سورة الجاثية
مكية ، وقيل : إلا قوله : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا ..) إلخ. وهى سبع وثلاثون آية. ووجه مناسبتها : قوله : (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ) (١) مع قوله : (تَنْزِيلُ الْكِتابِ) أي : فالذى يسرناه بلسانك هو منزل من الله ، الغالب على أمره.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (٣) وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٤) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٥) تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ (٦))
قلت : (واختلاف الليل والنّهار ...) الآية ؛ فيها العطف على عاملين ،. سواء نصبت «آيات» أو رفعتها ، فالعاملان إذا نصبت «إن» و «فى» أقيمت الواو مقامهما ، فعملت الجر فى (واختلاف) والنّصب فى (آيات) ، وإذا رفعت فالعاملان الابتداء ، وحرف «فى» عملت الواو الرّفع فى «آيات» والجرّ فى «واختلاف» وهذا مذهب الأخفش ، فإنه يجوّز العطف على عاملين ، وأما سيبويه فلا يجيزه ، وتخريج الآية عنده : أن يكون على إضمار «فى» ، والذي حسّنه : تقديم ذكر «فى» فى الآيتين قبله ، ويؤيده : قراءة ابن مسعود رضي الله عنه : (وفى اختلاف الليل والنّهار) وفيها أوجه أخر.
يقول الحق جل جلاله : (حم) ؛ يا حبيب يا مجيد هذا (تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) ، فكونه من الله عزوجل دلّ أنه حق وصدق وصواب ، وكونه من العزيز دلّ أنه معجز ، يغلب ولا يغلب ، وكونه من الحكيم دلّ أنه مشتمل على الحكم البالغة ، وأنه محكم فى نفسه ، ينسخ ولا ينسخ.
ثم برهن على عزته ، وباهر حكمته ، فقال : (إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ؛ إما فى نفس السموات والأرض ؛ فإن فى شكلهما من بدائع وفنون الحكم ما يقصر عنه البيان ، وإما فى خلقهما وإظهارهما ، كما فى قوله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٢) ، (لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ) ؛ لدلالات على وحدانيته تعالى لأهل الإيمان ،
__________________
(١) الآية ٥٨ من سورة الدخان.
(٢) الآية ١٩٠ من سورة آل عمران.