رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٦

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي

رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٦

المؤلف:

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٥

وقال الزجاج (١) : المعنى : (حَتَّى إِذا جاؤُها) إلى قوله تعالى : (فَادْخُلُوها خالِدِينَ) : دخلوها ، فيكون الجواب : دخلوها ، وحذف ؛ لأن في الكلام [دليلا](٢) عليه.

قوله تعالى : (طِبْتُمْ) أي : طهرتم من دنس المعاصي في الدنيا.

وقال ابن عباس : طاب لكم المقام (٣).

وقيل : طبتم بالمغفرة.

ويروى عن علي عليه‌السلام أنه سئل عن هذه الآية فقال : سيقوا إلى أبواب الجنة ، حتى إذا انتهوا إليها وجدوا عند بابها شجرة تخرج من تحت ساقها عينان ، فعمدوا إلى إحداهما فنظروا فيها فجرت عليهم نظرة النعيم ، فلن تغير آثارهم بعدها أبدا ، ولن تشعث أشعارهم بعدها أبدا ، كأنما قد دهنوا بالدهان ، ثم عمدوا إلى الأخرى فشربوا منها فأذهبت ما في بطونهم من أذى أو قذى [وتلقتهم](٤) الملائكة على أبواب الجنة : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ)(٥).

__________________

(١) معاني الزجاج (٤ / ٣٦٤).

(٢) في الأصل : دليل. والتصويب من معاني الزجاج ، الموضع السابق.

(٣) ذكره الواحدي في الوسيط (٣ / ٥٩٥) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ٢٠١ ـ ٢٠٢).

(٤) في الأصل : وتلقهم.

(٥) أخرجه الطبري (٢٤ / ٣٥) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٢٦٢) ، وابن المبارك في الزهد (ص : ٥٠٩) ، والضياء في المختارة (٢ / ١٦١). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٢٦٣ ـ ٢٦٤) وعزاه لابن المبارك في الزهد وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن راهويه وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في صفة الجنة والبيهقي في البعث والضياء في المختارة.

٥٨١

وقد ذكرنا نحو هذا في الأعراف (١).

وقوله : «خالدين» حال مقدّرة.

قوله تعالى : (وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ) يعني : أرض الجنة. وقد سبق معنى كون ذلك ميراثا في الأعراف (٢).

(نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ) أي : نتخذ من المنازل ما شئنا. وما ذاك إلا لسعتها وزيادة منازلها على مقدار حاجة الداخلين إليها.

وحكى أبو سليمان الدمشقي : أن أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم يدخلون الجنة قبل الأمم فينزلون منها حيث شاؤوا ، ثم تنزل الأمم بعدهم ، فلذلك قالوا : (نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ) فيقول الله تعالى : (فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) أي : فنعم ثواب المطيعين [في الدنيا](٣) الجنة (٤).

(وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(٧٥)

قوله تعالى : (وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ) أي : محدقين بالعرش.

ودخول «من» للتوكيد.

(يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) يصلّون وينزهون متلذذين بذلك لا متعبدين بذلك ؛

__________________

(١) عند الآية رقم : ٤٦.

(٢) عند الآية رقم : ١٣٧.

(٣) زيادة من زاد المسير (٧ / ٢٠٢).

(٤) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ٢٠٢).

٥٨٢

لأن التكليف قد زال في ذلك الزمان.

(وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) أي : بين العباد.

[وقيل](١) : بين الملائكة ، على معنى : فضّل بينهم بتمييز درجاتهم على حسب فضائلهم.

والأول أصح.

(وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) هذا قول المؤمنين ، حمدوا الله تعالى على خلاصهم من الجحيم وفوزهم بالنعيم.

قال قتادة : فتح أول الخلق بالحمد ، فقال تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [الأنعام : ١] ، وختم بالحمد ، فقال تعالى : (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(٢).

وقد ذكر نحوه عن ابن عباس في أول الأنعام.

قال المفسرون : ابتدأ الله تعالى ذكر الخلق بالحمد ، وختم غاية الأمر وهو استقرار الفريقين في منازلهم بالحمد ؛ تنبيها للحق على حمده في بداية كل أمر وخاتمته (٣).

وفي الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أبتر» (٤).

__________________

(١) في الأصل : قيل.

(٢) أخرجه الطبري (٢٤ / ٣٨). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٢٦٧) وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر.

(٣) ذكره الماوردي (٥ / ١٤٠) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ٢٠٢ ـ ٢٠٣).

(٤) أخرجه ابن ماجه (١ / ٦١٠ ح ١٨٩٤).

٥٨٣

سورة المؤمن (١)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وهي أربع وثمانون آية في المدني وخمس في الكوفي (٢) ، وهي مكية بإجماعهم.

ويحكى عن ابن عباس وقتادة : أن فيها آيتين نزلتا بالمدينة ، وهما قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ) والتي بعدها (٣).

وقال الزجاج (٤) : الحواميم كلها نزلت بمكة.

وفي حديث أنس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «الحواميم ديباج القرآن» (٥).

وقال ابن مسعود : إذا وقعت في آل حم وقعت في روضات دمثات أتأنق فيها (٦).

وقال ابن سيرين : رأى واحد في المنام سبع جوار حسان في مكان واحد لم ير أحسن منهن ، فقال لهن : لمن أنتن؟ قلن : لمن قرأ آل حم؟ (٧).

__________________

(١) وتسمى سورة غافر.

(٢) انظر : البيان في عد آي القرآن (ص : ٢١٨).

(٣) انظر : الإتقان في علوم القرآن (١ / ٥٢) ، والماوردي (٥ / ١٤١) ، وزاد المسير (٧ / ٢٠٤).

(٤) معاني الزجاج (٤ / ٣٦٥).

(٥) ذكره السيوطي في الدر (٧ / ٢٦٩) وعزاه لأبي الشيخ وأبي نعيم والديلمي. وقد أخرجه الحاكم (٢ / ٤٧٤ ح ٣٦٣٤) ، وابن أبي شيبة (٦ / ١٥٣ ح ٣٠٢٨٣) موقوفا على عبد الله بن مسعود.

وديباج القرآن : زينته ، وفي القاموس (مادة : دبج) : الديباج : النقش.

(٦) أخرجه ابن أبي شيبة (٦ / ١٥٣ ح ٣٠٢٨٥). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٢٦٨) وعزاه لأبي عبيد ومحمد بن نصر وابن المنذر.

(٧) ذكره الثعلبي (٨ / ٢٦٢) ، والقرطبي في تفسيره (١٥ / ٢٨٨) عن محمد بن قيس.

٥٨٤

قال ابن الأنباري (١) : العرب تقول : وقع في الحواميم وفي آل حم ، وأنشد أبو عبيدة (٢) :

حلفت بالسبع اللواتي طوّلت

وبمئين بعدها قد أمئيت

وبمثان ثنّيت فكرّرت

وبالطواسين اللواتي ثلّثت

وبالحواميم اللواتي سبّعت

[وبالمفصّل اللواتي فصّلت](٣)

فمن قال : وقع في حم ، جعل حم اسما لكلهن ، ومن قال : وقع في الحواميم ، جعل حم كأنه حرف واحد بمنزلة قابيل وهابيل.

وقال غيره : من الخطأ أن تقول : قرأت الحواميم ، وليس من كلام العرب ، والصواب : آل حم.

وأنشدوا للكميت :

وجدنا لكم في آل حاميم آية

تأوّلها منا تقيّ ومعرب (٤)

(حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (٣)

قوله تعالى : (حم) قرأ حمزة والكسائي بإمالة الحاء في الجمع.

__________________

(١) انظر قول الأنباري في : زاد المسير (٧ / ٢٠٤).

(٢) مجاز القرآن (١ / ٧).

(٣) زيادة من مجاز القرآن ، الموضع السابق.

(٤) البيت للكميت ، وهو في : الكتاب (٣ / ٢٥٧) ، والطبري (٢٤ / ٤٠) ، والبحر (٧ / ٤٢٩) ، والدر المصون (٦ / ٢٧) ، وزاد المسير (٧ / ٢٠٤) ، وروح المعاني (٢٥ / ٣١).

٥٨٥

واختلفت الرواية عن ابن عامر ؛ فروي عنه الإمالة والتفخيم ، [وفخمها](١) الباقون (٢).

قال الزجاج (٣) : فأما الميم فساكنة في قراءة القرّاء كلهم ، إلا عيسى بن عمر فإنه حكي عنه أنه قرأ : " حم" وفتح الميم ، وذلك على ضربين :

أحدهما : أن تجعل" حم" اسما للسورة ، فتنصبه ولا تنونه ؛ لأنه على لفظ الأسماء الأعجمية ، نحو : هابيل وقابيل ، ويكون المعنى على قولك : اتل حم يا هذا.

والأجود أن يكون فتح" حم" ؛ لالتقاء الساكنين ، حيث جعله اسما للسورة ، ويكون حكاية حرف هجاء.

وقال الزمخشري (٤) : وجه الفتح : التحريك لالتقاء الساكنين ، وإيثار أخف الحركات ، نحو : أين وكيف ، أو النصب بإضمار" اقرأ" ، ومنع الصرف للتأنيث والتعريف ، أو التعريف وأنها [على زنة](٥) أعجمي ، نحو : قابيل وهابيل.

وللمفسرين في معنى حم ثمانية أقوال (٦) :

أحدها : أنه اسم من أسماء الله تعالى أقسم الله تعالى به (٧).

__________________

(١) في الأصل : فخمها.

(٢) الحجة للفارسي (٣ / ٣٤٥ ـ ٣٤٦) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٦٢٦ ـ ٦٢٧) ، والكشف (١ / ١٨٨) ، والإتحاف (ص : ٣٧٧) ، والسبعة (ص : ٥٦٦ ـ ٥٦٧).

(٣) معاني الزجاج (٤ / ٣٦٥).

(٤) الكشاف (٤ / ١٥٢).

(٥) في الأصل : لزنة. والمثبت من الكشاف (٤ / ١٥٢).

(٦) ذكر هذه الأقوال الماوردي في تفسيره (٥ / ١٤١).

(٧) أخرجه الطبري (٢٤ / ٣٩). وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ٢٠٥).

٥٨٦

الثاني : أن معنى" حم" : قضي ما هو كائن (١).

الثالث : أنهما مع انضمام الر [وحم](٢) ونون اسم الرحمن على الهجاء (٣). رويت هذه الأقوال الثلاثة عن ابن عباس.

الرابع : أن الحاء مفتاح اسم حميد ، والميم مفتاح مجيد. قاله أبو العالية (٤).

الخامس : أن الحاء مفتاح كل اسم [لله ابتداؤه حاء ، مثل : حكيم ، وحليم ، وحي. والميم مفتاح كل اسم](٥) أوله ميم ، مثل : ملك ، ومتكبر ، ومجيد ، ومهيمن. قاله عطاء الخراساني (٦).

قال محمد بن كعب القرظي : أقسم الله تعالى بحلمه وملكه أن لا يعذب أحدا عاد إليه بقول : لا إله إلا الله مخلصا من قلبه (٧).

السادس : أن حم اسم من أسماء القرآن. قاله قتادة (٨).

السابع : أنه اسم السورة. قاله الشعبي.

الثامن : أنه اسم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قاله جعفر الصادق.

__________________

(١) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ٢٠٦).

(٢) زيادة من زاد المسير ، الموضع السابق.

(٣) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ٢٠٦).

(٤) مثل السابق.

(٥) زيادة من زاد المسير (٧ / ٢٠٦).

(٦) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ٢٠٦).

(٧) ذكره القرطبي في تفسيره (١٦ / ٢).

(٨) أخرجه الطبري (٢٤ / ٣٩). وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ٢٠٦).

٥٨٧

وفي صحيح البخاري (١) : يقال : حم اسم ، يدل عليه قول شريح بن أبي أوفى العبسي :

يناشدني حم والرمح دونه

فهلّا تلا حم قبل التقدم (٢)

قوله تعالى : (وَقابِلِ التَّوْبِ) جمع توبة ، أو مصدر.

وقال صاحب الكشاف (٣) : التّوب والثّوب والأوب : أخوات في معنى الرجوع ، والطّول : الفضل والزيادة. يقال : لفلان على فلان طول.

فإن قلت : كيف اختلفت هذه الصفات تعريفا وتنكيرا ، والموصوف معرفة تقتضي أن تكون مثله معارف؟

قلت : أما غافر الذنب وقابل التوب فمعرفتان ؛ لأنه لم يرد بهما حدوث الفعلين ، وأنه يغفر [الذنب](٤) ويقبل التوب الآن أو غدا ، حتى يكونا في تقدير الانفصال ، وتكون إضافتهما غير حقيقية ؛ وإنما أريد ثبوت ذلك ودوامه ، وكان حكمهما حكم إله الخلق ورب العرش.

وأما شديد العقاب فأمره مشكل ؛ لأنه في تقدير : شديد عقابه لا ينفك من هذا التقدير ، وقد جعله الزجاج (٥) بدلا. وفي كونه بدلا وحده

__________________

(١) ذكره البخاري في صحيحه تعليقا (٤ / ١٨١٣).

(٢) انظر البيت في : اللسان (مادة : حمم) ، والطبري (٢٤ / ٣٩) ، والقرطبي (١٥ / ٢٩٠) ، والماوردي (٥ / ١٤١) ، والبحر (٧ / ٤٢٩) ، والدر المصون (٦ / ٢٧) ، والمقتضب (١ / ٣٧٣) ، ومجاز القرآن (٢ / ١٩٣).

(٣) الكشاف (٤ / ١٥٢ ـ ١٥٣).

(٤) في الأصل : الذنوب. والمثبت من الكشاف (٤ / ١٥٢).

(٥) انظر : معاني الزجاج (٤ / ٣٦٦).

٥٨٨

[بين](١) الصفات [نبوّ](٢) ظاهر ، والوجه أن يقال : لما صودف بين هؤلاء المعارف هذه النكرة الواحدة ، فقد آذنت بأن كلّها أبدال غير أوصاف ، ومثال ذلك قصيدة جاءت تفاعيلها كلها على [مستفعلن](٣) ، فهي محكوم عليها بأنها من بحر الرجز ، فإن وقع فيها جزء واحد على متفاعلن كانت من الكامل (٤). ولقائل أن يقول : هي صفات ، وإنما حذف الألف واللام من شديد العقاب ليزاوج ما قبله وما بعده لفظا ، فقد غيروا كثيرا من كلامهم عن قوانينه لأجل الازدواج ، ومما سهل ذلك الأمن [من](٥) اللبس وجهالة الموصوف.

فإن قلت : ما بال الواو في قوله : (وَقابِلِ التَّوْبِ)؟

قلت : فيه نكتة جليلة ، وهي إفادة الجمع للمذنب [التائب](٦) بين رحمتين : بين أن تقبل توبته فيكتبها له طاعة من الطاعات ، وأن يجعلها محّاءة للذنوب ، كأن لم يذنب ، كأنه قال : جامع المغفرة والقبول.

__________________

(١) في الأصل : من. والتصويب من الكشاف (٤ / ١٥٣).

(٢) في الأصل : نبوة. والتصويب من الكشاف ، الموضع السابق.

(٣) في الأصل : مستفعلين. والتصويب من الكشاف ، الموضع السابق.

(٤) وقد ناقش ذلك أبو حيان في البحر (٧ / ٤٣٠) فقال : ولا نبوّ في ذلك ؛ لأن الجري على القواعد التي استقرت وصحت هو الأصل. وقوله : " فقد آذنت بأن كلها أبدال" تركيب غير عربي ، لأنه جعل" فقد أذنت" جواب" لما" وليس من كلامهم : لما قام زيد فقد قام عمرو ، وقوله : " بأن كلها أبدال" فيه تكرار الأبدال ، أما بدل البدل عند من أثبته فقد تكررت فيه الأبدال ، وأما بدل كل من كل ، وبدل بعض من كل ، وبدل اشتمال ، فلا نص عن أحد من النحويين أعرفه في جواز التكرار فيها ، أو منعه.

(٥) زيادة من الكشاف (٤ / ١٥٣).

(٦) زيادة من الكشاف ، الموضع السابق.

٥٨٩

(ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (٤) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (٥) وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ)(٦)

قوله تعالى : (ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ) أي ما يجادل فيها بالباطل (إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) ومثل هذا قوله عليه الصلاة والسّلام : «مراء في القرآن كفر» (١).

قوله تعالى : (وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ) وهم الذين تحزبوا على الرسل. وقد فسرنا ذلك مع ما لم نذكر تفسيره هاهنا.

قوله تعالى : (وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ) قال : [وجّهت](٢) إلى الرجال.

وقرأ ابن مسعود : " برسولها" (٣). وكلّ صواب.

(لِيَأْخُذُوهُ) قال ابن عباس : ليقتلوه (٤).

وقيل : ليحبسوه ويعذبوه (٥). ويقال للأسير : أخيذ.

(فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ) سبق تفسيره.

__________________

(١) أخرجه أحمد (٢ / ٢٨٦ ح ٧٨٣٥).

(٢) في الأصل : ذهبت. والصواب ما أثبتناه. انظر : تفسير الطبري (٢٤ / ٢٣).

(٣) انظر هذه القراءة في : البحر (٧ / ٤٣٢) ، والدر المصون (٦ / ٣٠).

(٤) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٤) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ٢٠٧).

(٥) ذكره الماوردي (٥ / ١٤٣) حكاية عن ابن قتيبة.

٥٩٠

(وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) قد سبق تفسيرها واختلاف القرّاء فيها في الموضع الأول من يونس (١).

(أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ) قال الزمخشري (٢) : " هم" في محل الرفع بدل من" كلمة ربك" ، أي : مثل ذلك الوجوب وجب على الذين كفروا كونهم من أصحاب النار. والمعنى : كما وجب إهلاكهم في الدنيا بالعذاب ، كذلك وجب إهلاكهم بعذاب النار في الآخرة ، أو في محل النصب بحذف لام التعليل وإيصال الفعل.

(الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (٧) رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٨) وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(٩)

ثم أخبر سبحانه وتعالى بفضل المؤمنين فقال : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ) وهم أربعة أملاك ، فإذا كان يوم القيامة جعلوا ثمانية.

قال ابن عباس : حملة العرش ما بين [منكب](٣) أحدهم إلى أسفل قدمه

__________________

(١) عند الآية رقم : ٣٣.

(٢) الكشاف (٤ / ١٥٥).

(٣) في الأصل : كعب. والتصويب من الدر المنثور (٧ / ٢٧٦).

٥٩١

مسيرة خمسمائة عام (١).

وقال مسروق : أرجلهم في الأرض السفلى ورؤوسهم قد خرقت العرش ، وهم خشوع لا يرفعون طرفهم ، [وهم](٢) أشد خوفا من أهل السماء السابعة ، وأهل السماء السابعة أشد خوفا من أهل السماء السادسة ، والتي تليها أشد خوفا من التي تليها (٣).

وقال مجاهد : بين الملائكة وبين العرش سبعون حجابا من نور (٤).

قال ابن عباس : لما خلق الله تعالى حملة العرش قال لهم : احملوا عرشي ، فلم يطيقوا ، فخلق مع كل ملك منهم مثل جنود من في السموات من الملائكة ومن في الأرض من الخلق ، فقال : احملوا عرشي فلم يطيقوا ، فخلق مع كل منهم مثل جنود سبع سموات وسبع أرضين ، وما في الأرض من عدد وخلق ، وعد الحصى والثرى ، فقال : احملوا عرشي ، فلم يطيقوا ، فقال : قولوا : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، فلما قالوها استقلوا عرش ربنا عزوجل ، قال : فنفدت أقدامهم في الأرض السابعة على متن الثرى فلم تستو ، فكتب على كل قدم من أقدامهم اسما من أسمائه عزوجل ، فاستقر في أقدامهم (٥).

__________________

(١) ذكره السيوطي في الدر (٧ / ٢٧٥ ـ ٢٧٦) وعزاه لعبد بن حميد وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات.

(٢) زيادة من الدر المنثور (٧ / ٢٧٦).

(٣) ذكره السيوطي في الدر المنثور (٧ / ٢٧٦) وعزاه لعبد بن حميد عن ميسرة.

(٤) أخرجه أبو الشيخ في العظمة (٢ / ٦٩١ ح ١٩). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٤ / ٣٣٦) وعزاه لعبد بن حميد وأبي الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات.

(٥) ذكره الثعلبي (٨ / ٢٦٦).

٥٩٢

وروى شهر بن حوشب عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن خلقا من الملائكة يقال له : إسرافيل ، زاوية من زوايا العرش على كاهله وقدماه على الأرض السفلى ، وقد مرق رأسه من سبع سماوات ، وإنه ليتضاءل من عظمة الله عزوجل حتى يصير كأنه الوصع» (١).

وفي حديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أذن لي أن أحدث عن ملك من الملائكة من حملة العرش ، ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام» (٢).

قوله تعالى : (وَمَنْ حَوْلَهُ) قال وهب بن منبه : حول العرش سبعون ألف صف من الملائكة [يطوفون به ، ومن وراء هؤلاء مائة ألف صف من الملائكة](٣) ، ليس منهم أحد إلا وهو يسبح بما لا يسبح الآخر (٤).

وقال غيره : الذين حول العرش هم الكروبيون ، وهم سادة الملائكة (٥).

(وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) هذا تفسير لقوله تعالى : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ).

(رَبَّنا) أي : يقولون ربنا (وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً) قال الزجاج (٦) :

__________________

(١) أخرجه أبو الشيخ في العظمة (٢ / ٦٩٧ ـ ٦٩٨ ح ٢٧). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٢٧٦) وعزاه لأبي الشيخ في العظمة.

والوصع : الصغير من العصافير (اللسان ، مادة : وصع).

(٢) أخرجه أبو داود (٤ / ٢٣٢ ح ٤٧٢٧).

(٣) زيادة من زاد المسير (٧ / ٢٠٨).

(٤) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ٢٠٨).

(٥) مثل السابق.

(٦) معاني الزجاج (٤ / ٣٦٧).

٥٩٣

النصب على التمييز.

وقال غيره : المعنى : وسعت رحمتك وعلمك كلّ شيء (١).

(فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا) من الشرك (وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ) وهو الإسلام.

قوله تعالى : (وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ) أي : عذاب السيئات.

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ (١٠) قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (١١) ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (١٢) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ (١٣) فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ)(١٤)

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ) قال قتادة : ينادون يوم القيامة (٢).

وقال السدي : في النار (٣).

(لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) أي : لمقت الله أنفسكم أكبر من مقتكم أنفسكم.

(إِذْ تُدْعَوْنَ) منصوب بالمقت الأول ، والمعنى : يقال للكافرين يوم القيامة : كان الله يمقتكم حين كان الأنبياء يدعونكم إلى الإيمان ، فتأبون عليهم أشد من

__________________

(١) ذكره الماوردي (٥ / ١٤٤).

(٢) أخرجه الطبري (٢٤ / ٤٦). وذكره الماوردي (٥ / ١٤٥).

(٣) مثل السابق.

٥٩٤

مقتكم اليوم لأنفسكم.

قال الحسن : لما رأوا أعمالهم الخبيثة مقتوا أنفسهم ، فنودوا : (لمقت ... الآية) (١).

وقيل : المعنى : لمقت الله إياكم إذ عصيتموه أكبر من مقت بعضكم بعضا حين يتلا عن القادة والأتباع ويتبرّأ بعضكم من بعض.

وقيل : المعنى : لمقت الله إياكم اليوم حين شاهدتم ما وعدتم به أكبر من مقتكم أنفسكم.

قوله تعالى : (إِذْ تُدْعَوْنَ) : تعليل ، فالمقت : أشدّ البغض. وقد سبق.

قوله تعالى : (قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) أي : أمتّنا إماتتين وأحييتنا إحيائين ، أو أمتّنا موتتين وأحييتنا إحيائين.

وقد سبق تفسير ذلك في أوائل البقرة في قوله تعالى : (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ) [البقرة : ٢٨] ، وذكرنا ثمة ما هو الصحيح الذي يجب أن يعتمد عليه في التفسير.

وقال السدي : أميتوا في الدنيا ثم أحيوا في قبورهم ، ثم أميتوا في قبورهم ثم أحيوا في الآخرة (٢).

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : أحياهم حين أخذ الميثاق عليهم ، ثم أماتهم بعده ، ثم أحياهم حين أخرجهم ، ثم أماتهم عند انقضاء آجالهم (٣).

(فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا) وذلك أنهم كانوا ينكرون البعث في الدنيا ، فلما تكررت

__________________

(١) ذكره السيوطي في الدر المنثور (٧ / ٢٧٧) وعزاه لعبد بن حميد.

(٢) أخرجه الطبري (٢٤ / ٤٨). وذكره الماوردي (٥ / ١٤٦).

(٣) ذكره الماوردي (٥ / ١٤٦).

٥٩٥

عليهم الإماتة والإحياء علموا أن الله تعالى قادر على ذلك وعلى ما يشاء ، فاعترفوا حينئذ بذنوبهم التي اقترفوها من إنكار البعث وغيره.

(فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ) من النار وتخليص مما نحن فيه من العذاب (مِنْ سَبِيلٍ) كأنهم سألوا العود إلى الدنيا ليقروا بالبعث ويعملوا بالطاعة.

وفي الكلام محذوف ، تقديره : لا سبيل لكم إلى الخروج.

قوله تعالى : (ذلِكُمْ) أي : ذلكم الذي أنتم فيه ولا تقدرون على التخلص منه بسبب أنه (إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ) فقيل : لا إله إلا الله (كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ) فهو الذي حكم عليكم بالعذاب الشديد (الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ) : سبق تفسيرهما.

(رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (١٥) يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (١٦) الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) (١٧)

قوله تعالى : (رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ) مبتدأ ، خبره مقدم عليه وهو : " رفيع الدرجات" (١).

وقرئ : " رفيع" بالنصب على المدح (٢).

__________________

(١) انظر : التبيان (٢ / ٢١٧) ، والدر المصون (٦ / ٣٢). وفيهما : أن" رفيع الدرجات" مبتدأ ، وخبره : " ذو العرش".

(٢) انظر هذه القراءة في : البحر (٧ / ٤٣٦) ، والدر المصون (٦ / ٣٣).

٥٩٦

واختلفوا في معنى" رفيع الدرجات" ؛ فقال ابن عباس : يعني : رافع السموات (١).

وقيل : عظيم الصفات (٢).

وقيل : رفعه درجات أوليائه (٣).

وقيل : هو كقوله تعالى : (ذِي الْمَعارِجِ) [المعارج : ٣] وهي مصاعد الملائكة إلى أن تبلغ العرش (٤).

وقيل : هو مجاز عن علوّ شأنه وعظمة سلطانه.

(يُلْقِي الرُّوحَ) وهو الوحي. وقيل : جبريل.

(مِنْ أَمْرِهِ) قال ابن عباس : من قضائه (٥).

وقال مقاتل (٦) : بأمره.

وقيل : " من أمره" : من قوله. وهذا يجيء على قول من قال : الروح : الوحي (٧).

(عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام.

(لِيُنْذِرَ) الله ، أو الروح ، أو النبي الذي ألقي عليه الروح.

__________________

(١) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ٢١٠).

(٢) ذكره الماوردي (٥ / ١٤٧) من قول ابن زياد.

(٣) ذكره الماوردي (٥ / ١٤٧) من قول يحيى.

(٤) وهو قول الزمخشري في الكشاف (٤ / ١٦٠).

(٥) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٧) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ٢١١).

(٦) تفسير مقاتل (٣ / ١٤٥) ولفظه : بإذنه.

(٧) وهو قول قتادة. أخرجه الطبري (٢٤ / ٤٩). وذكره الماوردي (٥ / ١٤٧) ، والسيوطي في الدر (٧ / ٢٧٩) وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر.

٥٩٧

وقرأت ليعقوب من رواية زيد عنه : " لتنذر" (١) على الخطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو لتنذر الروح ؛ لأنها مؤنث.

(يَوْمَ التَّلاقِ) وهو يوم القيامة.

قال ابن عباس : يلتقي فيه أهل السماوات وأهل الأرض والأولون والآخرون (٢).

وقال قتادة : يلتقي الخالق والمخلوق (٣).

وقال ميمون بن مهران : يلتقي فيه الظالم والمظلوم (٤).

وقيل : يلتقي المرء بعمله (٥).

(يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ) ظاهرون لا يسترهم جبل ولا أكمة ولا بناء ولا شيء ، ولا عليهم ثياب ، كما جاء في الحديث : «يحشرون حفاة عراة غرلا» (٦).

(لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ) أي : لا يخفى عليه من أعمالهم وأحوالهم شيء.

ولعمري! إن الله تعالى لا يخفى عليه شيء برزوا أو اختفوا ، وإنما هذا لدفع ما توهمه الكفرة والجهلة ، كما قال الله تعالى : (وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا

__________________

(١) انظر : إتحاف فضلاء البشر (ص : ٣٧٨).

(٢) ذكره الماوردي (٥ / ١٤٨) ، والواحدي في الوسيط (٤ / ٧) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ٢١١).

(٣) أخرجه الطبري (٢٤ / ٥٠). وذكره الماوردي (٥ / ١٤٨) ، والسيوطي في الدر (٧ / ٢٧٩) وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر.

(٤) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ٢١١).

(٥) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ٢١١) حكاية عن الثعلبي.

(٦) أخرجه البخاري (٣ / ١٢٧١ ح ٣٢٦٣) ، ومسلم (٤ / ٢١٩٤ ح ٢٨٥٩).

٥٩٨

تَعْمَلُونَ) [فصلت : ٢٢].

وقيل : المعنى : يوم هم بارزون من قبورهم لا يخفى على الله منهم شيء ، بل ينشرهم ويحشرهم جميعا.

قوله تعالى : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) قال محمد بن كعب وأكثر العلماء بالتفسير : إذا أفنى الله تعالى الخلائق يقول : لمن الملك اليوم؟ فلا يجيبه أحد ، فيجيب نفسه عزوجل فيقول : (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ)(١).

وقال ابن مسعود : يجمع الله الخلائق يوم القيامة بصعيد واحد ، بأرض بيضاء كأنها سبيكة فضة ، لم يعص الله تعالى فيها قط ، فأول ما يتكلم به أن ينادي مناد : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) قوله تعالى : (سَرِيعُ الْحِسابِ)(٢).

فعلى هذا : المجيب هو المنادي.

وقال عطاء : يجيب الله تعالى نفسه فيقول : (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ)(٣).

وقال ابن جريج : تجيبه الخلائق المؤمنون والكافرون فيقولون : " لله الواحد القهار" (٤).

وقوله : " اليوم" ينتصب بمدلول قوله تعالى : (لِمَنِ) ، أي : لمن ثبت الملك في هذا اليوم.

وقال قوم : الوقف على" الملك" حسن ، ويبتدئ : " اليوم لله" ، أي : هو ثابت لله

__________________

(١) ذكره الماوردي (٥ / ١٤٨) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ٢١٢).

(٢) ذكره السيوطي في الدر المنثور (٧ / ٢٨٠) وعزاه لعبد بن حميد.

(٣) ذكره الماوردي (٥ / ١٤٨) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ٢١٢).

(٤) مثل السابق.

٥٩٩

في هذا اليوم.

(وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (١٨) يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ (١٩) وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(٢٠)

قوله تعالى : (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ) وهو يوم القيامة ، سمي بذلك ؛ لأزوفه ، وهو قربه ، ومنه : (أَزِفَتِ الْآزِفَةُ) [النجم : ٥٧].

وقيل : هو يوم حضور المنية (١).

والأول أصح.

(إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ) وذلك أنها ترتقي من المخافة وتنتقل من مقارّها إلى الحناجر ، فلا ترجع إلى مواضعها فيتنفسوا ويستريحوا ، ولا تخرج فيموتوا ، ولكنها معترضة كالشّجا (٢). وقد سبق ذكر الحناجر في الأحزاب (٣).

قال الزجاج (٤) : (كاظِمِينَ) منصوب على الحال ، والحال محمولة على المعنى ؛ لأن القلوب لا يقال لها : كاظمين ، وإنما الكاظمون أصحاب القلوب. والمعنى : إذ قلوب الناس لدى الحناجر في حال كظمهم.

__________________

(١) قاله قطرب. ذكره الماوردي (٥ / ١٤٩) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ٢١٢).

(٢) الشجا : ما اعترض في الحلق (القاموس ، مادة : شجا).

(٣) عند الآية رقم : ١٠.

(٤) معاني الزجاج (٤ / ٣٦٩ ـ ٣٧٠).

٦٠٠