نماذج الأصول في شرح مقالات الأصول - ج ٣

السيد عباس المدرّسي اليزدي

نماذج الأصول في شرح مقالات الأصول - ج ٣

المؤلف:

السيد عباس المدرّسي اليزدي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة الداوري
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-5711-33-9
الصفحات: ٥٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الخارج مثل الصورة التي تجيء في ذهن المعمار من الدار الموجود في الخارج فانها تكون مع جميع الخصوصيات وأخرى يتصور في النفس صورة دار ويريد ايجادها في الخارج بواسطة البناء وهذه الصورة لا تكون مع الخصوصيات التفصيلية متصورة بل بنحو من الاجمال فالاوامر المتعلقة بالطبائع من قبيل الثاني دون الأول فيتعلق الأمر بماهية الصلاة التي يراد ايجادها في الخارج لا الصلاة الموجودة ، وأجاب عنه بعض اساتذتنا بأن الصورة لا مصلحة فيها والايجاد والوجود واحد على مسلكه فيعود المحذور من تحصيل الحاصل وعدم المصلحة في الماهية ، والجواب عنه واضح ، فإن الصورة حاكية عن الخارج كان الخارج هو بجميع شرائطه حتى المصلحة جاء في الذهن وتعلق به الأمر مع الغض عن ذهنيته وهذا واضح ، وذكر استادنا الآملي في المجمع ج ١ ص ٣٧٤ ، فالحق أن يقال إن الايجاد والوجود ليسا بواحد فإن نسبة الفاعلية غير النسبة المفعوليّة فيكون الطلب متعلقا بالايجاد الذي يكون هو فعل الفاعل أو بالماهية لغاية الايجاد أي لتوجد في الخارج والشاهد على تعددهما هو فصل لفظة الفاء الدال على الترتيب الذاتي فانه يقال الشيء قررت فامكنت فاوجدت فوجدت كما يقال تحركت اليد فتحرك المفتاح فكما أن اتحاد الزمان لا يوجب اتحاد العلة والمعلول فكذلك في المقام فإن رتبة الايجاد قبل الوجود المصلحة تكون في الفاعلية انتهى.

وفيه أن الايجاد والوجود أمر واحد وإنما متعدد اعتبارا وتخلل الفاء لما عليه الاعتبار وإلّا يكون واحد حقيقة قال المحقق الاصفهاني في النهاية ج ١ ص ٢٤٨ ولا يخفى عليك ان الايجاد والوجود والافاضة والفيض متحدان بالذات متفاوتان بالاعتبار فمن حيث قيام الصاد الفائض بالماهية يسمى وجودا لها ومن حيث قيامه بالجاعل قيام الفعل بالفاعل يسمى ايجادا وجعلا وافاضة الخ.

٢٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

هذا أولا وثانيا أن ما أفاده هو بعينه ما ذهب إليه المحقق النّائينيّ من تعلقه بالماهية لكن لغاية ايجادها ، واختار المحقق الاصفهاني في النهاية ج ١ ص ٢٤٩ فالتحقيق ح تعلق الأمر بالفرد بمعني وجود الطبيعة توضيحه ان طبيعة الشوق من الطبائع التي لا تتعلق بما له جهة فقدان وجهة وجدان إذا تتعلق لو كان موجودا من كل جهة كان طلبه تحصيلا للحاصل ولو كان مفقودا من كل جهة لم يكن طرف يتقوم به الشوق فانه كالعلم لا يتشخص إلّا بمتعلقه بخلاف ما لو كان موجودا من حيث حضوره للنفس مفقودا من حيث وجوده الخارجي فالعقل يلاحظ الموجود الخارجى فان له قوة ملاحظة الشيء بالحمل الشائع كماله ملاحظة الشيء بالحمل الاولي فيشتاق إليه فالموجود بالفرض والتقدير مقوم للشوق لا بما هو هو بل بما هو آلة لملاحظة الموجود الحقيقي والشوق يوجب خروجه من حد الفرض والتقدير إلى الفعلية والتحقيق وهذا معني تعلق الشوق بوجود الطبيعة لا كتعلق البياض بالجسم حتّى يحتاج إلى موضوع حقيقي ليقال ان الموجود الخارجي لا ثبوت له في مرتبه تعلق الشوق ولا يعقل قيام الشوق بالموجود الخارجي كيف والوجود يسقطه لما عرفت من اقتضاء طبيعة الشوق عدم الوجدان من كل جهة. ـ وفيه ان الطلب والشوق بعد ما تعلق بالصورة الذهنية الموجودة في النفس ومفقودا في الخارج فلا يمكن تحققها في الخارج لكونها جزئيا ذهنيا وليس فيه المصلحة وتمام نظره إلى انه ليس من تحصيل الحاصل وهو كما ذكره لكن الإشكال في المصلحة بخلاف ما افاده المحقق العراقي من الصورة الحاكية عن الخارج فكانه هو فلا يرد هذا المحذور لان المصلحة قائمة ولو بالخارج لكن الصورة هو نفس ما في الخارج لا غيره فالماهية بما هي خارجية وانها عين الخارج تقع متعلقة للارادة والطلب تصورا وان لم يكن في الخارج موجود تصديقا.

٢٠٢

الجهة الثالثة : في الدليل على مدعى كل واحد منها أما صاحب الكفاية قال ج ١ كفاية ص ٢٢٢ وفي مراجعة الوجدان للإنسان غنى وكفاية عن إقامة البرهان على ذلك حيث يرى إذا راجعه أنه لا غرض له في مطلوباته إلا نفس الطبائع ولا نظر له إلا إليها من دون نظر إلى خصوصياتها الخارجية وعوارضها العينية وأن نفس وجودها السعي بما هو وجودها تمام المطلوب وإن كان ذاك الوجود لا يكاد ينفك في الخارج عن الخصوصيات.

وقد تقدم الكلام في هذا المبنى مضافا إلى أن مقصوده على القول بالفرد في قبال الوجود السعي هو وجود الخاص الجزئي فقد تقدم بطلانه أو كون المراد تعلق الطلب بوجودها السعي وبوجود الخصوصيات الفردية وهي الطبيعة المنضمة فله وجه لكن فيه إشكال سيأتي الإشارة إليه.

والمراد بالوجود السعي الذي له وحدة سنخية هو الجامع الوجودي بين وجودات الافراد الذي لا تنافي الكثرة العددية في مقابل الجامع الماهوي بين الماهيات الشخصية من أفراد نوع واحد فهو لم يقم فيه المصلحة وإنما هو قائم بالأفراد الخارجية ، مضافا إلى ما تقدم قال المحقق العراقي في النهاية ج ١ ص ٣٨٢ مع ما يلزمه من لزوم تجريد الهيئة عن الوجود في نحو قوله أوجد الصلاة نظرا إلى ما هو الواضح من عدم انسباق الوجود في المثال مرتين في الذهن تارة من جهة المادة وأخرى من جهة الهيئة والالتزام فيه بالمجاز أيضا كما ترى.

وتمسك المحقق النائيني أيضا بالوجدان على تعلقه بالماهية وان متعلق الارادة في أفق النفس كلي دائما وقد عرفت ما فيه وذكر المحقق العراقي في النهاية ج ١ ص ٣٨١ أن الذي يقتضيه التحقيق هو الأول من تعلق الأمر والطلب بنفس الطبيعة لكن بما هي مرآة إلى الخارج وملحوظة بحسب اللحاظ

٢٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

التصوري عين الخارج لا بالوجود الخارجي كما كان ذلك هو الشأن في سائر الكيفيات النفسية من المحبة والاشتياق بل العلم والظن ونحوها أيضا كما يشهد لذلك ملاحظة الجاهل المركب الذي يعتقد بوجود شيء بالقطع المخالف للواقع فيطلبه ويريده أو يخبر بوجوده وتحققه في الخارج إذ نقول بأنه لو لا ما ذكرنا من تعلق الصفات المزبورة بالعناوين والصور الذهنية بما هي ملحوظة خارجية يلزم خلوّ الصفات المزبورة عن المتعلق في مثل الفرض المزبور فإنه بعد مخالفة قطعة للواقع لا يكون في البين شيء تعلق به تلك الصفات مع أن ذلك كما ترى من المستحيل جدا لوضوح أن هذه الصفات من العلم والظن والمحبة والاشتياق والارادة كما كان لها اضافة إلى النفس من حيث قيامها بها كذلك لها اضافة أيضا إلى متعلقاتها بحيث يستحيل تحققها بدونها بل وقد يقطع الانسان ويذعن بعدم تحقق شيء كذائي في الخارج إلى الابد ومع ذلك يشتاق إليه غاية الاشتياق ويتمنى وجوده كقولك يا ليت الشباب لنا يعود ، فإن ذلك كله كاشف تام عن تعلق تلك الصفات المزبورة بنفس العناوين والصور الذهنية لا بمنشإ انتزاعها والمعنون الخارجي وهو الوجود غايته بما هي ملحوظة بحسب النظر التصوري عين الخارجي لا بما أنها شيء في حيال ذاته بحيث يلتفت عند لحاظها إلى مغايرتها مع الخارج ولئن شئت فاستوضح ما ذكرنا بالرجوع إلى الاكاذيب المتعارفة بين الناس في السنتهم ليلا ونهارا فإنه لا شبهة في أن الذي يخبر كذبا بثبوت القيام لزيد في قوله زيد قائم مثلا لا يلاحظ ولا يرى من زيد والقيام والنسبة بينهما في لحاظه ونظر الازيد أو القيام الخارجيين والنسبة الخارجية بينهما لا المفهوم منها بما أنه شيء في قبال الخارج ولا الوجود الحقيقي الخارجي لانه حسب اذعانه وتصديقه مما يقطع بخلافه وإلّا يخرج اخباره بقيامه عن كونه كذبا كما هو واضح وعلى ذلك فلا محيص من المصير

٢٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

في كلية تلك الصفات من العلم والظن والحب والبغض والاشتياق والإرادة ونحوها إلى تعلقها بنفس العناوين والصور الذهنية غايته بما هي حاكية عن الخارج كما شرحناه لا بمنشإ انتزاعها والمعنون الخارجي لا بد وأولا بالسراية بتوسط العناوين والصور كيف وإن الخارج بعد كونه ظرفا لسقوط الارادة والطلب يستحيل كونه ظرفا لثبوتهما فيستحيل حينئذ تعلق الارادة والطلب بالمعنون الخارجي ولو بالسراية بتوسيط العناوين والصور من جهة رجوعه حينئذ إلى طلب الحاصل المحال كما هو واضح ـ إلى أن قال ـ فعلى ما ذكرنا من الاعتبار الثالث للطبيعة وهو لحاظها خارجية لا يكاد مجال لهذا الإشكال حتى يحتاج في التفصّي عنه إلى اشراب الوجود في الهيئة اذ عليه نقول بأن المصلحة حسب كونها من الأعراض الخارجية وإن لم تكن قائمة إلا بالخارج إلّا أن الطبيعي بهذا الاعتبار بعد ما لم يكن مغايرا مع الخارج بل كان بينهما الاتحاد والعينية بالاعتبار المزبور يلزمه قهرا صيرورة كل من الخارج والصور الذهنية متلونا بلون الآخر في مرحلة الاتصاف ، فمن ذلك تتصف الصور الذهنية بلحاظ الاتحاد المزبور بكونها ذات مصلحة كاتصاف الخارج أيضا بالمراد المطلوبية والمرادية على الخارج وصدق المطلوبية نظير باب الالفاظ بالنسبة إلى معانيها من حيث سراية صفات كل منهما إلى الآخر لاجل ما كان بينهما من الاتحاد ففي الحقيقة كان هذا الاتحاد موجبا لنحو توسعة في دائرة النسبة في مقام الاتصاف في صدقية ذي الأثر والمصلحة على الصور الذهنية وإلا ففي مرحلة العروض لا يكون المعروض للطلب إلا العناوين والصور الذهنية كما أنه في ظرف المصلحة أيضا لا يكون المعروض لها إلا الوجود والماهية الخارجية. ونعم ما أوضح الأمر وعليه يكون متعلق الطلب نفس الصور الذهنية بما أنها ملحوظة خارجية دون المعنونات الخارجية من غير

٢٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فرق بين كون العنوان من العناوين الانتزاعية أو من الطبائع المتاصلة كالصلاة والصوم ونحوهما.

الجهة الرابعة : تحتاج إلى مقدمة الفرق بين الحصة والطبيعي والفرد هو أن الانسان يكون له وجود في الخارج بوجود زيد الذي يكون له وجود جوهري مع ضميمة ساير المقولات العرضية ومن هذه المرتبة تنتزع الفردية للإنسان ، ثم ان الضمائم لا يكون دخيلا في صيرورة زيد متشخصا بل تشخصه بنفس الوجود الجوهري الممتاز عن سائر الوجودات فإن زيدا لو ألقى منه جميع العوارض مثل كونه ابن عمرو أب فلان مع طول كذا وعرض كذا ولون كذا يكون غير بكر بنفس وجوده وهو الوجود الإنساني الذي هو الحيوان الناطق فزيد إنسان وعمر وكذلك ولكنهما ممتازان بنفس الوجود ومن ذلك يتصور للطبيعي مراتب عديدة حسب تعدد الأفراد ومغايرة كل مرتبة منه باعتبار محدوديتها بالحدودات الفردية مع المرتبة الاخرى ولذا اشتهر أن الطبيعي مع الافراد كنسبة الآباء مع الأولاد ، فلكل فرد أبا من الطبيعي غير ما يكون مع الابن الآخر مع اتحاد تلك الآباء على اختلافها ، وتباينها بحسب الرتبة بحسب الحقيقة واندراج الجميع تحت جنس واحد ، وعلى أي حال من هذه المرتبة تؤخذ الحصة فيقال زيد حصة من الانسان وعمرو كذلك مع أن الطبيعي يصدق عليهما ، ثم يكون لزيد وجه اشتراك مع سائر الأفراد وهو كون الجميع مصداقا للإنسان فبهذا النظر يصدق عليه أنه الطبيعي وينتزع منه فيكون الوجود الواحد الخارجي منشأ لانتزاع الفرد والحصة والطبيعي باعتبارات مختلفة فالوجودات المتعددة حصص للطبيعي وما لا تعد له وهو وجه الاشتراك هو الطبيعي ، وحينئذ إذا عرفت ذلك ففي صورة كون متعلق الأمر والنهي الطبيعة السارية يكون الحصص أيضا تحت الأمر والنهي مثل لا تشرب الخمر فإنه يكون جميع

٢٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الحصص مبغوضا ، وفي صورة كون المتعلق صرف الوجود سواء كان في الأمر كصل أو النهي كلا تأكل الثوم وادخل المسجد ، فانه يكون الأمر والنهي عن صرف الوجود بحيث لو أتي بفرد منهي حصل المكروه وهو الرائحة الكريهة أو وجوب الكفارة عند تعمد الإفطار بالاكل ونحوه الجماع فلا يتكرر ، أو بفرد الواجب حصل الامتثال وبقية الافراد لا تكون تحت النهي أو الأمر فكيف يكون الأمر متعلقا بها والتخيير بين الافراد يختلف على المسالك المتقدمة ، فيبتني على أن تعلق الأمر بعنوان فهل يسري إلى أفراده ومصاديقه على نحو يكون الافراد بما لها من الحدود والفردية والخصوصيات الشخصية تحت الطلب والأمر أم لا ، وعلى الثاني من عدم سرايته إلى الخصوصيات الفردية فهل يسري إلى الحصص المقارنة لخواص الافراد كما في الطبيعة السارية ـ أي الوجودات ـ أم لا بل الطلب والأمر يقف على نفس الطبيعي والقدر المشترك بين الحصص وهي الطبيعة الحاكية عنها ، ونتيجة هذا البحث كون التخيير بين الافراد عقلي على الثاني ، وشرعي على الأول ، ذهب صاحب الكفاية ومن تبعه إلى أنه عقلي وذهب المحقق العراقي إلى أنه شرعي ، وتفصيل ذلك قال صاحب الكفاية ج ١ ص ٢٢٩ في الواجب الموسع : ولا يذهب عليك أن الموسع كلي كما كان له أفراد دفعية كان له أفراد تدريجية يكون التخيير بينها كالتخيير بين أفرادها الدفعية عقليا ولا وجه لتوهم أن يكون التخيير بينها شرعيا ضرورة أن نسبتها إلى الواجب نسبة افراد الطبائع اليها كما لا يخفى. وذكر المحقق الاصفهاني في النهاية ج ١ ص ٢٥٧ أن المأمور به طبيعي الفعل الواقع في طبيعي الوقت المحدود بحدين فيكون كالحركة التوسطية وهو الكون بين المبدا والمنتهى فكما أن الكون المتوسط بالإضافة إلى الاكوان المتعاقبة الموافية المحدود كالطبيعي بالنسبة إلى أفراده كذلك الفعل المتقيد بالوقت المحدود

٢٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

بالأول والآخر بالإضافة إلى كل فرد من الفعل المتقيد بقطعة من الزمان المحدود بحدين بخلاف ما إذا أمر بفرد من الفعل المتقيد بقطعة من الزمان على البدل فإنه تخيير شرعي فيكون كالحركة القطعية بلحاظ قطعات الزمان المأخوذة قيود الأفراد الفعل فإن الزمان مأخوذ بنحو التقطع القابل لملاحظة قطعة قطعة القطعات المتقيد بها الواجب كالأجزاء بالإضافة إلى الزمان المأخوذ في الواجب على الثاني وكالجزئيات بالإضافة إلى الكون المتوسط على الأول ، انتهى.

فاللازم على القول بوجوب طلب الوجود في الواجبات على نفس الطبيعي وصرف الجامع وعدم سرايته إلى الحصص الفردية مطلقا لاتجه القول بالتخيير العقلي إذ لا يبقى مجال حينئذ لدعوى وجوب الحصص والأفراد بالوجوب الشرعي ولكن عمدة الكلام فيه حينئذ في أصل المبنى وستعرف مفصلا ومن هنا ظهر ما في أفاده استادنا الخوئي في المحاضرات ج ٤ ص ١٥ أيضا قال والصحيح في المسألة أن الطبيعي موجود في الخارج حقيقة وذلك لصحة حمل الوجود عليه فلا فرق بين قولنا زيد موجود وقولنا الإنسان موجود فكما أن الأول على نحو الحقيقة فكذلك الثاني ولذا لا يصح سلبه عنه هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أنه لا شبهة في صحة حمله على الفرد فيقال زيد إنسان ومن المعلوم أنه يعتبر في صحة الحمل الاتحاد في الوجود الخارجي وإلا فالحمل غير صحيح وهذا لعله من الواضحات وبعد ذلك نقول إنه على القول بوجود الطبيعي في الخارج يتعلق الأمر به وعلى القول بعدم وجوده فيه يتعلق بالحصة والفرد ولكن بإحدى الحصص الخارجية لا بالمعين منها فالنتيجة على كلا القولين هي التخيير بين تلك الحصص والأفراد عقلا ، أما على القول الأول فواضح ، وأما على القول الثاني فلفرض أن الأمر لم يتعلق بالحصة

٢٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الخاصة بل تعلق بواحدة منها لا بعينها ومن المعلوم أن تطبيقها على هذه وتلك بيد المكلف ولا نعني بالتخيير العقلي إلا هذا.

وأما ما ذكره من الواحد لا بعينه سيأتي الكلام في ذلك في محله والكلام في التخيير العقلي وستعرف ما فيه.

قال المحقق العراقي في البدائع ص ٤٠٨ فالتحقيق يقضي وقوف الطلب على نفس الطبيعي وعدم سرايته لا إلى الخصوصيات الفردية ولا إلى حصص الطبيعي الموجودة في ضمن الأفراد المقارنة لخواصها والدليل على ذلك أمران :

الأول أنه نرى بالوجدان عند طلب شيء والأمر به كما في الأمر باحضار الماء للشرب لا يكون المطلوب إلا صرف الطبيعي والقدر المشترك بين الحصص من دون مدخلية في ذلك للحصص فضلا عن الخصوصيات الفردية كماء الكوز والحب ونحو ذلك ولذا لو سئل عن تلك الحصص والخصوصيات فيجاب بأن المطلوب إنما كان صرف الطبيعي والقدر المشترك دون الحصص ودون خصوصيات الافراد. الثاني هو أن الطلب تابع للمصلحة ولا يتعلق إلا بما تقوم به المصلحة فمع قيام المصلحة بصرف الطبيعي والجامع وعدم سرايتها إلى الحدود الفردية ولا إلى الحصص المقارنة لخواصها لان المفروض عدم دخلها في المصلحة فيستحيل حينئذ سراية الطلب إلى الحدود الفردية او الحصص المقارنة لخواصها ، ثم لا يخفى أن ما ذكرنا من عدم سراية الطلب إلى الحصص وخروجها عن دائرة المطلوبية إنما هو بالقياس إلى الحيثية التي بها تمتاز هذه الحصص الفردية بعضها عن البعض الآخر المشترك معه في الجنس والفصل القريبين.

وأما بالنسبة إلى الحيثية الأخرى التي بها تشترك هذه الحصص وتمتاز بها

٢٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

عن أفراد النوع الآخر المشاركة لها في الجنس القريب وهي الحيثية التي بها قوام نوعيتها فلا بأس بدعوى السراية إليها ـ أي كحيثية الصلاتية بالنسبة إلى الصومية مثلا نظير الناطقية لا الناهقية ـ بل ولعله لا محيص عنها من جهة أن الحصص بالقياس إلى تلك الحيثية واشتمالها على مقومها العالي ليست إلا عين الطبيعي والقدر المشترك ومعه لا وجه لدعوى خروجها عن المطلوبية كما لا يخفى فعلى ذلك تكون الحصص المزبورة كل واحدة منها بالقياس إلى بعض حدودها وهو الطبيعي تكون تحت الطلب والأمر وبالقياس إلى حدودها الخاصة تكون تحت الترخيص وخارجة عن دائرة المطلوبية لا أنها على الإطلاق تحت الطلب والأمر كما في الطبيعة السارية ولا خارجة كذلك عن دائرة الطلب ونتيجة ذلك هو كون التخيير بين الحصص شرعيا لا عقليا فعليه تكون كل حصة من الحصص ببعض حدودها داخلة تحت الإلزام الشرعي وببعض حدودها الأخرى داخلة تحت الترخيص ومرجع ذلك إلى وجوب كل واحدة منها بايجاب ناقص بنحو لا يقتضي إلا المنع عن بعض أنحاء تروكها وهو الترك في حال ترك البقية مع كون الترك في حال وجود بقية الحصص تكون تحت الترخيص ومقتضاه هو تحقق الاطاعة والامتثال بايجاد فرد منها والعصيان بترك الجميع. ومما ذكرنا يتضح عدم تمامية ما في الكفاية وغيرها من الالتزام بكون التخيير في المقام عقليا مطلقا نعم لو قلنا بقيام الطلب على نفس الطبيعي وعدم سرايته إلى الحصص حتى بالقياس إلى حدودها التي هي القدر المشترك بينها لاتجه القول بالتخيير العقلي ان قلت ان الطلب بعد تعلقه بالعناوين والصور الذهنية لا بالمعنونات الخارجية كما هو المفروض تستحيل سرايته إلى الحصص الفردية حيث ان الحصص بصورها الذهنية تباين الطبيعي وان كان كل من الحصص الفردية والطبيعي ملحوظا بنحو المرآتية للخارج اذ لازم ذلك

٢١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

تحقق صورتين ذهنيتين ومن الواضح ان الصورتين الممتازة إحداهما عن الأخرى في وعاء تقررهما متباينتان قلت ان المدعي هو تعلق الطلب بالطبيعي بما هو مرآة للخارج ولا ريب في ان وجود الطبيعي في الخارج لا يمتاز عن وجود الحصص بل هو الجهة المشتركة الجامعة بين الحصص والمرئي بالطبيعي الملحوظ مرآة للخارج ليس إلّا تلك الجهة الجامعة بين الحصص وهذا هو مرادنا من سراية الطلب من الطبيعي إلى حصصه بل التامّل يقضي بان التعبير بالسراية في المقام مسامحي اذ بالنظر الدقي يكون الطلب المتعلق بالطبيعي الملحوظ مرآة لخارج متوجها إلى تلك الجهة الجامعة بين الحصص فمتعلق ذلك الطلب في الحقيقة هي تلك الجهة الجامعة بين حصصها ـ إلى ان قال ـ لا شبهة في ان ظرف السراية المدعاة انما هو قبل تحقق الانطباق في الخارج وما ذكر من انه لا مجال لسراية الطلب المتعلق بالطبيعي عن نحو صرف الوجود إلى حصة اخرى في هذا الظرف فهو ناشئ من تخيل ان سريان الطلب من الطبيعي إلى الحصص يلازم فرض ثاني الوجود مع انه لا يتصور في الطبيعي الملحوظ على نحو صرف الوجود ولكنه غير وجيه لانا لا ندعي سرايته إلى الحصص مع فرضها بنحو أول الوجود وثاني الوجود وهكذا ليتوجه الإشكال المزبور بل ندعي سرايته إلى كل حصة معنونه بعنوان عدم مسبوقيتها بغيرها من الحصص وحيث ان المدعي هو السراية البدلية فلا ضير في فرض حصص كثيرة تكون كل منها مسبوقة بعدم غيرها من الحصص ويكون الطلب المتعلق بالطبيعي ساريا اليها بنحو البدلية بذلك كله ليتضح انه لا محذور في ما ادعيناه من السراية اصلا. ونعم ما قال فلا بد ان يكون التخيير شرعيا إذا كان الحصص متعلقا للطلب كما هو الحق دون الطبيعي وحده فان الطبيعي لا يوجد في الخارج الا بوجود فرده ولا يسري الحكم منه إلى

٢١١

.................................................................................................

______________________________________________________

الخصوصيات وانما ليسري إلى جهة امتيازها عن افراد النوع الآخر المشاركة معها وهي حصة الطبيعة عند عدم مسبوقيتها بوجود غيره الذي في الطبيعة السارية لا توجد ذلك وان كانت تشارك معها في جنسها القريب وهي الحيثية التي بها قوام نوعيتها فان الحصص كل واحدة منها تشتمل على جهات وحيثيات شتّى ينتزع بها منها عناوين مقوماتها العالية كالجوهرية والجسمية والنامية والحساسية والحيوانية كما في زيد الذي هو فرد الانسان حيث يشتمل على جميع حدود مقوماته العالية من الجوهرية والجسمية إلى ان يبلغ إلى جهة الانسانية التي هي جهة مشتركة بينه وبين عمرو وخالد مع زيادة جهة اخرى فيه التي بها امتيازه عن عمرو وخالد وكذلك الانسان بالنسبة إلى الحيوان والجسم النامي والمطلق والجوهر وهكذا كل سافل بالنسبة إلى عاليه فانه لا بد من اشتماله على جميع مقوماته العالية مع زيادة جهة فيه بها امتيازه عن سائر الحصص المشاركة معه في جنسه وفصله القريبين وهو معنى قولهم بان كل ما هو مقوم للعالي مقوم للسافل ولا عكس ، واورد على المحقق العراقي بعضهم بعد مقدمة طويلة ان مراده من دعوى السراية. ان كان هو الفصول المميزة ففيه ان ذلك عين الطبيعي ومقومها ومرجعه إلى ان الحكم على الطبيعي يسري إلى الطبيعي وان اراد ما يمتاز به حصص نوع عن حصص نوع آخر ففيه ان الطبيعي لا يمكن ان يتحصص بنفس ذاته بل التحصص يحصل بتقييده بقيود عقلية مثل الانسان الابيض والفرس الاسود فحينئذ لا يمكن ان يكون الحصص نفس الطبيعي في اللحاظ العقلي واما الاتحاد الخارجي فكما يكون بين الحصص والطبيعي يكون بين الافراد والطبيعي ولكنه لا يوجب سراية الأمر في كلا القسمين وبالجملة ان الامتياز بين حصص نوع مع حصص نوع آخر ليس بالفصل المقوم فقط بل به وبالتقييدات الحاصلة من القيود اللاحقة

٢١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

المحصلة للحصص والامتياز بالفصل المقوم فقط انما يكون بين نوع ونوع آخر لا حصصهما فتحصل مما ذكرنا ان الأمر المتعلق بالطبيعي لا يمكن ان يسري إلى الافراد ولا إلى الحصص التي تخيلت للطبيعي. وفيه ان تقدم المراد من الحصص وانه حالات الشيء قبل تقييده بقيود اصلا فلا مانع من سراية الطلب إليه من دون تقييد مضافا إلى ان الطبيعة المرآة إلى الخارج وهي الحصة المقارنة للخصوصيات الجامع لحيثيات متعددة منها امتيازها عن نوع آخر فلا محذور لسراية الطلب إليه كما هو الواقع ويكون متعلق الأمر.

الجهة الخامسة : في ابتناء المسألة على اصالة الوجود او الماهية وانه يتعيّن على الثاني القول بالطبيعة وعلى الأول القول بالوجود ، إشارة إلى الخلاف المعروف في فن المعقول من ان الاصل في التحقق هو الوجود فهو الصادر حقيقة والماهية أمر اعتباري محض كما هو المنسوب إلى المحققين من المشائين او الاصل هو الماهية فهي الصادر حقيقة والوجود أمر اعتباري كما هو مذهب شيخ الاشراف شهاب الدين السهروردي وغيره قال صاحب الكفاية ج ١ ص ٢٢٣ لا يخفى ان كون وجود الطبيعة او الفرد متعلقا للطب انما يكون بمعنى ان الطالب يريد صدور الوجود من العبد وجعله بسيطا الذي هو مفاد كان التامة وافاضته لا انه يريد ما هو صادر وثابت في الخارج كي يلزم طلب الحاصل كما توهم ـ إلى ان قال ـ وانه لا بد في تعلق الطلب من لحاظ الوجود او العدم معها فيلاحظ وجودها فيطلبه ويبعث إليه كي يكون ويصدر منه هذا بناء على اصالة الوجود واما بناء على اصالة الماهية فمتعلق الطلب ليس هو الطبيعة بما هي ايضا بل بما هي بنفسها في الخارج ـ أي ماهية خارج ديده ـ فيطلبها كذلك لكي يجعلها بنفسها من الخارجيات والاعيان الثابتات لا بوجودها كما كان ان الأمر بالعكس على اصالة الوجود وكيف كان فيلحظ الأمر ما هو

٢١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

المقصود من الماهية الخارجية او الوجود فيطلبه ويبعث نحوه ليصدر منه ويكون ما لم يكن. أشار في كلامه في وهم وهو ان الطلب إذا كان متعلقا بالوجود كان عارضا عليه وح فاما ان يكون عروضه عليه قبل تحققه او بعده فعلى الاوّل يلزم وجود العارض بدون المعروض وعلى الثاني يلزم تحصيل الحاصل واما الدفع هو ان موضوع الطلب ليس الوجود بل صدوره وفيه انه غير دافع لانه يقرر ايضا في الصدور كما يقرر في الوجود ، مع ان الفرق بين الصدور والوجود بمحض الاعتبار فان الوجود عين الصدور فالصحيح في الجواب ان يقال ان الموضوع للطلب ليس هو الوجود الخارجي بل الذهني اللحاظي الذي لا يلتفت إلى ذهنيته فيرى خارجيا ولذا يسري إلى كل منهما عارض الآخر فيرى موضوعا للغرض مع ان موضوعه هو الوجود الخارجي ويرى الوجود الخارجي موضوعا للطلب فيقال جاء بالمطلوب مع ان الطلب لم يتعلق به حقيقة ، وذكر المحقق الاصفهاني في النهاية ج ١ ص ٢٤٨ واما مبتنية على مسألة تعلق الجعل بالماهية او بالوجود فان المراد بالذات هو الصادر بالذات فمن جعله الوجود قال بتعلق الارادة به ومن جعله الماهية قال بتعلق الارادة بها من دون فرق بين الارادة التكوينية والتشريعية وكما ان معنى جعل الماهية افاضة نفسها فينتزع منها عند صدورها وفيضانها من جاعلها انها موجودة كذلك معنى تعلق الارادة بها ارادة افاضتها المستتبعة لانتزاع الوجود منها كما ان الأمر على العكس منه في جعل الوجود وتعلق الارادة به فان معني جعله افاضة الوجود المنتزع منه ماهيّة خاصة ومعنى تعلق الارادة به افاضته الخ فتحصل ان كلا الفريقين متفقان على ان الماهية من حيث هي ليست إلّا هي فما لم يقض عليه الوجود او الخارجية وهي الحيثية المكتسبة من الجاعل او نحو ذلك ليست مطلوبة ولا غير ذلك فلا وجه للقول بتعلقه بها كما لا يخفى ثم انه بناء على اصالة الماهية لا بد أن يكون المجعول هي الماهية وان الارادة تتعلق بالماهية

٢١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

لان الوجود بناء على هذا أمر انتزاعي لا اثر له اصلا والملاك والمصلحة قائمة بالماهية والارادة تتبع الملاك والمصلحة فالمراد بتعلق الاوامر بالطبائع أي الماهيات الكلية المجردة عن جميع الخصوصيات وامارات التشخص أي الماهيات المقارنة او الملازمة لها من سائر المقولات وتكون تلك الماهيات بناء على هذا خارجة عن المراد والمطلوب وتكون مقارنة أو ملازمة له والمراد بتعلقها بالافراد أي الماهيّات المتخصصة بتلك الخصوصيات المقارنة بحيث تكون تلك المقارنات والخصوصيات داخلة في المراد والمطلوب لكن أصل المبني باطل عند المحققين.

الجهة السادسة : في الثمرة التي يترتب على هذا النزاع في باب الاجتماع هي انه بناء على تعلقها بالطبائع لا يسرى الأمر إلى الملازمات والمقارنات الوجودية من سائر الماهيات والمقولات وهكذا في طرف النهي فلا يلزم اجتماع الضدين من اجتماع الأمر والنهي إذا كان متعلقهما من مقولتين وبناء على تعلقها بالافراد يلزم ذلك ذكر ذلك المحقق النائيني في الاجود ج ١ ص ٢١٢ واما ثمرة البحث فتظهر في مبحث اجتماع الأمر والنهي فانه بعد اثبات تعلق الاوامر بالطبائع وان المشخصات خارجة عن متعلق التكليف واثبات ان نسبة كل من الكليين في مورد الاجتماع من قبيل المشخص للكلي الآخر لا محيص عن القول بجواز الاجتماع. واجاب عنه اساتذتنا من ان تشخص كل وجود بنفسه لا بوجود آخر ومجرد كون وجود ملازما لوجود آخر في الخارج لا يوجب أن يكون تشخصه به وعليه فلوازم وجود المأمور به خارجا غير داخلة فيه وخارجة عن متعلق الأمر على كلا القولين ويكون ويكون التركيب بينهما انضمامي كما ان النهي عن احد الوجودين لا يلازم النهي عن الوجود الآخر ولو قلنا بتعلق الاوامر والنواهي بالافراد ، فالثمرة الواقعية هي كون التخيير شرعيا او عقليا على ما مر.

٢١٥

في بقاء الجواز عند نسخ الوجوب

النموذج الثالث عشر : في انه إذا نسخ الوجوب فهل يبقى الجوازم لا وتحقيق ذلك يكون في ضمن جهات :

الجهة الاولى : ذكر المحقق العراقي في النهاية ج ١ ص ٣٨٩ الظاهر ان المراد بالجواز المتنازع فيه هو خصوص الجواز الاقتضائي الذي هو في ضمن الوجوب والاستحباب والاباحة لا الاعم منه والجواز اللااقتضائي الناشئ من عدم المقتضي للشيء فعلا ام تركا من جهة وضوح ان مثل هذا المعنى من الجواز بعد ورود الدليل على وجوبه مما يقطع بارتفاعه فلا معنى ح للنزاع في بقائه بعد نسخ الوجوب كما هو واضح. والأمر كما ذكره.

الجهة الثانية : هل يمكن بقاء ذلك ثبوتا ام لا ذكر المحقق العراقي في النهاية ج ١ ص ٣٨٩ لا ينبغي الإشكال في انه لا ملازمة بين ارتفاع الوجوب وبين ارتفاع جوازه وذلك من جهة انه بعد ان كان له مراتب عديدة من حيث اصل الجواز والرجحان الفعلي وحيث الالزام والمنع عن النقيض فلا جرم امكن ان يكون المرتفع لاجل دليل النسخ هو خصوص جهة الزامه ومنعه عن النقيض مع بقاء رجحانه الفعلي غير المانع عن النقيض على حاله كامكان ارتفاعه حتى بمرتبة رجحانه الفعلي ايضا مع بقائه على الجواز بمعنى تساوي فعله وتركه كامكان ارتفاعه حتى بمرتبة جوازه ايضا وح فامكن ثبوتا بقاء كل واحد من هذه المراتب بعد ارتفاع الوجوب بدليل النسخ من غير ان يكون برهان عقلي على امتناعه بوجه اصلا وعلى هذا البيان ايضا لا يحتاج في اثبات الرجحان الفعلي عند ارتفاع حيث المنع عن النقيض إلى تكلف اقامة الدليل على قيام الفصل الاستحبابي مقامه من جهة انه بعد كونه من قبيل التشكيكات فلا جرم بذهاب

٢١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

مرتبة منه يلزمه تجدّده قهرا بالمراتب الباقية نظير مرتبة خاصة من الحمرة الشديدة التي إذا زالت مرتبه منها باجراء الماء عليها تبقى مرتبة اخرى منها محدودة بحد خاص وعليه فيكفي ذهاب خصوص جهة منعه عن النقيض في الحكم ببقاء رجحانه واستحبابه من دون احتياج إلى قيام دليل عليه بالخصوص بوجه اصلا كما لا يخفى. فعلى هذا لو قلنا بان مرتبه الطلب فيهما واحدة وانما الفرق بينهما بان في الاستحباب ترخيص في الترك دون الوجوب بان ارتفع ذلك الطلب الالزامي فلا يبقى حتى الجواز اصلا لانه يحتاج إلى القرينة أي الاستحباب ، واما بقائه على الحكم الاولى فلا يحتمل اصلا فان الحكم الأول كان هو الوجوب ونسخ فلا معنى لبقائه على حكم ما قبل المنسوخ اصلا.

الجهة الثالثة : بعد ما يبين انه يمكن ثبوتا بقاء اصل جوازه ورجحانه الفعلي ولم يقم دليل عقلي على امتناعه يقع الكلام في مرحلة الاثبات في انه هل قضية دليل النسخ رفع الوجوب بجميع مراتبه او بخصوص مرتبه الزامه وجهة منعه عن النقيض كي يلزمه بقائه بمرتبة رجحانه الفعلي غير المانع عن النقيض ، واستدل لبقاء الجواز بوجوه منها ان القدر المتيقن الذي يقتضيه دليل الناسخ انما هو رفع خصوص جهة إلزامه ففيما عداه يؤخذ ح بدليل المنسوخ ويحكم بمقتضاه باستحبابه نظير ما إذا ورد دليل على وجوب شيء ودليل آخر على عدم وجوبه فكما انه هناك يجمع بينهما فيؤخذ بظهور دليل الوجوب في مطلق الرجحان ويرفع اليد عن ظهوره في الالزام وجهة المنع عن النقيض كذلك في المقام ايضا فاذا لم يكن لدليل النسخ دلالة على ازيد من رفع الوجوب فلا جرم يؤخذ بظهور دليل المنسوخ في مطلق رجحانه وبذلك يثبت استحبابه حيث لا نعني من الاستحباب ذلك ، واجاب عنه المحقق العراقي في النهاية ج ١ ص ٣٩٠

٢١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ان هذا الجمع انما يصح في غير الحاكم والمحكوم واما فيهما فلا يتأتى مثل هذا الجمع بل لا بد من الاخذ بدليل الحاكم ورفع اليد عن دليل المحكوم وان كان ظهوره اقوى بمراتب من دليل الحاكم وفي المقام بعد ان كان دليل النسخ ناظرا بمدلوله اللفظي إلى مدلول دليل المنسوخ بلحاظ تعرضه لرفع الحكم الثابت بدليله فلا جرم بمقتضى نظره وحكومته هذه لا يبقى مجال لملاحظة دليل المنسوخ واقوائية ظهوره من ظهوره بل في مثله لا بد من الاخذ بدليل الناسخ ورفع اليد عما يقتضيه دليل المنسوخ وان كان ظهوره أقوى بمراتب من ظهوره ، وعليه ايضا لا يبقى مجال استفادة الاستحباب بمثل البيان المزبور بل لا بد من التماس دليل آخر في البين كما هو واضح ولعل مثل ذلك هو العمدة ايضا في عدم ملاحظتهم لقاعدة الجمع المزبور في المقام مع بنائهم على اعمالها كثيرا في الفقه بنحو صار من لمجموع المتعارف اللهم إلّا ان يقال بمزاحمة المحكوم في المقام مع اصل حكومة دليل الناسخ ومقدار نظره حيث يصرفه إلى خصوص جهة الإلزام وحيث المنع عن الترك في مثله لا يتأتى ما ذكر من لزوم تقديم دليل الحاكم ولو كان اضعف ظهور من جهة ان ذلك انما هو في ظرف ثبوت اصل حكومته وقوة نظره بل لا بد من لحاظ التعارض بينهما وإذا فرضنا اقوائية دليل المنسوخ في مطلق الرجحان من ظهور دليل الناسخ في النظر إلى جميع المراتب فلا جرم توجب مثل هذه الاقوائية لصرف دليل الناسخ إلى خصوص مرتبه الالزام وجهة المنع عن النقيض ، وح فلئن خودش في ذلك فلا بد من الخدشة في اصل المطلب بدعوى قوة ظهور دليل الناسخ في نظره إلى رفع جميع مراتب الحكم كما لعله ليس ببعيد ايضا لظهوره في رفعه لاصل الحكم الثابت بدليل المنسوخ بماله من المراتب وعليه لا يبقى مجال للاخذ بظهور دليل المنسوخ في مطلق الرجحان لاثبات الاستحباب نعم لو فرضنا

٢١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

اجمال دليل الناسخ في نفسه وتردده بين رفع خصوص جهة الزامه او رفعه حتى بمرتبة رجحانه وجوازه ففي مثله لا بأس بدعوى الرجوع إلى دليل المنسوخ لاثبات مطلق الرجحان لو لا دعوى سراية اجماله إليه ايضا واما الاجمال الذي اختار صاحب الكفاية ج ١ ص ٢٢٤ ـ بقوله ـ إذا نسخ الوجوب فلا دلالة لدليل الناسخ ولا المنسوخ على بقاء الجواز بالمعنى الاعم ولا بالمعنى الاخص كما لا دلالة لهما على ثبوت غيره من الاحكام ضرورة ان ثبوت كل واحد من الاحكام الاربعة الباقية بعد ارتفاع الوجوب واقعا ممكن ولا دلالة لو احد من دليلي الناسخ والمنسوخ باحدى الدلالات على تعيين واحد منها كما هو اوضح من ان يخفى فلا بد للتعيين من دليل آخر. اما دليل الناسخ انما هو رفع الوجوب الثابت بدليل المنسوخ فلا يدل على ازيد من ذلك اصلا واما دليل المنسوخ فلان مفاده ثبوت الوجوب وقد ارتفع على الفرض ولا دلالة له على غيره فانما ذلك على مبناه لاجل كون الوجوب والاستحباب في مرتبة واحدة من الطلب وانما يكون الاستحباب له جواز الترك فلذا لا يبقى الجواز اصلا ومنها ان الوجوب ينحل إلى جواز الفعل مع المنع من الترك فالمرفوع بدليل الناسخ انما هو المنع من الترك واما الجواز الذي هو بمنزلة الجنس فلا دليل على ارتفاعه اصلا فاذن لا محاله يكون باقيا وفيه اولا ان ذلك يبتني على ان يكون الوجوب مركبا من رجحان الفعل مع المنع من الترك وهو خلاف ما عليه بعضه بعضهم من ان الوجوب والاستحباب هو الطلب وانما المستحب له جواز الترك وثانيا اجاب عنه استادنا الخوئي في المحاضرات ج ٤ ص ٢٣ بانه؟؟؟ جدا غير مطابقة للواقع في شيء وذلك لان دعوى بقاء الجنس بعد ارتفاع الفصل لو تمت فانما تتم في المركبات الحقيقية كالانسان والحيوان وما شاكلهما واما في البسائط الخارجية فلا تتم اصلا ولا سيما في الاحكام الشرعية التي هي امور

٢١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

اعتبارية محضة وتكون من أبسط البسائط ضرورة ان حقيقتها ليست إلّا اعتبار الشارع ثبوت الفعل على ذمة المكلف او محروميته عنه. وفيه انه كما عرفت انه من المراتب المشككة أي الرجحان فلا مانع ثبوتا من ان يذهب السواد الشديد وبقي السواد الخفيف كما هو واضح ، ومنها الاستصحاب وهو استصحاب بقاء الجواز بيان ذلك فإنه بعد سقوط الادلة عن الحجية لعدم الدلالة يرجع إلى الاصل العملي وهو الاستصحاب.

فان الفعل حين كان واجبا كان جائزا فاذا ارتفع وجوبه يشك في ارتفاع جوازه فيستصحب ، وأورد عليه في الكفاية ج ١ ص ٢٢٤ قال ولا مجال لاستصحاب الجواز إلّا بناء على جريانه في القسم الثالث من اقسام استصحاب الكلي وهو ما إذا شك في حدوث فرد كلي مقارنا لارتفاع فرده الآخر ـ أي في المقام ان الجواز لا يثبت إلّا في ضمن احد الاحكام الاربعة غير التحريم والاحكام الاربعة متباينات فاذا كان ثابتا في ضمن الوجوب وعلم بارتفاع الوجوب واحتمل بثبوت الجواز في ضمن الاباحة مثلا فقد علم بارتفاع الوجود الأول للكلي وشك في وجود آخر له مقارن لارتفاع الأول وهذا هو القسم الثالث من اقسام الشك في وجود الكلي ـ وقد حققنا في محله انه لا يجري الاستصحاب فيه ما لم يكن الحادث المشكوك من المراتب القوية او الضعيفة المتصلة بالمرتفع بحيث عد عرفا انه لو كان باق لا انه أمر حادث غيره ومن المعلوم ان كل واحد من الاحكام مع الآخر عقلا وعرفا من المباينات والمتضادات غير الوجوب والاستحباب فانه وان كان بينهما التفاوت بالمرتبة والشدة والضعف عقلا إلّا انهما متباينان عرفا فلا مجال للاستصحاب إذا شك في تبدل احدهما بالآخر فان حكم العرف ونظره يكون متّبعا في هذا. وفيه اولا الظاهر صدقه حقيقة ودقة لان الضعيف لا يباين القوي وجودا بل هو من

٢٢٠