موسوعة أخلاق القرآن - ج ٤

الدكتور أحمد الشرباصي

موسوعة أخلاق القرآن - ج ٤

المؤلف:

الدكتور أحمد الشرباصي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الرائد العربي
الطبعة: ٣
الصفحات: ٢٣٥

الرغبات ، فان القرآن الكريم قد عرض علينا كذلك أصنافا قد انحرفت رغباتهم ، وفسدت أمنياتهم. يقول كتاب الله تعالى عن اليهود في سورة البقرة :

«وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ»(١).

ستجد هؤلاء اليهود أحرص على البقاء في الدنيا من سائر الناس ومن المشركين أيضا ، كأن الواحد منهم قد اتخذ من هذا التعمير في الدنيا حبيبا له يوده ويحرص عليه ، وهذا عجيب ، لأن هؤلاء يزعمون ان لهم الجنة. فلم لا يتعجلون الرحيل اليها ان كانوا صادقين؟. ان هؤلاء يودون أن يعمروا في الدنيا الى النهاية مع أن العمر لا بد له من الفناء مهما طال. والحرص على طول البقاء في الدنيا أمر مذموم ، الا اذا كان للازدياد من الطاعة وتدارك الفائت بالتوبة والانابة.

ويقول القرآن في سورة البقرة : «وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ». تمنى كثير من أهل الكتاب ـ من اليهود ـ لو يرجعونكم معشر المؤمنين الى الكفر والضلالة ، بعد أن هداكم الله الى الايمان وجماله ، حسدا منهم لكم على ما أعده الله لكم من الخير والثواب.

وقيل ان هذه الآية نزلت في يحي بن أخطب وأخيه أبي ياسر ، دخلا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين قدما الى المدينة ، فلما خرجا قيل لحيي :

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ٩٦.

١٤١

أهو نبي؟. فجمجم قائلا : هو هو. فقيل له : فما له عندك. قال : عندي له العداوة الى الموت.

وجاء في سورة آل عمران :

«وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ»(١).

تمنت جماعة من اليهود لو يهلكونكم بادخالكم في الضلال ودعوتكم اليه ، ولا يرجع وبال اضلالهم الا على أنفسهم ، ولا يلحق ضرره الا بهم ، لأن المسلمين لا يجيبونهم الى ما يدعونهم اليه من ترك الاسلام الى غيره ، فيبقى عليهم اثم الكفر واثم الدعوة الى الكفر.

وفي سورة آل عمران أيضا :

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ، قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ»(٢).

يا معشر المؤمنين ، لا تتخذوا الكافرين أولياء لكم من دون المؤمنين ، فانهم لا يقصّرون في افساد أموركم ، ولا يتركون جهدهم في مضرتكم ، ولا يتقون الله في القائكم فيما يضركم ، وهم قد تمنوا ادخال الاذى والمشقة عليكم ، وقد ظهرت أمارة العداوة على ألسنتهم في فحوى كلامهم

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ٦٩.

(٢) سورة آل عمران ، الآية ١١٨.

١٤٢

وفلتات السنتهم ، وما تطويه صدورهم من البغضاء أكبر مما يبدونه بألسنتهم.

ومن هذا القبيل ما جاء في سورة النساء :

«وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ»(١).

وما جاء فيها أيضا :

«وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً»(٢).

والقرآن الكريم يؤكد أنه لا يجوز انشاء مودة بين المؤمنين والكافرين تؤدي الى الشر والضر ، يقول في سورة الممتحنة :

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ ، أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ ، إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي ، تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ»(٣).

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ٨٩.

(٢) سورة النساء ، الآية ١٠٢.

(٣) سورة الممتحنة ، الآية الاولى.

١٤٣

نزلت الآية في شأن حاطب بن أبي بلتعة حينما بعث الى قريش رسالة مع امرأة يخبرهم فيها بأن الرسول في طريقه الى فتح مكة. يقول :

«أما بعد ، فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد توجه اليكم بجيش كالليل ، يسير كالسيل ، وأقسم بالله لو لم يسر اليكم الا وحده لأظفره لله بكم ، وأنجز له موعده فيكم ، فان الله وليه وناصره».

فأخبر الله رسوله بأمر الرسالة ، وبعث وراء المرأة من أخذها منها وعاد بها الى رسول الله ، فأحضر حاطبا وسأله : يا حاطب ، ما هذا؟

فأجاب : لا تعجل عليّ يا رسول الله ، اني كنت أمرأ ملصقا في قريش ـ أي دخيلا عليهم ـ وكان من كان معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم ، فأحببت اذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن اتخذ فيهم يدا يحمون بها قرابتي ، ولم أفعله كفرا ولا ارتدادا عن ديني ، ولا رضا بالكفر بعد الاسلام.

فقال النبي عليه الصلاة والسلام : أما صاحبكم فقد صدق.

فقال عمر : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق.

فقال النبي : انه قد شهد بدرا ، وما يدريك ، لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.

ويقول الله عزوجل في سورة المجادلة :

«لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ، أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ

١٤٤

خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»(١).

ويعلق الرازي على الآية بقوله : «المعنى أنه لا يجتمع الايمان مع وداد أعداء الله ، وذلك لأن من أحب أحدا امتنع أن يحب مع ذلك عدوه ، وهذا على وجهين :

أحدهما : أنهما لا يجتمعان في القلب ، فاذا حصل في القلب وداد أعداء الله لم يحصل فيه الايمان فيكون صاحبه منافقا. والثاني : انهما يجتمعان ، ولكنه معصية وكبيرة ، وعلى هذا الوجه لا يكون صاحب هذا الوداد كافرا بسبب هذا الوداد ، بل يكون عاصيا في الله.

فان قيل : أجمعت الأمة على أنه تجوز مخالطتهم ومعاملتهم ومعاشرتهم ، فما هذه المودة المحرمة المحظورة؟. قلنا : المودة المحظورة هي ارادة منافعه دينا ودنيا مع كونه كافرا ، فأما ما سوى ذلك فلا حظر فيه. ثم انه تعالى بالغ في المنع من هذه المودة من وجوه :

أولها ما ذكر أن هذه المودة مع الايمان لا يجتمعان. وثانيها : قوله ولو كانوا أباءهم أو أبناءهم أو اخوانهم أو عشيرتهم ، والمراد ان الميل الى هؤلاء أعظم أنواع الميل ، ومع هذا فيجب أن يكون هذا الميل مغلوبا مطروحا بسبب الدين.

قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في أبي عبيدة بن الجراح ، قتل أباه عبد الله بن الجراح يوم أحد ، وعمر بن الخطاب قتل خاله العاص ابن هشام بن المغيرة يوم بدر ، وأبي بكر دعا ابنه يوم بدر الى البراز ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام : متّعنا بنفسك. ومصعب بن عمير قتل

__________________

(١) سورة المجادلة ، الآية ٢٣.

١٤٥

أخاه عبيد بن عمير ، وعلي بن أبي طالب وحمزة وعبيدة قتلوا عتبه وشيبه والوليد بن عتبة يوم بدر ، وأخبر أن هؤلاء لم يوادوا أقاربهم وعشائرهم غضبا لله ودينه ...» الخ.

ويقول القرآن الحكيم في سورة آل عمران :

«لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ»(١).

لا ينبغي للمؤمنين أن يتخذوا الكافرين أولياء أصحاب مودة لهم ، أو أن يستعينوا بهم أو يلتجئوا اليهم ، ويجب أن تكون المودة والموالاة مع المؤمنين ، الا أن يكون الكفار غالبين والمؤمنون مغلوبين فيحار المؤمن ان لم يظهر موافقتهم ولم يحسن العشرة معهم ، فعند ذلك يجوز له اظهار موافقتهم بلسانه ومداراتهم تقية منه ودفعا عن نفسه ، من غير أن يعتقد ذلك.

* * *

ولقد ورد ذكر المودة في سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام ، ففي صحيح البخاري جاء قول الرسول : «ان أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر ، ولو كنت متخذا خليلا من أمتي لاتخذت أبا بكر ، ولكن أخوة الاسلام ومودته». وانما لم يتخذ النبي أبا بكر خليلا لأن خلته ـ أي محبته التي تتخلل القلب فتصير في باطنه ـ كانت مقصورة على حب الله تعالى ، فليس فيها لغيره متسع ولا شركة ، وهذه حال شريفة لا ينالها

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ٢٨.

١٤٦

أحد بكسب أو اجتهاد ، وانما يخص الله بها من يشاء من عباده ، مثل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وينوه النبي عليه الصلاة والسلام بالمودة التي ينبغي أن يقوم بها الولد نحو من كان يودهم أبوه فيقول : «ان أبر البر صلة الولد أهل وأبيه». كما يشير الى المودة الطيبة التي تنشأ بين الزوج وزوجته حين يقول «تزوجوا الودود الولود».

ويتحدث أبو الحسين النووي عن أعلى أنواع المودة وهي محبة الله جل جلاله فيقول : «من وصل الى وده أنس بقربه ، ومن توسل بالوداد فقد اصطفاه من بين العباد».

ويشير هرم بن حيان الى أن حب الله تعالى هو الطريق الى استقامة المحبة مع الناس فيقول : «ما أقبل عبد بقلبه الى الله الا أقبل الله بقلوب المؤمنين اليه ، حتى يرزقه مودتهم ومحبتهم».

اللهم هبنا حبك وحب من يحبك فانك أنت الرحيم الودود.

١٤٧

الافتقار الى الله

تقول اللغة ان الفقر ضد الغنى ، وأصل الفقير هو المكسور الفقار ، أي خرزات الظهر ، وهي عظام منتظمة في النخاع ، ويقال : أصابته فاقرة. أي داهية تكسر الفقار. وقد عرّف العلماء الفقر بأنه فقد ما يحتاج اليه الانسان.

والمسلم الحقيقي لا يقبل الفقر ولا يرضى به ، ولا يذل نفسه لاحتياجه الى شيء مما في أيدي الناس ، ولكنه يجد لذة كبرى في الاحتياج الى الله ، والشعور بافتقاره دائما الى مولاه ، والاحساس المستمر بعدم الاستغناء عن الله ، حتى مع الاستغناء المادي بين الناس. فالفقر المراد في هذا المجال هو عين الغنى بالله ، لأنه ان ذل العبد لبارئه ومولاه ، فهو غني عزيز على من سواه.

ويستعمل الفقر على أربعة أوجه :

الاول : وجود الحاجة الضرورية ، وذلك أمر عام للانسان ما دام في الدنيا ، ولذلك قال القائل : «وحاجات من عاش لا تنقضي».

الثاني : عدم التملك ، أو عدم الاقتناء ، مثل قوله تعالى :

«لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَطِيعُونَ

١٤٨

ضَرْباً فِي الْأَرْضِ»(١).

الثالث : فقر النفس ، وهو الشره المقصود بالحديث : «كاد الفقر أن يكون كفرا» ، ويقابله الحديث : «الغنى غنى النفس». وقول القائل : «من عدم القناعة لم يفده المال غنى». وهذا يذكرنا بقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لو كان لابن آدم واد من ذهب لتمنى معه الثاني ، ولو كان معه الثاني لتمنى معه الثالث ، ولا يملأ عين ابن آدم الا التراب ، ويتوب الله على من تاب».

الرابع : الفقر الى الله عزوجل ، وهو المشار اليه بالحديث : «اللهم أغنني بالافتقار اليك ولا تفقرني بالاستغناء عنك». ولعله بعض المراد ـ والله أعلم ـ بقول القرآن الكريم على لسان موسى :

«رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ»(٢).

ومن ذلك الوادي قول القائل :

ويعجبني فقري اليك ، ولم يكن

ليعجبني لو لا محبتك الفقر

والافتقار الى الله فضيلة قرآنية جليلة ، ذكر الله بها عباده ، ووجههم الى تذكرها واستشعارها والتحلي بها ، فقال سبحانه في سورة فاطر :

«يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ ، وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ»(٣).

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ٢٧٣.

(٢) سورة القصص ، الآية ٢٤.

(٣) سورة فاطر ، الآية ١٥.

١٤٩

فكل ما سوى الله مفتقر اليه ، وهو وحده الغني المحتاج اليه ، لا افتقار الا الى الله ، ولا اتكال الا عليه ، وهذه حقيقة يجب أن يعتقدها المسلم ويقررها ويقربها ، ويسير في حياته بروحها وشعارها وها هو ذا التنزيل المجيد يعود الى تأكيدها في سورة محمد فيقول :

«وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ»(١).

ويقول القرآن في سورة البقرة :

«إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ، وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ، وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ»(٢).

والقرآن الكريم هنا يحفظ على الفقير المحتاج كرامته بعد أن يسد خلته ، فهو يدعو الى اعطاء الصدقات للفقير ، وهو أيضا يستحسن اخفاء هذه الصدقات حين اعطائها له ، حتى يستر على الفقير حاجته ، وحتى لا يعرضه لموقف قد يجرح شعوره وعاطفته.

ويقول القرآن في سورة البقرة أيضا :

«لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ

__________________

(١) سورة محمد ، الآية ٣٨.

(٢) سورة البقرة ، الآية ٢٧١.

١٥٠

خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ»»(١).

يراد بهؤلاء الفقراء «أهل الصفة» الذي شغلوا أنفسهم بحفظ القرآن المجيد ، والخروج مع السرايا ، والصفة كالظلة وزنا ومعنى ، وهي موضع مظلل من مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام ، ولم تكن لهم بيوت ولا مأوى ، لأنهم هاجروا بدينهم ، وخلفوا وراءهم أملاكهم وأموالهم مضطرين ، وحيل بينهم وبينها ، فهم محصرون في سبيل الله بهذه الهجرة ، وبحبسهم أنفسهم على حفظ القرآن الكريم.

والمعنى ـ كما يقول أهل التفسير ـ ان الصدقات تعطى لهؤلاء الفقراء الذين حبسوا أنفسهم على الجهاد في سبيل الله ، أو حبسوا أنفسهم على طاعة الله ، أو حبسهم الفقر عن الجهاد ، أو لما جاهدوا أعداء الله أحصروا عن الضرب في شعاب الارض للكسب وطلب المعاش ، وروي أن الصحيح أنهم لفقرهم وعجزهم وضعفهم لا يستطيعون ضربا في الارض لكمال عفتهم وصيانتهم ، ويحسبهم من لم يعرف حقيقتهم انهم أغنياء ، وهؤلاء هم الخواص أصحاب الفضيلة ، لأنهم أنزلوا حاجتهم بمولاهم ، ولم يفتقروا الا الى بارئهم سبحانه.

وقد ذكرت الآية الكريمة لهؤلاء الفقراء خمس صفات كريمة :

١ ـ الاحصار في سبيل الله ، أي حبس النفس في سبيل الله ، وهي سبيل الاعمال الجليلة المشروعة كالجهاد والعلم.

٢ ـ لا يستطيعون ضربا في الارض ، فهم عاجزون عن الكسب بسبب انشغالهم.

٣ ـ يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف اذا رآهم لأنه يجهل حقيقة

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ٧٣.

١٥١

أمرهم ، وذلك لتعففهم وتنزههم.

٤ ـ تعرفهم بسيماهم ، فيلوح لك منهم الخشوع والتواضع ، ويستطيع المؤمن بفراسته أن يدرك أنهم أهل استحقاق للانفاق عليهم.

٥ ـ لا يسألون الناس الحافا ، فلا يحلون في الاستجداء أو سؤال الناس.

وقد أراد الله تعالى ـ وهو أعلم بمراده ـ أن يبين أن هؤلاء أشد الناس استحقاقا لصرف الصدقة اليهم ، وقد نقل الامام الرازي في تفسيره عن عبد الله بن عباس رضوان الله عليهما أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقف يوما على أصحاب الصفة فرأى فقرهم وجهدهم ، فطيب خاطرهم وقلوبهم ، فقال : أبشروا يا أصحاب الصفة ، فمن لقيني من أمتي على النعت الذي أنتم عليه راضيا بما فيه فانه من رفاقي.

ويقول القرآن الكريم في سورة الحشر : «لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ».

انظر كيف مجّد التنزيل العظيم ذكر هؤلاء الفقراء ، فوصفهم بأنهم مهاجرون ، وأنهم أخرجوا من ديارهم ببغي المشركين ، وأنهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا ، وأنهم ينصرون الله ورسوله بأنفسهم وأموالهم ، وأنهم صادقون في ايمانهم ، لأنهم هجروا لذات الدنيا ، وتحملوا شدائدها لأجل العقيدة والدين ، وهذه صفات جليلة نبيلة ، ومع ذلك قدم القرآن وصفهم بالفقر على بقية الصفات ، فكأنهم فقرهم تاج فضائلهم.

ويواصل القرآن المجيد عنايته بهؤلاء الفقراء المعتمدين على ربهم ، فيجعلهم أول مصرف من مصارف الزكاة في الاسلام فيقول في سورة التوبة :

١٥٢

«إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها ..»(١) الخ ...

ويتيح الاسلام للفقير المستقيم أن يأكل من مال اليتيم اذا أشرف الفقير على هذا اليتيم واحتاج الى هذا الاكل ، فيقول القرآن في سورة النساء :

«وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ»(٢).

وقد نزلت الآية في شأن الولي الفقير على مال اليتيم ، فله اذا كان محتاجا أن يأكل من مال اليتيم مقابل عمله له من غير اسراف ، وبلا طمع أو خيانة.

ويقول الله تعالى في سورة آل عمران :

«لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ»(٣).

واذا كان الفقر المستقيم فضيلة في الانسان المؤمن ، فان الفقر لا يليق بجلال الله وكماله ، فهو أغنى الاغنياء ، ومن هنا جاء التهديد في الآية لأولئك المجرمين الذي نسبوا الفقر الى الله سبحانه.

ولقد روي عن ابن عباس في سبب نزول الآية أن أبا بكر دخل بيتا لليهود يتعلمون فيه ، فوجد طائفة منهم قد اجتمعوا الى رجل منهم يقال

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية ٦٠.

(٢) سورة النساء ، الآية ٦.

(٣) سورة آل عمران ، الآية ١٨١.

١٥٣

له «فنحاص» ، وكان من علمائهم وأحبارهم ، فقال له أبو بكر :

ويحك يا فنحاص ، اتق الله وأسلم ، فو الله انك لتعلم أن محمدا رسول الله ، تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة ، فقال فنحاص : والله يا أبا بكر ما بنا الى الله تعالى من فقر ، وانه الينا لفقير ، وما نتضرع اليه كما تضرع الينا ، وانا عنه لأغنياء ، ولو كان غنيا عنا لما استقرض منا كما يزعم صاحبكم ، وانه ينهاكم عن الربا ويعطينا ، ولو كان غنيا عنا لما أعطانا الربا.

فغضب أبو بكر فضرب وجه فنحاص وقال : والذي نفسي بيده لو لا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عنقك يا عدو الله.

فذهب فنحاص الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : انظر يا محمد ما صنع صاحبك بي!.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي بكر : ما حملك على ما صنعت؟.

فقال : يا رسول الله قال قولا عظيما ، يزعم ان الله ـ تعالى شأنه ـ فقير وهم عنه أغنياء. فلما قال ذلك غضبت لله تعالى مما قال فضربت وجهه.

فجحد فنحاص وأنكر ، فأنزل الله تعالى هذه الآية تصديقا لأبي بكر رضي الله عنه!.

* * *

ثم يأتي حديث الفقر الى الله عند الصوفية ورجال القلوب والارواح.

ان الفقر عندهم حسب تعبيرهم هو مرتبة التجرد ، وقطع كل علاقة تحول بين القلب وبين الله تعالى ولهذا الفقر لديهم مكانة وأي مكانة ، حتى يقول عنه أحدهم ، وهو ابراهيم بن أحمد الخواص ، كما جاء في

١٥٤

كتاب «اللمع» للطوسي :

الفقر رداء الشرف ، ولباس المرسلين ، وجلباب الصالحين ، وتاج المتقين ، وزين المؤمنين ، وغنيمة العارفين ، ومنبه المريدين ، وحصن المطيعين ، وسجن المذنبين ، ومكفر للسيئات ، ومعظم للحسنات ، ورافع للدرجات ، ومبلغ الى الغايات ، ورضا الجبار ، وكرامة لأهل ولايته من الابرار ، والفقر هو شعار الصالحين ودأب المتقين!!.

وهم يرون ان الفقر هو تحقيق العبودية والافتقار الى الله في كل حال ، ولذلك قال يحيى بن معاذ : حقيقة الفقر أن لا يستغني الا بالله.

وقال رديم : الفقر ارسال النفس في أحكام الله.

وقال أبو تراب : حقيقة الغنى أن تستغني عمن هو مثلك ، وحقيقة الفقر أن تفتقر الى من هو مثلك.

وقال أبو الحسن المزين : من افتقر الى الله تعالى ، وصحح فقره اليه بملازمة آدابه ، أغناه الله عن كل ما سواه.

وقال أبو عثمان النيسابوري : صلاح القلب في أربع خصال : في التواضع لله ، والفقر الى الله ، والخوف من الله ، والرجاء في الله.

وقال أبو عبد الله الرازي : «الفقير الصادق هو الذي يملك كل شيء ، ولا يملكه شيء». وهي كلمة مضيئة مشرقة تدل على قوة الارادة وبعد الهمة وعلو العزيمة ، وتذهب النفس مذاهب في تصور مدلولها.

ويرى الصوفية أن الافتقار الى الله يعني تسليم النفس الى بارئها ومالكها والمتصرف بها ، ولذلك يقوم ابن القيم في «مدارج السالكين» : لما كانت نفس الانسان ليست له ، وانما هي ملك لله ، فما لم يخرج عنها ويسلمها لمالكها الحق : لم يثبت له في الفقر قدم ، فلذلك كان أول قدم

١٥٥

الفقر الخروج عن النفس ، وتسليمها لمالكها ومولاها ، فلا يخاصم لها ، ولا يتوكل لها ، ولا يحاجج عنها ، ولا ينتصر لها ، بل يفوض ذلك لمالكها وسيدها.

ويا له من مقام!! ..

ولقد قيل لبعض الصوفية : متى يستحق الفقير اسم الفقر؟.

فقال : اذا لم يبق عليه بقية منه.

قيل له : وكيف ذاك؟.

قال : «اذا كان له فليس له ، واذا لم يكن له فهو له»!.

وقد استهوت هذه العبارة الامام ابن القيم ، واستحوذت على جانب من اعجابه ، فقال يعلق عليها :

«وهذه من أحسن العبارات عن معنى الفقر الذي يشير اليه القوم ، وهو أن يصير كله لله عزوجل ، لا يبقى عليه بقية من نفسه وحظه وهواه ، فمتى بقي عليه شيء من أحكام نفسه ففقره مدخول.

ثم فسر ذلك بقوله : «اذا كان له فليس له» أي اذا كان لنفسه فليس لله ، واذا لم يكن لنفسه فهو لله. فحقيقة الفقر أن لا تكون لنفسك ، ولا يكون لك منها شيء ، بحيث تكون كلك لله ، واذا كنت لنفسك فثم ملك واستغناء مناف للفقر.

وهذا الفقر الذي يشيرون اليه لا تنافيه الجدة ولا الاملاك ، فقد كان رسل الله وأنبياؤه في ذروته مع جدتهم وملكهم ، كابراهيم الخليل صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان أبا الضيفان ، وكانت له الاموال والمواشي وكذلك كان سليمان وداود عليهما‌السلام ، وكذلك كان نبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كان كما قال الله تعالى :

١٥٦

«وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى»(١).

فكانوا أغنياء في فقرهم ، فقراء في غناهم.

فالفقر الحقيقي دوام الافتقار الى الله في كل حال ، وأن يشهد العبد ـ في كل ذرة من ذراته الظاهرة والباطنة ـ فاقة تامة الى الله من كل وجه. فالفقر ذاتي للعبد ، وانما يتجدد له لشهوده ووجوده حالا ، والا فهو حقيقة ، كما قال شيخ الاسلام ابن تيمية قدس الله روحه :

 «الفقر لي وصف لازم أبدا

كما ان الغنى أبدا وصف له ذاتي»

وقيل لأبي تراب : ألك حاجة؟.

فأجاب السائل بقوله : يوم يكون لي اليك والى أمثالك حاجة ، لا يكون لي الى الله حاجة!!.

ولقد تحدث القوم عن الفرق بين «الفقير» و «الصوفى» ، وعن أيهما أفضل.

قالت طائفة بترجيح الصوفي على الفقير.

وقالت طائفة بترجيح الفقير على الصوفي.

وقالت طائفة : الفقر والتصوف شيء واحد.

وفضيلة الافتقار الى الله لا تنافي السعي والعمل والكسب الطيب الحلال. فمهما ملك المرء من رزقه الصافي فانه يظل شاعرا بحاجته الى ربه ومولاه ومفتقرا الى عونه وهداه ، ولذلك يقول أبو حفص : «أحسن ما يتوسل به العبد الى الله دوام الافتقار اليه على جميع الاحوال ، وملازمة السنة في جميع الافعال ، وطلب القوت من وجه حلال».

__________________

(١) سورة الضحى ، الآية ٨.

١٥٧

وحينما تتحدث عن الافتقار الى الله يرد على الخاطر السؤال المشهور : أيهما أفضل : الفقير الصابر أم الغني الشاكر؟. والجواب عند بصراء العلماء هو ان التفضيل لا يرجع الى ذات الغنى والفقر ، وانما يرجع الى الاعمال والاحوال والحقائق ، فان التفضيل عند الله بالتقوى وحقائق الايمان ، لا بفقر ولا غنى ، وأكملهما عند الله أطوعهما له ، فان تساوت طاعتهما تساوت درجاتهما.

وقد يقال : كيف يمدح الفقر والنبي عليه الصلاة والسلام يقول في دعائه : «أعوذ بك من الفقر» ، ويقول الامام علي : «كاد الفقر أن يكون كفرا»؟.

ويجيب الغزالي بأن الفقر الذي استعاذ منه الرسول هو فقر المضطر ، وأما الفقر الذي هو الاعتراف امام الله بالمسكنة والافتقار اليه ، فهو الذي سأله النبي في دعائه حين قال :

«اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا».

اللهم أغننا بالافتقار الدائم اليك ، ولا تذلنا بنقمة الحرمان منك ، انك رؤوف رحيم.

١٥٨

الاستجابة

كلمة «الاستجابة» مأخوذة من مادة «الاجابة» ، والاجابة هي الرد على الكلام. وأجاب الله الدعاء قابله بالعطاء والقبول ، ومن أسماء الله تعالى «المجيب». وفي القرآن الكريم :

«إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ»(١).

والاستجابة فيها معنى الاجابة من ناحية التلبية والقبول. يقال : دعاني فاستجبته واستجبت له. واستجاب الله دعاء عبده واستجاب له. ولكن الاستجابة فيها معنى الاجابة بعناية واستعداد. وحقيقة الاستجابة هي التحري للجواب والتهيؤ له ، ويكمل معنى الاستجابة بالاجابة التامة عند عدم المانع.

والاستجابة ـ بالمعنى الاخلاقي ـ أي بمعنى التلبية والمسارعة والموافقة لامر الله تعالى ورضاه ، خلق من أخلاق القرآن الكريم ، وفضيلة من فضائل الاسلام العظيم ، وجانب من هدى الرسول عليه الصلاة والتسليم.

__________________

(١) سورة هود ، الآية ٦١.

١٥٩

ومما يزكي شأن هذه الفضيلة ، ويرفع قدرها ، ويعطر ذكرها أن يوصف الله جل جلاله بأن المستجيب المجيب ، ففي سورة البقرة يقول الحق عز شأنه :

«وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ»(١).

أي فليستجيبوا لدعوتي ، بتحري ما أمرتهم به من الايمان والاعمال الصالحة ، فاني أجيب دعاءهم بقبول عبادتهم وتولي اعانتهم وتوفيق مسعاهم.

وفي سورة آل عمران يقول عن عباد الله المؤمنين الطائعين :

«فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ»(٢).

فقد استجاب الله دعاءهم لصدقهم في الايمان ، وأخلاصهم في الدعاء ، واقبالهم على الله ، واستجابتهم له ، ووفى كل واحد منهم ثوابه وجزاءه ، لأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.

ولأن الاستجابة فضيلة أخلاقية قرآنية يزدان بها المسلم ويرتفع عن

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ١٨٦.

(٢) سورة آل عمران ، الآية ١٩٥.

١٦٠