موسوعة أخلاق القرآن - ج ٤

الدكتور أحمد الشرباصي

موسوعة أخلاق القرآن - ج ٤

المؤلف:

الدكتور أحمد الشرباصي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الرائد العربي
الطبعة: ٣
الصفحات: ٢٣٥

وهو ايحاء بواجب المؤمن في الجماعة المؤمنة ، وهو ألا يكون عنصر تخذيل ، بل عنصر تثبيت ، ولا يكون داعية هزيمة ، بل داعية اقتحام ، ولا يكون مثار جزع ، بل مهبط طمأنينة.

وكذلك التواصي بالمرحمة ، فهو أمر زائد على المرحمة ، انه اشاعة الشعور بواجب التراحم في صفوف الجماعة عن طريق التواصي به ، والتحاض عليه ، واتخاذه واجبا جماعيا فرديا في الوقت ذاته ، يتعارف عليه الجميع ، ويتعاون عليه الجميع. فمعنى الجماعة قائم في هذا التوجيه ، وهو المعنى الذي يبرزه القرآن كما تبرزه أحاديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لأهميته في تحقيق حقيقة هذا الدين ، فهو دين جماعة ، ومنهج أمة ، مع وضوح التبعة الفردية والحساب الفردي فيه وضوحا كاملا.

وأولئك الذين يقتحمون العقبة ـ كما وصفها القرآن وحددها ـ «أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ». وهم أصحاب اليمين كما جاء في مواضع أخرى ، أو انهم أصحاب اليمن والحظ والسعادة. وكلا المعنيين متصل في المفهوم الايماني».

ويقول القرآن المجيد في سورة العصر :

«وَالْعَصْرِ ، إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ».

أي تحابوا فتبادلوا فيما بينهم الوصية بالحق ـ وهو ضد الباطل ـ ولا يوصي بالحق الا من كان عليما بالحق ، عاملا به ، ثابتا عليه ، فالتواصي بالحق يستلزم أن نعرف الحق ، وأن نؤمن بجمال هذا الحق ووجوبه ،

٢٠١

وأن نخضع لهذا الحق فنتبعه ونتمسك به وندافع عنه ، وأن نخلص أخيرا في هداية غيرنا الى طريقه ، لأن الايمان لا يكمل الا اذا أحب المؤمن لأخيه ما يحبه لنفسه.

وتواصوا بالصبر ، والصبر ملكة تجعل صاحبها يحتمل ما يشق احتماله ، وأن يحتمله دون شكوى ، والصبر أنواع ، فهناك صبر على الطاعة ، وصبر على المعصية ، وصبر في طلب العلم ، وصبر في الاعداد ، وصبر في الجهاد ، وصبر على تبعات الواجب ، وصبر في تعليم الغير ، وصبر عند الغضب ، وصبر ضد شهوات النفس ، وهكذا.

ويلزمنا حين نوصي بالصبر أن نصحح معنى الصبر ، وأن نؤمن بأنه طريق الفوز ، وأن يخلص كل منا في نصيحة أخيه بالتزام الصبر ، فهو لا يكتفي بصلاح نفسه ، بل ينقل الخير الى أخيه في الاسلام.

ولقد قررت سورة العصر أن جنس الانسان في خسار ووبال ، ثم استثنت المتصفين بالايمان والعمل ، ثم وصفتهم بعد ذلك ـ كما يقول الرازي ـ بأنهم قد صاروا لشدة محبتهم للطاعة لا يقتصرون على ما يخصهم ، بل يوصون غيرهم بمثل طريقتهم ليكونوا أيضا سببا لطاعات الغير ، كما ينبغي أن يكون عليه أهل الدين ، وكما يلزم المكلف تحصيل ما يخص نفسه يلزمه في غيره أمور منها الدعوة الى الدين ، والنصيحة ، والامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وأن يحب لاخيه ما يحب لنفسه.

ويقول الامام محمد عبده : «شرط النجاة من الخسران أن تصبر ، وأن توصي غيرك بالصبر ، وتحمله على تكميل قواه بهذه الفضيلة الشريفة التي هي أم الفضائل بأسرها ، ولا يمكنك حمله على ذلك حتى تكون بنفسك متحليا بها ، والا دخلت فيمن يقول ولا يفعل كما يقول ، فلم تكن ممن يعمل الصالحات».

٢٠٢

ويتعرض تفسير «في ظلال القرآن» للتواصي بالحق والتواصي بالصبر ، فيذكر أنهما عنوان كرم للامة الكريمة المؤمنة ، ذات الشخصية المتميزة المتماسكة ، والتي تستطيع بايمانها وعملها الصالح أن تكون طليعة للانسانية الفاضلة وقائدة لها نحو الخير والصلاح : «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ».

واذا كان الاستمساك بالحق عسيرا ، وقد تنوء به همة الفرد من الافراد على النطاق العام ، فان تلاقي الهمم وتجمع العزائم ، وتبادل التواصي بالواجب ، يعين ويشجع ، وما أقل جهد الفرد في تحقيق الخير العام ، وما أكثره حين يتضام مع جهود سواه هنا وهناك.

وحين تتجه الامة الى اقامة مجتمع الحق والخير ، لا بد لها من الصبر ، ولا بد لها من احتمال المتاعب والمصاعب ، وحينئذ تتكاثر العزائم الصابرة ، وتتضاعف الايدي الثابتة ، وتتوالى الاقدام الراسخة ، فاذا أضيف الى ذلك أن الهدف واحد ، وأن الصف واحد ، وأن الغاية واحدة ، فقد اجتمع للامة الكثير من حوافز الخير وعوامل الاصلاح ، ومن وراء تلك تتوالى الخطوات الجماعية المخلصة المتساندة الماضية نحو دعم الحق وتأييد الخير.

يقول التفسير : «أما التواصي بالحق والتواصي بالصبر فتبرز من خلالهما صورة الامة المسلمة ـ أو الجماعة المسلمة ـ ذات الكيان الخاص ، والرابطة المتميزة ، والوجهة الموحدة. الجماعة التي تشعر بكيانها كما تشعر بواجبها ، والتي تعرف حقيقة ما هي مقدمة عليه من الايمان والعمل الصالح ، الذي يشمل فيما يشمل قيادة البشرية في طريق الايمان والعمل الصالح ، فتتواصى فيما بينها بما يعينها على النهوض بالامانة الكبرى.

فمن حلال لفظ «التواصي» ومعناه وطبيعته وحقيقته تبرز صورة الامة أو الجماعة المتضامة المتضامنة ، الامة الخيرة الواعية القيمة في الارض

٢٠٣

على الحق والعدل والخير ، وهي أعلى وأنصع صورة للامة المختارة ، وهكذا يريد الاسلام أمة الاسلام ، هكذا يريدها أمة خيرة واعية قائمة على حراسة الحق والخير ، متواصية بالحق والصبر ، في مودة وتعاون وتآخ تنضح بها كلمة التواصي في القرآن.

والتواصي بالحق ضرورة ، فالنهوض بالحق عسير ، والمعوقات عن الحق كثيرة : هوى النفس ، ومنطق المصلحة ، وتصورات البيئة ، وطغيان الطغاة ، وظلم الظلمة ، وجور الجائرين. والتواصي تذكير وتشجيع واشعار بالقربى في الهدف والغاية ، والاخوة في العبء والامانة ، فهو مضاعفة لمجموع الاتجاهات الفردية ، اذ تتفاعل معا فتتضاعف ، تتضاعف باحساس كل حارس للحق أن معه غيره يوصيه ويشجعه ويقف معه ، ويحبه ولا يخذله ...».

ويقال قريب من هذا عن الصبر والتواصي به ، لأنه يقوي العزيمة ويلد الاصرار على الثبات حتى الانتصار.

* * *

وننتقل من روضة القرآن المجيد الى روضة السنة المطهرة ، فنجد رسول الله عليه الصلاة والسلام يعنى بالنصيحة والوصية ، ففي المسند أن رسول الله أوصى سلمان الخير ، وكان الرسول صلوات الله وسلامه عليه اذا أمرّ أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله ولم لا وهو يتلقى من سفير الرحمن جبريل الوصية بعد الوصية ، ومن أمثلة ذلك ما يدلنا عليه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه».

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي : أوصني. فقال له : لا تغضب ، فكرر مرارا فقال له : لا تغضب.

٢٠٤

لا أدعهن حتى أموت : صوم ثلاثة أيام من كل شيء ، وصلاة الضحى ، ونوم لا أدعهن حتى أمات : صوم ثلاثة أيام من كل شيء ، وصلاة الضحى ، ونوم على وتر».

وفي البخاري كذلك عن ابن أبي أوفى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أوصى بكتاب الله» أي أوصى بحفظه حسا ومعنى ، فيكرّم ويصان ، ويتبع ما فيه فيعمل بأوامره ، ويجتنب نواهيه ، ويداوم تلاوته وتعلمه وتعليمه. وحسبنا أن نجد أمام أبصارنا وبصائرنا قول رائدنا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه : «الدين النصيحة» ومعنى هذا ان يكون النصح شعار هذه الامة وديدنها ، يقوم به كل قادر عليه ، ويستجيب له كل محتاج اليه ، وهذا هو المفهوم الكريم لمعنى التواصي بالخير.

ومن وراء سيدنا رسول الله جرت عادة الاخيار من صحابته على أن يبذلوا النصيحة المخلصة والوصية الخيرة ، كلما وجدوا لها موطنا ، وهذا مثلا هو عمر الفاروق يوصي الخليفة من بعده فيقول فيما يقول : «أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الاولين : أن يعرف لهم حقهم ، ويحفظ لهم حرمتهم ، وأوصيه بالانصار خيرا ، الذين تبوأوا الدار والايمان من قبلهم ، أن يقبل من محسنهم ، وأن يعفى عن مسيئهم ، وأوصيه بأهل الامصار خيرا ، فانهم ردء الاسلام ، وجباة المال ، وغيظ العدو ، وأن لا يؤخذ منهم الا فضلهم عن رضاهم ، وأوصيه بالأعراب خيرا ، فانهم أصل العرب ، ومادة الاسلام ، أن يؤخذ من حواشي أموالهم ، ويرد على فقرائهم ، وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أن يوفى لهم بعهدهم ، وأن يقاتل من ورائهم ، ولا يكلفوا الا طاقتهم ...».

ويتحدث أبو حامد الغزالي عن حقوق الاخوة فيقول : «ومن ذلك التعليم والنصيحة ، فليست حاجة أخيك الى العلم بأقل من حاجته الى المال ، فان كنت غنيا بالعلم فعليك مواساته من فضلك ، وارشاده الى كل ما ينفعه

٢٠٥

في الدين والدنيا ، فان علمته وأرشدته ، ولم يعمل بمقتضى العلم ، فعليك النصيحة ، وذلك بأن تذكر آفات ذلك الفعل ، وفوائد تركه ، وتخوفه بما يكرهه في الدنيا والآخرة ، لينزجر عنه ، وتنبهه على عيوبه ، وتقبّح القبيح في عينه ، وتحسّن الحسن.

ولكن ينبغي أن يكون ذلك في سر لا يطلع عليه أحد ، فما كان على الملأ فهو توبيخ وفضيحة ، وما كان في السر فهو شفقة ونصيحة ، اذ قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «المؤمن مرآة المؤمن» أي يرى منه ما لا يرى من نفسه ، فيستفيد المرء بأخيه معرفة عيوب نفسه ، ولو انفرد لم يستفد ، كما يستفيد بالمرآة الوقوف على عيوب صورته الظاهرة.

وقال الشافعي رضي الله عنه : من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه ، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه. وقيل لمسعر : أتحب من يخبرك بعيوبك؟.

فقال : ان نصحني فيما بيني وبينه فنعم ، وان قرعني بين الملأ فلا.

وقد صدق ، فان النصح على الملأ فضيحة ، والله تعالى يعاتب المؤمن يوم القيامة تحت كنفه ، في ظل ستره ، فيوقفه على ذنوبه سرا ، وقد يدفع كتاب عمله مختوما الى الملائكة الذين يحفون به الى الجنة ، فاذا قارب باب الجنة أعطوه الكتاب مختوما ليقرأه.

وأما أهل المقت فينادون على رؤوس الاشهاد ، وتستنطق جوارحهم بفضائحهم ، فيزدادون بذلك خزيا وافتضاحا ، ونعوذ بالله من الخزي يوم العرض الاكبر ، فالفرق بين التوبيخ والنصيحة بالاسرار والاعلان.

ويأتي حديث الصوفية عن التواصي بالخير ، فنجد ذا النون المصري يقول : «لا تصحب مع الله الا بالموافقة ولا مع الخلق الا بالمناصحة ، ولا مع النفس الا بالمخالفة ، ولا مع الشيطان الا بالعداوة والمحاربة».

٢٠٦

وقال بعض الشيوخ لرويم الصوفي رحمه‌الله : أوصني بوصية.

فقال له : يا بني ، ليس غير بذل الروح ، فان قدرت على ذلك ، والا فلا تشتغل بترهات الصوفية.

وقال رجل لابي بكر البارزي : أوصني.

فقال له : احذر الفتك ، وعادتك ، والسكون الى راحتك.

وأوصى ذو النون بعض أصحابه فقال له في نصيحته : يا أخي ، اعلم أنه لا شرف أعلى من الاسلام ، ولا كرم أعز من التقوى ، ولا عقل أحرز من الورع ، ولا شفيع أنجح من التوبة ، ولا لباس أجل من العافية ، ولا وقاية أمنع من السلامة ، ولا كنز أغنى من القنوع ، ولا مال أذهب للفاقة من الرضا بالقوت ، ومن اقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة ، والرغبة مفتاح التعب ومطية النصب ، والحرص داع الى التقحم في الذنوب ، والشره جامع لمساوىء الذنوب ، وربّ طمع كاذب وأمل خائب ورجاء يؤدي الى الحرمان وإرباح يؤول الى الخسران.

وهذا غيض من فيض ، فما أكثر الوصايا والنصائح والتوجيهات التي تبادلها هؤلاء القوم ، وفاضت بها كتبهم ومصادرهم.

ألا ما أجمل المجتمع حين تعمه روح التواصي بالخير ، ويشيع فيه توجيه النصيحة المخلصة ، وتقبل الوصية النافعة. انه مجتمع الاسلام والايمان ، وموطن الرضى من الرحمن.

٢٠٧

الصلاح والاصلاح

الصلاح في اللغة ضد الفساد ، أو ضد السيء ، والصلح أيضا هو ازالة النفار بين الناس. ويقال : اصطلح القوم وتصالحوا. واصلاح الله تعالى الانسان يكون تارة بخلقه اياه صالحا ، وتارة بازالة ما فيه من فساد بعد وجوده ، وتارة يكون بالحكم له بالصلاح. والعمل الصالح هو ما يصلح للقبول ، أو الذي ليس فيه عيب أو آفة.

والصلاح يراد به هنا أن يكون الانسان صالحا في ذاته ، قد بدأ بنفسه ، فطهرها وهذبها ، واقامها على الصراط ، فأصبحت نفسا طيبة صالحة ، ثم انتقل الانسان بعد ذلك الى اصلاح غيره وتهذيب سواه ، ولذلك قال القائل الحكيم : «الصالحون يبنون أنفسهم ، والمصلحون يبنون الامم». وقد أشار أبو حامد الغزالي الى أن الجدير بالمسلم هو أن يبدأ بنفسه حتى يتحقق لها الصلاح ، ثم يتدرج في اصلاح من حوله ، مرحلة بعد مرحلة. قال على طريقته في «الاحياء» :

«فحق على كل مسلم أن يبدأ بنفسه ، فيصلحها بالمواظبة على الفرائض وترك المحرمات ، ثم يعلّم ذلك أهل بيته ، ثم يتعدى بعد الفراغ منهم الى جيرانه ، ثم الى أهل محلته ، ثم الى أهل بلده ، ثم الى أهل السواد المكتنف ببلده ، ثم الى أهل البوادي من الاكراد والعرب وغيرهم ، وهكذا الى أقصى

٢٠٨

العالم ، فان قام به الادنى سقط عن الابعد ، ولا حرج به على كل قادر عليه ، قريبا كان أو بعيدا.

ولا يسقط الحرج ما دام باقيا على وجه الارض جاهل بفرض من فروض دينه ، وهو قادر على أن يسعى اليه بنفسه ، أو غيره ، فيعلمه فرضه. وهذا شغل شاغل لمن يهمه أمر دينه ، يشغله عن تجزئة الاوقات في التفريعات النادرة ، والتعمق في دقائق العلوم التي هي من فروض الكفايات ، ولا يتقدم على هذا الا فرض عين ، أو فرض كفاية هو أهم منه».

وبتوافر عنصر الصلاح في النفس ، وعنصر الاصلاح للنفس ، يتحقق للانسان اكتمال فضيلة أخلاقية قرآنية ، ذات شعبتين تكمل احداهما الاخرى ، تلك الفضيلة هي ما عبرت عنه بكلمتي «الصلاح» و «الاصلاح».

ولقد تكررت مادة «الصلاح والاصلاح» في القرآن المجيد أكثر من مائة وسبعين مرة ، ونستطيع أن نلحظ من مراجعة هذه المواضع أن الترتيب الطبيعي أو الغالب فيها أن الايمان مدخل الى الصلاح ، وان الاصلاح يكون ثمرة أو نتيجة للصلاح. ومن هنا ينبغي أن نلاحظ هذا الاقتران المتكرر الغالب بين ذكر «الايمان» وذكر «العمل الصالح». وقد تكرر قول القرآن الكريم «الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ» أكثر من خمسين مرة.

وليس هناك من ضرورة تلجىء الى ايراد كل هذه المواطن ، وحسبنا هنا نماذج منها ، ففي سورة البقرة يقول الحق تبارك وتعالى :

«وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ

٢٠٩

ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ»»(١).

وفي سورة المائدة :

«وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ»(٢).

وفي سورة يونس :

«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ»(٣).

وفي سورة الرعد :

«الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ»(٤).

وفي سورة الكهف :

«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ٢٥.

(٢) سورة المائدة ، الآية ٩.

(٣) سورة يونس ، الآية ٩.

(٤) سورة الرعد ، الآية ٢٩.

٢١٠

أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً»(١) ...

... الخ.

والله تبارك وتعالى يمن على الاخيار من عباده ، فيصلح لهم أعمالهم ، وفي هذا تشريف للصلاح والاصلاح ، يقول القرآن في سورة الاحزاب :

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً»(٢).

والرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ، وهم النماذج العليا من البشر ـ قد أمرهم بأن يعملوا أعمالا صالحة ، وأن يكونوا أئمة في هذا المجال ، بعد ان صنعهم الله على عينه ، فجعلهم أئمة في الصلاح. يقول التنزيل في سورة المؤمنون :

«يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ».

يقول بعض أهل التفسير : يأمر الله عباده المرسلين ، عليهم الصلاة والسلام أجمعين ، بالاكل من الحلال ، والقيام بالصالح من الاعمال ، فدل هذا على أن الحلال عون على العمل الصالح ، فقام الانبياء بهذا أتم القيام ، وجمعوا بين كل خير ، قولا وعملا ، ودلالة ونصحا ، فجزاهم الله عن

__________________

(١) سورة الكهف ، الآية ٣٠.

(٢) سورة الاحزاب ، الآية ٧٠ و ٧١.

٢١١

العباد خيرا.

وفي سنة الرسول عليه الصلاة والسلام يقول : «بذلك أمرت الرسل : أن لا تأكل الا طيبا ، ولا تعمل الا صالحا».

وقد ذكر القرآن المجيد طائفة من الانبياء والمرسلين ، وعطر كلا منهم بأنه موصوف بصفة الصلاح ، ففي سورة البقرة يقول عن ابراهيم :

«وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ»(١)

وفي سورة آل عمران يقول عن يحيى :

«فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ»(٢).

وفي السورة نفسها يقول عن عيسى :

«وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ»(٣).

وفي سورة الانعام يقول :

«وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ»(٤)

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ١٣٠.

(٢) سورة آل عمران ، الآية ٣٩.

(٣) سورة آل عمران ، الآية ٤٦.

(٤) سورة الانعام ، الآية ٨٥.

٢١٢

وفي سورة الانبياء :

«وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ»(١).

وفي السورة ذاتها :

«وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ ، وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ»(٢).

وهذا شعيب ينادي ـ كما في سورة هود ـ بأنه لا يريد الا الاصلاح الناشىء عن الصلاح :

«إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ»(٣).

أي لا أقصد الا الاصلاح العام لكم ، بالتزامي الدعوة الى ما أمر الله به ، والنهي عما نهى عنه ، فلا أريد نفعا ذاتيا ، ولا مأربا شخصيا ، ولا يتحقق توفيقي لما ارتجي الا بفضل الله وقوته.

وللاصلاح مواطن ، وكلما كان الموطن عاما واسعا شاملا الكثير من عباد الله كان أنفع وأمتع وأروع. ولذلك يقول التنزيل في سورة الانفال :

__________________

(١) سورة الانبياء ، الآية ٧٢.

(٢) سورة الانبياء ، الآية ٨٥ ـ ٨٦.

(٣) سورة هود ، الآية ٨٨.

٢١٣

«وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ»(١).

أي الاحوال الواقعة بينكم معشر المسلمين ، فاتقوا الله في أموركم ، وأصلحوا فيما بينكم ، ولا تخاصموا ولا تستبوا.

ويقول القشيري : أصلحوا ذات بينكم بالانسلاخ عن شح النفس ، وايثار حق الغير على ما لكم من النصيب والحظ ، وتنقية القلوب من خفايا الحسد والحقد.

والاصلاح كذلك واجب بين الجماعتين اللتين قد تقتتلان مع أن كلا منهما تنتسب الى الاسلام ، ففي سورة الحجرات :

«وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما ، فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ»(٢).

ويقول الحق جل جلاله في سورة النساء :

«لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ، وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ

__________________

(١) سورة الانفال ، الآية الاولى.

(٢) سورة الحجرات ، الآية ٩ و ١٠.

٢١٤

ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً»(١).

فالاصلاح بين الناس مجال فسيح واسع لجهود الصالحين المصلحين من عباد الله سبحانه ، ولقد عنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالاصلاح حتى روى أنس عن النبي صلوات الله وسلامه عليه قال لأبي أيوب : ألا أدلك على تجارة؟

قال : بلى يا رسول الله.

قال : .. تسعى في اصلاح بين الناس اذا تفاسدوا ، وتقارب بينهم اذا تباعدوا.

كما ورد قول الرسول : أفلا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟.

قالوا : بلى يا رسول الله.

قال : اصلاح ذات البين ، وفساد ذات البين هي الحالقة.

وجاء في الحديث أيضا : «ان أحدكم مرآة أخيه ، فاذا رأى فيه شيئا فليمطه عنه».

ونجد للصوفية في فهم الآية السابقة طريقة أخرى ، حيث يرى بعضهم أن «الاصلاح بين الناس» ليس معناه الاصلاح بين الناس بمعنى السعي لازالة شقاقهم ، وتحقيق وفاقهم. بل معناه أن يظهر الداعية بعمله ومعاملته وتصرفاته قدوة عليا لهم ، فهو بهذا ينشر الصلاح بينهم ، فيكون ذلك اصلاحا لهم. يقول القشيري في التعليق على الآية الكريمة : «ومن تصدق بنفسه على طاعة ربه ، وتصدق بقلبه على الرضا بحكمه ، ولم يخرج

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ١١٤.

٢١٥

بالانتقام لنفسه ، وحث الناس على ما فيه نجاتهم بالهداية الى ربه ، وأصلح بين الناس بصدقه في حاله ، فان لسان فعله أبلغ في الوعظ من لسان نطقه ، فهو الصدّيق في وقت.

ومن لم يؤدب نفسه لم يتأدب به غيره ، وكذلك من لم يهذب حاله لم يتهذب به غيره. ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله : غير سائل به مالا ، أو حائز لنفسه به حالا ، فعن قريب يبلغ رتبة الامامة في طريق الله ، وهذا هو الاجر الموعود في هذه الآية».

ولا عجب في ذلك ، فان الانسان بعمله وتصرفه حينئذ يكون صالحا مصلحا ، وهذا هو طريق الكمال.

ومن مواطن الصلاح والاصلاح المهمة ما يشير اليه قوله تعالى في سورة البقرة :

«وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ، وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ ، وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ»(١).

واصلاح أحوالهم بتأديبهم قد يكون أهم من الاصلاح المتعلق بأموالهم.

وثمة ملاحظة نشاهدها في الاسلوب القرآني ، فنحن نجده في كثير من المواطن يجمع بين ذكر التوبة وذكر الاصلاح ، ويأتي ذكر التوبة أولا ، وكأن هذه اشارة ـ والله أعلم بمراده ـ الى أن الانسان الصالح يبدأ أولا بالتوبة للتطهر والتنظف ، وهذه مرحلة نستطيع ان نسميها مرحلة «التخلية» أي التخلص من الرواسب والآثام ، وتأتي مرحلة نستطيع أن نسميها مرحلة

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ٢٢٠.

٢١٦

«التحلية» التي يحلي الانسان الفاضل فيها نفسه بالمكارم والمحامد ، وفي طليعتها الاسهام في اصلاح الناس. فلنستعرض بعض الشواهد على ذلك :

١ ـ في سورة الانعام :

«كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ».

٢ ـ في سورة المائدة :

«فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ»(١).

٣ ـ في سورة النساء :

«إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ ، فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً»(٢).

٤ ـ في سورة النحل :

«ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ»(٣)

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٣٩.

(٢) سورة النساء ، الآية ١٤٦.

(٣) سورة النحل ، الآية ١١٩.

٢١٧

٥ ـ في سورة النور :

«إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ»(١).

٦ ـ في سورة البقرة :

«إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ»(٢) ... الخ

وفي هذه الآية الاخيرة يقول القرطبي : «استثنى الله تعالى التائبين الصالحين المصلحين لاعمالهم وأقوالهم ، المنيبين لتوبتهم ، ولا يكفي في التوبة عند علمائنا قول القائل : قد تبت ، حتى يظهر منه في الثاني خلاف الاول : فان كان مرتدا رجع الى الاسلام مظهرا شرائعه ، وان كان من أهل الاوثان جانبهم وخالط أهل الاسلام ، وهكذا يظهر عكس ما كان عليه».

* * *

وقد ذكر القرآن كثيرا من أنواع الجزاء والثواب على العمل الصالح ، مع ما يقترن به من توبة وتقوى واستقامة ، فهناك تكفير السيئات ، ففي سورة الاسراء :

«إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً»(٣).

وفي سورة التغابن :

__________________

(١) سورة النور ، الآية ٥.

(٢) سورة البقرة ، الآية ١٦٠.

(٣) سورة الاسراء ، الآية ٢٥.

٢١٨

«وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»(١).

وهناك مضاعفة الثواب ، ففي سورة سبأ :

«وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى ، إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ»(٢).

وهناك وراثة الارض والسيادة فيها ، ففي سورة الانبياء :

«وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ»(٣).

وهناك ولاية الله تعالى ، وانعم بها من ولاية. ففي سورة الاعراف :

«إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ»(٤)

وهناك الحياة الطيبة والاجر الحسن ، ففي سورة النحل :

«مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ

__________________

(١) سورة التغابن ، الآية ٩.

(٢) سورة سبأ ، الآية ٣٧.

(٣) سورة الانبياء ، الآية ١٠٥.

(٤) سورة الاعراف ، الآية ١٩٦.

٢١٩

حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ»(١).

ونفهم من حديث القرآن الكريم عن العمل الصالح والمغفرة أن المعاصي لا تحبط الطاعات ، فالله تعالى يقول في سورة المائدة :

«وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ»(٢).

والمغفرة ـ كما في لطائف الاشارات ـ لا تكون الا للذنب ، فوصفهم بالاعمال الصالحات ، ثم وعدهم المغفرة ، لنعلم ان العبد تكون له أعمال صالحة ، وان كانت له ذنوب تحتاج الى الغفران ، بخلاف ما قيل ان المعاصي تحبط الطاعات. وقيل ان المعنى أن العبد ـ وان كانت له أعمال صالحة ـ فانه يحتاج الى عفو الله ورضوانه وغفرانه ، ولو لا ذلك لهلك.

ونفهم كذلك من حديث القرآن الحكيم عن «الاصلاح» أنه يبعد أهله عن الهلاك ، يقول الحق جل جلاله في سورة هود :

«وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ»(٣).

ولتفسير المنار كلام مهم في التعليق على هذه الآية الكريمة جاء فيه : «أي وما كان من شأن ربك وسنته في الاجتماع البشري أن يهلك الامم بظلم منه لها ، في حال كون أهلها مصلحين في الارض ، مجتنبين للفساد

__________________

(١) سورة النحل ، الآية ٩٧.

(٢) سورة المائدة ، الآية ٩.

(٣) سورة هود ، الآية ١١٧.

٢٢٠