البحر المديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٥

أحمد بن محمد بن عجيبة

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٥

المؤلف:

أحمد بن محمد بن عجيبة


المحقق: أحمد عبدالله القرشي رسلان
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٩

يقول الحق جل جلاله : (وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ) ؛ بالمعجزات ؛ أو : بآيات الإنجيل ؛ أو : بالشرائع الواضحات (قالَ) لبنى إسرائيل : (قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ) ؛ بالشريعة ، أو : بالإنجيل المشتمل عليها (وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ) وهو ما يتعلق بأمور الدين ، وأما ما يتعلق بأمور الدنيا فليس بيانه من وظائف الأنبياء ـ عليهم‌السلام ـ كما قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنتم أعلم بدنياكم» (١) ، وهو عطف على مقدر ، ينبئ عنه المجيء بالحكمة ، كأنه قيل : جئتكم بالحكمة لأعلمكم إياها ، ولأبيّن لكم ما تختلفون فيه ، (فَاتَّقُوا اللهَ) فى مخالفتى (وَأَطِيعُونِ) فيما أبلغكم عن الله تعالى :

(إِنَّ اللهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ) بيان لما أمرهم به من الطاعة ، وهو اعتقاد التوحيد ، والتعبد بالشرائع ، (هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) لا يضل سالكه ؛ فهذا تمام كلام عيسى عليه‌السلام ، وقيل : قوله : (هذا ....) إلخ من كلام الله تعالى ، مقرر لمقالة عيسى عليه‌السلام.

(فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ) أي : الفرق المتحزبة بعد عيسى ، وهم : اليعقوبية والنّسطورية ، والملكانية ، والشمعونية ، (مِنْ بَيْنِهِمْ) أي : من بين النّصارى ، أو : من بين من بعث إليهم من اليهود والنّصارى ، أي : اختلافا ناشئا من بينهم ، من غير حجة ولا برهان ، (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) من المختلفين ، حيث قالوا فى عيسى ما كفروا به ، (مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ) وهو يوم القيامة (هَلْ يَنْظُرُونَ) أي : ما ينتظر أولئك الكفرة ، أو قوم عيسى (إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ) : بدل من «الساعة» أي : هل ينتظرون إلا إتيان الساعة (بَغْتَةً) ؛ فجأة (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) غافلون عن الاستعداد لها ، لاشتغالهم بأمر دنياهم ، أو : منكرون لها ، غير مترقبين وقوعها.

الإشارة : كانت الرّسل ـ عليهم‌السلام ـ يبينون لأممهم ما يقع فيه الاختلاف من أمر الدين ، سواء تعلق ذلك بالظاهر أو بالباطن ، بما يوحى إليهم من إلهام ، أو بملك مرسل ، فلما ماتوا بقي خلفاؤهم من العلماء والأولياء ، فالعلماء يبينون ما اختلف فيه من الشرائع والعقائد ، بما عندهم من القواعد والبراهين ، والأولياء يبينون الحقائق ، وما يتعلق بالقلوب من الشكوك والخواطر ، وسائر الأمراض ، بما عندهم من الأذواق والكشوفات. فالعلماء يرجعون إلى كتبهم وعلومهم ، والأولياء يرجعون إلى قلوبهم وأذواقهم ، حتى كان فيما سلف من العلماء إذا توقفوا فى مسألة عقلية أو قلبية أخذوا صوفيا أميا فيسألونه ، ويجبرونه على الجواب ، فيجيبهم عن كلّ ما يسألونه ، كقصة أبى الحسن النوري مع القاضي ، وغيره ، وقد كان الشعراني يسأل شيخه الخواص ـ وهو أمي ـ عن أمور معضلة ، فيجيب عنها ، حتى إن كتبه كلها مطرزة بكلامه ـ رضي الله عنهم أجمعين.

__________________

(١) أخرجه مسلم فى (الفضائل ، باب وجوب امتثال ما قاله شرعا ، ٤ / ١٨٣٥ ح ٢٣٦٣) عن السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ وسيدنا أنس رضي الله عنه بلفظ : «أنتم أعلم بأمر دنياكم».

٢٦١

وأهل الأذواق هم المتقون المتحابون فى الله ، الذين أشار إليهم تعالى بقوله :

(الْأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ (٦٧) يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٦٨) الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ (٦٩) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ (٧٠) يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ (٧١) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢) لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ (٧٣))

يقول الحق جل جلاله : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) أي : المتحابون فى الدنيا على الأمور الذميمة متعادون يوم القيامة ، يبغض بعضهم بعضا ، فتنقطع فى ذلك اليوم كلّ خلة كانت لغير الله ، وتنقلب عداوة ومقتا ؛ لانقطاع سببها ، وهو الاجتماع على الهوى ، (إِلَّا الْمُتَّقِينَ) أي : الأخلة المصادقين فى الله ، فإنها الخلة الباقية ؛ لأن خلتهم فى الدنيا لمّا كانت لله ، وفى الله ، بقيت على حالها ؛ لأن ما كان لله دام واتصل ، وما كان لغير الله انقطع وانفصل ، بل تزداد خلتهم بمشاهدة كلّ واحد منهم بركة خلتهم من الثواب ، ورفع الدرجات. وسئل صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون؟ فقال : «المتحابون فى الله» ، وخرّج البزار عن ابن عباس رضي الله عنه : قيل : يا رسول الله! أىّ جلسائنا خير؟ قال : «من ذكّركم بالله رؤيته ، وزاد فى عملكم منطقه ؛ وذكّركم بالله علمه» (١).

ومن كلام الشيخ أبى مدين رضي الله عنه : دليل تخليطك صحبتك للمخلطين ، ودليل انقطاعك إلى الله صحبتك للمنقطعين. ه. وفى سماع العتبية : قال مالك : لا تصحب فاجرا لئلا تتعلّم من فجوره ، قال ابن رشد : لا ينبغى أن يصحب إلا من يقتدى به فى دينه وخيره ؛ لأن قرين السوء يردى ، قال الحكيم :

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه

ف كل قرين بالمقارن مقتد (٢).

__________________

(١) أخرجه أبو يعلى فى مسنده (٢٤٣٦) عن ابن عباس رضي الله عنه.

(٢) البيت منسوب إلى عدى بن زيد : انظر : نهاية الأرب (٣ / ٦٥) والعقد الفريد (٢ / ٣١١).

٢٦٢

وفى الحديث : «المرء على دين خليله» وسيأتى ، فى الإشارة بقية الكلام على المتحابين فى الله.

ويقال لهم حينئذ ، تشريفا لهم ، وتطييبا لقلوبهم : (يا عِبادِ) (١) (لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) ، ثم وصفهم أو مدحهم بقوله : (الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا) ؛ صدّقوا بآياتنا التنزيلية ، (وَكانُوا مُسْلِمِينَ) ؛ منقادين لأحكامنا ، مخلصين وجوههم لنا ، وعن مقاتل : «إذا بعث الله النّاس ، فزع كلّ أحد ، فينادى مناد : يا عبادى ، لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون ، فيرجوها النّاس كلهم ، فيتبعها الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ، فينكّس أهل الأديان الباطلة رؤوسهم» (٢)

ثم يقول لهم : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ) ؛ نساؤكم المؤمنات (تُحْبَرُونَ) ؛ تسرّون سرورا يظهر حباره ـ أي : أثره ـ على وجوهكم أو : تزينون ، من : الحبرة وهو حسن الهيئة ، أو : تكرمون إكراما بليغا ، وتتنعمون بأنواع النّعيم. والحبرة : المبالغة فيما وصف بجميل ؛ وتقدم فى قوله : (فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ) (٣) أنه السماع. (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ) أي : بعد دخولهم الجنة حسبما أمروا به (وَأَكْوابٍ) من ذهب ؛ حذف لدلالة ما قبله. والصحاف : جمع صحفة ، قيل : هى كالقصعة ، وقيل : أعظم القصاع ، فهى ثلاث : الجفنة ، ثم القصعة ، ثم الصحفة ، والأكواب : جمع كوب ، وهو كوز مستدير لا عروة له.

وفى حديث أبى هريرة ، عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قال : «أدنى أهل الجنة من له سبع درجات ، هو على السادسة ، وفوقه السابعة ، وإنّ له ثلاثمائة خادم ، ويغدى عليه ويراح بثلاثمائة صحفة من ذهب ، فى كلّ صحفة لون ليس فى الأخرى مثله ، وإنه ليلذ آخره كما يلذّ أوله ، ويقول : لو أذنت لى يا رب لأطعمت أهل الجنة ، وأسقيتهم ، ولا ينقص مما عندى شىء ، وإنّ له من الحور العين لاثنين وسبعين زوجة ، سوى أزواجه فى الدنيا ، وإن الواحدة منهن ليأخذ مقعدها قدر ميل» (٤). وفى حديث عكرمة : «إن أدنى أهل الجنة منزلة من يفسح له فى بصره مسيرة مائة عام ، فى قصور من ذهب ، وخيام من لؤلؤ ، وليس منها موضع شبر إلا معمور ، يغدى عليه ويراح بسبعين ألف صحفة

__________________

(١) هكذا (يا عبادى لا خوف) بإثبات الياء ، وإسكانها ، وهى قراءة نافع ، وأبى عمرو ، وابن عامر ، وأبى جعفر ، وصلا ووقفا. والباقون بحذفها فى الحالين. انظر الإتحاف (٢ / ٤٥٨ ـ ٤٥٩).

(٢) أخرجه الطبري (٢٥ / ٩٥) عن سليمان التيمي.

(٣) الآية ١٥ من سورة الرّوم.

(٤) أخرجه أحمد (٢ / ٥٣٧) وقال ابن القيم فى حادى الأرواح (٢٢٣) : «سكين بن عبد العزيز ، ضعّفه النّسائى. وشهر بن حوشب ، ضعفه مشهور. والحديث منكر ، يخالف الأحاديث الصحيحة».

٢٦٣

من ذهب ، ليس فيها صحفة إلا وفيها لون ليس فى الأخرى مثله ، شهوته فى آخرها كشهوته فى أولها ، ولو نزل به جميع أهل الدنيا لوسع عليهم مما أعطى ، ولا ينقص ذلك مما أوتى شيئا» (١). ويجمع بينهما بتعدد أهل هذه المنزلة ، وتفاوتهم.

(وَفِيها) أي : فى الجنة (ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ) من فنون الملاذ. ومن قرأ بحذف الهاء ؛ فلطول الموصول بالفعل والفاعل. (وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ) أي : تستلذه ، وتقر بمشاهدته ، وهذا حصر لأنواع النّعيم ؛ لأنها إما مشتهيات فى القلوب ، أو : مستلذات فى العيون ، ففى الجنة كلّ ما يشتهى العبد من الملابس والمناكح والمراكب.

روى أن رجلا قال : يا رسول الله ، إنى أحبّ الخيل ، فهل فى الجنة خيل؟ فقال : «إن يدخلك الله الجنة فلا تشاء أن تركب فرسا من ياقوتة حمراء ، يطير بك فى الجنة حيث شئت ، إلا فعلت ، قال أعرابى : يا رسول الله ، إنى أحبّ الإبل ، فهل فى الجنة إبل؟ فقال : يا أعرابى ، إن يدخلك الله الجنة ففيها ما اشتهت نفسك ولذت عيناك» (٢). ه. وقال أبو طيبة السلمى : إن الشرذمة من أهل الجنة لتظلهم سحابة ، فتقول : ما أمطركم؟ فما يدعو داع من القوم بشىء إلا أمطرته ، حتى إن الرّجل منهم يقول : أمطر علينا كواعب أترابا. وقال أبو أمامة : إن الرّجل من أهل الجنة ليشتهى الطائر وهو يطير ، فيقع نضيجا فى كفه كما أراد ، فيأ كل منه حتى تشهى نفسه ، ثم يطير كما كان أول مرة ، ويشتهى الشراب ، فيقع الإبريق فى يده ، فيشرب منه ما يريد ، ثم يرفع الإبريق إلى مكانه. ه. من الثعلبي.

قال القشيري : وفيها ما تشتهيه الأنفس للعباد ؛ لأنهم [قاسوا] (٣) فى الدنيا ـ بحكم المجاهدات ـ الجوع والعطش ، وتحملوا وجوه المشاقّ ، فيجزون فى الجنة وجوها من الثواب ، وأما أهل المعرفة والمحبّون فلهم ما تلذّ أعينهم من النظر إلى الله ، لطول ما قاسوه من فرط الاشتياق بقلوبهم ، وما عالجوه من احتراقهم فيه لشدة غليلهم. ه. والحاصل : أن ما تشتهى الأنفس يرجع لنعيم الأشباح ، وتلذ الأعين لنعيم الأرواح من النّظر ، والقرب ، والمناجاة والمكالمة ، والرّضوان الأكبر ، منحنا الله من ذلك الحظ الأوفر.

(وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ) إتمام للنعمة ، وكمال للسرور ؛ فإن كلّ نعيم له زواله مكدر بخوف زواله لا محالة.

(وَتِلْكَ الْجَنَّةُ) ؛ مبتدأ وخبر ، و (الَّتِي أُورِثْتُمُوها) : صفة الجنة ، أو : «الجنة» صفة المبتدأ ، الذي هو الإشارة ، و «التي أورثتموها» : خبره. أو : «التي أورثتموها» صفة المبتدأ ، و (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) : خبر ، أي : حاصلة ، أو كائنة

__________________

(١) عزاه السيوطي فى الدر المنثور (٥ / ٧٣٢) لعبد بن حميد ، عن عكرمة ، يرفعه.

(٢) أخرجه أحمد فى المسند (٥ / ٣٥٢) والترمذي فى (صفة الجنة ، باب ما جاء فى صفة خيل الجنة ٤ / ٨٨٥ / ح ٢٥٤٣) والبغوي فى التفسير (٧ / ٢٢٢) عن عبد الرّحمن بن سابط مرسلا. وقال الهيثمي (١٠ / ٤١٣) : رواه الطبراني ورجاله ثقات.

(٣) فى الأصول : [قاموا] وما أثبته هو الذي فى القشيري.

٢٦٤

بما كنتم تعملون فى الدنيا ، شبه جزاء العمل بالميراث ؛ لبقائه على أهله دائما ، ولا ينافى هذا قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لن يدخل أحدكم الجنة عمله» (١) ؛ لأن نفس الدخول بالرحمة ، والتنعم والدرجات بقدر العمل ، أو : تقول : الحديث خرج مخرج الحقيقة ، والآية خرجت مخرج الشريعة ، فالحقيقة تنفى العمل عن العبد ، وتثبته لله ، والشريعة تثبته له باعتبار الكسب ، والدين كله وارد بين حقيقة وشريعة ؛ فإذا شرع القرآن حققته السّنة ، وإذا شرعت السنة حققه القرآن. والله تعالى أعلم.

(لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ) بحسب الأنواع والأصناف ، لا بحسب الأفراد فقط ، (مِنْها تَأْكُلُونَ) أي : لا تأكلون إلا بعضها ، وأعقابها باقية فى أشجارها على الدوام ، لا ترى فيها شجرا خلت عن ثمرها لحظة ، فهى مزيّنة بالثمار أبدا ، موقورة بها ، وعن النّبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا ينزع رجل فى الجنة من ثمرها إلا نبت فى مكانها مثلاها» (٢).

الإشارة : كل خلة وصحبة تنقطع يوم القيامة ، إلّا خلة المتحابين فى الله ، وهم الذين ورد فى الحديث : أنهم يكونون فى ظل العرش ، والنّاس فى حر الشمس ، يغشى نورهم النّاس فى المحشر ، يغبطهم النّبيون والشهداء لمنزلتهم عند الله. قيل : يا رسول الله ، من هؤلاء؟ صفهم لنا لنعرفهم ، قال : «رجال من قبائل شتى ، يجتمعون على ذكر الله» (٣).

وقد ورد فيهم أحاديث ، منها : حديث الموطأ ، عن معاذ ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «قال الله تعالى : وجبت محبّتى للمتحابّين فىّ ، والمتجالسين فىّ ، والمتباذلين فىّ ، والمتزاورين فىّ» (٤) ، وفى رواية أبى مسلم الخولاني : قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «المتحابّون فى الله على منابر من نور ، فى ظلّ العرش ، يوم لا ظلّ إلا ظلّه» (٥) ، وفى حديث آخر : «ما تحابّ اثنان فى الله إلا وضع لهما كرسيّا ، فيجلسان عليه حتى يفرع من الحساب» (٦) وقال : صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ المتحابّين فى الله لترى غرفهم فى الجنة كالكوكب الطّالع الشّرقى أو الغربي ، فيقال : من هؤلاء؟ فيقال : هؤلاء المتحابّون فى الله عزوجل».

__________________

(١) حديث صحيح ، أخرجه البخاري فى (الرقاق ، باب القصد والمداومة على العمل ، ح ٦٤٦٧). ومسلم فى (صفات المنافقين وأحكامهم ، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله ، بل برحمة الله تعالى ٤ / ٢١٧١ ، ح ٢٨١٨) من حديث السيدة عائشة ـ رضي الله عنها : وأول الحديث : «سددوا وقاربوا ...».

(٢) أخرجه الطبري (٢٥ / ٩٧) والبزار (كشف الأستار ح ٣٥٣٠) وقال الهيثمي فى مجمع الزوائد (١٠ / ٤١٤) : رواه الطبراني والبزار ، ورجال الطبراني وأحد إسنادى البزار ثقات.

(٣) قال الهيثمي فى المجمع (١٠ / ٧٧) : رواه الطبراني ، وإسناده حسن.

(٤) رواه مالك فى الموطأ (٢ / ٩٥٣) وأحمد (٥ / ٢٣٣) والحاكم (٤ / ١٦٩) وصحّحه ووافقه الذهبي.

(٥) رواه ابن حبان (٥٧٧) وعبد الله بن الإمام أحمد فى زوائد المسند (٥ / ٣٢٩).

(٦) عزاه السيوطي فى الجامع الصغير (ح ٧٨٦٨) للطبرانى ، عن أبى عبيدة ومعاذ ، وضعّفه.

٢٦٥

وفى رواية : «إنّ فى الجنة غرفا يرى ظواهرها من بواطنها ، وبواطنها من ظواهرها ، أعدّها الله للمتحابّين فى الله ، والمتزاورين فيه ، والمتباذلين فيه» (١) وفى لفظ آخر : «إنّ فى الجنة لعمدا من ياقوت ، عليها غرف من زبرجد ، لها أبواب مفتّحة ؛ تضىء كما يضىء الكوكب الدّرّى ، قلنا : يا رسول الله ، من يسكنها؟ قال : المتحابّون فى الله والمتباذلون فى الله ، والمتلاقون فى الله ، مكتوب على وجوههم : هؤلاء المتحابون فى الله» (٢) وفى الأثر أيضا : إذا كان يوم القيامة ، نادى مناد : أين المتحابون فى الله؟ فيقوم ناس ـ وهم يسير ـ فينطلقون إلى الجنّة سراعا ، فتتلقّاهم الملائكة : فيقولون : رأيناكم سراعا إلى الجنة ، فمن أنتم؟ فيقولون : نحن المتحابّون فى الله ؛ فيقولون : وما كان تحابّكم؟ فيقولون : كنّا نتحابّ فى الله ؛ ونتزاور فى الله ، ونتعاطف فى الله ، ونتباذل فى الله ، فيقال لهم : ادخلوا الجنة ، فنعم أجر العاملين. ه. من البدور السافرة. والتباذل : المواساة بالبذل.

وذكر فى الإحياء شروط المتحابين فى الله ، فقال رضي الله عنه : اعلم أن عقد الأخوة رابطة بين الشخصين ، كعقد النكاح بين الزوجين ، ثم قال : فلأخيك عليك حق فى المال ، وفى النّفس ، وفى اللسان ، وفى القلب. وبالعفو ، وبالدعاء ، وذلك تجمعه ثمانية حقوق :

الحق الأول : فى المال بالمواساة ، وذلك على ثلاثة مراتب ؛ أدناها : أن تنزله منزلة عبدك وخادمك ، فتقوم بحاجاته بفضلة مالك ، فإذا سنحت له حاجة ، وعندك فضلة أعطيته ابتداء ، فإذا أحوجته إلى سؤال فهو غاية التقصير. الثانية : أن تنزله منزلة نفسك ، وترضى بمشاركته إياك فى مالك ، فتسمح له فى مشاركته. الثالثة ـ وهى العليا ـ : أن تؤثره على نفسك ، وتقدم حاجته على حاجتك ، وهى رتبة الصدّيقين ، ومنتهى درجات المتحابين.

الحق الثاني : الإعانة بالنفس فى قضاء الحاجات ، والقيام بها قبل السؤال ، وهذا أيضا لها درجات كالمواساة ، فأدناها : القيام بالحاجة عند السؤال ، ولكن مع البشاشة والاستبشار ، وإظهار الفرح. وأوسطها : أن تجعل حاجته كحاجتك ، فتكون متفقدا لحاجته ، غير غافل عن أحواله ، كما لا تغفل عن أحوال نفسك ، وتغنيه عن السؤال. وأعلاها : أن تؤثره على نفسك ، وتقدم حاجته على حاجتك ، وتؤثره على نفسك ، وأقاربك ، وأولادك. كان الحسن يقول : إخواننا أحبّ إلينا من أهلينا وأولادنا ؛ لأن أهلينا يذكروننا الدنيا ، وإخواننا يذكروننا الآخرة.

__________________

(١) رواه الطبراني فى الأوسط (ح ٢٩٠٣) ، عن بريدة. قال الهيثمي فى المجمع (١٠ / ٢٧٨) : «وفيه إسماعيل بن سيف ، وهو ضعيف».

(٢) رواه البزار (كشف الأستار ، ح ٣٥٩٢) عن أبى هريرة رضي الله عنه.

٢٦٦

الحق الثالث : على اللسان بالسكوت ، فيسكت عن التجسس ، والسؤال عن أحواله ، وإذا رآه فى طريقه فلا يسأله عن غرضه وحاجته ، فربما يثقل عليه ، أو يحتاج إلى أن يكذب ، ويسكت عن أسراره التي بثها إليه ، فلا يبثها إلى غيره ، ولا إلى أخص أصدقائه ، ولا يكشف شيئا منها ولو بعد القطيعة ، وليسكن عن مماراته ومدافعته فى كلامه.

الحق الرّابع : على اللسان بالنطق ، فيتودد إليه بلسانه ، ويتفقده فى أحواله ، كالسؤال عن عارض عرض له ، وأظهر شغل القلب بسببه ، فينبغى أن يظهر له بلسانه كراهتها. والأحوال التي يسرّ بها ، ينبغى أن يظهر له بلسانه مشاركته فى السرور بها. فمعنى الأخوة : المساهمة فى السراء والضراء ، ويدعوه بأحب أسمائه فى حضوره ومغيبه ، ويثنى عليه بما يعرف من محاسن أحواله ، عند من يريد هو الثناء عنده ، وكذا على أولاده وأهله ، حتى على عقله ، وخلقه ، وهيئته ، وخطه ، وشعره ، وتصنيفه ، وجميع ما يفرح به ، من غير كذب ولا إفراط ، ويذب عنه فى غيبته مهما قصد بسوء ، ويعلمه مما علمه الله وينصحه.

الحق الخامس : العفو عن الزلات والهفوات ، فإن كانت زلته فى الدين ؛ بارتكاب معصية ، فليتلطف فى نصحه ، فإن بقي مصرا ، فقد اختلف الصحابة فى ذلك ، فذهب أبو ذر إلى مقاطعته ، وقال : إذا انقلب أخوك عما كان عليه فابغضه من حيث أحببته. وذهب أبو الدرداء ، وجماعة ، إلى خلاف ذلك ، وقال أبو الدرداء : إذا تغير أخوك عما كان عليه فلا تدعه لأجل ذلك ؛ فإن أخاك يعوجّ مرة ؛ ويستقيم أخرى. وهذا ألطف وأفقه ، وذلك لما فى هذه الطريق من الرّفق ، والاستمالة ، والتعطف ، المفضى إلى الرّجوع والتوبة. وأيضا : للأخوة عقد ، ينزل منزلة القرابة ، فإذا انعقدت وجب الوفاء بها ، ومن الوفاء : ألا يهمله أيام حاجته وفقره ، وفقر الدين أشد من فقر المال. ثم قال : والفاجر إذا صحب تقيا وهو ينظر إلى خوفه رجع عن قريب ، ويتخلى من الإصرار ، بل الكسلان يصحب الحريص فى العمل ، فيحرص حياء منه ، وإن كانت زلته فى حقك فلا خلاف أن العفو والاحتمال هو المطلوب. ه. قلت : ولعل حق القلب يندرج هنا مع المحبة وشهود الصفاء منه.

الحق السادس : الدعاء له فى حياته ومماته بكلّ ما يحب لنفسه وأهله. قلت : ومن ذلك زيارة قبره ، وإيصال النفع له فى ذلك الوقت.

الحق السابع : الوفاء والإخلاص. ومعنى الوفاء : الثبات على الحب ، وإدامته إلى الممات ، معه ومع أولاده وأصدقائه.

٢٦٧

الحق الثامن : التخفيف وترك التكليف والتكلف ، فلا تكلف أخاك ما يشق عليه ؛ بل تروح سره عن مهماتك وحاجاتك ، وترفهه عن أن تحمّله شيئا من أعبائك ، ولا تكلفه التواضع لك ، والتفقد والقيام بحقوقك ، بل ما تقصد بمحبته إلا الله تعالى. ه. باختصار (١).

وفى وصية القطب ابن مشيش ، لأبى الحسن ـ رضي الله عنهما ـ : لا تصحب من يؤثر نفسه عليك ، فإنه لئيم ؛ ولا من يؤثرك على نفسه ، فإنه قلما يدوم ؛ واصحب من إذا ذكر ذكر الله ، فالله يغنى به إذا شهد ، وينوب عنه إذا فقد ، ذكره نور القلوب ، ومشاهدته مفاتح الغيوب. ومعنى كلام الشيخ : لا تصحب من يبخل عنك بما عنده من العلوم ، ولا من يتكلف لك ، فإنه لا يدوم ، وهذه صحبة الشيخوخة.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «مثل الأخوين كمثل اليدين ، يغسل إحداهما الأخرى ، وكمثل البنيان يشدّ بعضه بعضا» (٢). وفى معناه قيل :

إنّ أخاك الحقّ من كان معك

ومن يضرّ نفسه لينفعك

ومن إذا رأى زمانا صدّعك

شتّت فيك شمله ليجمعك

وهذا فى حق الإخوان ، والله تعالى أعلم.

ثم ذكر تعالى أضداد هؤلاء ، فقال :

(إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ (٧٤) لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٥) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (٧٦) وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ (٧٧) لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (٧٨) أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (٧٩) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (٨٠))

قلت : (خالدون) : خبر «إن» ، و (فى عذاب) : معمول الخبر ، أو : خبر ، و «خالدون» خبر بعد خبر.

__________________

(١) انظر : إحياء علوم الدين. (كتاب آداب الألفه والأخوة).

(٢) قال العراقي فى المغني (٢ / ١٧٢) : «رواه السلمى فى آداب الصحبة ، وأبو المنصور الديلمي فى مسند الفردوس ، من حديث أنس.

وفيه أحمد بن محمد بن غالب الباهلي ، كذاب. وهو من قول سلمان الفارسي فى الأول من الحزبيات».

٢٦٨

يقول الحق جل جلاله : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ) أي : الراسخين فى الإجرام ، وهم الكفار ، كما ينبئ عنه إتيانه فى مقابلة المؤمنين (فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ ، لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ) ؛ لا يخفف عنهم ، من قولهم : فترت عنه الحمى : سكتت. قال القشيري : هم الكفار والمشركون ، أهل الخلود ، لا يخفف عنهم ، وأما أهل التوحيد فقد يكون قوم منهم فى النار ، ولكن لا يخلدون فيها ؛ فيقتضى دليل الخطاب أنه يفتّر عنهم العذاب ، أي : يخفف ، وورد فى الخبر الصحيح : «أن الحق يميتهم إماتة إلى أن يخرجوا منها» والميت لا يحس ولا يألم ، وذكر فى الآية أنهم (مُبْلِسُونَ) فيدلّ أن المؤمنين لا إبلاس لهم ، وإن كانوا فى بلائهم فهم على وصف رجائهم ، ويعدون أيامهم. ه.

وحمل ابن عطية الموت على المقاربة ، لا الموت حقيقة ؛ لأن الآخرة لا موت فيها ؛ قال : والحديث أراه على التشبيه ، لأنه كالسبات والرّكود والهمود ، فجعله موتا. انظره فى (ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) ، (١). وقال عياض فى الإكمال : عن بعض المتكلمين : يحتمل الحقيقة ، ويحتمل الغيبة عن الإحساس ، كالنوم ، وقد سمى النّوم وفاتا ؛ لإعدامه الحس. ه.

(وَهُمْ فِيهِ) أي : فى العذاب (مُبْلِسُونَ) ؛ آيسون من الفرج ، متحيّرون ، (وَما ظَلَمْناهُمْ) بذلك ، حيث أرسلنا الرّسل (وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) بتعريض أنفسهم للعذاب الخالد ، بمخالفة الرّسل ، وإيثارهم التقليد على النّظر.

(وَنادَوْا) وهم فى النّار لمّا أيسوا من الفتور (٢) (يا مالِكُ) ، وهو خازن النّار. قيل لابن عباس : إن ابن مسعود يقرأ «يا مال» ـ ورويت عن النّبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣) ـ فقال (٤) : «ما أشغل أهل النّار عن الترخيم (٥) ، قيل : هو رمز إلى ضعفهم وعجزهم عن تمام اللفظ. (لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) أي : ليمتنا حتى نستريح ، من : قضى عليه إذا أماته ، والمعنى : سل ربك أن يقضى علينا بالموت ، وهذا لا ينافى ما ذكر من إبلاسهم ؛ لأنه جؤار ، وتمنى الموت ؛ لفرط الشدة. (قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ) ؛ لابثون فى العذاب ، لا تتخلصون منه بموت ولا فتور ، قال الأعمش : أنبئت أن بين دعائهم وبين إجابتهم ألف عام (٦) ، وفى الحديث : «لو قيل لأهل النّار : إنكم ماكثون فى النّار عدد كلّ حصاة فى الدنيا لفرحوا ؛ ولو قيل لأهل الجنة ذلك لحزنوا ، ولكن جعل الله لهم الأبد».

__________________

(١) الآية ١٣ من سورة الأعلى.

(٢) أي : فتور العذاب عنهم.

(٣) نقل القرطبي (٧ / ٦١٢٠) عن أبى بكر الأنبارى قوله فى رفع هذه القراءة إلى النّبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يعمل على هذا الحديث ، لأنه مقطوع ، لا يقبل مثله فى الرّواية عن الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وكتاب الله أحق أن يحتاط له ، وينفى عنه الباطل».

قلت : الذي فى الصحيح أن النّبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقرأ : «ونادوا يا ملك». فقد أخرج البخاري فى (التفسير ـ سورة الزخرف ، باب (وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) الآية ح ٤٨١٩) عن صفوان بن يعلى عن أبيه قال : «سمعت النّبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ على المنبر : (وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) ..» الحديث.

(٤) أي : سيدنا ابن عباس رضي الله عنه.

(٥) الترخيم : التليين وقيل : هو للحذف : ومنه : ترخيم الاسم فى النّداء ، وهو أن يحذف من آخره حرف أو أكثر ، فتقول فى : «مالك» يا مال ، وفى «حارث» يا حا .. وهكذا. وسمى ترخيما لتليين المنادى صوته بحذف الحرف. انظر اللسان (رخم ٣ / ١٦١٧).

وانظر قول ابن عباس رضي الله عنه فى فتح الباري (٨ / ٤٣١) وتفسير النّسفى (٣ / ٢٨٣).

(٦) قول الأعمش ، ذكره الترمذي فى (صفة جهنم ، باب ما جاء فى صفة طعام أهل النّار).

٢٦٩

(لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِ) فى الدنيا بإرسال الرّسل ، وإنزال الكتب ، وهو خطاب توبيخ وتقريع من جهته ـ تعالى ، مقرر لجواب مالك ، ومبين لسبب مكثهم ، وقيل : الضمير فى (قال) لله تعالى ، أي : لقد أعذرنا إليكم بإرسال الرّسل بالحق (وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِ) أىّ حق كان (كارِهُونَ) لا تسمعونه وتفرون منه ؛ لأن مع الباطل الدّعة ، ومع الحق التعب ، هذا فى مطلق الحق ، وأما فى الحق المعهود ، الذي هو التوحيد والقرآن ، فكلهم كارهون مشمئزون منه.

(أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً) : مبتدأ ، ناع على المشركين ما فعلوا من الكيد لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، و «أم» منقطعة ، وما فيها من معنى «بل» للانتقال من توبيخ أهل النّار إلى حكاية جناية هؤلاء ، أي : أم أحكم مشركو مكة أمرا من كيدهم ومكرهم برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، (فَإِنَّا مُبْرِمُونَ) كيدنا حقيقة ، كما أبرموا كيدهم صورة ، كقوله تعالى : (أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ) (١) الآية. وكانوا يتناجون فى أنديتهم ، ويتشاورون فى أمره صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(أَمْ يَحْسَبُونَ) ؛ بل يحسبون (أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ) وهو ما حدّثوا به أنفسهم أو غيرهم فى مكان خال ، (وَنَجْواهُمْ) أي : ما تكلموا به فيما بينهم بطريق التناجي ، (بَلى) نحن نسمعها ونطّلع عليها (وَرُسُلُنا) ؛ الملائكة الذين يحفظون عليهم أعمالهم ، ويلازمونهم أينما كانوا (لَدَيْهِمْ) أي : عندهم (يَكْتُبُونَ) كل ما صدر عنهم من الأفعال والأقوال ، ومن جملتها : ما ذكر من سرهم ونجواهم ، والجملة : إما عطف على ما يترجم عنه «بلى» ، أي : نكتبها ورسلنا كذلك ، أو حال ، أي : نسمعها والحال أن رسلنا يكتبونه.

الإشارة : قوله تعالى : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ ...) إلخ .. أما أهل الشرك فقد اتفق المسلمون على خلودهم ، إلا ما انفرد به ابن العربي الحاتمي والجيلي ، فقد نقلا خبرا مأثورا : أن النّار تخرب ، وينبت موضعها الجرجير ، وينتقل زبانيتها إلى خزنة الجنان ، فهذا من جهة الكرم وشمول الرّحمة لا يمنع ، ومن جهة ظواهر النّصوص معارض ، وباطن المشيئة مما اختص الله تعالى به. ونقل الجيلي أيضا فى كتابه (الإنسان الكامل) : أن بعض أهل النار أفضل عند الله من بعض أهل الجنة يتجلى لهم الحق تعالى فى دار الشقاء. ونقل أيضا : أن بعض أهل النّار تعرض عليهم الجنة فيأنفون منها ، وأن بعض أهل النّار يتلذذون بها كصاحب الجرب. وذكر بعضهم أن أهل النّار يتطبعون بها ، كالسمندل ، فهذه مقالات غريبة ، الله أعلم بصحتها. وعلى تقدير وقوعها فى غيب مشيئته تعالى ، فلعلها فى قوم مخصوصين من المسلمين ختم لهم بالشقاء بعد مقاسات شدائد الطاعة ، أو : فى قوم من أهل الفترة لم يكن فيهم

__________________

(١) من الآية ٤٢ من سورة الطور.

٢٧٠

إذاية ، أو صدر منهم إحسان ، والله أعلم بأسرار غيبه ، وأما أهل التوحيد فحالهم فى النّار أرفق من هذا ، بل حالهم فيها أروح من حال الدنيا من وجه.

قال القشيري : ولقد قال الشيوخ ، إن حال المؤمنين فى النّار ـ من وجه ـ أروح لقلوبهم من حالهم اليوم فى الدنيا ؛ لأن اليوم خوف الهلاك ؛ وغدا يقين النّجاة ، وأنشدوا :

عيب السلامة أنّ صاحبها

متوقّع لقواصم الظّهر

وفضيلة البلوى ترقّب أهلها

عقبى الرّجاء ودورة الدّهر (١)

ثم قال فى قوله تعالى : (وَنادَوْا يا مالِكُ) لو قالوا : يا ملك بدل من يا مالك لكان أقرب إلى الإجابة ، ولكنّ الأجنبية حالت بينهم وبين ذلك. ه. أي : تعلقهم بالمخلوق دون الخالق. وقوله تعالى : (أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً ...) إلخ ، هى عادته تعالى مع خواصه كيفما كانوا ، يرد كيد من كادهم فى نحره. وقوله تعالى : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ ...) إلخ ، قال القشيري : إنما خوّفهم بسماع الملائكة ، وكتابتهم أعمالهم عليهم ، لغفلتهم عن الله ، ولو كان لهم خبر عن الله لما [خوفهم] (٢) بغير الله ، ومن علم أن أعماله تكتب عليه ، ويطالب بمقتضاها ، قلّ إلمامه بما يخاف أن يسأل عنه. ه.

ثم ردّ على من زعم اتخاذ الولد لله تعالى ، كعيسى والملائكة ، فقال :

(قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (٨١) سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٨٢) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٨٣) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٨٤) وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٥) وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٨٦))

__________________

(١) فى القشيري : [عقب الرّجاء مودة الدهر].

(٢) فى القشيري [خافوهم].

٢٧١

يقول الحق جل جلاله : (قُلْ) يا محمد (إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ) على زعمكم (فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) لله ، كان أو لم يكن ، ويسمى هذا إرخاء العنان ، أي : أنا أول من يخضع لله ، كان له ولد أو لم يكن ، وقد قام البرهان على نفيه. قال معناه السدى ، أو : وإن كان للرّحمن ولد فأنا أول من يعظم ذلك الولد ، وأسبقكم إلى طاعته ، والانقياد إليه ، كما يعظم ولد الملك ، لتعظيم أبيه ؛ وهذا الكلام وارد على سبيل الفرض ، والمراد : نفى الولد ، وذلك أنه علّق العبادة بكينونة الولد ، وهى محال فى نفسها ، فكان المعلق بها محالا مثلها ، ونظيره ، قول سعيد بن جبير للحجاج ، ـ حين قال له : والله لأبدلنّك بالدنيا نار تلظى ـ : لو عرفت أن ذلك إليك ما عبدت إلها غيرك. أو : إن كان للرّحمن ولد فى زعمكم (فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) أي : الموحّدين لله ، المكذّبين قولكم ، بإضافة الولد إليه ؛ لأن من عبد الله ، واعترف بأنه إلهه فقد دفع أن يكون له ولد. أو : إن كان للرّحمن ولد فأنا أول العابدين ، أي : الجاحدين والآنفين من أن يكون له ولد ، من عبد : بكسر الباء : إذا اشتد أنفه فهو عبد وعابد ، ومنه قول الشاعر :

متى ما يشا ذو الودّ يصرم خليله

ويعبد عليه لا محالة ظالما (١)

وقول الحريري :

قال ما يجب على عابد الحقّ

قال يحلف بالإله الخلق (٢).

أي : على جاحد الحق. وقيل : هى «إن» النافية ، أي : ما كان للرحمن ولد فأنا أول من عبد الله ووحّده ، فيوقف على «ولد» على هذا التأويل.

روى : أن النّضر قال : إن الملائكة بنات الله ، فنزلت الآية ، فقال النّضر : ألا ترون أنه صدّقنى ؛ فقال الوليد : ما صدّقك ، ولكن قال : ما كان للرحمن ولدا ، فأنا أوّل الموحدين من أهل مكة أن لا ولد له (٣). وسيأتى فى الإشارة قول آخر.

قال القشيري : وفى الآية وأمثالها دليل على جواز حكاية قول المبتدعة فيما أخطأوا فيه فى الاعتقاد ، على وجه الردّ عليهم. ه. قلت : ولا تجوز مطالعة أقوالهم إلا لمن رسخت قدمه فى المعرفة ، والإعراض عنها أسلم.

ثم نزّه ذاته عن اتخاذ الولد ، فقال : (سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) أي : تنزه رب هذه العوالم العظام عن اتخاذ الولد ؛ لأن اتخاذ الولد من صفة الأجسام ، ولو كان جسما ما قدر على خلو هذه

__________________

(١) البيت للمرقش الأصغر. انظر المفضليات (٥٠٢) وروح المعاني للألوسى (٢٥ / ١٠٥).

(٢) هكذا فى الأصول ، وأظنه [الحق] ، ولم أقف على البيت فى غير هذا المكان.

(٣) ذكره النّسفى (٣ / ٢٨٣).

٢٧٢

الأجرام ، وفى إضافة اسم الرّب إلى أعظم الأجرام وأقواها ، تنبيه على أنها وما فيها من المخلوقات حيث كانت تحت ملكوت ربوبيته ؛ كيف يتوهم أن يكون شىء منها جزءا منه. وفى تكرير اسم الرّب تفخيم لشأن العرش.

(فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا) فى باطلهم (وَيَلْعَبُوا) فى [دنياهم] (١) أي : حيث لم يذعنوا لك ، ولم يرجعوا عن غيهم ، أعرض عنهم واتركهم فى لهوهم ولعبهم ، (حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) ، وهو القيامة ، فإنهم يومئذ يعلمون ما فعلوا ، وما يفعل بهم ، أو : يوم بدر ، قاله عكرمة وغيره. وهذا دليل على أن ما يقولونه إنما هو خوض ولعب لا حقيقة له.

ثم ذكر انفراده بالألوهية فى العالم العلوي والسفلى ، فقال : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) أي : وهو الذي هو معبود فى السماء وفى الأرض ، فضمّن «إله» معنى مألوه ، أي : وهو الذي يستحق أن يعبد فيهما. وقرأ عمر ، وأبى ، وابن مسعود : «وهو الذي فى السماء الله وفى الأرض الله» كقوله تعالى : (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ) (٢) ، وقد مر تحقيقه عبارة وإشارة. والرّاجع إلى الموصول : محذوف ؛ لطول الصلة ، كقولهم : ما أنا بالذي قائل لك سوءا ، والتقدير : وهو الذي هو فى السماء إله ، و «إله» : خبر عن مضمر ، ولا يصح أن يكون «إله» مبتدأ ، و «فى السماء» خبره ؛ لخلو الصلة حينئذ عن العائد (وَهُوَ الْحَكِيمُ) فى أقواله وأفعاله (الْعَلِيمُ) بما كان وما يكون ، أو : الحكيم فى إمهال العصاة ، العليم بما يؤول أمرهم إليه ، وهو كالدليل على ما قبله من التنزيه ، وانفراده بالربوبية.

(وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : تقدّس وتعاظم الذي ملك ما استقر فى السموات والأرض (وَما بَيْنَهُما) إما على الدوام ، كالهواء ، أو فى بعض الأوقات ، كالطير ، (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) أي : العلم بالساعة التي فيها تقوم ، (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) للجزاء ، والالتفات للتهديد ، فيمن قرأ بالخطاب. (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) أي : لا تملك آلهتهم التي يدعونها (مِنْ دُونِهِ) أي : من دون الله (الشَّفاعَةَ) كما زعموا أنهم شفعاؤهم عند الله (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِ) الذي هو التوحيد ، (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) بما يشهدون به عن بصيرة وإيقان وإخلاص ، وهم خواص المسلمين ، والملائكة. وجمع الضميرين باعتبار معنى (من) كما أن الإفراد أولا باعتبار لفظها. والاستثناء : إما متصل ، والموصل عام لكلّ ما يعبد من دون الله ، أو : منقطع ، على أنه خاص بالأصنام.

__________________

(١) فى الأصول [دينهم] والمثبت من النّسفى وأبى السعود.

(٢) من الآية ٣ من سورة الأنعام.

٢٧٣

الإشارة : قل يا محمد : إن كان للرحمن ولد ، على زعمكم فى عيسى والملائكة ، فأنا أولى بهذه النّسبة على تقدير صحتها ؛ لأنى أنا أول من عبد الله فى سابق الوجود ؛ لأن أول ما ظهر نورى ، فعبد الله سنين متطاولة ؛ ثم تفرعت منه الكائنات ، ومن سبق إلى الطاعة كان أولى بالتقريب ، فلم خصصتم الملائكة وعيسى بهذه النّسبة ، وأنا قد سبقتهم فى العبادة ، بل لا وجود لهم إلا من نورى ، لكن لا ولد له ، فأنا عبد الله ورسوله. قال جعفر الصادق : أول ما خلق الله نور محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل كلّ شىء ، وأول من وحّد الله عزوجل من خلقه ، درة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأول ما جرى به القلم «لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم». ه. قاله الورتجبي. ففى الآية إشارة إلى سبقيته صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأنه أول تجل من تجليات الحق ، فمن نوره انشقت أسرار الذات ، وانفلقت أنوار الصفات ، وامتدت من نوره جميع الكائنات.

قوله تعالى (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا ...) إلخ ، كل من خاض فى بحار التوحيد بغير برهان العيان ، تصدق عليه الآية ، وكذا كلّ من اشتغل بغير الله ، وبغير ما يقرب إليه ؛ فهو ممن يخوض ويلعب ، وفى الحديث : «الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله ، وما والاه ، أو عالما أو متعلما» (١).

وقوله تعالى : (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ ...) إلخ. قال القشيري : وفى الآية دليل على أن جميع المسلمين تكون شفاعتهم غدا مقبولة. ه. أي : لأنهم فى الدنيا شهدوا بالحق ، وهو التوحيد عن علم وبصيرة ، لكن فى تعميمه نظر ؛ لأن الاستثناء ، الأصل فيه الاتصال ، ولأن من شهد بالحق مستثنى من «الذين يدعون من دونه» ـ وهم الملائكة ، وعيسى ، وعزير ، فهم الذين شهدوا بالحق ممن دعوا من دون الله ، وشفاعة من عداهم مأخوذة من أدلة أخرى.

ثم ذكر إقرار المشركين بالربوبية ، فقال :

(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٨٧) وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (٨٨) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٨٩))

قالت : (قيله) : مصدر مضاف لفاعله ، يقال : قال قولا وقالا وقيلا ومقالا. واختلف فى نصبه (٢). فقيل : عطف على «سرهم» (٣) ، أي : يعلم سرهم ونجواهم وقيله ، وقيل : عطف على محل «الساعة» ، أي : يعلم الساعة ويعلم قيله ،

__________________

(١) أخرجه ابن ماجه (الزهد ، باب مثل الدنيا ٢ / ١٣٧٧ ، ح ٤١١٢) والترمذي فى (الزهد ، باب ١٤ .. ٣ / ٤٨٦ ، ح ٢٣٢٢) والبيهقي فى الشعب (١٧٠٨) من حديث أبى هريرة رضي الله عنه. وقال الترمذي : (حديث حسن) والمراد بالدنيا : كل ما يشغل عن الله تعالى ، ويبعد عنه.

(٢) قرأ الجمهور «قيله» بنصب اللام ، وضم الهاء. وقرأ عاصم وحمزة بخفض اللام وكسر الهاء.

(٣) من الآية ٨٠ ، وانظر الهداية للمهدوى (٢ / ٥١٠).

٢٧٤

ويجوز أن يكون الجر والنّصب على إضمار القسم ، وحذفه ، كقوله تعالى : (قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ) (١) وجوابه : (إِنَّ هؤُلاءِ ...) إلخ.

يقول الحق جل جلاله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) أي : المشركين ، أو : العابدين والمعبودين (مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ) لا الأصنام والملائكة (فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) ؛ فكيف يصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره ، مع كون الكل مخلوقا له تعالى.

ولما شق عليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم صرفهم عن الإيمان جعل يستغيث ربه فى شأنهم ، حرصا على إيمانهم ، ويقول : (يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ) أي : قد عالجتهم فلم ينفع فيهم شىء ، فلم يبق إلا الرّجوع إليك ، إما إن تهديهم ، أو تهلكهم ، فأخبر تعالى أنه يسمع سرهم ونجواهم ، وقوله عليه‌السلام فى شأنهم ، قال له تعالى : (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ) أي : أعرض عنهم وأمهلهم ، (وَقُلْ سَلامٌ) أي : أمرى تسلّم منكم ومتاركة ، حتى نأمرك بجهادهم ، (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ) أي : أعرض عنهم وأمهلهم ، (وَقُلْ سَلامٌ) أي : أمرى تسلّم منكم ومتاركة ، حتى نأمرك بجهادهم ، (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) حالهم قطعا ، وإن تأخر ذلك. وهو وعيد من الله تعالى ، وتسلية لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو : فسوف يعلمون حقيقة ما أنكروا من رسالتك. ومن قرأ بالخطاب (٢) ، فهو داخل فى حيز «قل» ، من جملة ما يقال لهم.

الإشارة : العجب كلّ العجب أن يعلم العبد أنه لا خالق له سوى ربه ، ولا محسن له غيره ، وهو يميل بالمحبة أو الركون إلى غيره ، وفى الحكم : «والعجب كلّ العجب ممن يهرب مما لا انفكاك له عنه ، ويطلب ما لا بقاء له معه ، فإنها لا تعمى الأبصار ، ولكن تعمى القلوب التي فى الصدور.» ويقال لمن دعا إلى الله فلم ينجح دعاؤه : (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ ...) الآية.

وبالله التوفيق .. وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.

__________________

(١) الآية ٨٤ من سورة ص.

(٢) قرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر ، بالخطاب على الالتفات ، والباقون بالغيب. انظر : الاتحاف / ٤٦١.

٢٧٥
٢٧٦

سورة الدّخان

مكية. وهى سبع وخمسون آية. ومناسبتها لما قبلها قوله : (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) على الاحتمال الثاني (١) ، أي : سوف تعلمون حقيقة ما أنزلنا على محمد ، ثم أقسم أنه أنزل فى ليلة مباركة ، أو لقوله : (إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ) (٢) أي : بما أنزلت إلىّ ، فأقسم الله تعالى أنه أنزله من عنده ، أو يرجع لقوله : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) (٣) والحديث شجون ، يجر بعضه بعضا.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (٣) فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤) أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٥) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦) رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٧) لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٨) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (٩))

يقول الحق جل جلاله : (حم) ؛ يا محمد (وَ) حق (الْكِتابِ الْمُبِينِ) ، الواضح البيّن ، وجواب القسم : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) أي : الكتاب الذي هو القرآن (فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) ، ليلة القدر ، أو ليلة النّصف من شعبان ، والجمهور على الأول ، لقوله : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (٤) وقوله : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) (٥) ، وليلة القدر على المشهور فى شهر رمضان ، وسيأتى الجمع بينهما. ثم قيل : أنزله جملة من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا ، ثم نزل به جبريل نجوما ، على حسب الوقائع ، فى ثلاث وعشرين سنة ، وقيل : معنى نزوله فيها : ابتداء نزوله.

__________________

(١) راجع تفسير الآية الأخيرة من سورة الزخرف.

(٢) الآية ٨٨ من سورة الزخرف.

(٣) الآية ٤٤ من سورة الزخرف.

(٤) الآية الأولى من سورة القدر.

(٥) من الآية ١٨٥ من سورة البقرة.

٢٧٧

والمباركة : الكثيرة الخير ؛ لما ينزل فيها من الخير والبركة ، والمنافع الدينية والدنيوية ، ولو لم يوجد فيها إلا إنزال القرآن لكفى به بركة.

(إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) ؛ استئناف مبين لما يقتضى الإنزال ، كأنه قيل : إنا أنزلناه لأن من شأننا الإنذار والتحذير من العقاب ، (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) ؛ استئناف أيضا مبين لسر تخصيص هذه الليلة بالإنزال ، أي : إنما أنزلناه فى هذه الليلة المباركة ، لأنها فيها يفرق كلّ أمر حكيم ، أي : ذى حكمة بالغة ، ومعنى «يفرق» : يفصل ويكتب كلّ أمر من أرزاق العباد وآجالهم وجميع أمورهم ، من هذه الليلة إلى ليلة القدر المستقبلة ، وقيل : الضمير فى «فيها» يرجع لليلة النّصف ، على الخلاف المتقدم.

وروى أبو الشيخ ، بسند صحيح ، عن ابن عباس رضي الله عنه فى قوله : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) قال : «ليلة النصف من شعبان ، يدبر أمر السنة ، فيمحو ما يشاء ويثبت غيره ؛ الشقاوة والسعادة ، والموت والحياة». قال السيوطي : سنده صحيح لا غبار عليه ولا مطعن فيه. ه. وروى عن ابن عباس : قال : إن الله يقضى الأقضية كلها ليلة النّصف من شعبان ، ويسلمها إلى أربابها ليلة القدر. وفى رواية : ليلة السابع والعشرين من رمضان ، قيل : وبذلك يرتفع الخلاف أن الأمر يبتدأ فى ليلة النّصف من شعبان ، ويكمل فى ليلة السابع والعشرين من رمضان (١). والله أعلم.

وقوله تعالى : (حَكِيمٍ) الحكيم : ذو الحكمة ، وذلك أن تخصيص الله كلّ أحد بحالة معينة من الرّزق والأجل ، والسعادة والشقاوة ، فى هذه الليلة ، يدلّ على حكمة بالغة ؛ فأسند إلى الليلة لكونها ظرفا ، إسنادا مجازيا. وقوله : (أَمْراً مِنْ عِنْدِنا) : منصوب على الاختصاص ، أي : أعنى بهذا الأمر أمرا حاصلا من عندنا ، على مقتضى حكمتنا ، وهو بيان لفخامته الإضافية ، بعد بيان فخامته الذاتية ، ويجوز أن يكون حالا من كلّ أمر ؛ لتخصيصه بالوصف ، (إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) ؛ بدل من «إنا كنا منذرين».

و (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) : مفعول له ، أي : أنزلنا القرآن ؛ لأن من عادتنا إرسال الرّسل بالكتب ؛ لأجل إفاضة رحمتنا. ووضع الرّب موضع الضمير ، والأصل : رحمة منا ؛ للإيذان بأن ذلك من أحكام الرّبوبية ومقتضياتها ، وإضافته إلى ضميره صلى‌الله‌عليه‌وسلم لتشريفه وفخامته.

__________________

(١) على هامش النّسخة الأم مايلى : كيف يرتفع ، والله تعالى يقول فيها ـ أي : الليلة المباركة «يفرق كلّ أمر حكيم» وهى ليلة القدر؟ على أنه : أي إشكال لكلام الله تعالى مع كلام غيره ، والمرفوع بذلك ضعيف أيضا ، فلا إشكال من كلّ جهة ، والله الحمد. ه.

٢٧٨

وقال الطيبي : هذه الجمل كلها واردة على التعليل المتداخل ؛ فكأنه لما قيل : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) قيل : فلم أنزل؟ فأجيب : لأن من شأننا التحذير والعقاب ، فقيل : لم خص الإنزال فى هذه الليلة؟ فقيل : لأنه من الأمور المحكمة ، ومن شأن هذه الليلة أن يفرق فيها كلّ أمر حكيم ، فقيل : لم كان من الأمور المحكمة؟ فأجيب : لأن ذا الجلال والإكرام أراد إرسال الرّحمة للعالمين ، ومن حق المنزل عليه أن يكون حكيما ، لكونه للعالمين نذيرا ، أو (داعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ ....) الآية ، فقيل : لما ذا رحمهم الرّب بذلك؟ فأجيب : لأنه وحده سميع عليم ، يعلم جريان أحوال عباده ، ويعلم ما يحتاجون إليه دنيا وأخرى. ه. وهذا معنى قوله : (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) لأقوالهم وحده ، (الْعَلِيمُ) بأحوالهم.

(رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) ، من جرّه (١) بدل من «ربك» ، ومن رفعه خبر عن مضمر ، أي : هو رب العوالم العلوية والسفلية ، وما بينها ، (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) أي : من أهل الإيقان ، ومعنى الشرط : أنهم كانوا يقرون بأن للسموات والأرض ربا وخالقا ، فإن كان إقرارهم عن علم وإيقان فهو الذي أنزل الكتاب وأرسل الرّسل رحمة منه ، وإن كانوا مذبذبين فليعلموا ذلك.

(لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ، من قصر إفراد لا قصر قلب (٢) ؛ لأن المشركين كانوا يثبتون الألوهية لله ـ تعالى ـ ويشركون معه غيره ، فردّ الله عليهم بكونه لا يستحق العبادة غيره ، (يُحْيِي وَيُمِيتُ) ، ثم يبعث للجزاء ، (رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) أي : هو رب الجميع ، ثم ردّ أن يكونوا موقنين بقوله : (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ) ، وإقرارهم غير صادر عن علم وإيقان ، بل قول مخلوط بهزؤ ولعب. والله تعالى أعلم.

الإشارة : (حم) ، قال الورتجبي : الحاء : الوحى الخاص إلى محمد ، والميم : محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذلك الوحى الخاص بلا واسطة خبر عن سر فى سر ، لا يطلع على ذلك ـ الذي بين المحب والمحبوب ـ أحد من خلق الله ، ألا ترى كيف قال سبحانه : (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) (٣)؟ وذلك إشارة إلى وحي السر فى السر ، وجملتها قسم ، أي : بمعنى الوحى السرى والمحبوب ، والقرآن الظاهر الذي ينبئ عن الأسرار ، إنا أنزلناه. ه. قال القشيري : الحاء تشير إلى حقّه ، والميم إلى محبته ، ومعناه : بحقي ومحبتى لعبادى ، وكتابى العزيز إليهم ، ألا أعذّب أهل محبتى بفرقتى. ه.

__________________

(١) قرأ عاصم وحمزة والكسائي وخلف «رب» بخفض الباء ، بدل من (ربك) أو صفة ، وقرأ الباقون بالرفع ، على إضمار مبتدأ ، أو مبتدأ ، خبره : (لا إله إلا هو). انظر : الإتحاف (١ / ٤٦٢).

(٢) القصر عند أهل البيان : تخصيص شىء بآخر ، ويسمّى الأول مقصورا والثاني مقصورا عليه ، كقولك : ما زيد إلا شاعر ، فإن كان المخاطب يعتقد أنه شاعر وعالم معا ، قيل له : قصر إفراد ، وإن كان يعتقد أنه عالم لا شاعر ، قيل له : قصر قلب ، وإن كان يتردد بين كونه عالما أو شاعرا قيل له : قصر تعيين. انظر محيط المحيط (ص ٧٣٨).

(٣) الآية ١٠ من سورة النّجم

٢٧٩

والليلة المباركة عند القوم ، هى ليلة الوصال والاتصال ، حين يمتحى وجودهم ، ويتحقق فناؤهم ، وكلّ وقت يجدون فيه قلوبهم ، ويفقدون وجودهم ؛ فهو مبارك ، وهو ليلة القدر عندهم ، فإذا دام اتصالهم ، كانت أوقاتهم كلها ليلة القدر ، وكلها مباركة. قال الورتجبي : قوله تعالى : (فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) كانت مباركة لتجلى الحق فيها بالأقضية ، والرّحمة غالبة فيها ، ومن جملتها : إنزال القرآن فيها ؛ فإنه افتتاح وصلة لأهل القربة. ه.

قال القشيري : وسمّاها ليلة مباركة ؛ لأنها ليلة افتتاح الوصلة ، وأشدّ الليالى بركة ، ليلة يكون العبد فيها حاضرا بقلبه ، مشاهدا لربه ، يتنسم (١) بأنوار الوصلة ، ويجد فيها نسيم القربة ، وأحوال هذه الطائفة فى لياليهم مختلفة ، كما قالوا ، وأنشدوا :

لا أظلم الليل ولا ادّعى

أنّ نجوم الليل ليست تغور

ليلى كما شاء فإن لم يزر

طال ، وإن زار فليلى قصير. ه. (٢)

أي : ليلى كما شاء المحبوب ، فإن لم يزرنى طال ليلى ، وإن زارنى قصر. والحاصل : أن أوقات الجمال والبسط كلها قصيرة ، وأوقات الجلال كلها طويلة ، وقوله تعالى : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) أي : فى ليلة الوصال تفرق وتبرز الحكم والمواهب القدسية ، بلا واسطة ، بل أمرا من عندنا ، والغالب أن هذه الحالة لا تكون إلا عند الحيرة والشدة من الفاقة أو غيرها ، وكان بعض العارفين من أشياخنا يستعدون فيها لكتب المواهب ، ويسمونها ليلة القدر.

وقوله تعالى : (إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ، رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) هو الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أنا الرّحمة المهداة» (٣) ، فرحمة مفعول به ، (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). قال القشيري : السميع لأنين المشتاقين ، العليم بحنين المحبين. ه. (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي : لا يستحق أن يتأله ويعشق إلا هو ، (يُحْيِي وَيُمِيتُ) ؛ يحيى قلوب قوم بمعرفته ومحبته ، ويميت قلوبا بالجهل والبعد ، يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد. ثم وصف أهل الجهل والبعد بقوله : (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ) ، وأما أهل المعرفة والقرب فهم فى حضرة محبوبهم يتنعمون ، ومن روح وصاله يتنسمون. قال القشيري : واللعب يجرى على غير ترتيب ، تشبيها باللعاب الذي يسيل لا على نظام مخصوص ، ووصف الكافر باللعب لتردده وشكّه وتحيّره فى عقيدته. ه.

__________________

(١) فى القشيري : يتنعم.

(٢) فى القشيري :

لا أظلم الليل ولا أدعى

أن نجوم الليل ليست تزول

ليلى كما شاءت قصير إنا

جاءت ، وإن ضنت فليلى طويل

ونسب البيتان فى زهرة الآداب (٣ / ٨٤) إلى علىّ بن خليل.

(٣) أخرجه البراز (٢ / ٢١٧) والطبراني فى الصغير (١ / ٩٥) والحاكم (١ / ٣٥) «وصححه» والقضاعي (١ / ١٨٩ ـ ١٩٠) عن أبى صالح عن أبى هريرة. وأخرجه عن أبى صالح مرسلا ، الدارمي فى (المقدمة ، باب كيف كان أول شأن النّبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ح ١٥) والبيهقي فى الشعب (ح ١٤٤٦) والحديث صحّحه الألبانى فى تخريج المشكاة (٣ / ١٦١٥).

٢٨٠