نماذج الأصول في شرح مقالات الأصول - ج ٣

السيد عباس المدرّسي اليزدي

نماذج الأصول في شرح مقالات الأصول - ج ٣

المؤلف:

السيد عباس المدرّسي اليزدي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة الداوري
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-5711-33-9
الصفحات: ٥٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

متصادقين اتفاقا على موجود واحد فلا يكون الدليلان الدالان عليهما متعارضين لانه لا يكون أحدهما مكذبا للآخر في مفاده ولا في ملاكه لا بالمطابقة ولا بالالتزام لفرض المغايرة بين ما يدعوا إليه أحد الحكمين وما يزجر عنه الآخر.

ولكن ذكر المحقق النائيني في الاجود ج ١ ص ٢٧٠ وتحقيق ذلك أن باب التعارض يفترق عن باب التزاحم في مورد التصادم وفي الحاكم بالترجيح أو التخيير وفي جهة التقديم وفي كيفيته ، أما الاول فتوضيحه أن الحكم المدلول عليه بدليل إذا لوحظ بالقياس إلى الحكم المستفاد من دليل آخر فإن لم يكن بينهما تناف وتعاند أصلا فهما خارجان عن بأبي المزاحمة والمعارضة وإن كان بينهما التنافي فهو إما أن يكون في مقام جعلهما وإنشائهما على موضوعهما المقدر وجوده على نحو القضايا الحقيقية وإما أن يكون في مقام الفعلية وتحقق كل ما هو مأخوذ في موضوع الحكم شرعا أو عقلا وعلى الاول فالدليلان متعارضان نظير الدليل الدال على وجوب السورة في الصلاة بالقياس إلى ما دل على عدم وجوبها فإن جعل الوجوب لشىء ينافي عدم جعله له بالضرورة فيعامل معهما معاملة المتعارضين أي لا يمكن جمعهما في مقام الجعل والتشريع لاستلزام ذلك التناقض في نفس الشارع حيث يكون متعلق الحكمين المتنافيين شيئا واحدا ونحوه. وعلى الثانى فالحكمان متزاحمان نظير وجوب انقاذ كل من الغريقين مع عدم قدرة المكلف على الجمع بين امتثاليهما فإن جعل الوجوب لكل منهما مشروطا بالقدرة على امتثاله لا ينافي جعل الآخر كذلك فلا معارضه في مقام الجعل والانشاء بل المنافاة نشأت من عدم قدرة المكلف على الجميع بين الامتثالين فإن أعمال القدرة في أحدهما يستلزم العجز عن الآخر الموجب لعدم فعلية التكليف في ناحيته فالتنافي بينهما إنما هو

٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

في مقام الفعلية ومنه يظهر أن تصادم المتزاحمين إنما هو في القدرة غالبا وإن كان قد يتحقق في غيرها نادرا وقال في ص ٢٨٤ : أما التزاحم لعدم القدرة فهو في خمسة مواضع الاول ما إذا كان عدم القدرة اتفاقيا كما في تزاحم وجوب انقاذ كل من الغريقين فيما إذا لم يتمكن المكلف من انقاذهما الثانى ما إذا وقع التضاد بين الواجبين اتفاقا وأما إذا كان دائميا فيقع التعارض بين دليلى حكمهما لان التصادم ح إنما يكون في مقام الجعل والانشاء لا في مقام الاطاعة والامتثال ضرورة أنه لا معنى لجعل حكمين لفعلين متضادين دائما والوجه فيه ظاهر أي التكليف بما لا يطاق كوجوب القيام دائما والقعود دائما.

الثالث موارد اجتماع الأمر والنهي فيما إذا كان هناك ماهيتان اتحدتا في الخارج نحو اتحاد كالصلاة والغصب بناء على ما هو الصحيح من عدم سراية الحكم من الطبيعة إلى مشخصاتها ، وأما إذا كان هناك ماهية واحدة كاكرام العالم الفاسق المنطبق عليه إكرام العالم المحكوم بالوجوب وإكرام الفاسق المحكوم بالحرمة فمورد الاجتماع يدخل في باب التعارض وكذلك الحال فيما إذا تعددت الماهيتان بناء على سراية الحكم من أحدهما إلى الآخر.

الرابع ما إذا كان الحرام مقدمة لواجب فيما إذا لم يكن التوقف دائميا وإلا فيقع التعارض بين الدليلين لا محالة.

الخامس موارد التلازم الاتفاقى فيما إذا كان أحدهما محكوما بالوجوب والآخر محكوما بالحرمة كاستقبال القبلة واستدبار الجدي فإنه لا تلازم بينهما في أنفسهما بل التلازم إنما يتفق لمن سكن العراق وما سامته من النقاط ، وأما إذا كان التلازم دائميا فلا محالة يقع التعارض بين الدليلين ، وأما التزاحم لا من جهة عدم القدرة فهو كما إذا صار المكلف واجدا للنصاب الخامس من الإبل الذي يجب فيه خمس شياه ثم بعد انقضاء ستة أشهر مثلا ملك ناقة أخرى

٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

فحصل النصاب السادس الذي يجب فيه بنت مخاض فإن المكلف وإن كان قادرا على دفع خمس شياة بعد انقضاء سنة من ملكه للنصاب الخامس وعلى دفع بنت مخاض بعد مضى ثمانية عشر شهرا من التاريخ المزبور إلا أن قيام الدليل على أن المال الواحد لا يزكى في عام واحد مرتين أوجب التزاحم بين الحكمين. وأورد عليه استادنا الآملي في المجمع ج ١ ص ٣٣٠ أن الملاك في التعارض هو التكاذب في مقام الجعل على عنوان واحد وفي مقام الانشاء ، وأما إذا كان التكاذب من جهة فعلية التكليف لا يكون مندرجا في باب التعارض ففى العامين من وجه مثل اكرام العالم ولا تكرم الفاسق في مورد الاجتماع وهو العالم الفاسق يكون التكاذب من جهة انحلال التكليف لا من جهة أصل انشائه ولذا يكون مندرجا تحت باب التزاحم لا التعارض لا يقال ان التزاحم يحتاج إلى احراز الملاك وفي مثل العامين من وجه حيث لا يكون لنا سبيل لكشف الملاك لا يكون من المتزاحمين لانا نقول للعقل سبيل كشف الملاك في صورة سقوط الخطاب بواسطة عدم إمكان الجمع إما بإطلاق المادة أو باطلاق الهيئة كما تقول من بقاء الدلالة الالتزامية عند سقوط الدلالة المطابقية عن الحجية فتحصل أن ملاك التزاحم هو عدم قدرة العبد على الجمع وملاك التعارض وحدة العنوان المنهى عنه والمأمور به.

الجهة الثانية : قال المحقق النائيني في الاجود ج ١ ص : ٢٧١ وأما الثانى أعني به افتراق باب التعارض عن باب التزاحم بالحاكم بالترجيح أو التخيير فهو من جهة أن الحاكم بالترجيح والاخذ بذي المزية أو التخيير عند عدمها في باب التزاحم هو العقل وفي باب التعارض هو الشرع بناء على المختار من حجية الامارات من باب الطريقية إذ مقتضى القاعدة ح هو التساقط وعدم الاعتبار بمزية أحد الدليلين على الآخر فيكون الحكم بالترجيح أو التخيير من جهة التعبد

٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الشرعي نعم لو قلنا بحجيتها من باب السببية والموضوعية لكانت الامارتان المتعارضتان متزاحمتين في وجوب العمل على طبق كل منهما والحاكم بالترجيح أو التخيير ح هو العقل. وقال استادنا الخوئي في هامشه المراد من السببية والموضوعية في المقام هي السببية على رأي الاشاعرة أو المعتزلة ، وأما السببية على رأي بعض العدلية أعنى بها الالتزام بالمصلحة السلوكية من دون أن يكون في مؤدى الامارة بما هو كذلك ما يقتضى الأمر به فحالها حال الطريقية بعينها في أن مقتضى القاعدة ح هو تساقط الدليلين المتنافيين في مدلولهما وإنما الحاكم بالترجيح او التخيير هو الشرع والأمر كما أفاداه. وبذلك أيضا ذكر المحقق العراقى في النهاية ج ١ ص ٤٤١ وأما لوازم البابين فمنها كما عرفت هو الرجوع في باب التعارض بعد اليأس عن الجمع إلى قواعد التعادل والتراجيح بخلافه على التزاحم فإنه فيه لا بد من ملاحظة ما هو الأهم مصلحة كانت أو مفسدة فيقدم الاقوى ملاكا على غيره وإن كان أضعف سندا من غير أن يلاحظ فيه جهة أقوائية السند بل ولا الدلالة أيضا إلا إذا فرض كون الاقوى دلالة أقوى ملاكا أيضا فيقدم ما هو الاقوى دلالة على غيره لمكان كشف قوة دلالته ح عن قوة ملاكه. وذكر استادنا الآملي أيضا في المجمع ج ١ ص : ٢٣٢ إن في باب التعارض لا يكون للعقل حكم بتقديم أحد الطرفين لعدم سبيل له إلى كشف الملاك إلا بالخطاب وهو متكاذب بل الشرع بيّن أن المقام يكون المرجح له وهو الاوثقية والاشهرية وغيرهما ، وأما في باب التزاحم فحيث يكون الملاك منكشفا فالمناط على أقوى الملاكين بحكم العقل أو التخيير العقلى إذا كانا متساوين وفتوى المجتهدين يكون التخيير فيه من جهة التزاحم لا التعارض إلخ وسيأتى الاشارة إلى بعض الجهات لكن الظاهر أن مرجحات باب التزاحم أيضا يرجع إلى الشرع لان العقل يستكشف أن أحدهما أقوى ملاكا من الشرع والدليل

٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وأهمية الشارع لذلك كالنفوس والاعراض بل الاموال الخطيرة جدا فكل منهما من الشرع لكن في باب التعارض تعبد محض دون التزاحم ، اللهم إلا أن يقال أصل مرجحات باب التزاحم من حكم العقل لكن مصداقه لا بد من الفحص عن الدليل فتقديم ما هو الأهم بحكم العقل ، أما صغرى الهم يكون من الشرع وهذا ليس ببعيد.

الجهة الثالثة : قد اشتهر بينهم وقال المحقق العراقى أيضا في النهاية ج ١ ص : ٤٤١ ومن لوازم التعارض والتخصيص أيضا هو عدم قيام المصلحة واقعا إلا بالمقيد ويتبعه أيضا فساد العمل الفاقد لقيد واقعا من دون إناطة بالعلم بالمصلحة أو الجهل بها بخلافه على التزاحم فإن من لوازمه قيام المصلحة واقعا بنفس المطلق وإن كان حكمه الفعلى مقيدا بعدم وجود المزاحم الأهم ومن لوازم هذا المعنى هو عدم تبعية الفساد واقعا مدار فقد قيد الحكم الفعلى بل يكون تبعيته ح مدار العلم به وعدمه فمع الجهل يكون المأتى به صحيحا واقعا من جهة وجدانه لما هو الملاك والمصلحة وفائه بغرض المولى ومن ذلك أيضا بنوا في مثل الغصب والصلاة ولو على الامتناع وتغليب النهي على صحة العبادة مع الجهل بالغصبية مطلقا أو الجهل بالحرمة إذا كان عن قصور ومعلوم أنه لا يكون ذلك إلا من جهة واجدية المأتى به ح للملاك والمصلحة إذ المانع عن صحته ح إنما كان هو فعلية نهيه وتنجزه عليه وتأثيره في مبعدية الفاعل وبعد فرض معذورية المكلف من جهة جهله يقع العمل صحيحا قهرا لا يقال هذا كذلك في غير العبادات وأما فيها فبملاحظة احتياج صحتها إلى قصد القربة المنوط بوجود الأمر الفعلى القائم بالعمل المأتى به بداعية ومحبوبيته فلا يتم ذلك حتى في ظرف الجهل المزبور وذلك لان الجهل المزبور حينئذ غير رافع لتأثير المفسدة الأهم في المبغوضية الفعلية ومع هذه الجهة من التأثير لا

٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

مجال تأثير المصلحة المهمة المغلوبة في رجحان العمل ومحبوبيته وفعلية الأمر المتعلق به ومعه فأين أمر فعلى قائم بالمأتى به يوجب التقرب به كى يصير العمل لاجله صحيحا ففى الحقيقة تمام المنشأ للفساد ح إنما هو من جهة انتفاء مقتضى الصحة وهو التقرب لا من جهة وجود المانع وهو فعلية النهى وتنجزه حتى يقال بأنه في ظرف الجهل المزبور لا تأثير للنهى في المنجزية ومبعدية الفاعل عن ساحة القرب إلى المبدا الاعلى عزّ شأنه فإنه يقال نعم إن ذات العمل ح وإن كان مبغوضا فعلا بمقتضى تأثير المفسدة الأهم ومع هذه الجهة من التأثير لا يبقى مجال تأثير المصلحة المهمة المغلوبة فيه في المحبوبية الفعلية إلا أنه نقول بأنه لا بأس ح في تأثير المصلحة المهمة في حسنه من حيث صدوره عن الفاعل إذ المانع عن تأثيره في حسنه حتى من حيث صدوره عن الفاعل إنما كان هو حيث تنجز نهيه وبعد سقوط تنجزه لمكان جهله فقهرا تؤثر المصلحة في حسنه من تلك الجهة ويتبعه أيضا الأمر الفعلى فيتقرب ح بداعى أمره ولو من حيث إضافة صدوره إلى الفاعل ولئن خودش فيه أيضا بامتناع موردية العمل ولو بلحاظ إضافة صدوره إلى الفاعل لتأثير المصلحة في الرجحان والمحبوبية الفعلية مع كونه مبغوضا بالبغض الفعلى بمقتضى تأثير المفسدة الأهم الغالبة نظرا إلى استلزامه لاجتماع الضدين فيه من المحبوبية والمبغوضية بملاحظة اتحاد الوجود والايجاد حقيقة وإن ما هو الصالح لان يكون مورد التأثير المصلحة في الرجحان والمحبوبية إنما هو حيث اضافة العمل إلى الفاعل فقط مع خروج المضاف عن مورديته لتأثير المصلحة ومثل هذا المقدار غير واف بالتقرب المعتبر في صحة العبادة من جهة أن ظاهرهم هو احتياج العبادة في صحتها إلى التقرب بذات العمل لا بحيث إضافته إلى الفاعل نقول بأنه نمنع توقف القرب على فعلية الأمر

٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

بالمأتى به ورجحانه إذ نقول بأن من أنحاء القرب أيضا إتيان العمل بقصد التوصل به إلى غرض المولى ومن المعلوم ح أن مثل هذا المعنى مما يتمشى من المكلف حتى مع الجزم بعدم الأمر الفعلى بل ومع الجزم بكونه مبغوضا فعلا ما لم يكن العمل مبعدا له كما في المضطر بالغصب لا عن سوء الاختيار وح فإذا أتى بالعمل في ظرف الجهل المزبور بداعى التوصل به إلى غرض المولى وكان العمل أيضا من جهة وجدانه للمصلحة وافيا بغرض المولى فقهرا بنفس إتيانه بالقصد المزبور يتحقق القرب ويصح منه العبادة مع أنه على فرض الاحتياج إلى الأمر الفعلى أيضا نقول بأنه بعد احتمال فعلية الأمر ومطلوبيته يكفى في التقرب بالعمل إتيانه برجاء كونه مأمورا به لايجاد من دون احتياج إلى الجزم بالامر اصلا كما هو واضح هذا في الجهل البسيط ، وأما في مورد الجهل المركب فيكفى أيضا في الداعوية وفي تحقق القرب اعتقاد الأمر الفعلى وإن لم يكن في الواقع أمر اصلا فإن ما له الدخل بتمامه في الداعوية والمحركية إنما كان هو العلم بالامر لا هو بوجوده الواقعى وح فإذا علم بالامر وجدانا أو تعبدا لقيام إمارة عليه كان علمه ذلك تمام العلة لتحقق الدعوة ومع إتيانه بالعمل بداعية يتحقق القرب المتوقف عليه صحة العبادة قهرا من جهة تحقق ما هو علته وهي الدعوة فيترتب عليه ح صحة العبادة وإن لم يكن هناك أمر فعلى متعلق بالعمل في الواقع لا يقال كيف ذلك مع أنه خلاف ما بنوا عليه من احتياج العبادة في صحتها إلى قيام الأمر الفعلى بها في الواقع كما يشهد عليه حكمهم بفساد العبادة عند خلوها عن الأمر واقعا فإنه يقال كلا وإن اعتبارهم لوجود الأمر إنما هو باعتبار كشفه عن وجود المصلحة في متعلقه وبلوغه الى مرحلة الوفاء بالغرض الفعلى نظرا إلى عدم طريق آخر إلى كشف الملاك والمصلحة فيه إلا أمره وبعثه لا من جهة دخله في التقرب المعتبر في صحة العبادة كما هو

٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

واضح. وفيه اللازم هو قصد الملاك او الرجاء ولا يكفي للتقرب قصد الأمر الزعمى كما ستعرف إلا باعتبار المصلحة التي فيه.

في مرجحات باب التزاحم

الجهة الرابعة : في بيان مرجحات باب التزاحم والتعارض أما مرجحات باب التعارض فسيأتى مفصلا في باب التعادل والترجيح وإن الاصل فيه هو التساقط وقد ورد التعبد بالترجيح والتخيير كما مر مرارا ، أما مرجحات باب التزاحم فهى أمور الاول ذكر استادنا الآملي في المنتهى ص ٣٢ هو أن يكون أحد الواجبين مضيقا والآخر موسعا لا ريب في تقديم المضيق على الموسع لحكم العقل بلزوم الجمع بين الغرضين اللازمين مهما أمكن ومثله ما لو وقعت المزاحمة بين التعيينى وبعض أفراد الواجب التخييري ، وذكر المحقق النائيني في الاجود ج ١ ص ٣١٤ أما إذا كان موسعا له أفراد كثيرة وكان المزاحم للاهم بعض أفراده دون بعض إلى أن قال وأما إذا قلنا بأن اعتبار القدرة فيه من جهة اقتضاء نفس الخطاب ذلك كما اخترناه سابقا فلا محالة يتقيد المأمور به بذلك فيخرج غير المقدور من الافراد عن دائرة إطلاق المأمور به ويتوقف شموله له على جواز الترتب فإن جوزناه كان داخلا في الاطلاق عند عصيان الأمر بالاهم وإلا كان خارجا عنه مطلقا نعم يمكن الحكم مع ذلك بصحته لاشتماله على الملاك وقد تقدم. فالنتيجة إن الواجب الموسع أو التخييري لا اقتضاء له بالنسبة إلى الفرد المزاحم والواجب المضيق والتعيينى ذو اقتضاء وبالضرورة أنه لا مزاحمة بين اللااقتضاء وذي الاقتضاء وقد تقدم مفصلا وأورد عليه استادنا الآملي في المنتهى ص ٣٩ أنه توهم محض لان ملاك المزاحمة المتحقق بين المضيقين بنفسه موجود ومتحقق بين جميع أفراد

٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الواجب الموسع والمضيق سواء قلنا بأن المزاحمة تكون بين الحكمين أو بين ملاكيهما ، أما إذا كانت المزاحمة بين الملاكين فواضح إن الفرد المزاحم من أفراد الواجب الموسع أو أحد أطراف التخييري واجد للمصلحة التى أوجبت الوجوب الموسع أو الوجوب التخييري بلا فرق بينها وبين المصلحة التى يشتمل عليها الفرد غير المزاحم وأما إذا كانت المزاحمة بين الحكمين فلا ريب في أن كل حكم شرعي تابع سعة وضيقا للمصلحة التى تقتضيه فإذا فرضنا أن المصلحة الالزامية متحققة في الفرد المزاحم من أفراد الموسع مثلا فلا محالة يكون الحكم الذي يتحقق حين المزاحمة الذي هو حصة من الحكم الكلى الالزامي الموسع حكما إلزاميا بالضرورة ومعه لا يعقل أن يكون ذلك الحكم المتعلق بالفرد المزاحم بلا اقتضاء. والأمر كما ذكره.

الأمر الثاني :ذكر استادنا الآملي في المنتهى ص ٤٠ هو كون الفرد المزاحم لا بدل له في نظر الشرع فيترجح تقديمه على ما له بدل في مقام التزاحم كما لو دار أمر المكلف بين أن يصلى بالطهارة المائية مع نجاسة بدنه أو ساتره وبين أن يصلى بالطهارة الترابية مع تطهير بدنه أو ساتره بما لديه من الماء الذي لا يكفى إلا لاحدهما فلا محالة يلزم تقديم تطهير البدن أو الساتر من الخبث بالماء الموجود ثم إلى التيمم والصلاة لان الطهارة من الحدث بالماء لها بدل وهو التيمم إلى تم بخلاف الطهارة من الخبث فإنها لا بدل لها في الشرع ، وذكر المحقق النائيني في الاجود ج ١ : ٢٧١. إن أول المرجحات في باب التزاحم هو كون أحد الواجبين مما ليس له بدل والآخر مما له بدل وهذا يتحقق في موردين أحدهما ما إذا كان لاحد الواجبين بدل في عرضه كما إذا كان واجبا تخييريا عقليا أو شرعيا مع كون الواجب الآخر تعيينيا فيقدم الواجب التعيينى على التخييري فيما إذا زاحم بعض أفراد الواجب التخييري الواجب التعيينى ووجه

٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

التقديم فيه واضح فإن وجوب الواجب التخييري لا يتقضى لزوم الاتيان بخصوص فرده المزاحم بخلاف الوجوب التعييني فانه يقتضي لزوم الاتيان بخصوص الفرد المزاحم لفرض تعينه ومن الواضح أن ما لا اقتضاء فيه لا يمكن أن يزاحم ما فيه الاقتضاء.

وتوضيح ذلك ما أفاده استادنا البجنوردي في المنتهى ج ١ ص ٣٢٤ كما إذا كان ما له غير واف بأداء دينه وإطعام ستين مسكينا إذا كان عليه دين وكفارة مخيرة بين الخصال الثلاث فهاهنا أداء الدين مقدم على إطعام ستين مسكينا لان التخيير يكون بين هذه الخصال الثلاث مثلا إذا كان كلها مقدور للمكلف وإلا فلو كان بعضها غير مقدور تعين البعض الآخر ولا شك في أن إطعام الستين مسكينا يصير غير مقدور بواسطة وجوب أداء الدين لان الممتنع الشرعي كالممتنع العقلى فيتعين ما عداه من الخصال الثلاث وهذا البيان جار في التخيير العقلى بطريق أولى لان المأمور به في التخيير العقلى هو الجامع وانطباقه على جميع الافراد من جهة تساوي أقدام صرف الوجود من الطبيعة بالنسبة إلى جميع الافراد وهذا فيما إذا لم يكن مانع شرعي أو عقلى من إتيان بعض الافراد وأما لو كان في البين فيخرج ذلك البعض عن حد التساوي ويصير متعذرا فيرتفع موضوع التخيير بالنسبة إلى ذلك البعض ، بناء على كون التخيير عقليا وسيأتى.

وأورد عليه استادنا الآملي في المنتهى ص ٤٠ وفيه أن هذا التقريب غير سديد على إطلاقه لان بدل الواجب إن كان واجد المصلحة المبدل أو وافيا بها صح هذا التقريب فيه نظير القص والاتمام في الصلاة ـ اي في حال الجهل ـ وأما إذا لم يكن البدل كذلك بل كان البدل وافيا ببعض مصلحة المبدل فلا محالة يكون حكم المبدل داعيا إليه بخصوصه ومقتضيا للاتيان به فإذا زاحمه واجب آخر

٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

فلا بد من ملاحظة المرجحات الأخرى في مقام تقديمه او تقديم الواجب الآخر ولا يكفى في تقديم غيره عليه كونه ذا بدل بالنحو المذكور كما هو الشأن في باب التميم والمثال المزبور. مضافا إلى ما تقدم من رد اللااقتضاء والاقتضاء وقال المحقق النائيني في الاجود ج ١ ص ٢٧٢ وثانيهما ما إذا كان لاحد الواجبين بدل في طوله دون الآخر كما إذا وقع التزاحم بين الأمر بالوضوء والأمر بتطهير البدن للصلاة فبما أن الوضوء له بدل وهو التيمم فلا يمكن مزاحمة أمره مع أمر التطهير فيقدم رفع الخبث ويكتفى في الصلاة بالطهارة الترابية ولاجل ذلك يقدم إدراك تمام الركعات في الوقت مع الطهارة الترابية على إدراك ركعة واحدة مع الطهارة المائية إذا دار الأمر بينهما وتوهم أن إدراك ركعة واحدة في الوقت بدل عن تمام الصلاة فيه فيكون الدور بين واجبين لكل منهما بدل مدفوع بأن بدلية إدراك الركعة الواحدة عن تمام الصلاة في الوقت إنما هي على تقدير العجز عن إدراك تمام الصلاة فيه وقد فرضنا قدرة المكلف على إدراك تمامها فيه فلا موجب لسقوط التكليف بإتيان الصلاة تمام الصلاة في وقتها فيسقط التكليف بالطهارة المائية فيجب الاتيان بتمام الصلاة في وقتها مع الطهارة الترابية التي هى بدل عن الطهارة المائية وأما ما عن بعضهم من نسبة تقديم إدراك الركعة الواحدة مع الطهارة المائية على إدراك تمام الصلاة في الوقت مع الطهارة الترابية إلى السيد العلامة المحقق الشيرازي قدس‌سره فلا يظن بصدقه.

قال المحقق النائيني في الفوائد ج ١ ص ٣٢٧ والسر في ذلك واضح لان كل مورد ثبت فيه البدل شرعا لواجب فلا محالة يكون ذلك الواجب مقيدا بالقدرة والتمكن لانه لا معنى لجعل شيء بدلا طوليا لشيء إلا كون ذلك البدل مقيدا بالعجز عن ذلك الشيء وعدم التمكن منه ولازم ذلك هو تقييد ذلك الواجب بصورة التمكن والقدرة سواء وقع التصريح بذلك في لسان الدليل كما في قوله

٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

تعالى : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا) حيث إنه قيد التيمم بصورة عدم وجدان الماء فيستفاد منه تقييد الوضوء بصورة وجدان الماء والتمكن منه أو لم يقع التصريح بذلك في لسان الدليل.

قال استادنا الآملي في المنتهى ص ٤٠ في تقريب بيانه والجواب عنه هو أنه يستفاد من جعل البدل الطولى للواجب أن خطاب المبدل مقيد بالقدرة الشرعية بخلاف ما لا بدل له فإنه مقيد بالقدرة العقلية وسيأتى أن المقيد بالقدرة العقلية يلزم تقديمه على المقيد بالقدرة الشرعية فيما لو وقع التزاحم بينهما وفيه أن المستفاد من جعل البدل الطولى للواجب هو أن خطاب البدل نفسه مقيد بعدم القدرة لا خطاب المبدل مثلا قوله تعالى : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) الآية ، يدل على أن الأمر بالتيمم مقيد بعدم القدرة على الماء لا أن الأمر بالوضوء مقيد بالقدرة على الماء كما لا يخفى. لان الاحكام تابع المصالح والمفاسد فلا يمكن التقييد من دون دليل ليس الوضوء مقيدا بالقدرة الشرعية حتى عند التزاحم يقدم المقيد بالقدرة العقلية على الشرعية مضافا إلى أنه عند الطهارة المائية يعجز عن إدراك تمام الصلاة في الوقت فيجزي الادراك ركعة ويشمله أدلته.

الأمر الثالث : قال المحقق النائيني في الاجود ج ١ ص ٢٧٢ ، وأما إذا كان كل من الواجبين تعينيا لا بدل له فأما أن يكون اعتبار القدرة في أحدهما شرعيا أي القدرة أخذت قيدا للوجوب في لسان دليله وفي الآخر عقليا أي لم يقيد في لسان الدليل بل العقل قيده بها فيقدم فيه الواجب المشروط بالقدرة عقلا على الواجب المشروط بها شرعا لان ملاك الواجب الذي لا تكون القدرة شرطا لوجوبه شرعا تام لا قصور فيه ولا مانع من إيجابه بالفعل فيكون وجوبه فعليا لا محالة أي يتنجز على المكلف الجامع لشرائط التكليف وبتنجيزه عليه تنتفى القدرة

٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

شرعا على الواجب المقيد بها شرعا وموجبا لعجز المكلف عن الاتيان بالواجب الآخر ومانعا عن تحقق ملاكه المتوقف على القدرة عليه على الفرض وهذا بخلاف الواجب المشروط بالقدرة شرعا فإن وجوبه يتوقف على تمامية ملاكه المتوقفة على عدم فعلية الواجب الآخر فلو استند عدم فعلية إلى فعلية الوجوب المشروط بالقدرة شرعا لزم الدور ولا فرق فيما ذكرناه بين أن يكون الوجوب المشروط بالقدرة شرعا متأخرا عن الآخر زمانا وأن يكون مقارنا معه أو متقدما عليه والملاك في تقدم الواجب الذي لا يكون مشروطا بالقدرة شرعا على الواجب المشروط بها شرعا أمر واحد إلخ ، وأورد عليه استادنا الآملي في المنتهى ص ٤١ بأن القدرة التى يجدها المكلف متساوية النسبة إلى كل واحد من الواجبين المتزاحمين فالمكلف قادر على كل واحد منهما بانفراده فكل منهما واجد لشرطه شرعا وعقلا فيكون تخصيص الواجب المطلق بالقدرة ليمنع تنجزه من القدرة على الواجب المقيد بها شرعا تخصيص بلا مخصص وترجيح بلا مرجح كما أنه يمكن تقريب المرجح المزبور بوجه آخر وهو أن أخذ القدرة قيد الحكم في لسان دليله يكشف عن دخلها في ملاك الحكم وعدم أخذها يكشف عن عدم دخلها فيه وبإطلاق المادة يستكشف وجود الملاك حتى في مورد التزاحم وإذا دار امر المكلف في مقام الامتثال بين واجبين متزاحمين أحدهما واجد لملاك وجوبه يقينا وثانيهما غير معلوم وجدانه لملاك وجوبه فالعقل يرجح الاخذ بالواجب المعلوم وجدانه للملاك على المشكوك فيه نظير دوران خروج بعض الافراد عن العموم بين التخصيص والتخصص بترجيح التخصص على التخصيص فيه ، مثاله الفقهى قال استادنا الآملي في المجمع ج ١ ص ٣٣٣ تقديم انفاق العيال على الحج إذا كان له المال بقدر ما يحج به أو ينفق على عياله فإن وجوب الاول منوط بالقدرة العقلية والثانى منوط بالقدرة

٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الشرعية والاول واجب مطلق والثانى واجب معلق على الشرط وهو القدرة بقوله تعالى : (مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) فإن قلنا بأن الظاهر من دخل القدرة هو الدخل في الملاك كما عن النائيني قدس‌سره فيكون نفقة العيال مقدمة والانفاق عليه يوجب عدم بقاء الموضوع للحج بعد صرف القدرة في نفقة العيال وإن قلنا باحتمال الارشاد إلى القدرة العقلية الدخيلة في كل تكليف فالظاهر أيضا تقديم النفقة لاحتمال الاهمية وتخصيص دليل الحج بغير هذه الصورة والحاصل أنه على فرض كون دخل القدرة إرشادا في الحج يكون في المقام من الشبهة المصداقية لقوله تعالى : (لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) لعدم العلم بشموله. وعرفت الجواب عنه.

الأمر الرابع : قال المحقق النائيني في الاجود ج ١ ص ٢٧٣ إذا كان كل من الواجبين مشروطا بالقدرة شرعا فيقدم فيه ما كان بحسب الزمان مقدما على الآخر في الفعلية وتحقق موضوعه إذ ح يكون المتقدم مستقرا في محله ورافعا لموضوع التكليف عن الآخر فلا يبقى محلا ومجالا له وهذا فيما إذا لم تكن هناك جهة أخرى توجب تقدم أحد الواجبين على الآخر لو كان متأخرا عنه زمانا كما إذا وقعت المزاحمة بين وجوب الحج ووجوب الوفاء بالنذر وأشباهه فإن وجوب الوفاء في تلك الموارد مع اشتراطه بالقدرة شرعا مشروط بعدم كون متعلقه محللا للحرام أيضا فيقدم وجوب الحج عليه ولو كان النذر بحسب الزمان سابقا على أشهر الحج كمن نذر في شهر رمضان المبيت ليلة عرفة في مشهد الحسين عليه‌السلام وبعد ذلك عرض له الاستطاعة فإن الوفاء بالنذر في هذا الفرض بما أنه يستلزم ترك الواجب في نفسه ومع قطع النظر عن تعلق النذر به لا تشمله أدلة وجوب الوفاء بالنذر فينحل النذر بذلك ويكون وجوب الحج فعليا ورافعا لملاك متعلق النذر فإن قلت إن وجوب الوفاء بالنذر غير مشروط

٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

بالقدرة شرعا فكيف يقدم عليه وجوب الحج المشروط بها في لسان الدليل وعلى فرض كونه مشروطا بها شرعا أيضا فكل منهما قابل لان يكون رافعا لملاك الآخر في حد نفسه لكن النذر من جهة تقدمه زمانا يكون رافعا للاستطاعة قلت أي عن الاول إن وجوب الوفاء تابع لما تعلق به النذر وبما أن النذر تعلق بالفعل المقدور فاعتبار القرة على الفعل هو مقتض نفس تعلق الالتزام به فلا مجال له يكون متعلق النذر هو الفعل المقدور فتكون القدرة مأخوذة في موضوع وجوب الوفاء قبل تعلقه به هذا عين اعتبار القدرة في متعلق الوجوب شرعا الكاشف عن اختصاص الملاك بالفعل المقدور ـ أي عن الثاني المفروض ـ أولا : إن انعقاد النذر مشروط بكون متعلقه راجحا في نفسه في ظرف العمل ومن المفروض أن متعلقه في الفرض المزبور ليس براجح في ظرف العمل. وثانيا : لو بنينا واكتفينا برجحان متعلقه حين النذر فالنذر في مفروض الكلام بما أن متعلقه في نفسه محلل للحرام لاستلزامه ترك الحج لا يكون منعقدا لاشتراط انعقاده بعدم كون متعلقه كذلك فيقدم وجوب الحج على وجوب الوفاء بالنذر فلا محالة يكون وجوب الحج فعليا ورافعا لملاك متعلق وجوب الوفاء بالنذر وأما وجوب الوفاء بالنذر فلا يعقل أن يكون رافعا لملاك الحج فإنه تتوقف فعليته على عدم التكليف بالحج لئلا يلزم منه تحليل الحرام فلو كان عدم التكليف بالحج من جهة فعلية وجوب الوفاء بالنذر لزم الدور. وأما ما عن السيد الفقيه الطباطبائى من أن اللازم في متعلق النذر أن يكون راجحا في ظرف العمل ولو بلحاظ تعلق النذر به وبذلك صحح نذر التطوع في وقت الفريضة وعليه نزل الاخبار الدالة على جواز نذر الاحرام قبل الميقات والصوم في السفر فيظهر ضعفه مما ذكرناه من أن اللازم هو كون متعلق النذر راجحا وغير محلل للحرام في نفسه لا بلحاظ حكمه المشروط بذلك وإلّا لزم أي يكون

٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

جميع المحرمات محللة بالنذر وهو واضح البطلان وأما جواز النذر في الموارد المذكور فهو في المثالين الاخيرين من باب التخصيص في أدلة حرمة الاحرام قبل الميقات والصوم في السفر وذلك لما دل من الروايات على صحة ذلك وأما جواز نذر التطوع في وقت الفريضة فهو من جهة أن الصلاة في نفسها عبادة راجحة يجوز تعلق النذر بها فتكون بعده واجبة وستخرج بذلك عن موضوع التطوع في وقت الفريضة فلا تشملها الادلة المانعة عن التطوع وقت الفريضة اذ المفروض أن فعل الصلاة المنذورة قبل الفريضة فعل الواجب لا فعل المندوب. وقال المحقق النائيني في الفوائد ج ١ ص ٣٢٩ فإن كان الاول أي كل منهما مشروطا بالقدرة الشرعية فلا يخلو إما أن يتقدم زمان امتثال أحدهما أو لا يتقدم فان تقدم زمان امتثال أحدهما فهو المتقدم وفي مثل لا يلاحظ أهمية المتأخر وعدم أهميته لان المفروض أنه ليس هناك الاملاك واحد حيث أنه لا يمكن الجمع بينهما وكانت القدرة في كل منهما معتبرة في الملاك ومع عدم القدرة على كل منهما لا يتحقق الملاك في كل منهما بل ليس هناك إلّا ملاك واحد فلا موقع لملاحظة الاهمية والمهمّية فان لحاظ ذلك يستدعى ثبوت ملاكين فلا محيص من ترجيح المتقدم زمان امتثاله لقدرته عليه فعلا وعدم ما يوجب سلب قدرته عنه شرعا. وقال في الاجود ج ١ ص ٢٧٦ ثم انه اذا لم يكن شيء من التكليفين المشروطين بالقدرة شرعا سابقا يقال بتقديم ما كان ملاكه أهم من الملاك الآخر لنكت ستعرف أن الاهمية إنما توجب التقدم فيما اذا كان كل من الملاكين تاما وفعليا ، وأما في مثل المقام المفروض فيه اشتراط الخطاب في كل من الطرفين بالقدرة الشرعية وأنه لا قدرة للمكلف على امتثال كلا الخطابين فلا محالة يكون أحد الخطابين واجد الملاك دون الآخر والاهمية على تقدير وجود الملاك في طرف لا تكشف عن وجوده في وجوده في ذلك الطرف دون الطرف الآخر فلعل

٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الملاك عند المزاحمة فيه لا في الطرف الذي لو فرض تحقق الملاك فيه لكان أهم من غيره. وذكرناه بطوله تبعا لاصرار اساتذتى في بيانه وإلا مسألة فقهية لا الاصولية وعلى أي ذكر لذلك في الاجود ج ١ ص ٢٨٠ مثالا آخر فيما إذا كانت القدرة شرطا عقليا في الواجبين قال : ومنها أنه إذا وقع التزاحم بين واجبين طوليين متساويين ملاكا كما في دوران الأمر بين القيام في الركعة الأولى من الصلاة والقيام في الركعة الثانية مثلا أو بين ترك واجب متوقف على محرم مساو معه في الملاك وارتكاب المقدمة المحرمة فبناء على التخيير الشرعي يثبت التخيير فيهما أيضا. وأما على المختار فالتكليف بالمتقدم هو الذي يكون فعليا دون المتأخر لان سقوط كل من التكليف المتزاحمين بناء عليه لا يكون إلا بامتثال الآخر وبما أن امتثال التكليف بالمتأخر متأخر خارجا لتأخر متعلقه على الفرض فلا يكون للتكليف بالمتقدم مسقط في عرضه فيتعين امتثاله على المكلف بحكم العقل فيجب القيام في الركعة الأولى ويلزم اجتناب المقدمة المحرمة ، نعم إذا كان ملاك الواجب المتأخر أقوى من ملاك الواجب الفعلى فوجوب حفظ القدرة فعلا يكون مسقطا لوجوب الواجب المتقدم. وأورد عليه الاساتذة بوجوه : الاول : ما ذكره استاذنا الآملي في المنتهى ص ٤٢ بقوله إن ما ذكر إنما يتم فيما إذا قيل بفعلية الخطاب بالامر الاول من الأمرين الطوليين فقط كما هو لازم القول بامتناع الواجب المعلق ، وأما إذا قيل بفعلية كلا الخطابين بكلا الأمرين غاية الأمر إن تقدم أحدهما في الوجود شرط في صحة الثانى في مقام الامتثال كالظهر بالنسبة إلى العصر فلا يتم التقريب المزبور إذ القدرة متساوية النسبة بالاضافة إلى كلا الأمرين فلا موجب يرجح تأثيرها في فعلية ملاك التكليف بالامر الاول دون الثانى وعلى هذا لا محالة يلزم القول بالتخيير بين القيام في الركعة الأولى والقيام في الركعة التالية مثلا وكذا القول في

٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

المتزاحمين الطوليين في مقام الامتثال فيما إذا كانت القدرة شرطا عقليا ولم يكن أحدهما أهم من الآخر فإنه لا بد من القول بالتخيير في صرف القدرة في أحدهما ولا يلتفت إلى ما قيل من أنه لا بد من صرف القدرة في أول الأمرين لانه مخاطب به فعلا وقادر على امتثال خطابه فيلزمه عقلا الاتيان به لما عرفت من وجهه آنفا. والثاني أجاب استادنا الخوئي في هامش الاجود ج ١ ص ٢٧٦ قال لا يذهب عليك أن ما افيد في المتن من أن كون الملاك أهم من غيره على تقدير وجوده لا يكون موجبا للترجيح في موارد الشك في وجوده وإن كان صحيحا في باب المعارضة فلا يقدم أحد الدليلين على الآخر بمجرد كون ملاك الحكم في مورده أهم من ملاك الحكم الآخر مع فرض التساوي بينهما من بقية الجهات الموجبة لترجيح أحد الدليلين على الآخر إلا أنه لا يتم في باب التزاحم اذ لا مناص فيه من تقديم ما يكون الملاك فيه اهم من ملاك الآخر ولو كانت القدرة معتبرة في كل منهما شرطا شرعا وذلك لان شرط فعلية ملاك الواجب أهم من غيره وهي القدرة عليه متحقق وجدانا اذ المفروض كونه مقدورا عقلا وعدم المنع من صرف القدرة فيه شرعا فلا وجه لتفويت المولى الملاك الأهم بعدم الأمر به وهذا بخلاف الواجب الآخر فإنه وإن كان مقدورا عقلا إلا أن إلزام المولى بصرف القدرة في غيره يوجب عجز المكلف عن إيجاده وسالبا لملاكه فما أفيد في المتن من الحكم لتخيير بين الواجبين في هذا الفرض أي إذا لم يكن شيء من التكليفين المشروطين بالقدرة شرعا سابقا على الآخر زمانا إلخ إنما يصح في فرض تساوي الملاك بينهما أو احتمال كون كل منهما أهم من الآخر.

الثالث : أيضا ذكر استادنا الآملي في المجمع ج ١ ص ٣٣٦ مشروطية النذر

٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

برجحان المتعلق ممنوعة بل يكفى عدم المرجوحية ، وأما مسألة محللية الحرام فتعكس عليهم ويقال ترك النذر أيضا حرام والحج هنا يستلزم الحرام وكيف كان يشكل الحكم بتقديم الحج وإن كان محتملا وزيارة مولانا الحسين عليه‌السلام مع كمال شرافته بالروايات أيضا لا ينقص عن الحج ولا يقال وجوب الحج في ذاته عند القدرة واستحباب الزيارة عندها من حيث الملاك فيقدم الواجب على المستحب لانا نقول هل يتفوه أحد إذا دار الأمر بين وجوب علف الدابة واستحباب زيارته عليه‌السلام تقديم ملاك الاول على الثانى فإن كل واجب لا يكون ملاكه أقوى بالنسبة إلى كل مستحب فلا سبيل لنا لترجيح أحد الطرفين من باب الملاك بهذا النحو. مع أنه يجب حفظ النفس المحترمة.

الرابع : ذكر استادنا الخوئي في هامش الاجود ج ١ ص ٢٧٨ التمثيل لتزاحم الواجبين الطوليين المشروطين بالقدرة عقلا بما إذا لم يقدر المكلف على القيام في جزءين من الصلاة ينافي ما سيجيء منه من الاعتراف بكون اشتراط اجزاء الصلاة بالقدرة شرعيا وعلى ذلك فلا مناص من تقديم ما هو أسبق زمانا على غيره لكون ملاكه تاما بالقدرة عليه بالفعل فيجب الاتيان به ومع الاتيان به يكون الواجب المتأخر غير مقدور عليه وفاقدا للملاك على الفرض وبالجملة الالزام بحفظ القدرة للواجب المتأخر يتوقف على كون ملاكه تاما في ظرفه وهو يتوقف على كونه مقدورا في ظرفه بعدم الاتيان بالواجب المتقدم فلا يعقل أن يكون عدم الاتيان به مستندا إلى الالزام بحفظ القدرة للمتأخر وإلّا لزم توقف الشيء على نفسه هذا بناء على ما اخترناه من كون أحد الواجبين أهم من الآخر موجبا لترجيحه على غيره ولو كانت ذلك في موارد اشتراط التكليف بالقدرة شرعا وأما بناء على ما تقدم من شيخنا الاستاد من إنكاره لذلك فلزوم الترجيح في المقام بكون احد الواجبين اسبق زمانا على غيره في غاية الوضوح وكيف

٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

كان فلا وجه لما في المتن من الترجيح بالاهمية في امثال المقام ، وسيأتى فساده.

الأمر الخامس : ذكر استادنا البجنوردي في المنتهى ج ١ ص ٣٢٨ المرجح الرابع هو أهمية ملاك أحد الواجبين المتزاحمين فيقدم الأهم ملاكا على الآخر كان الملاكان فعليين ولو كان خطاب الأهم ملاكا مشروطا بأمر متأخر ، وأما لو كان ملاكه مشروطا بأمر متأخر أي لا يكون فعليا في زمان فعلية المهم فلا وجه لمزاحمته له وبعبارة أخرى تقديم الأهم على المهم بواسطة حكم العقل بلزوم تحصيل ملاكه عند الدوران لقبح ترجيح المرجوح على الراجح وهذا فيما إذا كان هناك للاهم ملاك وإلا فكيف يزاحم ما ليس بموجود الملاك موجود الملاك وإن لم يكن بأهمية ما ليس بموجوده نعم وجود الخطاب ليس بلازم في المزاحمة غاية الأمر هو أنه لو كان الخطاب مثل الملاك موجودا لكان المزاحم للمهم هو الخطاب النفسى المتعلق بالاهم وإن كان مشروطا بأمر متأخر غير حاصل فالمزاحم هو الخطاب المقدمى المتعلق بحفظ القدرة سواء قلنا بأن مثل هذا الخطاب خطاب عقلى ومن باب حكم العقل بلزوم حفظ المقدمات المفوتة أو تحصيلها إن لم تكن موجودة أو خطاب شرعي نفسى ناشئ عن الملاك الموجود وهو من قبيل متمم الخطاب قبل الخطاب الاصلى المشروط بأمر متأخر ، أو باب المقدمية من باب الواجب المعلق ونعم ما ذكر هذا الترجيح وهو العمدة دون غيره وستعرف مفصلا.

الأمر السادس : بعد ما اتضح أن الأمر بالشىء لا يقتضى النهى عن ضده الخاص فهل الأمر بالشىء يمنع من الأمر بضده الخاص مطلقا ، أو في بعض الاحوال دون بعض وبعبارة أخرى إن استحالة اجتماع الأمرين الفعليين بكلا الضدين في وقت واحد هل يقتضى سقوط الأمر بالمهم منهم مطلقا أو تقتضى

٨٠