نماذج الأصول في شرح مقالات الأصول - ج ٣

السيد عباس المدرّسي اليزدي

نماذج الأصول في شرح مقالات الأصول - ج ٣

المؤلف:

السيد عباس المدرّسي اليزدي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة الداوري
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-5711-33-9
الصفحات: ٥٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

العدم إليه وإلا فبحسب الدقة لا يكون العدم إلا مستندا إلى عدم وجود علته التامة التي من أجزائها الشرط والمانع ومن ذلك ربما يكون الأمر بالعكس في استناد العدم عرفا إلى شيء كما في الخشبة التى تحت البحر حيث صح استناد عدم إحراقه إلى وجود الماء عند كونه تحت البحر عرفا ولا يصح استناده إلى عدم وجود النار بل ولئن علل عدم إحراقه إلى عدم وجود النار والحال هذه ترى بأنه يضحك عليه العرف وح فإذا لا يكون أجزاء العلة التامة في عالم التأثير في المعلول إلا في عرض واحد ومرتبة واحدة بنحو لا يتخلل بينه وبين المجموع إلا فاء واحد ، نقول في المقام أيضا بأن العلة التامة لوجود الصلاة إذا كانت هي الارادة وترك ضدها الذي هو الازالة حسب ما هو المفروض من مقدمية الترك للوجود ولم يكن بينهما في مقام التأثير في الاثر ترتب وطولية بل كان استناده إلى مجموع الأمرين في عرض واحد بتخلل فاء واحد كقولك وجدت الارادة وترك الازالة فوجدت الصلاة فلا جرم في طرف العدم أيضا بمقتضى حفظ الرتبة بين النقيضين لا يكونان إلا في مرتبة واحدة فإذا قلب ح كل من الارادة والترك إلى النقيض بقلب الارادة إلى عدمها والترك إلى الفعل فقهرا يكون العدم مستندا إلى مجموع الأمرين من وجود الصارف وفعل الضد الذي هو المانع لا أنه مستند إلى خصوص الصارف وعدم الارادة وعليه يتوجّه محذور الدور المزبور نظرا إلى فعلية التوقف ح من الطرفين كما هو واضح ولكن الاستاد دام ظله أجاب عن ذلك أخيرا وبنى على الترتب والطولية بين أجزاء العلة التامة من المقتضي والشرط والمانع والتزم بتقدم المقتضي على الشرط والمانع رتبة بمقتضى ما بنى عليه من اختلاف أجزاء العلة في كيفية الدخل في وجود المعلول برجوع بعضها كالمقتضى إلى كونها مؤثرات ومعطيات الوجود ورجوع بعضها إلى كونها معطيات الحدود للوجود كالشرط وعدم المانع فإنه

٢١

واحد نعم الذي يرد (١) على المقدمية في الطرفين هو استلزام كون وجود كل واحد في رتبة متأخرة عن الآخر نظرا إلى حفظ الرتبة الواحدة بين النقيضين ونفس هذه الجهة محذور مستقل بل هو في الحقيقة وجه استحالة الدور أيضا هذا كله مضافا إلى إمكان دعوى أن مجرد التعاند بين الوجودين لا يقتضى التمانع المصطلح بل غاية اقتضائه عدم اجتماعهما في الوجود.

______________________________________________________

عليه يكون المقتضى باعتبار كونه مؤثرا ومعطيا لاصل الوجود مقدما رتبة على ما يكون دخله في حدوده ولو بنحو دخل منشأ الاعتبار في الأمر الاعتباري كتقدم ذات الوجود على حده العارض عليه رتبة وح فعند انتفاء المقتضي ووجود المانع لا جرم يكون العدم مستندا إلى عدم ثبوت المقتضي ولا مجال لاستناده إلى وجود المانع أو عدم شرطه إلا في ظرف ثبوت اصل المقتضى للوجود وح ففى المقام أيضا حيثما كان عدم الارادة والصارف أسبق رتبة من الشرط والمانع بمقتضى حفظ الرتبة بين النقيضين فقهرا يكون العدم عند عدم الارادة مستندا إلى الصارف لا إلى وجود المانع وهو الضد حتى يتوجه محذور الدور المزبور وهو واضح. لكن الظاهر كما سيأتي أن أجزاء العلة التامة في الرتبة الواحدة ولو يكون الشرائط حدود او اضافات فيصح الوجه الاول ويبقى الدور بحاله ، فانه كما اجزاء العلة في الوجود في عرض واحد كذلك بديله وهو اجزاء العلّة للعدم ايضا في عرض واحد.

(١) وقال صاحب الكفاية ج ١ ص ٢٠٨ ، وما قيل في التفصى عن هذا الدور غير سديد فإنه وإن كان قد ارتفع به الدور ـ أي وجود الضد يتوقف على عدم المانع لكن عدم الضد لا يتوقف على وجود الضد بل بوجود الصارف ـ إلا أنه غائلة

٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

لزوم توقف الشيء على ما يصلح به إن يتوقف عليه على حالها لاستحالة أن يكون الشيء الصالح ـ أي وجود الضد لان يكون ـ أي وجود الضد ـ موقوفا عليه ـ أي وجود الضد الشيء ـ أي عدم الضد ـ موقوفا ـ خبر ليكون الاول ـ عليه أي علي عدم الضد ضرورة أنه لو كان ـ أي وجود الضد ـ في مرتبة يصلح لان يستند عليه ـ أي في حال وجود المقتضى لعدم انصرافه فيستند العدم إلى وجود المانع ـ لما كاد يصح أن يستند ـ أي وجود الضد ـ فعلا إليه. توضيح ذلك قال المحقق العراقى في النهاية ج ١ ص ٣٦١. قال فالاولى هو المنع عن المقدمية بما في الكفاية إلى أن قال وهو واضح الاستحالة من جهة استلزامه لكون الشيء في رتبتين وبيان ذلك انا لو فرضنا في مثل الصلاة والازالة مثلا توقف الازالة على عدم الصلاة توقف الشيء على عدم مانعة فلازم التوقف والمقدمية هو تقدم العدم المزبور على وجود الازالة ولازم ذلك بمقتضى حفظ الرتبة بين النقيضين تقدم وجود الصلاة أيضا على عدم الازالة نظرا إلى كونها في رتبة عدمها الذي هو مقدم رتبة على وجود الازالة نظرا إلى كونها في رتبة عدمها الذي هو مقدم رتبة على وجود الازالة فإذا فرضنا بمقتضى المعاندة المزبورة توقف الصلاة أيضا على الازالة توقف الشيء على عدم مانعة يلزمه لا محالة بمقتضى حفظ الرتبة بين النقيضين تقدم الازالة أيضا وجودا وعدما على وجود الصلاة ولازمه ح صيرورة كل من الصلاة والازالة في رتبة متأخرة عن الآخر الملازمة لكن كل منهما في رتبتين وهو كما ترى مقطوع استحالته وح فكان ذلك برهانا قطعيا على استحالة ما ادعى من المقدمة بين الضدين كما هو واضح ـ إلى أن قال ـ وح فالعمدة في الاشكال على المقدمية هو ما ذكرنا من لزوم كون الشيء في رتبتين نظرا إلى مقدمية ترك كل واحد من الضدين بعد كون المطاردة من الطرفين لوجود الضد الآخر بل ذلك أيضا لازم للاشكال الثانى أيضا نظرا إلى بقاء غائلة الدور وهو لزوم كون الشيء في رتبتين بعد على حاله وإن اندفع فعلية التوقف بالبيان المزبور كما هو واضح

٢٣

وهذا المقدار (١) لا يقتضي تقدم أحدهما على الآخر بل غاية الأمر اقتضائه وجود أحدهما مع عدم الآخر ولو في رتبة واحدة وح لا موجب لاقتضاء أزيد من التلازم بين أحد الوجودين في الضدين مع

______________________________________________________

(١) هذا هو الجواب الاول من صاحب الكفاية وقد تقدم مفصلا. وأجاب المحقق الاصفهانى عن الوجهين الاولين في كلام صاحب الكفاية بل الدور أيضا كما تبعه استاذنا الخوئي ـ في هامش الاجود ج ١ ص ٢٠٨ ـ قال في النهاية ج ١ ص ٢١٩. وتحقيق الجواب عنه أن غاية ما يقتضيه الملاءمة بين الضدين ونقيض ضده هي المقارنة الزمانية بين الضد وعدم الآخر والمقارنة الزمانية لا تنافي التقدم بالعلية أو بالطبع كما أن التقدم الزمانى لا ينافي العلية أيضا وأما كون عدم الضد بديلا لعين الضد فلا يقتضى أن يكون في رتبته بل كما لا يأبى من أن يكون في رتبة ضده كذلك لا يأبى عن أن يكون متقدما عليه أو متأخرا عنه طبعا والشاهد على ما ذكرنا من أن نقيض ما لا تقدم له على شيء لا يأبى عن أن يكون متقدما عليه بالطبع هو أن الشرط وجوده متقدم بالطبع على مشروطه قضاء لحق الشرطية وعدمه لا تقدم له بالطبع على مشروطة لان التقدم بالطبع لشىء على شيء بملاك يختص بوجوده او عدمه لا أن ذلك جزاف بخلاف التقدم الزمانى والمعية الزمانية فإن نقيض المتقدم زمانا إذا فرض قيامه مقامه لا محالة يكون متقدما بالزمان ولذا قيل وأشرنا إليه سابقا إن ما مع العلة ليس له تقدم على المعلول إذا التقدم بالعلية شأن العلة دون غيره بخلاف ما مع المتقدم بالزمان فإنه أيضا متقدم لانه في الزمان المتقدم ـ إلى أن قال ـ فنقول ملاك التقدم بالعلية أن لا يكون للمعلول وجوب الوجود إلا وللعلة وجوبه وملاك التقدم بالطبع أن لا يكون للمتأخر وجود إلا وللمتقدم وجود ولا عكس

٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فإنه يمكن أن يكون للمتقدم وجود وليس للمتأخر وجود كالواحد والكثير فإنه لا يمكن أن يكون للكثير وجود إلا والواحد موجود ويمكن أن يكون الواحد موجودا والكثير غير موجود فما فيه التقدم هنا هو الوجود وفي التقدم بالعلية وجوب الوجود ومنشأ التقدم الطبعى تارة كون المتقدم من علل قوام المتأخر كالجزء والكل والواحد والاثنين فيسري إلى الوجود فيكون التقدم في مرتبة التقدم الماهوي تقدما بالماهية والتجوهر وفي مرتبة الوجود تقدما بالطبع ، وأخرى كون المتقدم مؤثرا فيتقدم بوجود الاثر كالمقتضى بالاضافة إلى المقتضى وثالثة كون المتقدم مصححا لفاعلية الفاعل او متمما لقابلية القابل بل كالشروط الوجودية والعدمية فكما أن الوضع والمحاذات مصحح لفاعلية النار في الاحراق مثلا ، كذلك خلوّ المحل عن الرطوبة متمم لقابلية المحل للاحتراق وهكذا الأمر في السواد والبياض فإن خلو الموضوع عن السواد متمم لقابلية الموضوع لعروض البياض لعدم قابلية الجسم الابيض للسواد والاسود للبياض ومنه يتضح للمتأمل عدم ورود الدور الآتي إذ عدم اتصاف الجسم بالسواد لا يحتاج إلى فاعل وقابل كى يحتاج إلى مصحح فاعلية الفاعل ومتمم قابلية القابل كى يتوهم توقف عدم الضد على وجود الضد أيضا ، واتضح مما ذكرنا تحديد ملاك التقدم بالطبع أن الصلاة والازالة لهما التقدم والتأخر بالطبع فإنه لا وجود للازالة مثلا إلا والصلاة غير موجودة وكذا الصلاة بالاضافة إلى ترك الازالة بخلاف عدم إحداهما على وجود الأخرى فإنه يمكن عدمهما معا وعدم إمكان عدم الضدين اللذين لا ثالث لهما ليس من حيث التوقف بل من حيث انحصار التضاد بين اثنين إلى أن قال فالتحقيق الذي ينبغى ويليق هو تسليم مقدمية عدم الضد لوجود الآخر بنحو التقدم بالطبع كما عرفت إلا أنه مع ذلك لا يجدي الخصم شيئا إذ ليس كل متقدم بالطبع يجب بالوجوب المقدمى كما

٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

عرفت في أجزاء الواجب فإن الجزء كما عرفت في المبحث السابق له التقدم الطبعى لكنه حيث لا وجود للاجزاء بالاسر وراء وجود الواجب النفسى فلا معنى لايجابها بوجوب غيري زيادة على وجوبها النفسى وإن كان لها التقدم الطبعى فكذا في عدم الضد الموقوف عليه وجود ضده فإن البعث إلى الضد كاف في تحصيله لانه لا يوجد إلا وشرطه محقق وهو عدم ضده لا أن وجوده موقوف خارجا على تحصيل عدم ضده بخلاف المقدمات المبائنة تحققا عن ذيها هذا في العدم الازلى وأما العدم الطارئ فإن كان المأمور به مما يتحقق بمجرد الارادة كالاعراض القائمة بالشخص من الازالة والصلاة فوجود الارادة وهي مقتضى الازالة مساوق لعدم إرادة الصلاة ولو كان في أثنائها فعدم الصلاة ورفع اليد عنها لا يحتاج إلى تسبيب ، وأما إذا كان المأمور به لا يتحقق بمجرد الارادة كما إذا أمر بإيجاد البياض في محل مشغول بالسواد فإن إرادة وجود البياض وعدم إرادة بقاء السواد لا يكفى في زوال السواد فلا محالة يجب رفعه وحيث إن حكه أو غسله أمر وجودي لا يؤثر في العدم بل ملازم له لانتقال السواد بانتقال الاجزاء الصغار القائم بها فيوجب الحك أو الغسل حركتها من مكان إلى مكان وهي ملازمة لعدم السواد في المحل فلا محالة لا يجب الحك أو الغسل لعدم المقدمية ولا يجب ملازمة المقدور عليه بالقدرة على ملازمة الوجودي إلا بعد اللابدية من اتيان ملازمة الوجودي ولو عقلا وليس كذلك إلا بعد المقدمية عقلا إلخ. وفيه أولا : لا نعرف تقدم الطبعى في قبال التقدم الزمانى والتقدم الرتبى ، فإن الشيء اما متقدم زمانا او رتبة ولذا ما مثل يكون من قبيل العلل ، وثانيا أن ما ذكره من كون البديل لا يقتضى أن يكون في رتبته ممنوع فإنه ح لا يكون بديلا لو كان في رتبتين كما في النقيضين فيعتبر اتحاد الرتبة في النقيضين وإلا لا يكون المتقدم نقيضان فالنقيضان عدم الشيء في موطن

٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الوجود زمانا ورتبة. وثالثا : ما مثل من عدم الشرط ففيه إن عدم الشرط ايضا مقدم رتبة على المشروط فإنه بانتفائه ينتفى المشروط وهو الدخيل في انتفاء المشروط مقتضى تقدم أجزاء العلة رتبة على المعلول مضافا إلى أنه قال الشرط متقدم عليه بالطبع ليس كذلك بل تقدم عليه رتبة بالعلة والتوقف والمقدمية ، وما ذكره من الملاك موجود في العدم بعين ما في الوجود بعنوان النقيض كما عرفت فلا فرق بين التقدم الزمانى والرتبى في ذلك أصلا وما ذكره من الامثلة كل ذلك تقدم بالعلية كما هو واضح ووجوب الوجود وما ذكره من أن الواحد موجود في الكثير والواحد موجود والكثير ليس بموجود سفسطة من الكلام فإن الكثير موجود فالواحد من أجزائه موجود ، والواحد موجود فالكثير بما هو كثير ليس بموجود ، لكن نفس الواحد في ضمنه كما كان الكثير موجودا موجود ومن أجزائه فلا تفاوت أصلا. ورابعا : ما ذكره من الصلاة والازالة فلا تقدم لعدم إحداهما مع وجود الآخر بل من المتقارنات كما عرفت لتمانعهما فلا وجه لتسليم المقدمية أصلا وتوهم عدم سراية الوجوب إليه فإنه على فرض التسليم فلا يكفى البعث إلى وجود الضد لحصول شرطه فيمكن أن يأتى بالضد الآخر كالصلاة ولا يحصل شرط الازالة فلا بد وأن يترشح الوجوب إليه ومن ذلك تعرف الاشكال في بقية كلامه. فتحصل إلى هنا أن أجزاء العلة التامة تكون في صف واحد من التأثير والتقدم بالعلية في طرف الوجود والعدم ، وإنما الاختلاف بالرتبة فلا مقدمية لترك الصلاة لفعل الازالة أصلا نعم يكون التلازم بينهما وسيأتى ويلزم الخلف وتقدم الشيء على نفسه ، كما تقدم مفصلا وذكر استادنا الخوئي في هامش الاجود ج ١ ص ٢٥٥ في رد المحقق النائيني بأن عدم الضد يستند إلى عدم المقتضى قال : إن ما أفاده من دعوى استحالة وجود المقتضى لكل من الضدين في أن واحد غير صحيح لان كلا من المقتضيين

٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

أيضا يقتضى أثره في نفسه ومع قطع النظر عن الآخر فمقتضى البياض مثلا إنما يقتضيه في نفسه كما أن مقتضى السواد مثلا إنما يقتضيه كذلك وهذا أمر ممكن لا استحالة فيه أصلا ، إنما المستحيل هو اقتضاء شيء للبياض المقارن للسواد مثلا وأين ذلك من فرض وجود المقتضى لكل من الضدين في نفسه لا بقيد اجتماعه مع الآخر ولو لا ما ذكرناه لاستحال استناد عدم الشيء إلى وجود مانعة أبدا لان الاثر المترتب على وجود المانع أن لم يكن مضادا للممنوع فلا موجب لكونه مانعا منه وإن كان مضادا له فكيف يعقل وجود المقتضى لما فرض ممنوعا ليستند عدمه إلى وجود المانع إلخ. ولكن فيه إن المقتضى لكليهما موجود من الملاك والمصلحة فهو مسلم لكن يقتضى أثره في نفسه في مورد الاجتماع والتقارن ممنوع لتضادهما بأن يتعلق إرادته بالسواد فقط في حين مقارنتها مع الارادة بالبياض فقد في نفس المحل والمقتضي يؤثر في سائر الافراد لا ربط له بهذا الفرد وهذه الحصة من المقتضى وكونه مع قطع النظر عن ملاحظة الآخر لا أثر له لانه لا يدور مدار اللحاظ بل من الامور الواقعية فالعدم لا محالة مستند إلى عدم المقتضي وهو الارادة ومجرد لو لا وجود الضد الآخر لكان يؤثر أثره ولكن وجوده يزاحمه في تأثيره لا يوجب ثبوت الارادة هذا وإن قيل هذه الشأنية تكفي في ثبوت الدور المتقدم لكن قد عرفت أنه الخلف ، وتقدم الشيء على نفسه وهو محال فالمقدمية غير ثابتة على كل حال بين عدم الضد الخاص ووجود الضد الآخر.

٢٨

عدم الآخر بلا مقدمية لاحدهما على الآخر اصلا وح فلا موجب لاقتضاء الأمر بأحدهما النهى عن الآخر إذ قد عرفت بأن ما هو مقتضى له من المقدمية فصغراه ممنوعة وما هو موجود من صغرى الملازمة فكبرى اقتضائه ممنوعة ولذا كان نظر المشهور بين القائلين بالاقتضاء إلى حيث المقدمية والتمانع المصطلحة ولا أظن فيهم من التزم باقتضاء صرف تلازم الوجودين التلازم بين حكميهما. فراجع كلماتهم (١) نعم غاية ما يقتضى التلازم المزبور عدم اجتماع الأمر بأحد الوجودين مع الأمر بالآخر فوجوب الشيء حينئذ لا يقتضى إلا عدم وجوب الآخر لا حرمته وهذا المقدار في الجملة ما لا إشكال فيه.

______________________________________________________

(١) قال المحقق القمى في القوانين ج ١ ص ١٠٨ الثانية أن ترك الضد مما يتوقف عليه فعل المأمور به لاستحالة وجود الضدين في محل واحد فوجود أحدهما يتوقف على انتفاء الآخر عقلا فالتوقف عقلى وإن كان الضد شرعيا ، إذ المراد بعد فرضه ضدا وقد أغرب بعض المحققين فانكر كونه مقدمة وقال : إنه من المقارنات الاتفاقية. وقال في الفصول ص : ٩٤ ولنا على أنه يستلزم النهي عن الضد الخاص حيث لا يكون الضد وجود ما تعلق الأمر بتركه ولو في ضمن الكل إن ترك الضد حينئذ مما يتوقف عليه حصول الواجب ويجب لما مر من وجوب مقدمة الواجب ووجوب الترك للتوصل إلى الواجب معنى النهى الغيري وقد يستدل على ذلك بأن فعل الضد مستلزم لترك الواجب المحرم فيحرم لاستحالة اختلاف حكم المتلازمين وقد مر ضعفه سابقا حيث بينا أن مستلزم الحرام لا يكون من حيث كونه مستلزما له حراما ما لم يكن سببا فعليا ولا ريب

٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

أن فعل الضد وإن كان لمانعيته سببا لترك الواجب إلا إنه سبب شأنى غالبا لاستناد ترك الواجب إلى الصارف دون فعل الضد فيحرم الصارف دونه وكذا الحال فيما لو فسر النهى بطلب الكف حيث يتوقف فعل الواجب عليه إلخ. إلى غير ذلك من كلماتهم إلى هنا تبين عدم مقدمية ترك أحد الضدين لوجود الضد الآخر ولا ملازمة بين وجوب الضد وحرمة ضد الآخر اصلا.

الأمر السابع في اقتضاء العينية والتضمن والالتزام في الضد العام بمعنى الترك ، وقال صاحب الفصول ص : ٩٣ لنا ان الأمر بالشىء عين النهى عن الضد العام إن فسر الترك فيهما بعدم الفعل. إن معنى النهى عن الترك ح طلب ترك الترك لان معنى النهى طلب الترك وطلب ترك الترك عين طلب الفعل في المعنى وذلك ظاهر ، وإنما قلنا إنه عينه في المعنى إذ لا ريب في تغايرهما بحسب المعنى المفهوم كالوجود وعدم العدم إلى أن قال إن الكلام في عينية المفهومين بحسب الصدق لا في التسمية إذ لم يدع أحد أن النهى عن الضد له معنى غير معناه المتداول أعنى طلب الترك حتى يطالب فيه بالنقل أي نقل عن أهل اللغة ويرجع ح إلى اللفظ وعينية المفهومين في الصدق وإن كانت من الامور الواضحة إلا أن التشاجر في نظائرها غير عزيز في كتب القوم ، ولنا على أنه يستلزم النهى عن الضد العام إلى أن قال ولنا على أنه يستلزم النهى عن الضد الخاص إلى أن قال ولنا أنه عين النهى عن ضده الخاص حيث يكون الضد وجود ما تعلق الأمر بتركه ولو في ضمن الكل وإن مطلوبية الترك عين النهى عن الفعل فإن كان الترك تمام المطلوب فلا إشكال فإن قول القائل اترك كذا أمر بترك الفعل وهو معنى النهي ومثله تجنب ، واحترز وكف فإن المفهوم منها عرفا إنما هو طلب وإن كان جزئه كما في الصوم فإن اعتبر منفردا كان واجبا غيريا من باب المقدمة كما مر ، وهو معنى النهى عن فعله وإن اعتبر في ضمن

٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الكل كان واجبا نفسيا بوجوب الكل إلخ. وتوضيح ذلك إن حقيقة النهى عبارة عن طلب الترك قبال الأمر الذي هو طلب الوجود وإن ترك الترك في المقام بعد إن كان عبارة أخرى عن الوجود الذي هو طارد العدم قهرا كان طلب الوجود أيضا عبارة أخرى عن النهى عن النقيض الذي هو عبارة عن طلب ترك الترك ومقتضاه ح هو عينية الأمر بالشىء مع النهى عن النقيض بحسب المنشأ وإن لم يكن كذلك بحسب المفهوم ، نظير الانسان والحيوان الناطق مختلفان مفهوما ومتحدان مصداقا ، وأجاب عنه صاحب الكفاية ج ١ ص ٢١١ ومن هنا انقدح أنه لا وجه لدعوى العينية ضرورة أن اللزوم يقتضى الاثنينية لا الاتحاد والعينية نعم لا بأس بها بأن يكون المراد بها أنه يكون هناك طلب واحد وهو كما يكون حقيقة منسوبا إلى الوجود وبعثا إليه كذلك يصح أن ينسب إلى الترك بالعرض والمجاز ويكون زجرا وردعا عنه فافهم ، وذلك على ما اختاره من كفاية حسن الاستعمال بالطبع ولا يحتاج الى وجود احدى العلائق لعدم وجودها في المقام وعلى أي.

وبمثل ذلك أجاب المحقق العراقى في النهاية ج ١ ص ٣٧٧. قال في مثله كان المتعين هو الاخير من كونه على نحو الالتزام دون العينية والتضمن إلى أن قال وذلك لما سيجىء من أن حقيقة النهى عن الشيء ليس إلا عبارة عن الزجر عن الوجود في قبال الأمر الذي هو الارسال والبعث نحو الوجود لا أنه عبارة عن طلب الترك كى يلزمه اشتراكه مع الأمر في جزء المدلول وهو الطلب فيلزم عينيتهما في المقام بحسب المنشأ وعليه فمن الواضح المغايرة التامة بين مدلوليهما علاوة عما كان بين مفهوميهما من المغايرة إلى أن قال وح يتعين الأمر بكونه على نحو الالتزام نظرا إلى ما هو الواضح من الملازمة التامة بين إرادة الشيء وكراهة تركه بحسب الارتكاز بحيث لو التفت الترك ليبغضه

٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

ويمنع عنه نعم لا بأس بدعوى العينية بينهما بحسب الانشاء بلحاظ كونه مبرزا عن مبغوضية الترك كإبراز عن محبوبية الوجود ومطلوبيته. وعليه يلازم الأمر الشيء النهى عن ضده العام بقاعدة الملازمة لا العينية ومثل ذلك اختار المحقق النائيني في الاجود ج ١ ص ٢٥٢. وأما دعوى الدلالة عليه بالالتزام بنحو اللزوم البين بالمعنى الاخص بأن يكون نفس تصور الوجوب كافيا في تصور المنع عن الترك فليس ببعيدة وعلى تقدير التنزل عنها فالدلالة الالتزامية باللزوم البين بالمعنى الاعم مما لا إشكال فيها ولا كلام. ولكن يرد عليه كما أفاد استادنا الآملي في المنتهى ص ٢٦ قال بعدم الملازمة بين الأمر بالشىء والنهى عن ضده العام لان الأمر بالشىء لا يعقل أن يكون زجرا عن تركه لتغايرهما مفهوما ومصداقا نعم إذا قيل إن الأمر بالشىء وجوبا يستلزم الزجر عن تركه فلا مانع من قبوله لان الشيء المشتمل على مصلحة تدعوا إلى إرادته من الغير بنحو الالزام يكون تركه مبغوضا لمريده بغضا يساوق حب فعله وإيجاده في المرتبة ولا ريب في أن ملاك الزجر هو بعض المزجور عنه سواء كان الداعى إلى بغضه اشتماله على المفسدة أم شدة حب نقيضه حب الشيء ولو كان بنحو الغلو والافراط لا يستلزم بغض تركه على نحو الحقيقة بل بالعرض والمجاز لان البغض كالحب لا ينشأ في النفس متعلقا بشيء الا لملاك يقتضيه ولا ريب في أن ترك الشيء المحبوب او المراد ليس فيه ملاك يدعوا إلى بغضه أو كراهته كما أن الشيء المبغوض لملاك يقتضي بغضه لا يكون تركه محبوبا بلا ملاك يقتضى حبه وإرادته نعم يصح نسبة البغض إلى ترك المحبوب بالعرض والمجاز عرفا وكذا الأمر بالنسبة إلى ترك المبغوض كما مر.

واختار ذلك استاذنا الخوئي أيضا في هامش الاجود ج ١ ص ٢٥١. والحق عدم اقتضائه لها لان الحكم الواحد وهو الوجوب في محل الكلام لا يخل إلى حكمين

٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ليكون تارك الواجب تاركا له ومرتكبا للمحرم ضرورة أن الوجوب إنما ينشأ من مصلحة لزومية في متعلقه فتركه ترك ما فيه المصلحة لا أنه فعل ما فيه المفسدة ، نعم يصح إطلاق المبغوض على ترك الواجب بنحو من العناية والمسامحة لكنه أجنبى عما هو محل الكلام كما هو ظاهر وبذلك يظهر لك فساد ما أفاده شيخنا الاستاذ قدس‌سره من تسليم دلالة الأمر بالشىء على النهى عن تركه بالدلالة الالتزامية باللزوم البيّن بالمعنى الاعم بل بمعناه الاخص أيضا هذا مع أن نفيه البعد عن اللزوم البين بالمعنى الاخص يناقص ما أفاده أولا من دعوى بداهة إمكان غفلة الأمر بالشيء عن تركه فضلا عن أن يتعلق به طلبه كما هو ظاهر إلخ. ولكن فيه أنه على التنزل لا يرد النقض بل لا يبعد على الاخص لوجوده في ارتكازه كما في المقدمات ولكن الحق مع ما عليه المحقق العراقي والمحقق النائيني وغيرهما كالمحقق الاصفهاني كما سيأتي أيضا من كونه من لوازم بيانه أنه إن أريد من الكراهة الكراهة التفصيلية المتوقفة على الالتفات الى الموضوع تفصيلا مع ما عليه من الجهات فالحق عدم الملازمة وإن أريد الكراهة الارتكازية أي من نفس تلك المصلحة الكامنة في الوجوب فالحق هو الملازمة بينهما وعليه فاللفظ الدال على إحداهما بالمطابقة دال على الأخرى بالالتزام نعم إن دلالة مثل الصيغة على الارادة ليست دلالة لفظية فلا تكون مطابقة والتزاما بل تدل على احداهما كما تدل على الأخرى فتكون عقلية فان الحكم هي الارادة المبرزة كما مر مرارا. وقال في المعالم لنا على الاقتضاء في العام بمعنى الترك ما علم من أن ماهية الوجوب مركبة من أمرين أحدهما المنع من الترك فصيغة الأمر الدالة على الوجوب دالة على النهى عن الترك بالتضمن وذلك واضح إلخ. ومراده من قوله ما علم إلخ ، ما ذكره قبل هذا من قوله وحقيقة الوجوب ليست إلا رجحان الفعل مع المنع من الترك. وأجاب عنه صاحب الكفاية ج ١ ص ٢١١. والتحقيق أنه لا يكون الوجوب إلا طلبا بسيطا ومرتبة وحيدة أكيدة من الطلب لا مركبا من طلبين ، نعم في مقام تحديد تلك المرتبة وتعيينها ربما يقال الوجوب يكون عبارة من طلب الفعل مع المنع عن الترك ويتخيل منه أنه يذكر له حدا

٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

فالمنع عن الترك ليس من أجزاء الوجوب ومقوماته بل من خواصه ولوازمه بمعنى أنه لو التفت الأمر إلى الترك لما كان راضيا به لا محالة ، وكان يبغضه البتة. ونعم ما قال وتوضيح ذلك قال المحقق الاصفهانى في النهاية ج ١ ص : ٢٢٨.

أما كونه بسيطا سواء كان إرادة نفسانية أو أمرا اعتباريا عقلائيا ، فواضح إذ على الاول هو من الاعراض وهي من البسائط الخارجية ، وعلى الثانى فهو أمر انتزاعي اعتباري ينتزع من الانشاء بداعى البحث والتحريك والاعتباريات أشد بساطة من الاعراض إذ ليس لها جنس وفصل عقلى أيضا بخلاف الاعراض كما هو واضح.

وأما كونه مرتبة وحيدة أكيدة فهو مبنى على كونه من الكيفيات النفسانية وتوصيفها بالتأكد بملاحظة ما اشتهر وقد مر مرارا أن الوجوب والاستحباب مرتبتان من الارادة متفاوتان بالضعف والشدة إلا أن الذي يقتضى دقيق النظر وإن كان على خلاف ما اشتهر أنه لا فرق في الارادة الوجوبية والندبية من حيث المرتبة بل الفرق من حيث كيفية الغرض الداعى ، والبرهان عليه أن المراد التشريعى كما يختلف من حيث اللزوم وعدمه كذلك المراد التكوينى ضرورة أن ما يفعله الانسان بإرادته ليس دائما مما لا بد منه ولا مناص عنه ومع ذلك ما لم يبلغ الشروق حده المحرك للعضلات لم يتحقق المراد فليس المراد اللزومى مما لا بد في ارادته مرتبة فوق مرتبة ارادة المراء الغير بحيث لو لم يبلغ تلك المرتبة لم يتحقق المراد وإنما التفاوت في الغرض الداعي من حيث كونه لزوميا أو غير لزومى بل الشوق الطبعي ربما يكون أشد من الشوق العقلى لموافقة المراد في الاول لهواه دون الثاني مع عدم اللابدية حتى من حيث الهوى في الاول وثبوت اللابدية العقلية في الثاني ، فإذا كان الأمر كذلك في الارادة التكوينية فكذا الارادة التشريعية إذ لا فرق بينهما إلا من حيث تعلق الأولى بفعل نفسه وتعلق الثانية بفعل غيره ، فالشوق إلى فعل الغير إذا بلغ حدا ينبعث من البعث كان إرادة تشريعية سواء كان المشتاق إليه ذا مصلحة ملزمة أم لا وليس

٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الغرض من هذا البيان أن الارادة ليست ذات مراتب لبداهة كونها ذات مراتب كسائر الكيفيات النفسانية بل الغرض أن التحريك الناشئ من الارادة وفيما لا بد منه وفي غيره لا يختلفان من هذه الحيثية وإن اختلفتا في نفسها لشدة موافقة المراد للغرض ، فإن المرتبة الضعيفة إذا كانت قابلة لتحريك العضلات فلا محالة لا حالة منتظرة لحركتها فلا معنى لتوقفها على بلوغها فوق هذه المرتبة وإلا لزم الخلف فكذا الحال في الارادة التشريعية والتحقيق أن المراد اللزومى وغيره يختلفان من حيث شدة الملاءمة للطبع وعدمها فلا محالة ينبعث منهما شوقان متفاوتان بالشدة والضعف فكذا في الارادة التشريعية فيكون الشوق المتعلق بما فيه مصلحة لزومية أشد حيث إن ملائمته لطبع المولى أقوى وإن كان بلوغه دون هذه المرتبة كافيا في الحركة والتحريك في التكوينى والتشريعى إلى أن قال إن كراهة الترك أو أمر آخر وجوديا كان أو عدميا ليس شدة في حقيقة الطلب فإن غير الحقيقة لا يوجب اشتداد حقيقة أخرى مضافا إلى أن الكراهة صفة أخرى تقابل الارادة فلا يعقل أن تكون مقومة لها والمنع من الترك من الاعتبارات المنتزعة من الانشاء فلا يعقل أن يكون مقوما للصفة النفسانية وعدم الرضا وعدم الاذن لا يقوم الحقيقة البسيطة الثبوتية وأما الضعف في الارادة أو في سائر موارد التشكيك فراجع إلى حد من الوجود يلزمه عدم وجدان الفرق لا أن الحد بنفسه عدمى ومن جميع ذلك ظهر أن هذه المعانى من لوازم الوجوب لا من مقوماته إلخ. وفيه أن ضعف الارادة وشدتها تابع للاعراض لا محالة ويؤثر في كيفية التحريك لا محالة أيضا فلم يأت بشيء مغاير لما عليه القوم من الاختلاف في المرتبة وطبع المولى لا أثر له بعد ما كان الاحكام تابع المصالح والمفاسد. فتحصل إلى هنا أن الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده الخاص لكن يقتضي النهي عن ضده العام بالتلازم في الجملة كما مر مفصلا.

٣٥

الأمر الثامن : وقع الكلام في ثبوت الفرق بين الضدين الخاصين الذين لهما الثالث وبين ما لا ثالث له في الاقتضاء وعدمه ذهب المحقق العراقى إلى الثاني ، قال في النهاية ج ١ ص : ٣٦٥ وعليه فلا مجال لا ثبات حرمة فعل الضد حتى يترتب عليه فساده إذا كان عبادة لا بمناط التلازم ولا بمناط المقدمية خصوصا على ما تقدم منا في البحث المتقدم من تخصيص الوجوب بالمقدمة الموصلة فإنه على المقدمية أيضا حينئذ لا يكاد اتصاف فعل الضد المقرون بوجود الصارف بالحرمة الفعلية من جهة خروجه ح عن دائرة ما هو نقيض الواجب من غير فرق في ذلك بين أن يكون الضدان مما لهما ثالث بحيث أمكن تركهما معا أم لا كما هو واضح ، والأمر كما ذكر للاستحالة المتقدمة لكن ذهب المحقق النائيني إلى الاول قال في الاجود ج ١ ص ٢٥٢ وتوهم أن الأمر بأحد الضدين الذين لا ثالث لهما عين النهى عن الضد الآخر كما تقدم أن الأمر كذلك في النقيضين لاشتراك الجميع في الملاك وهو امتناع اجتماعهما في الخارج وارتفاعهما فيه مدفوع بما عرفت من بطلان دعوى العينية في المقيس عليه فكيف بالمقيس نعم قد عرفت عدم البعد في دعوى الملازمة البينة بالمعنى الاخص في الضد العام بمعنى الترك فيكون دعوى الملازمة البينية بما نحن أيضا غير بعيدة إلا أنها ليست بالمعنى الاخص قطعا لعدم كفاية تصور نفس الملزوم في تصور لازمه بل الثابت هي الملازمة البينة بالمعنى الاعم ، فإن قلت إذا سلمت الملازمة البينة في الضدين الذين لا ثالث لهما فلا بد لك من تسليمها في مطلق الضدين ولو كان لهما ثالث فإن الجامع بين الاضداد الوجودية مضاد للواجب ولا ثالث لهما فإذا كان حراما فيكون كل فرد وجد منه في الخارج متصفا بالحرمة لا محالة قلت الجامع بين الاضداد الوجودية ليس إلا عبارة عن عنوان انتزاعى يشار به إلى نفس الاضداد الخارجية فكل فرد منه مضاد بنفسه وبخصوصيته للواجب لا

٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

باعتبار انطباق الجامع عليه ومن المعلوم أن مضادة كل واحد منها بخصوصيته تنفى انحصار التضاد في الاثنين وعليه فلا يسري حكم الضدين اللذين لا ثالث لهما إلى ما إذا كان لهما ثالث باعتبار الجامع الانتزاعى فلا تصح فيه دعوى اللزوم البين بمعناه الاخص أو الاعم هذا مضافا إلى أن الجامع وإن فرض كونه من الماهيات المتأصلة إلا أنه لا يوجد في الخارج إلا في ضمن أفراده ومن المعلوم أن الملاك في دعوى اللزوم البين في الضدين اللذين لا ثالث لهما هو ملازمة وجود أحدهما لترك الآخر خارجا وبالعكس فكل منهما وإن لم يكن بنفسه رافعا للآخر كالنقيضين إلا أنه لازم لما هو نقيضه ورافعه فيسري اليهما حكم النقيضين وهو استلزام الأمر بأحدهما للنهى عن الآخر وهذا الملاك مفقود في الضدين اللذين لهما ثالث قطعا لان الموجود في الخارج ليس هو نفس الجامع بل فرده ومصداقه ولا ملازمة بين تركه ووجود الضد الآخر على الفرض وبالجملة ما هو واجد لملاك دعوى اللزوم البين وهو الجامع لا يوجد في الخارج بنفسه وما يوجد في الخارج وهو الفرد غير واجد لملاكها فتلخص مما ذكرنا أن الأمر بأحد النقيضين يستلزم النهى عن الآخر باللزوم البين بالمعنى الاخص والأمر بأحد الضدين فيما لا ثالث لهما كالحركة والسكون والاجتماع والافتراق يستلزم النهى عن الآخر باللزوم البين بالمعنى الاعم وفيما لهما ثالث لا استلزام أصلا وأما الأمر بأحد المتقابلين بتقابل العدم والملكة كالتكلم والسكوت بناء على كون السكوت أمرا عدميا ، فالظاهر أنه يستلزم النهي عن الآخر باللزوم البين بالمعنى الاخص كما في النقيضين فإن أحدهما بنفسه رافع للآخر لا أنه ملازم للرافع ومجرد إمكان ارتفاعهما في موضوع غير قابل أجنبى عما هو الملاك في دعوى اللزوم البين بالمعنى الاخص. وأورد عليه استاذنا الآملي في المنتهى ص ٢٤. أما أولا فلانه فرق واضح بين النقيضين وبين الضد الملازم لعدم ضده من حيث اقتضاء الأمر بأحدهما للنهى عن الآخر في نظر

٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

العرف فإن العرف يرى أن أحد النقيضين إذا كان محبوبا كان نقيضه مبغوضا مثلا إذا كان وجود الشيء محبوبا كان عدمه مبغوضا بنظر العرف وليس الأمر كذلك في الشيء ولوازمه ومقارناته فإن الشيء إذا كان محبوبا لا يقتضى حبه ان يكون مقارنة في الوجود أو ملازمة محبوبا ليكون نقيض ذلك المقارن أو الملازم مبغوضا لهذا ، قيل باقتضاء الأمر بالشىء للنهى عن نقيضه في الاول دون الثانى.

وأما ثانيا فإنه إذا تنزلنا وقلنا بأن حب الشيء يستلزم سراية الحب إلى مقارنة أو ملازمة فلا موجب لحصر هذا الاقتضاء في الضدين اللذين لا ثالث لهما لان الملاك الموجب للاقتضاء المزبور هي الملازمة أم المقارنة في الوجود وهذا الملاك متحقق في كل ضد مع عدم ضده سواء كان لهما ثالث أم لم يكن إذ لا دخل لعدم الثالث في الملاك المزبور كما لا يخفى. وأورد بمثل ذلك استاذنا الخوئي في هامش الاجود ج ١ ص ٢٥٣ ثم لا يخفى أنه على تقدير تسليم الدلالة الالتزامية في الضد الخاص فيما إذا لم يكن للضدين ثالث لا بد من تسليم الدلالة فيما إذا كان للضدين ثالث أيضا ضرورة أن ملاك الدلالة على النهى إنما هو استلزام وجود الشيء لعدم ضده وهو أمر يشترك فيه جميع الاضداد. وأما استلزام عدم الشيء لوجود ضده المختص بما إذا لم يكن للضدين ثالث فهو أجنبى عن الملاك المزبور بالكلية فما أفيد في المتن من تسليم الدلالة في الضدين اللذين ليس لهما ثالث في إنكارها في الضدين اللذين لهما ثالث لا يمكن المساعدة عليه اصلا. ولكن أفاد استاذنا البجنوردي في المنتهى ج ١ ص ٣٠٥. أما التلازم قال كما أنه موجود في الذين لا ثالث لهما يقينا فالكبرى وهي لزوم كون المتلازمين في الوجود متوافقين في الحكم مما هو واضح البطلان لان مناط الحكم ربما يكون في أحدهما دون الآخر فيكون وجوده في

٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

فاقد الملاك جزافا إلى أن قال ومما ذكرنا ظهر عدم تمامية ما احتمله شيخنا الاستاد في الضدين الذين ليس لهما ثالث من أن وجوب أحدهما ملازم عرفا كالحركة مثلا لوجوب عدم الآخر كالسكون ولعل السر في هذا التوهم هو أن غالب موارد الضدين الذين لا ثالث لهما من قبيل العدم والملكة وقد اشتبهوا في تسميتهم إياها بالضدين فحينئذ يكون داخلا في القسم الاول أي النهى عن ضده العام كما تقدم. وأورد عليه استاذنا الخوئي في المحاضرات ج ٣ ص ٣٩ قد ظهر أن الأمر كذلك في النقيضين والمتقابلين بتقابل العدم والملكة كالتكلم والسكوت فإن اعتبار الشارع الفعل على ذمة المكلف لا يستلزم النهى عن نقيضه واعتبار عدمه كما أن اعتبار الملكة في ذمة المكلف لا يستلزم النهى عن عدمها فالامر بالازالة مثلا كما لا يستلزم النهى عن الصلاة المضادة لها كذلك لا يستلزم النهى عن نقيضها وهو العدم البديل لها ضرورة أن المتفاهم منه عرفا ليس إلا وجوب الازالة في الخارج لا حرمة تركها ولذلك قلنا إن كل حكم شرعي متعلق بشيء لا ينحل إلى حكمين أحدهما متعلق به والآخر بنقيضه إلخ. فلا تقتضي بشيء من الوجوه عن النهى عن ضده الخاص ولا النقيض ولا العدم والملكة أصلا نعم في الضد العام تقدم.

في شبهة الكعبي

الأمر التاسع : في شبهة الكعبى نقل في هامش القوانين ج ١ ص ١١٢ حاشية السيد على إلى أن قال : كما نقله العميد والمدقق المحشى في حاشية المعالم حيث قرره في المنية إلى أن قال وقال في الحاشية وذكروا في تقرير شبهة الكعبي انه ما من مباح إلا وهو ترك حرام فإن السكوت ترك القذف والسكوت

٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ترك القتل وترك الحرام واجب انتهى وما عداهما مما نقل كما في مختصر الحاجبي فهو تأويل إلخ. وقال في القوانين المباح يجوز تركه خلافا للكعبى فإنه قال بوجوب المباح والمنقول عنه مشتبه المقصود إلى أن قال والمنقول عنه في دليله وجها أحدهما : إن ترك الحرام واجب وهو متلازم الوجود مع فعل من الافعال فكل ما يقارنه فهو واجب لامتناع اختلاف المتلازمين في الحكم وثانيهما : إنه لا يتم ترك الحرام إلا بإتيان فعل من الافعال وهو واجب فذلك الفعل أيضا واجب لان ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وقال في الفصول ص ٩١.

وأعلم أن المقالة المنقولة عن الكعبي في المقام لا يخلو عن نوع إجمال إلخ. وزاد الشيخ الاعظم الانصاري في التقريرات وجها ثالثا قال ص ١٢٢ وثالثها إن ترك الحرام عين فعل المباح فوجوب تركه ليس إلا وجوب فعل المباح إلخ. وهذه الوجوه الثلاثة تقدم بطلانها من المقدمية والتلازم والعينية وذكر المحقق النائيني الاستدلال الثانى المزبور في الاجود ج ١ ص ٢٦١. وقال بقى الكلام فيما ذهب إليه الكعبى من القول بانتفاء المباح وهذا القول مبتن على مقدمتين الأولى : توقف ترك الحرام على فعل من الافعال الوجودية بدعوى استحالة خلو المكلف عن فعل من الافعال الاختيارية الثانية احتياج الحادث في بقائه إلى المؤثر فيترتب عليهما إن ترك الحرام يتوقف حدوثا وبقاء على إيجاد فعل من الافعال الاختيارية فيكون واجبا بالوجوب المقدمى فلا يمكن فرض مباح في الخارج ويرد عليه أن المقدمة الأولى ممنوعة بداهة أن الحرام بما أنه من الافعال الاختيارية يكفى في عدمه وجود الصارف وعدم الارادة فلا يكون موقوفا على إيجاد فعل آخر وإنما يكون ملازما له في الخارج بل يمكن فرض خلو المكلف عن تمام الافعال الارادية لعدم تعلق إرادته بها وأما اتصافه في هذا الحال بالسكون لا محالة فإنما هو من باب الاتفاق لا من جهة صدوره منه بالارادة

٤٠