نماذج الأصول في شرح مقالات الأصول - ج ٣

السيد عباس المدرّسي اليزدي

نماذج الأصول في شرح مقالات الأصول - ج ٣

المؤلف:

السيد عباس المدرّسي اليزدي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة الداوري
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-5711-33-9
الصفحات: ٥٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

قبل الشرع وما لم يكن الردع عنه تصح بواسطة بناء العقلاء وبالدليل العام مثل أحل الله البيع وامثاله وعلى فرض عدم شمول دليل الامضاء بالعقل يكون الدليل اللفظي حاكما عليه فان كل مورد يكون لنا الدليل اللفظي سواء كان موافقا للاصل العقلي او مخالفا يكون حاكما لان حكم العقل من باب عدم البيان واللفظ بيان والثمرة في صورة المخالفة واضحة واما في صورة الموافقة فتظهر عند المعارضة مع دليل لفظي آخر فان كان العقل حاكما بشىء لا يمكنه ان يعارض مع الدليل اللفظي المخالف بخلاف الدليل اللفظي فالبحث عن المعاملات على فرض كفاية عدم الامضاء عن النهي المتعلق بها امر محال. مما ذكرنا كله ظهر فساد ما افاده المحقق الاصفهاني في النهاية ج ١ ص ٣١٠ واما بناء على كونها لفظية والنزاع في ظهور النهي في الارشاد إلى المانعية فمع الشك لا اصل في المسألة الأصولية واما في المسألة الفرعية فحيث ان المفروض ح عدم منافات الحرمة المولوية للعبادية وعدم الحجة على المانعية ووجود الاطلاق ولذا لو لم يكن نهي لما شككنا في فساد العبادة فالاصل ح هو الصحة دون الفساد. لما عرفت من اصالة عدم المشروعية ويكون المورد من الشبهة المصداقية للعموم والاطلاق فلا اثر للاطلاق مضافا إلى كون النهي يمنع.

الامر السادس ذو جهتين

الجهة الاولى : قال في القوانين ج ١ ص ١٥٥ محل النزاع في هذا الاصل ما تعلق النهي بشيء بعد ما ورد عن الشارع له جهة صحة ـ اي اطلاق الدليل ـ ثم ورد النهي عن بعض افراده او خوطب به عامة المكلفين ـ اي عموم الدليل بحيث انه لو لا النهي لوقع صحيحا فيما اذا كان عبادة او نافذا فيما اذا كان معاملة ليتوجه البحث عن كون النهي يقتضي فساد ما تعلق به او لا يقتضي فساده ـ ثم استثني عنه بعضهم فمثل الامساك ثلاثة ايام والقمار ونحو ذلك ليس من محل

٥٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

النزاع في شيء اذ الكلام والنزاع في دلالة النهي على الفساد وعنده وما ذكر فاسد بالاصل لان الاصل عدم الصحة واما الفساد فيدل عليه عدم الدليل ـ اي اذا كان محل النزاع عاما لكل ما تعلق به النهي سواء شمله عموم دليل الامر واطلاقه ام لم يشمله كان النزاع في اقتضاء النهي لفساد ما لم يشمله دليل الامر بلا فائدة لان متعلق النهي سواء كان عبادة ام معاملة اذا لم يشمله دليل الامر فلا محاله يكون فاسدا بمقتضى الاصل فان الاصل في العبادة والمعاملة هو الفساد حيث لا يدل دليل على صحتهما ـ وبالجملة النزاع في هذا الاصل فيما كان بين المأمور به والمنهي عنه او في المأمور والمنهي عموم وخصوص مطلق واجاب عنه المحقق العراقي في النهائى ج ١ ص ٤٥١ ولكنه غير وجيه اذ نقول بان الجهة المبحوث عنها في المقام على ما يقتضيه ظاهر العنوان هو الحكم بالفساد من جهة دلالة النهي وكشفه عن عدم الملاك والمصلحة في متعلقه وقضية ذلك هو عدم الحكم بالفساد واقعا عند عدم النهي لا الحكم بالصحة كى يحتاج إلى احراز المقتضي الصحة من عموم او اطلاق او غيرهما. ـ بل تقدم لو لا النهي كنا نحكم بالفساد لأصالة عدم المشروعية وانما البحث لاجل دليل اجتهادي على الفساد.

الجهة الثانية : ذكر المحقق العراقي في النهاية ج ١ ص ٤٥١ لا يخفى عليك ان المراد بالشيء في عنوان المسألة يعم العبادات والمعاملات لا انه مخصوص بالعبادات والمراد من المعاملة هو ما في قبال العبادات مطلق ما لا يلزم في صحته قصد قربة الشامل للمعاملات بالمعني الاخص ولغيرها كالنهي عن اكل الثمن والمثمن. والوجه في جميع ذلك هو عموم ملاك البحث وعموم عنوانه والمراد من العبادة كما في الكفاية وغيرها العموم ذكر المحقق العراقي في النهاية ج ١ ص ٤٥٢ واما المراد من العبادة فهي التي لو أمر بها لكان امرها امرا

٥٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

عباديا بحيث لا يكاد سقوطه إلّا باتيان متعلقه على نحو قربي ـ اي عباديته تعليقيه اذ لا امر به فعلا كى يشكل في تعلق النهي نحو صوم يوم العيدين والصلاة في ايام العادة ـ لا ـ اي لا ينصر محل النزاع ب ـ ما هو عبادة ذاتا كالسجود والركوع ونحوهما مما جعل كونه آلة للخضوع والتذلل نظر إلى عدم كون العبادات كلها من هذا القبيل ولا ـ اي ليس المراد ـ ما امر به فعلا لاجل التعبد به من جهة استحالة تعلق النهي الفعلي بما هو عبادة ومامور به فعلا ولا ـ اي ليس المراد ما لا يعلم انحصار الغرض منه في شيء ـ اي لا يعلم كيفية الملاك والمصلحة فيه ـ كى ينتقض طرد او عكسا بانه رب واجب توصلى لا يعلم انحصار الغرض منه في شيء ورب واجب تعبدي قد علم انحصار الغرض منه الخ كالوضوء الذي علم انحصار المصلحة فيه في الطهارة للصلاة ونحوها مع انه عبادة ورب واجب توصلي لا يعلم مصلحتها كتوجيه الميت إلى القبلة وعلى اي حال يشمل المعاملة بالمعني الاعم عقدا او ايقاعا او غيرهما كحيازة المباحات فانها صحيحة مع نية التملك وفاسدة بدونها لكن قال المحقق النائيني في الاجود ج ٢ ص ٣٨٨ واما المعاملة بالمعني الاعم الشاملة للتحجير والحيازة وامثالهما فلم يتوهم احد دلالة النهي فيها على الفساد وعليه فالمراد من المعاملة في محل البحث هو كل امر انشائي يتسبب به إلى امر اعتباري شرعي فيكون شاملا للعقود والايقاعات. وقد عرفت كيفية دلالته على الفساد فيها.

الامر السابع قال في الكفاية ج ١ ص ٢٨٦ انه لا يدخل في عنوان النزاع الا ما كان قابلا للاتصاف بالصحة والفساد بان يكون تارة تاما يترتب عليه ما يترقب عنه من الاثر وأخرى لا كذلك لاختلال بعض ما يعتبر في ترتبه اما ما لا اثر له شرعا ـ اي كالنظر إلى الجبال والفضاء ومن هذا القسم النهي عن الزنا وشرب الخمر واللواط ـ او كان اثره مما لا يكاد ينفك عنه كبعض أسباب الضمان فلا

٥٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

يدخل في عنوان النزاع لعدم طرو الفساد عليه كى ينازع في ان النهي عنه يقتضيه اولا. وقال المحقق العراقي في النهاية ج ١ ص ٤٥٢ نعم يختص ذلك بالامور القابلة للاتصاف بالصحة تارة وبالفساد أخرى فيخرج ح ما لا يكون كذلك كعناوين المسببات ونحوها مما كان امرها يدور بين الوجود والعدم فتأمل فان الفساد ح انما كان في قبال الصحة التي هي بمعني التمامية وترتب الاثر المقصود من الشيء عليه فهو عبارة عن نقصان الشيء بمعني عدم ترتب الاثر المقصود منه عليه فلا يجري ح بالنسبة إلى نفس الآثار ونحوها مما يدور امره بين الوجود والعدم وكذا يخرج ايضا من الاسباب ما لا يكاد ينفك الاثر عنها كبعض أسباب الضمان الخ وذلك كالغصب والاتلاف فانهما يترتبان عليهما الرد والضمان دائما وقد لا يترتبان عليهما في بعض الموارد كما في غصب مال الكافر الحربي واتلافه وكذا غصب المسجد والسكونة فيه فلا يوجب الضمان وان ارتكب حراما فالوجه في عدم اتصافهما بالصحة والفساد ان معروض الوصفين لا بد ان يكون ذا اثر مرغوب فيه بحيث يقصد التوصل به اليه وليس الغصب والاتلاف كذلك ومثلهما الاسباب الموجبة للحدث فانها قد يترتب عليها الاثر وقد لا يترتب كما في المسلوس والمبطون على وجه ومع ذلك لا تتصف بالصحة والفساد الامر الثامن ذكر صاحب الكفاية ج ١ ص ٢٨٤ ظاهر لفظ النهي وان كان هو النهي التحريمي إلّا ان ملاك البحث يعم التنزيهي قال المحقق العراقي في النهاية ج ١ ص ٤٥٢ واما النهي فالظاهر اختصاصه بالنهي المولوي التحريمي دون ما يعمه والنهي التنزيهي باعتبار ان غاية ما يقتضيه النهي التنزيهي انما هو الدلالة على وجود حزازة في الشيء وهذا المقدار غير موجب لفساده ولكن ذلك انما هو بناء على ما اخترناه سابقا من جواز اجتماع المحبوبية والمبغوضية في عنوان واحد بالتفكيك بين انحاء حدود شيء واحد

٥٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

واما بناء على غير ما اخترناه من عدم امكان اجتماع المحبوبية والمبغوضية ولو تنزيها في عنوان واحد فيشكل جدا تخصص النزاع بالنواهي التحريمية ، وأشار إلى ذلك استادنا الآملي في المجمع ج ٢ ص ٧١ في انه لا فرق في النهي بين ان يكون تحريميا او تنزيهيا لان النكتة في المقام هو ان نفس ما تعلق به الامر يكون متعلقا للنهي فلا يقاس بباب اجتماع الامر والنهي بان يقال ان النهي التنزيهي كما في العبادات المكروهة لا يسد طريق المصلحة لان تعدد العنوان في ذاك الباب يكفى للقول بالصحة وان المبغوض شيء آخر وهنا نفس الصلاة التي تكون مامورة بها تكون منهية عنها بالنهي التنزيهي ولا يمكن الجمع بين الطلب وعدمه والحاصل ان الباب هنا باب التعارض نعم على مسلك من يرى أن الباب هنا أيضا باب التزاحم يمكن الفرق بين النهي التنزيهي وغيره. وتوضيح ذلك قال استادنا الآملي في المنتهى ص ١٧٧ لا يخفى انه لا فرق بين النهي التحريمي والنهي التنزيهي في ملاك الدلالة على الفساد فكما ان النهي التحريمي يوجب تقييد اطلاق الامر المتعلق بالعبادة لمنافاته للامر لدلالته على حزازة في متعلقه لا يمكن معها التقرب به كما ان في الامر بالعكس ولان جانب النهي قد فرضناه ارجح من الامر فقد مناه عليه فيلزم تقييد اطلاقه به فكذلك النهي التنزيهي فانه بناء على عدم كونه للارشاد إلى قلة الثواب يدل على خرازة في متعلقه وان كانت اضعف من حزازة النهي التحريمي إلّا انها لا يمكن معها التقرب بمتعلق النهي فلا محاله يلزم تقييد اطلاق الامر بالتقريب السابق وكون متعلق الامر هو صرف الوجود ومتعلق النهي هي الطبيعة السارية لا يقتضي عدم اجتماع الخطابين في واحد وجود او عنوانا لان تعلق الامر بصرف الوجود يوجب سريانه إلى وجود كل فرد من الطبيعة المأمور بها على البدل وتعلق النهي بالطبيعة السارية يوجب تعلقه بكل فرد من الطبيعة المنهي عنها على

٥٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

سبيل العموم الشمولي وعلى هذا يلزم اجتماع الامر مع النهي في الفرد المنهي عنه وايضا يتجه الاستدلال على فساد العبادة المنهي عنها تنزيها وقوع المعارضة بين ملاك النهي وملاك الامر في العبادة المنهي عنها تنزيها تبعا للمعارضة بين الأمر والنهي وتلك المعارضة توجب الشك في اشتمال العبادة على الملاك العبادي المقرب فلا محاله يكون المرجح ح هي اصالة عدم تشريع تلك العبادة. وقال في الكفاية ج ١ ص ٢٨٤ واختصاص عموم ملاكه ـ اي التنزيهي ـ بالعبادات ـ اي لا يستلزم النهي التنزيهي للفساد في المعاملات ـ لا يوجب التخصيص به ـ اي بالتحريمي ـ كما لا يخفى. فالبحث عن مطلق النهي غاية الامر التحريمي في العبادات والمعاملات والتنزيهي في العبادات واجاب عنه استادنا الآملي في المجمع ج ٢ ص ٧٢ واما ما عن المحقق الخراساني من ان النهي في العبادات يكون محل البحث واما في المعاملات والنهي عن السبب لا يدل على الفساد كما في البيع وقت النداء فيكون صحيحا على مبنى القائل بان الباب باب التزاحم لا على مبني من قال بانه يكون باب التعارض على انه ربما يكون النهي عن المسبب او الاثر كما يقال ثمن العذرة سحت او لا يجوز له التصرف فانه بهذا العنوان ايضا تحت البحث الخ وبمثل ذلك يجري في التنزيهي ذكر استادنا الخوئي في المحاضرات ج ٥ ص ٥ النهي التنزيهي المتعلق بالعبادة تارة ينشا من حزازة ومنقصة في تطبيق الطبيعي الواجب على حصة خاصة منه من دون اية حزازة ومنقصة في نفس تلك الحصة ولذا يكون حالها حال سائر حصصه وافراده في الوفاء بالغرض وذلك كالنهي المتعلق بالعبادة الفعلية كالصلاة في الحمام مثلا والصلاة في مواضع التهمة وما شاكل ذلك ـ خارج من مورد النزاع بداهة انه لا يدل على الفساد بل هو يدل على الصحة ـ نظر إلى مدلوله الالتزامي هو ترخيص المكلف في الاتيان بمتعلقه ومعنى ذلك جواز

٥٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الامتثال به وإلّا نعني بالصحة الا ذلك ـ وأخرى ينشا من حزازة ومنقصة في ذات العبادة ـ فانه يدل على كراهيتها ومبغوضيتها ومن المعلوم انه لا يمكن التقرب بالمبغوض وان كانت مبغوضيته ناقصة فالنتيجة على التفسير الاول خارج عن محل النزاع وعلى التفسير الثاني داخل فيه. قلت لا يفرق في جميع ذلك بعد ما كان له قبح فاعلى يمنع التقرب به والمكان والزمان من شرائط الصلاة والكراهة من اجل ذلك يكون من منقصة وحزازة في العبادة باعتبار حدودها واضافتها اليهما فلا وجه للتفصيل في المسألة أصلا وليس لنا عبادة مكروهة من دون النظر إلى الزمان والمكان وسائر الحالات والطواري وعلى اي الدليل الخاص على صحة العمل المكروه أمر آخر ليس كلامنا فيه وقال استادنا الآملي في المنتهى ص ١٧٨ اما جواز امتثال امر العبادة الواجبة بالفرد المكروه فانما هو لدليله الذي دل على ان الامر المتعلق بالعبادة الواجبة مطلق لم تقيده النواهي التنزيهي وهذا الدليل خارج عن دليل وجوب العبادة ـ واما اذا قطعنا النظر عن الدليل الخارجي وقصرناه على نفس الدليلين المتعارضين اعني بهما دليل وجوب العبادة ودليل النهي التنزيهي عن بعض افرادها فلا محاله نري الدليلين متعارضين بمعني ان كلا منهما يكذب الآخر في مدلوله. الامر التاسع قال صاحب الكفاية ج ١ ص ٢٨٤ كما لا وجه لتخصيصه بالنفسي فيعم الغيري اذا كان اصليا ـ إلى ان قال ـ ويؤيد ذلك انه جعل ثمرة النزاع في ان الامر بالشىء يقتضي النهي عن ضده فساده اذا كان عبادة. قال المحقق العراقي في النهاية ج ١ ص ٤٤٣ قال عن ضده الخاص على المقدمة ـ اي نهي غيري مع انه يقتضي الفساد ـ نعم هذه الثمرة تختص بخصوص العبادات فلا تجري في المعاملات ولكنه غير ضائر بعموم النزاع. ولعله ان النهي عن ضده الخاص في العبادات يمنع التقرب به اما المعاملات فلا تحتاج إلى قصد القربة فلا يوجب الفساد كما

٥٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

مر وعلى اي ذلك مثل الصوم يكون موجبا للاضرار بالنفس كفساد الكلية فالاضرار بالنفس منهي عنه والصوم على القول بان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده الخاص لا اقل يكون مقدمه لحصول هذا الحرام فالامر بالصوم يكون نفسيا والنهي عنه مقدمة للضرر على النفس فاجتمع النفسي والغيري في الصوم وهو عبادة ذكر استادنا الخوئي في المحاضرات ج ٥ ص ٦ النهي الغيري ـ خارج عن مورد الكلام ولا يدل على الفساد بوجه والسبب في ذلك ما عرفت بشكر موسع في مبحث الضد من ان هذا النهي على تقدير القول به لا يكشف عن كون متعلقه مبغوضا كى لا يمكن التقرب به فان غاية ما يترتب على هذا النهي انما هو منعه عن تعلق الامر بمتعلقه فعلا ومن الطبيعي ان صحة العبادة لا تتوقف على وجود الامر بها بل يكفي في صحتها وجود الملاك والمحبوبية. وفيه قد تقدم مفصلا انه بالشروع في المقدمة عند العرف والعقلاء كانه شرع في ذي المقدمة ان كان واجبا شرع في الثواب والطاعة وان كان حراما شرع في المبغوضية والعقاب والمعصية فلا يمكن التقرب به وكانه يراهما واحدا وقال استادنا الآملي في المنتهى ص ١٧٨ ما يصحح دخول النهي الغيري المزبور في محل النزاع وحاصله ان ترك الضد اذا فرضناه مقدمة لوجود الضد الواجب فلا محاله يكون وجوده مقدمة لترك الواجب وبما ان ترك الواجب الفعلي حرام يكون فعل الضد المستلزم لترك الواجب مرجوحا ان لم يكن حراما ومع فرض كونه مرجوحا لا يمكن التقرب به فيكون النهي الغيري بالمعني المزبور دالّا على فساد العبادة لاستلزامه عدم صلوح تلك العبادة للتقرب بها ولا نعني بدلالته على الفساد الا هذا المعنى.

الامر العاشر قال صاحب الكفاية ج ١ ص ٢٨٤ واما اذا كان تبعيا فهو وان كان خارجا عن محل البحث لما عرفت انه في دلالة النهي ـ اي دلالة لفظ النهي

٥٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ والتبعي منه من مقولة المعني ـ اي لم تتعلق به ارادة مستقلة لعدم الالتفات اليه بل تعلقت به إرادة إجمالية تبعية كاشترى اللحم الدالة تبعا على وجوب دخول السوق ـ إلّا انه داخل في ما هو ملاكه فان دلالته على الفساد على القول به في ما لم يكن للارشاد إليه انما يكون لدلالته على الحرمة. والحرمة موجودة بعينها في النهي التبعي هذا لو قلنا بكون المسألة لفظية اما لو قلنا عقلية او الاعم وملازم الحرمة مع الفساد وعدم المصلحة في المتعلق فالنهي التبعي داخل في نفس البحث لا في ملاكه كما هو واضح.

الامر الحادي عشر يقع الكلام في ان النزاع كبروي ام صغري بيان ذلك ظاهر عناوين الاصحاب ان النهي عن الشيء هل يقتضي عدم المصلحة في الشيء ام لا وهذا بحث كلي كبروي وهو العنوان ولكن ذكر المحقق العراقي في النهاية ج ١ ص ٤٥٥ ارجاع البحث المزبور في دلالة النهي على الفساد وعدم دلالته عليه إلى البحث الصغروي بان النهي المتعلق بعنوان عبادة كانت ام معاملة مولوي تحريمي كي لا يقتضي الفساد ام ارشادي إلى خلل فيه حتّى يقتضي الفساد قال في ص ٤٥٤ بان ما افيد من خروج النهي المولوي التحريمي عن محل النزاع وارجاع محل البحث إلى النزاع الصغروي خلاف ظاهر الكلمات فان الظاهر من كلماتهم بل المصرح به في كلام بعضهم تخصيص النزاع بخصوص النهي المولوي التحريمي كما يشهد لذلك تفصيل بعضهم في الاقتضاء للفساد وعدمه بين العبادات والمعاملات حيث انه لو لا ذلك لما كان وجه للتفصيل المزبور بل ويشهد له ايضا استدلالهم كثيرا في الفقه على فساد العبادة بكونها حراما ومنهيا عنها وهكذا في مسالة اقتضاء الامر بالشيء للنهي عن ضده الخاص على مبني مقدمية ترك الضد لفعل ضده فان ذلك كاشف عن كون المراد من النهي في العنوان هو خصوص النهي المولوي التحريمي وعليه لا بد وان يكون النزاع في الاقتضاء وعدمه في اقتضاء النهي اثباتا ودلالته ولو بالالتزام عرفا على عدم

٥٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ملاك الامر والمصلحة في متعلقه بدعوى انه وان لم يكن ملازمة عقلا بين حرمة الشيء ووجود المفسدة فيه وبين فقد انه لملاك الامر والمصلحة نظر إلى ما تقدم من امكان اجتماع المصلحة والمفسدة في عنوان واحد بجهتين تعليليتين إلّا انه مع ذلك يري العرف بينهما الملازمة فيري من النهي كونه ذا مفسدة محضة ومن ذلك لو ورد في القبال امر يقتضي الصحة يقع بينهما التكاذب ويرجع فيها إلى قواعد باب التعارض وإلّا فلو لا ذلك لما كان وجه للمعارضة بينهما والرجوع إلى قواعد التعادل والترجيح بل لا بد وان يكون بينهما المزاحمة بملاحظة اقتضاء كل من الامر والنهي بمدلولهما الالتزامي لقيام المصلحة والمفسدة فيه مع انه ليس كذلك قطعا وح فنفس هذا التعارض والتكاذب بينهما كاشف عن اقتضاء كل من الامر والنهي عرفا بالالتزام لعدم قيام ملاك آخر فيه غير ملاكه كما هو واضح ولكن يدفع ذلك اما الاشكال الاول فبان ما يري من حكم الاصحاب بفساد العبادة مع النهي فانما هو من جهة الخلل في القرب المعتبر في صحة العبادة كما يكشف عنه استدلالهم كثيرا على الفساد بانتفاء التقرب وعليه ايضا جري تفصيلهم بين العبادات والمعاملات فحيث ان قصد القربة مما لا بد منه في صحة العبادة ومع النهي لا يكاد تمشي القربة من المكلف بخلافه في المعاملة اقتضى ذلك التفصيل المزبور ولكنه كما عرفت غير مرتبط باقتضاء النهي المولوي في نفسه للفساد من جهة عدم الملاك ـ اي الملاك لا ينتفي به لكن فيه قد عرفت انه لا يفرق في حال العلم والجهل وانه عند الجهل ايضا ولو كان التقرب حاصلا لكن بما ان النهي تحريمي يدل على الفساد ولا ملاك فيه فالمحذور ليس المنع عن التقرب ـ واما الاشكال الثاني فيما مر في المبحث المتقدم بان ما يري من التعارض بينهما عند ورود امر في القبال فانما كان ذلك من جهة ذاك الارتكاز العقلي بعدم جواز اجتماع المحبوبية والمبغوضية في عنوان واحد حيث انه بمقتضى هذا الارتكاز

٥١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

يرى العرف بينهما التكاذب في تمام مدلوليهما حتّى في دلالتهما على المصلحة والمفسدة فيعامل معهما معاملة التعارض لا من جهة اقتضاء النهي المولوي لعدم قيام ملاك الامر والمصلحة في متعلقه رأسا ولو مع قطع النظر عن المعارض فتامل ـ اي يرد عليه لو لا المعارض ولو لا النهي المولوي التحريمي كيف يري العرف بينهما التكاذب ويعامل معهما معاملة التعارض وكيف يكشف عن المبغوضية حتّى يحكم الارتكاز بعدم اجتماعهما مع المحبوبية وليس إلّا لاجل النهي التحريمي ـ نعم في الفرض المزبور كما سيجيء لا بد ايضا من الحكم بالفساد ولكنه لا من جهة اقتضاء النهي المولوي لذلك بل من جهة عدم احراز الملاك والمصلحة فيه لانه في العبادات لا بد في صحتها من احراز الملاك والمصلحة فيها فمع الشك فيها في الملاك يشك قهرا في مشروعيتها فتنفي باصالة عدم المشروعية ـ اي فتفسد لكن فيه بعد ما كان ظاهر في التحريمي يحرز عدم الملاك ولا تصل النوبة إلى الاصل العملي وقال في ص ٤٥٣ الاستاد دام ظله منع عن اصل دخول النواهي التحريمية في محل النزاع وبنى على خروجه عن مورد الكلام بين الاعلام وقد افاد في وجه ذلك بوجهين الاول عدم المجال لتوهم دلالته واقتضاء للفساد مطلقا سواء في المعاملات او العبادات اما المعاملات فواضح من جهة وضوح عدم اقتضاء مجرد النهي المولوي عن معاملة وحرمتها تكليفا لفسادها وضعا ومن ذلك لم يتوهم احد فساد المعاملة في مورد نهي الوالد او الحلف على عدم البيع ونحوه واما العبادات فكذلك ايضا وذلك فان الفساد المتصور فيها لا يخلو ما ان يكون من جهة انتفاء الملاك والمصلحة فيها وعدم ترتب الغرض عليها واما ان يكون من جهة الخلل في القربة الموجب لعدم سقوط الامر عنها واما الفساد من الجهة الاولي فواضح انه غير مترتب على النهي حيث لا اشعار فيه فضلا عن الدلالة على عدم المصلحة في متعلقه بل غاية ما يقتضيه انما هي الدلالة على وجود

٥١١

.................................................................................................

______________________________________________________

المفسدة في متعلقه واما الدلالة على عدم المصلحة فيه ولو من جهة أخرى فلا وهو واضح بعد وضوح عدم الملازمة بين مجرد حرمة الشىء وبين عدم ملاك الامر والمصلحة فيه نعم لو كان بين المصلحة والمفسدة ايضا مضادة كما بين المحبوبية والمبغوضية بحيث لا يمكن اجتماعهما في موضوع واحد ولو بجهتين تعليليتين لكان المجال لدعوى دلالة النهي ولو بالالتزام على عدم وجود المصلحة في متعلقه ولكنه لم يكن كذلك لما عرفت من امكان اجتماعهما في عنوان واحد بجهتين تعليليتين ونظيره في العرفيات كما في مثل وضع العمامة على الرأس لمن كان وجع الراس في مجلس فيه جماعة من المؤمنين الاخيار حيث ان كون العمامة على الرأس مع كونه فيه كمال المفسدة بلحاظ وجع الرأس كان فيه ايضا كمال المصلحة بلحاظ كونه نحو اعزاز واكرام للمؤمنين وكون تركه هتكا واهانة لهم وعليه فلا يبقي مجال دعوى دلالة النهي واقتضائه للفساد من هذه الجهة واما الفساد من الجهة الثانية فهو ان كان لا محيص عنه مع النهي ولكنه ايضا مترتب على العلم بالنهي لا على نفس وجود النهي ولو لم يعلم به المكلف فتمام العبرة في الفساد في هذه المرحلة على مجرد العلم بالنهي فاذا علم بالنهي كان علمه ذلك موجبا لعدم تمشي القربة منه الموجب لفساد عبادته وان لم يكن في الواقع نهي اصلا كما انه مع عدم العلم به يتمشى منه القربة وتصح منه العبادة وان كان في الواقع نهي كما عرفت في مثال الجهل بالغصب او الجهل بالحرمة عن قصور مع ان قضية ظاهر العنوان هو ترتب الفساد على نفس النهي الواقعي ـ اي سواء علم به ام لا لكن فيه لا يتم شيء مما ذكره لا في المعاملات ولا العبادات اما المعاملات فيتم فيما لو تعلق النهي بامر خارج عن المعاملة كبيع وقت النداء اما لو تعلق بنفس البيع وكان مامور به ايضا كحرّم الربا ايضا هلا يكون مجال لتوهم الفساد في كلا بل فاسد قطعا مع انه نهي مولوي تحريمي لا ارشادي إلى الفساد فقط واما ما ذكره في العبادات في

٥١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

القسم الاول من انه لا اشعار في النهي فكيف بان تدل على عدم وجود المصلحة فيه هو نفس المدعي ومحل البحث والكلام فالتمسك به مصادرة للمطلوب واما من ناحية التقرب فقد تقدم الكلام فيه وان العمل باطل سواء علم بالنهي ام لا ويكون من باب التعارض لا التزاحم فيكشف عن ان النهي التحريمي يوجب الفساد والمبغوضية وعدم قصد القربة مع العلم من الامور الاتفاقية معه ـ الوجه الثاني انه لو سلم كون الفساد المفروض في محل الكلام هو الفساد من تلك الجهة الأخيرة لما كان معني لانكاره من احد في العبادات بعد تسلمهم على لزوم قصد القربة فيها وعلى ذلك فلا مجال لارادة النهي المولوي التحريمي من لفظ النهي في عنوان البحث كما انه لا مجال ايضا لارادة النهي الارشادي منه لا نه ايضا مما لا اشكال في دلالته على الفساد في العبادات والمعاملات بل لا بد وان يكون المراد منه في العنوان طبيعة النهي في نفسه فيكون مرجع النزاع حينئذ إلى النزاع في ان النهي المتعلق بالشيء عبادة كانت ام معاملة مولوي تحريمي كى لا يقتضي الفساد ام نهي ارشادي إلى خلل فيه حتى يوجب الفساد الخ لكن فيه ايضا عدم امكان التقرب به في العبادات شيء زائد على المبغوضية فكيف يتمسك به على الفساد وتظهر الثمرة في صورة الجهل عن قصور فان كان مجرد عدم امكان التقرب فهل تصح عند الجهل عن قصور مع حصول التقرب به كلا لا يصح كالصلاة حال الحيض جهلا بل الربا جهلا مع انه لا يعتبر في البيع الربوي قصد التقرب اصلا فالمنشأ للفساد ليس إلّا النهي التحريمي لا غير فتغير العنوان لا وجه له اصلا كما لا يترتب عليه الثمرة.

٥١٣

وحيث اتضحت هذه الجهات نقول (١) ان النهي تارة في العبادات (٢) واخرى في المعاملات بالمعني الاعم (٣) وثالثه في المعاملات بالمعني الاخص (٤) اما العبادات (٥) فتارة يتعلق النهي بنفس العنوان (٦) وأخرى متعلق بجزئه (٧) وثالثه بشرطه (٨)

______________________________________________________

(١) اذا عرفت هذه الامور يقع الكلام في مقامات.

(٢) المقام الاول في العبادات وهي ما لا تصح الا مع قصد القربة.

(٣) المقام الثاني في المعاملات بالمعني الاعم وهي مطلق ما لا يقتصر في صحته إلى قصد القربة فيعم الحيازات ونحوها ايضا.

(٤) المقام الثالث في المعاملات بالمعني الاخص وهي العقود والايقاعات فقط قال شيخنا الاعظم الانصاري في التقريرات ص ١٥٨ واما وجه التعميم فيه بالنسبة إلى ما يتصف بالصحة فامران احدهما عموم الادلة كما ستعرف الثاني ما ذكره الشيخ في محكي المبسوط في الاستدلال على عدم حصول الطهارة فيما لو استنجي بالمطعوم ونحوه مما تعلق النهي بالاستنجاء عنه قال كل ما قلنا لا يجوز استعماله لحرمته او لكونه نجسا ان استعمل في ذلك ونقي به الموضع لا يجزي لانه منهي عنه والنهي يقتضي الفساد.

(٥) الكلام في المقام الاول وهو العبادات وتتعلق النهي بها على انحاء.

(٦) النحو الاول ان يتعلق النهي بنفس العنوان كالنهي عن الصلاة في ايام العادة والنهي عن الصوم في يوم العيدين ونحو ذلك من العبادات المحرمة.

(٧) النحو الثاني ان يتعلق النهي بجزء العبادة كالنهي عن قرائه سور العزائم في الصلاة.

(٨) النحو الثالث ان يتعلق النهي بشرط العبادة الخارج عنها كالنهي عن التستر بالثوب الحرير او المغصوب للصلاة او الطواف ونحوه.

٥١٤

ورابعة بوصفه الملازم (١) فان (٢) تعلق النهي بنفس العنوان

______________________________________________________

(١) النحو الرابع النهي عن وصفها الملازم لها كالنهي عن الجهر بالقراءة فان الجهر بالقراءة مما لا ينفك عن القراءة وان جاز انفكاك القراءة عن الجهر بها قال المحقق العراقي في النهاية ج ١ ص ٤٥٦ وخامسة بوصفها المفارق كالغصبية لاكوان الصلاة المنفكة عنها وعلى التقادير فالنهي اما ان يكون مولويّا واما ارشاديا إلى خلل في العبادة اما لعدم الملاك فيها او من جهة اقتران ملاكها بالمانع كالنهي عن التكتف في الصلاة او من جهة كونه مخلا بغيره كالنهي عن الصلاة في الصلاة مثلا واما ان يكون في مقام دفع توهم الوجوب الفعلي او المشروعية الفعلية او الاقتضائية فهذه انحاء صور النهي المتعلق بالعبادة وربما يختلف النتيجة حسب اختلاف الصور فلا بد ح من بيان ما للصور المزبورة من اللوازم والآثار.

(٢) النحو الاول وهو ما تعلق النهي بنفس العنوان فهل يقتضي فساد العمل وعدم وجود الملاك والمصلحة فيه فيه كلام بينهم ذهب صاحب الكفاية والمحقق النائيني وغيرهما إلى الفساد وذهب المحقق العراقي إلى عدم دلالته على الفساد وقد تقدم الاشارة اليه وسيأتي ايضا مفصلا قال صاحب الكفاية ج ١ ص ٢٩٤ ان النهي المتعلق بالعبادة بنفسها ـ مقتض لفسادها لدلالته على حرمتها ذاتا ـ أي وجود مفسدة في متعلقه ـ ولا يكاد يمكن اجتماع الصحة بمعني موافقة الامر او الشريعة مع الحرمة وكذا بمعني سقوط الاعادة ـ اي اطلاق الامر او عمومه الشامل لمتعلق النهي وان كان يدل على وجود مصلحة فيه إلّا ان تقديم النهي على الامر فيه دل على غلبة ملاك النهي على ملاك الامر فلم يبق له اثر مرغوب فيه عند الشارع ـ فانه مترتب على اتيانها بقصد القربة وكانت مما يصلح لان يتقرب بها ومع الحرمة لا تكاد تصلح لذلك ـ اي التقرب ـ و ـ اي

٥١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

كما لا تكاد ـ يتأتى قصدها من الملتفت إلى حرمتها. وبمثل ذلك قال المحقق الاصفهاني في النهاية ج ١ ص ٣١٢ المناسب في تحرير الاستدلال ان يقال ان صحة العبادة وتاثيرها اثرها ليست إلّا بمعني وقوعها قريبة من المكلف ولا يعقل التقرب بما هو مبغوض المولي فعلا وان لم نقل بالحاجة إلى الامر في وقوع العبادة قريبة حتى يعم العبادات الذاتية فان صحتها ووقوعها مقربة لا يتوقف على الامر بها لكنها تتوقف على عدم مبغوضيتها اذ المعبد ما هو مبعد لا يكون مقربا. واورد على الكفاية استادنا الآملي في المنتهى ص ١٦٧ ولا يخفي ان هذا لدليل لو تم فانما يدل على فساد العبادة في حال تنجز النهي على المكلف لانه هو الحال الذي يكون فيه المنهي عنه مبغوضا والاتيان به مبعدا للعبد عن المولي ولا يتأتى من المكلف نية التقرب به واما المنهي عنه في حال عدم تنجز النهي عنه فلا يكون مبغوضا بالفعل ولا يكون الاتيان به مبعدا للعبد فاذا كان ذلك الفعل مشتملا على ملاك الامر والتفت المكلف اليه مع جهله بالنهي عنه جهلا يمنع من تنجزه فلا مانع من التقرب بمتعلقه في هذا الحال ولو بملاحظة الملاك والمفروض ان المدعي في محل النزاع في هذه المسألة هو كون النهي بوجوده الواقعي الفعلي دالا على فساد متعلقه سواء تنجز ام لم يتنجز وعليه يكون الدليل المذكور اخص من المدعي. وقال في المجمع ج ٢ ص ٨١ وهذا الكلام وان كان خلاف الاجماع واللائق بشأنه مراعاة للاجماع ان يقول هنا بالفساد مطلقا ولكن حيث يقول بان الباب باب التعارض في ذلك المقام ـ اى على الامتناع في باب الاجتماع واختار في ذاك الباب الامتناع ايضا ـ لا يصح ذلك ايضا لانه لو كان الملاك التعارض فيجب ان يقول في المقامين بالبطلان في صورة الاجتماع في العلم والجهل وهذا خلط منه. قال في ص ٨٠ وليس المقام مثل مقام الشك في القدرة حتى يقال انها صحيحة في صورة الجهل بالنهي لان

٥١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

في المقام ما يحتمل قرينيته على عدم الملاك وهو النهي فعلي جميع التقادير تكون العبادة فاسدة في العلم والجهل. وذكر المحقق النائيني في وجه الفساد في الاجود ج ٢ ص ٣٩٦ واما الدليل على المدعى أعني به دلالة النهي على الفساد فهو ان النهي اذا تعلق بذات عبادة ولو كان ذلك بواسطة امر آخر يكون واسطة في الثبوت فهو لا محاله يستلزم عدم الامر بها فان اعتبرنا في صحة العبادة تعلق الامر بها كما اختاره صاحب الجواهر قده فدلالة النهي عن العبادة على فسادها في غاية الوضوح وان اكتفينا في صحتها باشتمالها على الملاك كما هو المختار فلان الملاك الذي يمكن بحكم العقل ان يتقرب بالفعل المشتمل عليه من المولي انما هو الملاك الذي يكون في حد ذاته علة تامة للبعث ولم يكن عدم طلب المولى على طبقه الا من جهة عدم قدرة المكلف على امتثاله لاجل وجود طلب آخر اهم من ذلك الطلب كما هو الحال في موارد التزاحم في مرحلة الامتثال واما الملاك المعدوم او المغلوب لملاك النهي فكما انه يستحيل كونه داعيا للمولى إلى البعث يستحيل ان يكون موجبا لصحة التقرب بما اشتمل عليه فاذا فرضنا ان اكرام العالم الفاسق ليس فيه ملاك يقتضي طلبه او فرضنا ان ملاكه مغلوب لملاك حرمته امتنع التقرب به من المولي وبما ان المفروض في المقام حرمة العبادة وانها تكشف كشفا قطعيا عن عدم ملاك الامر فيها او عن كونه مغلوبا لملاك طلبه لا يصح التقرب بها قطعا مضافا إلى ما ذكرناه في المبحث السابق من ان فعلية التقرب بما يصلح ان يتقرب به في نفسه مشروطة عقلا بعدم كونه مزاحما بالقبح الفاعلي وبما ان العبادة المنهي عنها تصدر مبغوضه ومتصفة بالقبح الفاعلي يستحيل التقرب بها من المولي وان كان فيها ملاك الوجوب أيضا الخ فيكون المورد من التعارض ويكون من تكافؤ الدليلين وتكون العبادة غير مشروعة واجاب عنه استادنا الآملي في المجمع ج ٢ ص ٧٩ وفيه ان

٥١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

مسلكه قدس‌سره هو ان سقوط الخاص بالدلالة المطابقية فيما يكون ـ أي التعارض ـ من العام والخاص كصم ولا تصم يوم العيد ـ يكون مستلزما لسقوطه بجميع المراتب من الارادة والحب والملاك بمعنى ان ما لا أمر له لا ملاك له أيضا فعلى هذا لا يكون في المقام ملاك حتى يقول انه مغلوب فكلامه من هذه الجهة غير تام. والعمدة هو بيان كلام المحقق العراقي في عدم الفساد قال المحقق الماتن في النهاية ج ١ ص ٤٥٦ فنقول اما اذا كان النهي متعلقا بعنوان العبادة وكان مولويا محضا فهو كما عرفت غير مقتض لفساد العبادة الا من جهة قضية الاخلال بالقربة الموقوفة على العلم به وإلّا فمن جهة فقد انها للملاك والمصلحة لا دلالة عليه بوجه من الوجوه لان غاية ما يقتضه النهي المزبور بما انه نهي مولوي تحريمي انما هو الدلالة على قيام المفسدة في متعلقه واما الدلالة على عدم وجود ملاك الامر والمصلحة فيه ولو من جهة اخرى فلا نعم مع الشك في الملاك كان مقتضي الاصل هو الفساد ولكنه غير مرتبط باقتضاء النهي المولوي لذلك كما هو واضح. لكن بيان اوضح وبرهان اتقن هو ما ستعرف في شرح المتن.

٥١٨

فلا شبهة (١) في ان طبع النهي يقتضي المولويّة النفسيّة ولازمه (٢) اقتضائه كون العنوان مما احتيج إلى عدمه (٣) ولازمه (٤) استحالة الاحتياج إلى وجوده بنفسه (٥) فيستحيل (٦) ح كون العنوان المزبور مصلحة ومفسدة ملازمة لمحبوبيّته نفسيا ومبغوضيته كذلك (٧) فقهرا (٨) يقتضي مثل هذا النهي فساد متعلقه فيتعارض مع الامر

______________________________________________________

(١) وملخصه يكون النهي في نفسه مع قطع النظر عن القرينة ظاهرا في المولوية النفسية وذلك بطبعه واطلاقه وغيره يحتاج إلى القرينة.

(٢) اي لازم النهي المولوي النفسي الدال بطريق الإنّ على وجود المفسدة في متعلقه والعرف يفهم من ذلك بنحو الالتزام ان لا مصلحة في المتعلق.

(٣) ان الحرمة النفسية مع اطلاق الوجوب النفسي الدال بطريق الإنّ على وجود المصلحة الملزمة في متعلقه والعرف يفهم من ذلك بنحو الالتزام ان لا مفسدة فيه شموليا كان ام بدليا متنافيان فلا محاله يكون دليل الحرمة لكونه اقوى من دليل الوجوب مقيدا له بعدم المنهي عنه.

(٤) ولازم التقييد انه يستحيل من المولي ارادة وجود المتعلق بعد ما كان مغلوبا للنهي.

(٥) وتقييد العنوان بعدمه اى الصلاة في غير ايام العادة والصوم في غير العيدين.

(٦) فحينئذ محال ان يجتمع المصلحة والمفسدة في هذا المتعلق بعد تقييده به بل مفسدة ليس إلّا.

(٧) وكذا لا يجتمع المحبوبية النفسية والمبغوضية النفسية بعد ما كان العنوان مقيدا بعدمه فمبغوض ليس إلّا وهذا امر واضح ولو اجتمع كان من اجتماع الضدين وهو محال.

(٨) فقهرا يتعارض النهي الدال على فساد متعلقه والامر الدال على الصحة.

٥١٩

المقتضي لصحته و (١) ربما ينتهي امرهما إلى التساقط واصالة عدم المشروعية (٢) ولكن (٣) غلبة كون الامر او النهي في الشريعة

______________________________________________________

(١) ويتساقطان وذلك يستلزم الشك في كون مورد المعارضة مشروعا فبضميمة اصالة الفساد في كل عبادة شك في مشروعيتها ينتج الفساد هذا اذا وصل النوبة إلى التعارض والتساقط.

(٢) وربما لا ينتهي إلى ذلك فالنهي يدل على الفساد قال استادنا الآملي في المنتهى ص ١٦٨ واما بناء على تقديم دليل الحرمة فان كان الدليلان متباينين فلا محاله يكون ترجيح احد المتعارضين بملاحظة المرجحات السندية او ما يئول اليها وح يكون تقديم دليل الحرمة كاشفا عن كذب دليل الوجوب وموجبا لفعلية النهي في مورد المعارضة وفعلية النهي عن العمل المحتمل كونه عبادة تدل على كونه غير مشروع فيقع فاسدا ـ اي ذلك ايضا على مختار المحقق الماتن لاحتمال عباديته يجري فيه اصالة عدم المشروعية وفساده لذلك ـ وان كان الدليلان متعارضين بالعموم والخصوص المطلق فما ان الحق هو تقديم الخاص على العام لكونه اقوى دلالة على حكم مورد المعارضة يكون حجة في مدلوله المطابقي لانه مورد المعارضة واما مدلوله الالتزامي فلا يتقدم فيه على العام اذ ليس هو بأقوى دلالة عليه من دلالة العام على مدلوله الالتزامي فاذا تكافئا تساقطا وذلك يوجب الشك في كون مورد المعارضة مشروعا فلا بد من الرجوع إلى اصالة الفساد في استنتاج فساد مورد المعارضة حيث يؤتى به عبادة فلا يكون نفس النهي دالا على فساده ـ إلى ان قال في ص ١٧٥ قد عرفت ان النهي النفسي المتعلق بالعبادة لا يقتضي بنفسه فسادها بل هو يهيأ العبادة لجريان أصالة الفساد وذلك لان النهي اذا تعلق بعنوان قد تعلق به الامر ولو باطلاقه كما هو المفروض في المقام حصل التعارض بينه وبين الامر فيتساقطان ومعه يكون مقتضي الاصل عدم المشروعية.

(٣) ثم ان المحقق العراقي يدعي عدم ظهور النهي في المولوية النفسية بل ظاهر في الارشاد إلى المفسدة في المتعلق.

٥٢٠