رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٦

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي

رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٦

المؤلف:

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٥

على ظاهره ، على معنى : ضربنا لهم الأمثال تقريبا إلى أفهامهم وتنبيها لهم واحتجاجا عليهم.

وجائز أن يكون المعنى : ولقد وصفنا لهم كل صفة كأنها مثل في غرابتها [وقصصنا عليهم كل قصة عجيبة الشأن](١) كصفة المبعوثين يوم القيامة [وقصتهم](٢) وما يقولون وما يقال لهم.

(وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ) خارقة (لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) لقسوة قلوبهم وبنوّ طباعهم عن قبول الحق ومجّ أسماعهم حديث الآخرة.

(إِنْ أَنْتُمْ) أي : ما أنتم يا محمد وأصحابك (إِلَّا مُبْطِلُونَ).

(كَذلِكَ) أي : مثل ذلك الطبع (يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) أي : على قلوب الجهلة بالله تعالى وبصفاته وبما جاءت به رسله.

(فَاصْبِرْ) يا محمد على أذاهم وعداوتهم (إِنَّ وَعْدَ اللهِ) تعالى بصبرك وظهور دينك وإعلاء كلمتك (حَقٌ) لا بد من وقوعه وإنجازه.

(وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ) وقرأت ليعقوب بسكون النون وتخفيفها (٣).

والمعنى : لا يستخفنّ رأيك وحلمك.

وقال الزجاج (٤) : لا يستفزّنّك عن دينك.

__________________

(١) زيادة من الكشاف (٣ / ٤٩٤).

(٢) مثل السابق.

(٣) النشر (٢ / ٢٤٦) ، والإتحاف (ص : ١٨٤).

(٤) معاني الزجاج (٤ / ١٩٢).

٤١

(الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ) [بالبعث](١) والجزاء.

وبعض المفسرين يقول : الأمر بالصبر منسوخ بآية السيف. وقد سبق الكلام على أمثالها.

__________________

(١) في الأصل : بالبهت. والصواب ما أثبتناه. انظر : زاد المسير (٦ / ٣١٣).

٤٢

سورة لقمان عليه‌السلام

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وهي ثلاث وثلاثون آية في المدني ، وأربع وثلاثون آية في المكي ، وهي مكية.

واستثنى قوم ثلاث آيات متواليات من قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) فقالوا : نزلت بالمدينة (١).

(الم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (٢) هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (٣) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤) أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(٥)

قوله تعالى : (هُدىً وَرَحْمَةً) قرأهما حمزة بالرفع ، والباقون بالنصب (٢).

فمن رفع فعلى معنى : هو هدى ورحمة ، ومن نصب : فعلى الحال من «آيات» ، والعامل فيها ما في «تلك» من معنى الفعل.

(لِلْمُحْسِنِينَ) يعني : الذين يعملون الحسنات المذكورة في الآية التي بعدها ، كأنه قيل : من المحسنون؟ فقال : (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ...) الآية.

ومثل هذا ما يروى : أن الأصمعي سئل عن الألمعي ما هو ، فأنشد قول أوس :

__________________

(١) أخرجه النحاس في ناسخه (ص : ٦١٩). وذكره السيوطي في الدر (٦ / ٥٠٣) وعزاه للنحاس.

وانظر : الإتقان (١ / ٣٦).

(٢) الحجة للفارسي (٣ / ٢٧٢) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٥٦٣) ، والكشف (٢ / ١٨٧) ، والنشر (٢ / ٣٤٦) ، والإتحاف (ص : ٣٤٩) ، والسبعة (ص : ٥١٢).

٤٣

الألمعيّ الذي يظنّ بك ال

ظن كأن قد رأى وقد سمعا (١)

ولم يرد.

ويجوز أن يكون المراد بالمحسنين : الذين يعملون الحسنات ، ثم خص هذه الخصال الثلاث بالذّكر ؛ لموضع اختصاصها بالفضل.

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٦) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ)(٧)

قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ) قال ابن السائب ومقاتل (٢) : كان النضر بن الحارث يخرج تاجرا إلى فارس ، فيشتري كتبا فيها أخبار الأعاجم فيرويها ويحدث بها قريشا ، ويقول لهم : إن محمدا يحدثكم حديث عاد وثمود ، وأنا أحدثكم حديث رستم [واسفنديار وأخبار](٣) الأكاسرة ، فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن ، فنزلت هذه الآية (٤).

__________________

(١) البيت لأوس بن حجر. انظر : ديوانه (ص : ٥٣) ، واللسان (مادة : حظرب ، لمع) ، والبحر (٧ / ١٧٩) ، والدر المصون (٥ / ٣٨٦) ، والخصائص (٢ / ١١٢).

(٢) تفسير مقاتل (٣ / ١٨).

(٣) في الأصل : واسفندار وأخبا. والصواب ما أثبتناه. وانظر : مصادر التخريج.

(٤) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (٤ / ٣٠٥) عن ابن عباس. وذكره الواحدي في أسباب نزول القرآن (ص : ٣٥٦) ، والوسيط (٣ / ٤٤٠ ـ ٤٤١) ، والماوردي (٤ / ٣٢٩) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٦ / ٣١٥ ـ ٣١٦) ، والسيوطي في الدر (٦ / ٥٠٣) وعزاه للبيهقي في الشعب عن ابن عباس.

٤٤

وقال مجاهد : نزلت في شراء القيان والمغنيات (١).

وروي : أن النضر كان يشتري المغنيات ، فلا يظفر بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به [إلى](٢) قينته فيقول : أطعميه واسقيه وغنّيه ، ويقول : هذا خير لك مما يدعو إليه محمد من الصلاة والصيام وأن تقاتل بين يديه (٣).

وقال ابن عباس رضي الله عنهما : نزلت في رجل اشترى جارية كانت تغنّيه ليلا ونهارا (٤).

وقد أخرج الإمام أحمد رضي الله عنه في مسنده من حديث أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يحل تعليم المغنيات ولا بيعهن ، وأثمانهن حرام» (٥).

وفي مثل هذا نزلت هذه الآية : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ ...) إلى آخر الآية.

وقال أبو الصهباء : سألت ابن مسعود رضي الله عنه عن هذه الآية فقال : هو الغناء والله الذي لا إله إلا هو ، يرددها ثلاث مرات (٦).

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢١ / ٦٢) ، ومجاهد (ص : ٥٠٣). وذكره الواحدي في أسباب نزول القرآن (ص : ٣٥٦).

(٢) زيادة على الأصل.

(٣) ذكره السيوطي في الدر (٦ / ٥٠٤) وعزاه لجويبر عن ابن عباس.

(٤) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (٤ / ٢٧٩ ح ٥١٠٤) عن ابن مسعود. وذكره الواحدي في أسباب نزول القرآن (ص : ٣٥٧) ، والسيوطي في الدر (٦ / ٥٠٨) وعزاه للبيهقي عن ابن مسعود.

(٥) أخرجه أحمد (٥ / ٢٥٧ ح ٢٢٢٧٢).

(٦) أخرجه الحاكم (٢ / ٤٤٥ ح ٣٥٤٢) وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وابن أبي شيبة (٤ / ٣٦٨ ح ٢١١٣٠) ، والبيهقي في شعبه (٤ / ٢٧٨ ح ٥٠٩٦) ، والطبري (٢١ / ٦١). وذكره ـ

٤٥

وقال قتادة : هو كل لهو (١).

قال أهل المعاني : فيدخل في هذا كل من اختار اللهو واللعب والمعازف والمزامير على القرآن.

قوله تعالى : (يَشْتَرِي) إما أن يكون على حقيقته ـ كما روينا عن النضر ـ ، أو على مجازه ، وهو إيثار اللهو ، واختياره على ما أسلفنا في قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) [البقرة : ١٦].

قوله تعالى : (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) قرأ أهل الكوفة : «ليضلّ» بضم الياء ، على معنى : ليضل غيره ، وقرأ الباقون بفتح الياء (٢) ، على معنى : ليصير أمره إلى الضلال.

وقوله : (بِغَيْرِ عِلْمٍ) في محل الحال من الضمير في «يشتري» (٣) ، أو في «ليضلّ» فهو تجهيل للمضلّ أو تجهيل للمشتري حيث لم يهتد إلى التجارة الرابحة.

قوله تعالى : (وَيَتَّخِذَها هُزُواً) قرأ حمزة والكسائي وحفص بنصب الذال ، ورفعها الباقون.

فمن نصب عطف على «ليضلّ» ، ومن رفع عطف على [«يشتري»](٤) ، والضمير المنصوب في «يتّخذها» يعود إلى الآيات ، أو إلى «سبيل الله» ، فإن السبيل

__________________

ـ السيوطي في الدر (٦ / ٥٠٥) وعزاه لابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب.

(١) ذكره البغوي في تفسيره (٣ / ٤٩٠).

(٢) الحجة لابن زنجلة (ص : ٥٦٣) ، والنشر (٢ / ٢٩٩) ، والإتحاف (ص : ٣٤٩).

(٣) انظر : الدر المصون (٥ / ٣٨٦).

(٤) في الأصل : ليشتري.

٤٦

يؤنّث ويذكّر (١) ، وقد ذكر فيما مضى.

ويجوز عندي : أن يعود الضمير إلى «الآخرة» ، فإن تكذيبهم بها واستهزاءهم بما كانوا يتوعدون به فيها متداول مشهور بينهم.

قوله تعالى : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ) أي : على المشتري لهو الحديث. وفي قوله : (كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها) تحقيق لمعنى استكباره وعدم مبالاته بالله تعالى وآياته.

(كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً) أي : ثقلا. والجملتان المصدريتان ب «كأنّ» مستأنفتان.

ويجوز أن يكون الأولى حالا من «مستكبرا» ، والثانية حالا من «لم يسمعها» ، والأصل في كأن المخففة : كأنّه ، والضمير ضمير الشأن (٢).

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (٨) خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩) خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (١٠) هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (١١) وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ)(١٢)

وما بعده مفسّر إلى قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ).

__________________

(١) انظر : التبيان (٢ / ١٨٧) ، والدر المصون (٥ / ٣٨٦).

(٢) هذا قول الزمخشري في الكشاف (٣ / ٤٩٨). وانظر : التبيان (٢ / ١٨٧) ، والدر المصون (٥ / ٣٨٦).

٤٧

اعلم أن مقصود الكلام في لقمان يحصره فصول أربعة :

الفصل الأول :

اختلفوا هل كان حرا أو عبدا؟ فقال محمد بن إسحاق : هو لقمان بن باعوراء بن ناحور بن تارح ـ وهو آزر ـ ، وعاش ألف سنة ، وأدرك زمان داود (١).

وقيل : كان ابن أخت أيوب. وقيل : ابن خالته.

وقال مجاهد : كان عبدا أسود عظيم الشفتين مشقق القدمين (٢).

وقال سعيد بن المسيب : كان أسود نوبيا من سودان مصر ، ذا مشافر (٣).

وقال ابن عباس : كان عبدا حبشيا (٤).

الفصل الثاني :

اختلفوا في صناعته ؛ فروى الإمام أحمد بإسناده عن سعيد بن المسيب : أن لقمان كان خياطا (٥).

__________________

(١) ذكره القرطبي في تفسيره (١٤ / ٥٩).

(٢) أخرجه أحمد في الزهد (ص : ٦٤) ، وابن أبي شيبة (٧ / ٧٣ ح ٣٤٢٩١) ، والطبري (٢١ / ٦٧) ، وابن أبي حاتم (٩ / ٣٠٩٧). وذكره السيوطي في الدر (٦ / ٥١٠) وعزاه لابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٣) أخرجه الطبري (٢١ / ٦٧) ، وابن أبي حاتم (٩ / ٣٠٩٧). وذكره السيوطي في الدر (٦ / ٥٠٩) وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٤) أخرجه الطبري (٢١ / ٦٧). وذكره السيوطي في الدر (٦ / ٥٠٩) وعزاه لابن أبي شيبة في الزهد وأحمد وابن أبي الدنيا في كتاب المملوكين وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٥) أخرجه أحمد في الزهد (ص : ٦٤). وذكره السيوطي في الدر (٦ / ٥١٠) وعزاه لابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن المنذر.

٤٨

وقال خالد [الربعي](١) : كان عبدا حبشيا نجارا (٢).

الفصل الثالث :

اختلفوا هل كان نبيا أم لا؟

فذهب الأكثرون ، منهم ابن عباس : إلى أنه كان حكيما ولم يكن نبيا (٣).

وقال عكرمة : كان نبيا (٤).

والأول أكثر وأصح.

ويروى : أن لقمان عليه‌السلام خيّر بين النبوة والحكمة فاختار الحكمة (٥).

الفصل الرابع : في الإشارة إلى نبذة يسيرة من حكمته :

روي : أن رجلا وقف عليه فقال : ألست الذي كنت ترعى معي؟ فقال : بلى ، فقال : ما بلغ بك ما أرى؟ قال : صدق الحديث ، والصمت عما لا يعنيني (٦).

ويروى : أنه دخل على داود عليه‌السلام وهو يسرد الدروع وقد ليّن الله تعالى

__________________

(١) في الأصل : الربع. وهو خطأ. انظر ترجمته في : الجرح والتعديل (٣ / ٣٢٢) ، ولسان الميزان (٢ / ٣٧٤).

(٢) أخرجه أحمد في الزهد (ص : ٦٥) ، والطبري (٢١ / ٦٧) ، وابن أبي شيبة (٧ / ٧٤ ح ٣٤٢٩٤).

(٣) أخرجه الطبري (٢١ / ٦٧). وذكره الماوردي (٤ / ٣٣١) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٦ / ٣١٧).

(٤) أخرجه الطبري (٢١ / ٦٨) ، وابن أبي حاتم (٩ / ٣٠٩٨). وذكره السيوطي في الدر (٦ / ٥١١) وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم.

(٥) أخرجه ابن أبي حاتم (٩ / ٣٠٩٧). وذكره الماوردي (٤ / ٣٣١) ، والسيوطي في الدر (٦ / ٥١١) وعزاه لابن أبي حاتم عن قتادة.

(٦) أخرجه الطبري (٢١ / ٦٨) ، وابن أبي الدنيا في كتاب الصمت (١ / ٩٦ ، ٢٩٤) كلاهما عن عمرو بن قيس. وذكره السيوطي في الدر (٦ / ٥١٢) وعزاه لابن أبي الدنيا في كتاب الصمت وابن جرير.

٤٩

له الحديد كالطين ، فأراد أن يسأله فأدركته الحكمة ، فلما انتهت لبسها ، وقال : نعم لبوس الحرب أنت ، فقال لقمان : الصمت حكم وقليل فاعله ، فقال له داود : بحقّ ما سميت حكيما (١).

وأخرج الإمام أحمد في كتاب الزهد (٢) له بإسناده عن مالك بن دينار قال : قال لقمان لابنه : يا بني! اتخذ طاعة الله تعالى تجارة تأتك الأرباح من غير بضاعة.

وبإسناده عن أبي عثمان ـ رجل من أهل البصرة يقال له : الجعد (٣) ـ قال : قال لقمان لابنه : لا ترغب في ود الجاهل فيرى أنك ترضى عمله ، ولا تهاون بمقت الحكيم فيزهد فيك (٤).

وبإسناده عن عبيد بن عمير قال : قال لقمان لابنه وهو يعظه : يا بني! اختر المجالس على عينك ، فإذا رأيت المجلس يذكر فيه الله عزوجل فاجلس معهم ، فإن تك عالما ينفعك علمك ، وإن تك عييا يعلموك ، وإن يطلع الله تعالى إليهم برحمة تصيبك معهم.

يا بني! لا تجلس في المجلس الذي لا يذكر فيه الله عزوجل ، فإنك إن تكن عالما لا ينفعك علمك ، وإن تك عيّا يزيدوك عيا ، وإن يطلع الله عزوجل بعد ذلك

__________________

(١) أخرج نحوه الحاكم (٢ / ٤٥٨ ح ٣٥٨٢) ، والبيهقي في الشعب (٤ / ٢٦٤ ح ٥٠٢٦) كلاهما من حديث أنس. وذكره السيوطي في الدر (٦ / ٥١٣) وعزاه للعسكري في الأمثال والحاكم والبيهقي في الشعب عن أنس.

(٢) الزهد (ص : ٦٤).

(٣) كذا في البداية والنهاية (٢ / ١٢٧) ، وفي الدر المنثور (٦ / ٥١٦) : الجعدي.

(٤) أخرجه أحمد في الزهد (ص : ١٣٢) ، وعبد الرزاق في مصنفه (١١ / ١٣٨ ح ٢٠١٣٥) ، وابن المبارك في الزهد (ص : ٤٨٤ ح ١٣٧٤).

٥٠

بسخط يصيبك معهم.

يا بني! لا تغبطن امرءا رحب الذراعين يسفك دماء المؤمنين ، فإن له عند الله قاتلا لا يموت (١).

وبإسناده عن أبي سعيد قال : قال لقمان لابنه : يا بني! لا يأكل طعامك إلا الأتقياء ، وشاور في أمرك العلماء (٢).

وبإسناده عن قتادة : أن لقمان قال لابنه : يا بني! اعتزل الشر كيما يعتزلك ، فإن الشر للشر خلق (٣).

وقال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثني حسين بن الجنيد قال : حدثنا سفيان قال : قال لقمان لابنه : يا بني! ما ندمت على الصمت قط ، وإن كان الكلام من فضة فإن السكوت من ذهب (٤).

عدنا إلى التفسير :

قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) فسّرها عكرمة : بالنبوة (٥).

وقال مجاهد وعامة المفسرين : الحكمة هاهنا : الفقه والعقل والإصابة في

__________________

(١) لم أقف عليه في المطبوع من الزهد. وقد أخرجه أبو نعيم في الحلية (٩ / ٥٥). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٦ / ٥١٧) وعزاه لابن أبي شيبة وأحمد.

(٢) لم أقف عليه في المطبوع من الزهد. وقد ذكره السيوطي في الدر المنثور (٦ / ٥١٧) وعزاه لعبد الله في زوائده.

(٣) أخرج أحمد في الزهد (ص : ٦٥) طرفا منه ، وأخرجه البيهقي في شعبه (٥ / ٤٥٧ ح ٧٢٧٠). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٦ / ٥١٦ ـ ٥١٧) وعزاه لأحمد.

(٤) أخرجه أحمد في الزهد (ص : ٦٥).

(٥) ذكره الواحدي في الوسيط (٣ / ٤٤٢) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٦ / ٣١٧).

٥١

القول (١).

قوله تعالى : (أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ) «أن» هي المفسرة ؛ لأن إيتاء الحكمة في معنى القول ، فنبّه بهذا على أن الحكمة الأصلية توحيد الله سبحانه وتعالى وشكره.

قال مقاتل (٢) : المعنى : قلنا له : أن اشكر الله فيما أعطاك من الحكمة.

(وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (١٣) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤) وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(١٥)

قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ) واسمه : أنعم.

وقال ابن السائب : اسمه أشكم (٣).

(وَهُوَ يَعِظُهُ) روي : أن ابنه وامرأته كانا كافرين ، فما زال يعظهما حتى

__________________

(١) أخرجه أحمد في الزهد (ص : ٦٤) ، والطبري (٢١ / ٦٧) ، وابن أبي حاتم (٩ / ٣٠٩٧) ، ومجاهد (ص : ٥٠٤).

وذكره السيوطي في الدر (٦ / ٥١١) وعزاه للفريابي وأحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد.

(٢) تفسير مقاتل (٣ / ٢٠).

(٣) ذكره الماوردي في تفسيره (٤ / ٣٣٣) وفيه : مشكم.

٥٢

أسلما (١).

(يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ)(٢) وقرأت لابن كثير إلا من طريق ابن فليح : «يا بني» بسكون الياء وتخفيفها أيضا (٣) ، كما خفّف الشاعر :

قد كنت جارك حولا ما تروّعني

فيه روائع من إنس ولا جان (٤)

فخفّف النون.

قال أبو علي (٥) : خفّف ياء الإضافة ، ثم خفّف فحذف الياء التي هي لام الفعل ، وبقيت الياء التي هي ياء التصغير ، فالياء الموقوف عليها في «بنيّ» هي ياء التصغير.

(إِنَّ الشِّرْكَ) وجعل من لا نعمة له كمن لا نعمة إلا منه ، (لَظُلْمٌ عَظِيمٌ). وقد ذكرنا سبب نزوله.

قوله تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ) أي : تهن وهنا على وهن ، أي : تضعف ضعفا على ضعف ، كلما ازداد حملها زاد ضعفها.

(وَفِصالُهُ) أي : فطامه. وهو مبتدأ ، خبره في الظرف على تقدير : يقع أو يحدث ، (فِي عامَيْنِ) أي : في انقضاء عامين.

__________________

(١) ذكره القرطبي (١٤ / ٦٢).

(٢) قوله : «لا تشرك» ذكرت في الأصل بعد قوله : «يا بني» التالية.

(٣) الحجة للفارسي (٣ / ٢٧٢ ـ ٢٧٣) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٥٦٤) ، والكشف (١ / ٥٢٩) ، والنشر (٢ / ٢٨٩) ، والإتحاف (ص : ٣٥٠) ، والسبعة (ص : ٥١٢).

(٤) البيت لعمران بن حطان ، وانظر البيت في : اللسان ، مادة (جنن ، ظلل) ، والحجة للفارسي (٢ / ٣٩٧) ، والمعجم المفصل في شواهد اللغة العربية (٨ / ١٥٣).

(٥) الحجة (٢ / ٣٩٧).

٥٣

والمقصود من ذلك : تهييج الإنسان على برّ والديه بتذكيره ما عانت من الوهن زمن الحمل ، والمشقة مدة الرضاع.

أخرج الإمام أحمد رضي الله عنه في كتاب الزهد (١) له بإسناده عن كعب بن علقمة : أن موسى عليه الصلاة والسّلام لما خرج هاربا من فرعون قال : رب أوصني ، قال : [أوصيك](٢) أن لا تعدل بي شيئا أبدا إلا اخترتني عليه ، فإني لا أرحم ولا أزكي من لم يكن كذلك ، قال : وبماذا يا رب؟ قال : بأمك ، فإنها حملتك وهنا على وهن ، ثم قال : ثم ما ذا يا رب؟ قال : بأبيك ، قال : ثم ما ذا يا رب؟ قال : أن تحب للناس ما تحب لنفسك ، وتكره لهم ما تكره لها ، قال : ثم بماذا يا رب؟ قال : ثم إن وليتك شيئا من أمر عبادي فلا تعنّهم (٣) إليك في حوائجهم [فإنك إنما تعنّي روحي ، فإني مبصر ومستمع ومشهد ومستشهد](٤).

(أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ) قال ابن عباس : المعنى : أطعني وأطع والديك (٥).

قال سفيان بن عيينة : من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله ، ومن دعا لوالديه في أدبار الصلوات فقد شكرهما (٦).

وفي قوله : (إِلَيَّ الْمَصِيرُ) ترغيب في الطاعة طلبا للمثوبة ، وترهيب من الإضاعة هربا من العقوبة.

__________________

(١) الزهد (ص : ٨٧).

(٢) في الأصل : أصيك. والتصويب من الزهد ، الموضع السابق.

(٣) من العناء والمشقة.

(٤) زيادة من الزهد (ص : ٨٧).

(٥) ذكره الواحدي في الوسيط (٣ / ٤٤٣).

(٦) ذكره القرطبي (١٤ / ٦٥).

٥٤

قوله تعالى : (وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً) قال الزجاج (١) : أي مصاحبا معروفا ، تقول : صاحبه مصاحبا ومصاحبة. ومعنى المعروف : ما يستحسن من الأفعال.

قوله تعالى : (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَ) أي : اسلك طريق من رجع إليّ ، وهو طريق محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه.

وروى عطاء عن ابن عباس قال : يريد : واتبع سبيل أبي بكر الصديق ، وذلك أنه حين أسلم أتاه عبد الرحمن بن عوف وسعد وسعيد وعثمان وطلحة والزبير فقالوا له : آمنت وصدقت محمدا؟ [قال](٢) : نعم ، فأتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فآمنوا وصدقوا ، فأنزل الله تعالى يقول لسعد : (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَ) يعني : أبا بكر رضي الله عنه (٣).

(يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (١٦) يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٧) وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (١٨) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)(١٩)

__________________

(١) معاني الزجاج (٤ / ١٩٧).

(٢) في الأصل : قالوا.

(٣) ذكره الواحدي في الوسيط (٣ / ٤٤٣) ، وأسباب نزول القرآن (ص : ٣٥٨).

٥٥

قال السدي : قال ابن لقمان لأبيه : أرأيت لو أن حبّة من خردل في مقل البحر (١) أكان الله تعالى يعلمها؟ فقال له ما أخبر الله تعالى عنه في قوله : (يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ)(٢).

قرأ نافع : «مثقال» ، بالرفع ، وقرأ الباقون بالنصب (٣).

فمن رفع جعل «كان» تامة لا تحتاج إلى خبر ، فرفع «المثقال» بها ، وأتى بالفعل على لفظ التأنيث حملا على المعنى ؛ لأن المثقال في معنى السيئة أو المظلمة ، ومثله قوله تعالى : (فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) [الأنعام : ١٦٠] فأنّث ؛ لأن المعنى : فله عشر حسنات.

ومن نصب جعل «كان» ناقصة ، فأضمر فيها اسمها ، ونصب «المثقال» على الخبر ، على معنى : إن تك المظلمة أو السيئة قدر مثقال حبة من خردل.

(فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ) قال ابن عباس : هي صخرة تحت الأرضين السبع ، وهي التي تكتب فيها أعمال الفجار ، وخضرة السماء منها (٤).

قال السدي : هذه صخرة ليست في السماوات ولا في الأرض ، هي تحت سبع أرضين ، عليها ملك قائم (٥).

__________________

(١) مقل البحر : موضع المغاص من البحر الذي يغمره الماء (اللسان ، مادة : مقل).

(٢) ذكره الواحدي في الوسيط (٣ / ٤٤٣) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٦ / ٣٢١).

(٣) الحجة للفارسي (٣ / ٢٧٤) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٥٦٥) ، والكشف (٢ / ١٨٨) ، والنشر (٢ / ٣٢٤) ، والإتحاف (ص : ٣١٠ ـ ٣١١) ، والسبعة (ص : ٥١٣).

(٤) ذكره البغوي في تفسيره (٣ / ٤٩٢).

(٥) ذكره الواحدي في الوسيط (٣ / ٤٤٣).

٥٦

وقال قتادة : «فتكن في صخرة» : في جبل (١).

وقرأ عبد الكريم الجزري : «فتكنّ» بكسر الكاف (٢) ، من قولهم : كنّ الطائر يكنّ وكونا ؛ إذا استقرّ [في](٣) وكنته ، وهو مقره ليلا ، وهو أيضا عشّه الذي يبيض فيه ووكره (٤) ، ومنه قول الشاعر :

وقد أغتذي والطير في وكناتها

بمنجرد قيد الأوابد هيكل (٥)

(يَأْتِ بِهَا) يوم القيامة للحساب والجزاء ، (إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ) يصل علمه إلى كل خفي.

وقال قتادة : لطيف باستخراجها ، (خَبِيرٌ) بمستقرها (٦).

قوله تعالى : (وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ) أي : على ما أصابك في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وعلى ما أصابك من المصائب.

(إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) سبق تفسيره في آخر آل عمران (٧).

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢١ / ٧٣) ، وابن أبي حاتم (٩ / ٣٠٩٩). وذكره السيوطي في الدر (٦ / ٥٢٢) وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم.

(٢) ذكر هذه القراءة أبو حيان في : البحر (٧ / ١٨٢) ، والسمين الحلبي في الدر المصون (٥ / ٣٨٨).

(٣) زيادة من الكشاف (٣ / ٥٠٣).

(٤) انظر : اللسان (مادة : وكن).

(٥) البيت لامرئ القيس من معلقته ، انظر : ديوانه (ص : ١٩) ، والسبع الطوال (ص : ٨٢) ، والمحتسب (٢ / ٢٣٤) ، والخصائص (٢ / ٢٢٠) ، واللسان (مادة : قيد) ، وروح المعاني (٢١ / ٩٨) ، وشرح المفصل لابن يعيش (٢ / ٦٦) ، والدر المصون (٥ / ٣٩٠).

(٦) أخرجه الطبري (٢١ / ٧٣) ، وابن أبي حاتم (٩ / ٣٠٩٩). وذكره السيوطي في الدر (٦ / ٥٢٣) وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم.

(٧) عند الآية رقم : ١٨٦.

٥٧

قوله تعالى : (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ) قرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم : «تصعّر» بتشديد العين من غير ألف. وقرأ الباقون : «تصاعر» بألف مع تخفيف العين (١).

قال أبو علي (٢) : هما لغتان ، مثل : ضاعف وضعّف. وقال أبو الحسن : «تصاعر» لغة أهل الحجاز ، و «تصعّر» لغة تميم. والمعنى فيه : لا تتكبر على الناس ولا تعرض عنهم تكبرا عليهم.

قال أبو عبيدة (٣) : أصل هذا من الصّعر الذي يأخذ الإبل في رؤوسها وأعناقها.

قال أبو علي (٤) : كأنه يقول : لا تعرض عنهم ، ولا تزورّ كازورار الذي به هذا الدّاء الذي يلوي منه عنقه ويعرض بوجهه.

قال ابن عباس : هو الذي إذا سلّم عليه لوى عنقه كالمستكبر (٥).

وقال مجاهد : هو الرجل يكون بينه وبين أخيه الحنة ـ الصّدّ ـ فيراه فيعرض عنه (٦).

__________________

(١) الحجة للفارسي (٣ / ٢٧٣) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٥٦٥) ، والكشف (٢ / ١٨٨) ، والنشر (٢ / ٣٤٦) ، والإتحاف (ص : ٣٥٠) ، والسبعة (ص : ٥١٣).

(٢) الحجة (٣ / ٢٧٣).

(٣) مجاز القرآن (٢ / ١٢٧).

(٤) الحجة (٣ / ٢٧٣).

(٥) أخرجه ابن أبي حاتم (٩ / ٣٠٩٩). وذكره السيوطي في الدر (٦ / ٥٢٤) وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٦) أخرجه الطبري (٢١ / ٧٥).

٥٨

وباقي الآية مفسر في سبحان (١) والنساء (٢).

قوله تعالى : (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) أي : اعدل فيه واجعله بين المشيين ، لا تدبّ كدبيب المتماوتين ، ولا تثب وثب [الشطار](٣) ، وليكن قصدا خارجا عن قانون الاختيال والإسراع المذهب بالوقار (٤).

قال عطاء : امش بالوقار والسكينة (٥).

(وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ) أي : انقص منه.

قال الزجاج (٦) : ومنه : غضضت بصري ، وفلان يغضّ [بصره](٧) من فلان ، [أي : يتنقّصه](٨).

(إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ) أقبح الأصوات (٩). قال الزجاج (١٠) : يقول : أتانا فلان بوجه منكر ، أي : قبيح.

__________________

(١) عند الآية رقم : ٣٧.

(٢) عند الآية رقم : ٣٦.

(٣) في الأصل : الشياطين ، والتصويب من الكشاف (٣ / ٥٠٤).

(٤) هذا كلام الزمخشري في الكشاف (٣ / ٥٠٤).

(٥) ذكره الواحدي في الوسيط (٣ / ٤٤٤) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٦ / ٣٢٣).

(٦) معاني الزجاج (٤ / ١٩٩).

(٧) زيادة من معاني الزجاج ، الموضع السابق.

(٨) زيادة من معاني الزجاج (٤ / ١٩٩).

(٩) فائدة : قال ابن الجوزي في زاد المسير (٦ / ٣٢٣) : فإن قيل : كيف قال : «لصوت» ولم يقل : لأصوات الحمير؟

الجواب : أن لكل جنس صوتا ، فكأنه قال : إن أنكر أصوات الأجناس صوت هذا الجنس.

(١٠) معاني الزجاج (٤ / ١٩٩).

٥٩

قال ابن زيد : لو كان رفع الصوت خيرا ما جعله الله للحمير (١).

وقرأ أبو المتوكل وابن أبي عبلة : «أن أنكر» بفتح الهمزة (٢).

(أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٢٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ)(٢١)

قوله تعالى : (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً) وقرأ يحيى بن عمارة : «وأصبغ» بالصاد (٣).

قال أبو الفتح (٤) : أصله السين إلا أنها أبدلت للغين بعدها صادا ، وذلك أن حروف الاستعلاء تجتذب السين عن سفالها إلى تعاليهن ، والصاد مستطيلة ، وهي أخت السين في المخرج وأحدي حروف الاستعلاء ، ونحوه : قولهم في سطر : صطر.

وقال الزمخشري (٥) : هكذا كل سين اجتمع معه الغين والخاء والقاف ، تقول

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢١ / ٧٧) ، وابن أبي حاتم (٩ / ٣١٠٠). وذكره السيوطي في الدر (٦ / ٥٢٥) وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم.

(٢) انظر هذه القراءة في زاد المسير (٦ / ٣٢٣).

(٣) وهي قراءة ابن عباس أيضا. انظر هذه القراءة في : البحر (٧ / ١٨٥) ، والدر المصون (٥ / ٣٨٩ ـ ٣٩٠).

(٤) المحتسب (٢ / ٢٣٤).

(٥) الكشاف (٣ / ٥٠٥).

٦٠