيرة الغير المفيدة للعلم كالفتوى والبينة واليد بل القطع ايضا لانه قد يكون جهلا مركبا.

(ش) توضيح ما ذكره (قده) فى الجواب عن الدليل الاول منع بطلان التالى عقلا لجواز ايجاب الشارع التعبد باخبار سلمان وامثاله عن الله تعالى غاية الامر ان الاجماع قام على عدم الوقوع لا الاستحالة وليس هذا محل البحث فى المقام وثانيا منع عدم جواز الاخبار عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله قياسا على الاخبار عن الله تعالى لانه قياس مع الفارق اذ دواعى الكذب فى الاخبار عن الله تعالى كثيرة لما فيه من اثبات منصب الرئاسة والرسالة فيبعد قبول قوله ولذا يحتاج الى انضمام المعجزة بخلاف الاخبار عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله فى الاحكام الفرعية فمع تسلم الملازمة بين الاخبار عن الله تعالى والاخبار عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله انما هو فيما بنى تأسيس الشريعة اصولا وفروعا علي العمل بخبر الواحد لا فى مثل ما نحن فيه مما ثبت اصل الدين وجميع فروعه بالادلة القطعية لكن عرض اختفائها من جهة العوارض واخفاء الظالمين للحق.

واما الجواب عن دليله الثانى فمن وجهين وحيث كان المجيب عن الدليل الاول والثانى هو صاحب الفصول (ره) وما ذكره الشيخ (قده) فى الجواب عنهما حاصل كلامه فلا بأس من الاكتفاء فى الجواب النقضى بنقل عبارة صاحب الفصول لما فيه من مزيد الفائدة فنقول ان الوجه الاول النقض بالفتوى بناء على عدم التصويب كما هو الصواب او بشهادة الشاهدين وما قام مقامهما وبالاصول المسلمة كاصل البراءة وبالظنون اللفظية ونحو ذلك ووجه النقض انه قد يقع الخطاء فى مؤدى هذه الطرق كما يشهد به الاعتبار والاختبار وعلى تقديره يجرى فيها ما ذكروه فى خبر الواحد بعينه من لزوم تحليل الحرام وتحريم الحلال فيلزم عدم التعويل عليها وهو باطل بالضرورة والاجماع وربما امكن النقض بالقطع ايضا لوقوع الخطاء فيه وان كان اقل من غيره هذا ـ

٢١٩

(م) واخرى بالحل بانه ان اريد تحريم الحلال الظاهرى او عكسه فلا نسلم لزومه وان اريد تحريم الحلال الواقعى ظاهرا فلا نسلم امتناعه والاولى ان يقال انه ان اراد امتناع التعبد بالخبر فى المسألة التى انسد فيها باب العلم بالواقع فلا يعقل المنع عن العمل به فضلا عن امتناعه إذ مع فرض عدم التمكن من العلم بالواقع اما ان يكون للمكلف حكم فى تلك الواقعة واما ان لا يكون له فيها حكم كالبهائم والمجانين فعلى الاول فلا مناص عن ارجاعه الى ما لا يفيد العلم من الاصول والامارات الظنية التى منها الخبر الواحد وعلي الثانى يلزم ترخيص فعل الحرام الواقعى وترك الواجب الواقعي وقد فرّ المستدل منهما

(ش) اقول قد تقدم فيما سبق ان المستفاد من كلام ابن قبة بضميمة ما افاده المتأخرون فى توضيح كلامه ان المانع من التعبد بالظن امران أحدهما من ناحية التكليف وثانيهما من ناحية الملاك اما ما يلزم من ناحية التكليف فهو علي فرض التعبد بحجية الامارة لزوم اجتماع الضدين من الوجوب والحرمة عند عدم الاصابة واجتماع المثلين عند الاصابة بناء على اشتراك العالم والجاهل فى التكاليف الواقعية وكلاهما محال واما ما يلزم من ناحية الملاك فهو تفويت المصلحة الواقعية او الالقاء فى المفسدة عند مخالفة الظن للواقع وادائه الى وجوب ما يكون حراما او حرمة ما يكون واجبا فهذه جملة من المحاذير التى ذكروا لزومها فى التعبد بغير العلم وان شئت فاجعل الوجوه الثلاثة من شئون شبهة تحريم الحلال وتحليل الحرام المذكورة فى كلام ابن قبة والجواب عن تلك المحاذير بما حاصله : اما توهم استحالة التعبد من ناحية التكليف بتخيل ان التعبد بالامارة الغير العلمية يستلزم اجتماع المثلين عند مصادفة الامارة والاصل للواقع وادائها الى وجوب ما يكون واجبا مثلا او الضدين او النقيضين من التعبد بالامارة عند مخالفة الامارة او الاصل للواقع وادائها إلى حرمة ما يكون واجبا او عدم وجوب ما يكون واجبا فتوضيح الحال فى دفعه ان يقال ان الحكم الظاهرى اذا طابق الواقع فلا يستلزم اجتماع المثلين لان التعبد بالحكم الظاهرى المماثل للحكم الواقعي ان كان ناشئا عن نفس مصلحة الحكم الواقعى وملاكه فلا يكون فى البين الا مصلحة واحدة وحكم واحد وانما التعدد ـ

٢٢٠