فالأخباريون ، وبالخصوص المحدّث الأسترآبادي «قده» كذلك فعلوا.
وهذه الملاحظة رغم حسنها ومعقوليتها بحدّ ذاتها ، إلّا أنّها على فرض صحة صدورها عن البروجردي «قده» ، فهي غير تامة ، فإنّه قد أشرنا في محله من كتابنا «المعالم الجديدة» بأنّ هذا الاتجاه الممثل للنزعة الحسية التجريبية جاء بعد اتجاه الإخباريين والأسترآبادي «قده» بمائة سنة تقريبا ، فإنّ الأسترآبادي «قده» عاش في أوائل القرن الحادي عشر ، بينما هذه المدرسة الحسية الأوروبية عاشت في أواخر القرن الثاني عشر ، ومن هنا يحتمل أن تكون أفكار الأسترآبادي «قده» ومدرسته هي الّتي تسربت إلى أوروبا والمدرسة الحسيّة فيها ، وكل هذا حكم على فرض أن نتعامل مع مدّعيات الأسترآبادي «قده» على أساس أنّ مدرسته هذه تمثل نزعة حسيّة.
إلّا أنّ هذا الافتراض غير واضح من كلماته ، وإن كان يقول بأنّ الحس معتبر ، وانّ العلوم العقلية الّتي تكون موادها حسيّة هي الثانية معتبرة ، إلّا أنّه مع هذا ليس واضحا أنّ غرضه نفس غرض المدرسة الحسيّة الأوروبية ، بل الظاهر أنّ غرضهم كان حصر المعرفة بالدليل الشرعي اللفظي وإلغاء حجيّة الدليل العقلي ، سواء كان عقليا قبليا ، أي غير مستمد من التجربة والاستقراء ، أو عقليا بعديا ، أي مستمدا من التجربة والاستقراء ، وهذا يكفي بمدرسة الإخباريين بعدا عن المدرسة الحسيّة التجريبيّة الّتي ألغت العقل القبلي وحصرت المعرفة بالدليل الحسي الاستقرائي ، بينما الأسترآبادي ألغى القبلي والبعدي واعترف بالشرعي على أساس أنّه محسوس ، وهذا اعتراف منه بالحس بالجملة لا بالحس الّذي تتبناه المدرسة الحسيّة الأوروبية.
وعلى أيّ حال فالكلام في مدّعى الإخباريين المذكور يقع في مقامين.