رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٦

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي

رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٦

المؤلف:

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٥

قط (١).

قوله تعالى : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ) قال مجاهد والسدي : حتى نأمرك بالقتال (٢).

وقال قتادة : إلى الموت (٣). فتكون منسوخة بآية السيف (٤).

(وَأَبْصِرْهُمْ) وما يقضى عليهم من القتل والذل والأسر إذا نزل بهم العذاب (فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) ذلك.

وقال ابن زيد : أبصر ما ضيعوا من أمر الله فسوف يبصرون ما يحل بهم من عذاب الله (٥).

وقال ثعلب : «أبصرهم» : أعلمهم الآن ، (فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) : يعلمونه بالعيان (٦).

قال المفسرون : لما هدّدهم الله تعالى على لسان نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالوا تكذيبا واستهزاء : متى هذا العذاب؟ فأنزل الله تعالى : (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ)(٧). (فَإِذا نَزَلَ

__________________

(١) ذكره الماوردي (٥ / ٧٣).

(٢) ذكره الواحدي في الوسيط (٣ / ٥٣٥).

(٣) أخرجه الطبري (٢٣ / ١١٥) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٢٣٣). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ١٣٩) وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم.

(٤) انظر : الناسخ والمنسوخ لابن سلامة (ص : ١٤٧) ، والناسخ والمنسوخ لابن حزم (ص : ٥١ ـ ٥٢) ، ونواسخ القرآن لابن الجوزي (ص : ٤٣٦).

(٥) أخرجه الطبري (٢٣ / ١١٥). وذكره الماوردي (٥ / ٧٣).

(٦) انظر قول ثعلب في : تفسير الماوردي (٥ / ٧٤).

(٧) ذكره الطبري (٢٣ / ١١٥) ، والسيوطي في الدر المنثور (٧ / ١٣٩) بنحوه.

٤٤١

بِساحَتِهِمْ) أي : بحضرتهم.

قال الفراء (١) : العرب تكتفي بالسّاحة والعقوة (٢) من القوم ، يقولون : نزل بك العذاب وبساحتك [سواء](٣).

والسّاحة : متّسع الدار (٤).

(فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ) وقرأ ابن مسعود على المعنى : «فبئس صباح المنذرين» (٥).

وصحّ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أنه قال يوم خيبر حين أصبحوا فخرجوا بمساحيهم فرأوا جيش النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : محمد والخميس ، ورجعوا إلى حصنهم. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : الله أكبر خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين» (٦).

وإنما كرر «وتولّ عنهم» لتكون تسلية على تسلية ، وتأكيدا لوقوع ما توعدهم به من العذاب.

(سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٨٠) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(١٨٢)

ثم نزّه نفسه عما يقوله المشركون فقال سبحانه وتعالى : (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِ

__________________

(١) معاني الفراء (٢ / ٣٩٦).

(٢) العقوة والعقاة : الساحة وما حول الدار والمحلّة (اللسان ، مادة : عقا).

(٣) زيادة من معاني الفراء (٢ / ٣٩٦).

(٤) انظر : اللسان (مادة : سوح).

(٥) ذكر هذه القراءة أبو حيان في : البحر المحيط (٧ / ٣٦٤).

(٦) أخرجه البخاري (١ / ٢٢١ ح ٥٨٥) ، ومسلم (٢ / ١٠٤٥ ح ١٣٦٥).

٤٤٢

الْعِزَّةِ) أي : مالك العزة.

وقال صاحب الكشاف (١) : أضيف الرب إلى العزة لاختصاصه بها ، كأنه قيل : ذو العزة ، كما تقول : صاحب صدق ؛ لاختصاصه بالصدق. ويجوز أن يراد ما من عزة لأحد من الملوك وغيرهم إلا وهو ربها ومالكها ، كقوله تعالى : (وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ) [آل عمران : ٢٦].

ولما اشتملت هذه السورة على ذكر ما قاله المشركون في الله عزوجل ونسبوا إليه ما هو سبحانه وتعالى منزّه عنه ، وما عاناه المرسلون صلوات الله عليهم من جهتهم ، وما خولوه في العاقبة من النصرة عليهم ؛ ختمها بجوامع ذلك من تنزيه ذاته عما وصفه به المشركون ، والتسليم على المرسلين ، (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) على ما قيّض لهم من حسن العواقب.

وفي حديث أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غير مرة ولا مرتين يقول في آخر صلاته أو حين ينصرف : (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) ... إلى آخر السورة» (٢).

وهو حديث ثابت من طرق ، أحسنها ما أخبرنا به أبو المجد محمد بن محمد بن أبي بكر الكرابيسي ، أخبرنا الشيخان أبو المحاسن عبد الرزاق بن إسماعيل بن محمد وابن عمه أبو سعيد المطهر بن عبد الكريم بن محمد قالا : أخبرنا عبد الرحمن حمد الدوني ، أخبرنا القاضي أبو نصر الدينوري ، أخبرنا أبو بكر السني الحافظ ، أخبرني

__________________

(١) الكشاف (٤ / ٧١).

(٢) أخرجه ابن أبي شيبة (١ / ٢٦٩ ح ٣٠٩٧).

٤٤٣

أبو عروبة (١) ، حدثني ابن وكيع (٢) ، حدثني أبي (٣) ، عن سفيان الثوري ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري : «أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا فرغ من صلاته ـ قال : لا أدري قبل أن يسلّم أو بعد أن يسلّم ـ يقول : سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين» (٤).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أحب أن يكتال له بالكيل الأوفى من الأجر يوم القيامة ، فليكن آخر كلامه في مجلسه : سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين» (٥).

__________________

(١) هو الحسين بن محمد بن أبي معشر مودود السلمي الجزري ، أبو عروبة الحراني ، صاحب التصانيف. ولد بعد العشرين ومائتين ، وأول سماعه في سنة ست وثلاثين ومائتين ، كان عارفا بالرجال وبالحديث ، مات سنة ثماني عشرة وثلاثمائة (سير أعلام النبلاء ١٤ / ٥١٠ ـ ٥١٢).

(٢) سفيان بن وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي ، أبو محمد الكوفي ، كان صدوقا إلا أنه ابتلي بورّاقه فأدخل عليه ما ليس من حديثه ، فنصح فلم يقبل ، فسقط حديثه. توفي في ربيع الآخر سنة سبع وأربعين ومائتين (تهذيب التهذيب ٤ / ١٠٩ ، والتقريب ص : ٢٤٥).

(٣) وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي أبو سفيان الكوفي الحافظ ، كان ثقة مأمونا عاليا ، رفيع القدر ، كثير الحديث حجة ، ولد سنة سبع أو ثمان أو تسع وعشرين ومائة ، ومات سنة ست وتسعين ومائة (تهذيب التهذيب ١١ / ١٠٩ ـ ١١٤ ، والتقريب ص : ٥٨١).

(٤) أخرجه الخطيب في تاريخه (١٣ / ١٣٨) ، وابن السني في عمل اليوم والليلة (ص : ٦٣). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ١٤١) وعزاه للخطيب.

(٥) أخرجه ابن أبي حاتم (١٠ / ٣٢٣٤). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ١٤١) وعزاه لابن أبي حاتم عن الشعبي.

٤٤٤

سورة ص

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وهي ستة وثمانون آية في المدني ، وثماني وثمانون في الكوفي (١) ، وهي مكية بإجماعهم.

(ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (٢) كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ)(٣)

قال الله تعالى : (ص) اتفق القراء السبعة والأكثرون على تسكين الدال ، وكان أبو جعفر يقف وقفة يسيرة (٢).

وقرأ أبي بن كعب والحسن : «صاد» بكسر الدال (٣).

وقرأ عيسى بن عمر : «صاد» بفتح الدال (٤) ، ومثله : قاف ، ونون.

وقرئ : «صاد» بالجر والتنوين (٥).

قال الزمخشري (٦) : قرئ بالفتح والكسر لالتقاء الساكنين ، ويجوز أن ينتصب

__________________

(١) انظر : البيان في عدّ آي القرآن (ص : ٢١٤).

(٢) انظر : النشر (١ / ٢٤١ ، ٤٢٤) ، والإتحاف (ص : ٣٧١).

(٣) إتحاف فضلاء البشر (ص : ٣٧١).

(٤) ذكر هذه القراءة : الطبري (٢٣ / ١١٨) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ٩٧) ، وأبو حيان في البحر (٧ / ٣٦٦) ، والسمين الحلبي في الدر المصون (٥ / ٥١٩).

(٥) ذكر هذه القراءة أبو حيان في : البحر (٧ / ٣٦٦) ، والسمين الحلبي في الدر المصون (٥ / ٥١٩).

وهي قراءة ابن أبي إسحاق.

(٦) الكشاف (٤ / ٧٢).

٤٤٥

بحذف حرف القسم وإيصال فعله ، كقولهم : الله لأفعلنّ ، بالنصب ، أو بإضمار حرف القسم ، والفتح في موضع الجر ، كقولهم : الله لأفعلنّ ، بالجر وامتناع الصرف للتعريف والتأنيث ، لأنها بمعنى السورة ، وقد صرفها من قرأ «صاد» بالتنوين والجر على تأويل الكتاب والتنزيل.

وقيل فيمن كسر : هو من المصاداة ، وهي المعارضة.

قال أبو علي الفارسي (١) : ومنه الصدى ، [وهو ما يعارض](٢) الصوت في الأماكن الخالية من الأجسام الصلبة ، ومعناه : ما عارض القرآن بعملك فاعمل بأوامره وانته عن نواهيه.

وقيل : من قرأ «صاد» فعلى الإغراء.

وقيل : هو فعل ماض ، أي : صاد محمد قلوب الناس واستمالها حتى آمنوا به. وقد سبق الكلام على الحروف المقطعة في أوائل البقرة.

وقال مجاهد والقرطبي (٣) فيما يخص هذا الحرف : هو مفتاح أسماء الله ، صمد ، صانع المصنوعات ، صادق الوعد.

وقال الضحاك : صدق الله (٤).

وقيل : صدق محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذلك مروي عن ابن عباس (٥).

__________________

(١) لم أقف عليه في الحجة. وهو من كلام الزمخشري في الكشاف (٤ / ٧٢).

(٢) في الأصل : وما تعارض. والتصويب والزيادة من الكشاف ، الموضع السابق.

(٣) تفسير القرطبي (١٥ / ١٤٣).

(٤) أخرجه الطبري (٢٣ / ١١٨). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ١٤٤) وعزاه لابن جرير.

(٥) ذكره الواحدي في الوسيط (٣ / ٥٣٨) ، والسيوطي في الدر (٧ / ١٤٤) وعزاه لابن مردويه.

٤٤٦

وقال قتادة : اسم من أسماء القرآن (١).

وقيل : اسم السورة.

وقال السدي : قسم أقسم الله تعالى به (٢).

قوله تعالى : (وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) أي : ذي الشرف ، كما قال تعالى : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) [الزخرف : ٤٤].

وقال ابن عباس : ذي البيان (٣).

قال صاحب الكشاف (٤) : ذكر اسم هذا الحرف من حروف المعجم على سبيل التحدّي والتنبيه على الإعجاز ، ثم أتبعه القسم [محذوف](٥) الجواب لدلالة التحدي عليه ، كأنه قال : والقرآن ذي الذكر إنه لكلام معجز. أو يكون «ص» خبر مبتدأ محذوف ، على أنها اسم للسورة ، كأنه قال : هذه ص ، يعني : هذه السورة التي أعجزت العرب ، والقرآن ذي الذكر ، كما تقول : هذا حاتم والله ، [تريد](٦) : هذا هو المشهور بالسخاء والله ؛ وكذلك إذا أقسم بها كأنه قال : أقسمت بصاد والقرآن ذي الذكر إنه لمعجز.

وقال جماعة من أهل المعاني : جواب القسم محذوف ، بتقدير : والقرآن ذي الذكر ما الأمر كما يقول الكفار ، ودلّ على هذا المحذوف قوله تعالى : (بَلِ الَّذِينَ

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢٣ / ١١٧). وذكره الماوردي (٥ / ٧٥).

(٢) أخرجه الطبري (٢٣ / ١١٧) عن ابن عباس.

(٣) ذكره الماوردي في تفسيره (٥ / ٧٥) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ٩٨) كلاهما عن قتادة.

(٤) الكشاف (٤ / ٧٢).

(٥) في الأصل : بمحذوف. والتصويب من الكشاف ، الموضع السابق.

(٦) في الأصل : زيد. والتصويب من الكشاف ، الموضع السابق.

٤٤٧

كَفَرُوا)(١).

وقال الواحدي (٢) : جواب القسم قد تقدم ، أقسم الله تعالى بالقرآن أن محمدا قد صدق ، كما تقول : فعل والله ، وقام والله.

قوله تعالى : (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ) أي : استكبار وأنفة عن الإذعان للحق والاعتراف به.

وقرئ «غرّة» بالغين معجمة والراء المهملة. أي : في غفلة (٣).

ثم خوفهم فقال تعالى : (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا) عند معاينة العذاب بالاستغاثة.

قال الحسن : فنادوا بالتوبة (٤).

قال الله تعالى : (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) قال الزمخشري (٥) : «لات» هي [لا](٦) المشبهة ب «ليس» ، زيدت عليها تاء التأنيث كما زيدت على ربّ ، وثمّ للتوكيد ، تغير بذلك حكمها حيث لم تدخل إلا على الأحيان ولم يبرز إلا أحد مقتصييها ؛ إما الاسم وإما الخبر ، وامتنع بروزهما جميعا. وهذا مذهب الخليل وسيبويه (٧).

__________________

(١) انظر : الدر المصون (٥ / ٥٢٠).

(٢) الوسيط (٣ / ٥٣٨).

(٣) ذكر هذه القراءة ابن الجوزي في : زاد المسير (٧ / ٩٩) ، والسمين الحلبي في : الدر المصون (٥ / ٥٢٠).

(٤) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤ / ٧٣) ، وأبو حيان في البحر (٧ / ٣٦٧).

(٥) الكشاف (٤ / ٧٣).

(٦) زيادة من الكشاف ، الموضع السابق.

(٧) الكتاب (١ / ٥٧).

٤٤٨

وعند الأخفش : أنها لا النافية للجنس زيدت عليها التاء ، وخصت بنفي الأحيان. و (حِينَ مَناصٍ) منصوب بها ، كأنك قلت : ولا حين مناص لهم (١).

وعنه : أن [ما](٢) ينتصب بعده بفعل مضمر ، أي : ولا أرى حين مناص ، ويرتفع ـ يعني : ما بعد «ولات» ـ بالابتداء ، أي : ولا حين مناص كائن لهم. وعندهما أن النصب على : (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) ، أي : وليس الحين حين مناص ، والرفع على ولات حين مناص حاصلا لهم (٣).

وقرئ : (حِينَ مَناصٍ) بالكسر (٤) ، وأنشدوا :

طلبوا صلحنا ولات أوان

فأجبنا أن لات حين بقاء (٥)

وقرئ : «ولات» بكسر التاء على البناء ، [كجير](٦).

فإن قلت : كيف يوقف على «ولات»؟

__________________

(١) انظر : الدر المصون (٥ / ٥٢٢).

(٢) زيادة من الكشاف (٤ / ٧٣).

(٣) قال السمين الحلبي في الدر المصون (٥ / ٥٢٢) بعد أن ذكر هذين الوجهين : وهما ضعيفان.

(٤) قال أبو حيان في البحر (٧ / ٣٦٧) : وتخريجه مشكل. وحكى أيضا في شرح التسهيل : أن بعضهم خرّج هذه القراءة على أن «لات» بمعنى «غير» ، صفة لمحذوف ، وتقدير البيت : طلبوا صلحنا وقتا غير أوان صلح. وردّ هذا بأن الواو لا تراد في ك «لا» الصفة ، وبأنه لو كانت «لات» صفة لوجب تكرارها ، في نحو : مررت برجل لا قائم ولا قاعد (انظر : التصريح ٢ / ٢٧٩ ، والكتاب ١ / ٢٨٠).

(٥) البيت لأبي زبيد الطائي ، وهو في : اللسان (مادة : أون) ، والخصائص (٢ / ٣٧٧) ، ومجمع الأمثال (١ / ٤٣٣) ، والكشاف (٤ / ٧٣) ، والبحر (٧ / ٣٦٧) ، والقرطبي (١٥ / ١٤٧) ، والطبري (٢٣ / ١٢٢) ، والدر المصون (٥ / ٥٢١) ، وابن يعيش (٩ / ٣٢) ، والهمع (١ / ١٢٦) ، ومعاني الفراء (٢ / ٣٩٨) ، والأشموني (١ / ٢٥٦) ، والخزانة (٤ / ١٨٣).

(٦) في الأصل : كحير. والتصويب من الكشاف (٤ / ٧٣).

٤٤٩

قلت : يوقف عليها بالتاء ، كما يوقف على الفعل الذي يتصل [به](١) تاء التأنيث.

وأما الكسائي فيقف عليها بالهاء كما يقف على الأسماء المؤنثة.

وأما قول أبي عبيد : أن التاء داخلة على «حين» فلا وجه له. واستشهاده بأن التاء ملتزقة بحين في الإمام لا متشبث به ، فكم وقعت في المصحف أشياء خارجة عن قياس الخط. هذا آخر كلامه (٢).

قلت : وإلى هذا الذي ذكر من أنّ الوقف على التاء وأن «حين» منقطعة صار جمهور أهل العلم.

وقد ذكر أبو [عبيد](٣) في غريب الحديث (٤) : قال الأموي : العرب يزيدون التاء في الآن وفي حين ، فيقولون : تلآن وتحين ، ومنه قوله تعالى : (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) ، قال : وأنشدني الأموي لأبي [وجزة](٥) السعدي :

العاطفون تحين ما من عاطف

والمطعمون زمان ما من مطعم (٦)

والمناص : المنجا والفوت ، يقال : ناصه ينوصه نوصا ومناصا ؛ إذا فاته ،

__________________

(١) زيادة من الكشاف (٤ / ٧٣).

(٢) أي : كلام الزمخشري.

(٣) في الأصل : عبيدة. والصواب ما أثبتناه.

(٤) غريب الحديث (٤ / ٢٥٠).

(٥) في الأصل : جزة. والتصويب من غريب الحديث ، الموضع السابق.

(٦) البيت لأبي وجزة السعدي ، وهو في : اللسان (مادة : عطف ، أين) ، والأشموني (٤ / ٣٣٩) ، ومجالس ثعلب (ص : ٣٧٤) ، والدر المصون (٥ / ٥٢١) ، والقرطبي (١ / ٣٢١ ، ١٥ / ١٤٧) ، وزاد المسير (٧ / ١٠١) ، وروح المعاني (٢٣ / ١٦٥).

٤٥٠

واستناص : طلب المناص (١).

قال حارثة بن [بدر](٢) يصف فرسا كثير الجري :

غمر الجراء إذا قصرت عنانه

بيدي استناص ورام جري المسحل (٣)

المسحل : حمار الوحش ، سمي بذلك ؛ لكثرة سحاله.

وقال الفراء (٤) : النّوص ـ بالنون ـ : التأخر ، والبوص ـ بالباء ـ : التقدم ، وجمعهما امرؤ القيس في بيت فقال :

أمن ذكر ليلى إذ نأتك تنوص

وتقصر عنها خطوة وتبوص (٥)

(وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ (٤) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ (٥) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ (٦) ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ (٧) أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ (٨) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ

__________________

(١) انظر : اللسان (مادة : نوص).

(٢) في الأصل : برد. والصواب ما أثبتناه. انظر ترجمته في : الأعلام (٢ / ١٥٨).

(٣) البيت لحارثة بن بدر ، وهو في : اللسان (مادة : نوص) ، والبحر (٧ / ٣٦٥) ، والدر المصون (٥ / ٥٢٥) ، وروح المعاني (٢٣ / ١٦٥) ، والكشاف (٤ / ٧٤).

(٤) معاني الفراء (٢ / ٣٩٧).

(٥) البيت لامرئ القيس ، انظر : ديوانه (ص : ١٧٧) ، واللسان (مادة : بوص ، نوص) ، والماوردي (٥ / ٧٧) ، وغريب القرآن (ص : ٣٧٦) ، والدر المصون (٥ / ٥٢٤) ، والطبري (٢٣ / ١٢٠) ، وزاد المسير (٧ / ١٠١). وفي الديوان وبعض المصادر : «سلمى» بدل : «ليلى».

٤٥١

الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (٩) أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ (١٠) جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ) (١١)

قوله تعالى : (وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) أي : رسول من أنفسهم. هذا الذي ذكره المفسرون. والآية تحتمل وجهين :

أحدهما : منذر من بني آدم ، والآخر : من نسبهم.

وفي هذه الآية والتي بعدها دلالة على إفراط القوم في الجهالة ، وتوغلهم في الضلالة ، حيث نسبوا السحر والكذب إلى من ظهرت آيات رسالته ، ومعجزات نبوته ، وتعجبوا من إثبات الوحدانية لله تعالى الذي خلق ورزق ، مع إنارة براهينها ، ولم يتعجبوا من الشرك وعبادة الأحجار مع وضوح بطلانه.

قوله تعالى : (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) أي : لأمر عجب ، وهما لغتان مثل : كبير وكبار ، [وطويل](١) وطوال.

والقرّاء السبعة والأكثرون قرأوا : «عجاب» بالتخفيف. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وعيسى بن عمر : «عجّاب» بالتشديد (٢) ، وهو لغة أيضا.

قال ابن جني (٣) : قد كثر عنهم مجيء الصفة على فعيل وفعال ـ بالتخفيف ـ وفعّال بالتشديد ، قالوا : رجل وضيء ووضّاء ، وأنشدوا :

والمرء يلحقه بفتيان النّدى

خلق الكريم وليس بالوضّاء (٤)

__________________

(١) في الأصل : وطول. والمثبت من زاد المسير (٧ / ١٠٣).

(٢) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٧ / ١٠٢ ـ ١٠٣) ، والدر المصون (٥ / ٥٢٥).

(٣) المحتسب (٢ / ٢٣٠ ـ ٢٣١).

(٤) البيت لأبي صدقة الدّبيري. انظر : الخصائص (٣ / ٢٦٦) ، واللسان ، (مادة : وضأ) ، والقرطبي ـ

٤٥٢

أي : وليس بالوضيء.

وقال :

نحن بذلنا [دونها](١) الضّرابا

إنا وجدنا ماءها طيّابا (٢)

وقال :

جاؤوا بصيد [عجب](٣) من العجب

أزيرق العينين طوّال الذّنب (٤)

قال المفسرون : لما أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه شق ذلك على قريش ، فأتى أشرافهم أبا طالب واجتمعوا عنده ، وشكوا إليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقالوا : إنه سفّه أحلامنا ، وسبّ آلهتنا ، وعاب ديننا ، فعاتب أبو طالب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : ما تريد من قومك يا ابن أخي؟ فقال : أدعوهم إلى كلمة واحدة ، قالوا : وما هي؟ قال : لا إله إلا الله ، فنفروا من ذلك وقالوا : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) ، وخرجوا من عند أبي طالب يقول بعضهم لبعض : (امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ) ، فذلك قوله تعالى : (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ) ، يقول بعضهم لبعض : (امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ) أي : اثبتوا على عبادتها (٥).

(إِنَّ هذا) الذي نراه من زيادة أصحاب محمد وظهور أمره (لَشَيْءٌ يُرادُ) يرده

__________________

ـ (١٨ / ٣٠٧) ، وروح المعاني (٢٩ / ٧٦).

(١) في الأصل : دنها. والتصويب من المحتسب (٢ / ٢٣٠).

(٢) انظر البيت في : معاني الفراء (٢ / ٣٩٨).

(٣) في الأصل : عجبا. والتصويب من مصادر البيت.

(٤) انظر البيت في : معاني الفراء (٢ / ٣٩٨) ، وزاد المسير (٧ / ١٠٣).

(٥) ذكره الطبري (٢٣ / ١٢٧) ، والواحدي في أسباب النزول (ص : ٣٨١) ، والوسيط (٣ / ٥٣٩ ـ ٥٤٠) ، والسيوطي في الدر المنثور (٧ / ١٤٢ ـ ١٤٣).

٤٥٣

الله تعالى ويمضيه ، أو لشيء يراد بنا لا نقدر على دفعه.

(ما سَمِعْنا بِهذا) الذي يقوله محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم من التوحيد (فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ) يعنون : النصرانية ؛ لأنها آخر الملل. والنصارى لا يوحّدون.

وقال قتادة : في ملة قريش الذي أدركوا عليها آبائهم (١).

(إِنْ هذا) الذي جاء به من التوحيد والقرآن (إِلَّا اخْتِلاقٌ) افتعال وافتراء.

ثم أنكروا اختصاصهم من بين صناديدهم وعظمائهم لشرف النبوة فقالوا : (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي) لأنهم كانوا يتردّدون بين التصديق بما يظهر لهم من دلائل نبوته ، وبين التكذيب ذهابا مع الحسد.

(بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) ي بعد ، فإذا ذاقوه عرفوا ما أنكروه ، وهذا تهديد لهم وإيذان بأنهم يذوقون عذاب الله.

(أَمْ عِنْدَهُمْ) أي : أبأيديهم (خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ) حتى يتصرفوا فيها كيف شاؤوا فيصيبوا بالنبوة ويخصّوا بالذّكر من أرادوا.

والمعنى : ليس ذلك إليهم ، وإنما هو بيد (الْعَزِيزِ) القاهر على خلقه ، (الْوَهَّابِ) الكثير المواهب المصيب بها مواقعها ومواضعها.

(أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) حتى يتّكلوا في الأمور الربانية ، ويتحكموا في الحكم الإلهية ، ويتصرفوا في التدابير التي يختص بها الخالق المالك.

ثم رشح ذلك تهكما بهم فقال تعالى : (فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ) أي : إن كانوا يصلحون لهذا الشأن العظيم وبأيديهم الخزائن ولهم الملك وزمام التصرف والتدبير

__________________

(١) أخرج الطبري في تفسيره (٢٣ / ١٢٧) قال قتادة : أي : في ديننا هذا ولا في زماننا قط. وذكره السيوطي في الدر (٧ / ١٤٦) وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير.

٤٥٤

على وفق الحكمة والمصلحة ، وهو مفوض إليهم ؛ فليرتقوا في الأسباب ، أي : فليصعدوا في معارج العالم العلوي ، وليستووا على العرش ويتوصلوا إلى ملكوت السموات والأرض ، وينزلوا الوحي على من يشاؤون ، ويخصّوا بالشرف من يختارون.

ثم أبعدهم عن ذلك فقال تعالى : (جُنْدٌ ما هُنالِكَ) أي : هم جند من الكفار المتحزبين على الرسل.

و «ما» : زائدة.

قال قتادة : أخبره الله تعالى وهو يومئذ بمكة أنه سيهزم جند المشركين ، فجاء تأويلها يوم بدر (١).

(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ (١٢) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ (١٣) إِنْ كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ (١٤) وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ)(١٥)

وفي قوله تعالى : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ) مع ما في حيزها تسلية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتخويف لكفار قريش بما ذكّرهم به من سنّته جلّت عظمته في الأمم المكذبة ممن كانوا أشد منهم قوة وأعظم ملكا.

(وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ) قال عطية : الجنود والجموع العظيمة (٢). يشير إلى

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢٣ / ١٣٠) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٢٣٦). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ١٤٧) وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٢) ذكره الواحدي في الوسيط (٣ / ٥٤١) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ١٠٦).

٤٥٥

استقرار ملكه واستحكام أمره واستفحال سلطانه ، وأصله من ثبات المطنب بالأوتاد ، كما قال :

والبيت لا ينبني إلا على عمد

ولا عماد إذا لم ترس أوتاد (١)

فاستعير لثبات العزة والملك كما ذكرناه ، ومنه قول الأسود بن يعفر :

 ...........

في ظلّ ملك ثابت [الأوتاد](٢)

وقيل : هذا إشارة إلى جبروته وبطشه وتعجرفه ، فإنه كان إذا غضب على إنسان أمر به فمدّ بين أربعة أوتاد وأرسل عليه العذاب.

قال مقاتل بن حيان : كان يمدّ الرجل مستلقيا على الأرض ثم [يشدّه](٣) بالأوتاد (٤).

وقال السدي : كان يمدّ الرجل ويشدّه بالأوتاد ، ويرسل عليه العقارب والحيات (٥).

__________________

(١) البيت للأفوه الأودي ، انظر : ديوانه (ص : ١٠) ، وأمالي القالي (٢ / ٢٢٤) ، والبحر (٧ / ٣٧٠) ، والدر المصون (٥ / ٥٢٧) ، والكشاف (٤ / ٧٨) ، وروح المعاني (٢٣ / ١٧٠ ، ٣٠ / ٦).

(٢) في الأصل : الأتاد. والتصويب من مصادر البيت.

وهو عجز بيت لأسود بن يعفر ، وصدره : (ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة) ، انظر : ديوان المفضليات (ص : ٤٤٩٢) ، والبحر (٧ / ٣٧٠) ، والدر المصون (٥ / ٥٢٧) ، والأغاني (١٣ / ٢٢) ، وغريب القرآن (ص : ٣٧٧) ، والماوردي (٥ / ٨١) ، والقرطبي (١٥ / ١٥٥) ، وزاد المسير (٧ / ١٠٦).

(٣) في الأصل : يسنده. والمثبت من البغوي (٤ / ٥٠).

(٤) ذكره البغوي في تفسيره (٤ / ٥٠).

(٥) مثل السابق.

٤٥٦

وقيل : كان يشد كل عضو إلى سارية ويتركه في الهواء حتى يموت (١).

وقال قتادة وعطاء : كانت له أوتاد وأرسان وملاعب يلعب عليها بين يديه (٢).

قوله تعالى : (فَحَقَّ عِقابِ) أي : فوجب عليهم عقابي بتكذيبهم.

(وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ) كفار مكة لوقوع العذاب بهم (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) وهي النفخة الأولى في الصور (ما لَها مِنْ فَواقٍ).

قرأ حمزة والكسائي وخلف : «فواق» بضم القاف والفاء ، وفتحها الباقون (٣).

قال الفراء وأبو عبيد وأبو علي (٤) : «الفواق» ـ بالفتح ـ : الراحة والإفاقة ، وبالضم : من فواق الناقة ، وهو ما بين الحلبتين.

وقيل : هما لغتان بمنزلة جمام [المكول](٥) وجمامه ، وقصاص الشّعر وقصاصه.

وقال ابن عباس وقتادة : ما لها من رجوع (٦).

__________________

(١) هو قول مقاتل في تفسيره (٣ / ١١٤).

(٢) أخرجه الطبري (٢٣ / ١٣٠) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٢٣٦) كلاهما عن قتادة. وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ١٠٦) عن عطاء وقتادة ، والسيوطي في الدر (٧ / ١٤٧) وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة.

(٣) الحجة للفارسي (٣ / ٣٢٣) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٦١٣) ، والكشف (٢ / ٢٣١) ، والنشر (٢ / ٣٦١) ، والإتحاف (ص : ٣٧٢) ، والسبعة (ص : ٥٥٢).

(٤) انظر : معاني الفراء (٢ / ٤٠٠) ، وغريب الحديث لأبي عبيد (١٧٦ ـ ١٧٧) ، والحجة للفارسي (٣ / ٣٢٣).

(٥) في الأصل : المكوك. والمثبت من الدر المصون (٥ / ٥٢٨). والمكول من الآبار : التي يقلّ ماؤها فتستجمّ حتى يجتمع الماء في أسفلها (اللسان ، مادة : مكل).

(٦) أخرجه الطبري (٢٣ / ١٣٢) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٢٣٧). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ١٤٧) وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

٤٥٧

قال الزجاج (١) : المعنى في القراءتين : ما لها من رجوع.

[والفواق](٢) : ما بين حلبتي الناقة ، وهو مشتق من الرجوع أيضا ؛ لأن اللبن يعود إلى الضرع ، ويقال : أفاق من مرضه ؛ إذا رجع إلى الصحة ، وهو من هذا أيضا (٣).

وقال صاحب الكشاف (٤) : ما لها من توقف مقدار فواق ، وهو ما بين حلبتي الحالب ورضعتي الرّاضع.

يعني : إذا جاء وقتها لم تستأخر هذا القدر من الزمان ؛ كقوله تعالى : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) [النحل : ٦١].

(وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ (١٦) اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (١٧) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ (١٨) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (١٩) وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ)(٢٠)

قوله تعالى : (وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا) القطّ : القسط من الشيء ؛ لأنه قطعة منه ، من قطّه ؛ إذا قطعه (٥).

__________________

(١) معاني الزجاج (٤ / ٣٢٣).

(٢) في الأصل : والوافق. والتصويب من معاني الزجاج ، الموضع السابق.

(٣) انظر : اللسان (مادة : فوق).

(٤) الكشاف (٤ / ٧٨).

(٥) انظر : اللسان (مادة : قطط).

٤٥٨

ويقال [لصحيفة](١) الجائزة : قطّ ؛ لأنها قطعة من القرطاس (٢).

قال ابن عباس وقتادة : المعنى : عجّل لنا نصيبنا من العذاب والعقوبة ، قالوا ذلك تكذيبا واستهزاءا (٣).

وقال سعيد بن جبير والسدي : لما ذكر لهم ما في الجنة قالوا : عجل نصيبنا منها في الدنيا (٤).

وقال أبو العالية والكلبي ومقاتل (٥) : لما نزل قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) [الحاقة : ١٩] ، (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ) [الحاقة : ٢٥] قالت قريش : زعمت يا محمد أنا نؤتى كتابنا بشمالنا ، فعجّل لنا قطّنا قبل يوم الحساب ، يقولون ذلك تكذيبا به (٦) ، فقال الله تعالى : (اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) يعني : من الكفر والتكذيب والأذى.

فإن قيل : ما وجه المطابقة بين هذا وبين قوله تعالى : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ) حتى قرن به وعطف عليه؟

قيل : قد أجاب الزمخشري (٧) عنه فأحسن ، قال : كأنه قال لنبيه عليه الصلاة

__________________

(١) في الأصل : الصحيفة. والتصويب من الكشاف (٤ / ٧٩).

(٢) هذا كلام الزمخشري في الكشاف (٤ / ٧٩).

(٣) أخرجه الطبري (٢٣ / ١٣٤) عن ابن عباس وقتادة ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٢٣٧) عن قتادة.

وذكره الماوردي (٥ / ٨٢) عن ابن عباس ، والواحدي في الوسيط (٣ / ٥٤٢) عن قتادة.

(٤) ذكره الواحدي في الوسيط (٣ / ٥٤٢).

(٥) تفسير مقاتل (٣ / ١١٤ ـ ١١٥).

(٦) ذكره الواحدي في الوسيط (٣ / ٥٤٣).

(٧) الكشاف (٤ / ٧٩).

٤٥٩

والسّلام : اصبر على ما يقولون ، وعظّم أمر معصية الله تعالى في أعينهم بذكر قصة داود ، وهو أنه نبي من أنبياء الله تعالى قد أولاه ما أولاه من النبوة والملك ، لكرامته عليه وزلفته [لديه](١) ، ثم زلّ زلة فبعث الله تعالى [إليه](٢) الملائكة ووبّخه عليها ، على طريق التمثيل والتعريض ، حتى فطن لما وقع فيه فاستغفر وأناب ، ووجد منه ما يحكى من بكائه الدائم وغمّه الواصب ، فما الظن بكم مع كفركم ومعاصيكم؟ أو قال له صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اصبر على ما يقولون ، وصن نفسك وحافظ عليها أن تزلّ فيما كلّفت من مصابرتهم وتحمّل أذاهم ، واذكر أخاك داود وكرامته على الله كيف زلّ تلك الزلّة اليسيرة ، فلقي من توبيخ الله وتظليمه ونسبته إلى البغي ما لقي.

(ذَا الْأَيْدِ) ذا القوة في الدين المضطلع بمشاقّه وتكاليفه (٣) ، فإنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يصوم يوما ويفطر يوما ، ـ وهذا أشق شيء نجده على النفس ـ ، ويقوم نصف الليل.

(إِنَّهُ أَوَّابٌ) رجّاع عن كل ما يكره الله تعالى.

(إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ) وهو وقت إضاءة الشمس وصفاء شعاعها.

قال الزجاج (٤) : يقال : شرقت الشمس ؛ إذا طلعت ، وأشرقت ؛ إذا أضاءت (٥).

__________________

(١) في الأصل : يديه. والتصويب من الكشاف (٤ / ٧٩).

(٢) زيادة من الكشاف ، الموضع السابق.

(٣) في الأصل : بمشاقصوا تكاليفه. وقد صححت على الهامش بقوله : لعله : بمشاقه وتكاليفه. والمثبت من : الكشاف (٤ / ٧٩).

(٤) معاني الزجاج (٤ / ٣٢٤).

(٥) انظر : اللسان (مادة : شرق).

٤٦٠