نماذج الأصول في شرح مقالات الأصول - ج ٣

السيد عباس المدرّسي اليزدي

نماذج الأصول في شرح مقالات الأصول - ج ٣

المؤلف:

السيد عباس المدرّسي اليزدي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة الداوري
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-5711-33-9
الصفحات: ٥٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فكذلك لان ترك ذي المقدمة الذي هو شرط في حرمة المقدمة في هذا الفرض ان كان الترك المستند إلى ترك المقدمة المحرمة التي تكون حرمتها محل الكلام بالفعل يلزم ان يكون النهي عنها معلقا على تركها في الحقيقة ولا ريب في كون مثل هذا التكليف بهذا النحو لغوا لكونه تحصيلا للحاصل وان كان شرط حرمة المقدمة هو ترك ذي المقدمة المستند إلى ترك غير المقدمة المحرمة لم يلزم كون التكليف بتركها لغوا ولكن يلزم ان يكون فعل واحد مأمورا به ومنهيا عنه في وقت واحد لأن كون المقدمة الواجبة هي ذات المقدمة المهملة من حيث الايصال وعدمه غير معقول كما اشرنا اليه فيما سبق فلا محالة يكون وجوب المقدمة مطلقا من حيث تقدير إطاعة الامر المتعلق بذيها وعصيانه ومعه تقع المطاردة بين الامر المتعلق بها والنهي الحاصل عنها حين ترك ذيها لانه معلق على تقدير عصيان الامر المتعلق بذيها هذا كله فيما اذا كانت المقدمة سابقة في الزمان على ذيها وأما اذا كانت مقارنة له مثل ترك احد الضدين بالنسبة إلى وجود ضده بناء على المقدمية فقد يقال بإمكان وجوب ترك المهم غيريا وحرمته مترتبا على عصيان خطاب الاهم بتقريب ان ترك المهم مقدمة لفعل الاهم فيكون واجبا وبما ان إطلاق النهي عن المهم بتناول مورد ترك الاهم ولا مانع من فعليته مشروطا بعصيان خطاب الاهم فيكون محرما وهذا النحو من المقدمة المحرمة يجري فيه من الكلام ما جرى في النحو الاول منها الا الاشكال من جهة الشرط المتأخر فانه لا يتوجه في هذا النحو من المقدمة المحرمة لفرض اقترانها بذيها في مقام الامتثال وبعدمه حال العصيان ومما ذكرنا فيما سبق تعرف ان هذا النحو من المقدمة المحرمة لا يجري فيه الترتب المشهور ايضا لانه ان قلنا بأن متعلق الوجوب الغيري هي المقدمة الموصلة أو قلنا بأن الوجوب الغيري يتعلق بالمقدمة بنحو القضيّة الحينية فالواجب بالوجوب

١٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

الغيري غير المحرم بالحرمة النفسية لصيرورة طبيعي المقدمة حصتين إحداهما ما يكون واجبا ليس إلّا وثانيتهما ما يكن محرما ليس إلّا وان قلنا بعدم اشتراط الوجوب الغيري بالايصال او بعدم القضية الحينية فلا محاله يكون وجوب المقدمة مطلقا لاستحالة الاهمال في الواقع ومعه تكون المقدمة في فرض ترك ذيها متعلقة للامر الغيري والنهي النفسي المعلق على ترك ذيها كما هو المفروض فلاحظ. والامر كما ذكره.

الموضع الحادي عشر فيه امرين الامر الاول ذكر المحقق النّائينيّ في الاجود ج ١ ص ٣٢٦ وأما القسم الثالث وهو ما اذا كان التزاحم ناشئا من ملازمة وجود الواجب لوجود الحرام اتفاقا كما اذا فرضنا حرمة استدبار الجدي المستلزم لوقوع التزاحم بينها وبين وجوب استقبال القبلة بالنسبة إلى اهل العراق مثلا فان لم يكن احد الحكمين اهم من الآخر سقط كلاهما والاقدام الاهم وسقط خطاب المهم رأسا ولا يمكن الالتزام بالترتب في هذا الفرض لان عصيان خطاب الاهم كاستقبال القبلة في المثال على تقدير كونه الاهم لا يكون إلّا باستدبارها فتعلق الخطاب به معلقا على عصيان وجوب الاستقبال يستلزم طلب الحاصل وهو غير معقول. قال استادنا الآملي في المنتهى ص ٨٥ لا ريب في امتناع الترتب في فيما اذا كان التزاحم ناشئا عن ملازمة وجود الواجب لوجود الحرام وان كانت الامثلة التي ذكروها كوجوب الاستقبال وحرمة استدبار الجدي لأهل العراق ووجوب الجهر وحرمة الاخفات في الجهرية وبالعكس في العكس لا تخلو من مناقشة وقد تقدمت. الامر الثاني قال المحقق النائيني في الأجود ج ١ ص ٣٢٦ وأما القسم الرابع وهو ما اذا وقع التزاحم لاجل اتحاد متعلق الامر والنهي في الوجود كما في موارد اجتماع الامر والنهي فلا يعقل الخطاب الترتبي فيه ايضا لما اشرنا اليه من ان عصيان خطاب النهي اما ان يكون بإتيان متعلق

١٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الامر او بضد آخر غيره وعلى الاول يلزم من الخطاب الترتبي طلب الحاصل وعلى الثاني يلزم منه طلب احد الضدين على تقدير وجود الضد الآخر ومرجعه إلى طلب الجمع بين الضدين وهو محال ايضا وأما توهم إمكان ترتب خطاب المهم على العزم على عصيان خطاب الاهم لا على نفس العصيان فمدفوع بما مر من انه لا يمكن تصحيح الخطاب الترتبي باشتراط العزم على العصيان بل لا بد في تصحيحه من كون نفس العصيان شرطا لخطاب المهم. وقد تقدم تقريب الترتب فيه وفساده في ما سبق فراجع الموضع الثاني عشر قد يستشهد على وقوع الترتب فضلا عن صحته ببعض الفروع الفقهية التي ينحصر وجه صحتها في جواز الترتب قال المحقق النائيني في الفوائد ج ١ ص ٣٥٧ وينبغي اولا التنبيه على بعض الفروع الفقهية التي لا محيص للفقيه عن الالتزام بها مع انها تكون من الخطاب الترتبي منها ما لو فرض حرمة الاقامة على المسافر من اول الفجر إلى الزوال فلو فرض انه عصى هذا الخطاب واقام فلا إشكال في انه يجب عليه الصوم ويكون مخاطبا به فيكون في الآن الاول الحقيقي من الفجر قد توجه اليه كل من حرمة الاقامة ووجوب الصوم ولكن مترتبا يعني ان وجوب الصوم يكون مترتبا على عصيان حرمة الاقامة ففي حال الاقامة يجب عليه الصوم مع حرمة الاقامة ايضا لأن المفروض حرمة الاقامة عليه إلى الزوال فيكون الخطاب الترتبي محفوظا من الفجر إلى الزوال فيكون عين الخطاب الترتبي فيما نحن فيه من مسألة الضدين ان قلنا بأن الاقامة قاطعة لحكم السفر لا لموضوعه فانه يكون خطاب الصوم ح مترتبا على عصيان خطاب الاقامة بلا توسيط شيء كترتب خطاب المهم على عصيان خطاب الاهم حذوا النعل بالنعل ـ إلى ان قال ـ ومنها ما لو فرض وجوب الاقامة على المسافر من اول الزوال فيكون وجوب القصر عليه مترتبا على عصيان وجوب الاقامة حيث انه لو

١٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

عصى ولم يقصد الاقامة توجه عليه خطاب القصر وكذا لو فرض حرمة الاقامة فإن وجوب التمام يكون مترتبا على عصيان حرمة الاقامة ومنها وجوب الخمس المترتب على عصيان خطاب اداء الدين اذا لم يكن الدين من عام الربح وأما اذا كان من عام الربح فيكون خطاب اداء الدين بنفس وجوده رافعا لخطاب الخمس لا بامتثاله على ما تقدم الخ واجاب عن ذلك صاحب الكفاية ج ١ ص ٢١٨ ان قلت فما الحيلة فيما وقع كذلك من طلب الضدين في العرفيات ـ اي كما يقول الأب لولده اذهب هذا اليوم إلى المعلم فإن عصيت فأكتب في الدار ولا تلعب مع الصبيان وفي الشرعيات كما عرفت ـ قلت لا يخلو ما ان يكون الامر بغير الاهم بعد التجاوز ـ اي رفع اليد ـ عن الامر به ـ بالاهم ـ وطلبه حقيقة وأما ان يكون الامر به ـ اي المهم ـ ارشادا إلى محبوبيته وبقائه على ما هو عليه من المصلحة والغرض لو لا المزاحمة ـ اي بالاهم ـ وأن الاتيان به ـ اي المهم ـ يوجب استحقاق المثوبة فيذهب بها بعض ما استحقه من العقوبة على مخالفة الامر بالاهم لا انه امر مولوي فعلي ـ اي المهم ـ كالامر به ـ اي بالاهم ـ الخ وفيه كلاهما ممنوع اما الاول فانه خلاف ما عليه ارتكازهم من بقاء الامر بالاهم إلّا ان يكون مراده تمامية امد الاهم بواسطة العصيان كما مر وأما الثاني فلكون الامر به مولويا لا ارشاديا بالوجدان فجميع الاوامر ارشاد إلى الغرض الاقصى فوجوب الصلاة والازالة لا تكونان الا مولويا وذكر استادنا الآملي في الرد على الفروع في المنتهى ص ٨٥ ولا يخفى ان ما ذكروه شاهدا لوقوع الترتب من هذه الفروع لا مساس لها بالترتب وذلك لان الخطابين المتزاحمين في مقام الامتثال ان كان التضاد بين متعلقيهما تكوينيا لا بسبب اعتبار الشارع او اشتراطه في احدهما او كليهما ما يوجب التنافي بينهما والمعاندة في الوجود كشرب الماء لحفظ نفسه من التلف عن العطش والوضوء به للصلاة فان التنافي بينهما ذاتي

١٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

تكويني ـ اي مع صرف النظر عن امر الشارع التنافي موجود اما يصرف في الوضوء او يشرب ـ بخلاف الصوم وانقاذ الغريق المستلزم للارتماس في الماء فإن التنافي بينهما تشريعي اي حصل بسبب اشتراط الشارع في الصوم عدم الارتماس في الماء الموجب للتنافي بين حصوله والانقاذ المزبور فإن كان التضاد بين المتعلقين تكوينيا كما اشرنا اليه توجه النزاع في امكان الترتب بدعوى ارتفاع قبح التكليف بكلا الضدين في وقت واحد بنحو الترتب المزبور وعدم امكانه بدعوى أن الترتب في الخطاب بالضدين في وقت واحد لا يوجب ارتفاع قبح التكليف بالضدين في وقت واحد مع توجه كلا الخطابين إلى المكلف في آن واحد كما هو المفروض في الترتب المشهور وأن كان التضاد بين متعلقي كلا الخطابين حاصلا بسبب اشتراط الشارع في احدهما او كليهما ما يوجب التعاند بينهما في الوجود فلا محالة تقع المعارضة بين دليليهما فلا بد من العلاج من هذه الناحية فلا تكون المعاندة والمضادة بين متعلقيهما ذاتا في الرتبة السابقة حيث يكون الخطاب بالضدين اللذين تكون المعاندة بينهما في الرتبة السابقة على الخطاب محالا بنظر العقل مطلقا كان ام مشروطا وبعبارة اخى يمكن القول بالفرق بين المقام والامثلة المزبورة بأن فيها لم تكن مضادة بين متعلقي الامرين ذاتا وانما جاءت المضادة من ناحية تقيد احد الطلبين بعدم الآخر فهذه المضادة معلولة للطلب ولا تؤخذ في معروضه فلا يصدق على ذلك تعلق الطلب بالضدين لا مطلقا ولا مشروطا بخلاف ما نحن فيه اذ جهة المضادة بينهما محفوظة في الرتبة السابقة على الطلب وح فلا ترفع باشتراط الطلب بعدم الآخر فيصدق ح اجتماع الطلبين الفعليين المتضادين احدهما مطلق والآخر مشروط على نحو لا يوجب سقوط الطلب الآخر معه والعقل يأبى عن ذلك وهذا بخلافه في الامثلة المزبورة كما لا يخفى. هذا تمام الكلام في الترتب.

١٨٥

أمر الأمر مع علمه بانتفاء شرطه

النموذج الحادي عشر :

قال في الكفاية ج ١ ص ٢٢٠ لا يجوز أمر الأمر مع علمه بانتفاء شرطه خلافا لما نسب إلى أكثر مخالفنا. وعن جماعة منهم نقل الاتفاق على عدم الجواز والكلام يقع عن جهات.

الجهة الاولى : في المراد من الشرط هو شرط وجود الأمر كما سيأتي او المأمور به قال في الفصول ص ١١١ والتحقيق انهم ان ارادوا بالشرط شرط الأمر أي شرط وقوعه وصدوره بارجاع ضمير إليه مأخوذا بهذا الاعتبار فلا إشكال في انتفاء الأمر عند انتفاء الشرط بل لا إشكال في امتناعه عند انتفاء الشرط وكذا لو أخذ الأمر بشرط عدم الشرط ووجهه واضح ضرورة ان المشروط عدم عند عدم شرطه فيكون المراد بالجواز الامكان وبعدمه عدمه ـ إلى ان قال ـ وان ارادوا بالشرط شرط الشيء المأمور به بارجاع ضميره إليه فهو اقرب إليه لفظا فحينئذ ان اراد المانعون ان علم الأمر بانتفاء شرط المأمور به أي شرط التمكن منه يوجب ان لا يجوز الأمر بالمشروط على الإطلاق بالنسبة إلى الشرط الذي علم الآمر انتفائه فالحكم على مذهب العدلية متّجه والوجه في متضح وهو قبح التكليف بالمحال نعم يتأتي الحكم بجواز ذلك حيث يستند انتفاء الشرط إلى المكلف عند من اجاز التكليف بالمحال والحال هذه بل قد التزموا بوقوعه مع علم المأمور به ايضا فقالوا بان من ترك المسير إلى الحج الواجب مأمور بالحج وان ارتفع تمكنه منه ويمكن تخصيص نزاعهم هنا بغير ذلك. قال في الكفاية ج ١ ص ٢٢٠ ضرورة انه لا يكاد يكون الشيء مع عدم علته كما هو المفروض هاهنا فان الشرط من اجزائها وانحلال المركب ـ أي

١٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

انتفائه بانتفاء و ـ بانحلال بعض اجزائه مما لا يخفى. فجعله شرطا للامر ، وبما ان العلة التامة مركبة من المقتضي والشرط والمانع فلا محالة تنتفي بانتفاء كل منها وتبعه عليه غيره وقال بعض ايضا الظاهر ان المراد من شرطه ليس هو شرط المأمور به ضرورة جواز الأمر مع العلم بانتفاء شرط المأمور به وامكان تحصيله خارجا بلا كلام كالطهارة والستر ونحوهما بالنسبة إلى الصلاة فيحصله المكلف اولا ثم يأتي بالمأمور به مستجمعا للشرائط كلها كما لا إشكال في ان المراد من شرط الأمر هو خصوص القدرة والتمكن من المأمور به أي هل يجوز أمر الأمر مع علمه بانتفاء قدرة المكلف على الفعل ام لا وليس المراد هو مطلق شرط الوجوب كالوقت بالنسبة إلى الصلاة ونحوها ، لكن قال المحقق العراقي في البدائع ج ١ ص ٤١١ والظاهر ان المراد من الشرط في عنوان النزاع هو شرط وجود المأمور به لا شرط نفس الأمر اذ لا ينبغي الإشكال في عدم جواز الأمر مع انتفاء شرطه حتى من الأشاعرة المنكرين للتحسين والتقبيح العقليين لرجوعه ح إلى جواز تحقق المعلول بدون علته. ثم قال المحقق العراقي في البدائع ص ٤١١ هذا إذا اريد من انتفاء الشرط انتفائه بقول مطلق واما إذا اريد انتفاء شرط بعض مراتب الأمر فهو مما لا ينبغي الإشكال في جوازه إذا اريد تحققه بمرتبة الانشاء مثلا مع انتفاء شرط مراتبه المتأخرة عنه كيف وان الدليل على امكانه هو وقوعه في العرف والشرع كما في موارد الامارات والاصول المؤدية إلى خلاف الواقع بل ولعل كثير من الاحكام باقية في مرتبة انشائها ولم تصل إلى المرتبة الفعلية إلى ان يقوم الحجة عجل الله فرجه كما يرشد إلى ذلك قوله عليه‌السلام ان الله سبحانه سكت عن اشياء لم يسكت عنها نسيانا الخ نعم مع انتفاء شرط المرتبة السابقة لا يمكن تحقق اللاحقة لعين ما ذكر في فرض انتفاء الشرط مطلقا من لزوم تحقق

١٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

المعلول بلا علته ، تبع في ذلك الكفاية ج ١ ص ٢٢١ نعم لو كان المراد من لفظ الأمر الأمر ببعض مراتبه ـ كالانشاء ـ ومن الضمير الراجع إليه بعض مراتبه الآخر ـ أي كالفعلية ـ بان يكون النزاع في ان أمر الأمر يجوز انشاءه مع علمه بانتفاء شرطه بمرتبة فعليته وبعبارة اخرى كان النزاع في جواز انشاءه مع العلم بعدم بلوغه إلى المرتبة الفعلية لعدم شرطه لكان جائزا وفي وقوعه في الشرعيات والعرفيات ـ غنى وكفاية كامره تعالى ابراهيم صلى‌الله‌عليه‌وآله بذبح ولده ـ وقد عرفت سابقا ان داعي انشاء الطلب لا ينحصر بالبعث والتحريك جدا حقيقة بل قد يكون صوريا امتحانا وربما يكون غير ذلك ـ أي التهديد والتعجيز ـ ومنع كونه أمرا إذا لم يكن بداعي البعث جدا واقعا وان كان في محله إلّا ان اطلاق الأمر عليه إذا كانت هناك قرينة على انه بداع آخر غير البعث توسعا مما لا بأس به اصلا. لكن فيه ان الظاهر ان ما ذكره من الجواز فيما إذا لم يكن الأمر بداعي البعث والتحريك واقعا خارج عن محل البحث ضرورة ان محل البحث في الجواز وعدمه انما هو في الاوامر الحقيقية التي يكون الداعي فيها البعث والتحريك نحو ايجاد متعلقاتها في الخارج حقيقة أما في الأوامر الصوريّة التي ليس الداعي فيها البعث نحو إيجاد متعلقاتها في شيء بل لداعي لها الامتحان او غيرها فلا إشكال في جوازها مع علم الأمر بانتفاء شروط فعليتها ومراد المحقق العراقي ليس ذلك بل مراده ان كلاهما جديين لكن احدهما بقى في مرحلة الانشاء والآخر وصل إلى مرحلة الفعلية وبذلك يجمع بين الحكم الظاهري والواقعي وذكر في المحاضرات ج ٤ ص ٦ لا مجال للنزاع في شرائط الجعل فلا شبهة في انتفاء الجعل بانتفاء شرطه وذلك لان الجعل فعل اختياري للمولى كبقية افعاله الاختياري هذا من ناحية ومن ناحية اخرى ان كل فعل اختياري مسبوق بالمبادى النفسانية وهي الارادة بمقدماتها من التصور والتصديق

١٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ونحوهما لنتيجة على ضوء هاتين الناحيتين هي انه لا يمكن جعل الحكم من المولى مع انتفاء شيء من تلك المبادي والمقدمات ضرورة انه معلول لها ومشروط بها ومن الطبيعي استحالة وجود المعلول بدون وجود علته ووجود المشروط بدون تحقق شرطه وهذا من الواضحات الاولية وغير قابل لان يكون ذلك محل البحث والانظار. ومن ذلك يظهر أنه ليس شرط الأمر محل النزاع اصلا كما ظهر اختلاط بعض من شرط الأمر وشرط المأمور والقسم الذي يكون البحث من شرط المأمور كما ستعرف.

قال المحقق العراقي في البدائع ص ٤١٢ فاتضح مما ذكرنا ان المراد من انتفاء الشرط في عنوان البحث هو انتفاء شرط وجود المأمور به وينبغي ايضا تخصيصه بالانتفاء الموجب لسلب قدرة المأمور على الامتثال واتيان المأمور به واحدا لشرطه لا مطلق الانتفاء حتى يشمل ما كان غير متحقق ولكن يقدر المكلف على تحصيله فانه ح لا إشكال في جواز الأمر بالمشروط المستتبع للزوم اتيان الشرط عقلا وشرعا على القول بالملازمة. وقال المحقق العراقي في النهاية ج ١ ص ٣٧٨ وح فيتعين ارادة انتفاء شرط وجود المأمور به وعليه ايضا ينبغي تخصيص مورد النزاع بالانتفاء الموجب لسلب قدرة المأمور على الامتثال واتيانه واجدا لشرطه لا مطلق الانتفاء ولو المستند إلى اختيار المكلف مع تمكنه من تحصيله فان ذلك ايضا مما لا مجال للنزاع فيه اذ لا إشكال في جواز ذلك كما في تكليف الجنب بالصلاة عند دخول الوقت مع تمكنه من تحصيل الطهارة ومن ذلك كان الواجب عليه ح تحصيل شرطها الذي هي الطهارة فانه لو لا وجوب الصلاة عليه لما كان الواجب عليه تحصيل الطهارة وهو واضح بعد وضوح كون وجوب الطهارة عليه وجوبا غيريا ترشحيا من وجوب ذيها. لكن اشكل على ذلك المحقق الاصفهاني في النهاية ج ١ ص ٢٤٨

١٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال بل غير جائز لان الانشاء بداع البعث مع العلم بانتفاء شرط بلوغه إلى مرتبة الفعلية غير معقول وبداع الامتحان وغيره لا يترقب منه البلوغ إلى مرتبة البعث الجدي ليدخل في العنوان وبلا داع محال الخ ومرجعه إلى انكار الأوامر الامتحانية والاختبارية فيكون النزاع مبنائيا وقد تقدم الكلام فيه والمتابعة لصاحب الكفاية من كون النزاع في شرط الأمر لكن عرفت ان الأمر جدي وانما لمصلحة بقى في مرحلة انشائه فالنتيجة ان النزاع ليس في شرط الأمر كما افاده صاحب الكفاية ومن تبعه بل شرط المأمور به وهو القدرة فمرجع البحث إلى انه هل يمكن تكليف العاجز من اتيان شيء بذلك الشيء ام لا وحيث ان الاشاعرة لا يرون بأسا في تكليف العاجز من شيء بذلك الشيء قالوا في هذا المقام بامكان أمر الأمر مع العلم بانتفاء شرطه وصحته وحيث نحن نقول بعدم صحة ذلك بل عدم امكانه لان حقيقة الأمر هو البعث باحد طرفي المقدور فنقول بامتناعه.

الجهة الثانية : ذكر المحقق النائيني في الاجود ج ١ ص ٢٠٩ الفصل السادس قد عرفت في مبحث الواجب المشروط ان فعلية الحكم في القضايا الحقيقية ـ أي التي كان الحكم فيها مجعولا للموضوع المفروض الوجود خارجا كلله على الناس حج البيت من استطاع ـ مشروطة بوجود موضوعه خارجا ويستحيل تخلفها عنه وعلم الأمر بوجوده او بعدمه اجنبي عن ذلك ـ أي ان الحكم لم يجعل فيها من الأول لفاقد الشرط والموضوع ـ فلا معنى للبحث عن جواز أمر الأمر مع علمه بانتفاء شرطه كما عرفت ان الحكم في القضايا الخارجية يدور مدار علم الحاكم ووجود شروط الحكم واما نفس وجودها في الخارج او عدمها فيه فهو اجنبي عن الحكم فلا معنى للبحث عن الجواز المزبور فيها ايضا فالتحقيق ان هذه المسألة باطلة من اصلها وليس فيها معنى معقول يبحث عنه انتهى واجاب

١٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

عنه استادنا الخوئي عن الأمر الأول في هامش الاجود بان فعلية الحكم في القضايا الحقيقة وان كانت تدور مدار وجود الموضوع خارجا إلّا ان جعل الحكم على الموضوع المقدر وجوده مع العلم بعدم تحققه خارجا لغو لا يمكن صدوره من الحكيم نعم إذا كان نفس جعل الحكم موجبا لعدم تحقق الموضوع وكان غرض الجاعل في جعله الحكم هو ذلك كما إذا فرض ان جعل القصاص اوجب عدم تحقق القتل الاختياري في الخارج فلا مانع من جعله فالحق في المقام هو التفصيل ومن ذلك يظهر الحال في القضايا الخارجية انتهى.

قال في المحاضرات ج ٤ ص ٨ في الجواب عن المحقق النائيني قال ـ النزاع في هذه المسألة لو كان في دخل علم الأمر لوجود الموضوع او بعدم وجوده في فعلية الحكم وعدم فعليته لكان ما افاده في غاية الصحة وذلك لما عرفت من أن فعلية الحكم في القضايا الحقيقية تدور مدار فعلية موضوعه وتحققه في الخارج ولا دخل لعلم الأمر لوجوده او بعدمه في ذلك أصلا فاذن لا معنى للنزاع فيه كما هو واضح إلّا أنّك ان النزاع في المسألة ليس في هذا بل هو فيما ذكرناه من ان جعل الحكم في القضية الحقيقية للموضوع المقدر وجوده مع علم الجاعل بعدم تحقق الموضوع في الخارج هل يجوز ام لا ومن الظاهر ان النزاع في هذا نزاع في معنى معقول ـ وعلم الحاكم ـ اى في القضايا الخارجية الذي له دخل في جعل هذا الحكم ليس علمه بما هو صفة نفسانية قائمة بها مع قطع النظر عما تعلق به من الموجودات الخارجية ضرورة ان علمه لوجود شرطه في الخارج يدعو إلى جعل هذا الحكم كما ان علمه بعدم وجوده فيه داع لعدم جعله فيما إذا لم يكن الغرض منه عدم تحقق شرطه وموضوعه فاذن يقع الكلام في انه هل يجوز لمولى ان يا من عبده بفعل مشروطا بشيء مع علمه بانتفاء ذلك الشيء في الخارج وعدم تحققه أصلا أم لا نزاع في أمر معقول. وقال في

١٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

المحاضرات ج ٤ ص ٨ ولكن الصحيح في المقام هو التفصيل بين ما إذا كان انتفاء الشرط مستندا إلى نفس جعل الحكم وكان هو الموجب له وما اذا كان مستندا إلى عدم قدرة المكلف او إلى جهة اخرى فعلى الأول لا مانع من جعله اصلا إذا كان الغرض منه عدم تحقق الشرط والموضوع في الخارج من دون فرق بين ان يكون الجعل على نحو القضية الحقيقية او الخارجية كما إذا قال المولى لعبده او الاب لابنه ان كذبت مثلا فعليك دينار مع علمه بان جعل وجوب الدينار عليه على تقدير كذبه موجب لعدم صدور الكذب منه فيكون عرضه من جعله ذلك وكما إذا فرض ان جعل الكفارات في الشريعة المقدسة على ارتكاب عدة من المحرمات يوجب عدم تحققها في الخارج كوجوب القصاص المترتب على القتل الاختياري إذا فرض انه موجب لعدم تحقق القتل خارجا ومن المعلوم انه لا مانع من مثل هذا الجعل اصلا بل هو مما تقتضيه المصلحة التامة ـ وعلى الثاني وهو ما إذا كان انتفاء الشرط من غير ناهية اقتضاء الجعل له فهو لغو محض لا يصدر من المولى الحكيم مثل ان يامر بوجوب الحج على تقدير الاستطاعة في الخارج مع علمه فرضا بعدم تحققها فيه اصلا فانه لا شبهة في ان جعل مثل هذا الحكم لغو صرف الخ لكن فيه أن هذا يتم لو علم بانتفاء شرطه مطلقا بالنسبة إلى الجميع ، أما لو علم انتفاء شرطه بالنسبة إلى بعض دون بعض أو علم أنه رادع من تحقق الموضوع وهو القتل بالنسبة إلى بعض دون بعض فهذا يخرج عن اللغوية.

الجهة الثالثة في الثمرة : قال المحقق النّائينيّ في الاجود ص ٢٠٩ واما الثمرة التي رتبوها عليها من وجوب الكفارة على من أفطر في شهر رمضان ولو لم يتم له شرائط الوجوب إلى الليل ، فهي مترتبة على بحث فقهي وهو ان وجوب الصوم ، هل ينحل إلى تكاليف متعددة بتعدد الآنات او هو تكليف واحد

١٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

مشروط بشرط متاخر وهو بقاء شرائط الوجوب إلى المغرب ، وعلى الثاني فهل لنا تكليف آخر بامساك بعض اليوم في خصوص ما إذا ارتفع شرط الوجوب بالاختيار او مطلقا اولا والبحث عن ذلك موكول إلى محله انتهى ، والتحقيق في هذه الثمرة ان المستفاد من الروايات ان موضوع وجوب الكفارة هو الافطار العمدى في شهر رمضان من دون عذر شرعي له وقد تحقق نعم في الحيض والنفاس ونحوهما ينكشف عن عدم وجوب الصوم من الأول ان وقعا في اثناء النهار فلو أفطر عمدا ثم طريا ذلك فلا توجبان الكفارة اصلا ولعل من ثمرة هذه المسألة هو تعلق الأمر بالحج في عام الاستطاعة وعدم القدرة بموته بعد الاحرام ودخول الحرم فانه يجزي.

الجهة الرابعة : قال المحقق العراقي في النهاية ج ١ ص ٣٧٩ وعليه فيرجع النزاع إلى النزاع المعروف بين الاشاعرة وغيرهم من جواز تعلق التكليف بالمحال وعدم جوازه من جهة رجوع التكليف بالمشروط ح مع انتفاء شرط المأمور به وعدم تمكن المكلف من تحصيله إلى التكليف بالمحال وبما لا يقدر عليه المكلف فيندرج ح في ذلك النزاع الذي اثبته الاشاعرة حسب زعمهم الفاسد من انكار التحسين والتقبيح العقليين وتجويزهم على الله سبحانه تكليف عباده بما لا يقدرون عليه ، وربما يبتنى ذلك ايضا على النزاع المتقدم في مسالة وحدة الطلب والارادة وتغايرهما بجعل الطلب عبارة عن معنى قابل للتعلق بالمحال مع كونه موضوعا لحكم العقل بوجوب الامتثال كما هو ظاهر استدلالهم بالمغايرة اذ ح على القول بالاتحاد كما هو التحقيق يكون عدم جوازه من جهة كون التكليف بنفسه محالا لا من جهة انه تكليف بالمحال نظرا إلى وضوح استحالة تعلق الارادة الفعلية بالممتنع بخلافه على القول بالمغايرة فان المحذور فيه انما هو من حيث كونه تكليفا بالمحال وبما لا يقدر عليه المكلف

١٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي مثله نقول بانه على القول بالمغايرة وتسليم هذا المبنى الفاسد لا بأس بالقول بالجواز في المقام ولكن الذي يسهل الخطب هو فساد اصل المبني لما عرفت في محله من اتحاد حقيقة الطلب والارادة وانه لا يتصور معنى آخر يكون هو الطلب في قبال الارادة بحيث كان موضوعا للحكم بوجوب الامتثال وكان قابلا ايضا للتعلق بالمحال وعليه فكان التحقيق في المقام هو عدم جوازه من جهة ما عرفت من كون مثل هذا التكليف بنفسه محالا كما هو واضح.

الجهة الخامسة : قال في الكفاية ج ١ ص ٢٢٠ وكون الجواز في العنوان بمعنى الامكان الذاتي بعيد عن محل الخلاف بين الاعلام. هذا جواب عما يتوهم من ان الشيء وان لم يوجد بدون علته التامة المنتفية بانتفاء بعض اجزائها إلّا انه لا ينافي الامكان فان الشيء حال وجوده وعدمه ممكن فيجوز الأمر مع لعلم بانتفاء شرطه بمعنى أنه يجوز في ذاته وان كان ممتنعا بالنظر إلى انتفاء شرطه ، وحاصل الجواب انه يتم لو كان المراد هو الامكان الذاتي وليس كذلك بل المراد هو الامكان الوقوعي لعدم كون الأول مهما للاصولي.

متعلق الاوامر الفرد أو الطبيعة

النموذج الثاني عشر :

في بيان متعلق الطلب والأمر هل هو الوجود والفرد او الطبيعة وتحقيق الكلام فيه يكون البحث عن جهات :

الجهة الاولى : قال استادنا الآملي في المجمع ج ١ ص ٣٧٢ ان الطبيعة في المقام يكون له مصداقان فان القائل إذا قال يجب الحج على المستطيع يكون فيه طبيعتان طبيعة المستطيع وطبيعة الحج ولا يكون الاولى محل البحث لانه لا شبهة في ان الطبيعة يكون سببا لبسط الحكم على الافراد وفي الواقع يكون

١٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

المستطيع الخارجي والجنب الخارجي وغيره عليه حكم الحج والغسل وغيره ولا يأتي البحث في ان الأمر باي شيء تعلق ففي الواقع تعلق بالافراد الخارجية بالعنوان العام وهو المستطيع والجنب كما انه قد يكون العنوان العام الانسان الذي له افراد وانما الكلام في الطبيعة الثانية اعني الحج فانه يكون وجوده الخارجي باتيانه في الخارج ظرف سقوط التكليف وماهيته في الذهن بدون الوجود لا اثر لها ولا مصلحة فيها ولذا صار محل الإشكال وكذلك الصلاة والزكاة فلا تخلط كما يكون فيه الخلط في الكلمات فان الاولى خارجة عن محل البحث والثانية داخلة فيه والحاصل يكون البحث في متعلق فعل المكلف الذي هو المأمور به. وما ذكره في غاية المتانة.

الجهة الثانية : قال المحقق العراقي في البدائع ص ٤٠٤ وقبل الخوض في المقصود ينبغي تحرير محل النزاع فنقول لا إشكال انه على كلا القولين لا بد عند طلب شيء والأمر به من لحاظ متعلق الطلب وتصوره ليتمكن بذلك من طلبه والبعث إليه وإلّا فتحقق الطلب والبعث إليه غير معقول وهو واضح ولا يخفى ان لحاظ الطبيعة يتصور على وجوه منها لحاظها بما هي موجودة في الذهن ومنها لحاظها بما هي شيء في حد ذاتها مع قطع النظر عن وجودها الذهني او الخارجي ـ أي كما يقال الماء موجود او معدوم فترى معروضا للوجود والعدم ـ ومنها لحاظها بما هي خارجية بحيث لا يلتفت إلى مغايرتها للخارج ولا يرى في هذا اللحاظ التصوري الا كونها عين الخارج ومتحدة معه وان كان اللاحظ بالنظر التصديقي يقطع بخلافه فيرى انها غير موجودة في الخارج وح نقول ان من الواضح انه ليس المقصود من الطبيعة عند القائل بتعلق الطلب بها هي الطبيعة بما هي موجودة في الذهن حيث انها بهذا الاعتبار مضافا إلى انها كلي عقلي غير قابل للصدق على الخارج لا تقوم بها المصلحة ليتعلق بها الطلب فلا

١٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

مجال لتوهم تعلق الطلب بها بهذا الاعتبار وكذلك ليس المقصود بها الطبيعة من حيث هي لوضوح انها بهذا الاعتبار ليست إلّا هي فلا تكون ايضا مورد للمصلحة ليتعلق بها الطلب بل المقصود من ذلك هي الطبيعة بالاعتبار الثالث الذي به يرى عين الخارج إذا عرفت ذلك ظهر لك ان مركز النزاع في ان معروض الطلب هي الطبيعة او الوجود انما هي الطبيعة بالاعتبار الثالث فالقائل بتعلق الطلب بالطبيعة يدعي تعلقه بنفس الطبائع والعناوين بما انها ملحوظة خارجية لا بمنشإ انتزاعها وهو الوجود لا بد واو لا سراية والقائل بالوجود يدعي عدم تعلقه الا بالمعنون الخارجي الذي هو منشأ انتزاع العناوين والصور الذهنية.

إذا عرفت ذلك فاعلم قال في الفصول ص ١١١ هذا كله انما يجري على ما هو التحقيق عندنا في مدلول الأمر من انه طلب ايجاد الطبيعة واما إذا قلنا بان المطلوب به الحقيقة الخارجية او الحقيقة المقيدة بالوجود الخارجي فان فسر الفرد بالطبيعة المقيدة بالتشخص كما هو التحقيق فيه فالمطلوب بالامر نفس الفرد وان فسر بالمجموع المركب من الطبيعة والتشخص فالمطلوب بالامر ام ثالث غير الطبيعة من حيث هي : ـ وغير الفرد وهي الطبيعة المقيدة. وقال في الكفاية ج ١ ص ٢٢١ ولا يخفى ان المراد ان متعلق الطلب في الاوامر هو صرف الايجاد كما ان متعلقه في النواهي هو محض الترك ومتعلقهما هو نفس الطبيعة المحدودة بحدود والمقيدة بقيود تكون بها موافقة للغرض والمقصود من دون تعلق غرض باحدى الخصوصيات اللازمة للوجودات بحيث لو كان الانفكاك عنها باسرها ممكنا لما كان ذلك مما يضر بالمقصود اصلا كما هو الحال في القضية الطبيعية في غير الاحكام ـ أي الحكم والمحمول فيها على نفس الطبيعة من حيث هي والكلي مثل الانسان كلي ـ بل في المحصورة ـ أي التي هي قسمة للطبيعة فانها وان ذكر في تحديدها انها ما يكون الحكم فيها على الأفراد مع بيان

١٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

كمية افراد المحكوم عليها بلفظ كل وبعض ونحوهما مثل كل انسان حيوان ناطق ولا شيء من الانسان بحجر ـ إلّا ان المحقق في محله ان الحكم فيها ايضا على الطبيعة الملحوظة سارية في الافراد لا من حيث هي كما في الطبيعية ـ على ما حقق في غير المقام. فصاحب الكفاية بعد ان تخيل ان مراد القائل بالطبيعة ان موضوع الأمر نفس الطبيعة من حيث هي ومراد القائل بالفرد ان موضوعه الوجود الخاص بدخل الخصوصيات في موضوعه وحيث ان الخصوصيات المقومة للفرد ليست دخيلة في الغرض الباعث على الأمر فيمتنع اخذها في موضوعه أورد صاحب الكفاية على القائلين بالفرد بذلك وحيث ان الطبيعة من حيث هي ليست ايضا موضوعا للغرض ولا محطا للاثر المقصود منها وجه القول بالطبيعة تبعا للفصول بان الأمر ليس هو الطلب مطلقا كي يمتنع تعلقه بالماهية من حيث هي بل هو طلب الوجود وكذلك النهي ليس هو الزجر عن الماهية كذلك بل هو طلب العدم فالوجود والعدم المأخوذان في موضوع الأمر والنهي متعلقان بالماهية من حيث هي ولا إشكال فيه وحاصله ارادة صدور الوجود من المكلف لا إلى طلب ما هو صادر وثابت في الخارج حتى تكون من طلب الحاصل ولكن فيه اولا كان الاولى في توجيه القول بالطبيعة حمل الطبيعة في كلامهم على الملحوظة حاكية عن الوجود لا جعل الوجود داخلا في مفهوم الأمر ولا جعل العدم داخلا في مفهوم النهي اذ الأمر نفس الطلب والنهي نفس المنع والزجر لا طلب العدم فهما ضدان يتعلقان بالوجود كما يتعلقان بالعدم ، وثانيا ان الرد على القول بالفرد بما ذكره اخذا بظاهر لفظ الفرد غير ظاهر الوجه بعد ظهور ادلتهم في خلافه فان استدلالهم بان الطبيعة من حيث هي لا وجود لها في الخارج ظاهر في نفس الطبيعة من حيث هي لا في اعتبار الخصوصيات في موضوع الأمر ، مع ان الفرد لو كان هو الوجود الخاص ويلزم من تعلق الأمر

١٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

بالفرد بعد البناء على دخل الوجود في مفهوم الأمر ان يكون معنى الأمر بالفرد طلب وجود الوجود وهو لا معنى له اصلا ، مضافا إلى ذلك اشكل عليه المحقق العراقي في النهاية ج ١ ص ٣٨٢ انه بعد ان كان الايجاد وجعل الشيء بسيطا معلولا للطلب وفي رتبة متأخرة عنه بنحو تخلل بينهما الفاء الكاشف عن اختلافهما بحسب الرتبة كقولك اردت ايجاد الشيء فاوجدته يستحيل وقوعه موضوعا للطلب ومتعلقا له. وقال المحقق النائيني في الاجود ج ١ ص ٢١٠ فالتحقيق أن النزاع في المقام مبتن على النزاع في مسألة فلسفية وهي أن الكلي الطبيعي هل هو موجود في الخارج أم لا ـ كمبحث اختيار الانسان لا لغويا من أن الموضوع له للطلب هي الطبيعة أو لوجود ـ وتوضيح ذلك يتوقف على بيان المراد من وجود الكلي الطبيعي وعدمه فنقول قد عبر بعض القائلين بانكار وجود الطبيعي في الخارج ان الكلي الطبيعي من المفاهيم الانتزاعية ولا يخفى ان مراده بذلك ليس هو الانتزاع المصطلح عليه في ما هو من قبيل الخارج المحمول المنتزع من خصوصيات ذاتية كالعلية والمعلولية او من خصوصيات قيام العرض بمعروضه كالسبق واللحوق والمقارنة كيف وقد اتفقوا على تقسيم المحمولات إلى ذاتية وهي المحمولات المقومة للذات وإلى غير ذاتيه وعلى تقسيم ما لا يكون ذاتيا إلى محمولات بالضميمة وهي المحمولات بواسطة قيام احدا الاعراض التسعة بمعروضاتها ـ أي كالبياض للجسم ـ وإلى محمولات انتزاعية المعبر عنها بالخارج المحمول ـ أي كالفوقية والتحتية ـ كما انه ليس مراد القائل بوجوده في الخارج هو القول بتحققه في الخارج من دون تشخص وخصوصية كيف وقد اتفقوا على ان الشيء ما لم يتشخص لم يوجد بل المراد من هذا النزاع على نحو يكون نزاعا معقولا هو ان الارادة الفاعلية الموجدة للشيء في الخارج هل تتعلق بنفس الشيء مع قطع النظر عن

١٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

مشخصاته وهي انما توجد معه قهرا لاستحالة وجود الشيء بدون الشخص او ان المشخصات تكون مقومة للمراد بما هو مراد ويستحيل تعلق الارادة بنفس الطبيعي من دون مشخصاته وبعبارة اخرى هل التشخصات في مرتبة سابقة على الوجود ليكون معروض الوجود هي الماهية المتشخصة او هي في مرتبته حتى يكون معروض الوجود كالتشخصات نفس الماهية ونحن إذا راجعنا وجداننا في ارادتنا نرى ان متعلق الارادة في افق النفس كلي دائما وان كان مقيدا بالف قيد حسب اختلاف الاغراض وانما يكون التشخص بالوجود فقط فاذا كان هذا حال الافعال الارادية فيكون حال غيرها من الموجودات الخارجية المعلولة لغير الارادة ايضا كذلك فيكون نفس الطبيعي معروض الوجود والتشخص دائما إذا تبين ذلك فبضميمة ان ما هو متعلق الارادة التكوينية من العبد لا بد وان يكون بعينه متعلقا للارادة التشريعية من المولى فان نسبة الارادة التشريعية إلى التكوينية وان لم يكن نسبة العلة إلى معلولها حقيقة إلّا انها في حكم العلة لها ومحركة للعبد إلى ارادة ما تعلقت به يتضح لك أن متعلق الاوامر هي نفس الطبائع وتكون المشخصات كلها خارجة عن المأمور به. واجاب عنه استادنا الخوئي في الهامش الاجود ج ١ ص ٢١١ لا يخفى ان حقيقة الوجود بما انها فعلية محضة يكون تشخصها بنفس ذاتها فكل وجود في نفسه مغاير لوجود آخر ومتشخص بنفسه واما تشخص الماهية فانما يكون بالوجود وهذا معنى قولهم ان الشيء ما لم يوجد لم يتشخص واما قولهم الشيء ما لم يتشخص لم يوجد فالمراد من التشخص فيه هو التشخص في مرتبة علة الشيء الموجدة له لا تشخصه المتقدم بالوجود الخارجي المحقق او المفروض هذا حال التشخص الحقيقي الذي يكون بالوجود ويعرض الماهية بتبع عروض الوجود لها واما الامور التي لا تنفك عن الوجود خارجا

١٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

كالاعراض الملازمة مع الوجود الجوهري فهي لا تكون مشخصة له ابدا بل هي موجودات اخرى في قبال ذلك الوجود المتشخص بنفسه ووجود كل منها متشخص بنفسه ايضا واطلاق المشخص عليها احيانا مبني على ضرب من المسامحة والعناية وعليه فلا مجال لتوهم ان الأمر بشيء يكون أمرا بمشخصاته المسامحية نعم لو بنينا على لزوم كون المتلازمين في الوجود متفقين في الحكم لكان اللازم هو اتصاف المشخص بحكم المتشخص ايضا لكنه بمراحل عن الواقع على ما سيتبين في محله فتلخص ان القول بتعلق الأمر بالمشخصات يبتني على القول بسراية حكم الشيء إلى ملازمة ولا دخل له بكون المشخصات في مرتبة سابقة على الوجود او في مرتبة لاحقة له ومن ذلك يظهر ما في كلام شيخنا الاستاد (قدس‌سره) في هذا المقام انتهى وقد عرفت ان الكلام ليس في المشخصات اصلا حتى على القول بتعلقه بالفرد ولا نعيد إلى هنا تبين ان المحقق الخراساني يقول ان البعث يكون بايجاد الماهية الذهنية في الخارج لا الماهية فقط ولا الوجود الحاصل لما مر من عدم الفائدة في البعث كذلك من جهة محالية طلب الحاصل وانه مسقط له فلا يعقل ان يكون معروضا له ، وعدم أثر للماهية لانها من حيث هي ليست إلّا هي وتقدم الجواب عنه ، وفي قباله ذكر المحقق النائيني أن البعث لا يكون بالايجاد بل بالماهية لكن لا في رتبة الذات لانها فيها ليست إلّا هي بل في ما دونها لغاية الايجاد وتقدم الجواب عنه ، مضافا إلى أن الماهية لا تكون مركز المصلحة بل المصلحة في الوجود فعلى هذا يكون تعلق الامر بالماهية او بالوجود باطلا لعدم المصلحة في الاولى ولزوم تحصيل الحاصل في الثاني ، وذهب المحقق العراقي إلى ان الأمر متعلق بالطبائع الحاكية عن الخارج أي بلحاظ وجودها فيه وتوضيحه أن الصورة من الشيء في الذهن تارة تكون موجودة فيه مع كون متعلقها في

٢٠٠