البحر المديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٥

أحمد بن محمد بن عجيبة

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٥

المؤلف:

أحمد بن محمد بن عجيبة


المحقق: أحمد عبدالله القرشي رسلان
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٩

لا يُخْرَجُونَ مِنْها) أي : من النّار ، والالتفات إلى الغيبة للإيذان بإسقاطهم عن رتبة الخطاب ، استهانة بهم. وقرأ الأخوان بالخطاب (١). (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) أي : لا يطلب منهم أن يعتبوا ربهم ، أي : يرضوه بعمل صالح ؛ لفوات إبانه ، وإن طلبوا الرّجوع لم يقبل منهم.

(فَلِلَّهِ الْحَمْدُ) خاصة ، (رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، فلا يستحق الحمد أحد سواه ، أي : فاحمدوا الله الذي هو ربكم ورب كلّ شىء ، فإن مثل هذه الرّبوبية العامة ، توجب الحمد والثناء على كلّ مربوب ، وتكرير الرّب للتأكيد والإيذان بأن ربوبيته تعالى لكلّ منهما بطريق الأصالة. (وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : وكبّروه ، فقد ظهرت آثار كبريائه وعظمته فى السموات والأرض ، وإظهارهما فى موضع الإضمار لتفخيم شأن الكبرياء ، (وَهُوَ الْعَزِيزُ) الذي لا يغلب ، (الْحَكِيمُ) فى كلّ ما قضى وقدّر ، فاحمدوه وكبّروه ، وأطيعوه ، فصاحب هذه الصفات العظام مستحق لذلك.

الإشارة : وقيل اليوم ننساكم من شهود قربى ، كما نسيتم لقاء يومكم هذا ، فلو ذكرتمونى على الدوام لقربتكم على الدوام ، ولو ذكرتمونى على الانفراد لأشهدتكم ذاتى على التماد ، ولكنكم اتخذتم آيات الله الدالة على وجودى من الكائنات ، والدالة على شهودى من الأولياء ، هزوا ، وغرتكم الحياة الدنيا ، فاليوم لا يخرجون من غم الحجاب ، ولا يمنعون من انسداله ، ولا هم يرضون ربهم ، فيرضى عنهم ، فلله الحمد على غناه عن الكل ، وله الكبرياء فى السموات والأرض ، أي : رداء الكبرياء منشور على أسرار ذاته فى السموات والأرض ، وهو ما ظهر من حسها ، كما هو منشور على وجهه فى جنة عدن ، كما فى الحديث.

وقال الورتجبي : نفى الحق الكبرياء عن الحدثان ؛ لأنه هو المستحق للكبرياء ، وكبرياؤه ظاهر فى كلّ ذرة ، من العرش إلى الثرى ، إذ هى كلها مستغرقة مقهورة فى أنوار كبريائه ، يعز بعزه الأولياء ، ويقهر بقهره الأعداء ، حكيم فى إبداع الخلق وإلزامهم عبوديته ، التي هى شرائعه المحكمة بحكمه ، وقال سهل رضي الله عنه : وله الكبرياء : العلو والقدرة والعظمة ، والحول والقوة فى جميع الملك ، فمن اعتصم به أيّده بحوله وقوته ، ومن اعتمد على نفسه وكله الله إليها. ه. وبالله التوفيق ، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

__________________

(١) قرأ حمزة والكسائي : «لا تخرجون» بفتح الياء وضم الرّاء. وقرأ الآخرون بضم الياء وفتح الرّاء. انظر الإتحاف (٢ / ٤٦٨).

٣٢١
٣٢٢

سورة الأحقاف

مكية : وقيل : إلا قوله : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ) (١) الآية ، وقوله : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) (٢). وهى خمس وثلاثون آية. ومناسبتها لما قبلها : قوله : (ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللهِ هُزُواً) (٣) أي : حيث قلتم : إن محمدا اختلقها ، مع قوله : (تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ) ، فهى رد عليهم.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (٣))

يقول الحق جل جلاله : (حم) ؛ يا محمد ، أو : الوحى إلى محمد ، (تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ) أي : هذا تنزيل القرآن ، وهو من الله (الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) ، فمن حفظه ، وعرف ما فيه ، وعمل بمضمنه كان عزيزا على الله ، حكيما فيما يبدئ ويعيد. (ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما) من المخلوقات (إِلَّا بِالْحَقِ) أي : إلا ملتبسا بالحق الذي تقتضيه الحكمة التكوينية والتشريعية ، فالاستثناء مفرغ من أعم المفاعيل ، أو من أعم الأحوال ، أي : ما خلقناهما فى حال من الأحوال إلا حال ملابستنا بالحق ، وفيه من الدلالة على وجود الصانع ، وصفات كماله ، وابتناء أفعاله على حكمة بالغة ، ما لا يخفى ، (وَأَجَلٍ مُسَمًّى) تنتهى إليه ، وهو يوم القيامة ، يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات. (وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا) به من هول ذلك اليوم ، الذي لا بد لكل مخلوق من الانتهاء إليه ، (مُعْرِضُونَ) ؛ لا يؤمنون به ، ولا يهتمون بالاستعداد له ، ويجوز أن تكون «ما» مصدرية ، أي : عن إنذارهم ذلك اليوم معرضون.

وحاصل افتتاح السورة : أنّ الوحى الخاص إلى محمد هو منزل من الله العزيز ، الذي عزّ عن الافتراء عليه ، وأعزّ بالوحى من تمسك به ، الحكيم فى تنزيله وحيه ، مرشدا لعباده لما فيه صلاحهم وهداهم ، ومن حكمته : أنّ

__________________

(١) الآية ١٠ من السورة.

(٢) الآية الأخيرة.

(٣) من الآية ٣٥ من سورة الجاثية.

٣٢٣

خلق السموات والأرض دالا بذلك على توحيده ، وكماله فى أوصافه وتدابيره ، المقتضية لترتب دار الجزاء على دار العمل ، بحيث لا يسوّى بين مبطل ومحق ، فأرشد بخلق الأشياء إلى حكمته دلالة ، ثم بإنزال الوحى بذلك قالة ، ومع وضوح الأمر فى دلالتهما أعرض الذين كفروا من غير دليل عقلى ولا نقلى متواتر ولا آحاد ، على أنّ ما اقتضاه الوحى إلى محمد من التوحيد ، والجزاء المرتب على الإخلاص له ، والصدق فى عبودية الله ، والدعاء إلى محاسن الأخلاق ، مما اجتمعت عليه الرّسل قبله ، فليس بمبدع من عنده. ه. من الحاشية.

الإشارة : (حم) يا حبيب ممجد ، قد مجدناك بإنزال كتابتا ، وعززناك برسالتنا ، ما خلقنا الكائنات إلا ملتبسة بأسرار الحق ، وأهل الغفلة معرضون عن هذا.

قال القشيري : حميت قلوب أهل عنايتى ، فصرفت عنها خواطر التجويز ، ورميتها فى مشاهد اليقين بنور التحقيق ، فيها شواهد برهانهم ، أي : برهان العيان ـ فأضفنا إليها لطائف إحساننا ، فكملت منالها من عين الوصلة. وغديناهم بنسيم الأنس فى ساحات القربة. (العزيز) المعز للمؤمنين بإنزال الكتب ، (الحكيم) لكتابه عن التبديل والتحويل. ه. وخواطر التجويز هى خواطر الشك فى المقدور ، يجوز الوقوع وعدمه بسبب ضعف اليقين ، فإذا انتفى عن القلب خواطر التجويز ، دخله السكون والطمأنية ، وارتاح فى ظل برد الرّضا والتسليم. والله تعالى أعلم.

ثم وبّخهم على الشرك بعد ظهور بطلانه ، فقال :

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ (٥) وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ (٦))

يقول الحق جل جلاله : (قُلْ) يا محمد ، توبيخا وتبكيتا لهم : (أَرَأَيْتُمْ) ؛ أخبرونى (ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) ، ما تعبدون من الأصنام من دون الله ، (أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) ؛ أىّ شىء خلقوا فى الأرض إن كانوا آلهة؟ (أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ) أي : أم لهم شركة مع الله فى خلق السموات ، حتى يتوهم

٣٢٤

أن تكون لهم شائبة استحقاق للعبادة؟ فإنّ من لا مدخل له فى شىء من الأشياء ، بوجه من الوجوه ، بمعزل من ذلك الاستحقاق بأسره ، وإن كان من الأحياء العقلاء ، فما ظنك بالجماد؟ (ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا) أي : من قبل القرآن ، يعنى : أن هذا الكتاب ناطق بالتوحيد ، وإبطال الشرك ، وما من كتاب أنزل من قبله من كتب الله إلا وهو ناطق بمثل ذلك ، فأتوا بكتاب واحد منزل من قبله ، شاهد بصحة ما أنتم عليه من عبادة غير الله ، (أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) ؛ أو بقية من علم بقيت عندكم من علوم الأقدمين ، شاهدة باستحقاق الأصنام للعبادة ، (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فى أن الله أمركم بعبادة الأوثان ، فإن الدعوى لا تصح ما لم يقم عليها برهان عقلى ، ولا سلطان نقلى ، وحيث لم يقم عليها شىء ، بل قامت على خلافها أدلة العقل والنّقل تبين بطلانها.

(وَمَنْ أَضَلُ) أي : لا أحد أشد ضلالا (مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) ، غاية لنفى الإجابة ، (وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ) ، لأنهم جمادات لا يسمعون.

(وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ) عند قيام الساعة (كانُوا لَهُمْ أَعْداءً) أي : الأصنام لعبدتها ، (وَكانُوا) أي : الأصنام (بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ) ، جاحدين ، يقولون : ما دعوناهم إلى عبادتنا ، والحاصل : أنهم فى الدنيا لا ينفعونهم ، وفى الآخرة يتبرءون منهم ، ويكونون عليهم ضدا ، ولمّا أسند إليهم ما يسند إلى العقلاء من الاستجابة والغفلة ؛ عبّر عنهم ب «من» و «هم» ، ووصفهم بترك الاستجابة تهكما بها وبعبدتها. والله تعالى أعلم.

الإشارة : يقال لأهل الغفلة : أرأيتم ما تركنون إليه من الخلق ، هل لهم قوة على نفعكم أو ضركم؟ (أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ...) الآية. فلا أحد أضل ممن يرجو الضعيف مثله ، الذي لا يستجيب له إلى يوم القيامة ، وهو غافل عن إجابته فى الحال والمآل ، وإذا أحبه على هوى الدنيا صارت يوم القيامة عدواة ومقتا.

ثم ذكر كفرهم بالتنزيل المتقدم ، فقال :

(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٨))

٣٢٥

يقول الحق جل جلاله : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ) ، واضحات ، أو : مبينات ، جمع بيّنة ، وهى الحجة والشاهد ، (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِ) أي : لأجله وفى شأنه ، والمراد بالحق : الآيات المتلوة ، وبالذين كفروا : المتلوّ عليهم ، فوضع الظاهر موضع الضمير للتسجيل عليهم بالكفر والمتلو بالحق ، والأصل : قالوا فى شأن الآيات ، التي هى حق (لَمَّا جاءَهُمْ) أي : بادهوا الحق بالجحود ساعة أتاهم ، وأول ما سمعوه ، من غير إجالة فكر ولا إعادة نظر : (هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) ؛ ظاهر كونه سحر.

(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) ، إضراب وانتقال من حكاية شناعتهم السابقة ـ وهى تسميتهم الآيات سحرا ، إلى حكاية ما هو أشنع منها ، وهو كون الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم (افْتَراهُ) أي : اختلقه ، وأضافه إلى الله كذبا ، والضمير للحق ، والمراد به الآيات. (قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً) أي : إن افتريته على سبيل الفرض لعاجلنى الله بعقوبة الافتراء ، فلا تقدرون على كفه عن معاجلتى ، ولا تملكون لى شيئا من دفعه ، فكيف أفتريه وأتعرض لعقابه الذي لا مناص منه؟! (هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ) من القدح فى وحي الله ـ تعالى ـ والطعن فى آياته ، وتسميته سحرا تارة وفرية أخرى. (كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) حيث يشهد لى بالصدق والبلاغ ، وعليكم بالكذب والجحود ، وهو وعيد بجزاء إفاضتهم ، (وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) لمن تاب وآمن ، وهو وعد لمن آمن بالمغفرة والرّحمة ، وترغيب فى الإسلام.

الإشارة : رمى أهل الخصوصية بالسحر عادة مستمرة ، وسنّة ماضية ، ولقد سمعنا هذا فينا وفى أشياخنا مرارا ، فيقول أهل الخصوصية : إن افترينا على الله كذبا عاجلنا بالعقوبة ، (فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً ...) الآية.

ثم أمر نبيه بالجواب عما رموه به ، فقال :

(قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠))

يقول الحق جل جلاله : (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً) أي : بديعا ، كخف وخفيف ، ونصب ونصيب ، فالبدع والبديع من الأشياء : ما لم يتقدم مثله ، أي : لست بأول مرسل فتنكر نبوتى ، بل تقدمت الرّسل قبلى ، واقترحت عليهم المعجزات ، فلم يقدروا على الإتيان بشىء إلا ما أظهره الله على أيديهم ، فى الوقت الذي يريد. قيل : كانت

٣٢٦

قريش تقترح على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم آيات تظهر لهم ، ويسألونه عن الغيبيات ، عنادا ومكابرة ، فأمر صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأن يقول لهم : ما كنت بدعا من الرّسل ، قادرا على ما لم يقدروا عليه ، حتى آتيكم بكلّ ما تقترحونه ، وأخبركم بكلّ ما تسألون عنه من الغيوب ، فإنّ من قبلى من الرّسل ـ عليهم‌السلام ـ ما كانوا يأتون إلا بما آتاهم الله ـ تعالى ـ من الآيات ، ولا يخبرون إلا بما أوحى إليهم ، (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) أي : لا أدرى ما يصيبنا فيما يستقبل من الزمان من أفعاله تعالى ، وما ذا يبرز لنا من قضاياه. وعن الحسن : ما أدرى ما يصير إليه أمرى وأمركم فى الدنيا. وعن ابن عباس رضي الله عنه : ما يفعل بي ولا بكم فى الآخرة.

وقال : إنه منسوخ بقوله : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ). (١) قال شيخ شيوخنا الفاسى : وهو بعيد ، ولا يصح النّسخ ؛ لأنه لا يكون فى الأخبار ، ولأنه لم يزل يعلم أن المؤمن فى الجنة ، والكافر فى النّار ، من أول ما بعثه الله ، لكن محمل قول ابن عباس وغيره على أنه لم تكشف له الخاتمة ، فقال : لا أدرى ، وأما من وافى على الإيمان ، فقد أعلم بنجاته من أول الرّسالة ، وإلا فكان للكفار أن يقولوا : وكيف تدعونا إلى ما لا تدرى له عاقبة؟ قاله ابن عطية. ه. وقال أبو السعود : والأوفق بما ذكر من سبب النّزول : أن «ما» عبارة عما علمه ليس من وظائف النبوة ، من الحوادث الواقعات الدنيوية ، دون ما سيقع فى الآخرة ، فإنّ العلم بذلك من وظائف النّبوة ، وقد ورد به الوحى ، الناطق بتفاصيل الفعل بالجانبين. هذا ، وقد روى عن الكلبي : «أن أصحاب النّبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالو له صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد ضجروا من إذاية المشركين : متى نكون على هذا؟ فقال : (ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) أأترك بمكة أو أومر بالخروج إلى أرض ذات نخيل وشجر ، قد رفعت إلىّ ورأيتها. ه. (٢). وسيأتى فى الإشارة تحقيق المسألة ـ إن شاء الله تعالى.

ثم قال : (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) أي : ما أفعل إلا الاتباع ، على معنى : قصر أفعاله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على اتباع الوحى ، لا قصر اتباعه على الوحى ، كما هو المتبادر ، وهو جواب عن اقتراحهم الإخبار بالغيوب ، أو عن استعجال المسلمين أن يتخلصوا من إذاية المشركين ، والأول هو الأوفق بقوله : (وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) أنذركم عقاب الله ـ تعالى ـ حسبما يوحى إلىّ من الإنذار بالمعجزات الباهرة.

__________________

(١) الآية الثانية من سورة الفتح.

(٢) ذكر الواحدي فى أسباب النّزول (ص ٣٩٥) عن الكلبي ، عن أبى صالح ، عن سيدنا ابن عباس : لمّا اشتد البلاء بأصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، رأى فى المنام أنه يهاجر إلى أرض ذات نخل وشجر وماء ، فقصّها على أصحابه ، فاستبشروا بذلك ، ورأوا فيها فرجا مما هم فيه من أذى المشركين ، ثم إنهم مكثوا برهة لا يرون ذلك ، فقالوا : يا رسول الله! متى نهاجر إلى الأرض التي رأيت؟ فسكت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأنزل الله تعالى : (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ).

ومعلوم أن الكلبي لم يسمع من أبى صالح ، وأبا صالح لم يسمع ابن عباس رضي الله عنه.

٣٢٧

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ) ما يوحى إلىّ من القرآن (مِنْ عِنْدِ اللهِ) لا بسحر ولا مفترى ، كما تزعمون (وَ) قد (كَفَرْتُمْ بِهِ ، وَشَهِدَ شاهِدٌ) عظيم (مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) الواقفين على شئون الله وأسرار الوحى ، بما أتوا من التوراة. والشاهد : عبد الله بن سلام ، عند الجمهور ، ولهذا قيل : إن الآية مدنية ، لأن إسلام «عبد الله بن سلام» بالمدينة. قلت : لمّا علم الله ما يكون من ابن سلام من الإسلام أخبر به قبل وقوعه ، وجعل شهادته المستقبلة كالواقعة ، فالآية مكية.

وقوله : (عَلى مِثْلِهِ) أي : مثل القرآن من المعاني المنطوية فى التوراة ، المطابقة لما فى القرآن من الوعد والوعيد وغير ذلك ، فإنّ ما فيه عين ما فيها فى الحقيقة ، كايعرب عنه قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) (١) والمثلية باعتبار كونه من عند الله. وقيل : المثل : صلة.

(فَآمَنَ) ذلك الشاهد لمّا تحقق برسالته. روى أنه لما قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نظر إلى وجهه ، فعلم أنه ليس بوجه كذاب ، وقال له : إنى سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبىّ : ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة؟ وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أما أول أشراط الساعة ؛ فنار تحشر النّاس من المشرق إلى المغرب ، وأول طعام يأكله أهل الجنة ؛ فزيادة كبد الحوت ، وأما الولد ؛ فإذا سبق ماء الرّجل نزعه ، وإن سبق ماء المرأة نزعته ، فقال : أشهد أنك رسول الله حقا ، فأسلم (٢).

(وَاسْتَكْبَرْتُمْ) عن الإيمان به ، وجواب الشرط محذوف ، والمعنى : أخبرونى إن كان من عند الله ، وشهد بذلك أعلم بنى إسرائيل ، فآمن به من غير تلعثم ، واستكبرتم عن الإيمان به بعد هذه البينة ، فمن أضل منكم؟ بدليل قوله تعالى : (أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ ...) الآية (٣) أو : إن كان القرآن من عند الله وكفرتم به ألستم ظالمين؟ ويدل عليه قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ، والتقديران صحيحان ، لأن عدم الهداية مستلزم الضلال ، ووصفهم بالظلم للإشعار بعلة الحكم ، فإن تركه ـ تعالى ـ لهدايتهم إنما هو لظلمهم. وقال الواحدي : معنى : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) : إن الله جعل جزاء المعاندين للإيمان بعد الوضوح والبيان أن يمدهم فى ضلالتهم ، ويحرمهم الهداية. ه.

__________________

(١) الآية ١٩٦ من سورة الشعراء

(٢) أخرجه البخاري فى (تفسير سورة البقرة ، باب من كان عدوا لجبريل ح ٤٤٨٠) مطولا ، عن أنس رضي الله عنه ، وكذا أخرجه أحمد فى المسند (٣ / ١٠٨) والبيهقي فى الدلائل (٢ / ٥٢٨ ـ ٥٢٩).

(٣) الآية ٥٢ من سورة فصلت

٣٢٨

الإشارة : قل ما كنت بدعا من الرّسل ، وكذلك الولىّ يقول : ما كنت بدعا من الأولياء ، مع العصمة والحفظ وصريح الوعد بالنجاة ، لا تساع معرفتهم وعلمهم بالله ؛ لأنهم لا يقفون مع وعد ولا وعيد ؛ لأن غيب المشيئة لا يعلم حقيقته إلا الله ، وقد يكون الوعد معلقا بشروط أخفاها الله عنهم ، ليتحقق اختصاصه بحقيقة العلم ، وفى الحديث : «لا تأمن مكرى وإن أمّنتك» ، ولذلك كان العارف لا يزول اضطراره ، ولا يكون مع غير الله قراره ، وعلى ذلك الششترى فى نونيته ، حيث قال :

وأي وصال فى القضيّة يدّعى

وأكمل من الخلق لم يدّع الأمنا؟

هذا ، وقد قال تعالى فى حق رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) (١) وقال : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) (٢) ، ومع ذلك كله لم يقف مع ظاهر الوعد ، لغيب المشيئة ، فقال فى حديث ابن مظعون : «والله لا أدرى ـ وأنا رسول ـ ما يفعل بي» وحديث ابن مظعون بالمدينة بعد الهجرة (٣) ، فتبيّن أنّ الأمن الحقيقي لا يحصل لأحد قبل الختام ، وإن كان الغالب والطرف الرّاجح أن من وعد بخير أو بشّر به ينجز له بفضل الله وكرمه ، والكريم إذا وعد لا يخلف ، لكن المشيئة وقهرية الرّبوبية لا تزال فوق رأس العبد حتى يلقاه. والله تعالى أعلم.

قال القشيري : وفى الآية دليل على فساد قول أهل البدع ، حيث لم يجوزوا إيلام البريء عقلا ؛ لأنه لو لم يجز ذلك لكان يقول : أعلم قطعا أنى معصوم ، فلا محالة يغفر لى ، ولكنه قال هذا ليعلم أن الأمر أمره ، والحكم حكمه ، له أن يفعل بعباده ما يريد. ه.

وقال الورتجبي : لا أدرى أين استغرق فى بحار وصال جماله الأبدى ، وهناك لججات تغيب فى ذرة منها جميع الأرواح العاشقة ، والأسرار الوالهة ، والقلوب الحائرة. ه. والحاصل : أنه لا يدرى نهاية مناله من الله ، لنفى الغاية فى حقه تعالى والنّهاية ، وهو صريح استبعاد الششترى دعوى الوصال ، والله أعلم. ه من الحاشية.

__________________

(١) الآيتان : ٤ ـ ٥ سورة الضحى

(٢) الآية الثانية من سورة الفتح.

(٣) حديث عثمان بن مظعون ـ رضي الله عنه ـ أخرجه البخاري فى (الجنائز ، باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج فى أكفانه ، ح ١٢٤٣) ولفظه : عن خارجة بن زيد بن ثابت : أن أم العلاء ـ امرأة من الأنصار ، بايعت النّبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أخبرته أنه اقتسم المهاجرون قرعة فطار لنا عثمان بن مظعون فأنزلناه فى أبياتنا ، فوجع وجعه الذي توفى فيه ، فلما توفى وغسّل ، وكفن فى أثوابه ، دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقلت : رحمة الله عليك أبا السائب ، فشهادتى عليك لقد أكرمك الله ، فقال النّبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وما يدريك أن الله قد أكرمه؟» فقلت : بأبى أنت يا رسول الله ، فمن يكرمه الله؟ فقال : «أما هو فقد جاءه اليقين ، والله إنى لأرجو له الخير ، والله ما أدرى ، وأنا رسول الله ، ما يفعل بي ، فو الله لا أزكى أحدا بعده أبدا.

٣٢٩

ثم حكى مقالة أخرى للكفار من مقالاتهم الباطلة ، فقال :

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (١١) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ (١٢))

يقول الحق جل جلاله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا) أي : لأجلهم ، وهو كلام كفار مكة ، قالوا : إنّ عامة من يتبع محمد السّقاط ، يعنون الفقراء ، كعمار وصهيب وبلال وابن مسعود ـ رضي الله عنهم ـ قالوا : (لَوْ كانَ) ما جاء به محمد من القرآن والدين (خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ) ، فإن معالى الأمور لا تنالها أيدى الأراذل ، فإنّ عامتهم فقراء وموال ورعاة ، قالوه زعما منهم أن الرّئاسة الدينية مما تنال بأسباب دنيوية ، كما قالوا : (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (١) ، وضلّ عنهم أنها منوطة بكمالات نفسانية ، وملكات روحانية ، مبناها : الإعراض عن زخارف الدنيا ، والإقبال على الله بالكلية ، وأنّ من فاز بها حازها بحذافيرها ، ومن حرمها فما له عند الله من خلاق. والحاصل : أن هذه المقالة سببها الرّضا عن النّفس ، وهو أصل كلّ معصية وغفلة. ثم قال تعالى : (وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ) ، العامل فى الظرف محذوف ؛ لدلالة الكلام عليه ، أي : وإذ لم يهتدوا به ظهر عنادهم ، وقالوا ما قالوا. (فَسَيَقُولُونَ) غير مكتفين بنفي خيريته : (هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ) أي : كذب متقادم ، كقوله : (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (٢).

وقال القشيري : إنه تكذيب للرسل فيما بيّن لهم ، فيما أنزل عليهم من بعثة محمد رسولا ، يعنى : فيكون كقوله تعالى : (إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ) (٣). وقيل لابن عباس : أين نجد فى القرآن «من كره شيئا عاداه» ، فقرأ هذه الآية : (وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا ..) إلخ.

(وَمِنْ قَبْلِهِ) أي : من قبل القرآن (كِتابُ مُوسى) أي : التوراة ، فكتاب : مبتدأ ، و «من قبله» : خبر ، والاستقرار هو العامل فى قوله : (إِماماً وَرَحْمَةً) على أنهما حالان من الكتاب ، أي : قدوة يؤتم به فى دين الله

__________________

(١) من الآية ٣١ من سورة الزخرف.

(٢) من الآية ٢٥ من سورة الأنعام.

(٣) من الآية ٤٨ من سورة القصص ، وكذا من الآية ٣٠ من سورة الزخرف.

٣٣٠

وشرائعه ، ورحمة من الله ـ تعالى ـ لمن آمن به. (وَهذا) القرآن ، الذي يقولون فى حقه ما يقولون ، هو (كِتابُ) عظيم الشأن (مُصَدِّقٌ) لكتاب موسى ، الذي هو إماما ورحمة ، أو : لما بين يديه من جميع الكتب الإلهية. قال ابن عرفة : وجه مناسبتها لما قبلها : أنه لما تضمن قوله : (فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ) تقبيحهم إياه بأنه إما كذب فى نفسه ، أو شبيه بما قبله من الأكاذيب والافتراءات ، عقبه ببيان أنه إما صدق فى نفسه ، أو شبيه بما قبله من الكتب الصادقة. ه.

حال كون الكتاب (لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) : متعلق بمصدّق ، أو بأنزل ، محذوفا ، وفيه ضمير الكتاب ، أو : الله ـ تعالى ، أو : الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويؤيده : قراءة الخطاب (١) ، (وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ) فى حيز النّصب ، عطف على محل «لينذر» ؛ لأنه مفعول له ، أي : للإنذار والبشرى ، أو : وهو بشرى للمحسنين ، للمؤمنين المطيعين.

الإشارة : قال فى الحكم : «أصل كلّ معصية وغفلة وشهوة : الرضا عن النّفس ، وأصل كلّ طاعة ويقظة وعفة : عدم الرّضا منك عنها ، ولأن تصحب جاهلا لا يرضى عن نفسه ، خير من أن تصحب عالما يرضى عن نفسه ، فأىّ علم لعالم يرضى عن نفسه؟ وأىّ جهل لجاهل لا يرضى عن نفسه؟» (٢) ، وعلامة الرّضا عن النّفس : تغطية مساوئها ، وإظهار محاسنها ، كما قال الشاعر :

وعين الرّضا عن كلّ عيب كليلة

ولكن عين السخط تبدى المساويا

وإذا نقصها له أحد انتقم منه وغضب ، وإذا مدحها له فرح واستبشر ، ويرى أنه أهل لكلّ خير ، وأولى من غيره ، فيقول إذا رأى من حاز خيرا أو رئاسة ، كما قال الكفار : لو كان خيرا ما سبقونا إليه ، وعلامة عدم الرّضا عنها : إظهار مساوئها ، واتهامها فى كلّ حال.

وقال أبو حفص الحداد : من لم يتهم نفسه على دوام الأوقات ، ولم يخالفها فى جميع الأحوال ، ولم يجرها إلى مكروهها فى سائر أيامه ، كان مغرورا ، ومن نظر إلى نفسه باستحسان شىء منها فقد أهلكها ، وكيف يصح لعاقل الرضا عن نفسه؟! والكريم ابن الكريم ابن الكريم يقول : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) (٣) ه.

__________________

(١) قرأ «لتنذر» بالخطاب ، نافع ، وابن عامر ، وأبو جعفر بخلفه ، ويعقوب ، وقرأ الباقون بالغيب. انظر الإتحاف (٢ / ٤٦٩ ـ ٤٧٠).

(٢) حكمة رقم / ٣٥ ، انظر تبويب الحكم ص / ١٧.

(٣) من الآية ٣٥ من سورة يوسف.

٣٣١

فإذا لم يرض عن نفسه ، وهذبها ، استقامت أحواله ، وكان من المحسنين ، الذين قال الله ـ تعالى ـ فى شأنهم :

(إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٣) أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤))

يقول الحق جل جلاله : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) أي : جمعوا بين التوحيد ، الذي هو خاصة العلم ، والاستقامة فى الظاهر ، التي هى منتهى العمل ، (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) من لحوق مكروه ، (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) على فوات مرغوب ، و «ثم» للدلالة على تراخى رتبة العمل ، وتوقف الاعتداد به على التوحيد. ودخلت الفاء لتضمن الموصول معنى الشرط ، والتعبير بالمضارع للدلالة على دوام نفى الحزن عنهم ، (أُولئِكَ) الموصوفون بما ذكر من الاسمين الجليلين ، (أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها) : حال من أصحاب الجنة ، والعامل : معنى الإشارة ، (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) من الأعمال الصالحة ، و «جزاء» مصدر لمحذوف ، أي : جوزوا جزاء ، أو بمعنى ما تقدم ، فإن قوله : (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ) فى معنى : جزيناهم.

الإشارة : مضى تفسير الاستقامة ، وأنّ من درج على الإيمان والاستقامة حظى بكلّ كرامة ، ووصل إلى جزيل السلامة ، وقيل : السين فى الاستقامة سين الطلب ، وأنّ المستقيم يتوسل إلى الله ـ تعالى ـ فى أن يقيمه على الحق ، ويثبته على الصدق. ه.

قال الورتجبي : ما قال القوم هذا القول ـ أي : «ربنا الله» ـ حتى شاهدوه بقلوبهم ، وعقولهم ، وأرواحهم ، وأسرارهم ، مشاهدة الحق سبحانه ، فإذا رأوه يقولون : هذا الهلال ، وصاحوا ، وضحكوا ، فهذا القول منهم بعد كشف مشاهده الحق لهم ، فلما رأوه أحبوه وعرفوه ، وشربوا من بحار وصاله ، حتى تمكنوا ، فاستقاموا بقوتها فى موازاة رؤية أنوار الأزل والآباد ، واستقاموا فى مراد الله منهم ، وأداء حقوق عبوديته ، فلا يبقى عليهم خوف الحجاب ، ولا حزن العتاب ، قال الله تعالى : (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ). ه.

ثم وصّى بالربوبية الصغرى بعد الكبرى ، فقال :

(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ

٣٣٢

نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (١٦))

يقول الحق جل جلاله : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ) بأن يحسن (بِوالِدَيْهِ حُسْناً) (١) وقرأ أهل الكوفة (إِحْساناً) وهما مصدران ، وقرىء : «حسنا» بفتح الحاء والسين ، أي : يفعل بهما فعلا حسنا ، أو : وصينا إيصاء حسنا ، (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً) أي : حملته بكره ومشقة ، ووضعته كذلك ، وذكره للحث على الإحسان والبرور بها ، فإن الإحسان إليها أوجب ، وأحق من الأب. ونصبهما على الحال ، أي : حملته كارهة ، أو : ذات كره ، وفيه لغتان ؛ الفتح والضم ، وقيل : بالفتح مصدر ، وبالضم اسمه. (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ) أي : ومدة حمله وفصاله ، وهو الفطام. وقرأ يعقوب : «وفصله» وهما لغتان كالفطم والفطام ، (ثَلاثُونَ شَهْراً) ؛ لأن فى هذه المدة عظّم مشقة التربية ، وفيه دليل على أن أقل مدة ستة أشهر ؛ لأنه إذ حط منه للفطام حولان ، لقوله تعالى : (حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) (٢) يبقى للحمل ستة ، قيل : ولعل تعيين أقل مدة الحمل ، وأكثر مدة الرّضاع لانضباطهما ، وارتباط النّسب والرّضاع بهما.

(حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ) أي : اكتهل ، واستحكم عقله وقوته ، وانتهت قامته وشبابه ، وهى ما بين ثمانى عشرة سنة إلى أربعين ، وقال زيد بن أسلم : الحلم ، وقال قتادة : ستة وثلاثون سنة ، وهو الرّاجح ، وقال الحسن : قيام الحجة عليه. (وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) ، وهو نهاية الأشدّ ، وتمام العقل ، وكمال الاستواء.

قيل : لم يبعث نبىّ إلا بعد الأربعين ، قال ابن عطية : وإنما ذكر ـ تعالى ـ الأربعين ، لأنها حدّ الإنسان فى فلاحه ونجاته ، وفى الحديث. «إن الشيطان يمدّ يده على وجه من زاد على الأربعين ولم يتب ، فيقول : بأبى وجه لا يفلح» (٣). ه. ومن حديث أنس قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من بلغ أربعين سنة أمّنه الله من البلايا الثلاث ؛ الجنون والجذام

__________________

(١) أثبت المفسر ـ رحمه‌الله ـ قراءة «حسنا» بضم الحاء وسكون السين ، بلا همز ولا ألف ، مفعولا به ، وهى قراءة ابن كثير ، ونافع ، وأبى عمرو ، وابن عامر. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي وخلف «إحسانا» على أنها مصدر. انظر السبعة / ٥٩٦ والإتحاف ٢ / ٤٧٠.

(٢) من الآية ٢٣٣ من سورة البقرة.

(٣) ذكره ابن عطية ، (١٣ / ٣٤٨) وأبو حيان فى البحر المحيط (٨ / ٦١) بلفظ : «ان الشيطان يجر يده ..». ولم أقف على هذا الحديث عند غيرهما.

٣٣٣

والبرص ، فإذا بلغ الخمسين خفف الله عنه الحساب ، فإذا بلغ ستين سنة رزقه الله الإنابة كما يحب ، فإذا بلغ سبعين سنة ؛ غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وشفع فى أهل بيته ، وناداه مناد من السماء : هذا أسير الله فى أرضه». وهذا فى العبد المقبل على الله. والله تعالى أعلم. وقرئ : «حتى إذا استوى وبلغ أشدّه».

(قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي) أي : ألهمنى (أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَ) من الهداية والتوحيد ، والاستقامة على الدين ، (وَعَلى والِدَيَ) كذلك ، وجمع بين شكر النّعمة عليه وعلى والديه ؛ لأن النّعمة عليهما نعمة عليه ، (وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ) ، التنكير للتفخيم والتكثير ، قيل : هو الصلوات الخمس ، والعموم أحسن ، (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) أي : واجعل الصلاح ساريا فى ذريتى راسخا فيهم ، أو : اجعل ذريتى موقعا للصلاح دائما فيهم ، (إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ) من كلّ ذنب ، (وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) الذين أخلصوا لك أنفسهم ، وانقادوا إليك بكليتهم. (١)

قال علىّ رضي الله عنه : نزلت فى أبى بكر ـ رضي الله عنه ، ولم تجتمع لأحد من أصحاب النّبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من المهاجرين من أسلم أبواه غيره ، وأوصاه الله بهما. ه. فاجتمع لأبى بكر إسلام أبى قحافة وأمه «أم الخير» وأولاده ، عبد الرّحمن ، وابنه عتيق ، فاستجاب الله دعاءه فى نفسه وفى ذريته ، فإنه آمن بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو ابن ثمان وثلاثين سنة ، ودعا لهم وهو ابن أربعين سنة. قال ابن عباس : أعتق أبو بكر تسعة من المؤمنين ، منهم : بلال ، وعامر بن فهيرة ، ولم يرد شيئا من الخير إلا أعانه الله عليه. (٢) ه.

قال ابن عطية : معنى الآية : هكذا ينبغى للإنسان أن يكون ، فهى وصية الله ـ تعالى ـ للإنسان فى كلّ الشرائع ، وقول من قال : إنها فى أبى بكر وأبويه ضعيف ، لأن هذه نزلت فى مكة بلا خلاف ، وأبو قحافة أسلم يوم الفتح. ه. قلت : كثيرا ما يقع فى التنزيل تنزيل المستقبل منزلة الماضي ، فيخبر عنه كأنه واقع ، ومنه : (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) (٣) و (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ) (٤) ، وهذه الآية فى إسلام أبى قحافة. والله تعالى أعلم.

(أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) (٥) من الطاعات ، فإن المباح لا يثاب عليه إلا بنية صالحة ، فإنه ينقلب حينئذ طاعة ، وضمّن «يتقبل» معنى يتجاوز ، فعدّاه بعن ؛ إذ لا عمل يستوجب القبول ، لو لا عفو

__________________

(١) ذكره القرطبي (٧ / ٦٢٠١).

(٢) انظر تفسير البغوي (٧ / ٢٥٨) وزاد المسير (٧ / ٣٧٨).

(٣) الآية ١٠ من سورة الأحقاف.

(٤) الآيتان ٦ ـ ٧ من سورة فصلت.

(٥) قرأة حمزة والكسائي وحفص (نتقبل ، ونتجاوز) بالنون المفتوحة و «أحسن» بالنصب ، وقرأ الباقون (يتقبل ـ يتجاوز) بالياء المضمومة ، ورفع «أحسن» .. انظر الإتحاف (٢ / ٤٧١).

٣٣٤

الله وتجاوزه عن عامله ، إذ لا يخلو عمل من خلل أو نقص ، فإذا تجاوز الحق عن عبده قبله منه على نقصه ، فلو لا حلمه ـ تعالى ـ ورأفته ما كان عمل أهلا للقبول. (وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ) فيغفرها لهم ، (فِي) جملة (أَصْحابِ الْجَنَّةِ) ، كقولك : أكرمنى الأمير فى ناس من أصحابه ، أي : أكرمنى فى جملة من أكرمهم ، ونظمنى فى سلكهم ، ومحله : نصب على الحال ، أي : كائنين فى أصحاب الجنة ، ومعدودين فيهم ، (وَعْدَ الصِّدْقِ) أي : وعدهم وعدا صدقا ، فهو مصدر مؤكد ، لأن قوله : (نَتَقَبَّلُ) و (نَتَجاوَزُ) وعد من الله ـ تعالى لهم بالتقبل والتجاوز ، (الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) فى الدنيا على ألسنة الرّسل ـ عليهم‌السلام.

الإشارة : لمّا كانت تربية الأبوين مظهرا لنعمة الإمداد بعد ظهور نعمة الإيجاد ، وصىّ الله ـ تعالى ـ بالإحسان إليهما ، وفى الحقيقة : ما ثمّ إلا تربية الحق ، ظهرت فى تجلى الوالدين ، قذف الرّأفة فى قلوبهما ، حتى قاما بتربية الولد ، فالإحسان إليها إحسان إلى الله ـ تعالى ـ فى الحقيقة. وقال الورتجبي : وصى الإنسان بالإحسان إلى أبويه ، لأنهما أسباب وجوده ، ومصادر أفعال الحق بدا منهما بدائع قدرته ، وأنوار ربوبيته ، فحرمتهما حرمة الأصل ، ومن صبر فى طاعتهما رزقه الله حسن المعاشرة على بساط حرمته وقربته.

قال بعضهم : أوصى الله العوام ببر الوالدين لما لهما عليه من نعمة التربية والحفظ ، فمن حفظ وصية الله فى الأبوين ، وفّقه بركة ذلك ، لحفظ حرمات الله ، وكذلك رعاية الأوامر والمحافظة عليها توصل بركتها بصاحبها إلى محل الرّضا والأنس. ه.

قال القشيري : وشر خصال الولد : التبرم بطول حياتهما ، والتأذى بما يجب من حقهما ، وعن قريب يموت الأصل ، وقد يبقى النّسل ، ولا بد أن يتبع الأصل. ه. أي : فيعق إن عق أصله ، ويبر إن بر ، وفى الحديث : «برّوا آباءكم تبرّكم أبناؤكم» (١). ثم قال : ولقد قالوا فى هذا المعنى وأنشدوا :

رويدك إنّ الدّهر فيه كفاية

لتفريق ذات البين فارتقب الدّهرا (٢). ه.

قلت : وقد تقدم أن حرمة الشيخ أوكد من حرمة الوالدين ، فيقدم أمره على أمرهما ، كما تقدم عن الجنيد فى سورة النّساء (٣). والله تعالى أعلم.

__________________

(١) رواه الطبراني فى الأوسط (ح / ١٠٠٢) من حديث ابن عمر رضي الله عنه. قال الهيثمي فى مجمع الزوائد (٨ / ١٣٨) : ورجاله رجال الصحيح غير شيخ الطبراني.

(٢) منسوب إلى أبى على الثقفي ، كما فى طبقات السلمى / ٣٦٤ وطبقات الشافعية الكبرى (٣ / ١٩٥) ، ونسب إلى عبيد الله بن عبد الله طاهر ، فى زهر الآداب (٢ / ٦٠٤) وأمالى المرتضى (١ / ١١٩).

(٣) راجع إشارة الآية ٣٦ من سورة النّساء.

٣٣٥

ثم ذكر وبال عقوقهما ، فقال :

(وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٧) أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (١٨) وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٩))

قلت : (وَالَّذِي قالَ) : مبتدأ ، وخبره : (أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) ، والمراد ب «الذي قال» الجنس ، ولذلك جمع الخبر.

يقول الحق جل جلاله : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ) عند دعوتهما إلى الإيمان : (أُفٍّ لَكُما) ، وهو صوت يصدر عن المرء عند تضجره وقنطه ، واللام لبيان المؤفف ، كما فى «هيت لك» وفيه أربعون لغة ، مبسوطة فى محلها ، أي : هذا التأفيف لكما خاصة ، أو لأجلكما دون غيركما.

وعن الحسن : نزلت فى الكافر العاقّ لوالديه ، المكذّب بالبعث ، وقيل : نزلت فى عبد الرّحمن بن أبى بكر رضي الله عنه ، قبل إسلامه. وأنكرت عائشة ـ رضي الله عنها ـ ذلك ، وقالت : والله ما نزال فى آل أبى بكر شيئا من القرآن ، سوى براءتي (١) ، ويبطل ذلك (٢) قطعا : قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) ، لأنّ عبد الرّحمن بن أبى بكر أسلم ، وكان من فضلاء الصحابة ، وحضر فتوح الشام ، وكان له هناك غناء عظيم ، وكان يسرد الصيام. قال السدى : ما رأيت أعبد منه. ه. وقال ابن عباس : نزلت فى ابن لأبى بكر ، ولم يسمه ، ويرده ما تقدم عن عائشة ، ويدل على العموم : قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) ، ولو أراد واحدا لقال : حق عليه القول.

ثم قال لهما : (أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ) أي : أبعث وأخرج من الأرض ، (وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي) ولم يبعث أحد منهم ، (وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ) ، يسألانه أن يغيثه ويوفقه للإيمان ، أو يقولان : الغياث بالله منك ، ومن قولك ، وهو استعظام لقوله ، ويقولان له : (وَيْلَكَ) دعاء عليه بالثبور والهلاك ، والمراد به : الحث والتحريض

__________________

(١) أخرجه بنحوه البخاري فى (التفسير ـ سورة الأحقاف ، باب (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما ..) ح ٤٨٢٧).

(٢) أي : القول بأن الآية نزلت فى سيدنا عبد الرّحمن بن أبى بكر رضي الله عنه.

٣٣٦

على الإيمان ، لا حقيقة الهلاك ، (آمِنْ) بالله وبالبعث (إِنَّ وَعْدَ اللهِ) بالبعث والحساب (حَقٌ) لا مرية فيه ، وأضاف الوعد إليه ـ تعالى ـ تحقيقا للحق ، وتنبيها على خطئه ، (فَيَقُولُ) مكذّبا لهما : ما هذا الذي تسميانه وعد الله (إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ، أباطيلهم التي سطروها فى كتبهم ، من غير أن يكون له حقيقة.

(أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) ، وهو قوله تعالى لإبليس : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) (١) كما يبنئ عنه قوله تعالى ـ : (فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) أي : فى جملة أمم قد مضت ، (إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ) حيث ضيّعوا فطرتهم الأصلية ، الجارية مجرى رؤوس أموالهم ، باتباعهم الشيطان ، وتقليدا بآبائهم الضالين.

(وَلِكُلٍ) من الفريقين المذكورين ، الأبرار والفجار ، (دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) أي : منازل ومراتب من جزاء ما عملوا من الخير والشر ، ويقال فى جانب الجنة : درجات ، وفى جانب النّار : دركات ، فغلب هنا جانب الخير.

قال الطيبي : ولكلّ من الجنسين المذكورين درجات ، والظاهر أن أحد الجنسين ما دلّ عليه قوله : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) (٢) ، والآخر قوله : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما) ، ثم غلب الدرجات على الدركات ، لأنه لمّا ذكر الفريق الأول ، ووصفهم بثبات فى القول ، واستقامة فى الفعل ، وعقّب ذلك بذكر فريق الكافرين ، ووصفهم بعقوق الوالدين ، وبإنكارهم البعث ، وجعل العقوق أصلا فى الاعتبار ، وكرر فى القسم الأول الجزاء ، وهو ذكر الجنة مرارا ثلاثا ، وأفرد ذكر النّار ، وأخّره ، وذكر ما يجمعهما ، وهو قوله : (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ) غلّب الدرجات على الدركات لذلك ، وفيه ألا شىء أعظم من التوحيد والثبات عليه ، وبر الوالدين والإحسان إليهما ، ولا شىء أفحش من عقوق الوالدين ، وإنكار الحشر ، وفى إيقاع إنكار الحشر مقابلا لإثبات التوحيد الدلالة على أن المنكر معطل مبطل لحكمة الله فى إيجاد العالم. ه.

(وَلِيُوَفِّيَهُمْ) (٣) (أَعْمالَهُمْ) ، وقرأ المكي والبصري بالغيب ، أي : وليوفيهم الله جزاء أعمالهم ، (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) بنقص ثواب الأولين ، وزيادة عقاب الآخرين ، واللام متعلقة بمحذوف ، أي : وليوفيهم أعمالهم ، ولا يظلمهم حقوقهم ، فعل ما فعل من ترتيب الدرجات أو الدركات.

__________________

(١) الآية ١٨ من سورة الأعراف.

(٢) الآية ١٣ من السورة نفسها.

(٣) أثبت المفسر ـ رحمه‌الله ـ قراءة «ولنوفيهم» بنون العظمة ، وهى قراءة نافع ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم : «وليوفيهم» بالياء. انظر : السبعة لابن مجاهد / ٥٩٨.

٣٣٧

الإشارة : عقوق الأساتيذ (١) أقبح من عقوق الوالدين ، كما أن برهما أوكد ؛ لأن الشيخ أخرجك من ظلمة الجهل إلى نور المعرفة بالله ، والوالدان أخرجاك إلى دار التعب ، معرض لأمرين ، إما السلامة أو العطب ، والمراد بالشيخ هنا شيخ التربية ، لا شيخ التعليم ، فلا يقدّم حقه على حق الوالدين ، هذا ومن يسّر الله عليه الجمع بين بر الوالدين والشيخ فهو كمال الكمال. وبالله التوفيق.

ثم ذكر جزاء العاقّ المنكر للبعث ، فقال.

(وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (٢٠))

قلت : «ويوم» : منصوب بقول مقدّر قبل «أذهبتم» أي : يقال لهم : أذهبتم طيباتكم يوم عرضكم ، أو بالذكر ، وهو أحسن.

يقول الحق جل جلاله : (وَ) اذكر (يَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ) أي : يعذّبون بها ، من قولهم : عرض بنو فلان على السيف ، إذا قتلوا به ، وقيل : المراد : عرض النّار عليهم ، من قولهم : عرضت النّاقة على الحوض ، يريدون : عرض الحوض عليها ، فقلبوا. وإذا عرضوا عليها يقال لهم : (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ) أي : أخذتم ما كتب لكم من حظوظ الدنيا ولذائذها (فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا) فقد قدمتم حظكم من النّعيم فى الدر الفانية.

قال ابن عرفة : قيل : المراد بالطيبات المستلذات ، والظاهر : أن المراد أسباب المستلذات ، أي : الأسباب التي تتوصلون بها إلى نيل المستلذات فى الدر الآخرة ، إذ نسيتموها فى الدنيا ، أي : تركتموها ولم تفعلوها. ه. قلت : يبعده قوله : (وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها) أي : فلم يبق ذلك لكم شيئا منها ، بل قدمتم جنتكم فى دنياكم.

وعن عمر ـ رضي الله عنه : لو شئت كنت أطيبكم طعاما ، وألينكم لباسا ، ولكنى أستبقى طيباتى. ولما قدم الشام صنع له طعام لم ير قبله مثله ، قال : هذا لنا ، فما للفقراء المسلمين الذين ماتوا وهم لا يشبعون من خبز الشعير؟ قال خالد : لهم الجنة ، فاغرورقت عينا عمر وبكى ، وقال : لئن كان حظنا من الحطام ، وذهبوا بالجنة ، لقد باينونا بونا بعيدا (٢).

__________________

(١) أساتيذ جمع أستاذ. ويجمع أيضا على أساتذة وأستاذين ، وهو فارسى معرّب ، والأستاذ : المعلم والمقرئ والعالم ، وأستاذ الصناعة : رئيسها. انظر محيط المحيط (ص ٩ ، مادة الأستاذ).

(٢) انظر هذه الأخبار وغيرها فى كتاب «مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب» لابن الجوزي / ١٥٣ ـ ١٦٧.

٣٣٨

وقال أبو هريرة رضي الله عنه : إنما كان طعامنا مع النّبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الماء والتمر ، والله ما كان نرى سمراءكم هذه ، وقال أبو موسى : ما كان لباسنا مع النّبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا الصوف.

وروى : أن النّبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم دخل على أهل الصّفة ، وهم يرقعون ثيابهم بالأدم ، ما يجدون لها رقاعا ، فقال : «أنتم اليوم خير أم يوم يغدو أحدكم فى حلة ، ويروح فى أخرى ، ويغدا عليه بجفنة (١) ويراح بأخرى ، ويستر بيته كما تستر الكعبة»؟ قالوا : نحن يومئذ خير ، فقال لهم : «بل أنتم اليوم خير» (٢).

وقال عمرو بن العاص (٣) : كنت أتغدى عند عمر الخبز والزيت ، والخبز والخل ، والخبز واللبن ، والخبز والقديد ، وأجلّ ذلك اللحم الغريض (٤) ، وكان يقول : لا تنخلوا الدقيق ، فإنه كله طعام ، ثم قال عمر رضي الله عنه : والله الذي لا إله إلا هو ، لو لا أنى أخاف أن تنقص حسناتى يوم القيامة لشاركتهم فى العيش! ولكنى سمعت الله يقول لقوم : (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها). ه (٥).

(فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ) أي : الهوان ، وقرىء به ، (بِما كُنْتُمْ) فى الدنيا (تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) ، بغير استحقاق لذلك ، (وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) ، وتخرجون عن طاعة الله عزوجل ، أي : بسبب استكباركم وفسقكم.

الإشارة : مازالت الأكابر من الأولياء تتنكب الحظوظ والشهوات ، مجاهدة لنفوسهم ، وتصفية لقلوبهم ، فإنّ تتبع الشهوات يقسى القلب ، ويكسف نور العقل ، كما قال الشاعر :

إنارة العقل مكسوف بطوع هوى

وعقل عاصى الهوى يزداد تنويرا.

هذا فى حال سيرهم ، فإذا تحقق وصولهم فلا كلام عليهم ؛ لأنهم يأخذون من الله ، ويتصرفون به فى أمورهم كلها ، فلا حرج عليهم فى نيل ما أنعم الله به عليهم ، حيث أمنوا ضرره ، ومن ذلك : ما روى عن إبراهيم بن أدهم ،

__________________

(١) الجفنة : قصعة الطعام ، والجمع جفان وجفنات.

(٢) عزاه فى كنز العمال (ح ٦٢٢٧) لهناد وأبى نعيم فى الحلية عن الحسن مرسلا. كما ذكره بنحوه (ح ٦٢٢٦) وعزاه للطبرانى والبيهقي ، عن عبد الله بن يزيد الخطمي.

(٣) فى القرطبي : حفص بن أبى العاص.

(٤) الغريض : الطري. انظر اللسان (غرض ، ٥ / ٣٢٤١).

(٥) ذكره بأطول من هنا : القرطبي فى تفسيره (٧ / ٦٢٠٨) ثم قال : «والذي يضبط هذا الباب ويحفظ قانونه : على المرء أن يأكل ما وجد ، طيبا كان أو قفارا ، ولا يتكلف الطيب ويتخذه عادة ، وقد كان النّبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يشبع إذا وجد ، ويصبر إذا عدم ، ويأكل الحلوى إذا قدر عليها ، ويشرب العسل إذا اتفق له ، ويأكل اللحم إذا تيسر له ، ولا يعتمده أصلا ، ولا يجعله دينا ، ومعيشة النّبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسلم معلومة ...» انظر بقيته.

٣٣٩

أنه أصلح ذات يوم طعاما كثيرا ، ودعا نفرا يسيرا ، منهم الأوزاعى والثوري ، فقال له الثوري : أما تخاف أن يكون هذا إسرافا؟ فقال : ليس فى الطعام إسراف ، إنما الإسراف فى الثياب والأثاث ، ودفع أيضا إلى بعض إخوانه دراهم ، فقال : خذ لنا بهذه زبدا وعسلا وخبزا حوارى (١) ، فقال : يا أبا إسحاق : هذا كله؟ قال : ويحك إذا وجدنا أكلنا أكل الرجال ، وإذا عدمنا صبرنا صبر الرّجال ، وإن معروفا الكرخي كأن يهدى له طيبات الطعام ، فيأكل ، فيقال له : إن أخاك بشرا كان لا يأكل من هذا ، فيقول : أخى بشر قبضه الورع ، وأنا بسطتنى المعرفة ، وإنما أنا ضيف فى دار مولاى ، إذا أطعمنى أكلت ، وإذا جوّعنى صبرت ، مالى وللاعتراض والتمييز. ه.

والحاصل : أن النّاس أقسام ثلاثة : عوام ، لا همة لهم فى السير ، وإنما قنعوا أن يكونوا من عامة أهل اليمين. فهؤلاء يأخذون كلّ ما أباحته الشريعة ، إذ لا سير لهم حتى يخافوا من تخلفهم ، وخواص ، نهضت همتهم إلى الله ، وراموا الوصول إليه ، وهم فى السير لم يتحقق وصولهم ، أو من العبّاد والزهاد ، يخافون إن تناولوا المستلذات تفتّرت عزائمهم ، فهؤلاء يتأكد فى حقهم ترك الحظوظ والشهوات ، والقسم الثالث : خواص الخواص ، قد تحقق وصولهم ، ورسخت أقدامهم فى المعرفة ، فهؤلاء لا كلام معهم ، ولا ميزان عليهم.

قال فى الإحياء ، بعد كلام : وأ كل الشهوات لا يسلّم إلا لمن نظر من مشكاة الولاية والنّبوة ، فيكون بينه وبين الله علامة فى استرساله وانقباضه ، ولا يكون ذلك إلا بعد خروج النّفس من طاعه الهوى والعادة بالكلية ، حتى يكون أكله إذا أكل بنية ، كما يكون إمساكه بنية ، فيكون عاملا له فى إفطاره وإمساكه. ثم قال : وينبغى أن يتعلم الحزم من عمر ، فإنه كان يرى النّبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحب العسل ويأكله ، ثم لم يقس نفسه عليه ، بل لمّا عرض عليه ماء مبّرد بالعسل جعل يدير الإناء فى كفه ، ويقول : أشربها فتذهب حلاوتها وتبقى تباعتها ، اعزلوا عنى حسابها ، وتركها ، رضي الله عنه (٢).

ثم ذكر وبال من تمتع بدنياه ، وأعرض عن أخراه ، فقال :

(وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٢١) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٢) قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ

__________________

(١) الحوارى هو الدقيق الأبيض ، وهو لباب الدقيق وأجوده وأخلصه. انظر اللسان (حور ٢ / ١٠٤٤).

(٢) ذكره بنحوه ابن الجوزي فى مناقب أمير المؤمنين (ص ١٦٤) عن ثابت.

٣٤٠