نماذج الأصول في شرح مقالات الأصول - ج ٣

السيد عباس المدرّسي اليزدي

نماذج الأصول في شرح مقالات الأصول - ج ٣

المؤلف:

السيد عباس المدرّسي اليزدي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة الداوري
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-5711-33-9
الصفحات: ٥٨٤

اذ (١) بعد اتصال احدهما بالآخر خصوصا مع تبعيّة احدهما

______________________________________________________

(١) الوجه لتعين التقريب الاول ما ملخصه أن المادة والهيئة متصلان ويتبع إحداهما للاخرى ولا ينفك اطلاق احدهما لاطلاق الآخر عرفا إلّا أن يقوم قرينة على ذلك بل لا أقل يكون اطلاق احدهما كالمادة تابعة لاطلاق الهيئة فانه لا يمكن أن تكون المادة مطلقة والهيئة مقيدة فإن تقييدها يلازم قهرا تقييد المادة فوجوب الحج لو كان مقيدا بالاستطاعة فاصل الحج قهرا يكون مقيدا به لكونه بعد الاستطاعة في حجة الاسلام فمن هذه الناحية اطلاق المادة مخدوشة لاحتمال تقييد الهيئة بعدم المزاحم وبمثل ذلك ذكر الجواب عن التقريب استادنا الآملي في المنتهى ص ١٣١ بقوله لأن الاطلاق الدال على عدم اعتبار القيد لا يتم إلّا باجتماع مقدمات الحكمة التي من جملتها خلو الكلام أو المقام عما يمكن أن يكون قرينة على ارادة القيد المحتمل دخله ولا ريب في أن الكلام أو المقام غير خال من ذلك لانا قد بينا أن التحقيق هو أن وجود الخطاب الانشائي فضلا عن الفعلي مشروط بالقدرة على امتثاله وقد أشرنا إلى أن عمدة ما يدل على تحقق أصل الملاك في متعلق الخطاب هو نفس الخطاب فاذا صح الاستدلال بالخطاب على وجود أصل الملاك في متعلق الخطاب صح الاتكال عليه وجعله قرينة على مقدار سعة الملاك إذ يجوز عقلا أن يكون ملاك الخطاب بقدر نفس وجود الخطاب لا أزيد منه كما أنه لا يمكن أن يكون انقص منه ومع هذا كله لا يمكن فصول الاطلاق المزبور بالضرورة ، وعلى أي حال ينسب هذا الوجه المحقق العراقي إلى قيل قال المحقق المزبور في النهاية ج ١ ص ٤٣٩ من دون احتياج إلى التشبث باطلاق المادة ـ كي يقال بأن المادة بعد ما اخذت موضوعة للهيئة في الخطاب فمقتضى طبع الموضوعية هو كونها سعة وضيقا بمقدار سعة الهيئة وضيقها وح فمع تضيق دائرة الهيئة واختصاصه بحال القدرة وعدم العجز لا يكون للمادة سعة اطلاق في قبال الهيئة العارضة لها حتى يتشبث باطلاقها.

٤٠١

للآخر لا مجال للتفكيك بينهما اطلاقا وعدمه عرفا ولا اقل من صلاحية كل منهما للقرينة في غيره فلا مجال للتفكيك بينهما في مقام الاستظهار كما لا يخفي وهذا بخلاف مسلكنا (١) الراجع إلى التفكيك في ظهور واحد في انحاء مدلوله من حيث الحجية اذ هو غير عزيز كما هو الديدن في موارد الجمع بين الظواهر (٢) خصوصا في الاطلاقات والعمومات (٣) وذلك هو الوجه أيضا في بقاء العام على الحجية في الباقي بعد التخصيص كما لا يخفى (٤) على من راجع المسألة ونظائره (٥) وحيث كان الامر كذلك فلا محيص من جعل هذه

______________________________________________________

(١) أما الوجه الذي اخترنا من التمسك بالظهور الاطلاقي الكلام في مدلوله المطابقي والالتزامي والتفكيك في الحجية من ارتفاع حجية الدلالة المطابقي وبقاء حجية المدلول الالتزامي فهذا لا محذور فيه أصلا.

(٢) كما هو المتعارف في الجمع بين الظاهرين برفع اليد عن حجية بعض أنحاء مدلوله بواسطة ظهور الآخر في ذلك أقوى.

(٣) وذلك كالعموم فيرفع اليد عن حجية الظهور في بعض مدلوله بواسطة دليل الخاص والاقوى.

(٤) بل الوجه لبقاء العموم على حجيته هو ذلك وسيأتي مفصلا فان العموم باق على ظهوره في العموم حتى بعد التخصيص وانما يرفع دليل التخصيص حجية ظهور العموم في بعض المدلول لا غير فلنرجع إلى ما كنّا فيه.

(٥) كما في باب المتعارضين فان الوجه في بناء الأصحاب على حجية المتعارضين في الدلالة على نفي الحكم الثالث في مورد التعارض مع البناء على اصالة سقوط المتعارضين عن الحجية هو امكان التفكيك بين الدلالة المطابقية والالتزامية في الحجية.

٤٠٢

المسألة من صغريات باب التزاحم (١) الذي يكون المناط في ترجيح احد الخطابين بقوة مناطه لا بقوة سنده فربما يقدم اقوى مناطا في امثال المقام على ما هو اقوى سندا.

وتوهم (٢) ارجاع المسألة لمحض تزاحمهما في التأثير من حيث الرجحان لدى المولى إلى باب التعارض (٣) وتخصيص باب التزاحم

______________________________________________________

(١) قال المحقق العراقي في النهاية ج ١ ص ٤٢١ وهذا بخلاف المقام حيث أنه باعتبار وجود الملاكين فيهما يندرج في صغريات مسألة التزاحم ولو على الامتناع أيضا نظرا إلى تحقق المزاحمة ح بين الملاكين في عالم التأثير في الرجحان والمرجوحية كما يكشف عنه حكمهم بصحة العبادة في الغصب مع الغفلة أو الجهل بالموضوع أو الحكم عن قصور لا عن تقصير ولو مع البناء على تقدير جانب النهي حيث أنه لو لا ذلك لما كان وجه لحكمهم بالصحة مع الجهل بالموضوع أو الحكم بل لا بد من الحكم بالبطلان وفساد العبادة مطلقا كما هو واضح ومن ذلك نقول أيضا في المقام بلزوم الرجوع فيه إلى قواعد باب التزاحم فيقدم ما هو الاقوى من الملاكين في مقام التأثير في الرجحان والمرجوحية وان كان أضعف سندا من غيره لا إلى قواعد باب التعارض والترجيح بالمرجحات السندية من حيث العدالة والوثوق كما هو واضح.

(٢) المتوهم هو المحقق النائيني في الأجود ج ١ ص ٣٥٧ قد ظهر من مطاوى ما ذكرناه أنه لو بنينا على كونه التركيب في مورد الاجتماع اتحاديا والجهة تعليلية فلا مناص عن القول بالامتناع فيدخل الدليلان بذلك في باب التعارض فان الصلاة والغصب مثلا لو فرض انطباقهما على هوية واحدة امتنع الأمر بها والنهي عنها فعلا فيقع التعارض بين اطلاقي دليليهما.

(٣) لما عرفت من أن حقيقة التعارض إنما هو تنافي الدليلين في مرحلة جعل الأحكام على موضوعاتها المقدر وجودها من دون دخل لعجز المكلف عن الامتثال في تحقق التنافي بينهما.

٤٠٣

بالمتضادين وجودا (١).

______________________________________________________

(١) ان حقيقة التزاحم انما هو تنافي الحكمين في مقام الامتثال الناشئ من عجز المكلف عن امتثالهما معا ومن الواضح انه بناء على الامتناع يقع التنافي بين الوجوب والحرمة في مورد الاجتماع في نفس الجعل بلا دخل لعجز المكلف عن امتثالهما معا ـ إلى أن قال في ص ٣٦ فلان التزاحم في الملاكات باعتبار تأثيرها في حكم الحاكم وإن كان مما لا ينكر إلّا انه أجنبي عن التزاحم في محل الكلام فإن التزاحم في محل الكلام إنما هو في ما إذا تم كل من الحكمين في نفسه وجعل على موضوعه المقدر وجوده ـ أي تحقيق الانشاء ـ لكن وقع التزاحم في مقام الامتثال ـ أي الفعلية ـ لفرض عدم قدرة المكلف على امتثال كليهما وصلوح كل منهما لان يكون شاغلا للمكلف بامتثاله عن امتثال غيره ورافعا لموضوعه أعني به القدرة على ايجاد متعلقه فاذا فرض كون أحد الحكمين أهم من الآخر تعين ذلك في كونه معجزا عن امتثال الآخر دون العكس ـ إلى أن قال ـ بخلاف التزاحم في الملاكات باعتبار تأثيرها في حكم الحاكم فإن المناط فيه هو علم الأمر وجهله بها لا دخل لعلم المكلف وجهله بها أصلا ـ وعليه فاذا كان أحد الملاكين ارجح من الآخر في نظر الامر كان التأثير له لا محالة وكان الحكم في مورد الاجتماع على طبقه فيخرج المجمع بذلك عن حيز الحكم الآخر رأسا إذ المفروض غلبة ارجح الملاكين على الآخر في مقام التأثير في نظر الآمر ـ إلى أن قال في ص ٣٥٦ مضافا إلى ما ذكره يستلزم عدم تحقق مورد للتعارض أصلا لأن انتفاء الملاك في أحد الحكمين لا يمكن استكشافه من نفس الدليلين لعدم تكاذبهما في وجدان كل من المتعلقين لملاك الأمر والنهي وإنما تكاذبهما في نفس مدلوليهما أعني الوجوب والحرمة فلا بد من أن يكون استكشاف انتفاء الملاك في أحدهما من دليل خارجي وهو مع ندرته على فرض

٤٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وجوده لا يوجب التعارض بل يوجب اشتباه الحجة باللاحجة وحكمه غير حكم التعارض ـ إلى أن قال في ص ٣٤٦ أن الحكم قبل وجود موضوعه خارجا يكون انشائيا ثابتا لموضوعه المقدر وجوده وبعد وجود موضوعه يستحيل أن لا يكون فعليا.

وأورد عليه المحقق العراقي في النهاية ج ١ ص ٤١٣ إذ تقول بانه لا وجه لما افيد إلّا الجمود بظاهر لفظ تزاحم الحكمين وإلّا فلا نعني نحن من باب التزاحم إلّا صورة الجزم بوجود الملاكين والغرضين في المورد مع ضيق خناق المولى من تحصيلهما الذي من نتائجه لروم تقديم أقوى الملاكين منهما وإن كان أضعف سندا من الآخر ـ ومنها غير ذلك من نتائج باب التزاحم كما أنه لا نعني من باب التعارض إلّا صورة عدم احراز الملاكين والغرضين في المورد بل صورة العلم بعدم وجود الغرض في أحد الموردين الذي من نتائجه أيضا الرجوع إلى قواعد التعارض من الترجيح بالمرجحات السندية بالاعدلية والاوثقية ونحوهما والتخيير في الأخذ بأحد الخبرين عند فقد المرجحات أو تساوي الخبرين فيها بمقتضى اخبار العلاج وعلى ذلك فكل مورد أحرز فيه وجود الغرضين كان ذلك داخلا في باب التزاحم ويجري عليه أحكامه من غير فرق في ذلك بين أن يكون تزاحم الغرضين والملاكين في عالم تأثيرهما في الرجحان والمرجوحية كما في المقام على الامتناع أو كان التزاحم بينهما في عالم الوجود ومقام التأثير في فعلية الحكمين وكل مورد لم يحرز فيه وجود الملاكين والغرضين على الاطلاق بل أحرز عدم وجود الملاك والغرض في أحد الموردين يكون ذلك من باب التعارض الذي من حكمه الأخذ بالارجح سندا من حيث العدالة والوثوق وعليه نقول بانه بعد أن أحرز في المقام وجود الملاكين والغرضين على الاطلاق في المجمع ولو على القول بالامتناع بشهادة أعمالهم

٤٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فيه نتائج باب التزاحم وحكمهم بصحة الصلاة مع الجهل بالغصبية أو بحرمته فلا وجه لاخراج مورد التصادق على الامتناع عن باب التزاحم وادراجه في صغريات باب التعارض على خلاف مشى القوم في ذلك إلّا إذا كان لك اصطلاح خاص ذلك هذا ـ إلى أن قال في ص ٤٣٦ ـ أن المسألة كانت من صغريات باب التزاحم دون التعارض ولو على الامتناع ومن ذلك لا بد من احراز الملاك والمقتضي لكل واحد من الحكمين على الاطلاق حتى في المجمع كي يحكم عليه على الجواز بكونه محكوما بحكمين من المحبوبية والمبغوضية والارادة والكراهة وعلى الامتناع بأقوى الملاكين لو كان أحدهما أقوى وإلّا فيحكم آخر غيرهما مثلا ولقد عرفت أيضا بيان الفرق بين باب التزاحم والتعارض وإن المدار في باب التزاحم إنما هو على تزاحم الملاكين في مقام التأثير في الرجحان والمرجوحية أو في عالم الوجود ومرحلة فعلية الارادة والكراهة كما في المتضادين وجودا ومنه باب الاجتماع بناء على الجواز خصوصا مع عدم المندوحة لا على تزاحم الحكمين في مقام الامتثال كما توهم وإلّا فكما عرفت لا يكاد ينتهي النوبة إلى مقام تزاحم الحكمين حتى في المتضادين اللذين يلازم امتثال أحدهما عصيان الآخر إلّا على فرض جعل القدرة من شرائط تنجز التكليف لا من شرائط أصل التكليف وفعليته وإلّا فعلى فرض كونها من شرائط أصل التكليف وفعليته كما هو التحقيق لا يكاد يكون مجال لوقوع المزاحمة بين الحكمين الفعليين حتى في المتضادين وجودا من جهة وضوح استحالة تشريح الحكمين ح على الإطلاق في المتضادين نظير امتناع تشريح الحكمين في مجمع العامين من وجه فلا بد على هذا الملاك ح من ادراج جميع هذه الموارد في باب التعارض مع أنه كما ترى ح فلا محيص من الالتزام بما ذكرناه من المعيار بجعل المناط في باب التزاحم على تزاحم الملاكين من المفسدة

٤٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

والمصلحة في عالم التأثير في ايراث الحب والبغض كما في باب الاجتماع على الامتناع أو تزاحمهما في عالم الوجود ومقام الفعلية الارادة والكراهة كما في المتضادين وجودا ومنه باب الاجتماع على الجواز وإن كان الحكم الفعلي دائما على طبق أحد الملاكين في قبال باب التعارض الذي ملاكه تكاذب الدليلين في مرحلة اصل الاقتضاء وعليه فكل مورد أحرز ولو من الخارج وجود الملاك والمقتضي لكل واحد من الحكمين كان ذلك من باب التزاحم الذي من لوازمه هو الأخذ بما هو الأقوى والأهم منهما ملاكا وإن كان أضعف سندا من الآخر نعم يخرج عن ذلك صورة اناطة المصلحة في قيامها بالشيء بعدم تأثير المفسدة في المرجوحية كما في كلية التكاليف المشروطة بالقدرة شرعا عند مزاحمتها مع ما لا يكون القدرة فيه إلّا شرطا عقليا كما في الحج الواجب في فرض انحصار المركوب بالدابة المغصوبة مثلا حيث أنه في هذا القسم لا يلاحظ جهة أقوائية المفسدة في مقام تقديمها على المصلحة ح بل يقدم المفسدة على المصلحة في مقام التأثير في المرجوحية الفعلية ولو كانت أضعف بمراتب من المصلحة وذلك من جهة استحالة مزاحمة المصلحة التعليقية مع المفسدة التنجيزية لأن مانعيتها دورية فتبقى المفسدة المزبورة في رتبة تأثيرها بلا مزاحم فتؤثر في المبغوضية ولو كانت في أدنى درجة الضعف وكانت المصلحة في أعلى درجة القوة وح فينحصر باب التمانع الذي يكون جهة تأثير كل من الملاكين تابع الاهمية والاقوائية بما عدا تلك الصورة كما هو واضح كما أن كل مورد لم يحرز وجود المقتضي والملاك لكل من الحكمين كان من باب التعارض الذي من حكمه هو الرجوع بعد العجز عن الجمع بينهما إلى المرجحات السندية.

وأورد على المحقق النائيني استادنا الآملي في المنتهى ص ٩٥ أو لا ان جعل

٤٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

مبنى الجواز هو كون المجمع مركبا من وجودين انضم احدهما إلى الآخر غير سديد لما سيأتي ـ وتقدم منا ـ من أن ذلك يوجب خروج مورد الاجتماع عن محل النزاع مع أنه يمكن القول بالجواز فيما إذا كان المجمع وجودا واحدا ذا جهتين وثانيا أن القول بوقوع التزاحم بين الخطابين الانشائيين ـ أي المنشأين عن الملاكين ـ في مقام الفعلية ـ أي تقديم أقواهما مناطا ـ غير سديد أيضا لان التزاحم في الفعلية يستلزم أن يكون الخطاب الانشائي الذي لا يصير فعليا في مورد التزاحم لغوا اذ المقصود بالانشاء لجعل الداعي هو فعليته ليكون داعيا ومع علم المولى بعدم صيرورته فعليا لا يتأتى منه الإنشاء في ذلك المورد فلا محالة يكون موضوع التزاحم هو الملاكان سواء كانا متّفقتين في الأثر لملاكي الواجبين أم كانا مختلفين في الأثر كملاكي الوجوب والحرمة ففي مثل المقام يقع التزاحم بين ملاك المأمور به وملاك المنهي عنه في تأثير الارادة والكراهة لمورد الاجتماع على القول بالجواز أو في تأثيرهما الحب والبغض في نفس المولى لمورد الاجتماع على القول بالامتناع ويشهد لما ذكرناه قوله بكون جعل الخطابين المتزاحمين دائما لغو العدم امكان صيرورة الانشائي منهما فعليا فادرج موردهما في مسائل التعارض لذلك مضافا قال في ص ١٣٧ فلان دعوى كون الحكم الاقتضائي حكما مجعولا بالقصد والاختيار ليكون جعله لغوا حيث لا يكون له أثر لم يظهر وجهها لان الحكم الاقتضائي حسب ترتب الحكم في نشأته لا وجود له فعلى إلّا وجود مقتضيه فهو موجود بوجود مقتضيه ولهذا سمي بالحكم الاقتضائي وعليه لا يكون الحكم في هذه النشأة مجعولا شرعيا ليكون جعله في مثل المورد لغوا.

وثالثا لو سلمنا أن مقياس التزاحم هو ما ذكره فلما ذا يخص التزاحم بمورد الوجودين سواء كانا منفكين أم منضمين وما المانع من تعميمه لما إذا كان مورد الاجتماع وجودا واحدا ذا جهتين فإن كان المانع من ذلك هو عدم القدرة

٤٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

على امتثال كلا الخطابين الإنشائيين فمورد تعدد الوجود مثله وان كان المانع هو تضاد الأحكام ولا يمكن اجتماع حكمين في وجود واحد ولو كان ذا جهتين فهو منقوض باشتمال الوجود الواحد على المصلحة والمفسدة في مورد الامتناع في نظره هذا مضافا إلى أن تضاد الأحكام انما يتحقق في مقام فعليتها وأما الانشائية منها فلا تضاد بينها ـ إلى أن قال في ص ١٢٧ ولا يخفى ما فيه ، أما أولا فلأن الكلام في المقام ليس في انطباق عنوان التعارض عليه وعدمه بل الكلام فيما لو دل أحد الدليلين على حرمة شيء ودل الآخر على وجوبه مثلا وعلمنا ان ذلك الشيء واجد لملاك الحرمة وملاك الوجوب معا فهل يلزم ح أن يعامل مع مثل المورد معاملة التعارض ويرجع فيه إلى المرجحات السندية وغيرها؟ أو يعامل معه معاملة التزاحم فيرجع فيه إلى مرجحات باب التزاحم ويؤخذ بما هو أقوى ملاكا وإن كان أضعف سندا ولا ريب في أن العقل إذا أدرك ذلك يحكم على طبق الملاك الأقوى ويلزم بالعمل بدليله وإن كان أضعف من دليل الحكم الآخر ، وأما طريق العلم باشتمال الشيء على ملاكي الوجوب والحرمة أو أقواهما فسيأتي بيانه ، وأما ثانيا فلان جعل موضوع التزاحم هو الحكمان الانشائيان حيث يتزاحمان في الفعلية كلام شعرى لا سند له لأن القدرة على امتثال التكليف إن كانت شرطا في انشائه كما أنها شرط في فعليته فهو المطلوب وإن اعتبرت شرطا في فعليته دون انشائه لزم إنشاء حكم لا فعلية له في حال عجز المكلف وحيث أنه لا أثر للحكم التكليفي إلّا تحريك المكلف نحو المكلف به يكون انشائه في حال العجز لغوا لا يتأتى من الحكيم الملتفت ـ كما مر ـ ولو سلمنا إمكان جعل حكمين انشائيين لا يمكن أن يكون كلاهما فعليين كما هو المدعى في مورد الموجودين بوجودين انضماميين أو الموجودين بوجودين منفكين متلازمين فما الموجب لاخراج الوجود الواحد ذي الجهتين من هذا الحكم بعد فرض اشتمال ذلك الواحد على ملاكي الوجوب والحرمة فلم لم يجوز انشاء حكمين على وفق الملاكين المزبورين غاية الأمر لا يكون فعليا

٤٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

إلّا أحدهما كما هو شأن حكمي الموجودين المتلازمين والوجودين الانضماميين ، وأما ما أورد على المدعى ـ أي الأخير من كلامه ـ من أن التعارض لو كان هو تنافي الدليلين في ثبوت ملاكي الحكمين اللذين دلا عليهما لا نحصر التعارض في صورة العلم بعدم كون أحد الحكمين واجدا للملاك الخ. فغير وارد على المدعى لأنّه اما ان يكون كل من الدليلين المتعارضين نافيا للملاك عن الحكم الذي دل عليه الآخر ، واما ان يعلم من دليل آخر أنه لا ملاك لاحد الحكمين اللذين دل على كل منهما دليل معتبر وسيأتي بيان كون كل من الدليلين المتعارضين نافيا للملاك عن الحكم الذي دل عليه الآخر وعليه لا ينحصر التعارض في صورة العلم بعدم كون أحد الحكمين واجدا للملاك وأيضا لا يلزم أن تكون هذه الصورة من قبيل اشتباه الحجة باللاحجة لا ناقد اشرنا فيما سبق إلى أن اشتباه الحجة باللاحجة منحصر فيما لو علمنا من الخارج بكون أحد الدليلين غير جامع في الواقع لشرائط الحجية ولكن لم يعينه لشخصه فاتضح مما تقدم أن التزاحم بين الأمر والنهي إنما يتحقق بين ملاكات الأحكام في تأثيرها للإرادة والكراهة في نفس الحاكم حيث يكون متعلقاهما متلازمين في الوجود أو يكون وجود احدهما منضما إلى وجود الآخر ، وأما إذا انطبق متعلق الأمر ومتعلق النهي على وجود واحد ذي جهتين فإن كانت الجهتان متمايزتين في موقع صدقهما بنحو لا يكون موقع صدق أحدهما نفس موقع صدق الآخر كان حالهما حال الوجودين المنضم أحدهما إلى الآخر وإن كانت الجهتان مشتركتين في بعض مدلول كل منهما وفي موقع صدقه بمعنى أن يكون بعض مفهوم إحداهما هو نفس بعض مفهوم الأخرى وكذلك موقع صدق بعض مدلول إحداهما نفس موقع صدق بعض مدلول الأخرى كالصلاة والغصب فان الفعل أعني به العمل الصادر من الفاعل مشترك بين أفعال الإنسان جميعها والصلاة والغصب من أفعاله فهما مشتركان في ذلك الفعل ويمتاز أحدهما عن الآخر بخصوصية يتخصص بها ذلك الفعل الخاص مثلا

٤١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الصلاة فعل الإنسان المشتمل على الخصوصيات المعلومة الموجبة لكونه صلاة والغصب هو تصرف الإنسان المكلف في مال غيره بغر اذنه فاذا صدق هذان الفعلان على بعض أفعال الإنسان فقد اشتركا أيضا في موقع الصدق كالصلاة في المكان المغصوب فإن مفهوم الصلاة يصدق بجزئه العام أعني به الفعل على حركة المكلف في المكان المغصوب يصدق بجزئه العام المزبور على تلك الحركة نفسها وهذا الفعل الخارجي الواحد الذي صار مقوما لمصداق الصلاة ومصداق الغصب لا يعقل أن يكون محبوبا ومبغوضا لشخص واحد في زمان واحد فلا محالة يقع التزاحم والتصادم بين ملاكات الأحكام في ذلك الفعل الواحد في تأثير الحب والبغض في نفس الحاكم فاذا فرض أن أحد الملاكين أقوى من الآخر يكون له الأثر في نفس الحاكم وتتبعه الإرادة أو الكراهة.

وتطويل الكلام في هذه الأمور لاجل ان يتضح الفارق بأحسن وجه وتحصل أنه ذهب صاحب الكفاية ج ١ ص ٢٤٥ أنه كلما كانت هناك دلالة على ثبوت المقتضي في الحكمين كان من مسألة الاجتماع وكلما لم يكن هناك دلالة عليه فهو من باب التعارض مطلقا إذا كانت هناك دلالة على انتفائه في أحدهما بلا تعيين ولو على الجواز وإلّا فعلى الامتناع الخ. يعني وإن لم تكن دلالة على انتفاء المناط في أحدهما ولم يحرز ثبوت المناط فيهما ولو لمانع فعلى الامتناع يكون من التعارض إذ لا طريق إلى ثبوت المناطين ، وأما المختار تبعا للمحقق العراقي أيضا ذلك لكن على الامتناع ليس من التعارض لما لنا الطريق في احراز ثبوت المناط فيهما فيما لم يحرز ثبوت ذلك وذلك لما عرفت أن الدلالة الالتزامية لا بد وأن تكون تابعة للدلالة المطابقية ثبوتا ووجودا ولا يجب أن يكون تابعة لها حجية واثباتا إذ لا مانع من التفكيك بينهما إذا ساعده الجمع العرفي كما تقدم مفصلا ، والمحقق النائيني اختار أن تنافي الدليلين في مرحلة جعل الأحكام هو التعارض وتنافي الحكمين في مقام الامتثال هو التزاحم وقد مر مفصلا.

٤١١

كما توهم لا يفهم له وجه (١) عدى (٢) ما أفيد (٣) بأن تزاحمهما (٤) في مثل المقام في التأثير (٥) موجب لكون زمام بيان ما هو راجح فعلى لدى المولى بيده وربما يوكل أمر بيانه إلى ما هو أقواهما سندا (٦) وهذا بخلاف ما لا يكون بينهما تزاحم في التأثير

______________________________________________________

(١) قد عرفت

الاشكال على هذا التوهم مفصلا.

(٢) هذا الوجه يكون دليلا للتوهم.

(٣) قال المحقق النائيني في الفوائد ج ١ ص ٤٣١ وأما تزاحم المقتضيين فإنما يكون في مقام الجعل والتشريع حيث يتزاحم المقتضيان في نفس الأمر وارادته ويقع الكسر والانكسار بينهما في ذلك المقام ويكون لعلم الامر وجهله دخل في تزاحم المقتضيين حيث لو لم يعلم الامر بثبوت المقتضيين لا يعقل أن يقع التزاحم بينهما في ارادة الأمر وعلم المكلف وجهله أجنبي عن ذلك فإن عالم الجعل والتشريع إنما يكون بيد الآمر والمأمور أجنبي عنه فيكون لعلم الآمر وجهله دخل كما أن عالم الامتثال وصرف القدرة وأعمالها يكون بيد المكلف والآمر أجنبي عنه فيكون لعلم المأمور دخل.

(٤) أي الملاكين.

(٥) أي الجعل.

(٦) قال المحقق النائيني في الفوائد ج ١ ص ٤٣٣ أنه بناء على الامتناع لا محيص عن القول بفساد الصلاة وتندرج المسألة في باب التعارض.

٤١٢

كالمتزاحمين (١) فانه ليس أمر تعين مرامه بيده (٢) إذ هو مبيّن (٣) فلا محيص (٤) حينئذ من اتكال أمر تزاحمه إلى العقل المستقل بالأخذ بما هو أقوى مناطا لا سندا وهو فاسد جدا (٥) وذلك (٦) لان الاطلاقين بعد فرض ظهورهما في أصل الاقتضاء في الطرفين (٧)

______________________________________________________

(١) قال المحقق النائيني في الفوائد ج ١ ص ٤٣١ أنه وقع التزاحم بين ذلك الحكم وبين حكم آخر في مقام الامتثال وصرف القدرة عند عدم تمكن المكلف من كلا الامتثالين والتزاحم بين الحكمين أمر وبين المقتضيين أمر آخر بينهما بون بعيد فان تزاحم الحكمين على ما عرفت إنما يكون في مقام الفعلية وتحقق الموضوع بعد الفراغ عن تشريعهما على طبق موضوعاتهما المقدر وجودها وفي هذا القسم من التزاحم يكون لعلم المكلف وجهله دخل حيث أن الحكم المجهول لا يصلح أن يكون مزاحما لغيره فإنه لا يكون شاغلا لنفسه فبان لا يكون شاغلا عن غيره أولى.

(٢) أي بيد المولى والآمر.

(٣) اي من المولى تم البيان.

(٤) فلا بد من الرجوع إلى مرجحات باب التزاحم من الأخذ بأقوى ملاكا ونحوه مما يحكم به العقل.

(٥) هذا التفصيل قد عرفت فساده من أنه على الامتناع من باب التعارض وعلى الجواز من باب التزاحم.

(٦) لما عرفت مرارا من أن اطلاق الأمر والنهي وظهورهما في جميع المراتب محفوظة.

(٧) وتدل كل واحد على ثبوت الملاك.

٤١٣

وفرضنا أنه لا مانع في تأثير كل واحد (١) إلّا تمانعهما في التأثير (٢) فكيف (٣) للمولى ترجيح أقوائهما سندا على أقواهما مناطا في فرض احراز الاقوائية لدى العقل نعم للمولى ذلك لو فرض احتمال وجود مانع آخر عن تأثير الأقوى بنظر العقل إذ العقل ح منعزل عن الحكم في هذه الصورة (٤) ولكن ذلك خلاف الفرض (٥) وخلاف ظهور اطلاق الخطابين في الفعلية من جميع الجهات غير جهة تزاحم المقتضيين في تأثيرهما فقط إذ (٦) حينئذ ليس العقل منعزلا عن حكمه بالأخذ بأقواهما مناطا وفي مثله ليس للشارع الحكم على خلافه (٧) لأن حكم

______________________________________________________

(١) كما تدل كل واحد على فعلية الحكم.

(٢) لكن المانع عن فعلية الحكمين موجودا لتضاد الأحكام في مورد الاجتماع لكن لا يضر بدلالته الالتزامي بوجود الملاك في كل منهما بالاطلاق فيكون من مصاديق التزاحم لوجود الملاكين والتزاحم في مقام التأثير دون التعارض هو العلم بوجود ملاك واحد والرجوع إلى مرجحاته.

(٣) من أقوائية السند فكيف يقدم على اقوائية الملاك بعد ما كان أحدهما أقوى ملاكا.

(٤) نعم لو احتمل المانع عن تأثير الأقوى والعلم بملاك واحد يخرج ذلك عن الفرض ويكون من التعارض.

(٥) لكن هذا خلاف محل الكلام من احراز عدم المانع ولو بظهور الاطلاقي الخطابين في الفعلية من جميع الجهات غير جهة تأثير المقتضيين.

(٦) فالعقل حاكم بلزوم الاخذ بالأقوى مناطا.

(٧) وليس للشارع الحكم على خلافه فإنه لا مجال بعد حكم العقل التنجيزي بتقديم الأقوى مناطا.

٤١٤

العقل في هذه الصورة تنجيزي كما هو ظاهر فتدبر وكيف كان (١) لا شبهة في ادخال المقام في باب التزاحم واجراء أحكامه فيه من الأخذ بأقواهما مناطا ولو كان أضعف سندا عن غيره فباب التعارض (٢) منحصر بصورة تكاذب الخطابين في أصل الاقتضاء أيضا زائدا عن الفعلية إذ حينئذ زمام بيان ما فيه من الحكم باقتضائه بيده والعقل في مثله منعزل عن الحكم وله حينئذ ايكال بيان مرامه بالأخذ بما هو أقوى سندا كما هو شأن المتعارضين من النصوص.

نعم هنا كلام آخر (٣) في أن الأصل في كل خطابين واردين على

______________________________________________________

(١) فالمقام باب التزاحم لاحراز المقتضيين.

(٢) وباب التعارض هو ما أحرز عدم المقتضيين وأنه هناك مقتض واحد الحاكم حينئذ هو الشرع من الرجوع إلى أقوى سندا والعقل منعزل عنه.

(٣) في بيان الضابط في مرحلة الاثبات للتزاحم والتعارض وهنا تقريبين للتعارض التقريب الأول ما في المتن وتوضيح ذلك قال المحقق العراقي في النهاية ج ١ ص ٤٣٨ يبقى الكلام في تشخيص صغريات باب التزاحم عن صغريات باب التعارض وان مقتضى ظهور الخطابين عند عدم قيام قرينة قطعية من اجماع أو غيره على وجود الملاكين في المجمع هل هو كونه من باب التزاحم مطلقا أو من باب التعارض كذلك أو يفصل بين صورة تعدد عنوان المأمور به والمنهي عنه وبين صورة وحدة عنوان المأمور به والمنهي عنه كما في اكرام العالم والهاشمي فيما لو تعلق الأمر مثلا باكرام العالم والنهي باكرام الهاشمي ـ إلى أن قال في ص ٤٤٠.

٤١٥

مورد واحد هو التزاحم أو التعارض وفي هذا المجال أيضا مقتضى التحقيق أن يقال (١) ان كل مورد تعلق الخطابين بعنوان واحد طبع كل خطاب يقتضي الردع عن نقيضه (٢) كما أن الظاهر من كل خطاب أيضا نفيا واثباتا ثبوت مباديه في متعلقه (٣) او عدمه (٤) ولازم اقتضائه عدم النقيض سلب جميع مباديه عنه (٥) ، كما أن الظاهر من ثبوته وجود جميع مباديه فيه (٦) ، وحينئذ يقع المطاردة بين الخطابين

______________________________________________________

(١) وحاصله دعوى أن اعمال قواعد التعارض في فرض وحدة عنوان المأمور به والمنهي عنه إنما هو من جهة ما يقتضيه العقد السلبي في كل من الخطابين بتقريب أن كل واحد من الخطابين في الفرض المزبور.

(٢) كما يكشف عن وجود مناطه فيه أي في متعلقه كذلك يكشف عن عدم وجود مناط آخر فيه غير مناطه ويمنع عن نقيض هذا الفعل.

(٣) أي الأمر باطلاقه يدل على وجود مصلحة في متعلقه مطلقا كاكرام العالم.

(٤) أي النهي يدل باطلاقه على وجود المفسدة في متعلقه مطلقا كحرمة اكرام الفاسق.

(٥) اي الأمر يدل بالالتزام على أنه بنحو لا تزاحم تلك المصلحة مفسدة تقتضي النهي عنه والنهي يدل بالالتزام على نحو لا تزاحمه مصلحة تقتضي الأمر به.

(٦) اي الامر يقول اكرم العالم مطلقا حتى لو كان فاسقا والنهي يقول لا تكرم الفاسق ولو كان عالما.

٤١٦

في عالم الاقتضاء أيضا (١) ، ولا نعني من تكاذبهما في عالم الاقتضاء إلّا ذلك فيجري عليه أحكام التعارض كما أسلفناه ، وأما لو

______________________________________________________

(١) وحينئذ فحيث ان متعلق الخطابين عنوان واحد فقهرا يقع التكاذب بين العقد الايجابي في كل منهما مع العقد السلبي في الخطاب الآخر بنحو يوجب تقديم كل خطاب الغاء الآخر بالمرة حتى من جهة دلالته على وجود مناط فيه فمن ذلك لا بد فيه من اعمال قواعد التعارض بينهما ـ اي ح يكون كل من الدليلين المتعارضين مكذبا للآخر فيما يثبته ويقتضيه ـ وهذا بخلافه في فرض تعدد عنوان المأمور به والمنهي عنه فانه في هذا الفرض لا ينتهي النوبة إلى مقام معارضة الخطابين حيث لا يقتضي تقديم شيء من الخطابين ح الغاء الآخر عن الدلالة على وجود المناط في متعلقه بوجه اصلا فمن هذه الجهة يؤخذ بظهور كل من الخطابين في الدلالة على وجود الملاك والمصلحة في متعلقه حتى في المجمع ويجري عليه بعد ذلك قواعد التزاحم ولكن يمكن الخدشة في هذا التقريب بمنع التنافي بين الخطابين في فرض وحدة عنوان المأمور به والمنهي عنه ايضا وذلك من جهة امكان ان يكون الشيء الوحداني بجهتين تعليليتين واجدا للمصلحة والمفسدة فيكون ذا مصلحة من جهة وذا مفسدة من جهة اخرى وامثلته كثيرة جدا ومعلوم ح انه مع امكن ذلك ثبوتا لا يبقى مجال دعوى العقد السلبي للخطابين حتى ينتهي الامر إلى معارضته مع العقد الايجابي في الآخر ـ قال في ص ٤٣٩ التقريب الثاني ـ واما لو اتخذ عنوان المأمور به والمنهي عنه كاكرام العالم والهاشمي حيث كان متعلق الامر والنهي عنوانا واحدا وهو الاكرام فمقتضى ما ذكرنا ـ اي ما سنشير إليه ـ وان كان هو اعمال قواعد التزاحم فيه ايضا إلّا ان ظاهر الأصحاب في مثله على اعمال قواعد التعارض ولعل النكتة في الفرق بين الفرضين هو ان في فرض تعدد عنوان

٤١٧

كان الخطابين متعلقا بعنوانين (١) ولو كانا مشتركين في جهة (٢) فلا

______________________________________________________

المأمور به والمنهي عنه لا يكون العقل مانعا بدوا عن فعلية التكليف بالعنوانين بل وانما الممنوع فيه هو فعلية التكليفين في ظرف التطبيق في المرجع حيث يرى بعد التطبيق كونهما من التكليف بما لا يطاق فمن ذلك يخرج عن كونه من القرائن الحافة الكاسرة لظهور الهيئة وهذا بخلافه في صورة وحدة عنوان المأمور به والمنهي عنه كما في العامين من وجه كاكرام العالم والهاشمي فانه في هذا الفرض يكون العقل بدوا مانعا عن فعلية التكليفين بعنوان وحداني وعن اجتماع المحبوبية والمبغوضية فيه إذ يرى ـ اي العقل بفطرته ـ كون اصل التكليف به بالفعل تارة وبالترك اخرى من التناقض ومن هذه الجهة يكون من قبيل القرائن المتصلة الحافة فيوجب كسر صولة ظهور الخطابين في الفعلية ومعلوم أنه مع انثلام الظهور المزبور لا يبقى مجال كشف المناطين ـ أي مناط الأمر ومناط النهي ـ فيه ـ أي الارادة والكراهة والحب والبغض والمصلحة والمفسدة ـ فمن ذلك لا بد فيه من اعمال قواعد التعارض إذ يكفي في اجراء قواعد التعارض فيه مجرد عدم احراز كونه من باب التزاحم كما هو واضح. والأمر كما ذكره على ما عرفت مفصلا.

(١) ذكر المحقق العراقي في النهاية ج ١ ص ٤٣٨ أما فرض تعدد عنوان المأمور به والمنهي عنه حقيقة ـ أي لا يتمكن المكلف من الاتيان بمعنونيهما لتضادهما مع اتحاد سنخ التكليف المتعلق بهما أو كون المكلف به عنوانين متلازمين في الوجود سواء كانا موجودين بوجودين.

(٢) أي ام كانا منطبقين على وجود واحد ذي جهتين مع اختلاف سنخ التكليف المتعلق بهما كالوجوب والحرمة في مثل الصلاة في المكان المغصوب أو انقاذ الغريق في المكان المغصوب لكن سيأتي من المحقق الماتن تفصيل بين الصور كما سيأتي.

٤١٨

شبهة في أن كل خطاب (١) لا يقتضي إلّا المنع عن نقيض متعلقه (٢) بلا نظر منه (٣) إلى نقيض المتعلق الآخر ونتيجة منعه المزبور أيضا منع الاقتضاء في نقيض عنوانه بما له من الخصوصية (٤) فيبقى العنوان الآخر على اقتضاء خطابه بلا

______________________________________________________

(١) قضية اطلاق الخطابين حينئذ الكاشف عن وجود الملاك والمصلحة في موضوعيهما على الاطلاق حتى في المجمع بل وفي حال العجز عن موضوعهما وجدانا أيضا كما كان ذلك هو الشأن أيضا في كلية الخطابات.

(٢) أي ظهور كل خطاب في الدلالة على وجود الملاك والمصلحة في متعلقه حتى في المجمع وحرمة نقيضه وتركه فان الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده فله عقد ايجابي في الأمر وجود المصلحة في الصلاة وعقد سلبي المنع من تركها ونقيضها وكذلك النهي.

(٣) اي لازم ذلك خطاب الامر يدل على وجود المصلحة في الصلاة والمنع عن نقيض الصلاة وتركها بالخصوص وهي العنوان ولا اقتضاء له بالنسبة إلى نقيض الغصب أصلا وكذا الغصب يدل على وجود المفسدة في التصرف في مال الغير والمنع عن نقيضه بالخصوص وهو الأمر بترك الغصب. ولا نظر له إلى نقيض الصلاة أصلا حتى يوجب التكاذب بينهما كما كان يوجب في ما لو كان متحدا عنوانا.

(٤) ومن ذلك ترى بنائهم على كشف قيام المصلحة بمتعلق التكاليف على الاطلاق حتى في حال العجز عن امتثالها من مثل تلك الخطابات مع الجزم باختصاص فعلية التكاليف بحال القدرة من غير تخصيص للمصلحة أيضا بحالها إلّا في فرض أخذ القدرة أيضا قيدا في حيز الخطاب كما في الحج وحينئذ فاذا كان قضية اطلاق الخطابين هو الكشف عن وجود الملاك في موضوعهما على الاطلاق حتى في المجمع فقهرا يندرج في باب التزاحم الذي من حكمه هو الأخذ بأقوى الملاكين منهما.

٤١٩

موجب لتكاذبهما في أصل الاقتضاء (١) فيبقى كل منهما على ظهورهما في ظهور الاقتضاء في عنوانه وباطلاقهما يحرز الاقتضاء في مجمعهما (٢) ولا يقال (٣) بأن لازم نفي الاقتضاء في نقيض كل عنوان (٤) عدم امكان الأخذ باطلاقهما في المجمع واحراز (٥) الاقتضائين في مثله لأنه يقال (٦) أن غاية اقتضاء خطاب

______________________________________________________

(١) أي لا موجب لتكاذبهما بعد عدم التنافي في ظهورهما فيبقى كل واحد على ظهورهما وعدم النظر في كل منهما في العقد السلبي للآخر.

(٢) أي باطلاقهما يكشف عن ثبوت الملاك فيهما كما مر مرارا في المجمع فقد ظهر إلى هنا أن باب التزاحم يكشف الملاك بالاطلاق.

(٣) وملخص الاشكال انه بعد عدم اقتضاء كل من الأمر والنهي للاثبات والنفي لنقيض الآخر فالأمر لا يدل إلّا على وجود المصلحة في الصلاة والمنع عن ترك الصلاة أما بالنسبة إلى الغصب فلا اقتضاء له وكذا الغصب فحينئذ لا اطلاق لشيء منهما لمورد الاجتماع وهي الصلاة مع الغصب لان اطلاق كل منهما كان تابع عنوانه لا عنوان آخر فلا يكشف عن وجود المصلحة والمفسدة في المجمع بالاطلاق لأنّه لا نظر على الفرض لكل عنوان لنقيض العنوان الآخر وقد اجتمع على الفرض كل مع نقيض عنوان الآخر فالصلاة مع الأمر بترك الغصب والغصب مع النهي عن ترك الصلاة.

(٤) كالصلاة والغصب.

(٥) أي وعدم احراز الاقتضائين والمناطين في مثله.

(٦) وملخص الجواب انه تارة ينظر إلى المجمع فلا يقتضي شيء منهما إلى نفيه واثباته ، وأخرى ينظر إلى كل واحد بالخصوص فلا محالة يقتضي اطلاق الخطاب في حد نفسه لكل واحد وتوضيح ذلك.

٤٢٠