١ ـ المقام الأول : في العقل النظري :
وقد عرفت انّ جوهر الكلام من قبل المشكّكين في كاشفية الدليل العقلي ، مردّه إلى دعوى كثرة الأخطاء الواقعة في العقل النظري ، وهذه الكثرة في الخطأ تمنع من حصول اليقين منه ، وحينئذ لا يكون مشمولا لدليل الحجيّة ، وحيث أنّ هذا الكلام لا يخلو من غموض ، فلا بدّ من مقام حلّه وتحقيقه من الكلام حول هذا اليقين فيقال : انّ اليقين له معنيان.
١ ـ المعنى الأول : هو أن يراد باليقين اليقين بالمعنى الأصولي ، وهو الجزم والانكشاف التام الّذي لا يستبطن أيّ تردّد وشكّ وهذا اليقين هو الّذي وقع موضوعا للحجيّة والمنجزية والمعذرية.
٢ ـ المعنى الثاني : هو أن يراد به اليقين بالمعنى المنطقي المأخوذ من كتاب البرهان والصناعات الخمس ، وهو غير الأول ، فإنّ المناطقة البرهانيين لا يسمون كل جزم يقينا ، وإلّا فالصناعات الأخرى غير صناعة البرهان قد تؤدّي إلى الجزم ولكنّه ليس يقينا ، بل اليقين هو الجزم المضمون الحقانية الّذي يكون مطابقا للواقع بالضرورة ، فتكون حقانيته ومطابقيته للواقع هي المقومة ليقينيته ، ومقصود المحدّثين في المقام عند ما يقولون إنّ الدليل العقلي لا يورث اليقين ، تارة يكون إنكار اليقين الأصولي في الأدلة العقلية ، وأخرى ، يكون إنكار اليقين المنطقي ، فأيّ اليقينين يريدون ، الأصولي أو المنطقي؟ فإن كان مراد إنكاركم هو اليقين الأصولي ، فحينئذ إن تمّت صغراه تمّت كبراه ، بمعنى أنّه إن تمّ أنّ اليقين بالمعنى الأصولي غير موجود ، بل الشك هو الغالب فيه وحينئذ ، مثل هذا لا ينتج جزما ، ومعه يتبين أنّه لا موضوع للحجيّة في الأدلة العقلية ، لأنّ الحجيّة بمعنى المنجزية والمعذرية موضوعها الجزم واليقين الأصولي الّذي لا يحتمل فيه الخلاف ، ومع عدم وجوده ولا حجّة أصلا.