مختصر الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - ج ٣

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

مختصر الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - ج ٣

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 964-533-050-5
ISBN الدورة:
964-533-53-X

الصفحات: ٥٩١

أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ) ، ومعيناً للظالمين.

ويريد موسى عليه‌السلام أن يقول : «إنّه لا يكون بعد هذا مع فرعون وجماعته أبداً .. بل سيكون إلى جانب الإسرائيليين المضطهدين ..».

(فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (١٨) فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (١٩) وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (٢٠) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢١) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ) (٢٢)

موسى يتوجّه إلى مدين خُفية : نواجه في هذه الآيات المقطع الرابع من هذه القصة ذات المحتوى الكبير ، حيث إنّ مقتل الفرعوني في مصر انتشر بسرعة ، ولعل اسم موسى عليه‌السلام كان مذكوراً من بين بني إسرائيل المشتبه فيهم. لذلك يقول القرآن في بداية هذا المقطع : (فَأَصْبَحَ فِى الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ) (١). وهو على حال من الترقب والحذر ، فوجيء في اليوم التالي بالرجل الإسرائيلي الذي آزره موسى بالأمس يتنازع مع قبطي آخر وطلب من موسى أن ينصره : (فَإِذَا الَّذِى اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ) (٢). ولكن موسى تعجب منه واستنكر فعله و (قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِىٌّ مُّبِينٌ). إذ تحدث كل يوم نزاعاً ومشادة مع الآخرين.

ولكنّه كان مظلوماً في قبضة الظالمين (وسواء كان مقصراً في المقدمات أم لا) فعلى موسى عليه‌السلام أن يعينه وينصره. (فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أن يَبْطِشَ بِالَّذِى هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا) صاح ذلك القبطي : (قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِى كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ). ويبدو من عملك هذا أنّك لست إنساناً منصفاً ، (إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِى الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ

__________________

(١) «يترقب» : مأخوذ من «الترقب» ، ومعناه الإنتظار ، وموسى هنا في انتظار نتائج هذه الحادثة.

(٢) «يستصرخ» : مشتقة من مادة «الإستصراخ» ، ومعناها الإستغاثة ، ولكنّها في الأصل تعني الصياح أو طلب الصياح من الآخر ، وهذا عادة ملازم للإعانة.

٥٠١

الْمُصْلِحِينَ).

وهذه العبارة تدلّ بوضوح على أنّ موسى عليه‌السلام كان في نيّته الإصلاح من قبل ، سواءً في قصر فرعون أو خارجه.

ومن جهة اخرى فإنّ الأخبار وصلت إلى قصر فرعون فأحسّ فرعون ومن معه في القصر أنّ تكرار مثل هذه الحوادث ينذره بالخطر ، فعقد جلسة شورى مع وزرائه وانتهى «مؤتمرهم» إلى أن يقتلوا موسى ، وكان في القصر رجل له علاقة بموسى فمضى إليه وأخبره بالمؤامرة .. وكما يقول القرآن الكريم : (وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنّى لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ).

وهذا الرجل هو «مؤمن آل فرعون» الذي كان يكتم إيمانه ويدعى «حزقيل» وكان من أسرة فرعون.

أمّا موسى عليه‌السلام فقد تلقى الخبر من هذا الرجل بجدّية وقبل نصحه ووصيته في مغادرة المدينة ، (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ).

وتضرع إلى الله بإخلاص وصفاء قلب ليدفع عنه شرّ القوم و (قَالَ رَبّ نَجّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).

ثم قرر موسى عليه‌السلام أن يتوجه إلى مدينة «مدين» التي كانت تقع جنوب الشام وشمال الحجاز ، وكانت بعيدة عن سيطرة مصر والفراعنة ؛ إلّاأنّه كان لديه في هذا الطريق وعواطفه رأس مال كبير وكثير لا ينفد أبداً ، وهو الإيمان بالله والتوكل عليه ، لذا لم يكترث بأي شيء وواصل السير .. (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبّى أَن يَهْدِيَنِى سَوَاءَ السَّبِيلِ) (١).

(وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (٢٣) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (٢٤) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٢٥)

__________________

(١) «تلقاء» : مصدر أو اسم مكان ، ومعناه هنا : الجهة والصوب الذي قصده.

٥٠٢

عمل صالح يفتح لموسى أبواب الخير : نواجه هنا المقطع الخامس من هذه القصة ، وهي قضية ورود موسى عليه‌السلام إلى مدينة مدين.

قيل : إنّ هذا الشاب الطاهر قطع الطريق في ثمانية أيام ، حتى لقي ما لقي من النصب والتعب ، وورمت قدماه من كثرة المشي.

وكان يقتات من نبات الأرض وأوراق الشجر دفعاً لجوعه.

وبدأت معالم «مدين» تلوح له من بعيد شيئاً فشيئاً ، وأخذ قلبه يهدأ ويأنس لإقترابه من المدينة. يقول القرآن في هذا الصدد : (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ) (١).

فحركه هذا المشهد ... حفنة من الشبان الغلاظ يملأون الماء ويسقون الأغنام ، ولا يفسحون المجال لأحد حتى يفرغوا من أمرهم .. بينما هناك امرأتان تجلسان في زاوية بعيدة عنهم ، وعليهم آثار العفة والشرف ، جاء إليهما موسى عليه‌السلام ليسألهما عن سبب جلوسهما هناك و (قَالَ مَا خَطْبُكُمَا) (٢).

لم يرق لموسى عليه‌السلام أن يرى هذا الظلم ، فلم يتحمل ذلك كلّه ، فهو المدافع عن المحرومين ومن أجلهم خرج من وطنه.

فقالت البنتان : إنّهما تنتظران تفرق الناس وأن يسقي هؤلاء الرعاة أغنامهم : (قَالَتَا لَانَسْقِى حَتَّى يُصْدِرَ الرّعَاءُ) (٣).

ومن أجل أن لا يسأل موسى : أليس لكما أب؟ ولماذا رضي بإرسال بناته للسقي مكانه ، أضافتا مكملتين كلامهما : (وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ).

فتأثر موسى عليه‌السلام من سماعه حديثهما بشدّة ، فتقدم وأخذ الدلو وألقاها في البئر .. يقال : إنّ هذه الدلو كان يجتمع عليها عدّة نفر ليخرجوها بعد امتلائها من الماء ، إلّاأنّ موسى عليه‌السلام استخرجها بقوته وشكيمته وهمّته بنفسه دون أن يعينه أحد : (فَسَقَى لَهُمَا) أغنامهما.

ولكن موسى عليه‌السلام بالرغم من تعب السير في الطريق والجوع ملأ الدلو وسحبها بنفسه وسقى أغنام المرأتان جميعها .. (ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظّلّ فَقَالَ رَبّ إِنّى لِمَا أَنزَلْتَ إِلَىَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ).

__________________

(١) «تذودان» : مشتقة من «ذود» ومعناها المنع ، فهما إذاً كانتا تذودان أغنامهما لئلا تختلط بالأغنام الاخرى.

(٢) ما خطبكما : أي ما شأنكما وما شغلكما هنا؟!

(٣) «يصدر» : مأخوذ من مادة «صدر» ومعناه الخروج من الماء ؛ و «الرعاء» : جمع راعٍ ، وهو سائس الغنم.

٥٠٣

أجل .. إنّه متعب وجائع ، ولا أحد يعرفه في هذه المدينة. لكن هلمّ إلى العمل الصالح ، فكم له من أثر محمود ، خطوة نحو الله ، فتح لموسى فصلاً جديداً ، وهيأ له من عالم عجيب من البركات المادية والمعنوية .. ووجد ضالته التي ينبغي أن يبحث عنها سنين طوالاً.

وبداية هذا الفصل عندما جاءته احدى البنتين تخطو بخطوات ملؤها الحياء والعفة ويظهر منها أنّها تستحي من الكلام مع شاب غريب : رجوعهما إليه بهذه السرعة على غير ما اعتادتا عليه ، فقصتا عليه الخبر ، فأرسل خلفه (فَجَاءَتْهُ إِحْدَيهُمَا تَمْشِى عَلَى اسْتِحْيَاءٍ) فلم تزد على أن (قَالَتْ إِنَّ أَبِى يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا).

فلمع في قلبه إشراقٌ من الأمل ، وكأنّه أحس بأن سيواجه رجلاً كبيراً .. رجلاً عارفاً بالحق وغير مستعد أن يترك أي عمل حتى لو كان ملء الدلو أن يجزيه عليه.

أجل ، لم يكن ذلك الشخص الكبير سوى «شعيب».

تحرك موسى عليه‌السلام ووصل منزل شعيب ، وطبقاً لبعض الروايات ، فإنّ البنت كانت تسير أمام موسى لتدله على الطريق ، إلّاأنّ الهواء كان يحرّك ثيابها وربّما انكشف ثوبها عنها ، ولكن موسى لما عنده من عفّة وحياء طلب منها أن تمشي خلفه وأن يسير أمامها ، فإذا ما وصلا إلى مفترق طرق تدله وتخبره من أي طريق يمضي إلى دار أبيها شعيب.

دخل موسى عليه‌السلام منزل شعيب عليه‌السلام ، يقول القرآن في هذا الصدد : (فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَاتَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). فالتفت موسى إلى أنّه وجد استاذاً عظيماً .. كما أحسّ شعيب أنّه عثر على تلميذ جدير ولائق.

(قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧) قَالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ) (٢٨)

موسى في دار شعيب : هذا هو المقطع السادس من قصّة حياة موسى عليه‌السلام المثيرة ، جاء موسى إلى منزل شعيب ، وبعد أن قصّ عليه قصّته ، بادرت إحدى بنتي شعيب بالقول : إنّني أقترح أن تستأجره لحفظ الأغنام ورعايتها : و (قَالَتْ إِحْدَيهُمَا يَا أَبَتِ اسْتْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ

٥٠٤

اسْتْجَرْتَ الْقَوِىُّ الْأَمِينُ).

فرضي شعيب عليه‌السلام باقتراح إبنته ، وتوجه إلى موسى و (قَالَ إِنّى أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَىَّ هتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِى ثَمنِىَ حِجَجٍ). ثم أضاف قائلاً : (فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ).

فلا أريد إيذاءك (وَمَا أَرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِى إِن شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ).

واستجابة لهذا القرار والعقد الذي أنشأه شعيب مع موسى .. وافق موسى و (قَالَ ذلِكَ بَيْنِى وَبَيْنَكَ). ثم أردف مضيفاً بالقول : (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَىَّ). أي سواءً قضيت عشر سنين أو ثماني سنين «حجج» فلا عدوان عليّ.

ومن أجل استحكام العقد بينهما جعل موسى عليه‌السلام الله كفيلاً وقال : (وَاللهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ).

وبهذه البساطة أصبح موسى صهراً لشعيب على إبنته.

(فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٢٩) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٣٠) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (٣١) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ (٣٢) قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (٣٣) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (٣٤) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ) (٣٥)

٥٠٥

الشرارة الاولى للوحي : نصل الآن ـ إلى المقطع السابع ـ من هذه القصة ..

لا يعلم أحد ـ بدّقة ـ ما جرى على موسى في سنواته العشر مع شعيب ، ولا شك أنّ هذه السنوات العشر كانت من أفضل سنوات العمر لموسى عليه‌السلام.

ومن البديهي أنّ موسى عليه‌السلام لا يقنع في قضاء جميع عمره برعي الغنم ، وإن كان وجود «شعيب» إلى جانبه يعدّ غنيمة كبرى ، فعليه أن ينهض إلى نصرة قومه ، وأن يخلصهم من قيود الأسر ، وينقذهم من حالة الجهل وعدم المعرفة.

إنّ القرآن يقول في أوّل من آية هذا المقطع : (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِءَانَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا). ثم التفت إلى أهله و (قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنّىءَانَسْتُ نَارًا لَّعَلّىءَاتِيكُم مّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ). أي (تتدفؤون).

«آنست» : مشتقة من مادة «إيناس» ، ومعناها المشاهدة والرؤية المقترنة بالهدوء والراحة. «جذوة» : هي القطعة من النار.

ويستفاد من قوله (لَّعَلّىءَاتِيكُم مّنْهَا بِخَبَرٍ) أنّه كان أضاع الطريق ، كما يستفاد من جملة (لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) أنّ الوقت كان ليلاً بارداً.

(فَلَمَّا أَتهَا). أي أتى النار التي آنسها ورآها ، فتعجب موسى من ذلك : (نُوِدىَ مِن شطِىِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِى الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنّى أَنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ).

«الشاطىء» : معناه الساحل ؛ و «الوادي» : معناه الطريق بين الجبلين ، أو ممر السيول ؛ و «الأيمن» : مشتق من «اليمين» خلاف اليسار ، وهو صفة للوادي ؛ و «البقعة» : القطعة من الأرض المعروفة الأطراف.

ولا شك أنّ الله سبحانه قادر على أن يجعل الأمواج الصوتية في كل شىء ، فأوجد في الوادي شجرة ليكلّم موسى.

ومع الإلتفات إلى أنّ موسى عليه‌السلام سيتحمل مسؤولية عظيمة وثقيلة .. فينبغي أن تكون عنده معاجز عظيمة من قبل الله تعالى مناسبة لمقامه النبوي ، وقد أشارت الآيات إلى قسمين مهمين من هذه المعاجز :

الاولى قوله تعالى : (وَأَن أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقّبْ).

في هذه الحال سمع موسى عليه‌السلام مرّة اخرى النداء من الشجرة : (يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْأَمِنِينَ).

٥٠٦

«الجانّ» : في الأصل معناه الموجود غير المرئي ، كما يطلق على الحيات الصغار اسم (جان) أيضاً ؛ لأنّها تعبر بين الأعشاب والأحجار بصورة غير مرئية.

كانت المعجزة الاولى آية «من الرعب» ، ثم أمر أن يظهر المعجزة الثانية وهي آية اخرى «من ا لنور والأمل» ومجموعهما سيكون تركيباً من «الإنذار» و «البشارة» إذ جاءه الأمر : (اسْلُكْ يَدَكَ فِى جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ). فالبياض الذي يكون على يده للناس لم يكن ناشئاً عن مرض ـ كالبرص ونحوه ـ بل كان نوراً إلهياً جديداً.

لقد هزّت موسى عليه‌السلام مشاهدته لهذه الامور الخارقة للعادات في الليل المظلم وفي الصحراء الخالية .. ومن أجل أن يهدأ روع موسى من الرهب ، فقد أمر أن يضع يده على صدره : (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ).

وجاء موسى النداء معقّباً : (فَذنِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَبّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَإِيهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فسِقِينَ).

هنا تذكر موسى عليه‌السلام حادثة مهمّة وقعت له في حياته بمصر ، وهي قتل القبطي ، وتعبئه القوى الفرعونية لإلقاء القبض عليه وقتله. لذلك فإنّ موسى : (قَالَ رَبّ إِنّى قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ).

وبعد هذا كلّه فإنّي وحيد ولساني غير فصيح ، (وَأَخِى هرُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنّى لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِىَ رِدْءًا يُصَدّقُنِى إِنّى أَخَافُ أَن يُكَذّبُونِ). «أفصح» : مشتقة من «الفصيح» وهو في الأصل كون الشيء خالصاً ، كما تطلق على الكلام الخالص من كل حشو وزيادة كلمة «الفصيح» أيضاً. و «الردء» : معناه المعين والمساعد.

فأجاب الله دعوته ، وطمأنه بإجابة ما طلبه منه و (قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا) فالسلطة والغلبة لكما في جميع المراحل.

وبشرهما بالنصر والفوز ، وأنّه لن يصل إليهما سوء من أولئك ؛ إذ قال سبحانه : (فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بَايَاتِنَا). فبهذه الآيات والمعاجز لن يستطيعوا قتلكما أو الاضرار بكما (أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ).

(فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (٣٦) وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (٣٧)

٥٠٧

موسى في مواجهة فرعون : نواجه المقطع الثامن من هذه القصة العظيمة .. لقد تلقى موسى عليه‌السلام من ربّه الأمر بأن يصدع بالنبوّة والرسالة في تلك الليلة المظلمة والأرض المقدّسة ، فوصل إلى مصر ، وأخبر أخاه هارون بما حُمّل .. فذهبا معاً إلى فرعون ليبلغاه رسالة الله. يقول القرآن في أوّل آية من هذا المقطع : (فَلَمَّا جَاءَهُم مُّوسَى بَايَاتِنَا بَيّنَاتٍ قَالُوا مَا هذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّفْتَرًى).

وأنكروا أن يكونوا سمعوا مثل ذلك ، (وَمَا سَمِعْنَا بِهذَا فِىءَابَائِنَا الْأَوَّلِينَ).

فواجهوا موسى متوسلين بحربة توسل بها جميع الجبابرة والضالون على طول التاريخ ، حين رأوا المعاجز من أنبيائهم .. وهي حربة «السحر».

لكن موسى عليه‌السلام أجابهم بلهجة التهديد والوعيد ، حيث يكشف لنا القرآن هذا الحوار (وَقَالَ مُوسَى رَبّى أَعْلَمُ بِمَن جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عقِبَةُ الدَّارِ).

إشارة إلى أنّ الله يعلم حالي ، وهو مطلع علي بالرغم من اتهامكم إيّاي بالكذب ..

ثم بعد هذا ، لو كان كلامي كذباً فأنا ظالم و (إِنَّهُ لَايُفْلِحُ الظَّالِمُونَ).

(وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٣٨) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ (٣٩) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٤٠) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (٤١) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) (٤٢)

كيف كان عاقبة الظالمين : نواجه هنا المقطع التاسع من هذا التاريخ المليء بالأحداث والعبر.

فقد شاع خبر إنتصار موسى عليه‌السلام على السحرة في مصر ، وموقع الحكومة الفرعونية أصبح في خطر جدي شديد. فيجب صرف أفكار الناس ، واشغالهم بسلسلة من المشاغل الذهنية ، لإغفال الناس وتحميقهم. وفي هذا الصدد يتحدث القرآن الكريم عن جلوس

٥٠٨

فرعون للتشاور في معالجة الموقف ، إذ نقرأ في أوّل آية من هذا المقطع : (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلهٍ غَيْرِى).

فأنا إلهكم في الأرض .. أمّا إله السماء فلا دليل على وجوده ، ولكنّني سأتحقق في الأمر ولا أترك الإحتياط ، فالتفت إلى وزيره هامان وقال : (فَأَوْقِدْ لِى يَا همنُ عَلَى الطّينِ). ثم أصدر الأوامر ببناء برج أو قصر مرتفع جدّاً لأصعد عليه واستخبر عن إله موسى. (فَاجْعَلْ لِّى صَرْحًا لَّعَلّى أَطَّلِعُ إِلَى إِلهِ مُوسَى وَإِنّى لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكذِبِينَ).

ولمّا بلغ البناء تمامه .. جاء فرعون بنفسه يوماً وصعده بتشريفات خاصة.

المعروف أنّه رمى سهماً إلى السماء ، فرجع السهم مخضباً بالدم على أثر إصابته لأحد الطيور أو أنّها كانت خديعة من قبل فرعون من قبل .. فنزل فرعون من أعلى القصر وقال للناس : اذهبوا واطمأنوا فقد قتلت إله موسى.

ومن المسلم به أنّ جماعة من البسطاء الذين يتبعون الحكومة اتباعاً أعمى وأصم ، صدّقوا ما قاله فرعون ونشروه في كل مكان ، وشغلوا الناس بهذا الخبر لإغفالهم عن الحقائق.

بعد هذا كلّه يتحدث القرآن عن استكبار فرعون ومن معه ، وعدم إذعانهم لمسألتي «المبدأ والمعاد» بحيث كان فرعون يرتكب ما يشاء من إجرام وجنايات بسبب إنكار هذين الأصلين فيقول : (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِى الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَايُرْجَعُونَ).

لكن لننظر إلى أين وصل هذا الغرور بفرعون وجنوده؟ يقول القرآن الكريم : (فَأَخَذْنهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنهُمْ فِى الْيَمّ). أجل ، لقد جعلنا سبب موتهم في مصدر معيشتهم ، وجعلنا النيل الذي هو رمز عظمتهم وقوّتهم مقبرةً لهم.

إنّ تعبير «نبذناهم» من مادة «نبذ» ، ومعناه رمي الأشياء التي لا قيمة لها وطرحها بعيداً.

ثم ، يختتم الآية بالتوجه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قائلاً : (فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عقِبَةُ الظَّالِمِينَ).

ثم يضيف القرآن قائلاً في شأنهم : (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيمَةِ لَايُنصَرُونَ). فكما أنّهم كانوا في هذه الدنيا أئمّة الضلال ، فهم في الآخرة ـ أيضاً ـ أئمة النار ، لأنّ ذلك العالم تجسم كبير لهذا العالم.

ولمزيد التأكيد يصور القرآن صورتهم وماهيتهم في الدنيا والآخرة : (وَاتَّبَعْنَاهُمْ فِى

٥٠٩

هذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيمَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ).

لعنة الله معناها طردهم من رحمته ، ولعنة الملائكة والمؤمنين هي الدعاء عليهم صباحاً ومساءً.

(وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٣) وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٤٤) وَلكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُوناً فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٤٥) وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (٤٦)

نصل في هذا القسم من الآيات إلى «المقطع العاشر» وهو القسم الأخير من الآيات التي تتعلق بقصة موسى وما تحمله من معان كبيرة ، وهي تتحدث عن نزول الأحكام ، والتوراة ، أي إنّها تتحدث عن انتهاء الدور السلبي «الطاغوت» وبداية «الدور الإيجابي» والبناء. يبدأ هذا المقطع بالآية التالية : (وَلَقَدْءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتبَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ).

وفي أنّ المقصود من «القرون الاولى» من هم؟ قال بعض المفسرين : هو إشارة إلى الكفار من قوم نوح وعاد وثمود وأمثالهم ، لأنّه بتقادم الزمان ومضيّه تمحي آثار السابقين.

وقال بعض المفسرين : هو إشارة إلى هلاك قوم فرعون الذين كانوا بقايا الأقوام السابقين ، لأنّ الله سبحانه آتى موسى كتاب «التوراة» بعد هلاكهم.

ولكنّه لا مانع من أن يكون المقصود بالقرون الاولى في الآية شاملاً لجميع الأقوام.

«البصائر» : جمع «بصيرة» ومعناها الرؤية ، والمقصود بها هنا الآيات والدلائل التي تستوجب إنارة قلوب المؤمنين .. و «الهدى» و «الرحمة» أيضاً من لوازم البصيرة .. وعلى أثرها تتيقظ القلوب.

ثم يبيّن القرآن الكريم هذه الحقيقة ، وهي أنّ ما ذكرناه لك يا رسول الله ، في شأن موسى

٥١٠

وفرعون وما جرى بينهما بدقائقه ، هو في نفسه دليل على حقانيّة القرآن ، لأنّك لم تكن «حاضراً» في هذه «الميادين» التي كان يواجه موسى فيها فرعون وقومه ، ولم تشهدها بعينيك .. بل هو من الطاف الله عليك ، إذ أنزل عليك هذه الآيات لهداية الناس .. يقول القرآن : (وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِىّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ). أي الأمر بالنبوّة ؛ (وَمَا كُنتَ مِنَ الشهِدِينَ).

ثم يضيف القرآن : (وَلكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ). وتقادم الزمان حتى اندرست آثار الأنبياء وهدايتهم في قلوب الناس ، لذلك أنزلنا عليك القرآن وبيّنا فيه قصص الماضين ليكون نوراً وهدى للناس.

ثم يضيف القرآن الكريم : (وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا فِى أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ) [/ أي : على أهل مكة] (ءَايَاتِنَا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) (١). وأوحينا إليك هذه ا لأخبار الدقيقة التي تتحدث عن آلاف السنين الماضية .. لتكون عبرة للناس وموعظة للمتقين (٢).

وتأكيداً على ما سبق بيانه يضيف القرآن الكريم قائلاً : (وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا). أي : نادينا موسى بأمر النبوة ، ولكنّنا أنزلنا إليك بهذه الأخبار رحمة من الله عليك (وَلكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ).

(وَلَوْ لَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْ لَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧) فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْ لَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (٤٨) قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٤٩) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (٥٠)

__________________

(١) «ثاوي» : مشتق من (ثوى) ومعناه الإقامة المقرونة بالإستقرار ، ولذا سمّي المستقر والمكان الدائم بالمثوى.

(٢) كان بين ظهور موسى عليه‌السلام وظهور النبي (محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله) حدود ألفي عام.

٥١١

ذريعة للفرار من الحق : حيث إنّ الآيات ـ آنفة الذكر ـ كانت تتحدث عن إرسال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لينذر قومه ، ففي هذه الآيات يبيّن القرآن ما ترتب من لطف الله على وجود النبي في قومه فيقول : إنّنا وقبل أن نرسل إليهم رسولاً ا ذا أردنا إنزال العذاب عليهم بسبب ظلمهم وسيئاتهم قالوا : لماذا لم ترسل لنا رسول يبيّن لنا أحكامك لنؤمن به : (وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَءَايَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).

هذه الآية تشير إلى موضوع دقيق ، وهو أنّ طريق الحق واضح وبيّن ... وكل «عقل» حاكم ببطلان الشرك وعبادة الأصنام .. وقبح كثير من الأعمال التي تقع نتيجة الشرك وعبادة الأصنام ـ كالمظالم وما شاكلها ـ هي من مستقلات حكم العقل.

ثم تتحدث الآيات عن معاذير أولئك ، وتشير إلى أنّهم ـ بعد إرسال الرسل ـ لم يكفّوا عن الحيل والذرائع الواهية ، واستمروا على طريق الانحراف ، فتقول الآية : (فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِىَ مِثْلَ مَا أُوتِىَ مُوسَى).

فلم لم تكن عصا موسى في يده؟ ولم لا تكون يده بيضاء «كيد موسى»؟ ولم لا ينشقّ البحر له كما انشقّ لموسى؟ ولِمَ لَم ... الخ.

فيجيب القرآن على مثل هذه الحجج ، ويقول : (أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِىَ مُوسَى مِن قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا). أي : موسى وهارون ، تعاونا فيما بينهما ليضلونا عن الطريق (وَقَالُوا إِنَّا بِكُلّ كفِرُونَ).

إنّ مشركي مكة المعاندين كانوا يصرّون على أنّه لِم لَم يأت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بمعاجز كمعاجز موسى ، ومن جهة اخرى لم يكونوا يعترفون بما يجدونه في «التوراة» من علائمه وأوصافه ولا يؤمنون بالقرآن المجيد وآياته العظيمة. لذا يخاطب القرآن النبي محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله ليتحدّاهم بأن يأتوا بكتاب أسمى من القرآن : (قُلْ فَأْتُوا بِكِتبٍ مِّنْ عِندِ اللهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صدِقِينَ).

ثم يضيف القرآن : (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ). ولكن من أضيع منهم ، (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَيهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لَايَهْدِى الْقَوْمَ الظلِمِينَ).

ومن الطريف هنا أنّ روايات عديدة تفسّر الآية بأنّ المراد منها من ترك إمامه وقائده

٥١٢

الإلهي واتبع هواه.

وهذه الرّوايات هي من قبيل المصداق البارز. وبتعبير آخر : إنّ الإنسان محتاج لهداية الله ... هذه الهداية تارة تنعكس في كتاب الله ، واخرى في وجود النبي وسنته ، واخرى في أوصيائه المعصومين ، واخرى في منطق العقل.

المهم أن يكون الإنسان في خطّ الهداية الإلهية غير متبع لهواه ، ليستطيع أن يستضيء بهذه الأنوار.

(وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥١) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (٥٣) أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٥٤) وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) (٥٥)

سبب النّزول

نقل المفسرون ورواة الأخبار روايات كثيرة ومختلفة في شأن نزول الآيات المتقدمة ، والجامع المشترك فيها واحد ، وهو إيمان طائفة من علماء اليهود والنصارى والأفراد الذين يتمتعون بقلوب طاهرة ـ بالقرآن ونبي الخاتم صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قال سعيد بن جبير نزلت في سبعين من القسيسين بعثهم النجاشي فلما قدموا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قرأ عليهم «يس والقرآن الحكيم» حتى ختمها فجعلوا يبكون وأسلموا.

التّفسير

طلاب الحق من أهل الكتاب آمنوا بالقرآن : حيث إنّ الآيات السابقة كانت تتحدث عن حجج المشركين الواهية أمام الحقائق التي يقدّمها القرآن الكريم ، فإنّ هذه الآيات محل البحث تتحدث عن القلوب المهيّأة لقبول قول الحق. يقول القرآن في هذا الصدد : لقد أنزلنا لهم آيات القرآن تباعاً ، (وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ).

إلّا أنّ (اليهود والنصارى) (الَّذِينَءَاتَيْنَاهُمُ الْكِتبَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ). لأنّهم

٥١٣

يرونه منسجماً مع ما ورد في كتبهم السماوية من علامات ودلائل.

ثم يضيف القرآن في وصفهم قائلاً : (وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُواءَامَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبّنَا).

ثم يضيف القرآن متحدثاً عنهم : إنّنا مسلمون لا في هذا اليوم فحسب ، بل (إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ).

ثم يتحدث القرآن الكريم عن هذه الجماعة التي آمنت بالنبي من غير تقليد أعمى ، وإنّما طلباً للحق ، فيقول : (أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا).

فمرّة لإيمانهم بكتابهم السماوي الذي كانوا صادقين أوفياء لعهدهم معه ... ومرّة اخرى لإيمانهم بنبيّ الإسلام العظيم صلى‌الله‌عليه‌وآله النبي الموعود المذكور عندهم في كتبهم السماوية.

ثم يشير القرآن الكريم إلى بعض أعمالهم الصالحة من قبيل «دفع السيئة بالحسنة» و «الإنفاق مما رزقهم الله» و «المرور الكريم باللغو والجاهلين» وكذلك الصبر والإستقامة ، وهي خصال أربع ممتازة. حيث يقول في شأنهم القرآن الكريم : (وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيّئَةَ).

والخصلة الاخرى في هؤلاء الممدوحين بالقرآن أنّهم : (وَمِمَّا رَزَقْنهُمْ يُنفِقُونَ).

وليس الإنفاق من الأموال فحسب ، بل من كل ما رزقهم الله من العلم والقوى الفكرية والجسميّة والوجاهة الإجتماعية ، وجميع هذه الامور من مواهب الله ورزقه ـ فهم ينفقون منها في سبيل الله.

وآخر صفة ممتازة بيّنها القرآن في شأنهم قوله : (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ).

ولم يردّوا الجهل بالجهل واللغو باللغو ، بل (وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ).

ثم يضيف القرآن في شأنهم حين يواجهون الجاهلين يقولون : (سَلمٌ عَلَيْكُمْ لَانَبْتَغِى الْجَاهِلِينَ). أجل ، هؤلاء العظام هم الذين يستطيعون أن يستوعبوا رسالة الإيمان في نفوسهم ، والذين بذلوا جهداً وقاوموا أنواع الصعاب ليصلوا إلى معنى «الإيمان».

(إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٥٦) وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) (٥٧)

الهداية بيد الله وحده : إنّ الآيات السابقة كانت تتحدث عن طائفتين : طائفة من

٥١٤

مشركي أهل مكة المعاندين ، كان رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله شديد الإصرار على هدايتهم ؛ وطائفة من أهل الكتاب والأفراد البعيدين عن مكة ، تلقوا هداية الله برحابة صدر ، ولم يستوحشوا من الضغوط والعزلة وما إلى ذلك.

فمع الإلتفات إلى كل هذه الامور ، نلاحظ أنّ الآية الاولى من هاتين الآيتين تكشف الستار عن هذه الحقيقة فتقول : (إِنَّكَ لَا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِى مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).

والمقصود من الهداية ليس «إراءة الطريق» ، لأنّ إراءة الطريق هي من وظيفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتشمل جميع الناس دون استثناء ، بل المقصود من الهداية هنا هو «الإيصال للمطلوب والهدف» ، والإيصال إلى المطلوب وإلى الهدف هو بيد الله وحده.

إنّ هذه الآية بمثابة التسلية والتثبيت لقلب النبي ليطمئن إلى هذه الحقيقة ، وهي إنّه لا إصرار المشركين وعنادهم وإن كانوا من أهل مكة ، ولا إيمان أهل الحبشة ونجران وغيرهما أمثال سلمان الفارسي وبحيرا الراهب من دون دليل وسبب.

فعليه أن لا يكترث لعدم إيمان الطائفة الأولى.

وفي الآية الثانية ـ من الآيتين محل البحث ـ يتحدث القرآن الكريم عن طائفة اعترفوا بالإسلام في واقعهم وأيقنت به قلوبهم ، إلّا أنّهم لم يظهروا إيمانهم بسبب منافع شخصية وملاحظات ذاتية ، حيث يقول : (وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا).

هذا الكلام لا يقوله إلّامن يستضعف قدرة الله ولا يعرف كيف ينصر الله أولياءه ويخذل أعداءه. لذلك يقول القرآن ردّاً على مثل هذه المزاعم : (أَوَلَمْ نُمَكّن لَّهُمْ حَرَمًاءَامِنَّا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلّ شَىْءٍ رّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَايَعْلَمُونَ) (١).

الله سبحانه الذي جعل هذه الأرض المالحة والمليئة بالصخور والخالية من الأشجار والأنهار ، جعلها حرماً تهفوا إليه القلوب ، ويؤتى إليه بالثمرات من مختلف نقاط العالم ، كل ذلك بيد قدرته القاهرة.

كيف لا يكون قادراً على أن يحفظكم من هجوم حفنة من الجاهليين عبّاد الأوثان؟

__________________

(١) «نمكّن» : في الآية بمعنى نجعل ؛ و «يجبى» : مشتق من مادة «جباية» ، والجبابة معناها الجمع ، لذلك يطلق على الحوض الذي يجمع فيه الماء جابية.

٥١٥

فكيف يمكن أن يحرمكم الله منهما بعد الإسلام؟

لتكن قلوبكم قوية وآمنوا بما انزل اليكم فإنّ ربّ الكعبة وربّ مكة معكم.

(وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (٥٨) وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (٥٩) وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ) (٦٠)

لا تخدعنكم علائق الدنيا : كان الحديث في الآيات المتقدمة يدور حول ما يدعيه أهل مكة ، وقولهم : إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا بهجوم العرب علينا ، وتتكدر حياتنا ويختل وضعنا المعاشي والاقتصادي ، وفي هذه الآيات مورد البحث ردّان آخران على كلامهم :

الأوّل : يقول .. على فرض أنّكم لم تؤمنوا ، وحييتم في ظل الشرك مرفهين ماديّاً ، ولكن لا تنسوا أن تعتبروا بحياة من قبلكم ، (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا) (١).

أجل ، إنّ الغرور دعاهم إلى أن يبطروا من النعم ، والبطر أساس الظلم ، والظلم يجرّ حياتهم إلى النار ... (فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُم لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً).

بلى ... بقيت بيوتهم خالية خربة متهدمة مظلمة لم يزرها ولم يسكنها أحد إلّالفترة قليلة (وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ).

جملة (كُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ) إشارة إلى أنّ مالكها الحقيقي هو الله سبحانه المالك لكل شيء ، وإذا ما أعطى ملكاً «اعتبارياً» لأحد ، فإنّه لا يدوم له طويلاً حتى يرثه الله أيضاً.

والآية الثانية جواب عن سؤال مقدر ، وهو : إذا كان الأمر كذلك ، بأن يهلك الله الطغاة ، فلم لم يهلك المشركين من أهل مكة والحجاز ، الذين بلغوا حدّاً عظيماً من الطغيان ، ولم يكن إثم ولا جهل إلّاوارتكبوه ، ولم لم يعذبهم الله بعذابه الأليم؟

__________________

(١) «بطرت» : مشتقة من «بطر» ، ومعناه الطغيان والغرور على أثر وفرة النعم.

٥١٦

يقول القرآن في هذا الصدد : (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِى أُمّهَا رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْءَايَاتِنَا).

أجل ... لا يعذب الله قوماً حتى بعد إتمام الحجّة ، فما لم يصدر ظلم يستوجب العذاب فإنّ الله لا يعذبهم ، وهو يراقب أعمالهم ، (وَمَا كُنَّا مُهْلِكِى الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ).

والتعبير ب (مَا كُنَّا) أو (وَمَا كَانَ رَبُّكَ) دليل على أنّ سنة الله الدائمة والأبدية التي كانت ولا زالت ، هي أن لا يعذب أحداً إلّا بعد إتمام الحجة الكافية.

وآخر آية من هذا المقطع محل البحث تحمل الردّ (الثاني) على أصحاب الحجج الواهية ، الذين كانوا يقولون للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : (إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا) ويبعدنا العرب من ديارنا ، وهو قوله تعالى : (وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَىْءٍ فَمَتعُ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى) ممّا عندكم من النعيم الفاني .. إذ إنّ نعم الدنيا تشوبها الأكدار والمشاكل المختلفة ، وليس من نعمة مادية خالية من الضرر والخطر أبداً.

إضافة إلى ذلك فإنّ النعم التي عند الله «الباقية» لا تقاس مع النعم الدنيوية الزائلة ، فنعم الله ـ إذن ـ خير وأبقى.

فبموازنة بسيطة يعرف كل إنسان عاقل أنّه لا ينبغي أن يضحي بنعم الآخرة من أجل نعم الدنيا ، ولذلك تختتم الآية بالقول : (أَفَلَا تَعْقِلُونَ).

(أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٦١) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٦٢) قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ (٦٣) وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ) (٦٤)

كان الحديث في الآيات المتقدمة عن الذين فضّلوا الكفر على الإيمان بسبب منافعهم الشخصية ، ورجّحوا الشرك على التوحيد ، وفي الآيات التي بين أيدينا يبيّن القرآن حال هذه الجماعة يوم القيامة قبال المؤمنين الصادقين. ففي بداية هذه الآيات يلقي القرآن سؤالاً يقارن فيه بين المؤمنين والكافرين ، ويثير الوجدان ويجعله حكماً فيقول : (أَفَمَن وَعَدْنهُ

٥١٧

وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنهُ مَتعَ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيمَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ).

جملة (هُوَ يَوْمَ الْقِيمَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) إشارة إلى الإحضار في محضر الله يوم القيامة للحساب. وجملة (الْحَيَوةِ الدُّنْيَا) التي تكررت في سور مختلفة من القرآن الكريم ، إشارة إلى حقارة هذه الحياة بالنسبة للحياة الاخرى ، لأنّ كلمة «دنيا» في الأصل مأخوذة من «دنو» ومعناها القرب في المكان أو الزمان أو المنزلة والمقام ، ثم توسّع هذا المفهوم ليطلق بلفظ «دنيا» أو «أدنى» على الموجودات الصغيرة التي تحت اليد في مقابل الموجودات الكبيرة ، وقد يطلق هذا اللفظ على الموضوعات التي لا قيمة لها في مقابل الأشياء ذات القيمة العالية ، وربّما استعمل في القرب في مقابل البعد ، وحيث إنّ هذه «الحياة» في مقابل العالم الآخر صغيرة ولا قيمة لها وقريبة أيضاً ، فإنّ تسميتها بالحياة الدنيا تسمية مناسبة جدّاً.

ثم يأتي الكلام عن عرصات يوم القيامة ومشاهدها ليجسّده أمام الكفار ، مشاهد يقشعر منها البدن حين يتصورها الإنسان ، فيقول القرآن : (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَاءِىَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ).

فهذا السؤال في الحقيقة فيه نوع من الإهانة والتوبيخ والعقوبة.

ولكنّهم بدلاً من أن يجيبوا بأنفسهم ، فإنّ معبوديهم هم الذين يردّون الجواب ، ويتبرؤون منهم ، ويتنفرون من عبادة المشركين إيّاهم.

ونعرف أنّ معبودات المشركين وآلهتهم على ثلاثة أنواع : فإمّا أن يكونوا أصناماً «وأحجاراً وخشباً» أو من المقدسين كالملائكة والمسيح ، وإمّا أن يكونوا من الشياطين والجنّ. فالذين يردّون على السؤال ويجيبون هم النوع الثالث ، كما حكى عنهم القرآن : (قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ).

وتعقيباً على السؤال عن آلهتهم وعجز المشركين عن الجواب ، يطلب أن يدعوهم لنصرتهم (وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ) (١).

وحيث يعلم المشركون أنّ دعاءهم غير نافع ، وأنّ المعبودين «الشركاء» لا يمكن أن يفعلوا شيئاً من شدّة الهلع والوحشة ، أو استجابة لأمر الله ، يتوجهون إلى الشركاء ويدعونهم كما يقول القرآن الكريم : (فَدَعَوْهُمْ).

__________________

(١) التعبير ب «شركاءكم» مع أنّ هؤلاء الشركاء كانوا قد جعلوا شركاء الله سبحانه ، هو إشارة إلى أنّ هؤلاء الشركاء من صنعكم وهم متعلقون بكم لا بالله.

٥١٨

ومن الواضح أنّه لا أثر لهذا النداء والطلب ، ولا يقال لهم «لبيك» .. (فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ). فحينئذٍ لا ينفعهم شيء (وَرَأَوُا الْعَذَابَ). ويتمنون (لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ).

(وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَا ذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (٦٥) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ (٦٦) فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (٦٧) وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٨) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (٦٩) وَهُوَ اللهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٧٠)

تعقب الآيات محل البحث ، على ما كان في الآيات السابقة في شأن المشركين وما يسألون يوم القيامة. فبعد أن يُسألوا عن شركائهم ومعبوديهم ، يسألون عن مواقفهم وما أبدوه من عمل إزاء أنبيائهم : (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ).

ومن المسلم به أنّ هؤلاء «المشركين» لا يملكون جواباً لهذا السؤال. فكل ما يقولون كاشف عن فضيحتهم وشقائهم ، حتى أنّ الأنبياء والمرسلين في ذلك اليوم يجيبون ربّهم حين يسألون : (مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَاعِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلمُ الْغُيُوبِ) (١).

ما الذي يقوله في ذلك اليوم وفي ذلك المكان عمي القلوب من المشركين؟ لذلك يكشف القرآن عن حالهم هناك فيقول : (فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَايَتَسَاءَلُونَ). أي يسأل بعضهم بعضاً ولا يعرفون جواباً.

وحيث إنّ اسلوب القرآن هو ترك الأبواب مفتوحة بوجه الكافرين والآثمين دائماً ، لعلّهم يتوبون ويرجعون إلى الحق في أي مرحلة كانوا من الإثم ، فإنّه يضيف في الآية التي بعدها : (فَأَمَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ).

فسبيل النجاة ـ حسب ما يوضحه القرآن ـ يتلخّص في ثلاث جمل هي العودة والتوبة إلى الله ، والإيمان ، والعمل الصالح ، وعاقبتهما النجاة والفلاح حتماً.

والآية التي بعدها دليل على نفي الشرك وبطلان عقيدة المشركين ، إذ تقول : (وَرَبُّكَ

__________________

(١) سورة المائدة / ١٠٩.

٥١٩

يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ).

فالخلق بيده ، والتدبير والإختيار بيده أيضاً ، وهو ذو الإرادة.

فمع هذه الحال ، كيف يسلك هؤلاء طريق الشرك ويتجهون نحو غير الله؟ لذلك فإنّ الآية تنزه الله عن الشرك وتقول : (سُبْحنَ اللهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ).

أمّا الآية التي بعدها فتتحدث عن علم الله الواسع ، وهي تأكيد أو دليل على الإختيار الواسع في الآية السابقة ، إذ تقول هذه الآية : (وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ).

فإحاطته بكل شيء دليل على اختياره لكل شيء ، كما هي ـ ضمناً ـ تهديد للمشركين ، لئلا يظنوا أنّ الله غير مطلع على سرائرهم ونيّاتهم و «مؤامراتهم».

والآية الأخيرة من هذا المقطع ، هي نتيجة الحكم ، وتوضيح للآيات السابقة في مجال نفي الشرك ، وهي ذات أربعة أوصاف من أوصاف الله ، وجميعها فرع على خالقيته واختياره.

فالأوّل : أنّه (وَهُوَ اللهُ لَاإِلهُ إِلَّا هُوَ).

فمن يتوسل بالأصنام لتشفع له عند الله فهو من المضلين الخاطئين.

والثاني : أنّ جميع النعم دنيويةً كانت أم اخروية هي منه ، وهي من لوازم خالقيته المطلقة ، لذلك يقول القرآن في هذا الصدد : (لَهُ الْحَمْدُ فِى الْأُولَى وَالْأَخِرَةِ).

الثالث : أنّه (وَلَهُ الْحُكْمُ). فهو الحاكم في هذا العالم ، وفي العالم الآخر.

والرابع : (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) للحساب والثواب والعقاب.

فالله الخالق ، وهو المطّلع ، وهو الحاكم يوم الجزاء ، وبيده الحساب والثواب والعقاب.

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (٧١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (٧٢) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٣) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٧٤) وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) (٧٥)

٥٢٠