والحاصل انّ كبرى وقوع الأخطاء في الاستدلالات العقلية هل يمنع عن حصول الجزم واليقين أم لا؟
وهنا عادة قبل الحل ينقض على هذا المدّعى نقضا وحلا.
أمّا نقضا : فينقض عليه بنقضين.
١ ـ النقض الأول : هو انّه إذا لم يكن الدليل العقلي معتبرا في إيجاد اليقين ، باعتبار كثرة الأخطاء فيه ، وانحصر الدليل بالأدلة الشرعية ، حينئذ ما ذا تصنعون بالأدلة العقلية الّتي تثبتون بها أصل الشرع ـ أصول الدّين ـ حيث أنّه لا يمكن إثباته بالدليل الشرعي ، مع أنّكم تستدلون بالأدلة العقلية في أصول الدّين ويحصل لكم الجزم على أساسها.
٢ ـ النقض الثاني : هو النقض بنفس الاستدلال بالأدلة الشرعية ، فإنّه في هذه الأدلة وعمليات الاستدلال بها والملابسات الّتي تحيط بالدليل الشرعي والأخطاء الّتي تقع فيه ، هي أيضا تشكّل نفس ما كان يقع في الدليل العقلي ، خاصة إذا لاحظنا عالم الدلالة والسند ، فلو كان مجرد حصول أخطاء كثيرة من هذا القبيل يوجب التوقف عن الجزم ، إذن ينبغي أن لا يحصل جزم للمستدل بالأدلة الشرعية أيضا ، إذ كثيرا ما يقع الخطأ في مقام الاستدلال بها.
وكلا هذين النقضين إنّما يردّان على المحدّثين ، «خصوصا النقض الأول» فيما إذا افترض أنّ المحدّث الأسترآبادي كان يريد إنكار كاشفية الدليل العقلي جملة وتفصيلا ، أي كل دليل عقلي على الإطلاق.
وأمّا إذا كان ينكر كاشفية خصوص تلك الأدلة العقلية ذات الطابع النظري التجريدي المستعملة في مثل علم الكلام والفلسفة والأصول ، بمعنى أنّه ينكر حجيّة ذلك العقل البرهاني الّذي ينتج نظريات فقه وقضايا أخرى ، فإنّه حينئذ لا يردّ عليه النقض الأول حيث أنّه ليس بحاجة لمثل